fbpx
سياسةالسياسات العامة

الإطار التشريعي والقانوني للإدارة المحلية في مصر بعد 2013

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة:

تحاول هذه الدراسة تقديم رصد لأبرز الأطر القانونية والتشريعية التي صدرت بين عامي 2013 و2021، والتي قد تتداخل مع العمل المحلي ونطاق اختصاصات مؤسسات الإدارة المحلية. كذلك تسعى لمحاولة رسم خريطة لأبرز الفاعلين والمؤسسات الذين يتقاطع عملهم ووجودهم مع العمل المحلي في مصر منذ 2013 والتي يغيب عنها مجالس محلية شعبية منذ يناير 2011 وإلى اليوم. ذلك في الوقت الذي تضمن فيه دستور 2014 نصا صريحا على وجود مرحلة انتقالية منذ إقرار الدستور تمتد لخمس سنوات يعقبها تحول مصر إلى نظام اللامركزية على نطاق الحكم المحلي. انقضت سبع سنوات منذ ذلك الحين دون أن يلوح في الأفق أية بوادر تُفيد بقرب إصدار أي تشريع لتنظيم الحكم المحلي في مصر، وهو أمر متوقع في ظل الموقف العام للدولة من السياسة بشكل إجمالي والعمل السياسي تحديدا. 

ميراث ثورة يناير كمحدد هيكلي:

حازت قضايا الحكم المحلي اهتماما واضحا في مصر في السنوات القليلة السابقة على اندلاع ثورة يناير 2011، توافقا مع محاولات نظام مبارك للترويج لوجود موجة من الإصلاحات السياسية فيما تلى 2005. وقد كان طرح قضايا الحكم المحلي أو المحليات متوافقا مع طرح أفكار ومجهودات للإصلاح والتطوير الإداري للجهاز الحكومي، وهي الأفكار التي تعززت بتزايد حضور التكنوقراط في حكومات نظام مبارك الأخيرة.

مع مجيء ثورة يناير 2011، كانت الأنظار تتطلع إلى المحليات/ المجالس المحلية باعتبارها المختبر الأول لإعداد الكوادر السياسية ومحاولة تأطير مشاركة المواطنين في الشأن العام في حيز مؤسسي تجاوزا لممارسة الفعل السياسي المباشر من التظاهر والاحتجاج أثناء ثورة يناير وما تلاها، وكذلك تأطيرا واستفادة من تجارب اللجان الشعبية التي انخرطت في الإدارة اليومية للأحياء بشكل طبيعي ومبهر في مختلف المدن المصرية حينها، وبالطبع كنطاق يسمح بترجمة مباشرة لمكتسبات الثورة من خلال تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين من خلال العمل المحلي.

وقد كان لذلك صدى لدى مختلف الفاعلين المجتمعين والسياسيين سواء كانوا أحزاب سياسية، أو سياسيين أفراد، وخبراء فنيين في مجال الإدارة المحلية، وكذلك اللجان الشعبية والمبادرات المجتمعية المعنية بالعمل المحلي; والذين سعوا لإبداء العديد من المقترحات والتواصل مع صانعي القرار للوصول لإطار تشريعي مستقبلي للإدارة المحلية. كان من نتاج ذلك ظهور العديد من مشروعات القوانين على الساحة في ذلك الوقت وإن تفاوتت درجة تكاملها وتبلورها.

وبرغم التغييرات السياسية المكثفة التي شهدتها مصر منذ 2011 مرورا بـ 2013 وحتى نهاية 2021، إلا أن يد التغيير لم تطل القانون المنظم للإدارة المحلية برقم 43 لسنة 1979 بشكل عميق- فمازال ساريا حتى الآن- باستثناء تدخلات محدودة من المجلس العسكري في عام 2011 لتعديل القانون. أصدر المجلس العسكري مرسومين بقانون رقم 115 لسنة 2011 و116 لسنة 2011. قضى مرسوم 116 بحل المجالس الشعبية المحلية في المحافظات وغيرها من وحدات الإدارة المحلية، مع تشكيل مجالس مؤقتة بديلة في المحافظات لمدة عام أو لحين عقد انتخابات محلية أيهما أقرب. وتتولي هذه المجالس المؤقتة كافة اختصاصات المجالس المحلية المنحلة في المسائل الضرورية والعاجلة لإدارة عمليات التنمية وتلبية مطالب المواطنين طبقا للخطة الاستثمارية للمحافظة والمشاركة المجتمعية وبما يحقق سير المرافق العامة بانتظام واطراد في نطاق المحافظة.

حظي المرسوم رقم 116 بشهرة واسعة لحله المجالس المحلية، إلا أن مرسوما آخر مكمل له ومعدلا لقانون الإدارة المحلية لا يقل أهمية وإن لم يحظ بمثل الشهرة، وهو مرسوم رقم 115 لسنة 2011 والذي أنشأ إدارة للتفتيش والمتابعة في وزارة الإدارة المحلية للتفتيش الفني والإداري على العاملين بالإدارة المحلية ومتابعة أعمالهم، مع منح أعضائها الضبطية القضائية لملاحقة الجرائم التي يرتكبها العاملون في الوحدات المحلية والمتعلقة بأعمالهم. الآن، بعد عقد كامل من الثورة يبدو أن القرارين مكملين لبعضهما البعض، كما يبدو أنهما مفتاحين في فهم الكثير من معالجة ملف الإدارة المحلية في مصر منذ تلك اللحظة وحتى الآن.

ففي الوقت الذي استقبل فيه العديد حل المجالس المحلية بحفاوة باعتباره أحد جهود تفكيك النظام القديم ومحاصرة قواعده وأحد أبرز قنوات ممارسته للزبائنية والمحاسبية- المحليات- إلا أن الهدف الأعمق من المرسومين – إلى جانب احتواء المد الثوري- كان إعادة هيكلة الإدارة المحلية بما يحمي أجهزة الدولة. انصب الهدف الأساسي للمرسومين في تكهين الأذرع السياسية والتمثيلية الشعبية للإدارة المحلية وعدم السماح بوجود قنوات متشعبة جغرافيا-وحدات الإدارة المحلية- تدفع للضغط على أجهزة الدولة والنظام للتغيير والهيكلة، خاصة لتداخل عمل وحدات الإدارة المحلية مع مديريات وأفرع الوزارات المختلفة في المحافظات، بما يجعل أجهزة الدولة أكثر انكشافا. ويُتبع هذا التكهين مركزة العمل المحلي ليُصبح قاصرا على الدولة دون منازع ممثلة في وزارة الإدارة المحلية – كشق تنفيذي- مع التوسع في الإجراءات العقابية والتأديبية من خلال تفعيل الضبطية القضائية.

لم يخل الأمر من إشارات قد تبدو هامشية إلا أنها شديدة الدلالة، حيث كان أحد صور ترجمة هذا الهدف السابق هو تغيير مسمى وزارة الإدارة المحلية لتُصبح وزارة “التنمية المحلية”، وهو ما يعكس لحد بعيد الرؤية التي تبنتها الدولة حينها وإلى الآن، باعتبار أن مجال العمل المحلي يجب أن يكون مجالا تنفيذيا، فنيا، وغير سياسي.

في أكثر لحظات العمل السياسي والعام انفتاحا في الفترة من 2011-2013، لم تسمح حالة الاستقطاب بأن تحظ ملفات الإدارة المحلية بالجدية الكافية في المستويات الرسمية والسياسية الوطنية، ومن ثم غابت النوايا الجادة لإصدار تشريعات خاصة لتنظيم الحكم المحلي أو الإدارة المحلية في تلك الفترة لتراجعها في قائمة الأولويات. ولم يتجاوز الأمر مجرد مقترحات بمشروعات قوانين للإدارة المحلية من فاعلين متنوعين دون زخم كاف وحقيقي لتمريرها.

وقد كان لطبيعة سياق ما بعد انقلاب يونيو 2013 دوره في تراجع أولوية إصدار تشريع منظم للإدارة المحلية، نظرا لتراجع العمل السياسي العام والذي بدوره انعكس على مستوى المحليات. حيث كان القرار الاستراتيجي ومازال، هو تسويف الأطر التمثيلية المحلية أطول وقت ممكن، خشية أي ثغرات قد تسمح بالتغيير في المدى البعيد وكذلك لاعتبارات عملية تتعلق بغياب المقدرة الكافية لدى النظام على إحكام السيطرة على انتخابات قاعدية مثل تلك.

إلا أن الأمر لا يخلو من بعدا عقائديا حيث كان لتوجهات النظام الأمنية والكوادر المنتمية بالأساس لأجهزة الأمن دورا في هذا التراجع. سواء بالنظر لطبيعة التحديات الأمنية الوجودية التي كان يواجهها النظام في ذلك الحين بعد يونيو 2013 مباشرة، أو لقناعة كوادر النظام – أو التي يتم تصديرها على الأقل- والتي ترى في دعاوى مثل العمل المحلي، والمجالس المحلية أو اللامركزية تنويعات ومفردات متنوعة لجوهر واحد وهو تفكيك الدولة والفيدرالية. أو كما عبر عن ذلك موقع وزارة التنمية المحلية في استعراضه لمشروع/ مبادرة حياة كريمة “….حيث تم تطبيق المرحلة العاجلة من البرنامج بتاريخ 1 أكتوبر 2014 مركزيا اعتمادا على الجهات الحكومية ممثلة في وزارة التنمية المحلية والدفاع والمحافظات حتى تستعيد الدولة المركزية لعافيتها وقوتها ثم يتم إعطاء المشروع لأصحابه الأصليين من أبناء القرى لتطبيق نظام اللامركزية طبقا لما ورد بالدستور وتفعيل دور المشاركة الشعبية والمجتمعية في تنفيذ أهداف البرنامج لاستكمال أعمال التطوير والتنمية بالقرية المصرية”.[1]

قد يُسهم ما سبق في تفسير غياب تشريع واحد متكامل إلى الآن لتنظيم المحليات في مصر/ بخاصة المجالس المحلية. لكن لا يخلو المشهد من بعض التشريعات المحدودة المرتبطة بالمحليات أو بمعني أدق التنظيم المحلي بشكل مباشر ولكن جزئي. ويسعى الجزء التالي لاستعراض أبرز التشريعات وثيقة الصلة بملف العمل المحلي، والتشريعات التي تستدعي وجود وحدات الإدارة المحلية بحكم نطاق عملها وتنظيمها، والتي تُركز بالأساس على الإدارة العامة والفنية الدقيقة للمجالات المختلفة دون أي مضمون مرتبط بالصلاحيات والاختصاصات.

التعديلات التشريعية ذات الصلة المباشرة بالعمل المحلي:

من أبرز التعديلات ذات الصلة والتي لم تلق بالا هي تعديلات قانون العمد والمشايخ رقم 58 لسنة 1979. وبرغم عدم جوهرية التعديلات، لكنها تظل كاشفة عن القواعد المستقرة في هذا تنظيم هذا المستوى المحلي. شهد القانون عدد من التعديلات المتكررة منذ 2012 مرورا ببدايات 2013 و2015 وأخيرا 2016.

في تعديل عام 2015 الصادر برقم 114 انصب الهدف على تعديل تشكيل اللجان القائمة على عملية ترشيح وانتخاب العمد والمشايخ والقائمة بوزارة الداخلية. فقد أعاد التعديل تشكيل اللجنة القائمة بفحص طلبات الترشيح لتشمل: نائب مدير الأمن كرئيس، وقاض تختاره الجمعية العمومية للمحكمة التي تقع في دائرتها القرية محل الوظيفة الشاغرة بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى، ومدير إدارة البحث الجنائي بمديرية الأمن، ومفتش قطاع مصلحة الأمن العام ومفتش قطاع الأمن الوطني. كذلك نص التعديل على قيام وزارة الداخلية بالفصل في تظلمات الترشيح لمنصب العمدة أو الشيخ. وكذلك تضمن التعديل إعادة تشكيل لجنة العمد والمشايخ والتي تتواجد في كل مديرية أمن لتضم في عضويتها: مدير الأمن كرئيس، وعضوية رئيس نيابة يختاره النائب العام ويوافق عليه مجلس القضاء الأعلى، ومدير إدارة البحث الجنائي بالمديرية، مفتش قطاع مصلحة الأمن العام، مفتش قطاع الأمن الوطني، أقدم اثنين من عمد قرى المركز الذي تتبعه القرية المعروض أمرها على اللجنة.

يكشف التعديل، وكذلك القانون الأصلي عن طبيعة التوغل الأمني في إدارة ملف العمد والمشايخ في مصر، ومسئولية وزارة الداخلية بالأساس عنه. كما أنه يُعبر عن تركيبة الحكم وقت صدور التعديل- عام 2015- والتي انعكست في تشكيل اللجان القائمة بالمحافظات على إدارة عملية الترشيح والانتخاب، حيث احتلت المؤسسة الأمنية والقضاء الصدارة في هذا الصدد.

أتُبع هذا التعديل لقانون العمد والمشايخ بتعديل آخر برقم 70 لسنة 2016، وهو لم يأت بجديد على صعيد إدارة عمليات الانتخاب والترشيح، لكن كان بدى بالأساس كجزء من مجهودات أجهزة الدولة الحالية لبناء قواعد بيانات دقيقة عن المواطنين. نص التعديل على تقسيم القرى لوحدات أصغر وهي الحصص “بما يسمح بمحاولات التنظيم الإداري واستيعاب التطورات في عمل الحكومة بشكل كاف ومهيمن ورابط لقواعد البيانات الإلكترونية” ويكون لهذه الحصص قوائم بأسماء السكان ببيانات الرقم القومي. إلى جانب “خدمة الهيمنة وربط البيانات” فقد أعاد التعديل النظر في تشكيل لجنة العمد بوزارة الداخلية لتسمح بتواجد ممثل عن وزارة التنمية المحلية بعد أن كان مستبعدا بالكلية من التشكيل القديم، مع ضم التشكيل لممثل عن وزارة الدفاع (قطاع المخابرات العسكرية) مع التوسع في تشكيل اللجنة لتضم ممثلين عن قطاعات أخرى من وزارة الداخلية بعد أن كانت منصبة على القيادات الأمنية فقط، ليُصبح بين الأعضاء مساعد وزير الداخلية للشئون الإدارية ومساعد الوزير لقطاع الشئون القانونية، ومدير الإدارة العامة للشئون الإدارية، وممثل عن مصلحة الأمن العام، ومدير شئون العمد والمشايخ بالإدارة العامة للشئون الإدارية، إلى جانب ممثل لوزارة العدل.

وتضمن التعديل نصا يجعل من مدير الأمن هو المسئول عن إنزال العقاب بالعمد والمشايخ في حالات الإهمال أو الجرائم المخلة بالشرف، مع ترك صلاحية إحالة العمدة إلى لجنة المشايخ والعُمد لتوقيع عقاب أشد. وبرغم التحسينات التي قد تبدو في التعديلين في تشكيل لجان العمد والمشايخ، أو التنازل عن شرط الجنس/ النوع في المرشح لمنصب العمدة، ليبقى فقط شرط الجنسية المصرية، وكذلك منع الازدواجية من خلال إلزام التعديل أي من العمد أو المشايخ المرشحين لانتخابات المجالس المحلية في نطاق تعيينهم بتقديم استقالاتهم من وظيفتهم; إلا أنهما بقيا مؤكدين على هيمنة وزارة الداخلية على هذا الملف وإدارته، وفصل هذا الملف عن باقي شئون الإدارة المحلية.

وفي نطاق متماس مع اختصاصات الإدارة المحلية يأتي قانون تنظيم بناء وترميم الكنائس رقم 80 لسنة 2016، والذي يُعد الكود الذي سيتم الرجوع له فيما يتعلق ببناء الكنائس وترميمها في نطاق الوحدات المحلية والتجمعات العمرانية الجديدة والتجمعات السكنية التي يصدر بتحديدها قرار من وزير الإسكان المختص. وفقا للقانون في مادتيه 4 و 5 تصبح من صلاحيات المحافظين منح تراخيص بناء أو هدم الكنائس وملاحقاتهم، مع البت في طلبات الترخيص. وبرغم ما يبدو أنه اقتناص لمساحات حركة إضافية للإدارة المحلية في ملف بناء الكنائس الذي يخضع لمواءمات سياسية واجتماعية وأمنية أكبر إلا أن المادة 8 من القانون تُعزز من الاعتقاد بأن منح التراخيص من خلال وزارة الإدارة المحلية لا يعدو أن يكون أمرا هامشيا، وكذلك الاعتقاد بأن التسامح في إدارة هذا الملف مرتبط بترتيبات مستقبلية حول تنظيم المدن وتقليل الأهمية النسبية للمدن القديمة وإداراتها في مقابل التجمعات العمرانية الجديدة/ المدن الجديدة والتي يُفترض أن ينتقل لها الثقل السياسي والاقتصادي والمجتمعي. فوفقا للمادة تُرك أمر توفيق أوضاع المباني الكنسية القائمة بالفعل وقت إصدار القانون لقرارات مجلس الوزراء.

أما على مستوى الإدارة اليومية للمدن والخدمات فيها، فقد صدر قانون تنظيم وتشجيع عمل وحدات الطعام المتنقلة الصادر برقم 92 لسنة 2018 يقع القانون في نطاق اختصاص وصلاحيات وحدات الإدارة المحلية المختصة والأجهزة المختصة بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة والجهات الإدارية التي يتم تفويضها في ذلك. يُمكن فهم هذا القانون في ضوء هدف أكبر وهو ضم الممارسات الاقتصادية غير الرسمية إلى الاقتصاد الرسمي، وضم مواردها في خزينة الدولة، وكذلك إبقائها محل المراقبة والمتابعة. وهو ما يبدو في محاولة تقنين وحدات/ عربات الطعام المتنقلة من خلال اشتراط حصولها على تراخيص لعملها، بمقابل مالي بالطبع. وتتفاوت رسوم الترخيص التي تتفاوت تبعا لمدة الترخيص ونوع العربة/ الوحدة والتي يقوم وزير التنمية المحلية على تحديدها.

وكتعبير عن النمط الاقتصادي المتدخل السائد في مصر، فنص القانون على إمكانية أن تقوم الجمعيات والمؤسسات الأهلية بدور الوسيط في استخراج التراخيص من وزارة التنمية المحلية أو الجهات الإدارية المختصة لصالح وحدات الطعام المتنقلة، أو من خلال الصناديق المعنية بالمشروعات الخدمية والتنموية، حيث تُعد هذه العربات –وفقا للرؤية الرسمية- أحد صور المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. كما أتاح القانون إمكانية أن تقوم هذه الجمعيات/ الوسطاء بتأجير وتمليك وحدات الطعام المرخص بها أو تمليكها تبعا لحق الانتفاع، في محاولة لدمجها في أنماط الاقتصاد الحديثة. ونص القانون على قيام المحافظ ورئيس الجهاز المختص بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة بتحديد الأماكن والأحياء التي يسمح فيها بوجود وحدات الطعام المتنقلة بها. وتُرك أمر اللائحة التنفيذية لهذا القانون لوزير التنمية المحلية الذي أصدرها في عام 2019 برقم 111 لتفصيل تطبيقات القانون. 

اتصالا بمحاولات مأسسة القطاع غير الرسمي، وتعظيم الموارد المالية المتحققة منه، نجد قانون رقم 150 لسنة 2020 الخاص بتنظيم مسألة انتظار المركبات في شوارع المحافظات وأجهزة المدن التابعة لهيئة لمجتمعات العمرانية الجديدة، والذي قنن مسألة منح ترخيص/ رخصة مزاولة نشاط تنظيم انتظار المركبات في الشارع، ومنع ممارسة هذا النشاط دونها في الشوارع التابعة للمحافظات وأجهزة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ولدى أصحاب استغلال أماكن انتظار المركبات. وقد استحدث القانون لجنة بكل محافظة أو جهاز مدينة في حالة المدن التابعة لهيئة المجتمعات العمرانية لتنظيم مسألة تنظيم انتظار المركبات في الشوارع وفقا لهذا القانون. وعلى غرار مشروع عربات الطعام، تُركت اللائحة التنفيذية لقانون المركبات لوزارة التنمية المحلية لإصدارها، وهو ما كان في بداية عام 2021 بقرار رقم 5، والتي نحت إلى تفصيل قيمة الرسوم لممارسة انتظار المركبات ونطاقها الجغرافي، وبيان حقوق الاستغلال والانتفاع المقررة وفقا لهذه التقسيمة والفئات.

حركة القرارات واللوائح داخل وزارة التنمية المحلية منذ 2013 – 2021

التراجع التشريعي لم يكن فقط على مستوى عدم إصدار تشريع متكامل لتنظيم المحليات، لكنه امتد كذلك إلى محدودية القرارات الصادرة من وزارة التنمية المحلية. والمحدودية تعني هنا المحدودية الكمية، والنوعية كذلك. حيث أن التتبع للحركة اللائحية والتنظيم القانوني على مستوى القرارات الوزارية لوزارة التنمية المحلية يعكس أنماط بعينها من القرارات التي أصدرتها الوزارة والتي تعكس لحد بعيد محدودية دور الوزارة وتأكيد انغماسها بالكلية في كيانات أخرى.

بشكل جزافي وتقريبي يُمكن حصر القرارات الصادرة عن الوزارة في ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى والتي تركزت في الأعوام من 2011- 2015:

يصل عددها التقريبي إلى 18 قرار، منصبة على التعاونيات الإنتاجية الموجودة بالمحافظات المختلفة، بين حل بعضها وتصفية أموالها، وبين تعيين مجالس إدارة مؤقتة لها لإداراتها وتصحيح أوضاعها وتنشيطها. وهي القرارات التي كان إصدارها ترتيبا على صلاحيات واختصاصات وزير الإدارة المحلية الممنوحة له وفقا لقانون التعاون الإنتاجي رقم 110 لسنة 1975، والذي كان يعد من أبرز نطاقات اختصاصات وزير الإدارة المحلية، وإن لم يحظ بنفس الاهتمام على الرغم من كونه محل التفعيل والسريان إلى يومنا هذا. وإلى جانب صلاحيات الحل والتصفية وتعيين مجالس إدارة مؤقتة التي تم تفعيلها، يمتلك وزير الإدارة المحلية صلاحية تعيين عدد من العاملين بالوحدات المحلية بهذه التعاونيات وفي إدارة الاتحاد التعاوني الإنتاجي المركزي. الملاحظ على هذه القرارات أنها لم تكن إلا تقريرا لوقائع على الأرض ولا تعكس صلاحيات حقيقية بالنظر لواقع التراجع الاقتصادي الذي ترك آثاره بالتبعية على الحرف اليدوية والمهنية التي تعني بها التعاونيات أما بانحسارها، أو محاولة إنقاذها من خلال تعيين مجالس إدارة تتولى تصويب مسارها.

المجموعة الثانية من القرارات الوزارية لوزير التنمية المحلية:

وهي قرارات نزع ملكية العقارات والأراضي لصالح مشروعات المنفعة العامة والتي هي انعكاس للسياسة العليا الخاصة بالتخطيط العمراني والتوسع الحضري. حيث تعمل هذه القرارات وفقا لتوالي بعينه يبدأ غالبا بإصدار رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء لقرارات مقررة للمشروعات النفع العام، ويأتي دور وزير التنمية المحلية والمحافظين في نزع ملكية العقارات والأراضي الواقع في نطاق المشروع المزمع تنفيذه. وقد شهد قانون نزع الملكية للمنفعة العامة (قانون رقم 10 لسنة 1991) تعديلا مرتبط بصلاحيات المحافظين، وهو قانون رقم 24 لسنة 2018 والذي أتاح للمحافظ المختص بناء على طلب الجهة المختصة في حالة حصول غرق أو قطع جسر أو تفشي وباء وسائر الأحوال الطارئة أو المستعجلة أن يأمر بالاستيلاء مؤقتا على العقارات اللازمة لإجراء أعمال الترميم أو الوقاية أو غيرها.

المجموعة الثالثة

والخاصة بتنظيم مواعيد إغلاق وفتح المحال العامة والتجارية وتنظيمها أثناء فترة جائحة كوفيد – 19، وهو تطبيقا لقوانين تم إصدارها بالفعل بخصوص توقيتات الحظر والغلق للبلاد. إلى جانب ما استجد من قوانين أخرى ذات ارتباط بالوزارة والوحدات المحلية مثل قانون البناء وتصالح مخالفات البناء رقم 17 لسنة 2019. والذي لقى توجيها مباشرا من رئيس الجمهورية بإزالة التعديات على أملاك الدولة، من خلال توجيه المحافظين للقيام بحملات إزالة.

التهميش والعمل من خلال الكيانات الكبرى

تكمن إجابة سؤال لماذا وكيف انحسرت وزارة التنمية المحلية بشكل جزئي في التعرف على الكيفية التي تُدار بها ملفات الإدارة المحلية في مصر. تكشف القرارات والقوانين التي صدرت في الفترة من 2013 – 2021 عن عدد من الاتجاهات المرتبطة بالعمل وزارة التنمية المحلية والوحدات المحلية.

الاتجاه الأول: الخصم من اختصاصات وزارة التنمية المحلية ونطاق ولايتها في المسائل الفنية:

وهو الأمر الذي يعني إعادة هيكلة نطاق عمل الوزارة في اتجاه نقل اختصاصاتها الفنية/ التقنية إلى أجهزة أخرى أكثر تخصصا تتولي هذه المهام وتكون أقدر على توفير الخبرة الفنية اللازمة في هذه الملفات وفي الوقت ذاته أكثر اتساقا مع خطط الاستثمار وتوليد الموارد والتعاون مع المجتمع الدولي ممثلا في الجهات المانحة الدولية في هذه المجالات الفنية.

يُعزز الاعتقاد بوجود هذا الاتجاه عدد من التشريعات، منها قانون رقم 472 لسنة 2016 والذي جعل وزير التضامن الاجتماعي هو الوزير المختص بقانون التعاون الإنتاجي رقم 110 لسنة 1975 بعد أن كان الوزير المختص هو وزير الإدارة المحلية.

قد تتعدد التحليلات لهذا التحول الاختصاصي باعتبار أنه تطور طبيعي في ضوء اختصاص وزارة التضامن بالمشروعات الصغيرة ومبادرات التوظيف والجمعيات والمؤسسات القائمة عليها ومنها مجهودات المشروعات اليدوية والحرفية إلا أنها تبقي خصما من نطاق وزارة التنمية المحلية.

على ذات المنوال جاء قانون رقم 202 لسنة 2020 المعروف بقانون بإدارة المخلفات والذي يقوم عليه جهاز تنظيم إدارة المخلفات، والذي يمتلك عدد من الإدارات الفرعية منها وحدات الإدارة المتكاملة للمخلفات البلدية بالجهة الإدارية المختصة، وهي الوحدات التي نقل القانون لها ملكية صناديق النظافة من وحدات الإدارة المحلية.

ووفقا للقانون لم تعد وزارة التنمية المحلية إلا معاونا ومساعدا للجهاز في أداء مهامه، حيث يُصبح وزير البيئة هو الوزير المختص (على قمة الإدارة الاختصاصية للجهاز) يليه وزير التنمية المحلية، والذي يقتصر دوره بالأساس على تحصيل الرسوم الشهرية لعملية جمع المخلفات بناء على قرار من رئيس مجلس الوزراء، إلى جانب تلقي الشكاوى من المواطنين.

يُمكن تفسير هذه النقلة في أحد الجوانب بالميل لتغليب الاعتبارات الاستثمارية على الشق المحلي البلدي في هذه المسألة، وهو ما يتطلب عناية بالمواصفات الفنية لإدارة المخلفات وتنظيم محاولات التعاون الدولي والاستثماري في هذا الصدد، وهو ما كان دافعا لتغليب وتصعيد وزارة البيئة في هذا الملف على حساب وزارة التنمية المحلية.

المثال الثالث على تقليص اختصاصات وزارة التنمية المحلية، هو قانون الهيئة القومية لسلامة الغذاء رقم 1 لسنة 2017 والذي ورث اختصاصات وحدات الإدارة المحلية والوزارات والهيئات العامة والمصالح الحكومية فيما يخص الرقابة على تداول الغذاء في التشريعات الخاصة بسلامة الغذاء، على أن يُنقل العاملين بالجهات الأخيرة وظيفيا إلى الهيئة القومية لسلامة الغذاء.

الاتجاه الثاني: خلق أطر بديلة لتخطيط وتنفيذ السياسات العامة

يقودنا هذا التقليص الاختصاصي للإشارة إلى اتجاه آخر وهو خلق أطر بديلة لتخطيط وتنفيذ السياسات العامة يُترجم هذا الاتجاه في ظهور فاعلين ذوي أهمية أكبر للسياسة العامة للدولة والنظام، والتي تميل نحو التوسع العمراني والحضري وإعادة التخطيط. وهم الفاعلون الذين شهدوا انشطارا من خلال تشكيل كيانات وهيئات وصناديق خاصة موازية تقوم على تنفيذ السياسة العامة للدولة والنظام، والتي بدورها تهمش عدد من الوزارات ومنها وزارة التنمية المحلية. لا يلغ ذلك وجود تمثيل ما لوزارة التنمية المحلية في هذه الكيانات واللجان والأجهزة والصناديق، إلا أنه وجود في أغلبه هامشي. تعمل فيه وزارة التنمية المحلية لمعاونة هذه الأجهزة في رسم سياستها وتنفيذها.

يُعبر هذا الاتجاه عن نفسه في عدد من الأطر منها هيئة تنمية الصعيد الصادر بتأسيسها القانون رقم 157 لسنة 2018. تتبع الهيئة مجلس الوزراء ومهمتها الرئيسية تحديد المناطق ذات الأولوية بالتنمية المستدامة في الصعيد بشكل شامل، ومشاركة أهلها في مشروعات التنمية وفي أولوية الاستفادة منها وبمراعاة الأنماط الثقافية والبيئية للمجتمع المحليين وهو ما يتم بالتنسيق مع المحافظات والوزارات والجهات المعنية لتنفيذ الاستراتيجية الشاملة للنطاق الجغرافي للهيئة، وفي مقدمتها وزارة التنمية المحلية.

ربما نطاق وجود وزارة التنمية المحلية الوحيد هنا هو وجود ممثل لها في مجلس إدارة الهيئة، وعرض وزير التنمية المحلية ترشيحات تعيين رئيس مجلس الإدارة والأعضاء على مجلس الوزراء، مع إمكانية حضور المحافظين للاجتماعات الخاصة بمحافظتهم والاعتداد بأصواتهم التصويتية. لكن يبقي للهيئة مهمة وضع الآلية التي يتم من خلالها التنسيق بين الهيئة ووزارتي التنمية المحلية والتخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري. وبالتبعية أوجدت الهيئة فروعا لها بعدد من المحافظات مثل محافظتي الفيوم والمنيا للإسراع بالتنمية الشاملة بهما ووضع القواعد اللازمة لذلك، وهي في هذه الحالة أنتجت كيانات موازية للمحافظة ووزارة التنمية المحلية في المحافظتين للقيام على مهام التنمية والتخطيط لها.[2]  

اتصالا بخطة التوسع العمراني والقطاع العقاري في مصر خلال السنوات الماضية، شهدت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة ازدهارا في نطاق العمل مقارنة بوزارة التنمية المحلية، خاصة مع تراجع أهمية المدن والمحافظات القديمة مقارنة بخطط التوسع. وقد عُهد لهيئة المجتمعات العمرانية -وفقا لقرارات رئاسية- بمهمة إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة مثل مدينة العلمين الجديدة، مدينة العبور الجديدة، ومدينة المنصورة الجديدة.[3]

وفي الوقت ذاته استفادت هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة من عدد من قرارات رئيس الجمهورية والتي خصصت لها قطع أراضي من ملكية الدولة الخاصة لإقامة تجمعات عمرانية جديدة عليها.[4] ومن المتوقع أن تستمر أهمية هيئة إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة، حيث تبقى هي الجهاز الإداري المسئول عن إدارة الخدمات بالمدن الجديدة والتجمعات العمرانية حيث يترك قانون هيئة المجتمعات العمرانية الأمر دون تحديد صارم بما يسمح بإمكانية استمرار تبعية المدن الجديدة للأجهزة التي تُنشئها الهيئة لإدارة المدن الجديدة وليس المحليات.[5]

وقد أفادت خطة التوسع تلك وزارة مثل وزارة الإسكان والمرافق العامة، والتي كان لخبرتها الفنية دورا في تعزيز حضورها وثقلها في إدارة السياسة العامة للدولة في هذا الصدد، وقد تم تأكيد ذلك من خلال تعديل قانون هيئة المجتمعات العمرانية[6] والذي جعل من الوزارة بيت الخبرة الأولى الذي يستعين به مجلس الوزراء لتحديد أماكن التجمعات العمرانية المحتملة بالبناء على مناطق إعادة تخطيط المدن والقرى القائمة.

من الأطراف الهامة التي شهدت حضورا وصلاحيات واسعة، والتي تعمل تحت مظلتها وزارة التنمية المحلية لخدمة أهدافها ومدها بالبيانات اللازمة، هي الصناديق الخاصة. ومن الصناديق التي يتقاطع عملها مع الإدارة المحلية حاليا، نجد صندوق التنمية الحضرية،[7] وهو وريث صندوق تطوير المناطق العشوائية، ويتبع رئيس مجلس الوزراء، ويعمل على مهام عدة، ما يعنينا بالأساس منها هو تطوير وتنمية مناطق التطوير العمراني، والحفاظ على المناطق ذات الطابع المميز، وتوفير احتياجات السكان بتلك المناطق من مرافق وخدمات وأنشطة، مع وضع خطط إزالة المباني والمنشآت في المناطق غير الآمنة. وتنصب مهمة وحدات الإدارة المحلية على إمداده بالمعلومات والخبرات والمساعدات اللازمة.

وهناك صندوق تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، والذي يتبع كذلك مجلس الوزراء. بالقراءة المتأنية لقانون تأسيس الصندوق يبدو مدى واسع من الصلاحيات للصندوق،[8] فعلى سبيل المثال تنص المادة 66 من قانون تأسيسه على قيام الصندوق بالتعريف بفرص الاستثمار المتاحة في كل محافظة، كذلك يقوم بإنشاء سجل بالمشروعات الخاصة. كما تنص المادة 69 على أن قرارات الجهاز الصادرة تكون نافذة في مواجهة جميع جهات الدولة ووحدات الإدارة المحلية وشركات المرافق المملوكة للدولة. مع إلزام هذه الجهات والشركات بإخطار الجهاز بتنفيذها، وموافاة الجهاز بما يتطلب من معلومات أو وثائق تتعلق بأغراضه. 

الاتجاه الثالث: المركزة

تقودنا القراءة في القوانين السابقة إلى الاتجاه الثالث وهو المركزة. يبدو أن هناك ميلا جادا لقصر صناعة القرار الحقيقي في دائرة ضيقة قائمة بالأساس على رئاسة الجمهورية وفي مرتبة تالية مجلس الوزراء، بتعدد أهمية وحيوية المجالات، لتبقي وزارة التنمية المحلية في موقع متأخر وتابع لصناعة القرار حتى على المستوى المحلي. فبمراجعة القرارات والقوانين السابقة، تبدو كل من هذه الصناديق والكيانات الموازية تابعة لمجلس الوزراء وعدد من قراراتها الهامة لا بد أن يتم اعتمادها من جانب رئيس المجلس.

من الهام هنا أن نُشير إلى أحد صور التراجع لوزارة التنمية المحلية وتهميشها لحد بعيد على الأقل في المرحلة الحالية. تشهد الدولة حاليا في مصر محاولات للتطوير الإداري لجهازها البيروقراطي وإعادة هيكلته بما يتوافق مع توجه الدولة للميكنة والتحول الإلكتروني وتقليص الجهاز الحكومي وانتخاب العناصر الهامة والمميزة للعمل في الأطر والأجهزة ذات الأهمية للنظام، وفي المدن والتجمعات العمرانية الجديدة. في السنوات الأخيرة لنظام مبارك كان الاعتقاد أن التطوير الإداري لصيق بالهيكلة المحلية، إلا أن الوضع لم يعد كذلك حاليا.

حيث بدا أن خطط التطوير الإداري لا تُساهم في وضعها وزارة التنمية المحلية حتى في نطاق عملها الخاص. ففي عام 2018 صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1893 والذي سمح لنائب وزير التخطيط بإعداد وصياغة خطط التطوير الإداري ورفع كفاءة الجهاز الإداري بالدولة في كافة المستويات الإدارية المركزية منها والمحلية، وفي جميع القطاعات التي يتصل عملها بالمواطنين والمستثمرين، وخلق البيئة التشريعية والتنفيذية الملائمة التي تكفل إتمامها والارتقاء بمستوي القيادة الإدارية بالتنسيق مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة. لتكون وزارة التنمية المحلية مجرد انعكاس ومتلقي لخطط التطوير الإداري وليس جزء منها. وقد انعكس هذا البعد في تقليص هيكل الوزارة ودفعه نحو المركزة من خلال دمج كل من جهاز الصناعات الحرفية والتعاون الإنتاجي وجهاز بناء وتنمية القرية المصرية في ديوان وزارة التنمية المحلية بعد هيكلها التنظيمي الجديد. قد تُثار إشكاليات وتساؤلات عديدة عن تأثير هذه الأجهزة على أرض الواقع، إلا أن تحويلها لجزء من هيكل الوزارة الداخلي يخصم من قدرات الوزارة على التواجد قاعديا، وهو ما يُرجح أنه يكون الباعث وراء إصدار هذا القرار.[9]

أي دور متبقي لوزارة التنمية المحلية؟

التتبع للمشروعات التي تُعلن عنها الوزارة على موقعها الإلكتروني يعزز الظن بأن المقصود أن تقتصر مهام الوزارة على العمل التنموي والخدمي، وفي نطاق جغرافي مجاله الريف والمناطق الأكثر فقرا وبشكل إجمالي المدن القديمة، وإتاحة ما لديها من معلومات وقواعد بيانات لأطراف أخرى تتولى التنفيذ الفعلي للمشروعات والخدمات. بمعنى آخر تُمثل هذه المساحات مصادر تفريغ المشكلات للنظام والدولة في مصر والتي تتطلب نمط إدارة مغاير للتوسع الحضري الجديد. ومن ثم تتطلب محاولات تيسير أعمال، والتطوير بالقدر الذي يقلل من مخاطرها وتحدياتها. للتدليل على هذه الرؤية يُمكن النظر إلى انخراط المحافظات ووحداتها المحلية في مشروعات بمرتبطة بالسكان والزيادة السكانية في إطار ما يُعرف بمشروع تطبيق الاستراتيجية القومية للسكان 2020/2030، والذي كان يتم بالشراكة مع عدد من المانحين الدوليين مثل صندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الأوروبي، في نطاق محافظات القليوبية، المنيا، أسيوط وسوهاج وقنا، وأسوان، والأقصر، وبني سويف، والجيزة، والفيوم.[10]

 فمثلا في مشروع تطوير القرى المصرية، كان المعلن على موقع الوزارة، أن المحافظات كانت مهمتها “ترشيح مجموعة من القرى. وتم إجراء معاينات ميدانية لهذه القرى من خلال لجان فنية مشتركة من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة والمحافظات وتم تحديد المشروعات المطلوبة لتطوير البنية الأساسية والخدمات بهذه القرى، وتم العرض على مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية حيث وجه بتنفيذ الأولوية العاجلة لمشروعات البنية الأساسية في حدود التمويل الذي يُمكن تدبيره من موازنة الدولة”.[11]

كما يبدو أن السعي في الملفات التي تقع حاليا في مسئولية الوزارة/ الإدارة المحلية هي بالأساس مبادرات غير مقننة بشكل قانوني كامل ومتبلور مثل مبادرة حياة كريمة. حيث تعمل مبادرة حياة كريمة وفقا لقرار صادر من رئيس مجلس الوزراء في نوفمبر 2019 بتكليف وزارة التنمية المحلية بالإشراف على المبادرة والتنسيق مع الأطراف المختلفة في هذا الصدد. لكن تبقى البيانات الدالة المتاحة عن المبادرة دالة على طبيعة إدارة الشأن المحلي في مصر باعتباره أمر لا يُترك لوزارة التنمية المحلية وحدها، حيث كان تحديد القرى المستهدفة بناء على تنسيق واتفاق بين تشارك البيانات المتاحة لدى الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، ووزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري القرى المستهدفة بناء على معدلات الفقر وعدد السكان في المرحلة الأولى، وفي المرحلة التالية تم التنسيق بين وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، والتنمية المحلية والتضامن الاجتماعي.[12]

توصيات تنفيذية:

في ظل السياق الحالي العام في مصر والذي لا يُتيح مساحة لنقاشات جادة حول العمل المحلي وكيفية إدارته تبدو مسألة طرح حلول وبدائل للوضع القائم أمر بعيد المنال خاصة مع توجهات الدولة إلى التوسع وخلق مجتمع جديد موازي بعيدا عن المدن والمحافظات التي يبدو أن عملية إصلاحها أمر غير قابل للتحقق. لكن تبقي على القوى المعنية بمستقبل تحسين الحياة اليومية للمواطنين والواقع المعاش محاولة الضغط واستغلال الأطر المتاحة لتحسين شروط العمل والإدارة المحلية. وفي ظل غياب العمل السياسي وإمكانية استغلال المساحات العامة المتاحة لتعليم المواطنين والضغط بشكل مباشر، يبقي القانون المساحة الوحيدة لمحاولة التأثير والعمل.

يعني ذلك محاولة صياغة إطار قانوني متكامل في العمل المحلي يُمكن له أن يُقنع عددا من النواب البرلمانيين بتبنيه أو الترويج له من منطلقات تقنية وفنية بحتة لتحسين إدارة الوحدات المحلية ورفع مستوى المعيشة والإدارة اليومية لحياة المواطنين. يبدو حلم اللامركزية بعيد المنال في ظل هذا السياق، لكن في ظل الخطط الجارية لنقل عاصمة الحكم والإدارة وتركز رؤوس الأموال للمدن الجديدة، ربما يكون حلم اللامركزية أقرب من المتوقع. فمع تراجع أهمية القديم على أجندة النظام الحالي، فالأرجح أنه سيعمل على تطبيق اللامركزية مع انتهاء تنفيذ خطط نقل السلطة السياسية والموارد الاقتصادية للمدن الجديدة، بما يكفل للمحافظات والمدن القديمة من إدارة شئونها دون ضغط على صانعي القرار في التجمعات العمرانية الجديدة.


الهامش

[1] المشروع القومي لتنمية وتطوير القرية المصرية، وزارة التنمية المحلية، متاح على الرابط التالي: https://www.mld.gov.eg/ar/projects/details/1020

[2] قرار رئيس مجلس إدارة هيئة تنمية الصعيد رقم 39 لسنة 2020

[3] انظر قرار رئيس الجمهورية رقم 109 لسنة 2016 (مدينة العلمين الجديدة)، وقرار رقم  249 لسنة 2016 (مدينة العبور الجديدة)، وقرار رئيس الجمهورية رقم 378 لسنة 2017 (مدينة المنصورة الجديدة)

[4] انظر قرارات رئيس الجمهورية لتخصيص قطع أراضي من أملاك الدولة الخاصة لإقامة مدن الفشن الجديدة، ملوي الجديدة (قرار رقم 347 لسنة 2018)، ومدينة الأقصر الجديدة (قرار رقم 356 لسنة 2018).

[5] انظر باب الأحكام العامة والانتقالية من القانون رقم 59 لسنة 1979 الخاص بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة.

[6] تعديل قانون هيئة المجتمعات العمرانية رقم 1 لسنة 2018

[7] قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1779 لسنة 2021

[8] قانون 152 لسنة 2020

[9] قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1792 لسنة 2016

[10] مشروعات وزارة التنمية المحلية، الموقع الرسمي للوزارة، متاح على الرابط التالي: https://www.mld.gov.eg/ar/projects?page=3

[11] المشروع القومي لتنمية وتطوير القرية المصرية، الموقع الرسمي لوزارة التنمية المحلية، متاح على الرابط التالي: https://www.mld.gov.eg/ar/projects/details/1020

[12] مبادرة حياة كريمة، الموقع الرسمي لوزارة التنمية المحلية، متاح على الرابط التالي: https://www.mld.gov.eg/ar/projects/details/1027

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close