fbpx
تحليلات

اعتقالات العيد.. دعاية الوقيعة بين القوى الديمقراطية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

قامت قوات أمنية مصرية بمداهمة منزل مساعد وزير الخارجية الأسبق معصوم مرزوق، واقتادته لجهة غير معلومة، لحين عرضه على النيابة، ومن بعده تحركت هذه القوات لاعتقال عدد من السياسيين والأكاديميين البارزين، منهم الدكتور يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بالجامعات المصرية، والخبير الاقتصادي الدكتور رائد سلامة، والقيادي بالتيار الشعبي سامح سعودي، بالإضافة للنشطاء نرمين حسين وعبد الفتاح سعيد. وشهدت الحادثة ذكرا لاسم رجل الأعمال المصري عمرو فضل.
وقرر النائب العام توجيه اتهام لجميع المعتقلين، بينما وجهت للمتهم عمرو محمد فضل اتهامات: الانضمام لجماعة ارهابية وتلقي تمويل بغرض إرهابي، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية، وذلك في القضية التي تحمل رقم 1305 لسنة 20181 .
اقترن مع هذا الحدث تصوران مهمان، وإيجابيان، في الساحة السياسية المصرية، يمثل أحدهما امتدادا في الماضي لهذا الحدث، بينما يمثل الآخر تطورا مستجدا في الدعاية، وربما في الواقع المتعين. أما الامتداد التاريخي فيتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه تيار “الاحتجاج عبر مواجهة القمع”، وهو تيار بطولي امتد عبر سلسلة من الأحداث المهمة أطلقها جملة من الرموز السياسية المصرية، منها اعتقال المستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات المصري؛ في 13 فبراير 2018، بعد الحوار الذي أجراه مع موقع “هافنجتون بوست العربي”2 .
ثم اعتقال د. عبد المنعم أبو الفتوح بعد حوارات ثلاثة كان قد أجراها مع كل من “شبكة بي بي سي”، ومع “قناة الجزيرة” و”تلفزيون العربي” الممنوعتين في مصر، وذلك خلال زيارته للعاصمة البريطانية3 . ثم أخيراً وليس آخراً، السفير معصوم مرزوق الذي اعتقل على خلفية مبادرته السياسية التي طالب فيها بالاستفتاء على بقاء رأس إدارة 3 يوليو في منصبه، وشهدت جدالا إعلاميا كان أكثره عبر شبكات التواصل بين التأييد والتقدير المقرون بالرفض4 .
والدكتور يحيى القزاز الذي شن حملة بين متابعيه في شبكات التواصل الاجتماعي مشددا على الأهمية القصوى للمقاومة السلمية5 . فضلا عما لحق برئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق سامي عنان مع ترشحه للرئاسة6 .
وهذه نماذج لوقائع كثيرة تعرض لها سياسيون مصريون متقدمون في العمر للاعتقال بعد حدث كبير شهد تفاعلا كبيرا بين المواطنين، سواء في الشارع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، منها ما حدث مع الإعلامي عادل صبري ومن قبله الباحث والإعلامي هشام جعفر. وهو ما يراه الباحث تكتيكا جديدا للمقاومة والاحتجاج طورته النخبة السياسية الديمقراطية المصرية لتحقيق عدة أهداف في تقدير الباحث:
أولها، تحدي سياسة القمع وبرغم تيقن هذه الرموز السياسية المتقدمة في العمر من تعنت إدارة 3 يوليو في معالجة المعتقلين المرضى والرعاية الصحية بكبار السن.
ثانيها، التواصل مع القواعد الجماهيرية مقرونا بالدليل على التواصل النضالي وإصرار هذه الرموز على تحمل التكلفة السياسية للتغيير السلمي ولإنقاذ مصر.
وثالثها، هدف انفتاح القوى الديمقراطية المعارضة على بعضها وتجاوز خلافاتها، حيث تقدمت القوى العلمانية خطوة بالاعتراف بالوسائط الإعلامية التي تملكها القوى السياسية المعارضة بالخارج كرصيد لأمل التغيير، وبالتلميح لأهمية الوصول لتوافق واسع حول التغيير وشكل المستقبل في مصر.
الأمر الثاني الذي اقترن بـ”اعتقالات العيد”، هو تلك الدعاية التي ساقتها إدارة 3 يوليو لاتهام الرموز السياسية المعتقلة بمشاركة جماعة الإخوان في مراميها السياسية. وسبق أن أشرنا لقرار النائب العام توجيه اتهام لجميع المعتقلين، بينما وجهت للمتهم عمرو فضل اتهامات: الانضمام لجماعة ارهابية وتلقي تمويل بغرض إرهابي، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جريمة إرهابية، وذلك في القضية التي تحمل رقم 1305 لسنة 2018.
وفي هذا السياق، حرصت الدعاية التي باشرتها إدارة 3 يوليو على التأكيد على كون عمرو فضل منتميا لجماعة الإخوان، وأنه المضطلع بعبء تمويل/ نقل تمويل عملية الاحتجاج التي باشر آخر حلقاتها السفير معصوم مرزوق – بحسب هاتيك الدعاية، هذا فضلا عن ذكر اسم القيادي الإخواني رأفت كمال عبد اللطيف باعتباره “همزة الوصل التي تحمل تكليفات الإخوان لمعصوم وشلته”7 . طبيعي ألا يملك باحث مهني ثقة تذكر في وسائل إعلام ناطقة باسم أجهزة أمنية. غير أن تحليل تداعيات هكذا مسار دعائي يظل من متطلبات البحث؛ حيث أن هاتيك الدعاية تستهدف إنتاج تصور “ما” في أذهان متلقيها. فإن صحت هذه الصيغ الدعائية في وجود “علاقة ما” بين الأطياف المختلفة للمعارضة الديمقراطية؛ فإن هذا دليل على بدء تجاوز هذه المعارضة لأزمة التواصل التي قامت في أعقاب الانقلاب العسكري، هذا بالإضافة للقيمة العملية لتيار “الاحتجاج عبر مواجهة القمع”. وإذا كانت هذه الدعاية غير صحيحة – وهو الراجح – بالنظر لسياسة “شيطنة جماعة الإخوان” ومرامي هذه السياسة؛ فإن هذا التحليل ينصرف إلى فحص دلالات هذه الدعاية، وآثارها المحتملة على المعارضة الديمقراطية المصرية.

أولا: تجريد الدعاية المرتبطة بالقضية

خلال رصد المنشور حول تبعات القضية رقم 1305 لسنة 2018، رصد الباحث نحو 64 مادة تناولت الاتهامات في قالب “القصة الإخبارية”، ويمكن القول بأن هذه القصة كانت مكررة في أغلب تفاصيلها، باستثناء 5 مواد تعلقت بالناشطة نيرمين حسين، وقصتان حول الناشطة غادة نجيب، وقصة حول القيادي بالتيار الشعبي سامح سعودي وخلفيته مع “اتحاد الجرابيع”، أما بقية القصص الإخبارية (56) فركزت على التيار الأساسي للقضية، والمتمثل في العلاقة بين جماعة الإخوان واعتقالات العيد، وعلاقة التابع والمتبوع، المقصود تصويرها بهذه الكيفية لأهداف مركبة، سنتناولها لاحقا. وفيما يلي نتناول ملامح صورة كل من جماعة الإخوان والتيار العلماني الديمقراطي كما تصورها دعاية “اعتقالات العيد”8 .

أ. صورة الإخوان في دعاية اعتقالات العيد:

تضمنت صورة الإخوان في دعاية قضية “اعتقالات العيد” عددا من المحاور، يمكن حصرها بحسب ما أراد القائم بالاتصال لها أن تصل متمثلة فيما يلي:
1. جولة معصوم مرزوق هي الحلقة الأكثر جدة في مسلسل هيمنة الجماعة على المعارضة المدنية، وأتت بعد احتراق كل من حمدين صباحي بسبب الانتخابات الرئاسية واحتراق أيمن نور بسبب شائعات الفساد التي أثيرت حوله. وتشير الدعاية إلى أن بداية التواصل بين الجماعة ومعصوم كان خلال تواصلها مع حمدين صباحي خلال فترة ما بعد 30 يونيو.
2. جماعة الإخوان تمول المعارضة المدنية منذ 30 يونيو، بدء بحمدين صباحي وأيمن نور وانتهاء إلى السفير معصوم مرزوق. وتصل التمويلات للسفير معصوم مرزوق والنخبة المتضامنة معه عن طريق شركة يملكها قيادي إخواني هو عمرو فضل، مالك شركة “المدينة للتجارة والمقاولات”، وهي مصدر التمويل الأساسي، ولم تغفل الدعاية الإشارة لمدراس فضل “الإخوانية”. وأن التمويل منفصل عن التواصل لإعطاء الأوامر والتكليفات، وهمزة الوصل الذي يتولى نقل الأوامر والتكليفات القيادي بالجماعة رأفت كمال عبد اللطيف.
3. وسائل الإعلام المحسوبة على الجماعة ممولة من أجهزة مخابرات قطرية وتركية، وتتوجه بخطابها إلى الغرب لا الجمهور المصري، ومن ثم، تعمل على تصوير المعارضين المدنيين كأبطال، وتسعى لخلق حالة سياسية تتوافق مع “الجماعة”، وتطالب بعودتها للمشهد السياسي، وتنتج حالة “ولولة” على الحريات في مصر، ثم تعيد تصدير هذه الصورة إلى الغرب.
4. بما أن معصوم مرزوق “رجل الإخوان”، وبما أن أقرانه المعتقلين يساندونه، بحسب توصيف القائم بالاتصال، فإن هذا يفسر سبب انقطاع وسائل إعلام “الجماعة” للدفاع عنه وعنهم، سواء في ذلك وسائل الإعلام الجماهيرية كالقنوات الفضائية، أو شبكات التواصل الاجتماعي.
5. يظل دفاع “الجماعة” عن رموز التيار المدني قائما ما لم يتحولوا إلى “كروت محروقة”، حيث تتخلى الجماعة عنهم آنذاك، وتتجاوزهم إلى غيرهم، كما أن “الجماعة” تعمل دوما على خلق رموز وتلميعها عبر الحوارات التليفزيونية والمداخلات، لتكون جاهزة لتحل محل أي “كارت محروق”.
6. من باب التجديد، كما يصوغ القائم بالاتصال، فإن البروفيسور عزمي بشارة، مستشار الشيخ تميم بن حمد، سعى بدفع من المخابرات التركية، لتوظيف بعض الوجوه من شبكات التواصل الاجتماعي ممن لهم شعبية في هذه الشبكات، ومن بينهم غادة نجيب ونيرمين حسين، لكي ينتج تيارا في شبكات التواصل يناصر قضية الإخوان ومسالكهم الإرهابية. ويؤكد القائم بالاتصال أن اللجوء لهذا المنحى يأتي مع إحساس “بشارة” أن قنوات المعارضة في المهجر بالإضافة لقنوات الجزيرة بكل ما ينفق عليها من “تمويل” قد باءت بالفشل في تحقيق أهدافها.
7. “الجماعة” تستهين بالقضاء المصري، وهو أمر بدأ منذ تولي الرئيس الأسبق محمد مرسي، وتنتهز الفرص للتعريض بالقضاء المصري وأحكامه، وهو سبب الهجوم الحاد من جانب قنوات الجزيرة والعربي وقنوات الجماعة في تركيا على أحكام القضاء.

ب. صورة القوى العلمانية في دعاية اعتقالات العيد:

بطبيعة الحال، كان ثمة نصيب للمعارضة الديمقراطية المدنية من هذه الدعاية السوداء، ففي النهاية؛ هم مركز الحدث، وهم القابعون لحظيا في بؤرة الضوء، ولهذا حرص القائم بالاتصال على تشويه هذه الرموز، وإن أتى التشويه بصورة مضحكة إلى حد كبير. وفيما يلي نقرأ محاور نصيب المعارضة العلمانية الديمقراطية من دعاية إدارة 3 يوليو:
1. يرى القائم بالاتصال أن مساعد وزير الخارجية الأسبق معصوم مرزوق، والأستاذ الجامعي يحيى القزاز والخبير الاقتصادي د. رائد سلامة، وسائر المقبوض عليهم في “اعتقالات العيد” لا يمكنهم طرح مبادرة كتلك التي طرحها السفير معصوم مرزوق، ولهذا فإن هذه المبادرة من وضع “الجماعة”. ويدللون على ذلك بأحاديث المنشق حديثا المستشار “عماد أبو هاشم”، ويسندون لحجة إعلان قناة “مكملين” عن المبادرة قبل أن يفكر بها السفير معصوم مرزوق.
2. النخبة التي اعتقلت خلال العيد لا علاقة لها بالسياسة، ولا تاريخ لها، وهم – بحسب القائم بالاتصال – تلاميذ سياسيين لحمدين صباحي، نشأوا في ظله، ثم التقطتهم “الجماعة” لتلعب معهم لعبة “صوت القوى المدنية”. وأن الجماعة تديرهم اعتمادا على “غادة نجيب”، التي تستغل جشع البعض للمال مثل “نيرمين حسين” للسيطرة عليهم.
3. كانت وسائل الإعلام القائمة بالدعاية تحرص على ربط القيادي بالتيار الشعبي “سامح سعودي” بالحركة الشعبية التي سبق أن ظهرت ثم خمدت، والمعروفة باسم “اتحاد الجرابيع”.
4. تضمنت الدعاية المشار إليها قدرا لا يستهان به من التشهير بالناشطة “نيرمين حسين”، ووصفتها بأوصاف تتعلق بالذمة المالية، ملمحين في ذلك لأثر أصولها الفقيرة على ما حاولوا إلصاقه بها.
5. حرصت الدعاية النظامية السوداء على تأكيد وصف “غادة نجيب” بالمرأة القوية، عبر الإشارة مرارا لقدرتها على التأثير في قرار زوجها بالتحول عن معارضة “الجماعة” إلى دعمها عقب وصول الرئيس الأسبق محمد مرسي للحكم. وذكر أكثر من مصدر أن البروفيسور عزمي بشارة يعتمد عليها في “هدم الدولة المصرية”.
6. بالرغم من الانتماء الناصري والإسلامي للمعتقلين، حرصت دعاية إدارة 3 يوليو على اتهامهم بالسعي لتخريب العلاقات المصرية العربية. وبخاصة العلاقات المصرية بكل من السعودية والإمارات. وبالغت الدعاية في هذا المربع – ربما استنادا لضعف معرفة الناس بالرموز المعتقلة – فاتهمتهم بتبني وجهة نظر “إسرائيل” مثلا “في دولة غزة – العريش، وفي مواقفهم من أثيوبيا.
7. وصفت الدعاية كل من حمدين صباحي وعمار على حسن خصوصا، بأنهم كانوا شركاء في لقاءات وتجمّعات سابقة على الإعلان عن “المبادرة الإخوانية”، ومع انكشاف “السر” أصدروا بيانا رماديا تضمن دعما مبطّنا لهذه المبادرة، مع التبرؤ منها في نفس الوقت.

ج. صورة إدارة 3 يوليو في دعاية اعتقالات العيد:

لابد للقائم بالاتصال أن يرسم ملامح لنفسه في أية عملية دعائية يباشرها. حتى وإن لم يذكر نفسه. غير أن القائم بالاتصال أبى إلا أن يعيد تكرار نمط دعايته المستمر منذ يوليو 2014، ما يمكن لمسه فيما يلي:
1. الأجهزة الأمنية يقظة، وتراقب قنوات “الجماعة” لدرجة رصدها التنبؤ بالمبادرة قبل صدورها، وهو ما مكنها لاحقا من استغلال “تويتات” السفير معصوم مرزوق، وتصريحات “المنشق الإخواني” المستشار عماد أبو هاشم، لإدانة المجموعة التي اعتقلتها إدارة 3 يوليو في عيد الأضحى.
2. إدارة 3 يوليو تباشر “إصلاحات اقتصادية” و”مشروعات عملاقة” تسعى الشبكة المقبوض عليها لتقويضها.
3. الانتخابات الرئاسية لعام 2018 انتخابات “شهد لها العالم”، ما لا يدع مجالا للتشكيك بها وبما ترتب عليها من نتائج.

ثانيا: أهداف الدعاية المرتبطة بـ”اعتقالات العيد”

قبل الشروع في تحليل أهداف هذه الحملة الدعائية، من المهم أن نلفت إلى أن الدفق المرتبط بهذه الدعاية يتراوح ما بين الكذب المطلق والكذب النسبي، ولا يعني الانصراف لتحليلها أن الباحث يركن لأي بعد فيها يحتمل الصدقية، لكنها – في النهاية – دعاية لها جمهورها، ومن المهم التعرف على المربع الذي ترمي هذه الدعاية لحشر جمهورها فيه.
إن محاور الدعاية المشار إليها عاليه محاور نمطية، ومعاد تدويرها، في جل أبعادها، مع تغيير الواجهة لتلائم النخبة المقبوض عليها في عيد الأضحى، ولكي تلقي الظلال السلبية على سمعة المقبوض عليهم. وفيما يلي نرصد ما وقف عليه الباحث من اهداف لهذه الحملة:
1. من ناحية، تسعى إدارة 3 يوليو لإنتاج وقيعة بين التيارين المكونين للمعارضة الديمقراطية المصرية: العلماني والإسلامي، حيث اتجهت الدعاية لتوصيف القوى العلمانية بجملة من الصفات السلبية من قبيل الخواء الفكري، وضعف القدرات، بما في ذلك القدرات الذهنية، بدليل ما تراه هذه الدعاية من عدم قدرتهم على بناء هكذا مبادرة. وتهدف من خلال هذا الدفق الدعائي إلى دفع المكون العلماني من المعارضة الديمقراطية لمربع التأكيد على التمايز، و”الثأر للكرامة”، وإثبات الاختلاف – ربما الجذري – عن المكون الإسلامي، وهو ما قد يترتب عليه دفعهم نحو أجندة التنوير المباركية، ومعاودة إثارة الخصومة السياسية الثمانينية وتأجيجها.
كما حرص الدفق الدعائي على الإيعاز للتيار العلماني المعارض انهم – بالنسبة للإخوان – محض “كروت لعب”، وأن “الجماعة” البراجماتية ستصرف النظر عنهم في اللحظة التي يعتبرون فيها “كروتا محروقة”، وهو اتجاه يرمي لزرع أو تعميق حالة “انعدام الثقة” التي تحضر بين الفينة والأخرى في خطاب بعض رموز التيار الديمقراطي العلماني.
2. فيما يتعلق بجماعة الإخوان، حرصت الدعاية على التأكيد على معاني التفوق المطلق، عبر الإشارة للعب مع أجهزة المخابرات، وامتلاك وسائل الإعلام التي يحتاجها التيار العلماني ويفتقر إليهان وعلى تمتعهم بتمويل “دولي”، وأنها تخاطب “الدول الغربية” بإعلامها، وأنها تتلاعب بالمعارضة العلمانية الديمقراطية وكأنها مجموعة دمي في يدها. باختصار، هذه الدعاية تحاول تصوير “الجماعة” باعتبارها جماعة أسطورية في قواتها وقدراتها.
يعيد هذا النمط الدعائي الاستدراجي للأذهان نفس المنطق الذي كان يسود دعاية “إدارة مبارك” في تعاملها مع “الجماعة”؛ حيث كانت تميل لتعظيم الفوارق بين الجماعة والتيار العلماني، وهو أمر لم يكن يصب فقط في دفع التيار العلماني لمربع “الغيرة السياسية”، لكنه كان يسهم في تعزيز “الأنا” لدى بعض الشرائح العمرية والقيادية داخل الجماعة، آملة أن تدفع هذه الشرائح لرفض مقابلة التيار العلماني الديمقراطي عند “نقطة وسط”.
3. مازال نمط الدعاية المستمر منذ نوفمبر 2012، والمعتمد بصورة أساسية على “شيطنة” “الجماعة” في تقدير إدارة 3 يوليو، خطًا إستراتيجيا تعمل على تدويره وفق صيغ مختلفة. وفي دعاية “معتقلي العيد” كان تدوير نفس عناصر عملية الشيطنة في صورة ذكية لعوب، تعزز الخوف من الجماعة في الاجل القصير، وتيسر قبول جمهور دعاية إدارة 3 يوليو لعموم إجراءات الشيطنة في الاجلين المتوسط والممتد.
4. الارتكان للرصيد السابق من “شيطنة” “الجماعة”، مع رصيد “السباب” الذي كالته دعاية إدارة 3 يوليو لبعض “معتقلي العيد”، بالإضافة إلى العمل على تجريدهم من “الوطنية” ومن “الذكاء السياسي”، كل هذه الاعتبارات مما يبرر أية أحكام أو معاملة جائرة قد تلحق بهذه النخبة خلال التحقيق معها أو عند إصدار الحكم القضائي بصددها.

ثالثا: الآثار الإيجابية للدعاية

برغم أن لهذا الدفق الدعائي أهداف محددة، إلا أن عملية بناء الصورة الذهنية ليست عملية استاتيكية جامدة ومصمتة، ولا تعني بأي حال من الأحوال أن عقول متلقي الرسالة الاتصالية ستقبل الرسالة كما هي، ولهذا يقوم خبراء الإعلام بتعديل وتطوير الحملات الإعلامية بصورة مستمرة لضمان تحقيقها أهدافها. وحتى المرحلة الثانية من الحملة الدعائية، يمكننا أن نقدم “إضاءة” حول كيفية تلقي شريحة واسعة من المتضررين من سوء الإدارة الاقتصادية والسياسية للوضع في مصر لهذه الدعاية، وكيفية معاودة قراءتهم لمعطياتها:
1. يدرك رجل الشارع أن قاطرة “الإنقاذ” قد بدأت في التحرك، وأن النخبة التي اعتمد عليها خلال فترة يناير 2011 – نوفمبر 2012، ورأى أنها قد خذلته، قد بدأت مسيرة معاودة الرشد، والالتفات للأولويات، والاهتمام بأوجاع المواطنين وآلامهم، وتجاوز الخلافات السياسية التي لم تقد مصر إلا لمزيد من التدهور. ويزيد من ثقة رجل الشارع في هذه النخبة أنها قد أقدمت على التضحية بأمنها من أجل “المقاومة” و”التغيير”، وهو ما توضحه الاعتقالات.
2. يدرك رجل الشارع كذلك أن “جماعة الإخوان” حركة قوية، وأنها في قوتها ترقى لمستوى اللعب مع أجهزة المخابرات، ويدرك أن اتهام الجماعة بالعمل لصالح أجهزة مخابرات أجنبية هو محض توظيف من الجماعة لإمكانياتها، ولعب مع هذه الأجهزة وليس خضوعا لها، وهو لعب يهدف إلى تصحيح ما آل إليه وضع “الجماعة” ووضع مصر من خطأ، وأن “الجماعة” لها مصالح وطنية في مصر ترغب في صيانتها، ولها معتقلون ترغب في التحرك لإخراجهم من محنتهم، وهو ما يجعل اللعب مع اجهزة المخابرات توظيف منها لهذه الأجهزة وليس خضوعا لها.
3. يدرك رجل الشارع كذلك أن النخبة المدنية/ العلمانية ليست نخبة مستأنسة، وأنها تقاوم لأجل الإصلاح، وأنها تدفع الثمن غاليا في سبيل حركتها الإصلاحية، وهو ما من شأنه دفع رجل الشارع للتعاطف مع هذه النخبة، شريطة أن تنجز هذه النخبة “مشروع التوافق”، وألا تعاود سيرتها الأولى في التعارك مع “الجماعة”. وكان رجل الشارع يرى قبل يوليو 2013 أن هذا العراك سيعيد تسليم مصر للنخبة المباركية التي سبق له أن ثار عليها وعزلها.
4. ينظر رجل الشارع بعين الوعي لأطماع نخبة 3 يوليو، وأطماع النخبة العسكرية التين صادرتا المجالين السياسي والاقتصادي لصالحهما، وهو ما يجعل الدعاية التي تباشرها هاتين النخبتين مصدر للمعلومة الكلية التي يرمي للحصول عليها والاطمئنان بها، بينما يرفض اتجاهها وأهدافها.

خاتمة

لا يهم فيما يتعلق بهذه الدعاية التي باشرتها إدارة 3 يوليو حيال قضية “اعتقالات العيد” إن كانت صادقة أو كاذبة، المهم هو جملة المدركات التي بلغت رجل الشارع من جراء متابعتها. ولا يمكن التنبؤ بمسارات التفاعل بين مكونات التيار الديمقراطي المصري المعارض، إلا أن جولة في شوارع القاهرة، وإطلالة على منشورات المصريين على شبكة التواصل الاجتماعية الأكثر شعبية في مصر “فيسبوك” يشي بأن رجل الشارع تلقى هذه الدعاية وسار بها في مسار يخالف أهداف القائم بالاتصال. ويلقي بمسؤولية ضخمة على عاتق مكوني التيار الديمقراطي المعارض بلونيه: الإسلامي والعلماني (9 ).


الهامش

1 محمد فرج، حبس معصوم مرزوق ويحيى القزاز 15 يوما على ذمة قضية جديدة، بوابة الشروق المصرية، 24 أغسطس 2018. الرابط

2 الأمن المصري يعتقل هشام جنينة إثر تصريحاته بشأن سامي عنان.، بي بي سي العربية، نشر في 13 فبراير 2018. الرابط

3 المحرر، مصر: اعتقال عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الإسلامي السابق للانتخابات الرئاسية 2012، موقع فرانس 24، 15 فبراير 2018. الرابط

4 وسام فؤاد، وسام فؤاد – مصر.. مبادرات الأوصال المنقطعة وتدوير الاستبداد، موقع “صحيفة العربي الجديد”، 20 أغسطس 2018. الرابط

5 انظر حساب د. يحيى القزاز على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” خلال الفترة التي أعقبت اعتقال الرمز السياسي معصوم مرزوق: الرابط

6 المحرر، اعتقال سامي عنان يلقي بظلاله على العملية الانتخابية في مصر، موقع “شبكة دويتشه فيله”، 23 يناير 2018. الرابط

7 المحرر، نكشف بالتفاصيل خطة الإخوان لاستخدام “معصوم مرزوق” وشخصيات مدنية لإثارة الفوضى، موقع “الهلال اليوم”، 24 أغسطس 2018. الرابط

8 يمكن الرجوع للنص الأخير باعتباره أكثر النصوص جمعا لمحاور الدعاية التي عولجت جزئيا في كثير من الصحف والمواقع، في حين لجات مواقع وصحف اخرى لتقطيع نفس المحتوى، وتقديمه في أكثر من قصتين.

9 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. طالب بحقك .. ابقذ بلدك .. ابنى مستقبلك .. بمشاركتك فى النشر والتوعية …….. بمشروع 1050 القومي رؤية متكاملة للنهوض بالاقتصاد المصري والاستغناء عن الدعم
    منظومة متكاملة يلتف حولها الشعب كله. تحول محدود الدخل من مستحق للدعم لمتعدد دخل يستغنى عن الدعم ويدعم الدولة (بدون تحميل الدولة أي أعباء مالية وبدون أي مكون أجنبي يؤثر سلبا على سعر الصرف والاقتصاد) والذى أقمنا به الدعوى 2732 /71 قضاء أدارى ،،
    وتفعيلا لمواد الدستور 9 ،27 ،29 ،32 ، 41 ، 46، 78 ، 79
    1– وقف إهدار أكثر من 500 مليار جنيه سنويا من الاقتصاد وتحويله من اقتصاد ريعي لأتناجى .
    2-وقف بناء أكثر من مليون بيت عشوائي واستثمارها في بناء مليون بيت: آدمي – منتج للغذاء الصحي – والطاقة الشمسية – وتدويروفرز القمامة – وتقطير وتحلية المياة . يمثلوا 10 مدن جديدة متكاملة خدميا وزراعيا وصناعيا سنويا لمليون أسرة تنقل من الوادى والدلتا يحقق البيت لكل أسرة 1200 دولار(24ألف ج ) سنويا تستغنى به عن الدعم وتزيد الناتج القومى 24 مليار جنيه ويخفض 30 % من مصروفات الموازنة العامة للدولة .
    3-زراعة 300 ألف فدان صحراوي سنويا بدلا من تدمير 30 ألف فدان زراعى من أخصب الأراضي مع استرجاع 10الآف فدان من أراضى الوادى والدلتا للزراعة ، وتلافى معوقات مشروع ال1.5 مليون فدان حيث تكلفة إنشاء وتشغيل أقل ، وبدون مكون أجنبي يؤثر سلبا على الاقتصاد ، وعائد اقتصادي أعلى و في وقت وبتكلفة أقل.
    4- جذب استثمارات في الصناعة تقدر بأكثر من 20 مليار دولار سنويا لوفرة المواد الخام والطاقة. وعمالة قريبة ورخيصة
    5– نقل 5 مليون عامل معمار وتوفير دخل لا يقل عن 3000 ج شهريا ضرائبهم وتأميناتهم تزيد ايرادات الدولة ل12مليار سنويا وتوفر لهم تأمين صحى + معاش، والتخفيف عن ميزانية الدولة من معاش التضامن الاجتماعي و الدعم البالغ 230 مليار جنيه ولا يصل أغلبه لمستحقيه. + 3مليون فرصة عمل في كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية بالمدينة.
    6- خفض 5 مليار م3 سنويا من استهلاك السكان من مياة النيل فى الشرب تتكلف 40 مليار جنيه فى تنقيتها للشرب و فى معالجة الصرف الصحي ب 3 طرق (نظام الحصة اليومية بواسطة عداد 2.5 م3 يوميا شرب وزراعة – إعادة الاستخدام الثنائي بتجميع صرف مياة الغسالة والبانيو والمطبخ في صندوق طرد سعه 200 لتر يوفر 50%من استهلاك المواطن – فصل مياه الصرف الآدمي ومعالجتها بنصف التكلفة لزراعة القطن والكتان وأعلاف المواشي ، صرف صناعي لرى الغابات الخشبية يوفر نصف تكلفة المعالجة ) + استغلال 2 مليار م3 من الأمطار التي تسقط في الصحراء والمياه الجوفية للزراعة0
    7-وقف لإهدار الطاقة والمحروقات سولار بنزين وغاز وكهرباء بنسبة50 % + إنتاج طاقة كهربية أكثر من 400ميجا وات / مدينة من 2مليون م2خلايا شمسية على أسطح البيوت تمد المنطقة الصناعية بالطاقة من 8ص :4 م وتمول من مستثمريها وبثلث التكلفة للاستغناء عن: بطاريات الشحن وذلك بمبنى2000 م2 مكون 8 طابق ( تجارى وادارى تغطى تكلفة إنشاؤه ) يعلوه خزان 4000م3 مياه التي يملء نهارا بمضخات ومع بداية الليل تنزل المياه (في عمود قطره 1000مم وزنه 30طن)على توربينات توليد كهربا ذي السد العالى لتتوزع على 1000 بيت يعنى 100مبنى بخزان /مدينة ونوفر محطات تنقية وضخ المية ومثبت على الخزان شبكات المحمول التى تغطى التجمع وتمول صيانة وتكاليف المبنى
    8– الاستفادة من أكثر من مليون طن سنويا (4مليارج) من القمامة العضوية التى تلقى فى القمامة وتدويرها فى المنزل كعلف للدواجن وكسماد عضوي للزراعة وتجنب هدر قيمة باقى القمامة وفرزها و تصنيفها فى 4 سلات : زجاج ومعادن – بلاستيك – ورق – محروقات ) وتوفير أكثر من 3 مليار جنيه كلفة نقلها للصحراء وتلوثها و توفير 300 ألف أنبوبة بوتوجاز سنويا / مدينة في تسوية قدر الفول بالمحروقات .
    9-نقل 100 ألف موظف حكومي (بطالة مقنعة) سنويا لموظفين فاعلين فى إدارات المدن رواتبهم تنمى المدينة ذاتيا والقضاء على الفساد (الدروس الخصوصية – الرشاوى) وتوفير 400 مليار جنيه سنويا
    10- الأستغناء عن 50% من الواردات + زيادة الصادرات 50% مما يرفع سعر الجنيه أمام الدولار .
    11- انشاء شبكة طرق طولية وعرضية عن طريق محاور المدن من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب
    12– عدالة توزيع لموارد الدولة وتكافؤ الفرص – تحقيق التنمية الشاملة وحل المشكلات القومية (العشوائيات ، البطالة ، التعليم ، الصحة ، الزراعة ، صناعة، طاقة ، .. الخ ) – تفعيل مواد الدستور 9 ،27 ،29 ،32 ، 41 ، 46، 78 ، 79

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close