fbpx
تقديرات

استهداف قطر: الجذور والسيناريوهات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

تمهيد

على الرغم أن المؤتمر الذي عقد بالمملكة العربية السعودية على شرف الزيارة الأولي للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”؛ كان الغرض منه مواجهة المد الإيراني ومشروعها في منطقة الشرق الأوسط كما أعلن. إلا أن المفاجأة التى عقبت المؤتمر، أن أولى دول الشرق الأوسط التى هوجمت بعد إنتهاء المؤتمر بساعات كانت دولة قطر. فقد تم إختراق وكالة الأنباء القطرية (قنا) وتم نشر تصريحات منسوبة لأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني؛ وقالت الوكالة إن موقعها قد تعرض لاختراق من جهة إستخباراتية؛ كما أكدت في وقت لاحق تعرض حسابها على “تويتر” للإختراق أيضا1.

إلا أن الأزمة لم تقف عند هذا الحد فحسب؛ ففي نفس الوقت الذي كان الطيران المصري يقوم بتوجيه ضربات عسكرية ضد ليبيا، هدد “السيسي” الدول الراعية والداعمة للإرهاب في إشارة يُفهم من خلالها أن المقصود من وراء تصريحات السيسي “غزة وقطر”. هذا التهديد جاء متزامنا مع القرارات الفورية التى إتخذتها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والبحرين ومصر. القاضية بحجب مواقع شبكة “الجزيرة” وكل الصحف القطرية على شبكة “الانترنت”2. وصولاً إلى حجب القنوات الرياضية القطرية (BIN SPORT) وإنسحاب أشهر معلقيها الحاملين للجنسيات السعودية والإماراتية والمصرية.

إلا أن الأخطر هو إتخاذ السعودية والإمارات ومصر قراراً بقطع العلاقات الدبلوماسية؛ وإغلاق كافة المنافذ البحرية والبرية والجوية من وإلى قطر3. وقد تباينت تبريرات السعودية ومصر والإمارات والبحرين في قطع علاقاتهم مع قطر. فالسعودية تتهم قطر بمحاولة شق الصف السعودي الداخلي. بينما الإمارات تتهم قطر باحتضان الإرهابيين على أراضيها؛ وفي الغالب تقصد الإمارات حركة حماس الفلسطينية وقيادات الإخوان المسلمين. أما البحرين فتتهم قطر بمحاولة قلب النظام الشرعي في البحرين. وأخيرا مصر تتهم قطر بدعم قادة حركة الإخوان المسلمين وإيوائهم4.

جذور الخلافات:

المتابع للجذور التاريخية للخلافات العربية العربية يجد أن ما ظهر مؤخرا هو حقيقة العلاقات العربية العربية وإن كان معظمها سرا في الماضي؛ بينما الآن ظهرت للعلن لا أكثر، والأدلة على ذلك كثيرة إلا أننا سوف نسلط الضوء على جذور الخلافات بين قطر والسعودية منذ بداية القرن العشرين عندما طالبت السعودية بضم قطر لها باعتبارها جزءاً من إقليم الإحساء (1913)؛ إلا أن بريطانيا أصرت على الاعتراف بحدود قطر بعد ذلك بسنتين (1915)؛ إلا أن الخلافات ظلت قائمة خاصة بعد اكتشاف النفط في الخليج العربي. لتتجدد الخلافات بعد ذلك عام 1965م، مع توقيع اتفاق ترسيم الحدود بين البلدين.

ثم تجددت الخلافات عام 1992 على إثر حادث مركز الخفوس الحدودي، والذي قالت فيه الحكومة القطرية، إن قبيلة آل مرة ساندت السعودية ضد القوات القطرية، وفي العام 1995، اتهمت قطر الملكة العربية السعودية بإستغلال بعض أفراد قبيلة آل مرة والأمير خليفة آل ثاني في عملية الإنقلاب الفاشلة ضد الحكومة القطرية، الأمر الذي أدى إلى إسقاط الجنسية وتهجير المئات من رجال القبيلة إلى السعودية.

وفي عام 1996م، حيث اختارت القمة الخليجية التي عقدت في سلطة عمان الشيخ جميل الحجيلان أميناً عاماً لمجلس التعاون الخليجي مقابل مرشح قطر عبد الرحمن العطية، الأمر الذي دفع الأمير حمد بن خليفة للاحتجاج ومقاطعة الجلسة الختامية للقمة.

وفي عام 2002، تطرق برنامج تلفزيوني بثته قناة الجزيرة، واستضاف فيه شخصيات تعرضت لمؤسس المملكة الراحل الملك عبد العزيز، الأمر الذي دفع السعودية لسحب سفيرها من الدوحة دون الإعلان عن ذلك، وبلغت الأزمات القطرية السعودية ذروتها عام 2014، حين قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين سحب سفرائهم من قطر، وذلك عبر بيان مشترك للدول الثلاث، معتبرين أن القرار اتخذ بعد فشل جهود إقناع قطر بضرورة الالتزام بالمبادئ التي تكفل عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر، وعدم دعم كل من يعمل على تهديد أمن واستقرار دول المجلس من منظمات أو أفراد، سواءً عن طريق العمل الأمني المباشر أو عن طريق محاولة التأثير السياسي وعدم دعم الإعلام المعادي.

وأخيراً، وقبل القرار الأخير بقطع السعودية ومصر والإمارات والبحرين علاقاتهم الدبلوماسية، فقد طالبت الإمارات من قطر ومن رجال أعمالها أصحاب الفنادق في قطر بعدم السماح للسيد خالد مشعل بعرض وثيقة حماس الجديدة، والتي عرضت بعد أن تأخرت قليلا عن موعدها الأصلي5.

إنعكاسات الأزمة:

  1. توقع خبراء في الشؤون الرياضية، أن تؤدي الأزمة الدبلوماسية الحادة التي اندلعت بين عواصم خليجية عدة والدوحة، إلى انعكاسات سلبية على استضافة قطر المرتقبة لكأس العالم 2022 في كرة القدم.
  2. بعد أن قطعت السعودية وبعض الدول العربية والخليجية علاقاتها الدبلوماسية مع قطر، بدأت المخاوف تنتاب تلك الدول من نقص امدادات الغاز المسال لهم، لأن قطر تعتبر أكبر دولة مصدرة له في العالم. وقالت مصادر بقطاع النفط والغاز: إن الإمارات تستهلك 1.8 مليون قدم مكعب يومياً من الغاز القطري عبر خط الأنابيب دولفين، ولديها أيضاً اتفاقات لشراء الغاز المسال من الدوحة وهو ما قد يعرضها لخطر مواجهة إجراءات مضادة.  وفي حين أدى الخلاف إلى ارتفاع أسعار النفط، فإن تجار الغاز الطبيعي المسال يتخذون نهج الترقب والانتظار، ويتوخون الحذر من تعطل محتمل في تدفقات الطاقة الإقليمية.
  3. تراجعت عقود خام القياس العالمي لأقرب استحقاق، عن مكاسبها وأنهت الجلسة منخفضة 48 سنتاً أو 0.96 % عند 49.47 دولار للبرميل. وهبطت أسعار النفط نحو 1%، متأثرة بمخاوف بعد قطع العلاقات بين قطر والسعودية، أكبر مصدر للخام في العالم، والإمارات ومصر والبحرين واليمن وليبيا، قد يعرقل اتفاقاً عالمياً لخفض إنتاج النفط. وأوقفت السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر والبحرين روابط النقل مع قطر، وهي منتج رئيسي للغاز الطبيعي المسال والمكثفات، متهمة إياها بدعم التطرف وتقويض الاستقرار في المنطقة. وانخفضت عقود خام القياس الأميركي غرب تكساس الوسيط 26 سنتا أو 0.55 % لتبلغ عند التسوية 47.40 دولارا. وقادت عقود البنزين الأميركي مجمع الطاقة للانخفاض مع هبوطها حوالي 2.5%، لتسجل عند التسوية 1.5381 دولار للغالون بفعل مبيعات لأسباب فنية، حسب ما قال سماسرة. ومع طاقة إنتاجية قدرها 600 ألف برميل يومياً، فإن إنتاج قطر من النفط الخام يأتي بين مصاف أصغر المنتجين في أوبك، لكن توترات مع المنظمة قد تضعف اتفاق خض الإمدادات الذي يهدف لدعم الأسعار6.
  4. تلقت الشركات القطرية خسائر كبيرة، حيث فقد سهم شركة “قطر لنقل الغاز” أكثر من 14.2 %، فيما انخفض “البنك الأهلي” لليوم الثاني على التوالي ليخسر 6.0 % في يومين. وانخفض سهم قطر للصناعات التحويلية 8.2 %، وتراجع سهم المخازن الخليجية لليوم الرابع على التوالي، فيما سجلت شركة قطر للملاحة أدنى مستوى لها لهذا العام، وتراجع البنك القطري الأول 9.9%. وخسر بنك قطر الوطني 3 مليار دولار من قيمته السوقية، وهذه أكبر خسارة في قطاع المصارف، فيما انخفض سهم “أمال” بأكثر من 10 % على إثر ارتفاع الزخم في الأسواق7.

شروط عودة العلاقات

في ظل الوساطة التى تقوم بها الكويت لحل الخلافات الخليجية القطرية، أبلغت السعودية الكويت بوجود شروط عشرة، تطالب الدوحة بتطبيقها خلال 24 ساعة، بدءاً من يوم 7-6-2017م، منها: قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران فورًا، حزب الله اللبناني، وطرد جميع أعضاء حركة حماس من أراضيها، وتجميد حساباتهم البنكية وحظر التعامل معهم، وتقديم إعتذار رسمي لجميع الحكومات الخليجية عما بدر من إساءات من قناة الجزيرة، وتعهد الدوحة بعدم ممارسة حكومتها لأى دور سياسي يتنافى ويتعارض من سياسات دول الخليج المتوحدة، وعدم التعامل مع قيادات الاخوان المسلمين، وعدم تقديم الدعم لأي مجموعة مسلحة قريبة من تنظيم الدولة، وعدم التعامل مع أي حركات تحرض الشيعة في السعودية أو البحرين، ووقف بث قناة الجزيرة فوراً، والتزام الدوحة بميثاق العهد الذي وقع عام 2012. وفي حال إلتزمت الدوحة بالشروط وقبلت بها سيتم عقد إجتماع بجدة يضم دول الخليج بما فيها قطر8.

وعند النظر في شروط دول الخليج يجد بأنها كافية لإنهاء أي نشاط سياسي لقطر في الساحة الاقليمية والدولية. إضافة إلى أن مضمونها الخفي يحمل شروط أكثر خطورة، أهمها اعتراف قطر بنظام السيسي في مصر. ووقوف قطر على الحياد في أي عدوان قادم على غزة. وأن تدفع قطر مليارات الدولارات كما فعلت الأنظمة الخليجية لترامب.

سيناريوهات الأزمة

السيناريو الأول: أن تضغط الولايات المتحدة بشكل رئيس عبر تحريك دول خليجية أو عربية أو تدخل دبلوماسي أمريكي مباشر للضغط على أطراف الأزمة لتسوية هادئة من خلال دفع قطر للتراجع عن الكثير من سياساتها ولكن بطريقة تحفظ لها ماء الوجه، وهو ما يعني تحللا تدريجياً هادئاً من قطر لسياساتها مثل “تهذيب الجزيرة” والتخفيف من العلاقة مع الاخوان المسلمين وحركة حماس؛ وزيادة جرعة العداء على الأقل إعلاميا لإيران. وقد تلجأ الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الخطوة للحفاظ على حليفتهم قطر. أو في حال شعرت الولايات المتحدة أن الهجمة الخليجية إلى قطر مصيرها للفشل. وربما في حال أقدمت قطر لعقد صفقة تجارية مع الولايات المتحدة الامريكية تعجل في هذا السيناريو.

السيناريو الثاني: خضوع قطر للمطالب الخليجية وهو ما يعني إلقاء قدر من الظلال على الدور القطري خلافا للفترة الزمنية الماضية، لا سيما ان القرارات والشروط المطلوبة للمصالحة المتخذة ضد قطر قاسية.

السيناريو الثالث: هو أن تجد قطر نفسها أمام تبني سياسة الهروب للأمام بالتحول التدريجي أيضا نحو المعسكر الإيراني، خاصة وأن طبيعة الظروف العامة لبنية الدبلوماسية الخليجية قد تدفع منطقة الخليج لمثل هذا السيناريو.

السيناريو الرابع: التدخل العسكري في قطر على غرار التدخل في اليمن أو التدخل لدرع الجزيرة في البحرين وهو الاحتمال الاسوأ مع أنه الاضعف، لا سيما أن وجود قاعدة “العديد” الأمريكية يجعل مثل هذا الخيار أمرا معقدا.

السيناريو الخامس: تصعيد الأزمة مع قطر من خلال طردها من مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الاسلامي.

خلاصة

يجب الاعتراف بان قطر في وضع متأزم، وغير مسبوق، وفي مواجهة أعداء شرسين، وهذا يتطلب من حلفاء قطر التحرك بشكل عاجل وسليم، فتركيا عليها دور كبير في اتصالاتها الدبلوماسية لكي توفر لقطر حماية حقيقية. كما على الأطراف الأخرى أن توفر دعما لقطر دون إحراجها (9).

———————————–

الهامش

(1)  موقع الجزيرة، تاريخ الزيارة 25-5-2017م، الرابط.

(2)  موقع روسيا اليوم، تاريخ الزيارة 25-5-2017م، الرابط.

(3)  موقع BBC، تاريخ الزيارة 6-6-2017م، الرابط.

(4)  موقع واللا العبري، تاريخ الزيارة 6-6-2017م،الرابط.

(5)  موقع دنيا الوطن، تاريخ الزيارة 6-6-2017م، الرابط.

(6)  موقع دنيا الوطن، تاريخ الزيارة 6-6-2017م، الرابط .

(7)  موقع دنيا الوطن، تاريخ الزيارة 6-6-2017م، الرابط.

(8)  موقع DAILY WIRE، تاريخ الزيارة 7-6-2017م، الرابط.

(9) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close