أسيا وافريقيادراسات

الأبعاد الجيواستراتيجية للأزمة الليبية وأمن الدائرة المتوسطية

الأبعاد الجيواستراتيجية للأزمة الليبية وأمن الدائرة المتوسطية

ملخص:

يواجه البحر الأبيض المتوسط بضفتيه الشمالية والجنوبية مجموعة من التهديدات في كثير من الأحيان متعددة الأوجه، بموضوعية الإرهاب وانتشار الجماعات المسلحة في حقائق متكررة من جماعات وميليشيات إرهابية غالبا ما تشارك في أنشطة غير مشروعة مثل الإتجار بالمخدرات واحتجاز الرهائن، بالتواطؤ مع منظمات إجرامية، دورها على طول المنطقة المتوسطية شرقها وغربها في تقاطع وترابط مع منطقة الصحراء الساحل.

الوضع الأمني بالمنطقة المتوسطية يتدهور بطريقة تقدمية فعدم الاستقرار يبدو وكأنه يمتد على كل أقاليم المنطقة وما يحدث في ليبيا مفتوح ليحدث في أي منطقة، أنظمة لم تحقق استقرارا كافيا، بالتالي الاستقرار في المتوسط في شكل ضبابي، الأمر الذي استدعى تدخلا دوليا كاستجابة للوضع الأزموي في ليبيا ومخرجات النزاع على دول الجوار والدول الأوروبية لتظل المنطقة أولوية في جدول أعمال المجتمع الدولي.

مقدمة:

يأتي موضوع أمن منطقة البحر الأبيض المتوسط على رأس جدول أعمال اللاعبين الإقليميين والدوليين، بسبب فرص التعاون من جهة وتزايد مخاطر الصراعات مع تشكيل تحالفات جيواستراتيجية وروابط بين دول المنطقة والجهات الفاعلة من جهة أخرى، لمنطقة تقع عند التقاطع بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، فمنذ التاريخ القديم كانت قاعدة لمنافسات وصراعات مركزية بالإضافة إلى موقعها الإستراتيجي، حيث كان البحر الأبيض المتوسط خلال الحرب الباردة منطقة ذات أولوية في السياسة العالمية وسبب لوجود الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو وبعد نهاية الحرب الباردة تم تصنيف المنافسة والصراع في المنطقة على أنها قضايا إقليمية، بعد أن تم القبول بالبحر المتوسط كمنطقة أمنية في السياسة الخارجية لحلف الناتو، لتؤدي التغيرات الجيوسياسية الأخيرة إلى زيادة المنافسة في البحر الأبيض المتوسط ما يقود المنطقة إلى صراعات لا مفر منها.

يمكن أن يكون فراغ السلطة الذي ظهر في أجزاء من المنطقة لما يسمى بالربيع العربي، والمنافسة التي أوجدها محفزات لهذه التحولات حيث أصبحت الحروب الأهلية السورية والليبية ساحة اللعب لهذا التنافس الإقليمي. تمثل الأزمة الليبية منذ 2011 والتي تستمر إلى غاية اليوم بتهديدات عنيفة لا يمكن التنبؤ بها، أزمة بحجمها وتداعياتها تستحق الدراسة بحرب أهلية استدعت تدخلا عسكريا في إطار الذي أصدره قرار مجلس الأمن الدولي بعد مرحلة الفوضى التي شهدها الداخل الليبي، أزمة لم تنته بعد ومازالت عواقبها تؤثر على المنطقة المتوسطية والمغاربية وحتى الساحل الإفريقي. أزمة مثيرة للاهتمام بالنظر إلى الانسداد والمفارقات في المبادرات الدولية في ظل غياب التوافق في الآراء والصعوبة الأكثر في التنسيق بين الجهات الفاعلة في التدخل.

إن لانتشار ظاهرة الإرهاب والهجرة الجماعية الدور الكبير في تحويل المنطقة المتوسطية إلى نقطة محورية للاضطراب الدولي لتصبح تدريجيا نقطة تقارب جيوسياسي للمصالح وظهور مجموعة من اللاعبين الإقليميين والدوليين لتستمر التوترات بجميع أنحاء المنطقة ويجتمع اللاعبون ضمن متغير “الهندسة الأمنية المعقدة والفوضوية” ضمن قضايا المتاجرة بالبشر، الإرهاب وأمن الطاقة، على هذا الأساس ارتأينا طرح إشكالية الدراسة كالآتي: فيم تكمن التحديات والتهديدات التي فرضتها الأزمة الليبية وما أنجته من مشهد أمني داخلي ممزق أنتج تدخلات إقليمية ودولية بمبادرات واستجابات أكثر ما يميزها متغير المصلحة على أمن منطقة البحر الأبيض المتوسط؟

لتتحدد لنا معالم الدراسة في: الأبعاد الجيواستراتيجية للأزمة الليبية كمتغير مستقل وأمن المتوسط كمتغير تابع.

لقد تحولت ليبيا إلى دولة فاشلة وثقب أسود بفعل انتشار الأسلحة، وانتشار الجماعات الإرهابية وأشكال الجريمة المنظمة، لتؤثر بذلك على الوضع في البحر الأبيض المتوسط، واقع فرض تدخل أجنبي لتعرف المنطقة مجموعة تحولات جيواستراتيجية والتي وراءها إعادة تعريف “تنافس القوى” في استراتيجيات الأمن القومي والدفاع للفواعل ليصبح البحر الأبيض المتوسط منطقة ذات أولوية لأمن الدول الأوروبية وشمال إفريقيا.

و لمعالجة إشكالية الدراسة يمكننا طرح الأسئلة الفرعية التالية:

– ما هو موقع ليبيا الإستراتيجي في منطقة المتوسط؟

– ما هو الدور الإستراتيجي لأمن منطقة البحر الأبيض المتوسط؟

– ما هي انعكاسات الأزمة الليبية على منطقة البحر المتوسط؟

– ما ي دوافع التدخل في ليبيا؟

– ما هو الوضع الإستراتيجي الحالي للأزمة الليبية وتأثيره على المشهد الأمني للمنطقة؟

– ما هي جهود بناء أمن ليبيا ومنه أمن المتوسط؟

فرضيات الدراسة:

– يمكن القول أن الطريق لاستقرار ليبيا هو شرط مسبق للاستقرار في المنطقة المتوسطية.

– إمكانية القول أن تصاعد الصراع في ليبيا إلى منافسة جغرافية استراتيجية متزايدة على النفوذ وتحقيق للمصالح، ومنه فإن استمرارية النزاع بليبيا هو في صالح الفاعلين الإقليميين والدوليين.

– ربما أن الوضع الليبي الحالي يكون نتيجة متوقعة لعملية عسكرية كان لها انعكاسات سواء على الصعيد الوطني والإقليمي الأوروبي والمغاربي.

-آثار الأزمة الليبية عابرة للحدود ناتجة عن غياب الدولة كمساحة غير خاضعة للحكم، الأمر الذي خلق فراغ سلطوي وأمني ما أنتج ملاذا وأرضية خصبة للجماعات الإرهابية.

إن دراسة الموضوع تستوجب النظر والتحليل في توصيف البيئة الداخلية لليبيا على جميع الأصعدة خصوصا بعد قرار التدخل، كما تستوجب الدراسة تحليل المعطيات الإقليمية ومنه الوصول لمجموع التهديدات التي تواجه في الحفاظ على أمن المتوسط ومجموع التحديات التي تلقي بظلالها على المنطقة.

أهمية وأسباب اختيار الموضوع:

ترجع أهمية الدراسة إلى طبيعة الموضوع الذي تعالجه والإشكالية التي تطرحها، إضافة إلى أثرها في النقاشات المهتمة بها والحقل المعرفي الذي طرحت ضمنه بشكل عام.

بحيث تهتم هذه الدراسة ببحث موضوع واقع أمن المنطقة المتوسطية في ظل واقع التهديدات والتحديات الأمنية التي فرضت مشهدا مضطربا على ضفتي البحر الأبيض شمالا وجنوبا، مخلفا آثارا وانعكاسات بفعل أزمات متعددة أبرزها الأزمة الليبية وما أنتجته من فوضى على الداخل الليبي وحتى الإقليمي، أزمة بمخاطر كبيرة فجرت أمن المنطقة المتوسطية لتترجم في مبادرات وتدخلات أجنبية بدوافع متباينة ومنه قلب موازين التحالفات والخارطة الجيوسياسية لمنطقة المتوسط.

– ليهدف البحث إلى إجراء مراجعة الوضع الأمني لمنطقة البحر الأبيض المتوسط والبحث في أسباب توسع المخاطر والتهديدات بالمنطقة، كما يهدف إلى محاولة لصياغة مقترحات علمية منهجية وتطوير سياسات وبرامج وتدخلات لحل الأزمة واستتباب أمن المجال المتوسطي.

أما عن أسباب اختيار الموضوع فهي تنقسم إلى:

الأسباب الموضوعية: وترجع إلى تنامي النقاش العالمي حول أهمية الموضوع بمعانيه المختلفة كركيزة لضمان الأمن والتكامل الإقليمي للمنطقة.

الأسباب الذاتية: الرغبة الكبيرة في الموضوع وتكوين رصيد معرفي ومعلوماتي حول البحث، من خلال استقراء للواقع في خضم الفاعلين الدوليين وباعتبار الجزائر كدولة محورية في المنطقة وجهودها في حل نزاعات دول الجوار بحل سياسي توافقي.

محاولة دراسة أنماط التفاعلات القائمة في حل النزاع الليبي ومدى تأثير ذلك على أمن منطقة البحر المتوسط.

حدود الدراسة الزمانية والمكانية:

-الحدود الزمانية: اختير للدراسة فترة زمنية محددة التي تبدأ لمرحلة سقوط نظام القذافي 2011 وما أعقبها من توترات في الجوار الإقليمي، ضف إلى أطر التدخل الأجنبي منذ 2013.

-الحدود المكانية: تحددت الدراسة المكانية بنطاق إقليمي ثابت وهو ليبيا ومنطقة شمال إفريقيا والضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط.

منهجية الدراسة:

الدراسة تحليلية، ذات علاقة بالتهديدات الأمنية لمنطقة البحر الأبيض المتوسط، تقدم مجموعة مفاهيمية متناسقة في سياق من المرونة وأكثر تنظيما، دراسة تحاول تقديم تحليل تطبيقي ليس مجرد وصفي، تحاول النظر بعمق في العلاقات بين الجهات الفاعلة في الأزمة الليبية من جهة، والتطرق في شق ثاني إلى الفواعل الإقليمية والدولية المتدخلة لحل النزاع، والشراكات والتحالفات ومدى فعاليتها في إطار التواجد الأجنبي العسكري. إن الوضع الأمني للدائرة المتوسطية يترجم عمليا من خلال استجابات إقليمية ودولية، في حين طابع التهديدات والمخاطر عبر وطنية، في إشارة إلى أهمية الدور المحوري للدول في التحليل، مفهوم التحليل الاستراتيجي الذي يعتبر عنصرا أساسيا لتحليل العلاقات بين الدول.

سيتم تقسيم الدراسة إلى ثلاثة محاور كالآتي:

المبحث الأول: الدور الاستراتيجي لأمن منطقة البحر الأبيض المتوسط.

المبحث الثاني: التأثير الإقليمي لعدم الاستقرار في ليبيا على منطقة البحر المتوسط.

المبحث الثالث: القراءة الجديدة للوضع الجيوسياسي بمنطقة المتوسط في ظل الحضور الأجنبي كالفرنسي، الروسي، التركي…وتأثيره على تحقيق أمن المنطقة المتوسطية.

المبحث الأول: الدور الاستراتيجي لأمن منطقة البحر الأبيض المتوسط

إن الدور الاستراتيجي لمنطقة البحر الأبيض المتوسط برمته مرتبط للغاية بالاستقرار والسلام العالميين من حيث الأمن الجماعي والتنمية والقيم الثقافية، في هذه المنطقة يوجد كثير من المسائل لم تحلّ بعد يجب الإجابة عليها في المستقبل القريب لتجنب أو حلّ الضعف الحرج الحالي الذي ينطوي على هذه المنطقة الاستراتيجية، تحديات لا تخص فقط تلك البلدان التي تتقاسم شواطئها بل كل دول الاتحاد الأوروبي ويمكن النظام الدولي كله في عالم يتأثر بسرعة انتشار المخاطر والتهديدات.

إن أهمية البحر الأبيض المتوسط ترتبط تاريخيا بتقارب المصالح الأكثر أهمية لمنطقة ترتبط بأوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، هكذا ليمثل البحر الحدود البحرية للمناطق الجيوسياسية الأربعة. من أجل فهم أعمق، من المهم التأكيد أن دول الضفة الجنوبية لا تنتظر الحلول في المخطط الاستعماري القديم كإطار للعلاقات لتتغير المعطيات، فالحلول لتحدياتهم يجب أن تتم في تصور على قدر المساواة في سياق علاقات عادلة، تصور لتحقيق إدارة ناجحة للأزمات والصراعات الإقليمية. تجدر الإشارة إلى أن المنطقة هي واحدة من مبادئ العمل الرئيسية للسياسة الخارجية للدول بفعل التقارب الجغرافي[1].

المطلب الأول: أسباب توسع نطاق المخاطر والتهديدات بالبحر الأبض المتوسط

البحر الأبيض المتوسط كمنطقة استراتيجية معرضة للخطر من قبل العديد من المخاطر والتهديدات التي تؤثر على أمنها، ليعتبرها دول ضفاف البحر بمنطقة “التحديات المشتركة” لأن عواقبها عبر وطنية ما يستلزم الحاجة إلى عمل متعدد الأطراف والأبعاد لمواجهتها. لتسلط بذلك الوثيقة الاستراتيجية الأمنية الأوروبية الضوء على قائمة التحديات المعقدة التي لا يمكن معالجتها من طرف دولة واحدة بل هم في حاجة إلى تعاون وثيق للتعامل مع الإرهاب وانتشار الأسلحة. منطقة صراعات، دول فاشلة وجريمة منظمة، تهديدات عالمية يضاف إليها التطور غير المتكافئ، النمو الديمغرافي غير المتوازن والتدهور البيئي وتدفق الهجرة السرية وغير الشرعية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.

إن حوض البحر المتوسط هو حقا منطقة اضطراب من الشرق إلى الجانب الغربي، هناك صراعات قديمة غير منتهية لفترة طويلة، على الجانب الشرقي كان الصراع العربي الإسرائيلي في سياق العديد من الحروب، وعلى الجانب الغربي الصراع غير المكتمل في الصحراء الغربية له أيضا دلالات استراتيجية مهمة فهذا الوضع لا يشمل فقط دول المنطقة من حدودها الإقليمية وعلى مسافة أبعد العوامل الاستراتيجية والسياسية لها وزن استراتيجي فالتوترات لا تزال قائمة بين الجزائر والمغرب حال دون التفاهم السياسي الإقليمي لسنوات، له تأثير سلبي كبير على أطر التكامل الإقليمي بشكل واضح من آثار سياسية واجتماعية واقتصادية. كلا منطقتي الصراع الشرقي والغربي تعزز من تدخل الاتحاد الأوروبي وقوى دولية في تطوير السياسة الإقليمية لمحاربة عدم الاستقرار بالمنطقة.

في عام 2011، كان شمال إفريقيا هو المشهد الذي اندلعت فيه الانتفاضات العربية مكان تونس ومصر مع انتشار سريع للغاية، كان وضعا غير متوقع حتى في حالة وجود العديد من العناصر التي يمكن أن تحرك الموقف في هذا الاتجاه، لكن لا أحد اعتقد ما حدث، لذا يجدر الإشارة من ضرورة مراعاة ما يسمى بالربيع العربي حسب كل حالة مختلفة، حراك بالمنطقة غيّر استراتيجية السياسة المتوسطية إلى قضية دولية.

تحولات أثبت حالات معقدة تتعارض مع حلول محلية صعبة للغاية ومع استجابة دولية مشكوك فيها، مخاطر وتهديدات التي هددت بالتحلل الإقليمي للدول، بتحديات عرفت تفاقما وتوسعا خارج منطقة المغرب العربي، انتفاضات كان لها آثار سلبية على منطقة الساحل الأفريقي أيضا من نتائج حرب ليبيا الصراع الجديد الذي خلق فشل الدولة التي أفسدت توازن المنطقة بأكملها. حيث انطلق ناقوس هذا الخطر في البلدان المجاورة مثل تونس والجزائر ولكن المشهد الأسوأ بعد حرب ليبيا، قد تم على هامش الساحل الأفريقي، هذه المنطقة الاستراتيجية التي تتميز بدول فقيرة متقاطعة المرتبطة بالأسلحة والمخدرات والإتجار بالبشر، بالمتمردين والجماعات الإرهابية والمسلحة التي اعتادت الاستفادة من عدم الاستقرار. دول مثل نيجر وتشاد ومالي وتميزها بانعدام الأمن بالمعنى الكامل، كالأمن الغذائي، الأمن البيئي والحكم الرشيد. بالتالي فإن الساحل الأفريقي مليء بالجهات الفاعلة غير الحكومية التي تمارس سلطتها الخاصة وعبر الحدود الإقليمية. إن الوضع الجديد بالمنطقة هو هشاشة الدول ما يخلّ باستقرار وأمن المنطقة مباشرة والاتحاد الأوروبي على المدى القريب ما يتطلب استجابات فعالة.

فعلى الجانب الشرقي من البحر المتوسط، لا تزال حرب سوريا مستمرة إنها دراما إنسانية رهيبة خلفت أزمة إنسانية الأسوأ على طول المنطقة، بتدفق المهاجرين غير الشرعيين وعدد اللاجئين، كما نلاحظ أن المجتمع الدولي لم يقدم حلا مناسبا لهذه المأساة. حرب تمتاز بشدة التعقيد عرفت تدخلات دولية كالولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإقليمية كإيران والسعودية، لكن تدخلات يدافع كل واحد عن نفسه لتحقيق مصالح استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط[2].

إن المستفيدون الأساسيون الأكبر في هذه الحروب الإقليمية المجموعات الإرهابية الناشطة، فالقاعدة لا تزال حية وعامل آخر ينبغي التركيز عليه وهو ما يسمى بداعش التي هدفها تعزيز الخلافة العظيمة التي تؤثر بشكل مباشر على الوضع الداخلي لكل منطقة مذكورة. إنه التهديد الأكثر خطورة ليس فقط على دول البحر الأبيض المتوسط بل جميع الدول، لقد طورت الجماعات الإرهابية قدرة عسكرية بهجمات متزايدة في العديد من البلدان حول العالم.

المبحث الثاني: التأثير الإقليمي لعدم الاستقرار في ليبيا على منطقة البحر المتوسط

بعد وقت قصير بدء ما يسمى بالربيع العربي في تونس، انتشر في يناير عام 2011 إلى ليبيا حيث تحولت الاحتجاجات إلى انتفاضات ضد القذافي الذي حكم البلاد بقبضة حديدية منذ وصوله للسلطة عام 1969. بدل التنحي استخدم أسلحة ضد شعبه وبعد الخسارة في المدن الرئيسية كبنغازي ومصراتة ردّ بهجوم مضاد ليصدر مجلس الأمن قرار 1973 في 17 مارس بفرض منطقة حظر جوي.

إن الدول المجاورة لليبيا كمصر والجزائر وتونس تأثرت بشكل مباشر بالتهديدات الأمنية والاقتصادية الناجمة من خلال غياب الاستقرار بليبيا، كان لعدم الاستقرار تأثيرات واضحة على الدول الأوروبية وغيرها بفعل ثلاث طرق رئيسية:

  • ليبيا المجزأة حيث جعلت المشهد الأمني بيئة عمل جذّابة للمتطرفين العنيفين واستخدامها كقاعدة لضرب الخارج.
  • آثار انهيار سلطة الدولة والنمو السريع والمنافسة داخل ليبيا للتجارة غير المشروعة ليجعل ليبيا مركز عبور رئيسي للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا ومحور تجارة الأسلحة غير القانونية.
  • و أخيرا الضرر الذي لحق بالاقتصاد الليبي نتجة للصراع وأزمة الحكم المستمرة التي تؤثر على اقتصاديات دول ضفتي البحر المتوسط خاصة تلك الواقعة في الحدود الليبية.

إن التدفقات غير المشروعة من الهجرة غير النظامية وتجارة الأسلحة وتهريب البشر، تمثل حقيقة تحديا كبيرا لجيران ليبيا وأوروبا، وحقيقة الأمر فإن تهريب البشر موجود قبل سقوط نظام القذافي ليستغلها الأخير كوسيلة للنفوذ[3].

أودى الصراع في ليبيا بحياة عشرات الآلاف، ولّد عدم الاستقرار في جميع أنحاء الجزء الغربي للمنطقة المتوسطية، لتصبح ليبيا منطقة محورية على نحو متزايد للمنافسة الجيواستراتيجية. منذ أفريل 2019، الحرب في ليبيا تكشف ولا سيما في الجزء الغربي للبلاد الآثار الاقتصادية للنزاع إلى جانب جائحة كوفيد -19، قد يسبب انكماش الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بأكثر من 12% عام 2020، كما انخفض إنتاج النفط إلى حوالي 120 ألف برميل يوميا من 1.14 مليون في ديسمبر 2019 ما نتج عنه خسائر مالية تقدر بحوالي 2 مليار دولار[4].

الواقع أن المسألة الأمنية الهشة وانتشار الجماعات المسلحة في ليبيا لها نتائج مدمرة ليس فقط على التنمية الاجتماعية والاقتصادية ولكن أيضا بين الدول المجاورة، وتحديدا ليس فقط تلك التي تنتمي إلى حوار 5+5 حول قضايا الهجرة والإتجار بالبشر والتهديدات عبر الوطنية والجريمة المنظمة وأمن الطاقة والتطرف وما إلى ذلك بل أيضا دول الساحل الأفريقي.

إن الطريق إلى استقرار ليبيا هو شرط لاستقرار المنطقة المتوسطية لأن الأزمة الليبية هي أزمة ذات صلة يجب النظر إليها في شكل شمولي[5].

تجريبا تتشابك الديناميات الأمنية في المغرب العربي ومنطقة الساحل الأفريقي ليصبح الأمن في ليبيا من قضايا الأمن الإقليمي المقلق كما وترتبط وحدات الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط عبر تاريخ العلاقات الدولية في هذه المخارج الأمنية، والواقع أنّ شمال إفريقيا وجنوب أوروبا مترابطان في أبعاد مختلفة من تاريخ متشابك وسيكون مستقبل المنطقة مرتبط بمدى استجابة الجهات للتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتهديدات المشتركة التي يواجهونها[6].

أزمة المهاجرين والتنقل البشري

في المرحلة الحالية العلاقات بين ضفتي البحر المتوسط مركزية لفهم التطور المحتمل لاستجابات أزمة الهجرة واللاجئين، لتظهر الحركات عبر البحر المتوسط كجزء من أزمة أخرى، أزمة ذات انعكاسات تكون الشتات للوطن.

الإرهاب عبر الوطني و التطرف

في هذا المنعطف الحرج كل من بلدان شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط تواجه تحديات أمنية فيما يتعلق بالحركات الجهادية المتشددة عبر الوطنية، يواجه هذا التهديد كل من الإتحاد الأوروبي والإتحاد الأفريقي ومجموعة 5+5، ودول الجوار، تهديد شكل وجود وتوسع في عدة أنواع من الحركات المتشددة في أوروبا وأفريقيا وتحديدا تنظيم القاعدة وداعش وتنافسهما على الفروع الإقليمية في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل وما وراءها في القرن الأفريقي. الأمر الذي يتطلب التضامن والتعاون الدوليين في الوقاية والاستجابة. مواجهة هذا التحدي يتطلب صياغة مقاربة على المدى الطويل وعلى أساس عبر إقليمي فقدرة داعش على تعبئة أتباعها على ضفتي البحر المتوسط من غير المرجح أن تتلاشى دون جعل المجموعات الضعيفة قادرة على مقاومة التطرف.

لقد كانت الأزمة الليبية نتيجة متوقعة لعملية عسكرية لحلف الناتو للإطاحة بنظام القذافي حيث كان له انعكاسات سواء على الصعيد الوطني أو الإقليمي الأوروبي والعربي. حرب أهلية حقيقة في منحى تقدمي، يجب أن نعترف بوضوح باختفاء الدولة الليبية وظهور صفقة جديدة من حيث التوازنات الجيوسياسية والاستقرار الإقليمي سواء في المسرح المغاربي والساحلي أو الأورومتوسطي[7].

إن منطقة المتوسط وشمال إفريقيا ضف لمنطقة الساحل الأفريقي، تشكل مساحات مترابطة مع التطورات غير المستوية المتأصلة في تاريخهم وجغرافيتهم المشتركة تتميز بتأثيرات قوية ومرتبطة للغاية، حيث تشكل هذه المسارح صراحة ارتباط كبيرا لا يمكن الفصل بينها حيث لا يمكن الحديث عن تهديدات المتوسط دون ربطها بتهديدات الساحل الأفريقي مثلا، ومن هذا المنطق يرتبط أمن أحد هذه المناطق ارتباطا وثيقا بأمن الآخرين والعكس صحيح، في هذا التكوين تطورت هذه المناطق بأكملها، فمنذ انهيار ليبيا اتجهت المنطقة نحو عدم الاستقرار المتوسطي، وكأن الأزمة الليبية انفجار موقد الحرب الدائمة في الساحل الأفريقي يهدد استقرار وأمن البلدان المغاربية وأوروبا تقريبا. بالتالي لم يعد من الممكن طرح مشكلة المغرب العربي بعزله عن الجناح الجنوبي لمنطقة الساحل الأفريقي، فالتشاور الداعم ضروري بين البلدان المغاربية في الحاضر والمستقبل للمشهد الساحلي. هو اليوم غير موجود نظرا للانسداد الدائم الذي يميز عمل اتحاد المغرب العربي.

إن التحديات الرئيسية في المنطقة الساحلية تتمثل أساسا في الإرهاب والجريمة المنظمة والصراعات والهجرة غير الشرعية، منطقة شاسعة تبين كيف أن المغرب العربي والشرق الأوسط وضفتي البحر المتوسط مسارح مترابطة وتتأثر مباشرة ببعضها البعض. هذا الوضع لم يسبق له مثيل في تاريخ المنطقة وبالتالي ينبغي تشجيع جميع الأطراف على دراسة الأوضاع الجديدة بجدية أكبر وتعاون أمني فعال[8].

منذ اندلاع النزاع في ليبيا أصبحت البلاد بالفعل مصدر قلق لكل من دول الجوار والدول الأوروبية بتحديات أمنية واقتصادية متعددة تفرضها على المنطقة، فإذا كانت البلدان المغاربية تشعر بالقلق إزاء التغيرات الجيوسياسية في ليبيا نظرا لقربها الجغرافي فالدول الأوروبية ليست أقل قلقا حيال ذلك بسبب التحديات الاقتصادية والأمنية والجيواستراتيجية التي تؤثر عليها. مواجهة لهذه التحديات الوطنية المشتركة لابد من الدول المغاربية والأوروبية من الانخراط في تعاون إقليمي وثيق في منطقة الساحل والصحراء التي وحدها ستحمي مصالحهم، ما يساعد كل هذه البلدان من تجنب شبح “الأفغنة”. وفي هذا المنطق أكدت الدول المجاورة لليبيا بعد اجتماعها الوزاري 11 المنعقد في 8 ماي 2017 في الجزائر العاصمة، التزامهم بالحل الدائم للأزمة الليبية والذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال العمل السياسي، كما أعرب الوزراء عن رفضهم لأي تدخل خارجي في شؤون ليبيا أو أي خيار عسكري، وبالمثل بدأت تونس في فبراير 2017 وساطة في الأزمة الليبية. خلال الاجتماع الوزاري اتفق المشاركون على ضرورة مواصلة العمل بلا كلل في تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة في ليبيا في إطار الحوار الليبي تحت رعاية الأمم المتحدة والالتزام بسيادة الدولة الليبية وسلامتها الإقليمية.

دول ترى في الحل السياسي المخرج الوحيد للأزمة على أساس الاتفاق السياسي الليبي الموقع في 17 ديسمبر 2015 الذي لا يزال قائما كإطار مرجعي، فالهدف جمع كل الأطراف الليبية في حوار لحل الخلافات التي حالت دون تنفيذه حتى الآن. فما يميز هذه المبادرات أن لها بالفعل ميزة الوجود ولكن الواقع يشير إلى أنه لا يمكن أن يكون لها تأثير حاسم على نتيجة الصراع. سبب هذا التشاؤم هو نقص الدعم الدولي الذي من شأنه حل للأزمة وفهم مسبباتها بالأصل، أيضا التناقض في الرؤى بين القوى والفواعل المتدخلة[9].

تأثيرات للأزمة الليبية شكلت معضلة كبيرة للمنطقة المتوسطية، والواقع في الأمر هو التعامل مع دولة على الورق فقط، بفعل الفراغ السلطوي وانهيار مؤسسات الدولة والمناطق غير خاضعة للحكم، فتأثيرات الأزمة تتجاوز الحدود الليبية ويهدد بشكل مباشر جميع الدول التي تخشى امتداد الفوضى على أراضيها، وعن التدخل الخارجي عامل يضاعف صراحة بؤر التوتر والأزمات لمنطقة المتوسط ويعيق التنمية الاقتصادية.

إذن اتجاهات عابرة للحدود الوطنية للصراع بالمنطقة، تولد شبكات معقدة عبر الحدود ليصبح الصراع الليبي أقل قابلية للحل فالآثار المباشرة هي الناتجة عن غياب الدولة كمساحة غير خاضعة للحكم لا سيما اختراق التطرف العنيف وتوسع نطاق التهريب وانتشار أشكال الجريمة المنظمة من تهريب الخدرات وانتشار الأسلحة وهو ما تخشاه الدول الأوروبية أن تستفيد منه الجماعات من الفراغ الليبي والانتشار إلى أراضيها فالأمر صعب يتعلق بمحركات تصعيد الأزمة.

خلق عدم الاستقرار بليبيا حالة من التوتر بالمنطقة المتوسطية، فعلى مر السنين القذافي جند مقاتلين لأغراض من دول إفريقية مختلفة بما في ذلك الطوارق، لكن ومع نهاية الديكتاتورية بليبيا أجبرت الميليشيات التي تلقت تدريبا عسكريا أقل أو أكثر اكتمالا من العودة إلى بلدانهم الأصلية – النيجر ومالي-، ففي بعض الدول نقلوا بطريقة أو بأخرى تحت السيطرة ليتم إعادة تشكيلهم في البنية الاجتماعية. عدد هذه الميليشيات يختلف وفقا للمصادر، المهم في الأمر هو عودتها من ليبيا مستعدة للقتال خارجة عن سيطرة مالي، بالتالي سقوط نظام القذافي نتج عنه آثار أخرى بالمنطقة ما أجج الوضع الأمني الذي عرف تدفقا غير مشروع للأسلحة وحتى الثقيلة منها كقاذفات الصواريخ ليتم بيعها في بلدان أخرى من القارة ويتم شراؤها من قبل الكثير من المنظمات الإجرامية والجماعات الإرهابية والمسلحين، في هذا الصدد مالي شهدت حدثا متناقضا تقريبا: الثوار هم أفضل تسلحا من الجيش النظامي كما أن قادة تنظيم القاعدة بالمغرب الإسلامي المنظمة الرائدة الإرهابية الناشطة في المنطقة لا تزال تعرف إمدادا للأسلحة من ليبيا[10].

حرب دامية تجري منذ فبراير 2011، من المرجح أن تكون لها نتائج رئيسية في جميع أنحاء الضفة الشمالية للمتوسط والصحراء الساحل، وليس في الصحراء الليبية فقط. فبعد سقوط النظام، كثير من المقاتلين ذهبوا إلى أماكن متفرقة من الصحراء ومعهم أسلحة، لذلك فمن الجدير بالذكر النظر إلى الصحراء في كلّها لفهم أفضل لحالات القلق والتهديد التي تتطور شدتها وتتفاقم بسرعة أكبر، منطقة حظيت بتغطية إعلامية مكثفة منذ سنوات طويلة من خلال التطور لنشاطات الإتجار غير المشروع وظاهرة الهجرة، فضاء لمهربي المخدرات ومسرح لعمليات الجماعات المسلحة[11].

ما يحصل بمنطقة المتوسط مترابط إلى حد بعيد بين ما يحصل بليبيا والأزمة بمالي من خلال مجموعة العوامل التالية:

عامل الارتباط القاعدي الذي يتجسد في التشابك المتبادل بين التنظيمات الجماعية المسلحة مثلا بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب العربي وحركة التوحيد والجهاد غرب إفريقيا، عامل الارتباط الإثني والذي ينصرف من خلال فئة انتشار الطوارق في الجنوب الغربي الليبي وعلاقات القرابة الوثيقة مع نظرائهم الذين يقطنون بالشمال المالي، فئة استخدمها القذافي لدعم نظامه حتى سقوطه، ليضاف عامل الارتباط الأمني حيث الفراغ في ليبيا والذي يقابله في الساحل أفرز انتشارا كبيرا لأنشطة الجريمة المنظمة من تهريب للمخدرات، تجارة الأسلحة، اختطاف الرهائن…، لتمثل مصادر مالية بالنسبة للجماعات والتنظيمات المسلحة فضلا عن الحدود غير المراقبة ما سهل المهمة بالنسبة للجماعات للاتصال الوثيق، وضع يعمق أكثر فأكثر المأزق الأمني لفضاء الصحراء الساحل وشمال إفريقيا.

إن تأثير الداخل الليبي على مالي والمنطقة ككل واضح من خلال المعطيات المذكورة، والخروج من هذه الفوضى الأمنية لا يكون إلا من خلال إخماد الأزمة الليبية التي كانت عامل انفجار للمنطقة من خلال ضبط تأمين الحدود لفرض الاستقرار[12].

إن تعقد الحرب الحالية ناتج عن أن ليبيا تواجه تراكمية للصراعات، على الصعيد الوطني المواجهة بين النخب القديمة والجديدة بتداخل جزئي وانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين. لتصبح من أهم الآثار المباشرة للحرب الليبية على دول الجوار هو التدفق الكبير والمستمر للاجئين

بعودتهم نحو النيجر ومالي بقدرات عسكرية، زد عن ذلك التدفق المستمر للأسلحة على كامل المنطقة، في ظل المشاكل الرئيسية لبلدان الأخيرة ما فاقم تعقيد الأزمة[13].

الخارطة رقم 01: توضح الأزمة الليبية والتهديدات الإقليمية

الأبعاد الجيواستراتيجية للأزمة الليبية وأمن الدائرة المتوسطية-1

Sources: OECD (2014), “An Atlas of the Sahara-Sahel: Geography, Economics and Security”, West African Studies,

OECD Publishing, Paris, and OECD, AfDB, UNDP, UNECA (2014), “African Economic Outlook

التأثيرات الأمنية للجماعات الجهادية بليبيا ومنطقة المغرب والساحل الأفريقي

شهد سقوط نظام القذافي ظهور تجزئة للأراضي والسكان المحليين فضلا عن عدم وجود جهاز دولة حقيقي، واقع هيكلي سرعان ما سرّع من تدهور الوضع الأمني، كما فشلت السلطات الانتقالية في نزع سلاح الميليشيات وبناء جيش وطني ليبي. فليبيا ما بعد القذافي مرادف لعدم قدرة القوى السياسية الجديدة من إضفاء الطابع المؤسسي، حيث زاد انتشار الإتجار بالأسلحة والبشر والجماعات ذات الطابع الإجرامي وتأسيس جماعات جهادية التي استغلت انقسامات عائلية قبلية تعتمد النزعة الإنتقامية من القذافيين، شعور يغذي بعضه البعض وهو مصدر زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، لتصبح المحور الرئيسي للجهادية وتصبح ليبيا أرضا جديدة للجهادية ما يهدد أوروبا مباشرة في رحلة ما وراء الحدود. في هذا السياق من الأزمات فإن دول الضفة الجنوبية والشمالية للبحر المتوسط الغربي تدريجيا قد أدركوا مصلحتهم الوطنية من ضرورة إعادة أمن واستقرار ليبيا.

تتميز ليبيا بعد القذافي على وجه الخصوص بالوجود المتناحر للجماعات الجهادية من أصل محلي مثل الجماعات التي تقاتل في ليبيا واندماجهم في شبكات إرهابية رئيسية عبر وطنية الذين يقدمون نفوذا للمقاتلين الليبيين كأنصار الشريعة والقاعدة وداعش، ومع ذلك لم تولد الظاهرة الجهادية في ليبيا مع الانتفاضة الشعبية ثم سقوط نظام القذافي. فالجيل الأول من الجهاديين ولد في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ولدى عودتهم من الحرب في أفغانستان شهد الجهاديون الليبيون مسارات مختلفة وبعد التقارب والتعاون بين تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي ووجود مقاتلين ليبيين، خلقت حركة بلورة توسع الظاهرة لتصبح الأراضي الليبية مساحة للتجمع وقاعدة للقوى الجهادية.

إذا كانت الظاهرة الجهادية موجودة قبل انتفاضة 2011، فقد خلقت حركة بلورة وتوسع الظاهرة، فالأراضي الليبية سرعان ما أصبحت مساحة للتجمع وقاعدة أو إعادة بناء للقوى الجهادية وهكذا ولد فراغ ليبي لتتطور على نطاق واسع عبر وطني[14].

لقد تصاعدت الأعمال العدائية في ليبيا قادت البلاد إلى حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، كما أضعفت الجهاز الأمني، مع بروز تدفقات الهجرة غير الشرعية غير الخاضعة للرقابة من وإلى البلاد وكذلك انتشار شبكات الإتجار المسلحة أدت إلى ظهور آثار غير مباشرة ليس فقط على الدول المجاورة ولكن شمال وجنوب المتوسط بأكمله. لتصبح التحديات الأمنية في ليبيا مفهوما غير قابل للتجزئة ومنه أمن المنطقة المتوسطية لا ينفصم عن أمن ليبيا بآثار مباشرة وغير مباشرة من منطقة الشرق الأوسط على الترابط بين الأمن الأوروبي والمتوسط[15].

المبحث الثالث: القراءة الجديدة للوضع الجيوسياسي بمنطقة المتوسط في ظل الحضور الأجنبي كالفرنسي، الروسي، التركي…وتأثيره على تحقيق أمن المنطقة المتوسطية

يتميز الوضع الإستراتيجي الحالي كونه مرتبط بمسارح الأزمات فالصراعات هي نتيجة تكوين معقد للغاية يجعل حلها مستحيلا باستخدام القوة، في الوقت الحاضر يجب أن تتميز حلول النزاعات بعدة متطلبات، هناك حاجة إلى إجراءات متكاملة تجمع مجالات الأمن والتعاون، نهج يجب أن يكون الملف الرئيسي لأي عملية إدارة الأزمات. لأن الهندسة الأمنية الجديدة في معالجة المسائل المتوسطية تجعلنا نذكّر أن الأمن عادة ما يرتبط بعوامل التنمية والازدهار لكنها ليست كافية حيث لا يمكن حلّ العديد من المواقف والمشكلات الأمنية تحت هذا المبدأ الأمر الذي يجعل الهندسة الأمنية دائمة التغيير تتكيف والمشهد الأمني الجديد. مشهد غير في إدراك مفاهيم جديدة متعددة الأبعاد والمجالات للأمن. إنه مسألة يجب أن تفهم تحت تصور عالمي وهو المعروف باسم النهج الشامل[16].

ما تشهده المنطقة المتوسطية كثرة الفواعل الدولية والتدخلات الأجنبية، لكن ما ينبغي الإشارة إليه هو ضرورة قيادة التدخل الدولي تحت أبعاد متعددة واستجابة متعددة الأطراف، بمفهوم مشترك للأمن كأولوية، يعني إدراك المخاطر والتهديدات، رؤية مشتركة وهي الصعوبة الأكثر التي غالبا ما توقف الدولية والإقليمية.

لقد تصاعدت المخاطر الجيواستراتيجية في سبتمبر 2019 مع نشر المرتزقة الروس لدعم قوات حفتر، هذا عجّل تدخل القوات البرية التركية لدعم حكومة الوفاق الوطني، ضف لما قامت به الجهات الخارجية بنشر قوات وطائرات بدون طيار وأنظمة دفاع. في محاولة لتغيير التوازن لصالح وكلائهم. لتنهار الدولة الليبية ما يشكل سببا متزايدا نحو القلق، حيث أصبح الصراع على نحو متزايد مدولا ما زاد من تعقيد الوضع. ليشكل تدويل الصراع كابوس جيواستراتيجي لجهود الأمم المتحدة نحو الاستقرار وزاد من مخاطر الحرب الأهلية في ليبيا ما يشكل تهديدا أكبر للأمن الدولي.

من هنا بدأ رسم خطوط المعركة حيث بدأ تدويل التحول الليبي نحو ثورة دولية للغاية، تدخل حلف الشمال الأطلسي، تدخلات متنافسة من قطر والإمارات العربية المتحدة كل هذا نحو تمثيل مصالح متباينة. لموقع دولة كليبيا الإستراتيجي في قلب البحر الأبيض المتوسط والمغرب العربي وبوابة لأفريقيا جنوب الصحراء، أيضا باعتبارها احتياطي كبير للنفط والغاز الطبيعي يعني أنّ ليبيا تقع بدقة عند تقاطع السياسات الإيديولوجية والاقتصادية.

ليشكل انهيار بقايا الدولة وزعزعة استقرارها عامل استقطاب وجذب فواعل متعددة مثل فرنسا الذين رأوا في ليبيا فرصة مفيدة تزيد من تعزيز مصالحهم واهتماماتهم الاقتصادية والإقليمية[17].

تحتل ليبيا موقعا استراتيجيا خاصا، تدخلات دولية لعمليات فرنسية وبريطانية والناتو خلق مساحة حقيقية من الفوضى مواتية لحدوث جميع أنواع التهديدات لجميع دول المنطقة. عمليات بأهداف كحملات استعمارية جديدة هدفها السيطرة على موارد النفط والغاز الطبيعي والإطاحة بالقوى المتنافسة لا سيما روسيا والصين. على الرغم من أن الوضع اليوم متقلب للغاية، يمكننا أن نلاحظ بشكل تخطيطي قوتان عظيمتان تواجهان بعضهما البعض قوات حفتر، الجيش الوطني الليبي المسيطر على برقة بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وتشاد وفرنسا وروسيا وبدرجة أقل الصين، وحكومة الاتحاد الوطني بقيادة السراج التي تسيطر على ميليشيات مصراته بدعم من قطر وتركيا وبعض القوى الغربية بما في ذلك بريطانيا وإيطاليا، فحكومة الاتحاد الوطني معترف بها من قبل الأمم المتحدة تستمد شرعيتها من حقيقة أن تنتج من توقيع اتفاقية المصالحة المؤرخة في 17 ديسمبر 2015، ومع ذلك الاتفاقية لها قيود رسمية واحدة لم يتم التصديق عليها من قبل برلمان طبرق، لتستمر الانقسامات في التزايد في الداخل الليبي وتتعثر مفاوضات السلام لعدة سنوات بليبيا ضف لتأثير قوى أخرى كالقبائل والعشائر.

في الواقع، فإنه وبحسب الاتفاق السياسي الليبي، سؤال للأزمة يمكن إيجاده فقط من خلال الحل السياسي التفاوضي يختاره الليبيون سياديا، لذلك فأي حل عسكري وتدخل أجنبي في الشؤون الليبية يساهم في تعقيد التضاريس السياسية، ضف إلى ضرورة الحفاظ على وحدة ليبيا وسلامة أراضيها. فليبيا اليوم تنقسم إلى ثلاثة كيانات هي نفسها مقسمة في فروع. البلد على حبل مشدود بسبب الانقسامات الإقليمية والقبلية والسياسية والاقتصادية التي تعرض البلد للخطر وفشل أي إمكانية للوساطة.

صراحة هذا الوضع من الفوضى يستفيد منه جميع الفاعلين وبالتالي من مصلحتهم استمراره، لقد تفاقمت الأزمة لدرجة غياب السلطة لسنوات عديدة في جميع أنحاء الأراضي، حالة استفادت منها المنظمات الإرهابية بشكل كبير من موارد طبيعية ومالية لتصبح أراضي ليبيا موطنا إرهابيا مقرونا بملاذات للجهاديين يهددون أمن المغرب العربي والساحل الأفريقي والمنطقة المتوسطية لتصبح الأزمة تحديا حقيقيا[18].

لم يتم بناء استقرار سياسي في السنوات الثماني التي تلت التدخل العسكري في ليبيا بل أدى التدخل إلى تدمير البنية المركزية الضعيفة بالفعل للبلاد، صراع في البلاد أدخلها في انقسام إلى كتلتين رئيسيتين طبرق في الشرق وطرابلس في الغرب لتبدأ هذه الكتل في تشكيل تحالفات مع القوى الإقليمية. فبالنسبة للطرف الإماراتي فإن هدفه هو أن يصبح قوة اقتصادية وعسكرية بالمنطقة، أن يعمل كممثل مستقل ويدافع عن مصالحه في السياسة الخارجية، لتلعب الإمارات العربية المتحدة دورا كبيرا في تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة بإضافة قواتها العسكرية إلى المعادلة بالإضافة إلى سياستها الخارجية للتأثير على مناطق أخرى غير منطقة الخليج العربي. كذلك مصر لاعب آخر مهم كدولة مجاورة منذ التدخل العسكري الدولي على ليبيا عام 2011، لتصبح ليبيا أكثر جاذبية بسبب الموارد التي يحتاجها نظام القاهرة المنشأ حديثا.

في الوقت الذي أصبح فيه الأمن موضوعا رئيسيا في منطقة البحر الأبيض المتوسط، بدأ تعريف اللااستقرار في ليبيا على أنه مصدر عدم استقرار وتهديد للأمن القومي بسبب وجود المنظمات الإرهابية وانتشارها. إن الوضع الجيوسياسي الحالي يشير إلى غياب إرادة حاسمة من قبل الجهات الفاعلة الدولية بدعم عسكري من مصر ودول الخليج العربي وإحراز تقدم كبير على الأرض ويعتبر حفتر الآن حلا لاستقرار ليبيا. نشرت أيضا روسيا وحدات عسكرية في ساحة المعركة بليبيا بعد أن بدأ جيش حفتر في الانسحاب من جبهات المعركة وتزايدت الحاجة إلى المقاتلين بعد أوت 2019، عندما أجبرت بعض العشائر المحلية قوات ميلشيا حفتر بالتراجع، كما أعطت روسيا الفرصة لتوسيع نفوذها من شرق المتوسط إلى غربه.

في حين أن نتيجة الحرب الأهلية في ليبيا لا تزال قائمة، يمكن إدراك أن الوضع في هذا البلد له أهمية حاسمة لمصالح تركيا أيضا كفاعل في المنصة المتوسطية وبالتالي يمكن تعريف ليبيا على أنها واحدة من النقاط المحورية للسياسة الخارجية، ويمكن اعتبارها منطقة صراع للمنافسين الإقليميين الذين يتنافسون في مناطق أخرى، من ناحية أخرى من الضروري ملاحظة أن هؤلاء الفاعلون المشاركون في التدخل العسكري مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإيطاليا وعدم قدرة المنظمات الدولية على إظهار إرادة حاسمة للتوصل إلى حل الأزمة الليبية التي تسببت في هذه التحولات الجيوسياسية، بهذه الطريقة عاد البحر الأبيض المتوسط إلى السياسة الدولية كمنطقة ذات أهمية قصوى للعديد من الجهات[19].

لتغرق ليبيا في دوامة مدمرة مع عواقب على منطقة البحر الأبيض المتوسط، صراع أودى بحياة ما يقارب 30 ألف شخص، ومنذ بداية عام 2015، أصبحت البلاد نفسها قاعدة إقليمية للجهادية، صراع أثر بشكل كبير على البلد بانخفاض إنتاج النفط الذي تمثل صادرات البلاد تقريبا، بأكثر من 8% عن مستويات ما قبل الحرب، مع تزايد عدد النازحين داخليا وعدد اللاجئين أيضا في الدول المجاورة على حد سواء، كما وأن غياب الدولة وفر تضاريس متميزة للمنظمات الإجرامية التي تتحكم أحيانا في أجزاء كاملة من الأراضي كما وتشترك في تهريب المخدرات وانتشار الأسلحة وتهريب المهاجرين الذي يتزايد عددهم باستمرار.

إن تعقد الحرب الحالية نابع من حقيقة أن ليبيا تواجه بالفعل تراكما للصراعات على الصعيد الوطني بتداخل المواجهة بين النخب القديمة والجديدة، بين الانقسام بين الإسلاميين والعلمانيين، لكنها تجد جذورها أولا في المنافسة الاقتصادية بين المدن الساحلية المختلفة، فمنذ الثورة اتخذ هذا التنافس شكل العداء المتزايد بين كوادر النظام القديم والثوار وانتشار الأسلحة.

لتشكل ليبيا الآن بؤرة توتر واضطراب دولي في ظل انتشار وتمدد الخطر الداعشي، مع كل هذا تتدخل الدول بشكل متباين بين من تشارك وتدعم بشكل مباشر حكومة طبرق كمصر والإمارات العربية المتحدة، في حين تدعم قطر بعض الميليشيات في برقة. فوضى وبيئة أمنية في غاية التعقيد جعل البلاد ملجأ للجماعات المسلحة تشارك في النزاع وتهدد أمن المنطقة المتوسطية[20].

الخاتمة

في الأخير، يمكن القول أن المسرح الليبي واقع بالفعل في قبضة الفوضى منذ عام 2011، شكلت تهديدات أمنية على دول الجوار وكسرت التوازن الجيوسياسي للمنطقة المتوسطية وكأنها زلزال ضرب المنطقة بأكملها بعواقب وتحديات لا يمكن التنبؤ بها كما هو الحال مع الأزمة السورية، بالتالي فإن خطوط التصدع والكسور الداخلية لعملاق الشمال الأفريقي مقسمة تقريبا بين قوتين إقليميتين متنافستين طرابلس غربا وبرقة شرقا، كسور يتم استغلالها وتعميقها من خلال التدخل الأجنبي المتصاعد. لتدول الأزمة الليبية ويتم تحويلها إلى قضية دولية عرفت استقطابا وجذبا لتدخلات فواعل أجنبية، تدخل بليبيا يصنف في معادلة تصعيد النزاع وتوسع نطاق التهديدات بشكل متزايد، نزاع يعرف تناقضا في الرؤى لحله حتى بالنسبة للأطراف الأوروبية.

على المدى الطويل، بالنظر إلى الديناميات الجيوبوليتيكية للنزاع الليبي الممتد إقليميا ذو بعده المفتوح، بتنمية اقتصادية مزمنة، أنشطة إرهابية، تنقل وحركية الأفراد، جماعات مسلحة وامتدادها الواسع، بالتالي ليس هناك من يضمن أن النزاع سينتهي بالمنطقة، مفتوح في ظل بلدان لا تزال تعاني الهشاشة، حدود يسهل اختراقها ضف إلى عدم وجود رقابة حكومية على المساحات الصحراوية القاحلة وهو التحدي الرئيسي على دول الجوار، لذلك ليس من المستغرب أن المتمردين متعددي الجنسيات والجماعات الإرهابية يجدون سهولة نسبية لتهريب الأسلحة كما وجدوا المنطقة جذابة “attractive” ومربحة ومساعدة لعملياتهم.

بهذا المنظور، الرؤية الطويلة لأمن منطقة المتوسط تشمل بالضرورة كل الجهات الفاعلة الإقليمية بالمنطقة، بالتالي أي فعل إقليمي بالضرورة سيكون ذو نطاق مفتوح في المنطقة، في الواقع عدم وجود استجابات إقليمية وآليات وقدرات وميكانيزمات فعالة تعتبر فرص في أيدي أولئك الذين يسعون للاستفادة من عدم الاستقرار في المنطقة.

أصبحت الأزمة في ليبيا متجذرة في ازدواجيتها من حيث هشاشة الدولة وتحدياتها الداخلية وبعدها الإقليمي على دول الجوار ضف لشبكات الجماعات المسلحة ونطاقها الواسع في البيئة الإقليمية، هشاشة استغلت من قبل الجماعات الإرهابية والجماعات المتمردة المسلحة.

فسياق اللااستقرار والفراغ الأمني الحاد “an acute security vacuum” أثار التدخل الأجنبي لعدة جهات دولية فاعلة لفهم التحديات الرئيسية أمام غياب الأمن وتوقف عجلة التنمية بليبيا في ظل ما تعانيه من تهديدات أمنية كثيرة على أمن منطقة المتوسط.


الهامش

[1] DOLORES, Maria et WEBER, Algora, The regional integration as a solution to face the mediterranean security challenges, Paix et sécurité internationales, N° 5, 2017, P 202.

[2] DOLORES, Maria et WEBER, Algora, OP.Cit, PP 203- 205.

[3] DIRSUS, Marcel, Instability in Libya: Assessing the regional impacts, V 3, N° 1, Spring 2019, PP 3- 8.

[4] MEGERISI, Tarek, Geostrategic dimension of Libya’s civil war, Africa security brief, The Africa center for strategic studies, N° 37, May 2020, P 1.

[5] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Conflict in Libya: A multidimensional crisis, IE Med policy study, European institute for Mediterranean, 2 October 2017, P 7- 8.

[6] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Op.Cit, P 11.

[7] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Op.Cit, P 15- 17.

[8] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Op.Cit, P 25.

[9] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Op.Cit, P 26.

[10]CARBONARI, Andrea, “Sahel : La bande de l’instabilité”, Dossier 3, April 2012, PP 1-3, Sur le site www.misna.org, PP 2-

[11]LACOSTE, Yves, “Sahara perspectives et illusions géopolitiques”, Hérodote, N° 142, 3/2011, P 12.

[12]محمد بوبوش، الأمن في منطقة الساحل و الصحراء، ط1 (الأردن: عمان، دار الخليج للصحافة والنشر، 2015)، ص 201- 203.

[13]PELLERIN, Mathieu,” Le Sahel et la contagion Libyenne”, Politique étrangère, Institut française des relations internationales (IFRI), 4/2012, PP 841-845.

[14] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Op.Cit, PP 49- 50.

[15] MARANA, Walter, The Osce and the Libyan crisis: Challenges and opportunities for comprehensive security in the Mediterranean, Security and human rights, 16 February 2019, PP 1- 3.

[16] DOLORES, Maria et WEBER, Algora, OP.Cit, P 206.

[17] MEGERISI, Tarek, OP.Cit, PP 1- 3.

[18] R. Aliboni, H. Bensalem et autres, Op.Cit, PP 23-24.

[19] La crise libyenne transforme la geopolitique en Méditerranée -analyse-, Date de consultation 16 juin 2020, Sur le site:

www.aa.com/fr/la-crise-libyenne-transforme-la-geopolitique-en-méditerranée-/1692370/

[20] GALLET, Archibald, Les enjeux du chaos libyen, Politique étrangère, Institut français des relations internationales, été 2015/2, P 99- 100.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى