fbpx
الأزمة الأوكرانيةورش ومحاضرات

الأزمة الأوكرانية ـ التداعيات والمآلات

في الأول من مارس 2022، نظم منتدى الحوار الاستراتيجي، التابع للمعهد المصري للدراسات، ندوة فكرية حول الأزمة الأوكرانية، تم نشر الجزء الأول منها على الموقع الرسمي للمعهد تحت عنوان (الأزمة الأوكرانية – قراءة أولية ومداخل تأسيسية)، وتناول أهداف ومسارات الأعمال العسكرية الروسية، وأبعاد السياسات الغربية، والأزمة وتحولات النظام الدولي، والمداخل الحضارية للأزمة، وصراع المشروعات، والمداخل الاقتصادية للأزمة.

أما الجزء الثاني من الندوة الأولى، فقد تم نشره على موقع المعهد تحت عنوان (الأزمة الأوكرانية ـ أطروحات التحول ومسارات التداعيات) وتناول مستويين، الأول التأثيرات المباشرة على عدد من الدول الأساسية في المنطقة وعلى المنطقة بشكل عام وما يحدث فيها، مثل تركيا والإمارات، ومصر وسوريا واليمن، أما المستوى الثاني فقد سعى للوقوف على انعكاسات ما يحدث الآن على مستقبل الثورات العربية أو مشاريع التغيير المنشودة في المنطقة؟ وهل هذا التأثير هو تأثير سلبي أم إيجابي؟ وهل يتوقف هذا التأثير على ما نقوم به من أفعال وأعمال القوى الساعية للتغيير في المنطقة كلها بشكل عام، والاستفادة من الفرص وتفادي التهديدات؟ وكيف تتحول هذه الأزمة إلى فرصة نستفيد بها للدفع بملف التغيير في المنطقة؟ وما هو الخطاب الذي ينبغي أن تتبناه هذه القوى؟

وفي الخامس عشر من مارس 2022، وسعياً نحو استكمال المناقشات بشكل أكثر تعمقا حول هذه الأزمة، وتداعياتها، في ضوء مرور نحو ثلاثة أسابيع على اندلاع المعارك، نظم منتدى الحوار الاستراتيجي، التابع للمعهد المصري للدراسات، الندوة الثانية من سلسلة ندواته التفاعلية، بمشاركة عدد من الخبراء المتخصصين في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، وكذلك عدد من السياسيين، وتمت المناقشات وفق قاعدة (تشاتام هاوس)، وينشر المعهد المصري خلاصات هذه الندوة الثانية في هذه الورق الثالثة من سلسلة الأوراق حول الأزمة الأوكرانية.

وقد جاءت اتجاهات النقاش على النحو التالي:

تساؤلات ما قبل البدء:

برزت في البداية عدة تساؤلات تتعلق بهذه الأزمة وتداعياتها ومساراتها، منها: لصالح أي المعسكرين قد يؤول مسار هذه الأحداث: الشرق أم الغرب؟ أم أن طرفي الصراع كليهما سيخرجان خاسرين بشكل ما أو بآخر، ولن يخرج أي منهما منتصرا انتصارا ساحقا، والآخر مهزوما هزيمة ساحقة؟ هل ستستمر هذه الأزمة لأسابيع أو شهور وتنتهي أيا كانت نتيجتها أم أنها مرشحة للتصاعد واتساع نطاق الصراع بدل انحساره، لتدخل فيه أطراف أخرى كثيرة حتى الوصول إلى ما يمكن أن يطلق عليه “حرب عالمية”، قد لا تكون بالضرورة حربا نووية؟ هل يتجه بوتين إلى المزيد من التصعيد ومحاولة الهروب إلى الأمام في حال نفاذ خياراته وبدائله في هذه الأزمة؟ ماهي تداعيات وتأثيرات هذه الأزمة بوضعها الحالي أو ما ستؤول إليه فيما بعد على منطقة الشرق الأوسط بأسرها والملفات الموجودة بها، خاصة ملفات الصراعات الدائرة الآن، سواء كان في سوريا، أو في ليبيا، أو في اليمن، أو في غيرها؟ وهل يكون تأثير هذه الأزمة إيجابيا أم سلبيا على المستوى الاستراتيجي على دول مثل مصر وتركيا والسعودية وإيران؟ هل ستكون التداعيات لهذا النزاع على المستوى الاستراتيجي سلبية أم إيجابية؟ هل تحمل هذه الأزمة فرصا إيجابية لقوى التغيير في المنطقة، والتي تتطلع إلى حدوث تغيير كبير إلى الحرية والتحرر من القوى الاستعمارية، خاصة بعد نمو واتساع الثورات المضادة في أعقاب الربيع العربي، أم أن لهذه الأزمة من السلبيات ما قد يشكل تهديدات؟ أم أنها تحمل في طياتها كلا الأمرين، وأنه على قوى التغيير إما انتظار مآلات الأمور أو التحرك واقتناص هذه الفرص وتجنب التهديدات، بحيث تؤول الأمور في نهاية الأزمة إلى ما هو في صالح الأمة والتغيير الإيجابي لواقعها؟

وكان التساؤل الأخير هو الموضوع الرئيس شديد الأهمية، باعتباره يتعلق بمآلات هذا الصراع على منطقتنا وعلى فرص التغيير فيها، حيث في خضم الحديث عن سيناريوهات ومآلات الحرب الروسية- الأوكرانية.

هل فشل النموذج الغربي؟

ذهب البعض إلى أن الأزمة أظهرت بشكل واضح الفشل الذريع للمشروع الغربي العلماني القائم على الأسس العلمانية التي ـاسست بمقتضاها الدولة القومية الحديثة، والتي فشلت في رعاية التطلعات الأساسية للإنسان العادي، بل قد تقحمه في صراعات ومشاكل لا ناقة له فيها ولا جمل. على سبيل المثال، أوكرانيا، حيث دُفع الشعب هناك دفعا من طرفي الصراع الأساسيين، روسيا والغرب، لهذه الحرب، رغم أنف الشعب الأوكراني الذي لم يكن يرغب أن يكون طرفاً في الصراع، الذي أدى إلى تدمير البلاد وتهجير العباد. وهذا ليس بجديد (من وجهة نظر بعض المشاركين)؛ فدائما ما تتحمل ساحة الصراع تلك العواقب، كما كان يحدث في بلاد المسلمين عندما كانوا يشكلون ساحات للصراعات بين القوى العالمية.

وهذا كله يثبت فشل هذا المشروع الغربي، من وجهة نظر بعض المشاركين، في الاستجابة للتحديات الأساسية للإنسان، وعندما يُقال المشروع الغربي لا يعني ذلك فقط أمريكا وأوروبا، بعيداً عن روسيا وحتى الصين، حيث يدور الجميع في فلك المنظومة العالمية ما بعد الحرب العالمية الثانية، في إطار العولمة والنظام النيو ليبرالي السائد. فهل يعني هذا أنه قد آن الأوان فعلاً للحديث عن مشروع حضاري جديد يقدمه العالم الإسلامي تحديداً، مشروع لا يلبي تطلعات المسلمين فقط، بل يلبي تطلعات العالم كله في تقديم البديل لكل دوائر المشروع الغربي العلماني، في ظل ما يحدث الآن ؟

أولا: الاتجاهات الاستراتيجية للأزمة

ذهب بعض المشاركين إلى أنه بمتابعة أحداث الأزمة الروسية الأوكرانية منذ اندلاعها في الرابع والعشرين من فبراير 2022، من الصعب تحديد مسار استراتيجي لأي من أطراف الأزمة، حيث يبدو فيها الجميع في حالة من الفوضى، ما يعزز تفاقم الأحداث واستمرار الحرب دون أفق أو دوافع استراتيجية واضحة لجميع الأطراف، أشبه بكرة ثلج قد يعجز الجميع عن إيقافها، خاصة وأن هذه أكبر أزمة دولية يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وربما تكون الأخطر كذلك لوجود الخطر النووي والذي لا يُستبعد اللجوء إليه في مثل هذه الحالة الفوضوية التي لم يشهد لها العالم مثيلا منذ 70 عاما على الأقل.

ويرى بعض الخبراء أن الخطوة التي أقدم عليها بوتين هي بالفعل خطوة دفاعية استباقية منعا لوجود تهديد أمني استراتيجي لبلاده متمثلا في وجود حلف الناتو على حدوده وهو مالم يلتزم به الناتو منذ التسعينات من القرن الماضي، حيث استمر في التوسع ملتهما معظم دول حلف وارسو وثلاث دول سابقة في الاتحاد السوفييتي، مما شكل خطراً على روسيا، والتي على إثر ذلك تحركت لوقف هذا الخطر الزاحف نحو حدودها.

وبمتابعة موقف الجانب الروسي في هذه الأزمة من الناحية العسكرية (من وجهة نظر بعض المشاركين) من الممكن رؤية حالة التخبط العسكري بوضوح، وهذا قد يكون بسبب اختلاف الواقع عما كان مخططا له، حيث يرى البعض أن الجانب الروسي قد أخطأ في تقدير قوته بشكل عام، كما جاء في تقرير أوكراني، بغض النظر عن دقة الأوراق التي ذُكر في التقرير أنها وجدت في مقر قيادي ميداني روسي يفيد باتخاذ قرار الحرب في التاسع عشر من يناير 2022 ، وأن الخطة الروسية كانت تقوم على إحكام السيطرة على أوكرانيا خلال ثلاثة أسابيع بحيث تبدأ الحرب في العشرين من فبراير وتنتهي في الأيام الأولى من شهر مارس، استنادا لاعتقاده بالتحديث الذي قام به بوتين للجيش الروسي في 2008؛ ولكنه أغفل أن الجيش الروسي ليس لديه خبرة منذ زمن طويل، تقريباً منذ الحرب العالمية الثانية، على تحريك جيش على مستوى الفِرق، وكان هذا ملحوظا في التعثر الكبير لحركة الجيش الروسي، سواء كان ذلك على المستوى اللوجيستي، أو على مستوى تحقيق الأهداف، أو حتى على مستوى المعنويات، حيث اضطر الجيش إلى إخراج المجندين من ساحة الحرب بعدما بدأوا في الاستسلام بأعداد كبيرة.

وأخطأ الجانب الروسي أيضا في تقدير ردود الفعل الغربية حول تدخله في أوكرانيا، حينما اعتقد بهشاشة التماسك الغربي. حيث يرى محللون أن الحسابات الروسية كانت مبنية على أن فرنسا وألمانيا لن تلتحق بالولايات المتحدة في خوض المواجهة معها ضد روسيا. وأخطأ الروس أيضاً في تقدير قوة المقاومة الأوكرانية لهذا الاجتياح للأراضي الأوكرانية، والتي أخطأ في تقديرها الغرب كذلك، حيث يرى البعض أن التحرك الفعلي الغربي لدعم أوكرانيا جاء بعد صمود ومقاومة أوكرانيا والموقف الصلب للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.

أسباب التدخل الروسي في أوكرانيا:

اتجه بعض الخبراء إلى فرض سيناريوهات لبداية هذا التدخل الروسي؛ أحد هذه السيناريوهات هو أن التحرك الروسي جاء بعد استعداد وحسابات جيدة للموقف، خاصة وأنه كان قد تم عقد اتفاقيات روسية-صينية مفصلة تدعم روسيا اقتصاديا بالإضافة إلى العديد من المجالات الأخرى مما عزز اعتقاد روسيا في قدرتها على مواجهة أي تبعات اقتصادية لهذه الحرب.

وعلى الجانب الآخر، يرى البعض أنه قد تم الإيقاع بروسيا في فخ هذه الحرب من قِبل الغرب، حيث إنه كانت لدى روسيا خطط معدة مسبقا لاجتياح أوكرانيا، ولكن قرار الحرب الكاملة كان من الممكن تفاديه منذ أن بدأت روسيا بحشد قواتها في نهاية سبتمبر / أيلول 2021، والذي رآه بعض المحللين تصعيدا للتوتر يهدف إلى دفع الغرب للتفاوض، وبذلك من الممكن تحقيق معظم أهداف روسيا دون اللجوء لتلك الحرب. ولكن على العكس، فإن الغرب -متمثلا في الولايات المتحدة وبريطانيا- شجع الروس ضمنيا على الغزو لإيقاعهم في الفخ، من خلال إعلانه عن نوايا روسيا باجتياح أوكرانيا، وفي نفس الوقت التأكيد على عدم التدخل، أو إرسال قوات إلى أوكرانيا لمنع هذا الاجتياح.

وبعد بدء الغزو، عمل الغرب على إضعاف القوة العسكرية الروسية وتكبيد الروس خسائر عسكرية واقتصادية كبيرة، وإن كان على حساب دولة صديقة مثل أوكرانيا، وعدم الاكتراث لحجم الدمار الذي خلّفه هذا الاجتياح الروسي. وعلى الرغم من اقتصار المساعدات الغربية التي قُدمت للأوكرانيين على الأسلحة الدفاعية، إلا أنها كانت أكثر تطورا وتجاوزت سقف نوعية السلاح الذي كان يتم تقديمه لأوكرانيا قبل الأزمة، مما ساهم في تحقيق الاستنزاف للقوات الروسية، ولكن في نفس الوقت دون تحقيق انتصار لأوكرانيا. وهذا بدوره يعزز وجهة النظر التي ترى أن قوى الغرب لا تُعنى كثيرا بمجموع الخسائر والدمار الهائل الذي يحدث في دولة حليفة كأوكرانيا، في سبيل إيقاع أكبر ضرر بالقوات الروسية، نتيجة لهذا الفخ.

وعندما وجد الجانب الروسي نفسه قد تورط بالفعل، تحول إلى ثور هائج وعاد إلى بعض ممارساته الوحشية التي دأب على استخدامها من قبل بكثافة في مناطق الصراع المختلفة، سواء كان في الشيشان أو سوريا، من خلال القصف العشوائي للمدن أو حتى قتل المدنيين، نتيجة فشله في تحقيق الأهداف العسكرية لهذه العملية، والتي تتمثل في تحييد الجيش الأوكراني، وإسقاط الحكومة الحالية؛ حيث فشل في تحقيق هذين الهدفين فشلا ذريعا بعد الدعم العسكري الغربي غير المسبوق لأوكرانيا، أو من خلال التعاطف الدولي غير المسبوق أيضا مع أوكرانيا والرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي لم يكن معروفا قبل هذه الحرب، ثم تحول إلى رمز للمقاومة والصمود، مما أفشل أحد أهم الأهداف السياسية لهذه الحرب حتى هذه اللحظة، وهو تحييد علاقة أوكرانيا بحلف الناتو وفك الارتباط بين أوكرانيا والغرب.

ولكن ما حدث هو العكس من ذلك تماماً، بعد استغلال أوكرانيا لهذه الأزمة وتوجهها بطلب الانضمام للاتحاد الأوروبي، والذي يتجاهله الاتحاد الأوروبي حتى اللحظة خشية المزيد من الاستفزاز لروسيا، على الرغم من الدعم السياسي والإنساني والعسكري غير المسبوق الذي تقدمه الدول الأوروبية لأوكرانيا – هذا بالإضافة أيضا لعدم الاعتراف بضم روسيا لجزيرة القرم أو باستقلال إقليم دونباس، حيث لم يتم حتى اللحظة الاعتراف بذلك سوى من طرف الكرملين وأعضاء الحكومة الروسية، وهو ما كان يسعى بوتين إلى تحقيقه من الأساس بدخوله هذه الحرب.

على الجانب الآخر، فإن الطرف الأوكراني يعاني خسائر فادحة ووضع كارثي رغم الصمود الواضح، حيث ظهر عدم استطاعة الجانب الروسي حتى الآن التحكم في المدن الكبرى، وأنه استولى فقط على مدن صغيرة، قد يكون بعضها استراتيجيا بالنسبة لروسيا مثل مدينة ماريبول (ولم يستطع السيطرة الكاملة عليها حتى الان)، والتي تعد مدخلا مهما للروس على المياه الدافئة، ولربط القرم بروسيا بريا. وعلى الرغم من أن هناك حالة تعثر واضحة في العملية العسكرية الروسية، إلا أن هناك تدمير شبه شامل للبنية العسكرية والجيوستراتيجية الأوكرانية. فهناك على الأقل حتى هذه اللحظة قرابة الثلاثة ملايين لاجئ أوكراني، بخلاف النزوح الداخلي، بسبب وجود تدمير كامل في المدن والمؤسسات والبنية التحتية الأوكرانية، مما أعاد أوكرانيا عقودا للوراء، تستلزم إعادة البناء من جديد.

ومن الواضح أيضا عدم وجود استراتيجية محددة للتحرك الأوكراني في التعامل مع هذه الأزمة نظرا لعد قدرتها على أخذ مواقف مستقلة بدون الدعم الغربي الكاسح، حيث بدا أن أوكرانيا تتجه للتصعيد بشكل أو بآخر، من خلال محاولة الانضمام للاتحاد الأوروبي، والضغط من أجل فرض منطقة حظر جوي، واستجداءات زيلينسكي التي تهدف لتوريط الناتو في هذه الحرب، دون وجود أي نوع من المرونة في التعامل مع المطالب الروسية، على الأقل في تلك التي تخص العلاقة بالغرب والناتو، وهي ما يراه بعض المحللين مطلبا مشروعا لروسيا كلاعب دولي، نظرا لتخوفاتها من الناحية الجيوستراتيجية، يجب تفهمه والتعاطي معه، بعكس الموقف الاستعلائي الغربي الرافض لذلك حتى اللحظة.

السياسات الغربية تجاه الأزمة الأوكرانية:

على صعيد آخر يرى بعض المحللين أن الغرب، والذي يعتبر طرفا أساسيا في هذه الأزمة ليس لديه استراتيجية واضحة حتى الآن في التعامل مع الأزمة والأهداف النهائية التي يسعى للوصول إليها، حيث لوحظ وجود حالة من التخبط الأوروبي الأمريكي، والتي تمثلت في أن الغرب اختار مسار التصعيد منذ بداية الأزمة وحتى وقتنا هذا، دون وجود أي مؤشرات للتهدئة منذ اللحظة الأولى للتصعيد الروسي بحشد قواته على الحدود، حيث لم تأخذ المشاورات التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أو المستشار الألماني أولاف شولتز المخاوف الروسية بعين الاعتبار من أجل نزع فتيل هذه الأزمة.

وبعد اندلاع الأزمة، ظهرت ملامح التصعيد جلية من خلال الدعم العسكري والتسليح غير المسبوق لأوكرانيا، وذلك من بلاد لم تطلق رصاصة واحدة أو تشارك في أي عمليات عسكرية منذ الحرب العالمية الثانية، باستثناء بعض المشاركات في عمليات الناتو هنا أو هناك، حيث قامت هذه الدول بتزويد أوكرانيا بأسلحة عسكرية متطورة، بشكل غير مسبوق، حسب صحيفة نيويورك تايمز التي ذكرت أن أمريكا قدّمت 17 ألف صاروخ من نوعي جافلن وستينجر، بالإضافة إلى مشاركة المعلومات الاستخباراتية على مدار الساعة، وهذا مالم يحدث على الإطلاق من قبل تجاه أي دولة أخرى، خاصة مع دولة غير عضو في الناتو.

واتجه الغرب أيضا إلى التصعيد من خلال فرض عقوبات اقتصادية بالغة الشدة غير مسبوقة على روسيا والتي قد ينتج عنها أضرار اقتصادية قد تؤثر على الغرب نفسه، وليست روسيا وحدها؛ وهنا كان بعض الانقسام في الموقف الأوروبي، خاصة في قطاع النفط والغاز، حيث اتخذت أمريكا موقفا متشددا ومتشنجا للغاية متمثلا في إدارة بايدن، والذي أعزاه البعض إلى دوافع انتخابية أكثر منها دوافع متعلقة بدعم أوكرانيا، باعتبار أن بايدن هو من الرؤساء القلائل خلال عقود الذي يفقد شعبيته خلال السنة الأولى من حكمه، حيث أشارت تقارير إلى انحدار شعبيته حتى 37% بعد عام من وجوده في السلطة، وهذا رقم غير مسبوق. ولذلك حاول استغلال هذه الأزمة من أجل حشد الدعم الداخلي من خلال إبراز دفاع أمريكا عن الحرية والديمقراطية والليبرالية في العالم.

 ويرى البعض أيضا أن التصريحات الغربية في هذه الأزمة تتسم بقدر عال من عدم الاتزان وتكتسي بلهجة استعدائية واضحة، وصلت في بعض الحالات بتشبيه بوتين بهتلر، أو الحديث عن إسقاط النظام في روسيا، بل وصل الأمر إلى حد أن بعض المشرعين الأمريكيين تحدثوا عن اغتيال بوتين، كما جاء في تصريحات ليندزي جراهام، في خطاب تصعيدي يفتقر إلى أدنى مستويات الدبلوماسية. أما على المستوى الأوروبي، فقد رصد مراقبون ظاهرة غريبة، وهو تحول دور زعماء دول كبرى مثل بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا من زعماء سياسيين يتحدثون على المستوى الاستراتيجي إلى أشبه ما يكون بمراسلين صحفيين يقومون بتغطية الأخبار.

في الحقيقة، هناك فقدان للصوت الوازن، للصوت السياسي، حتى ذلك الذي يمكن أن تختلف معه، أو على الأقل التصرف كما ينبغي أن يتصرف زعيم سياسي في حالة حرب، يصفها البعض بأنها بالفعل حرب عالمية. مثل هذه المظاهر الغريبة، على الرغم من أنها قد تمثل عناوين هامشية ثانوية، ولكنها بطريقة ما تعبر عن المآلات الحالية والمرتقبة في حال استمرار هذا الصراع.

ثانيا: المسارات المحتملة للأزمة

يرجح محللون أن هذه الأزمة تتجه نحو الوصول إلى حل تفاوضي، ولكن ذلك يعتمد على عدة عوامل، منها حجم الاستنزاف الذي سيعاني منه الروس، وعلى قدرة بوتين على الخروج من هذا المأزق بطريقة تحفظ له ماء وجهه. ويمكن أن يتحقق ذلك من خلال الاكتفاء بمناطق شرق أوكرانيا والسيطرة على ساحل بحر أزوف والبحر الأسود.

 وعلى الجانب الآخر، قد يتقبل الأوكرانيون ذلك الواقع بعد أن يتضح لهم أنهم مجرد ساحة لتصفية الحسابات بين روسيا والغرب، وأن الدعم المحدود المقدم لهم لا يضمن تحقيق الانتصار، إنما هو لاستنزاف القوة الروسية على حسابهم، فيقوموا عند ذلك بتقديم بعض التنازلات، وهذا ما بدأ يتضح من خلال بعض التصريحات الأوكرانية. حيث صدرت تصريحات عن وزيرة الخارجية الأوكرانية في إحدى المقابلات تفيد برغبة أوكرانيا في الحصول على ضمانات معززة متعددة الأطراف. وأشارت تصريحات زيلينسكي الأخيرة إلى إمكانية قبول الأوكرانيين بالحياد، خاصة بعد عدم وجود أي مؤشرات من الغرب على قبولهم في الناتو، والذي يرى بعض المحللين أن تحرك روسيا باتجاه الحرب كان من أجل ضمان عدم حدوث ذلك، خصوصاً في ظل وجهات النظر التي تقول إن طرح انضمام أوكرانيا لحلف الناتو كان خطأ من البداية، حيث إن ميثاق الناتو لا يقر قبول عضوية الدول التي تعاني من مشاكل في السيادة، وأوكرانيا تعاني من هذه المشكلة كما هو معروف في إقليم دونباس.

ولكن من الصعب أيضاً قبول أوكرانيا بالاعتراف بالسيادة الروسية على جزيرة القرم، أو استقلال جمهوريتي إقليم دونباس، أو حتى نزع سلاح الجيش الأوكراني؛ هذا بالإضافة لاستمرار المساعي الأوكرانية للانضمام للاتحاد الأوروبي. فإذا ما أبدى الروس نوعا من المرونة خلال التفاوض على هذه المطالب، فمن الممكن التوصل إلى اتفاق ما، خصوصاً أنه قد لوحظ أيضا خلال الفترة الأخيرة أن اللهجة الروسية بشأن هذه المطالب قد شهدت تغيرا طفيفا، وذلك بتجنب الروس تكرار المطالب المتعلقة بجزيرة القرم أو الاعتراف بجمهوريتي إقليم دونباس، والذي قد يستقر في نهاية الأمر على اتفاق بحكم ذاتي لهاتين الجمهوريتين، ولكن تحت السيادة الأوكرانية.

وعلى صعيد آخر، يرى البعض أن بوتين في وضع حرج وأنه أصبح إلى حد ما في مشكلة تتطلب محاولة التوصل إلى حل يحفظ ماء وجهه ويساعده على الخروج بطريقة مقبولة من هذا المأزق. وما لم تنته هذ الأزمة بحل تفاوضي يُرضي روسيا، فإن هذ الأزمة سيطول أمدها ولن تنتهي إلا بالاتجاه نحو تدمير كامل أوكرانيا، وإسقاط العاصمة كييف، وتغيير النظام الحاكم في أوكرانيا. وقد يلجأ الروس في ذلك إلى محاولة حسم المعارك في بعض المدن أو الأماكن الحساسة باستخدام القوة الغاشمة ذات الدمار الهائل، مع استبعاد استخدام القنابل النووية لحسم المعارك بشكل أسرع.

وهذا المسار على كل الأحوال سيتسبب في إنهاك واستنزاف الروس وعزلهم عالميا وتأخيرهم سنوات للوراء، وهو ربما ما ترغب أمريكا في حدوثه. ولكن طول الأزمة قد يؤدي أيضاً إلى توريط أطراف أخرى، كما هو الحال الآن في ظل محاولات زيلينسكي الزج بالناتو والغرب في هذا الصراع مما قد يسهم في انتشار وتوسع المعركة عموديا وأفقيا، على المستوى الاقتصادي كما الميداني، وتحول الصراع إلى حرب عالمية شاملة، وهو ما يراه بعض المحللين أمرا مرشحاً للحدوث، رغم اعتقادهم بأنه على الرغم من العاطفة الجياشة للمجتمعات الأوروبية في دعم أوكرانيا، إلا أنها لا ترغب حقيقة ولا شهية لديها في دخول حرب شاملة مع روسيا، حيث سيقتصر دورها على المتابعة الإعلامية وتقديم المساعدات الإنسانية وإمداد أوكرانيا ببعض السلاح.

بل ويزعم البعض أن كثيراً من الدول الأوروبية غير مستعدة أبداً لدخول الحرب، وإن كانت قد ورطت نفسها في إمداد أوكرانيا ببعض السلاح أو ببعض المساعدات الأخرى؛ مثلما تخلت سويسرا عن حياديتها لأول مرة في التاريخ بالنظر إلى موقفها الأخير من حرب أوكرانيا؛ ولكن رغم كل هذه المظاهر، لكن عملية دخول هذه الدول في حرب وفي مواجهة مع روسيا ليس بالأمر السهل، رغم الزخم الذي قد تثيره تلك المواقف على المستوى السياسي والشعبي.

ولكن على صعيد السيناريوهات المتوقعة، فإنه إما أن تحقق روسيا ما تريد وبذلك تنتصر، وعندها يلقي بوتين خطاب النصر، أيا كان محتواه؛ أو أن يتم دحر التقدم الروسي، وبذلك تعلن أوكرانيا والناتو والوحدة الأوروبية النصر، ويقولون إنه قد تم دحر الروس، مع تبعات ذلك على بوتين نفسه ونظام الحكم داخل روسيا؛ أو أن يتوسع الصراع ويصبح لا أرض له وليست له حدود، إما بسبب اللاجئين أو بسبب قصف روسي مصطنع يستهدف أوروبا لتوريطها بشكل مباشر في الحرب الدول الأوروبية، حيث يرى البعض أنه قد يكون لزيلينسكي دور في ذلك، على الرغم من أنه يلعب الآن دور الحمل الوديع ويستجدي الغرب، لكن هناك من يقترح عليه بأنه لابد من العمل على توريطهم للتدخل المباشر.

وهناك أيضاً سيناريو محتمل، ربما يعتبره البعض أنه قد يكون السيناريو الرابع، وهو أنه في ظل الحصار الاقتصادي المفروض، قد يتم الاتفاق على أن يبقى الحال كما هو عليه الآن، بحيث يبقى الكل واقفاً حيث هو، وذلك لفترة ما بين عشرة إلى عشرين أو حتى ثلاثين سنة، وبذلك يدخل العالم في وضع يشبه كثيراً الحرب الباردة، لتبقى المسألة متأزمة وتُثار بين الحين والآخر، ولكن مع فتور إلى حد ما من ناحية المواجهة العسكرية المباشرة، وبالتأكيد مع التداعيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية المترتبة على ذلك، مما يستوجب مزيداً من الدراسة والنقاش.

إلا أنه، وأيا كان الراجح من هذه السيناريوهات، فقد أكد المشاركون في ورشة العمل أن الصراع الحقيقي ليس بين روسيا وأوكرانيا، وليس على مآلات التنازع حول أوكرانيا، إنما هو بالأساس صراع أمريكي، مدعوم أوروبيا، مع روسيا، وهذا يجب أخذه في الاعتبار عند التفكير في مآلات الأزمة الحالية، والتي يتلاعب بها الطرفان لتحقيق أهدافهما، حيث لا يتصور أن ينتهي الأمر بمجرد توافق روسي أوكراني يرضى عنه الطرفان، ويعود كل شيء كما كان قبل اندلاع الحرب، فالعقوبات الاقتصادية الضخمة المفروضة على روسيا على سبيل المثال لن تنتهي أثارها بسرعة، حتى وإن أوقفت تماما، فالآثار المترتبة على هذه العقوبات، وهذه التوجهات الواضحة لعزل روسيا دوليا، أحدثت أضرارا مدمرة لا يمكن إصلاحها بسهولة في معظم قطاعات الاقتصاد الروسي، فهل ستقبل النخبة الحاكمة في روسيا بانتهاء الصراع على هذا المنوال؟

في الحروب والصراعات الجميع خاسرون

يرى البعض أيضاً أنه لن يخرج من هذه الأزمة أحد منتصرا انتصارا كاملا، بل قد يخرج الجميع من هذه الحرب خاسرين، وإن بدرجات متفاوتة، خاصة على المستوى الاقتصادي والاستراتيجي، فأوكرانيا ستعاني من التدمير الحاصل مع احتمالية خسارة المناطق التي وقعت تحت السيطرة الروسية، مما سينتج عن ذلك تأثيرات قد تكون طويلة المدى، وربما يظل الوضع في أوكرانيا دونما التوصل لأي حل، وتبقى أوكرانيا منطقة نزاع مستدام.

وعلى الجانب الآخر، فإن روسيا أصبحت بالفعل تعاني من عزلة غير مسبوقة، وأنها ستخرج من هذه الحرب بتكبد العديد من الخسائر، خصوصاً على المستوى الاقتصادي والعسكري، وهو ما لم يكن أبداً في الحسبان عند إقدامها على مثل تلك الخطوة. حيث ستتحمل روسيا خسائر اقتصادية فادحة بسبب العقوبات التي فرضت عليها والتي تسببت في إخراجها من أوروبا، وهذا ما يحقق الهدف الأمريكي الرئيسي من التصعيد في هذه الأزمة، بعد أن كان هناك تعاون أوروبي-روسي على المستوى المالي والاقتصادي وبعض الجوانب السياسية خلال العقدين الماضيين، والذي ساهمت في حدوثه ألمانيا، خاصة في عهد أنجيلا ميركل. ولكن بعد الدخول في هذه الحرب، أصبح بين روسيا وأوروبا الآن سور هائل، ونالت منها العقوبات التاريخية التي لن ينتهي أثرها في غضون سنة أو سنتين أو حتى ثلاث سنوات، بل قد يستغرق الأمر عقودا كي تعيد لملمة أمورها والعودة إلى الوضع التي كانت عليه من قبل.

وكذلك ستتأثر الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي، حيث تعاني منذ نشوب الحرب من ارتفاع في أسعار المحروقات بما لا يقل عن 30% وما سيحمله ذلك من ارتفاع في مستويات التضخم المرتفعة أصلا في أعقاب أزمة كورونا، وسيكون لهذه الأزمة تداعيات أخرى كبيرة اقتصاديا وسياسيا، كما يرى بعض المحللين.

وأيضا على المستوى الأوروبي، يرى البعض أن أوروبا ستعاني من خسائر اقتصادية كبيرة، خاصة في مجالي النفط والغاز، إضافة إلى الخسائر الأخلاقية، حيث أسفرت هذه الأزمة عن تعرية وانكشاف كامل للنموذج الأوروبي الغربي، وظهور الوجه القبيح للرجل الأبيض في التعاطي مع اللاجئين من أوكرانيا مقابل التعامل مع اللاجئين من المناطق الأخرى على مدار العقود الماضية؛ أو دعم أوكرانيا مقابل خذلان المناطق الأخرى، خاصة في المنطقة العربية؛ وكذلك في التعاطي مع خطاب الصراع، فيما يرتبط بعلاقة الرياضة بالسياسة، على سبيل المثال.

بل إن قبول الغرب بأن تكون أوكرانيا حقل تجارب لترويض الروس هو في حد ذاته عملية غير أخلاقية وغير قيمية، حسبما يرى البعض. أيضا على مستوى قمع الحريات وتكريس الاستبداد وهو ما بدأ فعليا منذ سنوات بداية من انتشار وباء كورونا؛ إلا أن هذه الأزمة سرّعت من وتيرتها، حيث إن مساحات الحرية لم تعد كما كانت، حيث تشهد تراجعا حادا على مستوى العالم الديمقراطي الحر في أوروبا وأمريكا. فقيام بريطانيا بمنع لاعبين من ممارسة رياضتهم أو منع بعضهم، ممن يمثل وجهة نظر الطرف الآخر، من الظهور في الإعلام، أو إغلاق القنوات الإعلامية الممثلة لهم، يشبه إلى حد كبير الممارسات التي تقوم بها الأنظمة الفاشية الاستبدادية.

وذهب بعض المشاركين في الورشة إلى أن التأثير الواضح للحرب داخلياً تمثّل فيما شهدته روسيا من عودة لحالة التعتيم الإعلامي الكامل في الداخل الروسي، والتي ساهم الغرب في تفاقمها بمقاطعة الإعلام الغربي للبث من روسيا، مما ينذر بالعديد من التأثيرات الأخرى. وعلى جانب آخر، فإن تداعيات إغلاق بريطانيا الحسابات المصرفية وتجميد الأموال لحسابات حوالي 8 من أصحاب رؤوس الأموال الروسية المقربين من النظام، بما يتعدى 32 مليون جنيه إسترليني، دفعت رومان أبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي الإنجليزي، أن يستجدي الغرب لكي يلعب دوراً ما، من خلال عرضه مقابلة زيلينسكي وأن يكون هو رسول السلام لحل الأزمة (إلا أن الدور الذي يقوم به ابراموفيتش في المفاوضات عليه علامات استفهام كثيرة كونه لا يشغل منصبا رسميا في روسيا).

لذلك، فإنه رغم انتفاع أصحاب رؤوس الأموال هؤلاء من قربهم من بوتين، فإنهم قد يضحوا بأي شيء في سبيل الحفاظ على مصالحهم ومكتسباتهم، وهو ما قد يؤثر على ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في الداخل الروسي.

وعلى الجانب الآخر، فإنه بخلاف الدمار الشديد الذي لحق بأوكرانيا، فإن ظاهرة مثل تشكُّل قوى وميليشيات، وإعطاء السلاح لآلاف المقاتلين، سواء من الأوكرانيين أو من غير الأوكرانيين الذين فُتحت لهم الأبواب على مصراعيها للقدوم والمشاركة في القتال فيها، لن يُتوقع من هؤلاء أن ينزعوا السلاح بسهولة ويعودوا مواطنين مسالمين مرة أخرى، وهذا يشبه إلى حد كبير ما حدث مع الميليشيات المسلحة في سوريا والعراق، والتي لاتزال تشكِّل أزمة حتى الآن.

أيضا يرى بعض المحللين صعوبة عودة اللاجئين الأوكرانيين من الدول الأوروبية بعد التسهيلات الكبيرة التي وجدوها في الانتقال إلى هناك، دون الحاجة إلى تأشيرات، بالإضافة إلى العديد من التسهيلات الأخرى في الوصول والإقامة دون مواجهة أي من الصعوبات التي واجهها اللاجئون القادمين من دول الشرق الأوسط وغيرها، خاصة إذا بقيت أوكرانيا محل صراع، ما قد يساهم في عملية تحول ديموغرافي كبير على مستوى أوكرانيا وأوروبا على حد سواء.

ففي ظل الهجرات الهائلة من أوكرانيا إلى شرق أوروبا وفتح الأبواب على مصراعيها لتقديم تأشيرات اللجوء أو الهجرة إلى الدول الأوروبية بالحد الأدنى من الشروط، مجرد اصطحاب جواز السفر، هناك اليوم عملية تحول ديموغرافي تتم على قدم وساق.

صحيح أن مئات الآلاف من هؤلاء المهاجرين، ربما مليون أو مليونين، لن يكون بوسعهم تغيير وجه أوروبا، ولكن في الحقيقة نوعية هؤلاء المهاجرين هي الإشكالية. فعندما جاء اللاجئون السوريون أو العراقيون أو الكرد أو غيرهم، كان ذلك ضمن عملية منظمة ومقننة، وكثير من هؤلاء مثلا تم تحديد مساحات معينة يتحركون فيها، فيما يشبه المعسكرات المفتوحة، ولكن اليوم يتم تشجيع الشعوب الأوروبية على التسجيل لاستقبال اللاجئين، بمعنى أن اللاجئين سيدخلون في البيوت، ويندمجون في المجتمع الأوروبي ويصبحون جزءا من المكون المجتمعي. فمن منهم يا ترى بعد ذلك سيعود إلى أرضه ودياره في حال وجود حل، ويغادر لندن أو باريس أو برلين أو غير ذلك؟

ثالثا: الأزمة الأوكرانية وتأثيراتها على التحالفات والقوى الكبرى

على المستوى العالمي، يرى البعض أننا نشهد حالياً نهاية عالم النيوليبرالية أو الليبرالية الجديدة، ونهاية منظمة التجارة العالمية وكل الأيدولوجيا التي قامت عليها المنظومة الغربية ما بعد الحرب الباردة، ولكن دون أفول كامل للغرب وقيام كامل لقوى الشرق. حيث يتجه العالم إلى حالة من إعادة التموضع لموازين القوى، وهذا ليس نتيجة لهذه الحرب فقط، ولكنه أيضاً نتاج تراكمي لما حدث على مدار العقود الثلاثة الماضية، حيث شهد الغرب تراجعا بشكل أو بآخر. وعلى سبيل المثال، فهناك أربعة من ضمن أكبر عشرة اقتصاديات في العالم موجودة في آسيا، متمثلة في الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية، ويتمثل التراجع الغربي بشكل كبير في الولايات المتحدة بشكل واضح منذ حرب العراق بشكل أساسي وحتى الآن.

وهناك أيضا تراجع عام في النموذج الغربي، سواء كان عسكرياً أو سياسياً أو حتى أخلاقياً؛ ولكن من خلال هذه الأزمة أصبح هناك ظهور واضح للأزمة الحقيقية التي يمر بها العالم وظهور للفشل الذريع للمشروع الغربي العلماني القائم على الأسس العلمانية الأصيلة وعلى أسس الدولة القومية الحديثة، هذه الأسس التي فشلت في أن تراعي التطلعات الأساسية للإنسان العادي ومن الممكن أن تدخل هذا الإنسان في صراعات ومشاكل لا ناقة له فيها ولا جمل، من أجل تحقيق المصالح الخاصة بأطراف الصراع الرئيسية المتمثلة في روسيا والغرب. ففي هذه الأزمة القائمة، على سبيل المثال تم الزج بأوكرانيا في صراع بين روسيا والغرب لتصبح طرفا ومسرحا للعمليات تجري عليه أحداث هذا الصراع وينالها من التدمير ما لم يكن في الحسبان. والحقيقة أن هذا النهج ليس جديدا، حيث عانت منه الدول الإسلامية من قبل على مدار العقود الماضية. ولكن العالم الآن يشاهد باهتمام شديد لأن الأحداث تجرى في نطاقهم هذه المرة. إن هذا المشروع الغربي الذي فشل في الاستجابة للتحديات الأساسية للإنسان هو مشروع تدور في فلكه أيضاً كل الدول الكبرى، بما فيها روسيا والصين، وليس الغرب فقط، في إطار العولمة والنيو ليبرالية، ليصبح المشروع برمته على المحك، نتيجة هذا الفشل.

وفي سياق ذلك، يرى البعض أن هذه هي الفرصة المواتية من أجل تقديم العالم الإسلامي مشروعا بديلا للمشروع الغربي الفاشل ويلبي تطلعات العالم كله.

المسارات المستقبلية للنظام العالمي:

ذهب البعض أنه بعد هذه الأزمة سيتجه العالم على الأرجح نحو تشكّل ثلاث كتل: متمثلة في كتلة كبيرة أطلسية أوروبية أمريكية؛ وكتلة روسية، وإن كانت صغيرة عن الأولى نسبياً، باعتبار أن روسيا قد خسرت بالفعل جزءا كبيرا من حدود الحرب الباردة؛ ثم كتلة صينية، على الرغم من بعض المحللين يرى أن الصين ليست المستفيد الأكبر من هذه الأزمة، فقد تكون استفادتها من الأزمة على المدى القصير فقط بتشتت أمريكا عنها في خضم الانشغال بالأزمة الروسية الأوكرانية. ولكن على المدى البعيد، وفي حال إعادة موازين القوى إلى أوروبا وقيامها بالدفاع عن نفسها من خلال ألمانيا وفرنسا، على سبيل المثال، فإن أمريكا سوف تتفرغ تماما لمواجهة الصين.

واستبعد البعض أيضا الحديث عن تحالف صيني-روسي كامل ويرونه أمراً غير واقعي لوجود العديد من المشاكل الكبيرة بين روسيا والصين، متمثلة في المحيط الهادي وفي شرق روسيا، مع وجود مشاكل في وسط آسيا، في العراق والهند، فضلا عن الارتباط الكبير الذي لازال قائما للاقتصاد الصيني بالاقتصاد الغربي. فإذا ما قبل بوتين بأن تكون روسيا بمثابة الأخ الأصغر في العلاقات مع الصين، فسيجد العديد من الأصوات المعارضة له في النخبة الحاكمة، والتي تفضل أن تكون الأخ الأصغر للكتلة الغربية على أن تكون الأخ الأصغر للصين، وذلك نتيجة لمصالح روسيا الهائلة والمترابطة مع الغرب، وهو توجه تاريخي من النخبة الحاكمة في روسيا وليس بالأمر الجديد.

إذاً، ففكرة التكتل الصيني-الروسي هي فكرة غير واقعية، كما وصفها بعض المحللين، ولا تستند إلى أدلة، وأن التعاطف الصيني الحاصل في هذه الأزمة سيقتصر على تقديم مساعدات أو إيجاد منفذ لروسيا من العقوبات الغربية، كما هو الحال بالنسبة لتركيا، ولكن لن تذهب الصين إلى ما هو أبعد من ذلك، مما قد يعرضها إلى فرض قيود أو عقوبات على التجارة الخاصة بها بعد انتهاء هذه الحرب.

كما أن للصين علاقة قوية بالاتحاد الأوروبي، حيث يُعتبر أهم شريك اقتصادي لها ومن الصعب التضحية به، وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لأمريكا. ولذلك، يعتقد البعض بأن الصين تراقب الأوضاع عن كثب وأنه على الرغم من مذكرة التفاهم المفصلة والتي وُقعت مع روسيا، وهو ما حدث لأول مرة منذ 70 عاما، إلا أن الصين لن تدخل في الإطار العسكري في هذا الموقف. ومع ذلك، فمن مصلحة الصين أن يدخل العالم في إطار متعدد القطبية؛ حيث يعتقد البعض بأن الصين هي من شجعت روسيا على هذا الغزو وتعاملت معه كعينة اختبار لما يمكن أن تواجهه في حالة تخليها عن الصعود السلمي وتعاملها مع ملف تايوان، خاصة وأنه من المتوقع، وفقا لخبراء، بأن ينتهي عصر الصعود السلمي للصين خلال العقدين القادمين، وأنهم بصدد إعادة التموضع والتحول إلى قوة ذات أنياب، ولكن دون تعجل الدخول في صراعات دولية.

ومن الملاحظ خلال العقد الماضي أن الصين طوّرت إمكاناتها العسكرية بشكل هائل ومضاعَف، حيث ارتفعت ميزانية الصين العسكرية من 30-40 مليار في عام 2003 لتصل إلى 260 مليار دولار في هذا العام، وكذلك الأمر في الجانبين العلمي والتكنولوجي. والأمر ذاته ينطبق على مبادرة الحزام والطريق الصينية وحالة الدخول في تأمين وحماية هذه المبادرة خلال العامين الماضيين من خلال اتفاقات حماية المراكز التجارية التي تقع ضمن هذه المبادرة. وكل هذا ينذر بالتحول الصيني من الصعود السلمي لتصبح قوة ذات أنياب، وأن الأزمة الأوكرانية تمثل لهم عينة اختبار لهذه الخطوات القادمة.

 ولكن على صعيد آخر، فإن الصين تعاني من العديد من المشاكل الاقتصادية الكبيرة، بالإضافة إلى تلك المشاكل المتعلقة بالنظام السياسي واستمراره بالشكل القائم. أضف إلى ذلك أن أكثر من 2 تريليون دولار من مدخرات الصين العالمية موجودة لدى أمريكا، وكذلك مستوى التبادل التجاري الكبير مع واشنطن، مما قد يصعب على الصينيين مثل هذا التحول في المستقبل القريب.

رابعا: تأثير الأزمة على منطقة الشرق الأوسط

يرى بعض المحللين لهذه الأزمة بأن دولا عديدة في الشرق الأوسط تستطيع أن تأخذ موقفا حياديا، كما فعلت تركيا (التي يمكن اعتبار موقفها متوازنا وليس حياديا سلبيا، من وجهة نظر بعض المشاركين)، وأن بإمكانها أن تخرج من هذا الانقسام العالمي سالمة. ويعتبر المحللون أن هذه الأزمة هي فرصة لإعادة التفكير حول طريقة التعامل مع الهيمنة الغربية الهائلة وغير المسبوقة في التاريخ الإنساني على النظام المالي والاقتصادي الذي شهده العالم مؤخرا، ومحاولة التحرر من هيمنة الدولار واليورو على النظام المالي العالمي، وذلك من خلال ما فعله على سبيل المثال الرئيس التركي أردوغان حين وقع اتفاقية تبادل عملة مع الصين في عام 2015؛ وما تردد أيضا عما حاولت السعودية فعله مؤخراً من خلال المفاوضات مع الصين حول بيع النفط باليوان الصيني، وهو ما يُعزيه الخبراء إلى تخوف السعودية وبعض دول الخليج الأخرى من تجميد الحسابات والأموال وأرصدة البنوك المركزية الذي انتهجته أمريكا مؤخراً، وهو ما يجب أن يكون سببا أيضا في بذل جهود في هذا الاتجاه على مستوى حركة التغيير في المنطقة العربية.

1ـ تداعيات الأزمة الأوكرانية على النظم السياسية العربية:

يرى البعض بأن هناك مؤشرات متناقضة لتأثير الأزمة على دول الاستبداد في المنطقة. فمن الجانب الإيجابي، يرى محللون زيادة احتمالات التغيير في تلك الدول، وأن الصورة التي بدأت تتشكل في وعي شعوب المنطقة العربية عن الوجه الحقيقي للبيئة الغربية ستفتح الأفاق لعدم المراهنة على القوى الخارجية في عملية التغيير أو عملية حفظ الذات. هذه الصورة المتشكلة من تعاطي الغرب مع أوكرانيا الدولة الصديقة في وقت الأزمة هي رسالة قوية لقوى التغيير وأيضا للأنظمة السياسية الموجودة في هذه البلدان.

وعلى الجانب الآخر، فإن حاجة الكتل الثلاث (الصين وروسيا والغرب) إلى كسب الحلفاء في العالم قد يؤدي إلى غض النظر عن الاستبداد وعن الديكتاتورية وعن الإجرام الذي تقوم به هذه الدول بحق شعوبها كما حدث من استغلال لهذه الأزمة من أجل تمرير بعض المسائل التي قد لا يتساهل معها العالم في الأوقات الأخرى. فعلى سبيل المثال، قامت حكومات مصر والسعودية بتنفيذ عمليات إعدام كبيرة خلال الأسابيع الأولى من هذه الأزمة، لوجود مناخ مناسب لتمرير مثل هذه السياسيات الاستبدادية دون أي رد فعل دولي يذكر.

2ـ تداعيات الأزمة الأوكرانية على القضية السورية:

يرى البعض أن قدرة الروس على التأثير أو لعب أدوار أكبر في منطقة الشرق الأوسط ستَضعف كثيرا بعد هذه الحرب، وسيتراجع الدور الطموح الذي كانت تريده روسيا في المنطقة، ولكن ليس بالضرورة أن يكون هذا التراجع لصالح أمريكا، فقد يكون لصالح الصين أو قوى إقليمية أخرى، ولذلك ستظل المعادلات في المنطقة وقواها محل تداخل، مما سيتيح فرصا أكبر لقوى التغيير هناك، لكنه أيضا لن يؤثر بشكل كبير على قدرة النظام السوري على البقاء لوجود تداخل مصالح أمريكي، روسي، صيني، غربي، وإقليمي من بقاء هذا نظام الأسد في السلطة باعتباره هو الخيار الأفضل للتعامل معه داخل سوريا، بدلا من وقوعها في حالة فوضى أو دخول قوى يعتبرها البعض متطرفة لتكون هي بديل النظام.

3ـ تداعيات الأزمة الأوكرانية على السياسة التركية:

يرى البعض أن هناك مخاوف بأن تخسر تركيا في الحالتين، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، وإنما في حال لو كسب الروس، سيتحول البحر الأسود إلى بحيرة روسية يهيمن عليها الروس، مما يمثل إشكالية استراتيجية كبيرة لأنقرة لأن مثل هذه الهيمنة ستقتضي بشكل أو بأخر دورا مهما في التأثير على المدخل الوحيد للبحر الأسود؛ مضيقا البوسفور والدردنيل. وحتى في حال خسرت روسيا، يمكن أن يحول الأمريكان أجندتهم بناء على ذلك، وبالتالي فقد يؤثر ذلك على النظام السياسي في تركيا، وعلى حزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص الذي قد يكون أحد الضحايا المستهدفين خلال السنة القادمة، في هذا الإطار.

ويرى البعض أن تركيا قد تتضرر مرحليا على المستوى الاقتصادي. وأيضا إذا لم تحسم موقفها بشكل واضح خلال المرحلة القادمة وتتخلى عن سياسة إمساك العصى من المنتصف – باعتقاد أن هذه الأزمة من الممكن أن تخرج بتسويات سياسية أو بعملية تفاوضية وبالتالي قد يكون لها دور دبلوماسي في ذلك – إذا لم تحسم تركيا خياراتها في هذه الأزمة، خاصة فيما يتعلق بطبيعة علاقتها مع المنظومة الغربية متمثلة في الاتحاد الأوروبي أو الناتو وغيرها، فإنها من المرجح أن يطالها كثير من الضرر، خاصة وأنها مستهدفة من معظم الدول الأوروبية بدرجة كبيرة، ومن الولايات المتحدة وروسيا أيضا.

وذهب آخرون إلى أن الرئيس التركي أردوغان قد نجح حتى الآن في إدارة هذه الأزمة بذكاء وحساسية بالغة، بما يحمي المصالح التركية، حيث يرون أن أنقرة غير قادرة في الوقت الحالي أو حتى خلال العقد القادم على الأقل على الوقوف في وجه روسيا أو في مواجهة الغرب. فتركيا الآن تقوم بواجباتها كعضو في الناتو، وقدمت مساعدات نوعية لأوكرانيا، لكنها أيضا لديها علاقات مفتوحة مع روسيا، ولم تدخل في نظام العقوبات ومن الممكن لها أن تلعب دورا هاما في حال دفع الأمور نحو التفاوض.

4ـ تداعيات الأزمة الأوكرانية على السياسة الإيرانية:

يرى البعض بأن التأثير متداخل، وأن إيران تجيد اللعب السياسي، ولذلك فقد يكون لديها فرصة أفضل لانتزاع اتفاق نووي بسرعة، إذا أراد الغرب أن يحيّد إيران عن التدخل، أو عن تقديم الدعم لروسيا، أو حتى تهدئة الأوضاع في المنطقة؛ لذلك يلعب الإيرانيون على تحقيق فرص أفضل لانتزاع الاتفاق النووي. ويرى مراقبون أيضا بأن الفراغ في سوريا والانشغال الغربي قد يتيح الفرصة لإيران لاعتبارها فرصة أفضل للأداء الإقليمي في المنطقة، وربما للتوافق مع بعض دول المنطقة، باعتبار أن الشعور العام الآن لدى دول المنطقة، بما فيها دول الخليج، هو عدم إمكانية الاعتماد على القوى الغربية لحفظ أمنها ومستقبلها، وفق النموذج الأوكراني على الأقل، وأن دعمها سيكون محسوبا بما يخدم الأجندة الغربية، وليس بالضرورة متقاطعا مع خدمة الأجندات الإقليمية لدول المنطقة، حتى تلك المتحالفة أو التي ترغب في أن تكون تحت الغطاء الأمريكي.

وفي رؤية تحليلية أخرى، فإن إيران، وفقا لآراء بعض المحللين، قد تستفيد من الوضع القائم في ظل هذه الأزمة، بشكل أو بآخر، على المدى المتوسط، مثل تسريع توقيع الاتفاق النووي. وقد يستغل الإيرانيون الوضع في المنطقة نتيجة هذا التخلخل في البيئة الدولية لترتيب أوضاعهم ربما على المدى المتوسط، لكنهم أيضا سيعانون من صعوبة استمرار تحقيق نفوذ عال في بيئات نفوذهم مثل العراق والشام واليمن.

وقد يجد الإيرانيون بعض الراحة في إدارة ملفاتهم الإقليمية في المستقبل القريب، لكنهم سيعانون أكثر في إدارة شعوب المنطقة ضمن أجندتهم في الإطار الإقليمي، وقد يتم استنزافهم واستهلاكهم، وذلك في ظل تزايد حالة الانكشاف، خاصة إذا ما كانت هناك أجواء لحركات التغيير الرافضة لها في المنطقة.

وفي نظرة للملف النووي الإيراني، يرى البعض بأنه متداخل، وأن إيران تجيد اللعب السياسي، ولذلك فقد يكون لديها فرصة أفضل لانتزاع اتفاق نووي بسرعة، إذا أراد الغرب أن يحيّد إيران عن التدخل، أو عن تقديم الدعم لروسيا، أو حتى تهدئة الأوضاع في المنطقة؛ لذلك يلعب الإيرانيون على تحقيق فرص أفضل لانتزاع الاتفاق النووي.

5ـ تداعيات الأزمة الأوكرانية على السياسة الإسرائيلية:

فيما يخص الكيان الصهيوني ومدى تأثره بهذه الأزمة، يرى البعض أنه لن يتضرر كثيرا، حيث أنه يسير في فلك المنتصر دائماً أيا كان، سواء كانت روسيا أو المنظومة الغربية. وقد بدأ الكيان بالفعل في استثمار هذه الأزمة منذ بدايتها، سواء من حيث تقديم نفسه كأحد محركي العمل الدبلوماسي، أو من حيث تقديم نفسه كملجأ لليهود الأوكرانيين، ليستقروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وعلى صعيد آخر، يرجح بعض الخبراء بشدة تفجر الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الفترة المقبلة بسبب زيادة التعنت الصهيوني والعقلية الصهيونية التي أخذت توجها دينيا قوميا متصاعدا في الفترة الأخيرة، وكذلك الأجندات التي تستهدف الأقصى والقدس مباشرة بشكل أكبر، ولذلك، فهذا يرجح ازدياد احتمال تفجر الأوضاع في البيئة الفلسطينية، خصوصاً في ظل تراجع السلطة الفلسطينية أو احتمالية انهيارها، وهو ما قد يحولها إلى شرارة ربما تكون هي بحد ذاتها رافعة لعملية التغيير في البيئة الفلسطينية، وقد تؤدي أيضا لمزيد من الانكشاف في المنطقة لعدد من الأنظمة الفاسدة والمستبدة، لتكون أيضا ملهمة لعملية التغيير في سائر أنحاء المنطقة.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close