اقتحام نقابة الصحفيين الدوافع والسيناريوهات
مقدمة
في سابقة تعد الأولى في تاريخ النقابات المهنية، اقتحمت قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية المصرية مبنى نقابة الصحفيين مساء يوم الأحد 1 مايو 2016، والقت القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا من داخل النقابة بتهمة التحريض على التظاهر، كانت الأيام السابقة لاقتحام نقابة الصحفيين قد شهدت تسارع وتيرة الاحتقان بين النقابة من جهة و بين وزارة الداخلية من جهة أخرى، حيث أدانت نقابة الصحفيين عمليات القبض على الصحفيين والناشطين التي صاحبت تظاهرات 25 أبريل 2016، والتي وصفتها بالعشوائية، نحاول في هذا التقدير الوصول إلى دلالة توقيت واقعة اقتحام نقابة الصحفيين، في ضوء المشهد الداخلي الذي يبدوا مرتبكا.
ردود أفعال وتداعيات
أثارت واقعة اقتحام النقابة ردود أفعال غاضبة ومتعددة على المسار النقابي و الشعبي، حيث تجاوب مع الواقعة العديد من النقابات المهنية والأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية والشخصيات العامة، من خلال بيانات وتصريحات، تؤكد على تضامنهم مع مطالب الصحفيين، فيما اتخذت نقابة الصحفيين خطوات تصعيدية كان ابرزها:
- مسارعة النقابة بالمطالبة بإقالة وزير الداخلية بعد واقعة الاقتحام مباشرة.
- دعوة مجلس النقابة إلى اجتماع الجمعية العمومية يوم الأربعاء 4 مايو 2016.
- إعلان نقيب الصحفيين، الاعتصام المفتوح في مقر النقابة، واعتبار مجلس النقابة في حال انعقاد دائم لحين عقد اجتماع الجمعية العمومية.
- اعتصام عدد من الصحفيين داخل مقر النقابة يوم الاثنين 2 مايو 2016.
- تقديم النقابة بلاغ للنائب العام، يوم الثلاثاء 3 مايو 2016، ضد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة.
- انعقاد الجمعية العمومية للصحفيين فى اجتماع طارئ يوم الأربعاء 4 مايو 2016، حيث أصدرت عددا من القرارات والتي كان أبرزهاالإصرار على طلب إقالة وزير الداخلية، وتقديم رئاسة الجمهورية اعتذارا واضحا للصحفيين عن جريمة اقتحام النقابة.
من جهة أخرى على المستوى الرسمي، انحصرت ردود أفعال النظام على موجة غضب الصحفيين في الاتي:
- خروج بيان لوزارة الداخلية، تنفي فيه اقتحام قوات الأمن لنقابة الصحفيين، وتؤكد ان لديها أمر ضبط وإحضار للصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، وأنهما ليسا عضوين في نقابة الصحفيين، على حد تعبيرها.
- إصدار النائب العام، يوم الاثنين 2 مايو 2016، بيانا يوضح فيه إن إلقاء القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا، تم في ضوء إذن قضائي صادر بضبطهما وإحضارهما وسبعة متهمين آخرين.
- إصدار النائب العام، يوم الثلاثاء 3 مايو 2016، بيانا بحظر النشر في وقائع اقتحام نقابة الصحفيين في جميع وسائل الإعلام.
في حين قامت وزارة الداخلية بإرسال مذكرة عن طريق الخطأ للإعلاميين، حيث احتوت المذكرة على عدة نقاط بشأن استراتيجية لمخاطبة الرأي العام من قبل وزارة الداخلية حول أزمتها مع نقابة الصحفيين، والتي كان أبرزها، عدم تراجع الوزارة عن موقفها، والاستعانة ببعض الخبراء الأمنيين من لواءات الشرطة بالمعاش والتنسيق مع بعض البرامج لاستضافتهم وشرح وجهة نظر الوزارة في حادث اقتحام النقابة.
أسباب الأزمة
لا شك ان دور نقابة الصحفيين وكونها أحد الداعمين الرئيسيين لتظاهرات جمعة الأرض و25 أبريل على إثر تنازل النظام المصري عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، كان المحرك الرئيسي لاشتعال الأزمة بين النقابة والنظام المصري، إلا ان السؤال الأهم هنا، هو من يقف بالفعل خلف إشعال فتيل الأزمة في هذا التوقيت، وهو الأمر الذي يقودنا إلى طرح أكثر من تفسير:
- تتصرف وزارة الداخلية بشكل يبدو انه يسير في اتجاه يحافظ على بقاء النظام الحالي، إلا ان واقع الأمر هو تسببها الدائم في أزمات عميقة للنظام مع أطياف وفئات مختلفة من المجتمع، مما يزيد من رقعة المعارضة ضد النظام، إلا ان هذا التفسير يفترض تصرف وزارة الداخلية بشكل فردي في تعاملها مع الملفات الشائكة، وهو الأمر الذي يبدو ليس دقيقياً، في ظل نظام يبدو متحكما ومسيطرا على المشهد الأمني منذ انقلاب 3 يوليو.
- الأزمات المستمرة والمشهد الداخلي المرتبك ربما تشير إلى تفاقم صراع الأجنحة داخل النظام الحالي وتمدده إلى الأجهزة الأمنية المختلفة، وهو الأمر الذي ربما يفسر الدفع المستمر إلى تأزيم المشهد، ووضع أطراف الصراع دائما في خانة إطفاء الحرائق المتبادلة.
- ربما تأتي الأزمة مباشرة بعد موجة التظاهرات المتصاعدة حول جزيرتي تيران وصنافير، حيث كان اللافت إلى النظر ان تظاهرات جمعة الأرض و 25 أبريل قد شهدت مشهدا ربما مختلف عن مشاهد كثيرة سابقة و هو الوصول إلى حالة توافق وتنسيق بين القوى السياسية المختلفة، بالرغم من الاختلافات الحادة فيما بينها، و هو الأمر الذي دفع النظام المصري في المسارعة إلى محاولة صرف الانتباه إلى حادث أخر يبتعد بالمشهد عن تظاهرات جزيرتي تيران و صنافير و ما أحدثته من حالة توافق ظاهرية ربما مع الوقت تشكل حالة يصعب على النظام المصري التعامل معها أو تفكيكها، ثم محاولة حصر وتقليص حالة الغضب الموجودة و الانتقال بها من الاطار الشعبي إلى الاطار الفئوي، يفترض هذا التفسير وجود حالة تنسيق كبيرة بين السيسي والأجهزة الأمنية ولا يغفل وجود خلافات بين تلك الأجهزة، إلا انه لا يرقى إلى مستوى الصراع الذي يتعمد تأزيم المشهد، ويبقى التعامل الأمني العنيف هو قرار السيسي و أجهزته الأمنية بهدف القضاء تماما على أي روح ثورية يمكن ان تعود إلى المشهد مرة أخرى.
فيما يبدو ان التفسير الذي يفترض وجود صراع الأجنحة و التفسير الذي يفترض توافق السيسي مع الأجهزة الأمنية المختلفة، هما التفسيرين الأكثر رجاحة، إلا ان الإعلام و طريقة تعامله مع أزمة نقابة الصحفيين يسير في اتجاه ترسيخ فكرة وجود صراع أجنحة داخل النظام المصري، وربما يهدف من وراء ذلك، تمرير أي تجاوزات أو انتهاكات يقوم بها السيسي تحت مظلة الصراع الدائر بين الأجنحة، وإخراج المشهد دائما في اطار بعيد عن السيسي بل يصل الأمر في سياق هذه الطريقة من التناول الإعلامي، إلى جعل السيسي في وضع المصلح الذي تعوقه صراعات الأجنحة من أداء دوره و مهامه، وهو الأمر الذي بدا واضحا في واقعة إرسال المذكرة عن طريق الخطأ إلى الإعلاميين و التي تعضد فرضية صراع الأجهزة المحتدم داخل النظام الحالي وتحصر مساحة الأزمة بين النقابة من ناحية و بين وزارة الداخلية من ناحية أخرى، دون ان تتمدد مساحة الأزمة إلى السيسي.
سيناريوهات متوقعة
في ضوء ما استعرضناه من تفسيرات محتملة للأزمة يمكن رصد السيناريوهات المتوقعة في الاتي:
- عدم استجابة النظام إلى أي من مطالب النقابة، واعتماد سياسة عدم خروج السيسي بأي تصريحات حول الأزمة، وهو ما سيؤدي إلى استمرار الأزمة وتفاقمها مع الصحفيين وربما امتدادها لتشمل نقابات أخرى وأطياف أخرى من القوى السياسية.
- الاستجابة إلى المطلب الرئيسي للصحفيين وإقالة وزير الداخلية، وهو الأمر الذي ربما يتسبب في أزمة قوية بين السيسي ووزارة الداخلية، وربما تمتد لتنتقل إلى خانة صراع الأجنحة والدفع بالسيسي إلى وضعية شديدة الارتباك.
- محاولة النظام لحلحلة المشهد من خلال طرح حلول وسيطة عن طريق وكلاء النظام في الصحافة المصرية وهو الأمر الذي بدت ملامحه من دعوة كلا من ياسر رزق ومجدي الجلاد إلى اجتماع للسيسي مع مجلس نقابة الصحفيين، ربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحا في سياق التعامل الدائم للسيسي مع الأزمات السابقة بنفس الطريقة وفي ظل عدم التوافق بين جموع الصحفيين في التعامل مع الأزمة.