دراسات

الأساس الفقهي لمبدأ المشروعية في القانون الوضعي والنظام الإسلامي

علي الرغم من الاتفاق علي ضرورة خضوع الدولة للقانون وتحقيق مبدأ المشروعية إلا أن هناك اختلاف واسع بين الفقه الدستوري حول تفسير الأساس القانوني الذي قام عليه مبدأ المشروعية، وكان محور هذا الخلاف هو لماذا تخضع الدولة للقانون ؟، وأيهما اسبق، الدولة أم القانون؟.

وفي محاولة الفقهاء الإجابة علي هذه التساؤلات ظهر العديد من النظريات التي تحاول تفسير أساس خضوع الدولة للقـانون وأيهما اسبق في الوجود، القانون أم الدولة، ويمكن تقسيم هذه النظريات إلي طائفتين[1]، طائفة تري أن القانون سابق علي وجود الدولة وأنه يسمو عليها، وتتضمن هذه الطائفة نظرية القانون الطبيعي ونظرية الحقوق الفردية ونظرية التضامن الاجتماعي ” نظرية ديجي “.

وطائفة ثانية تري أن القانون مرتبط بالدولة وأنه لا يوجد انفصال بين السلطة والقانون، إذ أنهما يمثلان وجهين لعملة واحدة، ومن ثم فليس للقانون سبق علي الدولة فهي التي تمنح القاعدة القانونية القوة الإلزامية اللازمة لاحترامها بعد أن تقوم بوضعها، أي أن القيود التي ترد علي نشاط الدولة إنما تنبع من ذات وجودها، والقانون التي تخضع له نابع من إرادتها الذاتية، وهذا ما عّبرت عنه نظرية ” التحديد الذاتي للسيادة “[2].

وقد دخل فقهاء القانون العام الإسلامي مضمار البحث عن أساس خضوع الدولة للقانون في النظام الإسلامي، وقد حاولوا الإجابة عن نفس السؤال، أيهما اسبق في الوجود الدولة أم القانون ؟.

وقد نتج عن هذه المحاولات ظهور نظرية أو فكرة الحاكمية كأساس لقيام المشروعية وخضوع الدولة للقانون، ومضمونها أن السلطة أساسها ومصدرها الاستجابة لأمر الخالق، وهذا ما سنتناوله تفصيلا في المباحث الآتية :

المبحث الأول: النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون في القانون الوضعي

نظراً للدور الهام الذي تلعبه الدولة في تكوين القانون وتطبيقه، فإن خضوع الدولة لهذا القانون الذي يعتبر مـن خلقها أمراً ليس سهلاً، ولم تصل إليه الدولة إلا بعد تطور طويل، ذلك أن الدولة سلطة وكل سلطة لا تحتمل أن يقف شئ في وجهها[3].

لذلك أجتهد الفقهاء كثيراً في محاولة تفسير ظاهرة خضوع الدولة للقانون، وقد أسفرت هذه المحاولات عن ظهور أربع نظريات رئيسية قيلت في تفسير أساس خضوع الدولة للقانون، وهذا ما سنتناوله في المطالب الأربعة الآتية :

المطلب الأول : نظريـة القانـون الطبيعـي.

المطلب الثاني : نظريـة الحقـوق الفرديـة.

المطلب الثالث : نظرية التحديد الذاتي للسيادة.

المطلب الرابع : نظرية التضامن الاجتماعـي.

المطــلـــب الأول: نظريـــة القـانــون الطبيعـــي

ظهرت فكرة القانون الطبيعي منذ قديم الزمن، فقد راود الفلاسفة فكرة وجود قانون أعلي من القوانين الوضعية – قانون سرمدي – لا يتغير ويصلح لكل زمان ومكان، واستمرت هذه الفكرة حتى عصرنا الحالي، لكنها في كل عصر تظهر تحت مسمي مختلف، فقد كان القانون الطبيعي سلطة عند اليونان، وكان قانوناً حقيقياً عند الرومان، في حين كان ديناً في القرون الوسطي، إلـي أن أصـبح سياسة في العـصر الحديث.

ومن اكبر دعاة هذه النظرية الأستاذ ” لي فير ” الذي يري أن الدولة لا تتصرف بإرادتها المطلقة وإنما تخضع في تصرفاتها إلي حد معين لقوة أجنبية خارجة عنها واسبق في الوجود وسلطانها فوق سيادة الدولة، وهذه القوة التي تفيد سيادة الدولة هي ما يطلق عليها القضاة والفلاسفة القانون الطبيعي أو قانون العقل[4].

ومن ثم فإن الفكرة التي تقوم عليها هذه النظرية أن هناك مبادئ ثابتة أولية لا تتغير بتغير الزمان والمكان هدفها المساواة والعدالة والحرية بين الأفراد، بحيث يكتشفها العقل البشري، وما علي السلطة إلا أن تجسد تلك المبادئ في القواعد القانونية الوضعية فالقانون الطبيعي يعتبر قيداً علي إرادة الدولة لأن وجوده سابق علي وجود الدولة في حد ذاتها، فتلتزم السلطة عند وضعها القانون أن يكون متطابق مع روح القانون الطبيعي، وكلما اقترب القانون الوضعي من القانون الطبيعي كلما كان اقرب إلي الكمال[5].

وبذلك يكون مضمون هذه النظرية ينطلق من حقيقة وجود قانون كامن في طبيعة الروابـط الاجتماعية، وهو قانون ثابت لا يتغير لا في الزمان ولا في المكان، تعتمد قواعده علي العدل المطلق ويكشف عنها العقل البشري وكان موجوداً قبل الدولة وظهورها، لذلك فإن قواعده أزلية خالدة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وتعلو علي القوانين مما يستوجب تقييد المشرع الوضعي بها، وأن يتخذها نموذجاً وأساساً لكل ما يوضع من تشريعات[6]، فمضمون نظرية القانون الطبيعي تتمثل في خصوصية سيادة الدولة، وأن سلطان هذه الأخيرة مقيد بقواعد القانون الطبيعي، ومن ثم فهي تُـعد لازمة لتحقيق التوازن والاستقرار في ممارسة السلطة لوظائفها في المجتمع[7].

ولقد انتقدت هذه النظرية من طرف أصحاب المذهب الشكلي الذي لا يعترف للقاعدة القانونية بصفة القانون إلا إذا كان لها جزاء مادي يضمن تنفيذها، والدولة وحدها هي التي تملك خلع القوة التنفيذية علي القواعد الاجتماعية، ومن ثم فإن هذه النظرية تكون عاجزة عجزاً كاملاً من الناحية التطبيقية عن أن تقدم قيداً حقيقياً علي سلطة الدولة عندما تمارس بواسطة الحكام، وبالتالي لا يمكن لقواعد القانون الطبيعي التي هي مجرد مثل عليا غير مقترنة بجزاء أن تشكل قيداً علي تصرفات الدولة، وهذا ما قرره الفقيه ” كاري دي مالبيرج ” إذ كان من أشد المهاجمين لها[8].

ومن الانتقادات التي وجهت للنظرية إنها لا تقدم قيوداً قانونية حقيقية وإنما كل ما تقدمه مجرد قيود أدبية وأخلاقية وسياسية يمكن للدولة أن تتحلل منها في الواقع العملي، إلي جانب ذلك قيل في انتقاد هذه النظرية إنها تتسم بالغموض وعدم التحديد وبالتالي لا يصح أن تتخذ أساساً لتحديد غيرها[9].

لذلك اقترح بعض الفقه تضييق مضمونها وذلك بجعله يقتصر علي مبادئ العدالة الثابتة التي ينبغي أن تكون مصدر إلهام المشرع، لذلك قيل عنها أنها مجرد قيود أخلاقية وليست قيود قانونية، ومن ثم فإنها تخرج بنا من دائرة القانون إلي دائرة الآداب والأخلاق، فليس لها صيغة قانونية وضعية[10].

ولكن وعلي الرغم من كل هذه الانتقادات التي جعلت منها فكرة خيالية ميتافيزيقية[11]، فإن ذلك لا ينفي عنها بعض الآثار الايجابية، إذ أن نظرية الحقوق والحريات الفردية كانت وليدة فكرة القانون الطبيعي وثمرة من ثمارها، إذ أثبتت أن للفرد حقوقاً وجعلتها تسبق وجود السلطة مما يوجب عليها احترام هذه الحقوق، ومن ثم لا يمكن إنكار مساهمة النظرية في تقييد سلطان الدولة[12].

لذلك فإن جميع الانتقادات التي وجهت لنظرية القانون الطبيعي لا تقلل من أهميتها كفكرة مثلي عن العدالة وكأداة لمقاومة الطغيان وكوسيلة للذود عن حقوق الأفراد وحرياتهم، وكمخزون للمشروعية يمكن استثماره لإرساء مبدأ المشروعية.

المطلـــب الثــانـــــي: نظريــــة الحقـــوق الفرديـــــة

تقوم هـذه النظريـة علي فكرة رئيسية مؤداها أن للفرد حقوقـاً محـددة تلاحقه وتلازمه بوصف كونـه فرد، وهذه الحقوق – الطبيعية – وجدت بوجوده ونشأت معه منذ ولادته، وهي حقوق سابقة علي نشأة الدولة وتسمو عليها ولا تخضع لسلطانها[13]، فحقوق الأفراد سابقة علي نشأة الدولة، وسيادة الدولة مقيدة بحقوق الأفراد فلا يجوز لها أن تنتقص منها أو تعتدي عليها[14].

وقد انتقدت هذه النظرية كونها قائمة علي افتراضات وهمية، بحيث لم يثبت واقعياً وتاريخياً إن الفرد كان يعيش في عزلة متمتعاً بالحقوق الطبيعية، بل إن الجماعة كانت ملازمـة لحياة الإنسان منذ الأزل، فكيف يمكن للفرد أن يعيش منعزلاًدون أن يتمتع بحق ما، ولا يوجد طـرف آخر يقابله بحيث يكون هذا الحق في مواجهة هذا الأخير، فالحق لا يوجد إلا بوجـود طرفيـن علي الأقل[15]، لذلك يـري العميد ” ديجي ” أن الإنسان لم يعش أبداً خارج الجماعة وإنه اجتماعي بطبعه، إنما للأفراد حقوق يستمدونها من القانون المحقق للتضامن[16].

ومن ثم فهذه النظرية تحمل في طياتها نوعاً من التناقض، فهي تؤكد علي أن الإنسان كان يعيش منعزلاً وعلي الرغم من ذلك كان يتمتع بحقوق عدة، وإن انخراطه في كنف دولة كان بغية الحفاظ علي هذه الحقوق وحمايتها، وبذلك تقوم علي افتراض وجود شخصين يفرض أحدهما إرادته علي الآخر، فإذا كان الفرد منعزلاً ففي مواجهة من سيمارس حقوقه، ومن ثم فإن أقصي ما يمكن تصوره في هذا الفرض هو أن يكون له سلطة مادية يمارسها علي الأشياء المادية المحيطة به[17].

أيضاً من الانتقادات الموجهة لهذه النظرية أن أساسها يقوم علي مبادئ المذهب الفردي الذي تسبب في إطلاق الحرية الاقتصادية مما تسبب في انتشار الطبقية في المجتمع، والتي بدورها كانت سبباً في الأزمة الاقتصادية العالمية التي عجلت بظهور المذهب الاشتراكي، الذي طالب بتدخل الدولة الفعال في تنظيم حياة المجتمع والحد من الاستغلال، لذلك يري العميد ” ديجي ” أنها هي التي ساهمت في بروز الأفكار الاشتراكية ونشر فكرة الدولة فوق القانون[18].

ولكن وعلي الرغم من كل هذه الانتقادات فإنه لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته نظرية الحقوق الفردية في تقييد إرادة الحاكم، بل ما تزال قائمة وتلعب دوراً أساسياً، من حيث أنها أفادت في الاعتراف بوجود حقوق طبيعية للأفراد لا يجوز للسلطة المساس بها، لأن هذه الحقوق كانت ثابتة للإنسان وهو في حالة الطبيعة، أي قبل تكوين المجتمع وقيام الدولة، والتي ما قامت إلا من اجل حماية هذه الحقوق وتأكيدها لا من اجل النيل منها، لذلك فإن سلطة الدولة تبقي دائماً مقيدة بتلك الحقوق، ومن ثم لا يجوز أن تنتقص منها أو تعتدي عليها[19].

لذلك لا يمكن الانتقاص من دور هذه النظرية في إرساء مبدأ المشروعية، خاصة إذا كانت هذه الحقوق منصوص عليها في وثيقة ملزمة كالدستور أو الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان، فلا يكاد يوجد دستور إلا وينص علي الحقوق الفردية ويكفل حمايتها.

المطلـــب الثــالــــث: نظريـــة التحديـــد الذاتـــي للسيــادة

مضمـون هذه النظرية أن الدولة هـي صانعة القانـون، وهـي أول مـن يخضع له ولأحكامـه مثل الأفراد، أي أن الدولة هي التي حددت سيادتها بذاتها، وهي بذلك تحقق الاستقرار المنشود، واحترام وطاعة جميع أفراد المجتمع، وهذا التحديد الذي من جانب الدولة لابد منه إذ بدونه تسود الفوضى ويحل الاستبداد، وبالتالي تفقد الدولة شرعيتها[20].

وللسلطة مصلحة في التقيد بالقوانين التي تضعها بهدف تحقيق الصالح العام ” الذي هو أساس السلطة والقانون ” أي فكرة العدل والقانون في تصورهما المثالي “، مما يجعل الأفراد يمتثلون لها ما دام أن السلطة قد سبقتهم في التقيد بها وبذلك تضمن لقوانينها التطبيق والاحترام[21].

ولا يقلل مـن شأن هـذه النظريـة أن السلطة تملك إلغاء أو تعديل هذه القوانين، لأن ذلك لا يغير من الوضع شئ، لأنها سوف تخضع للقاعدة القانونية الجديدة التي حلت محل القاعدة القانونية المعدلة أو الملغاة بإرادتها، ولأنها صاحبـة السيادة فلا يمكن القول أن الدولة تخضع للقانون خضوعاً مطلقاً، لأن هذا يؤدي إلي إنكار سيادة الدولة العليا التي لا تحدها سلطة أخري[22].

ويري واضعو هذه النظرية وهما الألمانيان ” إيهرنج، وجيلينيك ” ومن سايرهم فيها من الفقه الفرنسي ” كاري دي مالبيرج، ومارسي فالين ” أن أساس النظرية أن هناك تعارض بين السيادة المطلقة وبين ضرورة التقيد بقواعد قانونية، ودفعاً لهذا التعارض قالوا بأن سلطات الدولة هي التي تضع القواعد القانونية ثم تلتزم بها كما يلتزم الأفراد[23].

ولم تلق نظرية التحديد الذاتي لإرادة الدولة وسيادتها هوي عند معظم الفقهاء، لذلك لم تسلم من النقد[24]، فنجد العميد ” ديجي ” ينفي عنها الجدية في تحديد السلطة بل تناولها بالتجريح [25]، إذ يري أنه كيف يتأتي القول بخضوع الدولة للقانون إذا كان مصدر هذا الخضوع محض إراداتها، فالقيد الذي يُـنشأ ويُـعدل ويُـلغي بإرادة من يتقيد به ليس قيداً علي الإطلاق، ومن ثم فإن لهـذه النظرية نتيجة واحدة وهي انعدام القوة الإلزامية للقاعدة القانونية في مواجهة الدولة، فإرادتها هي الخصم والحكـم فـي نفس الوقت، فهي التي تلزم نفسها بنفسها، وعليه فإنها تستطيع أن تتحلل مما التزمت به دون معقب عليها من الخارج، لأن أساس النظرية هي بالتحديد انتفاء ذلك المعقب الخارجي[26]، كما أن منح الدولة الحرية المطلقة في تعديل وإلغاء القانون يؤدي لا محالة إلي أن يصبح هذا الأخير مرهون بمشيئة الدولة[27].

لذلك فإن هذا التصور أو التبرير لخضوع الدولة للقانون – وفقاً لهذه النظرية – خطر لأنـه يجعل الخضوع للقانون مسألة متوقفة علي رغبة الحكام، وعلي تصورهم لمصلحة الدولة، ومن ثم يمكنهم الخروج علي القانون إذا تصوروا أنفي ذلك مصلحة الدولة[28].

وبالرغم من هذه الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية، يري بعض الفقه إنها تتميز بالواقـعية لأنـها تقف عند قواعد القانون الطبيعي وتتضمن تحديداً قانونياً لسلطان الدولة الخاضعة للقانون[29]، كمـا إنـها مقيدة لأنـها تكشف عن ضرورة وضع القيود والضمانات القانونية التي تحول دون تجاوز الحكام لحدود سلطاتهم، وذلك عن طريق التنظيم الدستوري والقانوني للدولة[30].

المطــلـــب الــرابـــــع: نظــريـــة التضامــن الاجتمـــاعـــي

” نظــريـــة ديــجــي “

هـاجم العميد ” ديجي ” النظرية الألمانيةفي التحديد الذاتي للإرادة لعدم استنادها إلي الواقع وعدم صلاحيتها كأساس للحـد من سلطان الدولة، ومن هنا نادي بنظريته في التضامن الاجتماعي التي ضمنها آراء جديدة فيما يتعلق بأصل نشأة الدولة ووظائفها ومشروعية سلطتها وحدود هذا السلطان، حيث خالف فيما قال به كل النظريات التي قيلت بشأن القاعدة القانونية والحق الشخصي والشخصية المعنوية للدولة وسيادة الأمة، إذ يـري أنها جميعاً تقوم علي الخيال بينما يُـبني القانون علي الحقيقة والواقع، لذا سمي مذهبه ” بالمذهب الواقعـي “[31].

وتقـوم هذه النظرية في فكر العميد ” ديجي ” علي إنكار سيادة الدولة واستبعاد أن تكون إرادة الحاكم هي مصدر القانون، لأنه – كما يري – إذا صح ذلك لما أمكن التزامها به وخضوعها لأحكامه، وأكـد علي أن القاعدة القانونية تكتسب صفتها القانونية الملزمة من توافقها مع مقتضيات التضامن الاجتماعي ومبادئ العدالة، فتنشأ القاعدة القانونية من دون تدخل من سلطات الدولة عندما تستقر في ضمير الجماعة ضرورتها، أي إنها تنشأ بصورة تلقائية كظاهرة اجتماعية وطبيعية دون تدخل لإرادة السلطة[32].

من هذا المنطلق تصور العميد ” ديجي ” أن القانون ينفصل في مصدره عن السلطة ويكون خضوع السلطة للقانون علي أساس اعتباره قيداً خارجياً حتمت وجوده فكرة التضامن الاجتماعي، والتي يجب علي السلطة أن تتخذها هدفاً تسعي إلي تحقيقه واستمراره، فإذا انحرفت عنه كان الجزاء اجتماعياً والمتمثل في حق الأفراد في المقاومة[33]، والتضامن الاجتماعي عند العميد ” ديجي ” له عنصرين[34] :

العنصر الأول : التضامن بالتشابه، ومعناه أن للأفراد حاجات مشتركة لا يمكن تحقيقها إلا في إطار الحياة الجماعية، بحيث أن كل فرد يحتاج فيها إلي الآخر ولا يستطيع أفراد المجتمع الحصول عليها إلا بتعاونهم وتكتلهم في حياة جماعية[35].

العنصر الثاني : من عناصر التضامن الاجتماعي عند العميد ” ديجي ” هو التضامن عن طريق تقسيم العمل، نظراً لاختلاف كفاءات أفراد المجتمع من شخص لآخر، وهذا العنصر يمكن أن تصل إليه الجماعة بعد تطور معين، فيتبادل الأفراد الخدمات كلٌ بحسب تخصصه كي يتم إشباع حاجات المجتمع[36].

وفـي تقدير ” ديجي ” أن هـذا التضامن بين أفراد الجماعة هو الأساس الصحيح والواقعي لنشأة الدولة، وهو المبرر الحقيقي الذي يفسر وجود هيئة حاكمة وهيئة محكومة، ويبرر لنا مشروعية الحكام، كما أنه هو الذي يحد من سلطان الحاكم ويُـعتبر قيداً عليه، فإذا كان تصرف الحاكم متفقاً مع هذا التضامن كان مشروعاً، أما إذا كان غير متفق معه فإنه يكون باطلاً[37].

فالتضامن الاجتماعـي عند ” ديجي ” هو الذي يحدد سلطان الدولة، حيث يجب عليها أن تمتنع عن أي تصرف يُمس بصورتيـه السابقتين، كما يجب عليها دومـاً أن تسعي لتحقيق ذلك التضامـن بتنميته وتطويـره، فالقواعـد القانـونيـة التي تلتزم بها الدولة ليست من صنعها وإنمـا فرضها عليها التضامن الاجتماعي، لذلك فإن انتهاك قواعده سوف يترتب عليه لا محالة جزاء اجتماعي، بحيث تصبح مقاومة السلطة من طرف الأفراد شيئاً مشروعاً، لأن القانون الوضعي ليس من صنع المشرع وإنما صانعه هو شعور الأفراد المكونين للجماعة بأن احترام القاعدة الاجتماعية ضرورة لصيانة التضامن الاجتماعي والعـدل، بحيث أن هذه القاعدة تصبح قاعدة قانونية قبل أن يتدخل البرلمان في إقرارها[38].

وقد تعرضت نظرية التضامن الاجتماعي لهجوم فقهي واسع، ولم تلق تأييداً في فقـه القانون العام، رغم مكانة الفقيه ” ديجي ” في عالم القانون العام وبين فقهائه، وذلك لأن نظريته لم تكن قوية الدعائم علاوة علي إنها في جوهرها نظرية اجتماعية فلسفية بعيدة عن الفكر والمنطق القانوني[39].

ومن ابرز الانتقادات التي وجهت للنظرية أنها أنكرت سلطة الدولة فـي إعطائها الصفة الوضـعية الإلزامية للقانون، وهذا ما لا يقبله المنطق بحال، وفـي ذلك يقول العميد ” هوريو ” لا حكم للقانون فـي أي مكان دون أن توجد سلطة تحميه، أما جعل الشعور العام للجماعة هو المعيار في الحكم علي صحة تصرفات السلطة فإن ذلك لا يعد قيداً قانونياً، ولا يعدو أكثر منه قيداً أخلاقياً علي أساس أن السلطة واقعة اجتماعية نابعة من تساوي إرادات البشر، ومن ثم فلا يصح أن تعلو إرادة علي إرادة غيرها، ولهذا السبب نجد أن العميد ” ديجي ” ينكر الشخصية المعنوية للدولة وإرادتها وسيادتها، لأنه يعتقد أن القول بذلك معناه سيادة إرادة الحكام علي المحكومين، وهذا الذي حاول نفيه في النظرية[40].

وقيل أيضاً في نقد النظرية أنها تؤدي إلي الفوضى، لأنها تؤدي إلي أن يكون الحكم علي تصرفات الحاكم ومشروعيته مرده مجرد شعور يصدر من الجماعة بأن هذه التصرفات تتعارض من التضامن الاجتماعي، وهذا يؤدي إلي خلق الفوضى في المجتمع، لأن ترك جزاء مخالفة قاعدة القانون التي يعطيها التضامن الاجتماعي هو المقاومة من جانب الأفراد، أي رد الفعل الذي يحدث في المجتمع وليس وفقا لنظام قانوني واضح المعالم مبين الحدود سلفا لكلاً من السلطات والأفراد، وبذلك تكون القيود وفقاً لهذه النظرية مجرد وهم لا يخضع لأي تكييف قانوني ويخرج البحث عن نطاق القانون[41].

ومع ذلك فإن ” ديجي ” لم يبين مضمون التضامن الذي يعمل الجميع علي أساسه ومن أجله، مما يعني أن السلطة هي التي تحدد هذا المضمون، وبذلك يكون القيد الوارد علي سلطة الدولة متروك أمر تقديره بيدها، وهنا يقع العميد ” ديجي ” في نفس الخطأ الذي عابه علي نظرية التحديد الذاتي، إذ ذكر في مجال نقدها إن القيد الذي يترك بيد الشخص المراد تقييده لا يعتبر قيدا حقيقيا، وبهذا صارت النظرية منتقدة في أساسها وتفصيلاتها ونتائجها لدرجة أن الفقه هجرها وزج بها في إطار النظريات الخيالية[42].

إلا إنه ورغم كل هذه الانتقادات التي وجهت لنظرية التضامن الاجتماعي فإن هذه النظرية قد أسهمت بشكل أو بآخر في تقييد الحكام، وذلك بإرغام السلطة التشريعية بضرورة الالتزام بالقانون الوضعي المستمد من الجماعة[43].

المبحث الثاني: أساس خضوع الدولة للقانون في النظام الإسلامي

بداية نشير إلي أن أساس مبدأ المشروعية يقوم علي أساس التلازم والتكامل بين السلطة والقانون بعيداً عن تلك الفلسفات التي ناقشت أيهما اسبق ظهوراً من الأخرى – الدولة أم القانون – وما يترتب عليهما من تفسير لخضوع السلطة للقانون، وكيف تخضع له علي الرغم من أنه من صنعها، هذه المعركة خاضها فقهاء أصول القانون وحاولوا الإجابة عنها فانقسموا إلي فريقين أو مدرستين[44].

المدرسة الأولي وهي المدرسة المثالية أو الموضوعية، والتي تقول بأسبقية وجود القانون قبل السلطة ومن ثم ضرورة خضوعها له، كونه لا يرتبط بإرادتها من حيث النشأة، مما يجعله مُلزماً لها بمجرد إعلانها له، فهو وليد الطبيعة يكتشفه الإنسان بالعقل، ولا تنشئه السلطة ولكنها تعلنه، وتلتزم بمقتضاه حتى لا تفقد سندها الشرعي المستمد من ضرورة أن تكون تصرفاتها ترجمة أمينة لضمير الجماعة وما تختزنه من قيم العدل والمساواة والحرية التي تجد مصدرها في القانون الطبيعي كأصل للقانون الوضعي.

المدرسة الثانية وهي المدرسة الوضعية أو الواقعية، والتي تري أن السلطة هي التي تخلق القانون وتنشئه ابتداءً ثم تعلنه وتفرض احترامه دون أن يكون له مصدراً خارجها، بل هي التي تخلقه وتخضع له بإرادتها الذاتية، علي مقتضي مبدأ احترام القانون الذي وضعته بنفسها، ذلك لأنه مهما حاولنا تجريد السلطة عن أشخاص الحكام فإننا في الواقع العملي لا نحس بالدولة في حياتنا إلا من خلال الحكام وما يتولونه من سلطة الأمر والنهي، حيث يختلط القانون بأوامرهم ونواهيهم.

لكن العرض السابق لمضمون كلتا المدرستين – الواقعية والموضعية – في تحديد علاقة السلطة بالقانون ليس علي إطلاقه فالتسليم بوجود القانون الطبيعي لا يعني تكبيل السلطة ومنعها مـن حرية الاختيار والتقدير بين الوسائل الملائمة لتطوير حياة الجماعة وتحقيق فكرتها عن العدل والصالح العام، كما أن الإقرار بدور الدولة في صنع القانون المعبر عن الإرادة العامة في المجتمع لا يعني أنها تبقي سلطة مطلقة، وإنما دائماً مقيدة بضوابط المشروعية المستقرة في مبدأ سيادة الدستور والقانون، فمبدأ المشروعية هو التصوير لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين السلطة والقانون من تكامل وتلازم، وذلك دون أن يغل يد المشرع من جهة ودون أن يحرم القضاء من تقرير مسئوليته من جهة ثانية[45].

ومن العرض السابق يتضح أن أساس خضوع الدولة الإسلامية للقانون لا يرجع إلي أي نظرية من النظريات التي يعرضها الفقه المعاصر، فالنظام الإسلامي لا يترك مجالاً لمثل هذا الجدل الذي احتدم في الفقه الوضعي المعاصر حول السيادة والدولة والقانون، وذلك لما بين الشرائع الوضعية المعاصرة وبين التشريع الإسلامي من فروق[46]، وبناءً علي ذلك فإننا سنتناول الأساس الذي تخضع فيه الدولة للقانون في النظام الإسلامي من خلال المطلبين الآتيين :

المطلب الأول : أساس المشروعية فـي النظـام الإسلامي.

المطلب الثاني : المشروعية والحاكمية في النظام الإسلامي.

المطلب الأول: أساس المشروعية في النظام الإسلامي

إذا كان التشريع المعاصر من صنع الناس ووفقاً لما تمليه عليه عقولهم ومصالحهم، فإن التشريع الإسلامي من صنع الله بصفة أساسية، ومن هنا فإن طاعة الحاكم أو الخليفة للتشريع لا تجئ من مجرد الخوف من السلطات والدولة ولكن في المقام الأول من خشية الله، لذلك قيل أن النظام الإسلامي اُسس علي خشية الله[47]، مع إقامة الرادع الذي يوفره القانون وقواعده الملزمة، ورقابة الأمة علي الالتزام بالشورى وحقها في إعطاء البيعة وسحبها، فالتشريع الغربي يعتمد علي العقل والمنطق المجرد، أما التشريع الإسلامي فأساسه الوازع الديني، وفي هذا أعظم ضمانة تكفل طاعة الحاكم للتشريع وعدم خروجه عليه.

فالأساس الذي يقوم عليه مبدأ المشروعية أو مبدأ خضوع الدولة للقانون في النظام السياسي الإسلامي إنما يستند إلي وجود تشريع أساسي إلهي في الإسلام هو الكتاب والسنة[48]، وبذلك يكون خضوع الدولة الإسلامية للقانون هو نظرية الاستجابة لأمر الخالق.

لذلك تعتبر المشروعية الإسلامية هي نوع من المشروعية العليا بحيث يكون أساس الجماعة الإسلامية هو التوحيد وعدم الإشراك بالله تعالي، وتجتمع علي هـذه العبـادة وتديـن بها لقوله تعالـي : ” وَاعْبُدُوا اللَّهَوَلاَتُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاًوَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناًوَبِذِي القُرْبَىوَالْيَتَامَىوَالْمَسَاكِينِوَالْجَارِ ذِي القُرْبَىوَالْجَارِ الجُنُبِوَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِوَابْنِ السَّبِيلِوَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً “[49]، وقولالنبي صلي الله عليه وسلم ليلة العقبة وحوله عصابة من أصحابه : ” بايعوني علي ألا تشركوا بالله شيئا “[50]، فعقيدة التوحيد هـي المبدأ الأعلى والأسمى الذي يجمع الجماعة الإسلامية، وتحقيق هذا الغرض واستدامته هو غايتها ومقصدها[51].

لكن التوحيد ليس نية فقط ولا هو نطق باللسان، فإن هذا لا تبني عليه المجتمعات وإنما يكون ذلك بالعمل الشاهد علي صدق الاعتقاد، والمصدق لما وقر في القلب، وبذلك يؤدي التمسك بالتوحيد والاعتصام بـه نيـة وقول وعمل إلي أن تعتبر أوامـر اللـه ونواهيـه هـي أساس المشروعيـة ومعيار الحق والعدل، فالإيمان الحق عقد القلب، وقول اللسان، وعمل الجوارح[52].

فالأمر يكـون مشروعاً وعادلاً متى أمر الله به، ولا يكون مشروعاً وارتكابه ظلماً متى نهي الله عنه، من ثم فإنه يمكن القول أن أساس المشروعية الإسلامية مبني علي عقيدة التوحيد، ومن الممكن أن نسمي هذا الأساس سياسة العدل والتوحيد، أي العدل القائم علي التوحيد[53].

المطلب الثاني: المشروعية والحاكمية في النظام الإسلامي

من المسلمات في النظام الإسلامي أن الكون كله بمـن عليه وما عليه مِلكٌ لله تعالـيفقال تعالي : ” وَقُلِ الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْوَلَداًوَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِوَلَمْ يَكُن لَّهُوَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّوَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً “[54] وإذا كان الله وحده هو المستحق للعبادة بما شرع لنا من الدين لأنه من التناقض أن لا يتصرف المالك في ملكه، فالتشريع الذي هو تصرف في الخلق ابتلاءً واختباراً هو من لوازم الألوهية والمالكية، فالله وحده في مُلكه هو الذي يُحلل ويُحرم، وهذا ما قررته دعوة التوحيد التي وردت علـي ألسنة الرسل عليهم السلام منذ آدم عليه السلام وحتى محمد صلي الله عليه وسلم، لذلك نجد أن القرآن قد نعي علي الأمم السابقة أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فقال سبحانه وتعالي : ” اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْوَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِوَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَوَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاًواحداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ “[55]، وعن عدي بن حاتم، قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله فقال : أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه، وإذا حرموا عليهم شيئاًحرموه[56].

لذلك نجد أنه عندما تناول الكثير مـن الباحثين في مجال القانون العام مبدأ المشروعية، قد استخدموا تعبير ” المشروعية ” أو ” المشروعية الإسلامية العليا ” للدلالة علي مفهوم ” الحاكمية “[57]، مما يوحي بأن المصطلحين مترادفين في المعني، وهو سيادة الشريعة الإسلامية علي جميع المكلفين بما فيهم الرسل عليهم السلام، والحكام والمحكومين والناس أجمعين، مما يعني أن تقوم المشروعية الدستورية في النظام الإسلامي علي أساس الشرعية الإسلامية.

ولقد شكل تأسيس مبدأ المشروعية في النظام الإسلامي مشكلة للباحثين الذين تصدوا لفكرة المشروعية في النظام الإسلامي، إذ نجد أنهم قد استخدموا تعبير المشروعية للتعبير عن مفهوم الحاكمية متأثرين في ذلك بالفقه الدستوري الوضعي[58]، فنجدهؤلاء الباحثين وغيرهم حاولوا تأصيل المشروعية الإسلامية بجعل المشروعية تستمد أصالتها من قيم الأمة ومبادئها التي تعلو علي نصوص القوانين ونصوص الدساتير، فهي قائمة في البلاد الإسلامية من شهادة أبنائها بأن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والتي تعني أن التشريع ابتداءً هو حق خالص لله.

وهذا التأصيل يكمن فيه الفرق بين الحاكمية باعتبارها إرادة الله التشريعية والتكوينية وبين المشروعية في النظام الوضعي الغربي، فهي تجد أساسها في الفقه الدستوري الغربي في القانون الطبيعي أو مبادئ العدالة أو غيرها من النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون إلا أنها لا يمكن أن تجد مبررها وسندها في النظام الإسلامي إلا برد الحكم والتشريع لله ابتداءً ” عقيدة “، إذ لا شريعة بغير عقيدة، والطاعة فوق ما شرع ” عبادة ” [59].

وعلي الرغم من هذا التداخل في مدلول كلاً من المفهومين – المشروعية والحاكمية – إلا أنه يظل لمفهوم الحاكمية خصوصيته وتميزه بمكوناته باعتباره مبدأ كلي شامل[60]، يُعد بمثابة المرجعية التي يستمد منها الفرد والأمة والسلطة تصوراتهم عن الله والكون والإنسان والقوانين التي تحدد نظام الحقوق والواجبات بالإضافة إلي القيم التي يجب أن تسود، فبهذا المبدأ تُعد الحاكمية معيارا للمصلحة والمفسدة، للفضيلة والرذيلة.

وبذلك يكون مبدأ المشروعية عنصراً من عناصر الحاكمية ونوعاً من أنواعها اصطلح البعض علي تسميته ” بحاكمية الكتاب ” بدل الحاكمية الإلهية[61]، فكل قانون يسود الدولة الإسلامية يجب أن تكون مرجعيته مبادئ الشريعة الإسلامية محققاً لأهدافها ومقاصدها العامة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد.

وبناءً علي ما سبق فسوف نتناول مفهوم الحاكمية كأحد النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون وعلاقته بمبدأ المشروعية في النظام الإسلامي من خلال الأفرع الآتية :

الفرع الأول : مفهوم الحاكميـة في الفكر الإسلامي.

الفرع الثاني : أبعـــاد مفهــوم الحـاكميــة.

الفرع الثالث : الانتقادات الموجهة لمفهوم الحاكمية.

الفرع الرابع : الالتزام بالحاكمية كمعيار للمشروعية في النظام الإسلامي.

الفرع الأول: مفهوم الحاكمية في الفكر الإسلامي

يعتبر مصطلح الحاكمية من المفاهيم الأكثر تداولاً وانتشاراً في الفكر السياسي الإسلامي، وعلي قدر هذا الشيوع أثار جدلاً واختلافاً في أوساط المفكرين الإسلاميين المعاصرين حول تحديد مفهومه وتأصيله، لما يواجه هذا المفهوم من أزمة وما يكتنفه من غموض علي مستوي النشأة والتنظير، لذلك نجد أن هناك من اعتبر مفهوم الحاكمية مفهومـاً مصدره الشريعة، وبيـن مـن اعتبره مفهوم فكري مصـدره الإنتاج العقلي البشري، ولعل السبب في هذا الاختلاف هو الظروف الفكرية والملابسات الواقعية التي عاشها كل مفكر مما تسبب في إفراز نتائج أحاطته بغموض يكتنفه علي مستوي النشأة والتأصيل والتنظير والتخريج[62]، ولكشف هذا الغموض الذي يكتنف مفهوم الحـاكمية سنتناوله مـن خلال بيان المقصود بالحاكمية لغـة أولاً، واصطلاحاً ثانياً، ومن ثم معرفة المدلول الشرعي لمفهوم الحاكمية، وذلك علي النحو الآتي :

أولاً : الحاكمية في اللغة[63]

الحاكمية مصدر صناعي[64] جذره اللغوي ثلاثي : ” ح، ك، م “، وهي تطلق علي عدة معاني من أهمها : القضاء يقال حكم بينهم أي قضي،وتطلق علي المنع يقال حكمت عليه بكذا إذا منعته، وتأتـي بمعنـي التفويض فيقال حكّمت الرجل بالتشديـد أي فوضت إليه وجعلت الحكم إليـه، وأخيراً تأتي بمعني ” الفصل ” فيقال حكمت بين الناس إذا فصلت بينهم.

وكل المعاني السابقة تشترك في وحدة القصد وغايته، وهو المنع من الفساد بالإصلاح بمختلف وسائل الفصل والقضاء بالعدل بين الناس باستعمال الحكمة والإتقان.

ثانياً : مفهوم الحاكمية اصطلاحاً

لمفهوم الحاكمية العديد من الاستخدامات الشرعية، لكن أهـم استعمال له هـو توظيف أهل أصول الفقه له في نظرية الحكم الشرعي التي يقابلها في القانون الوضعي القاعدة القانونية المنظمة للسلوك الفردي داخل الجماعة بصفة عامة مجردة ومُلزمة للجميع بحيث يـوقع الجزاء علـي مـن يخالفها، وهـو ما قرره علماء الأصول عند حديثهم عن الحكم الشرعي حيث قسّموا متعلقات نظرية الحكم إلي أربعة أقسام هي[65] :

– الحاكم : هو الله سبحانه وتعالي ورسوله الكريم صلي الله عليه وسلم، فهـو الشارع الحكيم، وحكمهم يتمثل في شريعة الله أو الوحي بشقيه المتلو وغير المتلو.

– المحكوم عليه :وهـو المكلف وهـو كل بالغ عاقل بلغته دعوة محمد صلي الله عليه وسلم، حيث لا يتعلق به حكم الله إلا إذا آلت إليه الأهلية الكاملة لتحمل الحقوق والالتزام بالواجبات.

– المحكوم فيه :هو تصرفات المكلف ونشاطه من أقوال وأفعال وسلوكيات، وكلها محل لتعلق خطاب الشارع بها لا استثناء، بحيث لكل حالة وحال يكون عليه المكلف حكمها الشرعي رخصة أو عزيمة في الظروف العادية، وفي حالة الضرورة الشرعية العامة والخاصة.

– الحكم : وهو خطاب الشارع المتعلق بسلوك كافة المكلفين، إما طلباً للفعل أو الترك، وإما تخييراً لهم بين الفعل والترك، وإما وضعاً بجعل الشيء سبباً أو شرطاً مانعاً أو صحيحاً أو فاسداً أو عزيمة أو رخصة للحكم

ثالثاً : المدلول الشرعي لمفهوم الحاكمية

لقد ورد لفظ ” الحكم في القرآن الكريم والسنة النبوية في مواطن كثيرة وبدلالات متعددة، وسنشير إلي أهمها :

1- في القرآن الكريم :ورد المصطلح في القرآن الكريم بعدة دلالات منها[66] :

( أ ) القضاء والفصل في المظالم والخصومات : ومنه اسم المولي عز وجل ” الحكم “، ” الحكيم “، ومنه وصف ” الحاكم ” الذي وصف الله تعالي به نفسه فقال : ” قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ “[67]، أي المنفرد بين العباد يوم القيامة[68]، وقوله تعالي : ” أَفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَوَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ “[69]، أي قضاءً وفصلاً[70].

( ب ) الفهم والفقه والعلم :ومنه قول الله سبحانه وتعالي : ” يَا يَحْيَى خُذِ الكِتَابَ بِقُوَّةٍوَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ صَبِياًّ “[71]، قال ابن عباس رضي الله عنهما : ” أي الفهم للتوراة والفقـه فـي الدين “[72]، وقول الله تعالي : ” يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُوَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراًوَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ “[73]، قال ابـن الجوزي : ” أي العلم والفقه “[74]،وقال ابن قتيبية : الحكمة العلم والعمل، ولا يسمي الرجل حكيماً حتييجمعهما معاً “[75].

( ج ) النبوة والرسالة :ومنه قول الله تعالي : ” رَبِّ هَبْ لِي حُكْماًوَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ “[76]، يقول الطبـري : ” أي النبوة “[77]، كما قد ترد الحكمة بمعني السنة النبوية، وهي كثيرة في القرآن الكريم، منها قول الله سبحانه وتعالي : ” وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الكِتَابَوَالْحِكْمَةَوَعَلَّمَكَ مَـا لَمْ تَكُن تَعْلَمُوَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً “[78] قال قتادة : ” الحكمة هي السنة “[79].

( د ) التحليل والتحريم والتشريع : ومـن ذلك قول الله سبحانه وتعالي : ” إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمـَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُوَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ “[80]، ومنه أيضاً قول الله تعالي : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِوَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ “[81]، يقول ابـن الجوزي : ” أي أن الله يحل ما يشاء لمن يشاء، ويحرم ما يريد علي من يريد “[82].

( و ) التحاكم إلي غير شرع الله والحكم بغير ما انزل الله :يقول سبحانه وتعالي : ” أَلَمْ تَـرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَوَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِوَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِوَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً “[83]، والطاغوت هو كل ما عبد وأطيع وخضع له من دون الله[84].

( ز ) ولاة الأمور : ومنها قول الله سبحانه وتعالي : ” وَلاَتَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِوَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِوَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ “[85].

والحـكام تشمل من بيده السلطـة السياسية أوالقضائية، فالمراد بالحاكم ولي الأمر الذي بيده سلطة الأمر والنهي، والحَل والعقد[86].

2- في السنة النبوية : فقد ورد فيها دلالات كثيرة لمفهوم الحاكمية من أهمها[87] :

التحكيم والفصل بين الناس بشرع الله، فعن سعد قال سمعت أبا أمامه قال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول نزل أهلقريظة على حكم سعد بن معاذ فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا من المسجد قال للأنصار قوموا إلى سيدكم أو خيركم فقال هؤلاء نزلوا على حكمك فقال تقتل مقاتلتهم وتسبي ذراريهم قال قضيت بحكم الله وربما قال بحكم الملك[88]، يقول الإمام النووي – رحمه الله – : ” فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مهماتهم العظام، وقد أجمع العلماء عليه، ولم يخالف إلا الخوارج…. “[89].

وهكذا يتبين لنا من العرض السابق التطور الدلالي للحاكمية، فهناك وضع لُغوي عرفه اللسان العربي بدلالاته المعروفة،وبمجيء الإسلام زاد الكتاب والسنة النبوية معاني أخري لم يعرفها التداول العربي قبل مجيء الإسلام، حيث زادت الأصول الشرعية مادة غزيرة تتعلق بهذا المفهوم وصلت في البحث إلي اثني عشرة معني، حيث تم الانتقال من العرف العربي إلي العرف الشرعي، ومع هذا التداول الشرعي للمفهوم فإن الاصطلاحات العلمية في مختلف المجالات أضافت دلالات أخري جديدة، فيلاحظ معاني أصولية وأخري فقهية وسياسية وقضائية ومنطقية، لذلك فإن استخدام المصطلح وتوظيفه لا يطلق علي عواهنه بقدر ما أنه ينبغي ملاحظة الدقة في توظيفه وتداوله وبناء الأحكام علي أساسه[90].

الفرع الثاني: أبعاد مفهوم الحاكمية

للحـاكمية مفهوم ثلاثـي الأقطاب بحسب الجهـة التي يعـود إليها[91]، فقـد يـراد به حاكمية الله ” الحـاكمية الإلهية “، وقد يراد به حاكمية الوحي ” الحـاكمية الشرعية “، وقد يراد بـه حـاكمية العقل ” الحـاكمية الإنسانية “، والي جانب هذه الأبعاد الثلاثة يبقي لمفهوم الحـاكمية بُعداً عقائدياً مرجعه إلي الإجماع الحاصل عند علماء الأصول علي أن الحـاكم في الإسلام هو الله عز وجل[92]، وهو ما يجعله مصطلحاً داخلاً في علم أصول الدين أو علم الكلام بحيث يصير مبحثاً عقائدياً تحت عنوان ” الحـاكمية الإلهية “.

وكما للحاكمية بعداً عقائدياً فإن لها أيضاً بعداً سياسياً وذلك عندما يدخل في مباحث الإمامة والسياسة التي هي مـن فروع الشريعة، والذي يمكن تسميته ” الفقه السياسي ” للدلالة علي أنه ليس من أصول الاعتقاد، فنظرية الإمامة ليست من المهمات، وليست من فن المعقولات فيها بل من الفقهيات “[93]، ويقول الإمام الجويني : ” إن الكلام في الإمامة ليس مـن أصول الاعتقاد “[94]، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ” إنها – أي الإمامة – ليست من أركان الإسلام الخمسة وليست من أركان الإيمان الستة “[95].

وبناءً علي ذلك فإنه لا يجب توظيف ” الحاكمية الإلهية ” ببعدها العقدي فـي العملية السياسية، لأن الأثر المترتب علي التخلي عـن حـاكمية التشريع لضبط حـركة المجتمع وتحديد طبيعة العلاقة بين السلطة والفرد ليس قضية كفر وإيمان وإنما فسق وظلم، مـع عدم التقليل من شأن ” حاكمية العقل ” وهي التي تتعلق بدور العقل في فهم النص والاجتهاد عند فقدانه.

وبهذه الأبعاد يكون مفهوم الحاكمية مفهوم هلامي قابل للتوظيف في مختلف أبعاده، ومن ثم يمكن القول أن للحاكمية ثلاثة أقسام وذلك من خلال النظر إلي مصدرها وهي[96] :

القسم الأول : حاكمية الله ( الحاكمية الإلهية )

وهذه الحاكمية موضوعها إيجاد الكون ومبدأ الخلق للعالم، وهيمنة الخالق عليه إيجاداً من العدم، وقدراً وتقديراً بالعناية بـه تصريفـاً وتسخيـراً وتنظيمـاً، وذلك بمشيئة الله تعالي بقوله للشئ كن فيكون، وتلك الحاكمية التكوينية القدرية.

بالإضافة إلي حاكمية الله التشريعية بإنشاء الأوامر والنواهي والأحكام، فهـو المختص والمنفرد بمبدأ التشريع والتحليل والتحريم والانقياد والخضوع بالطاعة له في التشريع والأحكام.

القسم الثاني : حاكمية الوحي ( الحاكمية الشرعية )

هي الوجه العملي للحـاكمية التشريعية حيث تعتبر الشريعة ثمرة لها، ومـن ثم يجب أن تكون لها السيادة علـي كـافة القوانين والأحـكام الوضعية والعقلية، بحيث يكون الوحي بمثابة الميثاق الأعلى للنظام القانوني في الدولة.

وتمتاز هـذه الحـاكمية بأن مصدرها الله المنزه عن النقائص، الجامع لأوصاف الكمال والجلال، فهـي حـاكمية منشئة للأحكام علـي غير مثال سابق، ومهيمنة علـي شرائع البشر، ناسخة لما قبلها من الشرائع، ومن ثم فهي ليست وضعية المنشأ ولا وليدة تطور قانونـي، كما أنها ليست تجميعاً أو تلفيقاً لشرائع حـضارية غابرة، وإنما هي حاكمية تأسيسية مُنشئة لشريعة محكمة ثابتة مستقلة، لها المرجعية العليا، يرجع إليها فـي جميع العقائد والعبادات والتشريعات والأخلاق والنظم بحيث تكون مرد لكل نزاع أو خلاف، وهـو ما يعطيها أهم خاصية وهـي صفة السيادة المطلقة علي سائر القوانين والأنظمة، ومن ثم فإن[97] :

– الحاكم من حيث التشريع هو الله عز وجل.

– الوحي مصدر جميع الأدلة الشرعية المتفق عليها والمُختلف فيها.

– سيادة الشريعة الإسلامية وسموها علي ما سواها.

– خضوع الدولة بسلطاتها وأجهزتها ومؤسساتها لقواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية العامة.

– صفة الإلزام في قوانين التشريع الإسلامي.

– مواطأة الأحكام الاجتهادية للمبادئ العامة للشريعة الإسلامية وموافقة مقاصدها العامة وقواعـدها الكلية مبدأ أساسي يتضمنه معني السيادة الشرعية.

– افتقاد القيمة القانونية للقوانين والأحكام التـي تعارض المبادئ العامـة للشريعة الإسلامية، وهذا يترتب عليه إهدار القيمة الإلزامية لتلك القوانين والأحكام.

القسم الثالث : حاكمية العقل ( الحاكمية الإنسانية )

وتنطلق هذه الحـاكمية من وجود ترابط بين مصطلح الحاكمية والعقل الإنساني،فعن عمرو ابن العاص رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ” إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم اخطأ فله اجـر “[98]، فهذا الحديث إطلاق لقدرات العقل البشري بحيث يكـون العقل حاكماً علـي النص الشرعي تفسيراً وتخصيصاً وتقييداً.

ولكن ليس معني ذلك تقديم العقل علي النص ولكن الإقرار بسلطان العقل في فهم منـاط التكليف فيه – أي العقل – يُعرف الله ويُفهم به كلامه، فمثال الشرع الشمس، ومثال العقل العين، فإذا فتحت وكانت سليمة رأت الشمس وأدركت تفاصيل الأشياء[99].

وخلاصه ما سبق أن الاجتهاد حاصل جهد عقلي متخصص منصب علي نص شرعي فهمـاً وتطبيقاً ومآلاً، بناءً علي قواعد أصولية ضابطة لعملية الاستنباط والتطبيق، وبذلك يظهر جلياً التكامل بين منـاهج العقل ودلائل النقل دون حدوث تعارض بينهما، فما يعلم بالضرورة ينقسم إلي ما يعلم بدليل العقل دون الشرع، وإلي ما يعلم بدليل الشرع دون العقل، وإلي ما يعلم بهما، فلا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول[100]، فكلاهما – العقل والنقل – لهما مجالهما المعتبر فيه حاكميتهما، وقد يتكاملان وقد يستقلان ولكنهما لا يختلفان أبداً[101].

* مفهوم الحاكمية في الفكر الإسلامي المعاصر

بعد هذه النظرة التأصيلية لمفهوم الحاكمية، نلقي نظرة علي هذا المفهوم في أدبيات الفكر السياسي الإسلامي الحديث، فنجد أن المفكر الإسلامي ” أبو الأعلى المودودي ” أول مـن ابتـدع مصطلح ” الحاكمية ” بل يمكن القول أنـه كان له السبق في تأسيس نظـرية سياسية من منظـور إسلامـي ترتكز علـي مفهـوم ” الحاكمية “.

وترجع فكرة ” الحاكمية ” التي أسس عليها ” المودودي ” نظريـة ” الإسلام السياسية ” إلي مفهوم ” الوحدانية “، حيث يعتبره الأساس الذي يقوم عليه بناء الدولة، ومن ثم يعّـرفها بأنها : ” كلمة تطلق علي السلطة العليا والمطلقة التي تهيمن علي غيرها من السلطات “[102]، فالأساس الذي ارتكزت عليه دعامة النظرية السياسية في الإسلام – عند المودودي – تقوم علي نزع جميع سلطات الأمر والتشريع من أيدي البشر منفردين ومجتمعين ولا يؤذن لأحد منهم أن ينفذ أمره في بشر مثله فيطيعوه أو ليسن قانوناً لهم فينقادوا له ويتبعوه، فإن ذلك أمر مختص بالله وحده لا يشاركه فيه أحد غيره “[103].

وقد استند ” المودودي ” في بعثه لفكرة ” الحاكمية ” وتجديد روحها في صياغة قانونية ودستورية معاصرة إلي جملة من النصوص الشرعية تدل علي اختصاص الله بالحاكمية، وتحصر معانيها في ذاته المقدسة، ومن هذه النصوص قوله تعالـي : ” َما تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْوَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمـَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُوَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ “[104]، وقوله تعالي : ” وَلاَتَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌوَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ “[105] وقـوله تعـالي : ” وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِوَالْعـَيْنَ بِالْعَـيْنِوَالأَنفَ بِالأَنفِوَالأُذُنَ بِالأُذُنِوَالسِّنَّ بِالسِّنِّوَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُوَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “[106]، فهذه الآيات تصرح بأن الحاكمية لله وحده وبيده التشريع، وليس لأحد – وإن كان نبياً – أن يأمر وينهي من غير أن يكون له سلطان من الله[107].

فتصور ” المودودي ” عن ” الحاكمية ” هو تصور الحاكمية ” القانونية ” كما يقدمها القانونيون، حيث يري أنه لا فرق بين الحاكمية باعتبارها مفهوماً إسلامياً وبين الحاكمية القانونية، وإنما الفرق هو أن تلك الحاكمية القانونية تبقي فرضية ما دامت لا تستند إلي حاكمية واقعية أو حاكمية سياسية، أي إلي سلطة تُمكن تلك الحاكمية القانونية أن تسود وتمارس، ومن ثم فإنه يستبعد وجود شخص في الدائرة الإنسانية يحمل صفة ” الحاكمية “[108].

وبذلك يربط – المودودي – بين مبدأ الحاكمية القانونية بالإلهية، ليكون بذلك أول من أعطي لمفهوم الحاكمية في العصر الحديث صبغة عقائدية لها علاقة بالإيمان والتوحيد، ومن ثم فإن مفهوم الحاكمية عنده مرتبط بمبدأي ” الإسلام والإيمان “، فهما عبارة عن التسليم بحاكمية الله القانونية والإذعان لها، وما الجحود بها إلا كفر صريح.

ومن ثم فهو يري أن الإسلام يمثل القوانين والتشريعات، والإيمان يمثل الإذعان إلي هـذه القوانين، وفي هذا الصدد يقول : ” إن الله ليس مجرد خالق فقط بل هو حاكم كذلك وآمر، ولم يهب لأحد تنفيذ حكمه، فهو يحكم بما يريد وليس للعباد الحق في المسألة والنقاش في أحكامه، فليس لأحد من دون الله شئ من أمر التشريع، والمسلمون جميعاً ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً لا يستطيعون أن يشرعوا قانوناً ولا يقدرون أن يغيروا شيئاً مما شرع الله، فالحاكم الحقيقي هو الله والسلطة الحقيقية مختصة بذاته تعالي وحده[109].

وبإلقاء نظرة علي التأصيل الفكري لمفهوم الحاكمية عند ” المودودي ” نجد أنه حاول جاهداً وجاداً في وضع نظرية إسلامية مقابلة لفكرة السيادة في الفكر الغربي، يحدد من خلالها موقفه من الحضارة الغربية ومن الأنظمة الغربية انطلاقاً من مدي الالتزام أو الخروج عن الحاكمية الإلهية إلي حد وصفها بالكفر انطلاقاً من أنها مغتصبة للحاكمية.

وفي نفس الاتجاه الفكري الذي سلكه ” المودودي ” – رحمه الله – نجد أن المفكر الإسلامي ” سيد قطب ” – رحمه الله – قد سلك نفس التوجه الفكري، حيث ربط بين مفهوم الحاكمية والجاهلية والشرك[110]، إلا أنه يلاحظ عليه التفسير الحاد للصياغات التي يقدمها[111]، حيث جعل الاعتقاد بحاكمية البشر كمصدر لتشريع القيم والأخلاق والقوانين صورة من صور الشرك والجاهلية الموجبة للتكفير، نظراً لربطه بين مفهوم الحاكمية بمبدأ التوحيد، واعتباره قضية الحكم من أهم قضايا العقيدة والإيمان بها، وأنها مسألة إيمان وكفر، إسلام وجاهلية، شرع وهوي، لا وسط بينهما ولا هدنه ولا صلح[112].

غير أن هذا المفهوم ليس علي إطلاقه لأنه لم يتعرض لوظيفة الإنسان المستخلف تجاه مبدأ الحاكمية ولهذا نجـده يتحدث عن حاكمية شعبية مقيدة بالحاكمية الإلهية، وهي ما اصطلح ” المودودي ” عليها بالخلافة، وهي ليست مفوضة ونائبة عن السلطة الإلهية، فهي ليست حق فرد من الأفراد أو أسرة من الأسر أو طبقة من الطبقات، وإنما هي حق لجميع من يسلمون بحاكمية الله ويؤمنون بعلو القانون الإلهي الذي جاءهم مـن عنـد الله تعالـي بواسطة أنبيائه ورسله”[113].

لذلك نجد أنه قد تناول من خلال فكرة ” الحاكمية الشعبية المقيدة بالحاكمية الإلهية ” التمييز بين حكومة الشعب المتمثلة في فكرة ” الديمقراطية الغربية ” كمنهاج للحكم، حيث تكون السلطة للشعب، وبين فكرة الحكومة ” الإلهية الثيوقراطية ” الإسلامية كمفهوم بديل للديمقراطية، وقد حاول – المودودي – ابتداع اصطلاح جديد ينسجم مع خصائص نظام الخلافة الإسلامية فيقول : ” ولو سمحتم لي بابتداع مصطلح جديد لآثرت كلمة ” الثيوقراطية الديمقراطية ” أو الحكومة ” الإلهية الديمقراطية “، لأنه يخول المسلمين حاكمية شعبية مقيدة تحت سلطة الله القاهرة وحكمه الذي لا يُـغلب “[114].

الفــرع الثــالــث: الانتقادات الموجهــة لمفهوم الحاكميــة

لقد وجهت لأفكار ” المودودي ” ونظريته السياسية عن الحاكمية العديد من سهام النقد، فعلي الرغم من الخطوات الجادة التي خطاها ” المودودي ” في صياغة نظرية الإسلام السياسية من خلال مبدأ الحـاكمية الإلهية إلا أن محاولته جاءت منسوجة علي نفس منوال النظرية الغربية كونها أبقت علـي نفس المصطلحات البنائية في الغرب مستبدلاً مضامينها فقط، وكأنه قام بعملية إسقاط ومقابلة دون أن يخوض في شرح النظرية الإسلامية بصياغة إسلامية مستقلة في مصطلحاتها البنائية.

فالمودودي لم يسلم مـن التأثـر بالمصطلحات الرائجة في الفكر الغربي وإن سلم من مضامينها، حيث حـاول تقريب النظريـة السياسية الإسلامية بعد تجريدها مـن المضامين التي تخالف القيم الإسلامية مـع محاولته أن يصوغها بلغة العصر الحديثة المتداولة حتى تكـون واضحـة لدي الناس مـن باب تقريب الفهم وتحديد الخطاب السياسي الإسلامي، وكان يهدف من وراء ذلك جملة أهداف منها[115] :

– تـوظيف المصطلح السياسي الغربي فـي المنظومة السياسية الإسلامية لتقريب الفـهم وإيصـال الخطاب السياسي الإسلامي إلي الرأي العام.

– تعـرية المصطلحات الغربية مـن المضامين التي تخالف مبادئ الإسلام، ومحـاولة إصباغهـا بصبغة إسلامية تتفق مـع قـواعد الدين الإسلامي.

– سهولة نقد الفكر الغربي السياسي بأحداث مقابلة بينه وبين الفكر السياسي الإسلامـي فـي مضامين المصطلحات.

ومـن ثـم خلص ” المودودي ” إلي أن النظام السياسي الإسلامي يختلف عن النظام السياسي الغربي وإن تشابهت المصطلحات، فإن المضامين مختلفة، وهذا ما أدي بالمودودي إلي محاولة ابتداع مصطلحات جديدة.

أيضاً قيل في نقد مفهوم فكرة الحاكمية في الفكر الإسلامي المعاصر خاصة عند دعاة الإسلام السياسي هو حصر تطبيق الإسلام علي إقامة الحكومة الإسلامية، وهو الفهم المنافي لحقيقة المنهج الإسلامي في التغيير، فمن الأخطاء الشائعة تصوير الإسلام بأنه مجرد مجموعة من القوانين التي تضبط حركة المجتمع المسلم من خلال تطبيق الحدود كدليل علي تطبيق الشريعة، وهو الخطأ الأشد خطراً.

فحقيقة الإسلام إنه عقيدة وشريعة وسلوك، فهو دين ودنيا ودولة، ومن ثم يصبح الالتزام بالإسلام آفاقاً تتجاوز السياسة والحكومة، بل تتجاوز كونه قانون مُلزم مرتبط بجزاء يوقع علي المخالف، وبناءً علي ذلك تعتبر الحكومة أحدي دعامات ومقومات البناء الإسلامي وليست الدعامة الوحيدة[116].

أيضاً يعتبر تطبيق الحدود الشرعية أحد عناصر تحقيق المشروع الإسلامي، ولكنه ليس العنصر الرئيسي، بل هناك عناصر أهم في الأولوية والترتيب كقضية الحريات التي يجب أن تُضمن للإنسان، لأن من الخطأ الاعتقاد أن مستقبل الإسلام منفصل عن مستقبل المسلم، فصفحات التاريخ شاهدة بفصيح اللسان وصريح البيان كما تكونون يكون دينكم وولاتكم، وإذا كانت الحرية والديمقراطية كقيمة شورية هما معيار قياس درجة التقدم أو الانحطاط فإن الأولوية في إقامة المشروع الإسلامي ستكون لهما.

وجماعاً لما سبق، فإننا نعتقد أنه لا يمكن اعتبار مضمون الحاكمية الإلهية هو بعينه مضمون مبدأ المشروعية الإسلامية، لأن في ذلك نوع من الإسقاط غير المحسوب لما فيه من مجازفة وخطر في تطبيقاته علي مستوي الواقع، لأن المبالغة في اعتبار الأبعاد العقائدية للحاكمية من خلال ربطها بقضايا أصول الدين يجعل أحكامها متعلقة بالكفر والإيمان، وليس بالصواب والخطأ.

الفـــرع الرابــــع: الحاكمية كمعيار لمشروعية السلطة في النظام الإسلامي

إن شرعية السلطة في الدولة الإسلامية رهناً في قيامها والتزامها بالعمل علي إعمال حاكمية الله المتمثل في سيادة الشريعة، فهي بالنسبة لها شرط بقاء وشرط ابتداء، ثم هي رهن بعد ذلك باستهدافها تحقيق مصالح الرعية، وبهذا يتقرر أن السلطة في الإسلام مقيدة في أعلاها إلي أدناها في تصرفاتها بالأحكام التي جاء بها الشارع الحكيم، لذلك فإننا سنتناول مدي الالتزام بالحاكمية كمعيار لمشروعية السلطة في النظام الإسلامي من خلال النقطتين الآتيين :

أولاً : طبيعة السلطة في الإسلام

لا تختلف السلطة في النظام الإسلامي عن باقي أفراد المجتمع من خضوعها لقانون شريعة عامة لا يملك الحكام مخالفتها، ولا تملك الأمة ذاتها تعديلها أو تبديلها، لذلك تُـعد الدولة الإسلامية التي ارسي نواتها الأولي الرسول صلي الله عليه وسلم فور قدومه إلي المدينة المنورة ومـع وضعه لأول دستور فيها ” وثيقة المدينة ” هي أول دولة قانونية دستورية بالمعني الصحيح، فأول معرفة للبشرية لخضوع الدولة للقانون كان مع ظهور الإسلام وتأسيس دولته في المدينة[117].

فهي أول دولة قانونية دستورية بالمعني الصحيح، لأن أول معرفة للبشرية لخضوع الدولة للقانون كان مع ظهور الإسلام وتأسيس دولته في المدينة، فخضوع السلطة في النظام الإسلامي للقانون هو خضوع حقيقي جدي، فهو ليس ذلك الخضوع الخيالي غير المحدد القائم علي فكرة القانون الطبيعي الذي يحوي قواعد أزلية في شأنها مطلقة في عدالتها يخضع لها الجميع[118].

ومن ثم فإن النظام الإسلامي يكون قد ارسي بذلك – وقبل فقهاء القانون الطبيعي بقرون – مبدأ وجود قواعد قانونية عامة تسمو علي القوانين الوضعية، والتي هي جوهر الفكرة التي تقوم عليها المشروعية العليا في النظام الإسلامي، ولم يكن للنظام الإسلامي فضل السبق فقط بل يعتبر قد تناول هذه المسألة بصورة واقعية ملموسةوأكثر تحديداً من فكرة القانون الطبيعي، ومرجعنا في ذلك أن المبادئ والأحكام التي يتضمنها القرآن والسنة تُـعد في مرتبة أسمي وأعلي من القوانين الوضعية، ومن ثم فإن هذه الأخيرة لا تملك أن تخالفها فهو قانون قائم كحقيقة لا خيال، وفضلا عن ذلك فهو قانون مدون[119].

لذلك يمكننا القول أن المشروعية التي يفتخر الفقه الحديث أنها السمة المميزة لأنظمتهم، فإن الأولي بهذا هو النظام الإسلامي فهو أول من ارسي لمبدأ المشروعية، والذي يجد أساسه في الإسلام ولا نجده في غيره من النظم المعاصرة، إذ يجب أن تكون تصرفات السلطة إزاء المواطن في كل الحالات وفي جميع الأحوال والظروف محكومة بمبدأ المشروعية، فالنظام الإسلامي هو بطبيعته نظام مقيد للسلطة تسوده المشروعية والقانون، وقد أخطأ من ظن أن النظام الإسلامي هو نظام مستبد مطلق.

فالسلطة العامة في النظام الإسلامي بشقيها – التشريعي والتنفيذي – مقيدة بالشريعة في مصدرها وهي النصوص الوجوبية من قرآن وسنة، والتي تشكل النطاق الدستوري للقرارات التشريعية والتنفيذية، إذ أن معظم الفقهاء متفقون علي أن إجماع أهل الحل والعقد الممثلين للأمة لابد له مـن سند في الشريعة في مصدرها الأول، وفـي ذلك يقول الآمدي : ” اتفق الجميع علي أن الأمة لا تجتمع علي الحكم إلا عن مأخذ ومستند يوجب اجتماعها خلافا لطائفة شاذة “[120].

ثانياً : تقييد السلطة في النظام الإسلامي

خلصنا فيما سبق بما لا يدع مجالا للشك أن النظام الإسلامي هو نظام مقيد للسلطة تسوده المشروعية والقانون، وأنه ليس حكماً ثيوقراطياً كالذي عرفته اوروبا أيام الحكم الكنسي وكما هو معروف في الفكر الغربي، ومن اجل ترسيخ هذا المفهوم حاول بعض فقهاء الإسلام السياسي المحدثين أن يبلوروا فكرة خضوع الدولة للقانون ولمبدأ المشروعية، وكيف أن الإسلام كان من أول الشرائع التي قيدت سلطة الحكام وحرمتهم من حرية التصرف المطلق وألزمتهم بأن يحكموا في حدود معينة ليس لهم أن يتجاوزوها، وجعلتهم مسئولين عن عدوانهم وأخطائهم، وقد حاولوا صياغة هذه الأفكار في عدة نظريات ومبادئ شرعية لم تعرفها القوانين الوضعية، ومن هذه النظريات ” نظرية تقييد سلطة الحاكم “.

وهذه النظرية تجد سندها الشرعي في واجب وفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبحق الأمة في الشورى ومحاسبة الحكام[121]، وهي تقوم علي ثلاثة مبادئ أساسية :

1- وضع حدود وضوابط لسلطة الحاكم[122] :

أي الدولة المشروطة بالقواعد الدستورية العليا، فليس من سلطة الحاكم أن يفعل ما يشاء ويدع ما يشاء، وإنما هو فرد من الأمة اختير لقيادتها وعليه للأمة التزامات وله علي الأمة حقوق، وهو في أدائه لواجباته واستيفاء حقوقه مقيد بألا يخرج عن نصوص الشريعة أو روحها، وذلك مضمون المشروعية لقوله تعالـي : ” وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُوَلاَتَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْوَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْوَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ “[123]، وقوله تعالي : ” ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَاوَلاَتَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ “[124]، وعلي ذلك فإن ما أباحته الشريعة له فقد امتد سلطانه إليه وما حرمته الشريعة عليه فلا سلطان له عليه.

2 – مدي مسئولية الحاكم عن عدوانه وأخطائه في النظام الإسلامي[125] :

بعد أن بينت الشريعة واجبات الحاكم وحقوقه، وحددت سلطته بنصوصها، جعلته مسئولاً عن كل عمل يتجاوز به سلطاته سواء تعمد هذا العمل أو وقع فيه نتيجة إهماله، وهذا يتماشى ومنطق العقل، فما دام أن الحاكم مثله مثل الفرد العادي فمن الطبيعي تحقيقاً للعدالة والمساواة أن يسأل الحاكم عن كل عمل مخالف للشريعة، وهذا المبدأ ما عرفته الأنظمة الدستورية إلا حديثاً.

3- تخويل الأمة حق عزل الحاكم :

إن الخلافة أو الإمامة ما هي إلا عقد يختار فيه الشعب الإمام أو الخليفة ويلتزم له بالطاعة مقابل التزام الحاكم بالإشراف علي شئون الأمة وقيادتها، وينبني علي هذا المفهوم أن الحاكم الذي لا يقوم بالتزاماته أو يخرج علي حدودها فليس له أن ينتظر من الشعب السمع والطاعة، وعليه أن يتنحي عن مركزه لمن هو أقدر منه علي الحكم في حدود ما أنزل الله، فإن لم يتنح مختاراً نحاه شعبه مكرهاً وأختار غيره، وهذا الذي عليه نصوص الشريعة الصريحة، والتـي منهـا : ” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق “[126]، ” إنما الطاعة في المعروف “[127]، وهذا مصداقاً لقول النبي صلي الله عليه وسلم فـي ولاة الأمور : ” من أمركم منهم بمعصية فلا سمع ولا طاعة “[128].

ولأن هذه النصوص النبوية لم تكن مجرد نصوص تُتلي وإنما هي تعاليم تطبق، نجد أن صحابته صلي الله عليه وسلم وعوا ذلك جيداً وطبقوه فـي واقعهم العملي تطبيقاً جيداً، لذلك نجد أن الخليفة الأول ” أبو بكر الصديق ” رضي الله عنه يقول في أول خطاب له عقب توليه مسئولية الدولة وانتخابه خليفة للمسلمين يقول : ” أيها الناس لقـد وليت عليكم ولست بخيركم، إن أحسنت فأعينوني وإن أساءت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم “[129]، وعلي نفس الهـدي يسير الخليفة الثاني ” عمر بن الخطاب ” رضي الله عنه فنجده حريصاً علي إظهار معاني هـذه النصوص وتثبيتها في الأذهان، فنجده يقول رضي الله عنه : ” لوددت أني وإياكم في لجة البحر تذهب بنا شرقاً وغرباً، فلن يعجز الناس أن يولوا رجلاً منهم، إن استقام اتبعوه وان جنح قتلوه، فقال ” طلحة ” رضي الله عنه، ” وما عليك لو قلت وإن اعوج فاعزلوه “، فقال لا القتل أنكل لمن بعده “، ولعل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أراد أن ينكل بالحاكم الطائش ليكون لمن بعده عبره، ذلك أن التلاعب بمصير الجماعة مصيبة نكراء، لذلك فإن الإسلام يعتبر الحكم تكليفاً لا تشريفاً “[130].

ومما سبق نجد أن الإسلام وضع حدوداً وضوابط لتقييد سلطة الحاكم في وقت باتت فيه سلطة الحـاكمين علي المحكومين مطلقة، ونجد أيضاً أن سند النظرية من النصوص الشرعية جـاء عامـاً إلي آخر حدود العموم ومرن إلي آخر حدود المرونة، بحيث تطبق في كل زمان ومكان، ولا تضيق بمـا يمكن أن يستجد من حالات، وبذلك تكون الشريعة الإسلامية قد سبقت بنظريتها كل القوانين الوضعية فـي تقييد سلطة الحاكم وتعيين الأساس الذي تقوم عليه علاقة الحـاكمين بالمحكومين وفـي تقرير سلطان الأمة علـي الحكام.

لذلك يمكن القول أن القوانين الوضعية عندما قررت تقييد سلطة الحـاكم وإقرار المشروعية وحكومة الحرية كانت في ذلك تسير علي هدي من الشريعة الإسلامية، فتجعل الحد بين الحـكام والمحكومين وجـود دستور جامـد لا يقبل التعديل ويكرس ويبين حقوق الأفراد والجماعات، ويضع القيود علي الحكام ومختلف السلطات، وهو الحلم الذي يراود الفكر الدستوري بغية إيجاد أحسن الآليات لجعل الحرية تسمو علي السلطة وتحظي بالحماية المشمولة بالفاعلية والنفاذ، علي نحو ما هو مقرر في النظرية العامة للحقوق والحريات العامة في الشريعة الإسلامية والتي تعتبر مصادرها اسبق من الدولة والسلطة وتعتبر نصوصها دستوراً إسلامياً لا يقبل التعديل[131]، فالقرآن باعتباره القانون الأساسي في المجتمع الإسلامي يعتبر الركيزة اللازمة لقيام النظام الإسلامي[132]، مما يمكن معه تأكيد فضلالسبق الإسلامي في تقرير مبدأ المشروعية العليا، فالدولة في الإسلام وليدة القانون، فالقرآن هو الذي أوجد الدولة وحدد وظائفها ودورها، وكان وجوده اسبق من وجود الدولة[133].

هذا وقد حاول بعض الفقه المعاصر الكشف عن أساس خضوع الدولة للقانون الإسلامي بصياغة نظرية علي نسق النظريات التي قيلت في أساس خضوع السلطة للقانون في الفكـر الغـربي اسماها بنظرية ” الاستجابة لأمر الخالق “[134]، ومضمون هذه النظرية يقوم علي أساس أن السلطة ومصدرها ” الاستجابة لأمر الخالق “، والتي يمكن تكييفها بأنها امتثال لأمر الله العليم بما يصلح شأن خلقه أفراداً وجماعات، ويضمن لهم الخير في الدنيا والآخرة، وقد حدد الشارع الحكيم لهذه المصلحة قواعد أنزلها في آخر رسالة هبطت من السماء إلي الأرض وهي رسالة الإسلام الحنيف، والتي من أهم قواعدها وجوب الالتزام بقواعد عامة مجردة يخضع لها المحكومون ويتقيد بها الحكام، ومن هنا سميت ” بحاكمية الكتاب ” بدلاً من ” الحاكمية الإلهية “، وهذه الأخيرة تتحول إلي حاكمية بشرية تجري في إطار قراءة كتاب إلهي مطلق تنفذ السلطة المستخلفة تعاليمه أياً كان شكل نظام الحكم، فلا تسلط من أي أحد باسم ” الحق الإلهي “[135].

فإذا كان الراجح في الفكر الوضعي – علي النحو السابق تفصيله – إن أساس خضوع الدولة للقانون يرجع إلي جميع النظريات التي قيلت بهذا الشأن مجتمعة، فكلها صالحة لتقييد سلطة الدولة، فإن الفكر الإسلامي يرتكز في تحديد أساس السلطة علي نظرية ” الاستجابة لأمر الخالق ” ورقابة الأمة علي السلطة عن طريق قيام حكم الشورى علي أرض الواقع.

لذلك فإنه من المستقر في فقه السياسة الشرعية بأن الإمامة تنعقد بأحد وجهين، الاختيار من أهل الحـل والعقد، أو العهد من الإمام السابق مع تفويض الأمر في إمضائه أو إلغائه إلي الأمة، وعلي هذا لا تصلح النظريات السابقة لتحديد أساس خضوع الدولة الإسلامية للقانون لأن التشريع الإسلامي لا يكتسب أي صفة قانونية إلزامية من كونه تقنين لحقوق الفرد الطبيعية، ولا لأنه مطابق لمبادئ القانون الطبيعي، ولا لأنه يتوافق مع مقتضيات التضامن الاجتماعي، ولا لأنه التزام إرادي من الدولة نفسها، وإنما تحصل صفة الالتزام بخضوع الدولة للقانون كونه قانوناً إلهياً معبراً عن الإرادة الإلهية المسطورة في نصوص الكتاب والسنة والتشريعات المستنبطة منهما، ومن ثم فإن أساس التزام الدولة بالقانون الإلهي هو فضلاً عن الاستجابة لأمر الله وجود تشريع أساسي لهذه الدولة هو القرآن والسنة.[136]

وخلاصة ما سبقفإن سيادة الشرع في الفكر الإسلامي لا تعني ” الثيوقراطية ” التي لفظتها المجتمعات الغربية، لأنه لابد من التفريق بين مصدر السلطة السياسية ومصدر النظام القانوني في المذهبية الإسلامية، فالسلطة مصدرها الأمة والنظام القانوني مصدره الشرع، أي إنه إذا كانت الحجة القاطعة هي للشرع فإن سلطة التولية والرقابة والعزل للأمة والتي لها في إطار سيادة الشريعة مطلق الحق في ذلك.

المبحث الثالث: تقييم النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون وموقف الشريعة الإسلامية منها

النتيجة التي يمكن الوصول إليها بعد استعراض النظريات الأربعة التي حاول فيها فقهاء القانون العام أن يحددوا الأساس الذي تقوم عليه فكرة خضوع الدولة للقانون، نجد أن كل هذه النظريات قد وجه لها العديد من سهام النقد، لأن هذه النظريات باستثناء نظرية القانون الطبيعي أرادت أن تقيد السلطة بالقانون مع أن القانون من صنع السلطة، فكيف لها أن تتقيد به وهي تستطيع تعديله أو إلغائه في أي وقت، وأمام هذا التعدد في الأفكار والنظريات والاختلاف في الأسانيد، سنحاول أن نقيم هذه النظريات في محاولة لاستخلاص انسبها وأوقعها في إقامة مبدأ المشروعية.

وكما سبق لنا القول، فإن فقهاء القانون العام الإسلامي قد اجتهدوا أيضاً في محاولة إيجاد تفسير لخضوع الدولة للقانون، لذلك فإننا وقبل أن نتناول التصور الإسلامي لهذه المسألة في مبحث مستقل، فأننا سوف نتناول موقف الشريعة الإسلامية من هذه النظريات السابقة، لذلك فإننا – وبناءً علي ما سبق – سنقسم هذا المبحث إلي المطلبين الآتيين :

المطلب الأول : تقييم النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون فـي القانـون الوضعي.

المطلب الثاني : موقف الشريعة الإسلامية من النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون.

المــطــلـــب الأول: تقييم النظريات المفسرة لمبدأ خضوع الدولة للقانون في القانون الوضعي

الواقع يشير إلي أن مسألة تحديد سيادة الدولة من المسائل المعقدة الشائكة التي لم تجد لها حلاً قانونياً سليماً يمكن الاقتناع به والاعتماد عليه في حل إشكالية علاقة السلطة بالقانون من أجل حماية حرية الأفراد وحقوقهم[137].

ففي القرن الثامن عشر كان هناك تطور معين لطريقة تكوين المجتمع السياسي وطبيعته، مؤداه أن الفرد يدخل المجتمع لكي يهرب من قبضة حياته الطبيعية لكي ينظم علاقاته مع غيره من الأفراد[138]، وذلك من خلال عقد بينه وبين الحاكم يقبل بموجبه الخضوع لقواعد ضرورية للاستمرار في المجتمع، هذه القواعد هي القانون، ويترتب علي طبيعة هذه القوانين نفسها أن عمل الحكام لا يمكن أن يصل إلي مستواها إلا بتدخل لكي ينظم في إطار القوانين المصالح الجماعية، فالقانون هو الذي يحدد اختصاص الحكام ويبين وظائفهم ويحدد إمكانياتهم، ولكن في كل الأحوال يظل خارج عن سلطتهم، ولتحقيق هذا الهدف فإن الحل المنطقي الوحيد بالنسبة للسلطة التشريعية هو إبعادها عن الحكام وإعطائها للشعب يمارسها مباشرة وهذه هي وجهة نظر ” روسو “[139].

وإذا كان الشعب لا يستطيع أن يشرع بنفسه فإنه يمكنه إبعاد سلطة التشريع عن متناول الحكام أصحاب السلطة حتى يتحقق الضمان الكافي ضد الاستبداد، لكنهم لم ينجحوا في ذلك لأن هذا الإبعاد لم يكن بالقدر الكافي، إذ أن نواب الشعب أعضاء السلطة التشريعية لا يختلفون عن الحكام[140].

فما دام بوسع الفئة الحاكمة أو المتحكمة أن تصوغ الظلم قواعـد وتنسج الباطل قوانين، وتحكم الناس بشرعية زائفة تنتهك تحتها الحريات والحرمات، بل ترتكب باسمها الجرائم والآثام، فمهما قيل عن دور القانون الوضعي في حماية الحريات فإنه في نظر صانعه ليس أحسن حالاً من آلهة العجوة التي كان يصنعها العرب قبل الإسلام، يسجدون لها وإذا جاعوا أكلوها، فالسلطة التي لا تلبث أن تأكل بأفواهها ما صنعته بأيديها[141]، لذلك فإن أول خطوة نحـو جعل مبـدأ خضوع الدولة للقانـون قابلاً للتطبيق والتنفيذ لا يتأتي إلا بإجراءيـن :

الإجراء الأول :بإيجاد مصدر للقانون يكون بمنأى عن سلطات الحكام، إذ لا يمكن إخضاع السلطة للقانون طالما كان هذا القانون من صنعها، ولن يتحقق ذلك إلا إذا كان صاحب التشريع مستقل عن المنفذ استقلالاً تاماً مثل ما هو مقرر في النظام الإسلامي، فالحكم والتشريع لله والكل من بعده حاكماً ومحكوماً عابداً له مطيع، وهذه هي الشرعية المأمولة[142].

فالشرط الأساسي لإخضاع السلطة للقانون هو أن يكون القانون مصدره المستقل عن السلطة، وسابق علي وجودها بمعزل عن إرادتها، وهذه هي وجهة النظر في الفكر الدستوري الإسلامي، فالقانون أو الدستور في النظام الإسلامي مصدره الأساسي القرآن والسنة، وهو مصدر بعيد كل البعد عن السلطة السياسية لا تملك إلغاؤه أو تعديله[143].

الإجراء الثاني : هو تجزئة السلطة بين هيئات متخصصة، تشريعية وتنفيذية وقضائية، وهذه التجزئة تؤدي إلي تفادي الاستبداد الذي ينتج من تركيز السلطة بين يدي الحاكم ملكاً كان أو أميراً أو رئيساً.

إن تجزئة السلطة مصحوبة بتمكين كل سلطة من ممارسة رقابة علي السلطة الأخرى حتى لا تتعدي حدودها، لأن كل سلطة ستحرص علي ممارسة اختصاصها ولن تقبل أن تمارسه هيئة أخري، مما يضمن في النهاية احترام القواعد القانونية أياً كان مصدرها[144].

وبناءً علي ما سبق وإزاء التشبث الفقهي حول تحديد سلطة الدولة وتهذيبها، وإخفاق كل نظرية علي حدة في بيان القيود التي ترد علي سلطة الدولة، لذلك يصح الاستعانة بما ورد في هذه النظريات كلها من آراء سليمة كقيود علي سيادة الدولة.

ولعل اقرب النظريات الصالحة لحل هذه المشكلة هي نظرية التحديد الذاتي للسيادة، لأنها وعلي الرغم من الانتقادات التي وجهت إليها إلا إنها تعبر عن الواقع وحقيقة الحل بالنسبة لسيادة الدولة ومدي تقييدها، خاصة إذا كان إلي جوارها قيد آخر ذا أهمية كبري والمتمثل في قوة الرأي العام، فالرأي العام المستنير يستطيع أن يوقف الحكام عند حدهم، فهو اقوي سياج واثبت دعامة تقف عقبة في وجوههم، وتحول دون استبدادهم وطغيانهم[145].

المطلب الثـــانـــي: موقف الشريعة الإسلامية من النظريات المفسرة لخضوع الدولة للقانون

من خلال النظريات السابقة التي ظهرت في الفقه الوضعي لتحديد الأساس الذي يقوم عليه مبدأ خضوع الدولة للقانون نجد أنها تنقسم من حيث مضمونها إلي طائفتين[146]، طائفة تري أن القانون سابق علي وجود الدولة وأنه يسمو عليها، وتتضمن هذه الطائفة نظرية القانون الطبيعي وما تولد عنها من نظرية الحقوق الفردية فضلاً عن نظرية ” ديجي ” حول التضامن الاجتماعي.

والطائفة الثانية من هذه النظريات تري أن القانون مرتبط بالدولة وأنه لا يوجد انفصال بين السلطة والقانون، وإنهما يمثلان وجهان لعملة واحدة، ومن ثم فليس للقانون سبق علي الدولة فهي التي تمنح القاعدة القانونية القوة الإلزامية اللازمة لاحترامها بعد أن تقوم بوضعها، لذلك فإن القيود التي ترد علي نشاط الدولة إنما تنبع من ذات وجودها، والقانون الذي تخضع له نابع من إرادتها الذاتية كما عبرت عن ذلك نظرية التحديد الذاتي للسيادة.

إلا إنه ومهما يكن من أمر هذه النظريات المختلفة المفسرة لخضوع الدولة للقانون، بدأنابتحديد أساس خضوع الدولة الإسلامية للقانون في المبحث السابق، ومن ثم فإننا سنتبين موقف الشريعة الإسلامية من تلك النظريات الوضعية، وهل تصلح كأساس لخضوع الدولة الإسلامية للقانون أم أن فقهاء القانون العام الإسلامي نجحوا في صياغة نظرية خاصة بهم في تحديد تلك العلاقة.

تـري نظرية القانون الطبيعي إن قواعد هذا القانون سابق علي نشأة الدولة ومعبرة عن العدالة المطلقة، لهذا فإنه يجب علي الدولة أن تخضع لها، وهذا أمر لا يتفق مع جوهر الإسلام الذي جاء بالأحكام التي تتضمنها الشريعة الإسلامية الواجبة التطبيق في الدولة الإسلامية، فالإسلام لا يقر وجود قواعد قانونية سابقة علي أحكامـه مصدرها القانون الطبيعي، لأن القرآن الكريم والسنة النبوية يمثلان المصدر الأساسي للقواعد القانونية في الدولة الإسلامية[147].

فلا مجال في الشريعة الإسلامية لوجود حقوق طبيعية للإنسان سابقة في وجودها عن القانون، ويترتب علي هذا إن الشريعة الإسلامية هي أساس الحق وليس الحق هو أساس الشريعة، ومن ثم صح أن يوصف الحق بأنه ” منحة إلهية ” وليس صفة طبيعية للإنسان أو إن مصدرها ذات الإنسان، كما أنه ليس حق يُـخول للمجتمع، ولكن هذا لا يعني أن مبادئ القانون الطبيعي تخالف مقاصد الشريعة، بل هي موافقة في غالبيتها كونها موافقة لفطرة الإنسان وطبيعته[148].

لذلك يبدو ظاهراً أن نظرية القانون الطبيعي بمضمونها في الفكر الوضعي لا تصلح كأساس لخضوع الدولة الإسلامية للقانون لكونها فكرة خيالية ميتافيزيقية، فالطبيعة لا تخلق قانوناً أو حقوقاً، لذا يري البعض أنه كان الأولي بالمشرع العربي أن ينص ضمن مصادره التشريعية علي العدالة فقط دون القانون الطبيعي[149].

أما بالنسبة لنظرية الحقوق الفردية التي تقوم علي أساس أن هناك حقوقاً طبيعية للفرد نشأت معه والتصقت به منذ نشأته وقبل أن يوجد المجتمع، أي أنه يتمتع بها منذ حياة العزلة السابقة علي انضمامه إلي الجماعة السياسية وبقي محتفظاً بهذه الحقوق حينما انخرط في تلك الجماعة، لذا فنشأة الدولة كان بهدف حماية هذه الحقوق لا غير[150].

ويبدو ظاهراً أن هذا النوع من الحقوق لا يوجد في الإسلام، فليس في الإسلام للإنسان حقوق طبيعية سابقة علي وجود الجماعة ونشأة القانون، وإنما يستمد الفرد حقوقه في الدولة الإسلامية من قانونها وشريعتها[151].

فضلاً عن ذلك فإن طبيعة الحقوق التي للأفراد والتي يقول بها أنصار هذه النظرية غير محدودة، وهذا يثير تساؤل هام حول ما هي طبيعة هذه الحقوق ؟، وهل هي حقوق شخصية أم مدنية أم سياسية ؟، ثم كيف يتسنى لنا القول بوجود حقوق سياسية للفرد وهذه الحقوق لم تظهر إلا بوجود سلطة سياسية عندما انقسم الناس إلي فريقين،أحداهما حاكم والآخر محكوم[152].

ومع ذلك فإن مبادئ القانون الطبيعي وفكرة العدالة فكرة يمكن الاستغناء عنها بمبادئ الشريعة الإسلامية، لأن فكرة القانون الطبيعي والعدالة قد اهتدي إليها الإنسان بفطرته السليمة، وعندما أراد إسنادها إلي مصدر معين لم يجد إلا فكرة القانون السرمدي المستمد من الطبيعة[153]، لذلك كان من الأولي أن تحل كلمة الله محل الطبيعة لأن الطبيعة لا تخلق قانوناً أو حقوقاً خاصة، أن فكرة الإلهية واضحة كل الوضوح عند العرب والمسلمين[154]، لذلك كان من الأولي بالتشريعات العربية والإسلامية التي جعلت مبادئ الشريعة الإسلامية مصدراً رسمياً من مصادر القانون أن تستغني عن المصدر الرابع الذي أضافته مقتبساً من التشريعات الغربية وهو مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة[155].

فإذا كانت مبادئ الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً من مصادر التشريع فهي تحتوي بطبيعتها الدينية والخُـلقية علي مبادئ تقوم علي أسس العدالة والتراحم، بل إنها تقوم علي أسس أوسع من تلك المبادئ التي اقتبست مبادئ القانون الطبيعي وفكرة العدالة القائمة علي أساس فلسفي أو ديني، فمن غير المتصور أن يخلو كلام الله عز وجل ووحيه وأحاديث نبيه صلي الله عليه وسلم من القواعد القانونية التي تعادل هذه المبادئ التي توصلت إليها عقول الفلاسفة والفقهاء الغربيين[156].

وفيما يتعلق بنظرية التضامن الاجتماعي التي تقوم علي أساس أن القانون يرجع إلي مصدر اجتماعي يتمثل في الجماعة ومدي توافقه مع مستلزمات التضامن الاجتماعي، فإنها لا تتوافق مع طبيعة قواعد التشريع الإسلامي التي تكتسب صفة الإلزامية لكونها معبرة عن إرادة الله سواء مباشرة في القرآن أو بشكل غير مباشر في السنة النبوية[157]، وهو ما يخالف مقتضي نظرية التضامن الاجتماعي التي تقوم علي أساس المصدر غير الإرادي للقانون، أي عدم تدخل إرادة الحاكم في صنع القانون، فالقاعدة القانونية تكتسب الصفة الوضعية لا بسبب إصدارها بواسطة سلطة عامة ولكن بسبب اتفاقها مع مستلزمات التضامن الاجتماعي، وهذا ما يرفضه التشريع الإسلامي باعتباره تعبيراً عن الإرادة الإلهية التي تكسبه الصفة القانونية الإلزامية.

فالتشريعات الواردة في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لها صفة في التعبير عن إرادة الله سبحانه وتعالي، والتشريعات التي يسنها مجتهدو الإسلام فإنها تكون لها الصفة القانونية الإلزامية بسبب اعتبارها مستنبطة من نصوص التشريع الإلهي وروحها، وهي نصوص القرآن والسنة، فالمجتهد الإسلامي ليس حراً في أن يضع من التشريع ما يشاء، وإنما يقتصر في عمله التشريعي علي استمداد الأحكام الفرعية من أصولها السماوية في القرآن والسنة، وبذلك يكون عمله في حقيقة الأمر كاشفاً عن تلك الأحكام الفرعية لا منشأ لها[158].

فما يخرج عن المجتهد في الدولة الإسلامية لا يخرج عن أمرين، ما فيه نص وما لا فيه نص، بالنسبة لما فيه نص يكون عملهم تفهم النص وبيان حكمه الذي يدل عليه، وبالنسبة إلي ما لا نص فيه فعملهم قياسه علي ما فيه نص واستنباط حكمه بواسطة الاجتهاد وتخريج العلة وتحقيقها، فالدولة الإسلامية قانونها الأساسي الإلهي شرعة الله في كتابه وعلي لسان نبيه[159].

هذا من جانب، ومن جانب آخر فإن الأحكام الشرعية التي يستنبطها أولئك المجتهدون، وإن كانت تعتبر تشريعاً إلهياً باعتبار مصدرها ومرجعها إلا أنها تعتبر تشريعاً وضعياً باعتبار جهود المجتهدين في استمدادها واستنباطها، وبذلك يكون عمل المجتهد في دولة الإسلام هو الكشف عن الأحكام الفرعية عـن طريق البحث في مصادر التشريع الأصلية، أي القرآن والسنة[160].

ومما سبق نخلص إلي أن موقف الإسلام متباين بالنسبة للطائفة الأولي من النظريات الفقهية الوضعية المفسرة لخضوع الدولة للقانون.

وفيما يتعلق بالطائفة الثانية من هذه النظريات وهي المتمثلة في نظرية التحديد الذاتي للسلطة التي تفسر خضوع الدولة للقانون علي أساس أنه وليد إرادتها ونابع من ذاتها ومعبر عن سيادتها التي تتنافي مع خضوعها لقواعد قانونية من صنع سلطة أخري غيرها.

فهذه النظرية تتنافي مع جوهر الإسلام الذي تخضع دولته لقواعد وأحكام من صنع الله عز وجل، والتي تتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة بصفة أساسية[161]، ومن ثم فإن هذه النظرية لا تصلح لتفسير أساس خضوع الدولة الإسلامية للقانون كونها تري أن القواعد المنظمة للسلطات العامة لا يمكن أن تكون إلا من صنع الدولة، فسيادة الدولة كما تقول هذه النظرية تتنافي مع فكرة تقييدها بواسطة سلطة خارجية، في حين أن القواعد العامة التي تحكم نشاط السلطات العامة في الدولة الإسلامية ليست من صنع هذه الدولة[162]، بل هي من صنع الله بصفة أساسية، لأن لها قانون أساسي إلهي هو القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، فشرعة الله في كتابه وعلي لسان نبيه[163]، وهي لا تمارس نشاطها إلا علي مضمون هذا القانون فهو كالظل بالنسبة لها[164].

إقرأ أيضاً: المشروعية الدستورية والتحول الديمقراطي


الهامش

[1]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – نظرية الدولة في الإسلام – طبعة 1986 – صفحة 168 ، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 413 ، 414 .

[2]– د. ثروت بدوي – مرجع سابق – صفحة 159 وما بعدها ، د. محمد كامل ليلة – النظم السياسية ” الدولة والحكومة ” – صفحة 219 وما بعدها ، د. يحيي الجمل – الأنظمة السياسية المعاصرة – صفحة 109 وما بعدها ، د. عثمان محمد عثمان – النظم السياسية والقانون الدستوري – صفحة 157 وما بعدها .

[3]– د. سعاد الشرقاوي – النظم السياسية في العالم المعاصر – دار النهضة العربية – الطبعة الثانية سنة 1982 – صفحة 92 .

[4]– د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 221 ، 222 .

[5]– د. محمود عاطف البنا – الوسيط في النظم السياسية ” الدولة – السلطة – الحقوق والحريات العامة ” – دار النشر للجامعات – جامعة القاهرة – طبعة 1995 – صفحة 116 ، 117 .

[6]– د. ماجد راغب الحلو – الدولة في ميزان الشريعة – دار المطبوعات الجامعية – طبعة 1994 – صفحة 73 .

[7]– أستاذنا الأستاذ الدكتور صلاح الدين فوزي – المحيط في النظم السياسية والقانون الدستوري – صفحة 154 ، د. محمد أنس جعفر ، د. عبد المجيد سليمان – الوجيز في القانون الدستوري – طبعة 2006 – هامش صفحة 76 .

[8]– د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 223 .

[9]– أستاذنا الأستاذ الدكتور صلاح الدين فوزي – مرجع سابق – صفحة 154 ، د. عبد الحكيم حسن العيلي – الحريات العامة في الفكر والنظام السياسي في الإسلام دار الفكر العربي – صفحة 16 ، 17 .

[10]– د. سليمان الطماوي – النظم السياسية والقانون الدستوري – طبعة 1988 – صفحة 54 .

[11]– د. يحيي الجمل – مرجع سابق – صفحة 113 ، د. إبراهيم عبد العزيز شيحا – مبادئ الأنظمة السياسية – صفحة 96 .

[12]– د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 222 .

[13]– د. محمد أنس جعفر ، د. عبد المجيد سليمان – الوجيز في النظم السياسية – طبعة 2006 – صفحة 77 .

[14]– أستاذنا الأستاذ الدكتور صلاح الدين فوزي – مرجع سابق – صفحة 155 .

[15]– د. محمود عاطف البنا – مرجع سابق – صفحة 121 .

[16]– د. محمد أبو زيد محمد – الوجيز في النظم السياسية – طبعة 2006 – صفحة 63 .

[17]– أستاذنا الأستاذ الدكتور صلاح الدين فوزي – مرجع سابق – صفحة 155 ، 156 .

[18]– د. سعيد بو شعير – مرجع سابق – صفحة 117 .

[19]– د. سليمان الطماوي – مرجع سابقصفحة 156 .

[20]– د. محسن العبودي – النظم السياسية – صفحة 70 .

[21]– د. طعيمة الجرف – مرجع سابق – صفحة 57 .

[22]– د. سليمان الطماوي – مرجع سابق – صفحة 49 ، 50 .

[23]– د. حسين عثمان محمد – النظم السياسية والقانون الدستوري – صفحة 166 .

[24]– د. محمد أبو زيد محمد – مرجع سابق – صفحة 65 .

[25]– أستاذنا الأستاذ الدكتور / صلاح الدين فوزي – مرجع سابق – صفحة 156 .

[26]– د. ثروت بدوي – النظم السياسية – صفحة 192 ، د. يحيي الجمل – الأنظمة السياسية العاصرة – صفحة 115 ، د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 240 .

[27]– د. سعيد بو شعير – مرجع سابق – صفحة 117 ، 118 .

[28]– د. سعاد الشرقاوي – مرجع سابق – صفحة 92 .

[29]– د. سليمان الطماوي – مرجع سابق – صفحة 51 .

[30]– د. إبراهيم عبد العزيز شيحا – مرجع سابق – صفحة 104 ، د. عثمان محمد عثمان – مرجع سابق – صفحة 168 .

[31]– د. محمد أنس جعفر ، د. عبد المجيد سليمان – مرجع سابق – صفحة 80 .

[32]– د. يحيي الجمل – مرجع سابق – صفحة 117 ، د. ثروت بدوي – مرجع سابق – صفحة 104 ، د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 242 .

[33]– د. إبراهيم عبد العزيز شيحا – مرجع سابق – صفحة 105 .

[34]– د. سليمان الطماوي – مرجع سابق – صفحة 52 .

[35]– د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 177 ، د. محسن العبودي – مرجع سابق – صفحة 70 .

[36]– د. محمد أنس جعفر ، د. عبد المجيد سليمان ،مرجع سابق – صفحة 80 .

[37]– د. سامي جمال الدين – النظم السياسية والقانون الدستوري – طبعة 2005 – صفحة 75 .

[38]– د. سليمان الطماوي – مرجع سابق – صفحة 51 ، 52 .

[39]– د. محمد أبو زيد محمد – مرجع سابق – صفحة 67 .

[40]– د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 243 ،Duguit ،DroitConstitutionnel،P.P 153

[41]– د. سليمان الطماوي – مرجع سابق – صفحة 53 .

[42]– د. يحيي الجمل – مرجع سابق – صفحة 119 .

[43]– د. محمود عاطف البنا – مرجع سابق – صفحة 129 : 132 .

[44]– د. طعيمة الجرف – مرجع سابق – صفحة 39 وما بعدها .

[45]– د. طعيمة الجرف – مرجع سابق – صفحة 17 .

[46]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – نظرية الدولة في الإسلام – دراسة مقارنة – الدار الجامعية بيروت طبعة 1986 – صفحة 170 ، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 416 .

[47]– أبو الأعلى المودودي – نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور – صفحة 77 .

[48]– د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 416 ، د. علي جريشة – مرجع سابق – صفحة 56 .

[49]– سورة النساء – الآية 36 .

[50]– أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – كتاب الإيمان – باب علامة الإيمان حب الأنصار – فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني – حديث رقم 18 – صفحة 83 ، وأخرجه النسائي في السنن الكبرى – الجزء الرابع – صفحة 253 ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد حديث صحيح – الجزء السادس – صفحة 49 .

[51]– د. مصطفي كمال وصفي –النظام الدستوري الإسلامي مقارناً بالنظم الوضعية – مكتبة وهبة – الطبعة الثانية سنة 1994 – صفحة 38 .

[52]– د. علي جريشة – المشروعية الإسلامية العليا – دار الوفاء للطباعة والنشر – الطبعة الثانية سنة 1986 – صفحة 55 .

[53]– د، مصطفي كمال وصفي – مرجع سابق – صفحة 37 : 40 .

[54] – سورة الإسراء – الآية 111 .

[55]– سورة التوبة – الآية 31 .

[56]– أخرجه الطبري حديث في تفسير الطبري – حديث رقم 16634 – الجزء 14 – صفحة 210 ، أخرجه الشوكاني في فتح القدير – وقال رواه ابن سعد والبيهقي في سننه والترمذي وحسنه ابن المنذر – الجزء الأول – صفحة 568 .

[57] – علي سبيل المثال ، د. فؤاد النادي – مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون في الفقه الإسلامي ، د. مصطفي كمال وصفي – مبدأ المشروعية في النظام الإسلامي ، د. علي جريشة – المشروعية الإسلامية العليا ، د. عبد الجليل محمد علي – مبدأ المشروعية في النظام الإسلامي والأنظمة القانونية المعاصرة .

[58]– د. مصطفي كمال وصفي – المشروعية في النظام الإسلامي – طبعة 1970 – صفحة ، د. فؤاد النادي – مبدأ المشروعية وضوابط خضوع الدولة للقانون في الفكر الإسلامي – طبعة 1973 ، صفحة .

[59]– د. هشام أحمدجعفر عوض – الأبعاد السياسية للمفهوم الحاكمية – صفحة 87 .

[60] – د. هشام أحمد جعفر – مرجع سابق – صفحة 89 .

[61]– د. طه جابر علواني – حاكمية إلهية أم حاكمية كتاب – مقدمة كتاب ” الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية ” د. هشام أحمد جعفر – صفحة 22 وما بعدها .

[62] – د. حسن لحساسنة – الحاكمية في الفكر الإسلامي – إصدار كتاب الأمة – العدد 118 – السنة 27 – صفحة 27 .

[63]– القاموس المحيط للفيروز بادي – الجزء الرابع – صفحة 98 ، لسان العرب لابن منظور – الجزء 12 – صفحة 140 .

[64]– المصدر الصناعي يطلق علي كل لفظ جامد أو مشتق ، اسم أو غير اسم زيد في آخره حرفان هما ياء مشددة بعدها تاء تأنيث مربوطة ، ليصير بعد زيادة الحرفين اسماً دالاً علي معني مجرد لم يكن يدل عليه بعد الزيادة ، وهذا المعني الجديد هو مجموعة الصفات الخاصة بذلك اللفظ – النحو الوافي – عباس حسن – دار المعارف القاهرة – الطبعة الرابعة – الجزء الثالث صفحة 181 .

[65] – الشيخ عبد الوهاب خلاف – أصول الفقه – مكتبة الدعوة الإسلامية ” شباب الأزهر ” – الطبعة السابعة سنة 1956– صفحة 24 .

[66] – د. هشام أحمد جعفر – مرجع سابق – صفحة 57 وما بعدها .

[67] – سورة غافر – الآية 48 .

[68]– تفسير الطبري – الجزء 13 – صفحة 73 .

[69] – سورة المائدة – الآية 50 .

[70]– معجم الفاظ القرآن الكريم – صادر عن مجمع اللغة العربية – طبعة 1988 – الجزء الأول – صفحة 311 .

[71] – سورة مريم – الآية 12 .

[72]– الكشاف عن غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل للزمخشري – دار الريان – القاهرة – الطبعة الثالثة سنة 1987 – الجزء الرابع – صفحة 171 .

[73] – سورة البقرة – الآية 269 .

[74]– تذكرة الأريب في تفسير غريب القرآن لابن الجوزي – مكتبة المعارف – الرياض – الطبعة الأولي سنة 1982 – الجزء الأول – صفحة 82 .

[75]– تفسير غريب القرآن لابن قتيبية – دار الكتب العلمية – بيروت طبعة سنة 1978 – صفحة 32 .

[76] – سورة الشعراء – الآية 83 .

[77]– تفسير الطبري – الجزء 11 – صفحة 86 .

[78] – سورة النساء – الآية 113 .

[79]– تفسير غريب الحديث لابن حجر العسقلاني – صفحة 73 .

[80] – سورة يوسف – الآية 40 .

[81] – سورة المائدة – الآية 1 .

[82]– زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي – المكتب الإسلامي بيروت الطبعة الرابعة سنة 1987 – الجزء الثاني – صفحة 270 .

[83] – سورة النساء – الآية 60 .

[84]– معاني القرآن الكريم لأبو جعفر النحاس – الجزء الثاني – صفحة 111 .

[85] – سورة البقرة – الآية 188 .

[86]– تفسير القرطبي – الجزء الثاني – صفحة 338 .

[87] – د. هشام أحمد جعفر – مرجع سابق – صفحة 32 ، د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 50 .

[88]– أخرجه البخاري في صحيحه – كتاب المغازي – باب مرجع النبي صلي الله عليه من الأحزاب ومخرجه إلي بني قريظة ومحاصرته إياهم – حديث رقم 3895 – فتح الباري – صفحة 476 ، وأخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الجهاد والسير – باب جواز قتال من نقض العهد وجواز إنزال اهل الحصن علي حكم حاكم عدل أهل للحكم – حديث رقم 1769 .

[89]– صحيح مسلم بشرح النووي – الجزء 12 – صفحة 92 .

[90] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 64 .

[91] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 65 ، د. هشام أحمد جعفر – مرجع سابق – صفحة 32 .

[92] – الشيخ محمد أبو زهرة – اصول الفقه– دار الفكر العربي – صفحة 63 .

[93] – الإمام الغزالي – كتاب الاقتصاد في الاعتقاد – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولي سنة 1983– صفحة 134 ، د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 71 .

[94]– الإرشاد لإمام الحرمين الجويني – صفحة 410 .

[95]منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية – الجزء الأول – صفحة 70 .

[96] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 74 وما بعدها .

[97] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 76 : 78 .

[98]– أخرجه الإمام البخاري في صحيحه – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ – حديث رقم 6919 – صفحة 2676 ، وأخرجه مسلم في صحيحه – كتاب الأقضية – باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ – حديث رقم 1716 – صفحة 1342 .

[99] – القرطبي – الجامع في أحكام القرآن – الجزء العاشر – صفحة 294 .

[100] – الإمام الغزالي – كتاب الاقتصاد في الاعتقاد – دار الكتب العلمية – الطبعة الأولي سنة 1983 – صفحة 21 وما بعدها .

[101] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 91 وما بعدها .

[102] – أبو الأعلى المودودي – تدوين الدستور الإسلامي – صفحة 251 .

[103] – أبو الأعلى المودودي – نظرية الإسلام السياسية– دار الفكر – صفحة 31 .

[104] – سورة يوسف – الآية 40 .

[105] – سورة النحل – الآية 116 .

[106] – سورة المائدة – الآية 45 .

[107] – أبو الأعلى المودودي – مرجع سابق – صفحة 31 ، 32 .

[108] – أبو الأعلى المودودي – تدوين الدستور الإسلامي – صفحة 252 ، 253 .

[109]– أبو الأعلى المودودي – نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور – مؤسسة الرسالة – بيروت – طبعة 1969 – صفحة 33 .

[110] – د. محمد سليم العوا – في النظام السياسي للدولة الإسلامية – صفحة 326 .

[111] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 182 .

[112] – الأستاذ سيد قطب – معالم في الطريق – صفحة 52 ، في ظلال القرآن الكريم – تفسير سورة الأنعام – الجزء الثاني – صفحة 887

[113] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 59 .

[114] – أبو الأعلى المودودي – مرجع سابق – صفحة 35 .

[115] – د. حسن لحساسنة – مرجع سابق – صفحة 178 ،وما بعدها .

[116] – الأستاذ فهمي هويدي – القرآن والسلطان – دار الشروق – الطبعة الخامسة سنة 2003 – صفحة 137 وما بعدها .

[117] – د. ثروت بدوي – النظم السياسية – صفحة 115 .

[118] – د. فتحي عبد الكريم – مرجع سابق – صفحة 313 ، د. هشام أحمد جعفر – مرجع سابق – صفحة 87 .

[119] – د. أحمدكمال أبو المجد – نظرات حول الفقه الإسلامي – مطبوعات الإدارة العامة بالأزهر – طبعة 1962 – صفحة 24 ، د. يوسف القرضاوي – من فقه الدولة في الإسلام – صفحة 42 .

[120] – سيف الدين الآمدي – الإحكام في أصول الأحكام – صفحة 150 .

[121] – د. محمد سليم العوا – مرجع سابق – صفحة 230 .

[122] – المستشار عبد القادر عودة –التشريع الجنائي في الإسلام مقارنا بالقانون الوضعي – الجزء الأول –صفحة 42 .

[123] – سورة المائدة – الآية 49 .

[124]– سورة الجاثية – الآية 18 .

[125]– المستشار عبد القادر عودة – مرجع سابق – صفحة 43 .

[126]– أخرجه الإمام احمد بن حنبل في المسند – مسند العشرة المبشرين بالجنة – مسند البصريين – حديث رقم 20153 – صفحة 20132 ، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير – حديث رقم 14999 – صفحة 571 .

[127]– أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد – الجزء العاشر – صفحة 271 ، وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير – حديث رقم 9903 وقال حديث صحيح ، وأخرجه الشوكاني في السيل الجرار – الجزء الثاني – صفحة 55 – وقال حديث صحيح ، وصححه الألباني في صحيح الجامع – حديث رقم 7520 .

[128]– أخرجهالإمام مسلم في الجامع الصحيح – كتاب الإمارة – الجزء الثالث – الحديث رقم 1839 – صفحة 1429 .

[129]– سبق إخراجه صفحة 27 .

[130]– الشيخ محمد الغزالي – الإسلام والاستبداد السياسي – الطبعة السادسة سنة 2005 – دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع – صفحة 161 .

[131]– الأستاذ عبد القادر عوده – مرجع سابق – صفحة 46 .

[132]– د. عبد الجليل علي – مرجع سابق – صفحة 240 .

[133]– د. أحمد عبد المنعم – مبدأ المشروعية الدعامة الأولي لحق الأمن الفردي في الدولة الإسلامية – صفحة 95 .

[134]– د. ماجد راغب الحلو – الدولة في ميزان الشريعة – دار المطبوعات الجامعية – طبعة 1994 – صفحة 74 .

[135]– د. هشام أحمد جعفر – الأبعاد السياسية للمفهوم الحاكمية – صفحة 22 ، 23 .

[136]– د. أحمد حداد عافية – مبدأ المشروعية في الدولة الإسلامية – رسالة دكتوراه – كلية الحقوق – جامعة طنطا سنة 2006 – صفحة 573 .

[137]– د. محمد كامل ليلة – النظم السياسية – صفحة 257 ، د. يحيي الجمل – الأنظمة السياسية المعاصرة – صفحة 119 .

[138]– د. فتحي عبد الكريم – الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي – صفحة 308 .

[139]– د. طعيمة الجرف – مرجع سابق – صفحة 64 ،G. Burdeau ، Science Politique، P.P 230

[140]– د. فتحي عبد الكريم – الدولة والسيادة في الفقه الإسلامي – صفحة 309 .

[141]– د. علي جريشة – المشروعية الإسلامية العليا – صفحة 18 ، 19 .

[142]– د. علي جريشة – مرجع سابق – صفحة 19 .

[143]– د. فتحي عبد الكريم – مرجع سابق – صفحة 310 .

[144]– د. سعاد الشرقاوي – مرجع سابق – صفحة 93 .

[145]– أستاذنا الأستاذ الدكتور صلاح الدين فوزي – مرجع سابق – صفحة 158 ، د. محمد كامل ليلة – مرجع سابق – صفحة 258 .

[146]-د. عبد الغني بسيوني عبد الله – نظرية الدولة في الإسلام – صفحة 168 ، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – النظرية الإسلامية للدولة – صفحة 413 ، 414 .

[147]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – مرجع سابق – صفحة 168 .

[148]– د. فتحي الدريني – الحق ومدي سلطة الدولة في تقييده – صفحة 212 .

[149]– د. محمد عبد الجواد محمد – بحوث في الشريعة والقانون مقارنة بأصول الفقه – منشأة المعارف بالإسكندرية – طبعة 1991- صفحة 156 .

[150]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – مرجع سابق – صفحة 169 .

[151]– د. علي محمد حسين – رقابة الأمة علي الحكام – صفحة 86 ، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 414 .

[152]– د. علي محمد حسين – مرجع سابق – صفحة 86 .

[153]– د. محمد عبد الجواد محمد – بحوث في الشريعة والقانون مقارنة بأصول الفقه – منشأة المعارف بالإسكندرية – طبعة 1991 – صفحة 150 .

[154]– د. علي محمد حسين – مرجع سابق – صفحة 88 .

[155]– د. محمد حسين – الوجيز في مبادئ القانون – طبعة 1998 – صفحة 45 ، 46 .

[156]– د. محمد عبد الجواد محمد – بحوث في الشريعة والقانون مقارنة بأصول الفقه – منشأة المعارف بالإسكندرية – طبعة 1991 – صفحة 153 .

[157]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – مرجع سابق – صفحة 169 .

[158]– د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 415 وما بعدها .

[159]– الشيخ عبد الوهاب خلاف – السياسية الشرعية في نظام الدولة الإسلامية – صفحة 42 .

[160]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – مرجع سابق – صفحة 169 .

[161]– د. عبد الغني بسيوني عبد الله – مرجع سابق – صفحة 170 .

[162]– د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 414 .

[163]– الشيخ عبد الوهاب خلاف – السياسية الشرعية في نظام الدولة الإسلامية – صفحة 41 .

[164]– د. حازم عبد المتعال الصعيدي – مرجع سابق – صفحة 415 .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى