الإسلاموفوبيا والكراهية للإسلام: ما بعد مذبحة نيوزلندا
اعتبرت العديد من الشخصيات الأكاديمية الدولية والحقوقية والمهتمين بحقوق الانسان ومن ضمنهم الامين العام للأمم المتحدة الهجمات على المساجد في نيوزلندا مؤشرا على تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في العالم الغربي، خاصة مع تنامي تيار اليمين المتطرف والأحزاب الشعبوية في اوروبا؛ فالمذبحة التي شهدها مسجدان في نيوزيلندا اليوم ليست سوى حلقة في سلسلة دموية من الجرائم المروعة التي ترتكب ضد المسلمين ماهي الخلفيات والاسباب المسببة للحادث وماهي مآلاتها المستقبلية .
قبل كل شيء يجب قراءة الحادث ضمن سياق احداث سبقته، ففي 28 يناير/كانون الثاني 2017 التهم حريق معظم مسجد في بلدة فيكتوريا قرب مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية، إثر قرارات أصدرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب تستهدف المسلمين واللاجئين. وبعدها بيوم، قُتل ستة أشخاص -على الأقل- في إطلاق نار على مسجد بمقاطعة كيبيك الكندية. وشهدت لندن في 19 يونيو/حزيران 2017 حادث دهس استهدف مصلين قرب مسجد، أسفر عن مقتل شخص وإصابة عشرة أشخاص.
وفي 28 سبتمبر/أيلول 2016 انفجرت عبوة ناسفة في مسجد بمدينة دريسدن الألمانية، وبعدها بشهرين كتب عنصريون متطرفون شعارات معادية للمسلمين على جدران مسجد بمدينة بوردو الفرنسية.
واليوم تعيش نيوزيلندا صدمة مروعة، بعدما بث يميني متطرف على فيسبوك مباشرة المذبحة التي نفذها في مسجدين بمدينة كرايست تشيرتش أثناء خطبة الجمعة، متسببا في مقتل 49 شخصا وإصابة نحو خمسين آخرين، بينهم أطفال.
في تصورنا ان اسلاموفوبیا، وهي ظاهرة معادة الاسلام والمسلمين اذا لم يضع لها الحد ويعالج بطريقة علمية وتدرك كل ابعادها السياسية والفكرية ستجلب حرب ابادة جديدة على البشرية في اوروبا.
يقول المحللون لظاهرة الجينوسايد ان كل حدث وقع فيها ابادة الجماعات الاجتماعية والعرقية والدينية سبقتها حملات معرفية ودعاية منظمة وسياسة مخططة مرسومة تستند على اسس اخلاقية ودينية وتاريخية لخدمة مشروع الابادة واساس كل هذه زرع الحقد الدفين وتجريد المقابل المستهدف من انسانيته وتصويره كخطر على البشرية وعلى الجماعة.
كما تنص اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 ، “في جميع فترات التاريخ ، تسببت الإبادة الجماعية في خسائر فادحة في البشرية” ومع ذلك ، فقد أطلق على القرن العشرين “قرن الإبادة الجماعية” بسبب ارتفاع عدد حالات الإبادة الجماعية خلال تلك الفترة الزمنية. لغرض هذا المقال ، سيتم أخذ تعريف الإبادة الجماعية من اتفاقية الإبادة الجماعية ، التي تعرف الإبادة الجماعية بأنها “نية لتدمير ، كليا أو جزئيا ، مجموعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية”. يرى بعض الكتاب الإبادة الجماعية للأرمن والمحرقة لليهود في المانيا النازية والإبادة الجماعية في رواندا هي الإبادة الجماعية الثلاث في القرن العشرين التي تتناسب مع هذا التعريف.
الابادة الجماعية صناعة غربية ونتيجة حتمية للتنوير الغربي:
صاغ رافائيل ليمكين مصطلح “إبادة جماعية” في الأربعينيات من القرن الماضي مع وضع الهولوكوست في الاعتبار ، مما يعني بالنسبة له عودة الناس المستنير إلى الهمجية. وبالمثل ، يرى فوستر أن الهولوكوست بمثابة انحراف لأمة مستنيرة ومتطورة. ومع ذلك ، هناك علماء آخرون يجادلون بأن الإبادة الجماعية ليست استثناءً من التنوير ولكنها في الحقيقة نتيجة لذلك. ان مُثُل التنوير ، التي هي التحرر البشري والعقلانية ، تنفر البشر من الطبيعة وتؤدي إلى رغبة الرجال في السيطرة على الطبيعة ، وبدورهم ، الأشخاص الآخرين أيضًا. واستمرارًا لهذه الفكرة بعد أكثر من عقد من الزمان ، يقترح احد الباحثون أنه منذ عصر التنوير ، فإن إبادة الناس تعمل على تأسيس مجتمع مثالي. جلب التنوير معه الإيمان بالتطور التطوري نحو مجتمع أفضل من خلال هندسة الدولة ( و). تم استخدام “البستنة” و “الطب الحديث” كإستعارات للمهام الإنسانية التي من شأنها تحسين المجتمع. في العالم المستنير ، يمكن أن تصبح الدولة “يوتوبيا رائعة”) من خلال “تصميم وزراعة وتسمم الأعشاب”. إنها فكرة حديثة أن كل شيء يمكن قياسه وتصنيفه ، حتى “العرق” وشخصيته هذا التصنيف للأجناس ، إلى جانب الفكرة الحديثة عن مجتمع دائم التحسن ، يؤدي إلى أفكار اجتماعية الداروينية لبقاء الأصلح.
Horkheimer, Max and Theodor W. Adorno. 1973. Dialectic of Enlightenment. London: Allen Lane ,
Kaye, James and Bo Stråth, eds. 2000. Enlightenment and Genocide, Contradictions of Modernity. Bruxelles: P.I.E.-Peter Lang.
وهذا ما ذهب اليه الفيلسوف المصري د. عبد الوهاب المسيرى في كتابه ، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ، قاهرة 2002..في صدد حديثه عن الهندسة الصهيونية في ابادة شعب فلسطين.
كان يُنظر إلى الأرمن ، واليهود والتوتسي في راوندا على أنهم مجموعات لا قيمة لها تقف بين السكان وتحقيق هذا المجتمع المثالي. لذلك ، في ذهن المفكر “العقلاني والمستنير” ، كانت أهدافًا مشروعة للإبادة “التطهير” للدولة من خلال الإبادة الجماعية ينعكس في لغة الإبادة الجماعية. أطلق على الأرمن “ميكروبات السل” وسأل سياسي محلي بلاغة “أليس من واجب الطبيب أن يدمر هذه الميكروبات؟” Balakian, Peter. 2008. ‘The Armenian Genocide and the modern age’. The Sydney Papers: 144-161. . تحدث هتلر عن “الفيروس اليهودي” وأنه “من خلال القضاء على الآفة ، [سيفعل] خدمة الإنسانية”. لم تستخدم المصطلحات الطبية فقط لتبرير عمليات القتل. ويمكن أيضا العثور على استعارات البستنة. في رواندا ، كان يطلق على تقطيع رجال التوتسي “إزالة الأشجار” ، وقد تم وصف ذبح النساء والأطفال على أنهم “يزيلون جذور الأعشاب الضارة” هذه الأمثلة الثلاثة تدعم نظرية بومان القائلة بأن التنوير أحدث فكرة القدرة على هندسة الحالة المثالية اجتماعيًا. وبالتالي تم تبرير الإبادة الجماعية بفكرة “تطهير” الدولة من خلال المهام التي سيستخدمها طبيب أو بستاني لتحسين هيئة أو حديقة غير صحية.
Bauman, Zygmunt. 1989. Modernity and the Holocaust. Ithaca: Cornell University Press.
وصرح عصمت اينونو رئيس وزراء تركيا في عام 1925 للسفير البريطاني في انقرة ” ان الكرد شعب متخلف والتأكيد على الحقوق القومية الكردية ما هي الا اصرار على التخلف الاجتماعي واذا رفضوا الانصياع للدولة وحركة التمدن الكمالية سيكون مستقبلهم مستقبل الهنود الحمر” اي الابادة الجماعية. ( عثمان علي ، دراسات في الحركة الكردية المعاصرة ، اربيل 2006 ،ص 212 ). وقبل حرب الانفال على الكرد صور الاعلام البعثي داخليا وخارجيا الكرد بمثابة سرطان في طريق حزب البعث لبناء امه عربية متحررة وموحدة وكان هناك من العرب من المفكرين والساسة من برر لمذابح حلبجة وانفال ولم تحرك لهم ساكنة او ضمير حين عرض الصور البشعة لمذابح حلبحة . لان جرد الكرد من انسانيتهم ولم يكن الكرد في تصور هؤلاء الا اكوام من الكتل البشرية تستخدمهم ايران ضد بطل العروبة ومنقذ الامة صدام حسين.
بطبيعة الحال ، لن تنحدر كل أمة مستنيرة إلى الإبادة الجماعية. هناك عوامل أخرى تؤثر على ميل الدولة للإبادة الجماعية. حسب ، فإن أحد المؤشرات المهمة لاحتمال الإبادة الجماعية في المستقبل هو حالة حياة صعبة ، مثل الحرب أو الأزمة الاقتصادية. يجادل بعض الباحثون بأنه خلال أوقات المشقة ، يشعر البشر بالحاجة لحماية أنفسهم ، مما قد يؤدي إلى فقدان الاحترام لمجموعة أخرى أو إلقاء اللوم على هذه المجموعة في الظروف الحالية. في كثير من الأحيان ، هناك تاريخ من العداوات القديمة العهد تجاه المجموعة التي يتم إلقاء اللوم عليها[1].
ان للاسلاموفوبيا عوامل اخرى منها التطرف والارهاب في الاسلام السياسي الحديث الشمولي ( اسلامو-فاشية) التي جسدته السلفية الجهادية كما تمثلت في القاعدة والداعش وبكو حرام النيجيري وحكومة طالبان السنية ودولة ولاية الفقيه في ايران والميلشيات الشيعية التي ارتكبت جرائم بحق البشرية في سورية والعراق. وقد تم تصوير هذه الحركات بكونها متأصلة في الاسلام بل هي الاسلام بعينه علما ان هذه الحركات المتطرفة هي حركات بعيدة عن الوسطية الاسلامية التي هي الميزة الاساسية للحركات السياسية ذات التأصيل الاسلامي وليس لداعش او القاعدة مؤسسه شرعية اسلامية في العالم الاسلامي او علماء معتبرين للتنظير لهم. وأن 28 من قادة داعش مثلا من 29 شخص في القيادة كانوا أعضاء سابقين في الجهاز الامني البعثي في العراق حسب جريدة دير شبيغل 12 مايو 2017. ووظف الاعلام الغربي خاصة الاعلام المتعاطف مع اسرائيل كل طاقاتها لإبراز الجرائم البشعة للداعش وكأنها جرائم يقرها الإسلام، وأنها جزء من الجهاد العالمي للسيطرة على اوروبا والغرب. وسخرت الحركة الدينية الهندية المتطرفة الحاكمة والمتحالفة مع اسرائيل كل طاقاتها لخدمة الجهود الرامية لتمثيل الاسلام كقوة شر وساهمت مساهمة غير قليلة في خلق اسلاموفوبیا.
الشعبوية والتطرف الديني واليمين المتطرف واسلاموفوبيا
يرى الاستاذ ريناس بنافي في لندن ان نظرية “الاستبدال الكبير” تساهم مساهمة غير قليلة في صنع اسلاموفوبيا.
انتشرت في أوساط اليمين واليمين المتطرف بشكل كبير، وتقول تلك النظرية إنه كنتيجة للهجرة سيتم استبدال السكان الأصليين بغرباء غير أوروبيين يخربون هوية البلاد، كان لهذه النظرية أيضًا صدى في حركة “بيغيدا” الألمانية، واسمها بالكامل يعني “أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب”.
فضح هذه الخرافات قد يكون عملًا شاقًا، فمشاعر الكراهية تتفوق على النهج العقلاني وتكتسح أي حقائق موثقة، ويبدو الأمر أكثر صعوبة عندما يتم تجاهل أو نسيان تاريخ أوروبا الطويل في الحركة الإنسانية المستمرة واختلاط الثقافات، فعلى سبيل المثال، دائمًا ما يُقال إن وصول العرب والمسلمين إلى فرنسا بدأ عندما تطلبت جهود الإعمار بعد الحرب العالمية الثانية عمالة جديدة، أو بعد استقلال الجزائر عام 1962 (رغم أن الجزائريين كانوا في فرنسا منذ أكثر من قرن)، يقول المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا إن التحدي الحقيقي للهجرة هو “تحدي معرفة الآخر” والذي يسير في كلا الاتجاهين.
ويبدو ان عنوان هذه النظرية مستوحى من نظرية للكاتب الفرنسي رونو كامو بشأن اندثار “الشعوب الأوربية”، التي “تستَبدَل” بشعوب غير أوربية مهاجرة. وباتت هذه النظرية منتشرة بشدة في أوساط اليمين المتطرف.
وفي صدد تعليقه على الجريمة قال عضو البرلمان النيوزلندي وعضو اليمين المتطرف ان الحادث تعير عن وجود استياء لوجود المسلمين في اوروبا.
البعد التاريخي في حركة اسلاموفوبيا:
هناك الكثير من الادلة في التاريخ المعاصر والحديث تدل على ان الغرب تعيش صراع العلمنة الشمولية التي تعادي الدين ولكنها لم تتحرر من تراثها السلبي المعادي للآخر (غير الغربي). فمثلا صنف صموئيل هانتغتن الصراعات المستقبلية يكونها صراع حضارات واحد هذه الصراعات الصراع الاسلامي والمسيحي-اليهودي. وان الشخص الذي نفذ الجريمة في المسجد اشار في رسالته الى عدد من الحوادث التاريخية مثل حصار الحيش العثماني ل فينا في القرن الثامن عشر وكذلك وصول القوات المسلمة الى جنوب فرنسا في قرن الثامن الميلادي. واشار مرتكب الجريمة الى شخصيات تاريخية غربية تصدت للإسلام قديما وحديثا لذلك لا بمكن انكار البعد التاريخي المتجسد بالصليبية الجديدة في نمو اسلاموفوبيا.
نشر برينتون تارانت، المنفذ لهجوم المسجدين في مدينة كرايست تشيرش النيوزيلندية، عشية الهجوم بيانا على وسائل التواصل الاجتماعي، دعا من خلاله إلى قتل المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وذكرت صحيفة ” heute” النمساوية أن المهاجم الأسترالي برينتون تارانت البالغ 28 عاما نشر بيانا على وسائل التواصل الاجتماعي يحرض على القتل. كما ذكر القاتل في بيانه عن جملة من القضايا وأبرزها السعي لخلق خلاف بين أعضاء حلف الناتو الأوروبيين وتركيا، بهدف إعادتها إلى مكانتها الطبيعية كقوة غريبة ومعادية. كما كتب تارانت عن دوافع جريمته ومن أبرزها قضية تدفق المهاجرين المسلمين إلى الدول الغربية ودعا إلى إيقاف هجرة المسلمين وسمى الأمر بـ”الغزو” وذكر بـ”الإبادة الجماعية للبيض”.
وأكد المهاجم أن أفعاله جاءت انتقاما لـملايين الأوروبيين الذين قتلهم الغزاة الأجانب عبر التاريخ وآلاف الأوروبيين الذين قضوا في هجمات إرهابية على الأراضي الأوروبية. وذكر تارانت عن سبب اختياره لنيوزيلندا كمكان للعملية على أنه أراد من ذلك توجيه رسالة “للغزاة” أنهم ليس بمأمن حتى في أبعد بقاع الأرض. وأشار تارانت أنه لا يشعر بالندم ويتمنى فقط أن يستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة وأنه ليس هناك من بريء بين المستهدفين لأن كل من يغزو أرض الغير يتحمل تبعات فعلته. كما تكلم تارانت عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي اعتبره رمزا للهوية البيضاء المتجددة والهدف المشترك[2].