المعهد المصري للدراسات

الإيكونوميست: دعم الخبز في مصر غير مستدام

نشرت مجلة الإيكونوميست البريطانية في 5 أكتوبر 2023 مقالاً بعنوان: “دعم الخبز في مصر غير مستدام”، وأضافت المجلة الاقتصادية البريطانية أنه مع ارتفاع معدلات التضخم في البلاد، فإن الناس لا يتحملون كثيراً من البدائل للخبز المدعوم.

وقد جاء المقال على النحو التالي:

تعني كلمة “عيش” التي تُطلق على الخبز في مصر في اللغة العربية نفس المعنى الذي تمثله كلمة “الحياة”، مما يؤكد أهمية المواد الغذائية لدى الناس في هذه البلاد.

ويعتمد ما يقرب من ثلثي سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة على الخبز المدعم. وكنتيجة جزئية لذلك، فإنهم يلتهمون حوالي ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي للفرد الواحد من الخبز.

ولكن مع نمو السكان في مصر وظروف تغير المناخ الذي يجعل زراعة القمح أكثر صعوبة، فإن إبقاء الحكومة على معدلات تزويد شعبها بالخبز الرخيص المُدعم يبدو أقل استدامة الآن أكثر من أي وقت مضى.

إن تكاليف دعم الخبز باهظة بالفعل. حيث بلغت التكلفة 2.9 مليار دولار في السنة المالية الماضية (2022/2023)، أي 2.6% من الميزانية العامة في البلاد. ويتم زراعة نصف الحبوب التي تستخدمها مصر، فقط محلياً؛ حيث تُعتبر البلاد من بين أكبر مستوردي القمح في العالم. وهذا يجعلها بالطبع رهينة لتقلبات الأسعار العالمية. حيث تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في ارتفاع أسعار الحبوب في العام الماضي، على الرغم من انخفاض الأسعار فيما بعد.

وفي نفس الوقت، يؤدي التوسع الحضري إلى تآكل الأراضي الزراعية النادرة في مصر. حيث تُشكل الأراضي الصالحة للزراعة -ومعظمها ينحصر في شريط خصيب يمتد على طول نهر النيل-  تُشكل 4% فقط من مساحة البلاد.

وعلى سبيل المثال، فقد التهم الزحف العمراني عُشر الأراضي الزراعية المحيطة بالإسكندرية، ثاني أكبر مدينة في مصر، بين عامي 1987 و 2015.

ومن المتوقع أن تنخفض محاصيل القمح التي يتم إنتاجها محلياً بنسبة 10% إلى 20% بحلول عام 2060، حيث تحد عوامل تغير المناخ من قدرة البلاد على زراعة غذائها. وسوف يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى إتلاف المحاصيل من خلال جعل تربة دلتا النيل أكثر ملوحة. بحيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار إلى انخفاض إنتاج المحاصيل.

ويتجاوز الاستخدام السنوي للمياه في البلاد بالفعل إمداداتها المتجددة منها بأكثر من الربع. وتعوض البلاد هذا النقص جزئياً عن طريق استنزاف طبقات المياه الجوفية، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض جودة التربة.

وبالإضافة إلى ذلك، فقد انتهت إثيوبيا الشهر الماضي من بناء (ومعظم مراحل ملء) سد النهضة الذي أقامته عند المنبع، ويمكن لخزانه نظرياً أن يحجز 88% من التدفق السنوي للنهر، مما يسمح لها بالتحكم في كمية المياه التي تتدفق إلى مصر في اتجاه مجرى النيل.

ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050. ويعتقد البنك الدولي أن زراعة 5 ملايين طن أخرى من القمح بالإضافة إلى 20 مليون طن تستهلكها البلاد الآن كل عام، ستتطلب 5.5 مليار متر مكعب إضافية من المياه، أي ما يعادل 10% أخرى من نسبة التدفق السنوي لمياه نهر النيل. ويعني دعم القمح أنه يتوفر لدى المزارعين الحافز لزراعته دون مراعاة ندرة المياه.

وتقول الحكومة إنها ستنفق 246 مليار دولار على تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه بحلول عام 2030. ويمثل هذا ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي سنوياً، وهو مبلغ ضخم بالنسبة لبلد يعاني من أزمة اقتصادية.

وإذا كانت مصر، التي هي على وشك إعلان عدم قدرتها على سداد فواتيرها، تريد حتى مجرد البدء في خططها الكبرى، فقد تجد نفسها مضطرة إلى إعادة التفكير في دعم الخبز الباهظ الثمن.

إن الاستعاضة عن دعم الخبز بالتحويلات النقدية – التي ستكون بطبيعة الحال أرخص وتقلل من الحوافز لزراعة القمح – سوف تكون منطقية من الناحية الاقتصادية، ولكنها في نفس الوقت محفوفة بالمخاطر من الناحية السياسية. حيث أدت محاولات إصلاح نظام الدعم إلى اندلاع أعمال شغب في سبعينيات القرن الماضي.

وبالنظر إلى أن التضخم السنوي لأسعار الغذاء بلغ 72% في أغسطس الماضي، فإنه من غير الواضح معرفة ما الذي يمكن أن يأكله المصريون بدلاً من الخبز اليومي المدعوم الذي تقوم عليه الحكومة.

Exit mobile version