تقاريرمجتمع

الآثار المصرية المهربة أين هي؟ ومتى وكيف خرجت؟ وهل تعود؟

كثيرا ما ينشغل المصريون بآثارنا المهربة إلى دول العالم المختلفة، ودائما ما يتساءلون: أين هي هذه الآثار ؟ ومتى وكيف خرجت؟ وهل يمكننا إعادتها؟ وتزداد هذه الأسئلة تردادا على الألسنة، عندما تحمل الأخبار لهم؛ أن متحفا أجنبيا يعرض قطعا مصرية، أو أن دار مزادات عالمية تبيع بعض آثارنا علانية. وهذا ما دفعني لكتابة هذا التقرير، ليكون شاملا؛ وشافيا؛ مجيبا عن أسئلة واستفسارات الكثير من المصريين.

وقد جاء التقرير في محاور ثلاثة، كانت عبارة عن إجابة عن هذه الأسئلة الثلاث. فالمحور الأول: تناولت فيه حصرا لأهم الأماكن التي تزخر بآثارنا؛ سواء كانت متاحف أجنبية تحتوي على مئات الآلاف من القطع، أو ميادين أوروبية وأمريكية تتزين بمسلاتنا ومعابدنا.

أما المحور الثاني؛ فقد تناولت فيه طرق وآليات، وكيفية خروج تلك الآثار من مصر، مبينا زمن خروجها.

وفي المحور الثالث والأخير، حاولت الكشف فيه وبوضوح عن إمكانية إعادة تلك الآثار إلى مصر، وما يجب اتباعه من وسائل ها لتحقيق ذلك.

المحور الأول: آثارنا المصرية بالخارج. ما هي، وأين توجد؟

الحقيقة أن المتاحف الأوروبية والأمريكية وغيرها تزخر بآثارنا المصرية، وتكاد تكون آثارنا هناك هي العماد الأساسي الذي أقيمت عليه تلك المتاحف. كما أن ميادين تلك الدول تتزين بمسلاتنا المصرية الفريدة، ومعابدنا العريقة التي أهديت لها. ولذا فإنني سأتناول هذا المحور هنا من خلال عنصرين اثنين؛ هما: المتاحف، والمسلات والمعابد.

أولا: المتاحف

من خلال الحصر، أستطيع أن أقول إن هناك 52 متحفا أجنبيا؛ تحتوي على ما يقرب من مليون قطعة أثرية مصرية، وقد يستغرب البعض لهذا الرقم، لكن قد يتلاشى هذا الاستغراب إذا علمنا أن 38 متحفا من تلك المتاحف تشتمل على 780 ألف قطعة، وذلك طبقا لإحصائيات رسمية بتلك المتاحف، في حين أن 14 متحفا آخر بها عشرات الآلاف من القطع المصرية لكنها غير محصورة العدد بالضبط، وسأحاول هنا ذكر أهم الدول وعدد المتاحف وكمية الآثار المصرية الموجودة بها، وهي كالتالي:

 المتاحف البريطانية: ففي بريطانيا وحدها يوجد حوالي 275 ألف قطعة أثرية بـ 7 متاحف من متاحفها، موزعة كالتالي:

المتاحف الألمانية: حيث يوجد بألمانيا أكثر من 104 آلاف قطعة أثرية مصرية موزعة بأربعة متاحف من متاحفها، هي:

المتاحف الفرنسية: وفي فرنسا ما يقرب من 52 ألف قطعة آثار مصرية، موجودة في:

  • متحف اللوفر بباريس، الذي يحتوي على حوالي 50 ألف قطعة أثرية.
  • متحف الفنون الجميلة في مدينة ليون، وبه 1500 قطعة.

المتاحف الأمريكية: أما بالولايات المتحدة الأمريكية؛ التي توجد آثارنا المصرية في 22 متحفا بمتاحفها، فيزداد عددها هناك عن 220 ألف قطعة في 15 متحفا، هي كالتالي:

في حين أن هناك قطعا أثرية أخرى غير محصورة العدد في 7 متاحف أمريكية أخرى، هي: متحف الإنسان بسان دييغو بسان دييغو في كاليفورنيا. ومتحف توليدو للفن بتوليدو في أوهايو. والمتحف الساميّ في كامبردج بماساتشوستس. ومتحف سان أنطونيو للفن في سان أنطونيو بتكساس. ومتحف فليمنغ في برلنغتون بفيرمونت. ومتحف مايكل كارلوس في أطلنطا بجورجيا. ومتحف نلسون-أتكينز للفن في كانزاس سيتي بميزوري.

المتاحف الإيطالية: وآثارنا بإيطاليا تزيد عن 60 ألفا بثلاثة متاحف، هي:

المتاحف الروسية: وفي روسيا يزيد عدد آثارنا هناك عن 13.500 قطعة بمتحفين هما:

هذا فضلا عن أن هناك أكثر من 56 ألف قطعة أثرية مصرية أخرى؛ موزعة بعدد من المتاحف الأوروبية الأخرى، كالتالي:

  • متحف الفنون الجميلة في بودابستبالمجر، وبه أكثر من 4 آلاف قطعة أثرية مصرية.
  • متحف كارلسبرغ الجديد في كوبنهاجنبالدنمرك، وبه أكثر من 1900 قطعة.
  • كما توجد قطع عديد من الآثار المصرية بتركيا، وإن كانت غير محددة العدد، منها ما يوجد بمتحف الشرق القديم، بإسطنبول. ومتاحف الكيان الإسرائيلي، كمتحف إسرائيل بالقدس، ومتحف بلدان الكتاب المقدس، بالقدس أيضا.

ثانيا: المسلات والمعابد

أما المسلات المصرية التي تميزت بها حضارتنا القديمة عن غيرها من الحضارات الأخرى؛ فقد استهوت الأجانب القادمين إلى مصر، فحاولوا الاستئثار بها لأنفسهم، وذلك منذ الاحتلال الروماني وحتى فترة حكم أسرة محمد علي.

وفي هذا الوقت الذي لا نكاد نرى إلا بضع مسلات داخل مصر، نشاهد مسلاتنا الفريدة تزين ميادين العالم، فمدينة روما وحدها بها 13 مسلة مصرية، منها: مسلة تحتمس الثالث التي تقع بساحة سان جيوفاني قرب قصر لاتيرانو، وهي أطول مسلة هناك ولديها أكبر قاعدة وتزن 230 طنا، وقد أُخذت من معبد آمون بالكرنك في عهد الإمبراطور الروماني قنسطانطيوس الثاني في العام 357م. كما توجد مسلة سيتي الأول بساحة بوبولو، وقد أُخذت من مصر في عصر أغسطس قيصر في سنة 10 قبل الميلاد. وكذلك مسلة إبسماتيك الأول الموجودة بساحة مونتيتشيتوريو، والتي نقلت في عهد أغسطس سنة 10 قبل الميلاد أيضا. ومسلة أبريس، بسانتا ماريا سوبرا مينرفا، وقد نقلها إلى روما الإمبراطور دقلديانوس لتوضع بالقرب من معبد إيزيس في روما، ثم عيد نصبها العام 1667م بواسطة البابا ألكسندر. كما أن هناك بروما أيضا ثلاث مسلات لرمسيس الثاني، هي؛ مسلة رمسيس الثاني بساحة روتوندا، ومسلة رمسيس الثاني بحمامات ديكولتيان، ومسلة رمسيس الثاني بفيلا كليمونتانا. وأخيرا بروما؛ توجد مسلة أمنحوتب الثاني بالفاتيكان بساحة القديس بطرس، وقد تم نقلها من مصر في عصر الإمبراطور الروماني كاليجولا عام 37 من الميلاد.

كما أن هناك مسلات مصرية أخرى بعدد من الدول الأوروبية، منها: مسلة كليوباترا بباريس، ومسلة كليوباترا بلندن، ومسلة كليوباترا بنيويورك، ومسلة تحتمس الثالث بإسطنبول. هذا غير المسلات الأخرى التي غرقت في مياه البحر أثناء محاولات تهريبها للخارج.

أما المعابد المصرية الموجودة خارج مصر، فتنحصر في 5 معابد قام بإهدائها الرئيس جمال عبد الناصر لعدد من الدول؛ امتنانا من مصر لمساعدتها في عملية إنقاذ آثار النوبة أثناء بناء السد العالي، وهذه المعابد هي:

  • معبد دندور، الذي بُنى في القرن الأول قبل الميلاد، وقد أُهدي للولايات المتحدة الأمريكية، بقرار رئاسي في 28 أبريل عام 1963، وسلم لمتحف المتروبوليتان بنيويورك عام 1967.
  • معبد طافا، وقام عبد الناصر بإهدائه إلى هولندا عام 1960. ومعبد طافا كان يقع بقرية “امبركاب” النوبية، وقد بُنى في العصر الروماني، وتم إعادة تركيبه بمتحف الآثار بمدينة ليدن عام 1971.
  • معبد الليسيه، الذي شيده الملك تحتمس الثالث بمنطقة أبريم بالنوبة، فقد تم إهداؤه إلى إيطاليا عام 1966، وهو الآن موجود بمتحف تورينو.
  • معبد دابود، الذي كان يقع بجنوب أسوان، أهداه عبد الناصر إلى إسبانيا عام 1960، وهو الآن قائم بحديقة “ديل أويستى” بالقرب من القصر الملكي بمدريد.
  • جزء من معبد كلابشة، وقد تم إهداؤه إلى ألمانيا، وشمل هذا الجزء إحدى بوابات معبد كلابشة المعروفة باسم “البوابة البطلمية”، وهو الآن بجناح الآثار المصرية بمتحف برلين.

المحور الثاني: كيف ومتى خرجت الآثار من مصر؟

لقد عانت مصر كثيرا من سرقة ونهب آثارها في كل الأزمان، وبكل الحيل، وكانت هناك طرق عديدة استطاع الغرب من خلالها نهب آثارنا، من أهم هذه الطرق:

السرقة 

فقد كانت السرقة من أهم طرق تهريب آثارنا إلى الخارج؛ وقد خسرنا مئات الآلاف من القطع الأثرية بسبب السرقة. وهذه السرقات كانت منذ القدم، وأول من بدأها بمصر هم الرومان الذين استولوا على أهم آثارنا خلال فترة احتلالهم لنا. ولم تتوقف السرقة عند الرومان بل استمرت في العهود التالية، غير أنها بدأت تظهر بوضوح بعد أن تم الكشف عن الكتابة الهيروغليفية عام 1822 فقد بدأ الأوربيون بعد هذا التاريخ في العمل على سرقة كل ما استطاعت أيديهم الوصول إليه من آثار مصر. وما تزال سرقة الآثار وحتى وقتنا الحاضر هي أكبر وسيلة من وسائل خروج الآثار من مصر، وما يُباع بدور المزادات العالمية بشكل علني وعلى فترات متقاربة لدليل واضح على ذلك، فلا يكاد يمر شهر دون الإعلان عن أحد تلك المزادات. والعجيب أن دور المزادات تلك تملك وثائق رسمية تؤكد ملكيتها لتلك القطع، ولذا فهي ترفض أي مناشدات لإيقاف عملية البيع. للمزيد حول سرقة الآثار يمكنك الاطلاع على، دراسة المعهد المصري (سرقة آثار مصر: الجوانب الخفية)

التنقيب 

وعملية التنقيب عن الآثار نوعان، أحدهما هو التنقيب الشرعي الذي يتم بإشراف وزارة الآثار؛ من خلال البعثات المصرية أو البعثات الأجنبية التي تقوم بعمليات الحفر والتنقيب. أما النوع الآخر؛ فهو التنقيب غير الشرعي الذي يتم خلسة من خلال الأهالي وبعيدا عن إشراف الجهات الرسمية.

فمنذ أواخر القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر أصبح العالم مهووسا بالآثار المصرية، وبدأ في إرسال البعثات العلمية التي قامت بعمليات الحفر والتنقيب، والتي استطاعت العمل على نهب الآثار المصرية ونقلها إلى بلادهم أمام مرأى ومسمع حكام مصر في ذلك العهد، حتى لما تم البدء في وضع قوانين تحافظ على الآثار المصرية بدءًا من عام 1835 كانت هذه القوانين في صف تلك البعثات، حيث سمحت لها بتقسيم نتائج تلك الحفريات بينها وبين الحكومة، وحتى لما صدر قانون 117 لسنة 1983، ومنع عملية التقسيم، إلا أنه لم يمنعها بشكل كامل، فقد جاء بالمادة 35 منه: “جميع الآثار المكتشفة التي تعثر عليها بعثات الحفائر العلمية الأجنبية تكون ملكا للدولة، ومع ذلك يجوز للهيئة أن تقرر مكافأة للبعثات المتميزة إذا أدت أعمالا جليلة في الحفائر والترميمات بأن تمنح بعضا من الآثار المنقولة التي اكتشفتها البعثة…” وقد أكدت المواد الأخرى أن هذه المكافأة لا تزيد عن 10% من كمية نتائج تلك الحفريات. ولذا يجب تقييد عمل البعثات الأجنبية وزيادة الرقابة عليهم، ووجوب إلغاء النص الذي يشير إلى منح مكافأة للبعثات بنسبة 10% مما حصلت عليه أثناء الحفائر.

أما عمليات التنقيب غير الشرعي، فقد ازدادت في مصر بعد أن استطاعت المافيا الدولية القدرة على إغراء الكثير نحو البحث والتنقيب من أجل سرقة وبيع الآثار. وإن كانت هناك أسباب أخرى عديدة دعت الأهالي للبحث والتنقيب عن الآثار، كنا قد أفردنا لها تقريرا خاصا.

التدليس 

لم تكن عمليات التنقيب من خلال البعثات الأجنبية وما تتحصل عليه من نسبة 50% من نتائج تلك الحفريات كافية لتسد نهم وجشع هؤلاء الأجانب الذين تكاثروا من أجل التفنن في نهب آثارنا. لم يكتفوا بذلك بل إنهم أيضا استخدموا عمليات التدليس أثناء تقسيم تلك القطع الأثرية الناتجة من عمليات التنقيب. وأغرب عمليات التدليس التي تمت بشأن الآثار المصرية ما حدث مع رأس نفرتيتي الموجود حاليا في ألمانيا، فقد بدأت الحكاية في 20 يناير 1913م، حيث عقد اجتماع بين لودفيج بورشارت وبين مدير تفتيش آثار مصر الوسطى جوستاف لوفيفر لمناقشة تقسيم الاكتشافات الأثرية التي عثر عليها في عام 1912م، بين ألمانيا ومصر، وأثناء عملية التقسيم قال بورشارت، إن التمثال مصنوع من الجبس، وكان القانون المصري يحظر خروج أي قطعة مصنوعة من الحجر الجيري، كما كان بورشارت قد أعد القسمة في صندوقين منفصلين وعرض على لوفيفر مفتش آثار مصر الوسطى كشفين بالقائمتين مرفق بهما صور الآثار، وكانت أحدهما تتضمن التمثال النصفي لنفرتيتي، والأخرى تبدأ بلوحة ملونة لأخناتون وأسرته وهو تصور الزوجين الملكيين أخناتون ونفرتيتي مع ثلاثة من أولاده، وقد علم بورشارت أنها من الآثار المحببة لـ لوفيفر، وأوضح له أن كل قائمة تتكامل ويفضل أن تحتفظ مل قائمة بمجموعتها، وبالتالي وقع اختيار لوفيفر على القائمة التي تحوى لوحة أخناتون وأسرته وذهب بورشارت برأس نفرتيتي.

التجارة 

وكان للتجارة دور كبير أيضا في نهب الآثار المصرية، فقد ظلت وحتى إصدار القانون رقم 117 لسنة 1983 تباع بيانا عيانا على مرأى ومسمع من السلطات. ويعتبر هذا القانون أول قانون فعلي يسعى لمنع تجارة الآثار؛ حيث ألغى القانون السابق رقم 215 لسنة 1951، الذي كان مُصرحا بتجارة الآثار، وبالرغم من ذلك فإن القانون 117 لسنة 1983 كان قد أعطى فرصة لمدة عام للإسراع في عملية الاتجار، حيث جاء بالمادة السابعة ما نصه: “اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون يحظر الاتجار في الآثار ويمنح التجار الحاليون مهلة قدرها سنة لترتيب أوضاعهم وتصريف الآثار الموجودة لديهم ويعتبرون بالنسبة لما يتبقى لديهم من آثار بعد هذه المدة في حكم الحائزين ويسرى عليهم الأحكام المتعلقة بحيازة الآثار والمنصوص عليها في هذا القانون”. وللمزيد حول هذا الموضوع يمكنك الاطلاع على، دراسة المعهد المصري (قوانين الآثار المصرية وشرعنة التهريب للخارج)

الهدايا

كانت الهدايا أيضا من أهم طرق خروج الآثار مصر، وكان الملوك والحكام المصريين وحتى فترات قريبة يستخدمون إهداء الآثار كوسيلة من وسائل ربط الأواصر مع دول العالم المختلفة. وأكثر الفترات التي شهدت خروج الآثار من مصر في صورة هدايا؛ كانت فترة محمد علي، فقد كان الرجل ولأنه أجنبي عن مصر يشعر في بداية حكمه أنه فاقد للشرعية، فأراد أن يؤكد سيطرته على الحكم ويحوز الشرعية الدولية من خلال تمتين العلاقة مع دول العالم، ولم يجد أفضل من الآثار كهدايا للدول الأوروبية خاصة عندما شعر بأنهم مهوسون بها، ومن ذلك أنه قام بإهداء مسلة كانت موجودة في الإسكندرية لحكومة إنجلترا تخليدا لذكرى انتصار القائد نيلسون على الفرنسيين في معركة أبو قير البحرية، وذلك في سنة 1831 وتم نقلها سنة 1877م. 

 أم أهم الآثار التي تم إهداؤها في العصر الحديث؛ فما ذكرناه من قبل، حين قام الرئيس جمال عبد الناصر بإهداء خمسة معابد لعدد من الدول التي شاركت في إنقاذ آثار النوبة.

المحور الثالث: هل بالإمكان أن تعود تلك الآثار إلى مصر؟ وكيف؟

بداية؛ أود أن أشير إلى أن هناك علماء آثار ومتخصصين سابقين وحاليين، يرون أن وجود آثارنا المصرية بالخارج هو أمر جيد ومفيد، لأن هؤلاء الأجانب – من وجهة نظر هؤلاء المتخصصين – هم أقدر على الحفاظ على هذه الآثار وحسن صيانتها وعرضها أمام الجماهير، وخاصة أن هذا الآثار تمثل تراثا بشريا عاما. وللأسف؛ فإن الكثير من هؤلاء المخدوعين قد انطلت عليهم حجج الغرب ومبرراتهم في أنهم هم الأقدر والأكفأ في العمل على حمايتها والحفاظ عليها، بل إن الغرب قذفوا في عقول بعض هؤلاء المصريين النظر بدونية إلى الشعب المصري واعتباره غير قادر على الاهتمام بآثاره، بل وغير مؤهل لأن يحمل هذا التراث، فهو مسيء إليه مفرط فيه.

وهذه الآراء التي تشبّع بها عدد من المختصين والمسؤولين عن الآثار في مصر قديما وحديثا، لا يمكنها أن تكون سببا أو حائلا دون مطالبة جل علماء الآثار المصريين بضرورة إعادة آثارنا المهربة إلى الخارج. فنحن أولى بتراثنا من غيرنا، حتى وإن كنا نحن الآن في عجز وتقصير لضعف الإرادة وندرة الموارد المؤهلة للحفاظ على آثارنا وحسن عرضها، فإنه ولا بد من يوم آت لا محالة؛ نملك فيه إرادتنا، ونحسن حينه التخطيط للاستفادة من تراثنا الموجود داخل مصر، أو المعاد – لاحقا – من خارجها.

وإننا وإن كنا نطالب بإعادة آثارنا المصرية من الخارج، إلا أننا يجب أن نوضح إلى أنه ليس من المنطق الآن وبعد مرور عقود طويلة على هروب معظم آثار إلى دول العالم المختلفة، ليس من المنطق الآن أن نطالب بإعادة كل تلك القطع المهربة، فهناك متاحف عالمية قائمة خصيصا على الآثار المصرية. لكننا يمكننا أن نبدأ في المطالبة بالقطع الفريدة، كما يمكننا المطالبة بإعادة القطع المكررة.

ويمكننا أيضا التفكير في العمل على أن تكون لنا في البداية يد إشرافية بكل تلك المتاحف التي تحتوي على آثار مصرية، من أجل أن نعمل على متابعتها، والتأكد من حسن تأمينها، وبإمكاننا أن نستفيد من تلك الأحداث الأخيرة التي تعرضت لها متاحف دولية سواء من حرائق كما حدث بمتحف البرازيل الوطني عام 2018، أو ما تعرضت له من تخريب كالهجوم الذي تعرضت له متاحف برلين عام 2020. يجب أن نستفيد من تلك الحوادث كي نجعل من أنفسنا متابعين بشكل رسمي لآثارنا بتلك الدول.

ثم يمكننا بعد ذلك ومن خلال استغلال القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، ومن خلال ضغط قانوني ودبلوماسي منظم، يمكننا أن نصل إلى التفاهم نحو الحصول على نسبة من عائد القطع الأثرية المعروضة بتلك المتاحف، ولو وصلنا إلى مثل هذا اتقاف في يوم من الأيام، فإننا نكون بذلك قد فزنا بأهم جولة من جولات الصراع نحو إعادة آثارنا المنهوبة.

لكن وقبل النظر إلى القوانين الدولية والاستفادة منها، يجب بداية تعديل القانون المحلي المختص بالآثار، فبعض نصوص المواد بالقانون 117 لسنة 1983 وتعديلاته المتتالية تقف عقبة أمام إعادة آثارنا من الخارج، ومنها المادة الثانية من القانون المعدل رقم 91 لسنة 2018 والتي تنص على أنه: تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة – عدا الأملاك الخاصة والأوقاف – حتى لو وجدت خارج جمهورية مصر العربية وكان خروجها بطرق غير مشروعة ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا وفقا للأوضاع والإجراءات الواردة بالقانون ولائحته التنفيذية والقرارات المنفذة له وتنظم اللائحة التنفيذية لهذا القانون جميع إجراءات استرداد الآثار التي خرجت من مصر بطرق غير مشروعة والدعاوى التي تقام بشأنها. ولذا يجب تعديلها هنا من خلال استبدال عبارة “وكان خروجها بطرق غير مشروعة ” بعبارة “بصرف النظر عن طريقة خروجها” وبهذا تكون كل الآثار المصرية خارج مصر من الأموال العامة المصرية وينطبق عليها ما ينطبق على الآثار المصرية.

أما القوانين والمعاهدات الدولية المرتبطة بهذا الجانب، فهي عديدة ومتجددة، ويمكننا الاستفادة منها، وذلك بشرط وجود إرادة قوية وإدارة واعية تعمل لمصلحة الوطن، ومن هذه القوانين والمواثيق الدولية:

اتفاقية اليونسكو

واتفاقية اليونسكو صدرت سنة 1970، وهي خاصة بوضع تدابير لحظر ومنع استيراد وتصدير الممتلكات الثقافية. وهي بكل موادها في غاية الأهمية، ويمكننا أن نستفيد منها استفادة قصوى في هذا المجال، فقد جاء في مقدمتها: أنه ونظرا لأنه يتعين على كل دولة أن تحمي الممتلكات الثقافية الموجودة داخل أراضيها من السرقات وأعمال الحفر السرية والتصدير بطرق غير مشروعة. وغير ذلك من الاعتبارات التي ذكرتها الوثيقة، فإنه قد صدرت هذه الاتفاقية، وجاء في مادتها الثانية: تعترف الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة هي من الأسباب الرئيسية لإفقار التراث الثقافي في المواطن الأصلية لهذه الممتلكات، وبأن التعاون الدولي هو من أجدى وسائل حماية الممتلكات الثقافية في كل بلد من تلك البلاد من جميع الأخطار الناجمة عن ذلك. وأنه ولهذه الغاية، تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بمناهضة تلك الأساليب بكافة الوسائل المتوفرة لديها، وخاصة باستئصال أسبابها، ووضع حد لها، والمعاونة في أداء التعويضات اللازمة.

كما نصت المادة الثالثة منها على أنه: يعتبر عملا غير مشروع استيراد أو تصدير أو نقل ملكية الممتلكات الثقافية خلافا للأحكام التي تقرها الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية. بل إن المادة الرابعة من هذه الاتفاقية، نصت على أنه: تعتبر الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بأن الممتلكات الداخلة في الفئات التالية تشكل، لأغراض هذه الاتفاقية، جزءا من التراث الثقافي لكل دولة، وذكرت منها: الممتلكات الثقافية التي يعثر عليها داخل أراضي الدولة؛ والممتلكات الثقافية التي تقتنيها البعثات الأثرية أو بعثات العلوم الطبيعية، بموافقة السلطات المختصة في البلد الأصلي لهذه الممتلكات.

كما أن المادة السابعة منها؛ بينت وبوضوح العديد من الجوانب المهمة، حيث ذكرت في بنودها أن على الدول الأطراف في هذه الاتفاقية أن تتعهد بما يلي:

‌أ-أن تتخذ كافة التدابير اللازمة، بما يتفق وقوانين البلاد، لمنع المتاحف والمؤسسات المماثلة القائمة في أراضيها من اقتناء ممتلكات ثقافية واردة من دولة أخرى طرف في الاتفاقية ومصدرة بطرق غير مشروعة بعد العمل بهذه الاتفاقية في الدولتين المعنيتين، وأن تخطر دولة المنشأ، كلما كان ذلك ممكنا، بما يعرض عليها من ممتلكات ثقافية نقلت من تلك الدولة بطرق غير مشروعة بعد العمل بهذه الاتفاقية في كلتا الدولتين.

 ‌ب. أن تحظر استيراد الممتلكات الثقافية المسروقة من متحف أو من مبنى أثري عام، ديني أو علماني، أو من مؤسسة مشابهة في دولة أخرى طرف في هذه الاتفاقية بعد العمل بها في الدولتين المعنيتين، بشرط أن تكون تلك الممتلكات مدرجة في قائمة جرد المؤسسة المذكورة. وأن تتخذ، بناء على طلب دولة المنشأ التي تكون طرفا في الاتفاقية، التدابير المناسبة لحجز وإعادة تلك الممتلكات الثقافية المستوردة بعد العمل بهذه الاتفاقية في كلتا الدولتين المعنيتين، بشرط أن تدفع الدولة الطالبة تعويضا عادلا للمشترى بحسن نية أو للمالك بسند صحيح. وتقدم طلبات الحجز والإعادة بالطرق الدبلوماسية، وعلى الدولة الطالبة أن تقدم على نفقتها الخاصة الوثائق وغيرها من الأدلة اللازمة التي تثبت شرعية طلبها الحجز والإعادة. وعلى الدول الأطراف ألا تفرض أية رسوم جمركية أو غيرها من الرسوم على الممتلكات الثقافية المعادة بموجب هذه المادة، ويتحمل الطرف الطالب جميع المصروفات المترتبة على إعادة الممتلكات الثقافية وتسليمها.

أما المادة التاسعة، فحرصت على أن تتعاون الدول الأطراف فيما بينها على العمل على إعادة الآثار المنهوبة، فقد جاء فيها: لكل دولة طرف في هذه الاتفاقية يتعرض تراثها الثقافي لخطر نهب المواد الأثرية أو الاتنولوجية أن تستعين بالدول الأخرى المعنية. وفي مثل هذه الأحوال تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بالاشتراك في عمل دولي متكافل وتنفيذ التدابير العملية اللازمة، بما فيها مراقبة الصادرات والواردات والتجارة الدولية في الممتلكات الثقافية المعنية بالذات. وإلى أن يتم الاتفاق، تتخذ كل دولة معنية قدر الإمكان من التدابير المؤقتة ما يحول دون إلحاق ضرر لا يعوض بالتراث الثقافي للدولة التي تطلب العون.

أما المادة العاشرة من الاتفاقية، فقد وضعت حدا صريحا في كيفية مراقبة ومتابعة المزادات العالمية، والعمل على عدم تغولها، فقد نص البند أ منها على أن: تتعهد الدول الأطراف في هذه الاتفاقية: أن تعمل عن طريق التربية والإعلام والتيقظ على الحد من حركة انتقال الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة من أية دولة طرف في هذه الاتفاقية، وأن تلزم تجار الأثريات، بما يتفق وظروف كل بلد، بإمساك سجل يثبت فيه مصدر كل ملك ثقافي، واسم المورد وعنوانه، وأوصاف وثمن كل قطعة تباع، وأخطار المشترى للملك الثقافي بالحظر المفروض على تصدير ذلك الملك، وأن تفرض العقوبات أو الجزاءات الإدارية على من لا يلتزم منهم بذلك.

في حين أن المادة الحادية عشر والتي نصت على: يعتبر عملا غير مشروع تصدير الممتلكات الثقافية ونقل ملكيتها عنوة، كنتيجة مباشرة أو غير مباشرة لاحتلال دولة أجنبية لبلد ما” فبالإمكان الاستفادة منه بشكل كامل لو تم السعي نحو ذلك.

فهذه الاتفاقية بهذه البنود المذكورة أعلاه، وبغيرها من البنود الأخرى؛ لو تم الاستفادة منها لاستطعنا أن نعيد كل آثارنا الموجودة بالخارج، فمصر في عرف القانون الدولي تعتبر دولة كانت واقعة تحت نير الاحتلال الأجنبي حتى 18 يونيو عام 1956 حين خرج آخر جندي بريطاني من مصر.

اتفاقية حماية التراث العالمي

واتفاقية “حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي”؛ صدرت عام 1972 عن منظمة اليونسكو، وبينت الوسائل التي تستخدم لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة. ونصت في مادتها الثانية على أن الدول الأعضاء بالاتفاقية يتعهدوا بالعمل على مناهضة تلك الأساليب بكافة الوسائل الممكنة، واستئصال أسبابها ووضع حد لها، والمعاونة في تصحيح ما اختل من أوضاع بسببها. كما أن المادة الثالثة منها تنص على أنه: “يعتبر عملا غير مشروع استيراد أو تصدير أو نقل ملكية الممتلكات الثقافية خلافا للأحكام التي اعتمدتها الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية”. وقد انضمت إلى هذه الاتفاقية 190 دولة، وبالرغم من أن مصر عضوا أساسيا بهذه الاتفاقية إلا أن استفادتها منها تكاد تكون منعدمة.

اتفاقية يونيدروا

أما اتفاقية المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص (يونيدروا) بشأن الممتلكات الثقافية المسروقة أو المصدّرة بطرق غير مشروعة لعام 1995؛ فتعدّ بمثابة مطالبة دولية، قانونية، لإعادة الممتلكات الثقافية المسروقة عن طريق وسائل التصدير غير المشروعة، إلى بلدانها الأصلية. وقد جاءت هذه الاتفاقية في 21 مادة تشرح عملية الاستعادة، وموجباتها القانونية، ودور المعهد الدولي لتوحيد القانون الخاص في ذلك.

اتفاقيات ثنائية

وبإمكان مصر عمل اتفاقات ثنائية، كتلك الاتفاقية التي أبرمت بين سويسرا، ومصر، بشأن حماية التراث الثقافي المنقول، والتي دخلت حيز التطبيق اعتبارا من 2011، وورد في البيان أن الاتفاقية تهدف إلى المساهمة في حفظ التراث الثقافي للبلدين وفي الحفاظ عليه وعلى التبادل بين الجانبين في هذا الإطار، كما تسعى إلى منع التجارة غير المشروعة بالممتلكات الثقافية. ويشمل الاتفاق على فئات من القطع الأثرية التي يعود تاريخها إلى ما قبل 1500 ميلادي. وتحظى الممتلكات الثقافية المدرجة ضمن قائمة الاتفاق بحماية خاصة في الدولتين، ولها أهمية كبيرة في سياق تراثهما الثقافي.

وختاما، فقد كانت هذه محاولة مني للإجابة على تساؤلات مشروعة؛ كثيرا ما تتبادر إلى أذهان المصريين، ودائما ما تنطق بها ألسنتهم كلما ذُكر أمامهم أمر ذو علاقة بالآثار المصرية. وعساني أن أكون قد وُفقت في تلك المحاولة.

الوسوم

د. حسين دقيل

أكاديمي مصري،باحث ومتخصص في الآثار حاصل على الدكتوراه في الآثار اليونانية والرومانية من جامعة الإسكندرية حاصل على الدراسات العليا في التربية قسم اللغة العربية من جامعة جنوب الوادي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى