دراسات

الانتقال الديمقراطي: الأسس والآليات

تحتل عملية الانتقال الديمقراطي في النظم السياسية في الوقت الراهن اهتماماً متزايداً وأولوية غير مسبوقة خاصة في ظل الكثير من التحولات السريعة المتلاحقة بل والجوهرية التي يعيشها العالم في ظل العولمة والانفتاح المعلوماتي اللامحدود.

لذلك نجد العديد من الأنظمة السياسية جنحت بإرادتها أو بغير إراداتها نحو الانتقال الديمقراطي، سواء كانت الأسباب الدافعة لذلك التحول أسباب داخلية أو أسباب خارجية، فعلى سبيل المثال نجد أن التدهور الاقتصادي يعد من أبرز العوامل الداخلية التي دفعت العديد من الأنظمة إلى إدخال إصلاحات هيكلية على مؤسساته الاقتصادية والسياسية وهذا يعد عاملا داخليا.

وفي نفس الاتجاه قد تلجأ الدول إلى إصلاح وإعادة هيكلة مؤسساتها الاقتصادية والسياسية لتتفادى ضغوط تمارس عليها من هيئات أو دول مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي كمؤسسات والاتحاد الأوربي والولايات المتحدة الأمريكية كدول، حيث تشترط هذه المؤسسات والدول أن تتضمن عملية التحول الاقتصادي تحولا ديمقراطيا باتجاه المزيد من الحريات والتداول السلمي للسلطة وانتخابات حرة نزيهة وحرية الرأي والتعبير والمشاركة السياسية وحماية حقوق الإنسان وغيرها من الممارسات التي تصب في اتجاه الانتقال الديمقراطي.

وفي هذا الصدد نجد العديد من الأنظمة السياسية أخذت تتماهى مع هذه الاعتبارات في السير قدماً نحو الانتقال الديمقراطي وذلك عن طريق إصلاحات دستورية وتشريعية، هذه الإصلاحات تختلف نسبياً من دولة إلى أخرى ومن نظام سياسي إلى آخر، فهناك من سار بصدق نحو انتقال ديمقراطي حقيقي، ومنهم من قام بمثل هذه الإصلاحات لذر الرماد في العيون فهي أقرب إلى التمثيل منها إلى الواقع، وهناك دول قطعت شوطاً لا بأس به في هذا الاتجاه ثم أصيبت بانتكاسة حادة عادت بها إلى الوراء بشكل حاد ومفزع، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما حدث من إجهاض للمسار الديمقراطي في الجزائر ومصر.

لذلك فإن ترسيخ عملية الانتقال الديمقراطي يتطلب توفير مجموعة من القواعد والضمانات للمحافظة عليه خاصة في ظل وجود مجموعة من المخاوف المشروعة تتعلق بمفهوم الانتقال الديمقراطي وآلياته والمعوقات التي تعترض نجاحه.

أهمية البحث وأهدافه

إن تناول الانتقال الديمقراطي بالدراسة والتحليل يسهم في الإجابة عن أسئلة هامة مثل آليات الانتقال الديمقراطي واتجاهاته ومستقبله، وهذا يتطلب تأصيلا نظريا لبعض المفاهيم المرتبطة بظاهرة الانتقال الديمقراطي والمقاربات الفكرية، وبحث الاتجاهات النظرية للانتقال الديمقراطي.

أيضاً يحاول البحث تقديم تفسيرات لأسباب ونتائج الانتقال الديمقراطي ومؤشراته ونطاقه وذلك من خلال آليات عمل النظام السياسي، ويرمي هذا البحث إلى تحديد ودراسة بعض الإشكاليات والتحديات التي يمكن أن تتعرض لها عملية الانتقال الديمقراطي.

فرضية البحث

ينطلق البحث من نقطة جوهرية وهي العلاقة بين عملية الانتقال الديمقراطي والمشروعية الدستورية وقيام دولة القانون، فالعلاقة بينهما وثيقة الصلة ومترابطة بحيث لا يمكن أن نتجاهل تناول عملية الانتقال الديمقراطي دون تناول المشروعية الدستورية، حيث إنه لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقة إلا في إطار دولة وطنية تحظى بالشرعية، وتستوعب تعدديتها المجتمعية ضمن أطر دستورية وسياسية وقانونية يقبلها الجميع بحيث يكون ركيزة للانتقال الديمقراطي.

فإذا كانت النظم الديكتاتورية تحاول أن تضفي على أعمالها هيبة وقدسية، لكن وبعد اندحار هذه النظم انسحبت القدسية للدستور والقانون، ليصبح الأول – الدستور – أساسا للثاني – القانون – ومقيدا له، والديمقراطية لا تقوم إلَا بسيادة القانون، ففي رحابه تنمو وتزدهر بضمان الرقابة الدستورية، لأن الدستور هو القانون الأسمى، فإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب وسيادته فمن ثمَّ فإنها تعني سيادة الدستور والقانون.

فالدستور هو القانون الأسمى للدولة ويجب أن تخضع جميع التشريعات الصادرة له وتتلاءم معه وتستمد أصولها من قواعده ومبادئه، فالدستور هو الذي يرسي دعائم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين في إطار الشرعية الدستورية التي تحاسب كل الدول ذات النظم الديمقراطية عليها.

فالهدف الأساسي لأي دستور هو المساعدة على توفير نظام متكامل من الضوابط القانونية التي بإمكانها أن توقف أي مظهر من مظاهر الممارسة الاستبدادية أو التحكمية للسلطة، وتكون وسيلته إلى ذلك تحديد الإجراءات والتدابير القانونية والسياسية التي يمكن بواسطتها معاقبة أي انتهاك للمعاني الأساسية التي يحرص الدستور على تأكيدها، ودفع الجميع حكاماً ومحكومين إلى احترامها والتقيد بها[1].

خطة البحث

بناءً على ما سبق فإن هذه الدراسة ستتكون من ثلاثة أبواب:

الباب الأول؛ نتناول فيه الإطار النظري للانتقال الديمقراطي، وهو يتكون من عدة فصول تتناول التأصيل النظري لظاهرة الانتقال الديمقراطي، والعلاقة بين مصطلح الانتقال الديمقراطي وبعض المفاهيم الأخرى المرتبطة به، ونظراً لأهمية مبدأ الشورى في النظام الإسلامي ووجود علاقة نسبية بينه وبين الديمقراطية أفردنا له مبحثا مستقلا، ثم كان من المهم أن نتعرف على العوامل التي تؤدي إلى الانتقال الديمقراطي والمراحل التي يمر بها وأنماطه وأشكاله.

الباب الثاني؛ نتناول فيه بالتفصيل المشروعية الدستورية ودورها وأهميتها في عملية الانتقال الديمقراطي، حيث خلصت هذه الدراسة إلى متانة العلاقة بين المشروعية والانتقال الديمقراطي فعندما تفتقد الدولة أسس المشروعية فهي بلا شك تكون قد حادت عن طريق الديمقراطية ولابد لها أن تعيد ضبط بوصلتها الدستورية والسياسية لتعود إلى جادة الطريق، طريق المشروعية والديمقراطية.

ولتحقيق ذلك لابد من توافر مجموعة من المقومات يستند عليها مبدأ المشروعية، وقسمّنا هذه المقومات إلى مقومات قانونية ومقومات فكرية وأفردنا لكل منهما فصلا مستقلا، ثم تناولنا مجموعة من الأدوات الدستورية التي تعمل على دعم عملية الانتقال الديمقراطي كحق تكوين الأحزاب السياسية وانتخاب رئيس الجمهورية والمجالس النيابية وتحديد مدة ولايتهم وتفعيل أهمية ودور المشاركة السياسية والرقابة الشعبية والتداول السلمي للسلطة. ومن ثمَّ استخلصنا مما سبق الشروط الواجب توافرها لقيام الدولة الدستورية أو ما يعرف بالديمقراطية الدستورية.

والباب الثالث؛ والأخير من هذا البحث قسمّناه إلى فصلين، تناولنا في الفصل الأول؛ التحديات التي يمكن أن تواجه عملية الانتقال الديمقراطي وقد تكون عقبة في سبيل تحقيقه، وفي الفصل الثاني من الباب؛ أفردناه لرؤيتنا حول ظهور موجة رابعة للانتقال الديمقراطي، ومن ثمَّ كانت خاتمة البحث بمجموعة من النتائج والتوصيات.

الباب الأول: الإطار النظري للدراسة

قاعدة البحث العلمي التي لا غني عنها هي ضبط المفاهيم، إذ تكسبه وضوحاً في الخطاب وقصداً في الغاية، ويواجه البحث العلمي وخاصة في العلوم الاجتماعية والإنسانية العديد من المشاكل ومنها عدم دقة ضبط المفاهيم وصعوبة تحديد مقاييس متطورة لقياس الظاهرة الاجتماعية، والديمقراطية تعتبر من بين هذه المفاهيم والمصطلحات التي لم يستطيع الباحثون والمفكرون أن يضعوا لها تعريفاً جامعاً مانعاً، خاصة أنه من المصطلحات التي لا تعرف الجمود، كما أن الديمقراطية لم تعد تقتصر على مفهوم نظام الحكم بل أصبحت أسلوباً للممارسة السياسية، وصفة لأسلوب الحركة السياسية أو الاجتماعية لفرد أو مجموعة أو نظام.

وتعتبر ظاهرة الانتقال الديمقراطي من أكثر القضايا التي شغلت بال المفكرين السياسيين والباحثين ويزيد من صعوبة الأمر أنها عملية لا تحدث في فراغ، وإنما هناك مجموعة من العوامل والإجراءات التي تتداخل وتدفع باتجاه الانتقال الديمقراطي.

إن التحدي الذي يواجه النظم السياسية اليوم ليس بناء الديمقراطية كنظام كامل وجاهز ولكن البدء في عملية الانتقال الديمقراطي بشكل سلمي يتم اختياره بوعي وقناعة تجنباً للصراعات والانفجارات الداخلية لأن عملية الانتقال الديمقراطي تعني القبول بالتعددية السياسية واحترام الآخر وضمان حقوق وواجبات الأفراد.

يتضمن هذا الباب؛ سبعة فصول تتناول تفصيلاً تأصيل عملية الانتقال الديمقراطي، حيث يتناول الفصل الأول؛ شرح كلاً من مصطلحي الديمقراطية والانتقال الديمقراطي وذلك في مطلبين، المطلب الأول؛ نوضح فيه مفهوم كل من الديمقراطية والانتقال الديمقراطي مع إبراز علاقته ببعض المفاهيم الأخرى المرتبطة به مثل التحول الديمقراطي والترسيخ الديمقراطي، ونتناول في المطلب الثاني؛ للعلاقة بين الديمقراطية والشورى في النظام الإسلامي.

الفصل الأول: مفهوم الديمقراطية والانتقال الديمقراطي

يجمع مصطلح الانتقال الديمقراطي بين مصطلحين لهما وزنهما في حقل العلوم السياسية، الأول وهو “الانتقال” والذي يدل على مسار ينطلق من نقطة معلومة نحو نقطة مرغوب الوصول إليها، والثاني “الديمقراطي” والذي يدل في نفس الوقت على الهدف المرجو من الانتقال ويعتبر بمثابة خاصية لهذا الانتقال، وبناءً على ذلك نتناول في مبحثين مستقلين توضيح هذا المصطلح المعقد.

المبحث الأول: مفهوم الانتقال والتحول الديمقراطي

تعج المكتبة المعاصرة في عمومها والعربية منها بصفة خاصة بالأدبيات التي تتناول قضية تطليق الاستبداد والانتقال إلى نظم ديمقراطية لاعتبارات عديدة دولية ومحلية، مما أدى إلى تعدد الاصطلاحات المستخدمة والخلاف على تعريفها، وقد يعزى ذلك بالأساس إلى اعتماد الدراسات العربية على نظيرتها الغربية السبّاقة إلى تناول الموضوع.

فنجدها تارة تستعمل الانتقال وتارة تستعمل التحول في مقابل كلمة “Transition” التي تعني الانتقال والمرور من حالة أو مكان معين إلى غيره، ويستعمل “الكواري” الاصطلاحين – الانتقال والتحول – في معالجة ذات السياق، ويشيران حسبه إلى عمليتين متلازمتين لإقامة نظام ديمقراطي، فالانتقال يرتبط بتأسيس القناعة لدى السلطة الحاكمة نتيجة لأوضاع متأزمة وفشلها في ضبط المطالبة القوية بالتغيير، كما لدى عموم الشعب بفضل توعية نخبه ومثقفيه بضرورة إقامة الديمقراطية بديلاً لحكم الغلبة والوصاية لفرد أو لقلة على الشعب، مما يفضي إلى انفتاح سياسي يسمح بتنامي مطالب التغيير التي تدفع السلطة القائمة إلى القبول بتعاقد مجتمعي والاحتكام لشرعية دستور ديمقراطي، ومن هنا تنطلق عملية التحول الديمقراطي التي تتعلق بترسيخ مبادئ الديمقراطية في ثقافة المجتمع وممارسة المؤسسات الرسمية[2].

وفي دراسات أخرى يستخدم مصطلح الدمقرطة “Democratization” الذي يشير إلى إقامة النظام الديمقراطي كعملية يمثل الانتقال “Transition” إحدى مراحلها التي ينتهي فيها الحكم التسلطي ويحدث التوافق على أن يكون الاختيار الشعبي الحر السبيل إلى تشكيل الحكومة، وتسبقها عملية تحرير “Liberalization” تأتي بتغييرات سياسية واجتماعية تتيح الحرية لأفراد الشعب في التعبير والتنظيم والإعلام وحق المعارضة والضمان القانوني لها، للوصول إلى ترسيخ الديمقراطية “Democratic Consolidation”.

وبناءً على ما سبق فإننا نرى صحة ما ذهب إليه الكواري من أن المصطلحين – الانتقال والتحول – يشيران إلى مصطلحين متلازمين يعبران عن حالة واحدة.

فالانتقال هو حركة تنقل المجتمع من مرحلة إلى أخرى، فهو مسلسل يتم العبور من خلاله من نظام سياسي مغلق مقصور على النخب الحاكمة ولا يسمح بالمشاركة السياسية إلى نظام سياسي مفتوح يتيح المشاركة للمواطنين في اتخاذ القرارات ويسمح بالتداول السلمي للسلطة.

والانتقال الديمقراطي يشير في أوسع معانيه إلى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة نظام حكم غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي[3]، فالانتقال الديمقراطي معادلة سياسية ودستورية تقترن عضوياً بسيرورات النسق السياسي والاجتماعي لتجربة معينة وهي بصدد تغيير تنظيمها القديم إلى الجديد، فالانتقال يعد بمثابة تطوّر لحركة عضوية، لذا قيل عن الانتقال الديمقراطي بأنه مسلسل يروم توقيف القواعد الأوتوقراطية وتعويضها بأخرى ديمقراطية، فالانتقال مرحلة بين نظامين متباينين ينبنيان على منطقين مختلفين يتأسسان على تفكيك البنيات القائمة وإعادة تركيبهما.

ومن أشهر الكتّاب الذين تناولوا التحول الديمقراطي بالتنظير والتأصيل “جبرائيل آلموند Gabriel Almond”، “فيربا سيدني Verba Sidney”، “ألكس إنكليس Alex Inkles”، “ديفيد سميث David Smith”، التي تشير كتاباتهم إلى أهمية الثقافة السياسية ومجموعة من القيم كالاعتدال والتسامح والمشاركة في التحول الديمقراطي، بينما يؤكد آخرون مثل “مارتن ليبست Martin Lipset”، “رونالد انجلهارت”، “صامويل هنتنجتون Samuel Huntington” على أهمية مستوي الرخاء الاقتصادي للتحول الديمقراطي، وفي الوقت يرى “روبرت دال Robert Dahl”، “دانكورت روستو Dankort Rostow” ومعهم “ارند ليبهارت” ضرورة وجود نخبة سياسية مناضلة من أجل الديمقراطية.

في حين ذهب تعريف آخر بأن المقصود من الانتقال الديمقراطي ضرورة العمل على امتصاص التناقضات الكبرى والعنيفة وتخفيض درجة التوتر الذي لا يمكن أن يؤدي إلا إلى المواجهة ويهدد المسيرة الديمقراطية قبل أن تبدأ[4].

وعرّفه “آلان تورين – Alain Touraine” بأنه: ” عملية متدرجة تتبلور في سياق علاقة الدولة بالمجتمع بعد صراع سياسي قد يطول أمده “، في حين اعتبره ” فيليب شميتر Flip Chmitter” أن الانتقال الديمقراطي هو: “مجموعة من مراحل تطوّر المجتمع الذي يخضع إلى أحداث متكررة والتطورات فجائية غير متوقعة تجعل الدولة تقبل حلول اضطرارية”[5].

وتستخدم عبارة “الانتقال الديمقراطي” في الأدبيات السياسية لوصف بلد يتخلى عن نظام حكم سلطوي ليدخل تدريجياً وبشكل سلمي في أغلب الحالات إلى تجربة جديدة تتسم ببناء منظومة حكم أكثر ديمقراطية.

ويقصد بمفهوم الانتقال الديمقراطي وفقاً لما قاله “اودونيل وشومبيتر” المرحلة الفاصلة بين نظام سياسي وآخر، وأثناء عملية الانتقال أو في أعقابها يتم تدعيم النظام الجديد، وتنتهي هذه العملية في اللحظة التي يجري فيها اكتمال تأسيس النظام الجديد، وعمليات الانتقال الديمقراطي لا تحسم دائماً الشكل النهائي لنظام الحكم حيث توجد ثلاثة نماذج من الانتقال الديمقراطي، الانتقال عن طريق انتخابات نزيهة، الانتقال عبر إصلاحات اقتصادية، الانتقال عبر آليات أخري.

فالانتقال الديمقراطي هو: “ضرورة العمل على امتصاص التناقضات الكبرى والعنيفة وتخفيف درجة التوتر العالي الذي لا يمكن إلَّا أن يقود للمواجهة ويهدد المسيرة الديمقراطية قبل أن تبدأ”[6].

وبذلك يكون التحول الديمقراطي يمثل مرحلة متقدمة من مراحل الانتقال الديمقراطي تتميز بالصعوبة والتعقيد، وتتمثل عملية التحول في التغيير البطيء والتدريجي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في بلد ما دون التنكر لما سبق تحقيقه بالاعتماد على التجارب السابقة قصد الاستفادة منها، فهي العملية التي يجري بموجبها تطبيق قواعد وإجراءات المواطنة على المؤسسات السياسية التي كانت محكومة بمبادئ أخرى أو توسيع هذه القواعد والإجراءات[7].

والانتقال إلى الديمقراطية يطرح من الناحية العملية أحد اختيارين، إما التدرج وذلك بالعمل على إفساح المجال للقوي الديمقراطية في المجتمع لتنمو وتترسخ وتهيمن، ومن ثمَّ القيام بدمقرطة الدولة والانتقال بها إلى دولة مؤسسات حقيقية مع ما يتطلبه ذلك من فصل بين السلطات وإطلاق الحريات وحق المواطنة واستقلال القضاء…..، وإما سلوك آخر غير سلوك التدرج وهو حمل الحاكم على التناول تحت ضغط القوي الديمقراطية، وإما إزاحته عن طريق تلك القوي الديمقراطية نفسها، وعادة لا تتمكن هذه القوي من تحقيق ذلك إلَّا إذا تحولت إلى قوي ثورية أو قوي غير منظمة في صورة تحرك جماهيري هائج أو عصيان مدني، فالانتقال الديمقراطي يعيد النظر في مفهوم الثورة حيث يبقي على معني الثورة ومضمونها في تصوره للهدف الديمقراطي.

والتحول الديمقراطي يقوم على فكرة الانتقال إلى الديمقراطية، فالنظام السياسي الذي يشهد تحولاً ديمقراطياً يمر بمرحلة انتقالية بين نظام غير ديمقراطي في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي، فاللحظة التاريخية هي لحظة الانتقال من نظام حكم الفرد أو القلة إلى نظام حكم ديمقراطي.

لذلك فإننا اعتمدنا في هذا البحث على مصطلحين هما: “الانتقال” “Transition” ويقصد منها عملية الانتقال من حالة الاستبداد إلى حالة المشاركة السياسية الفعّالة من قبل الشعب، والمصطلح الثاني “التحول” “Transformation” وهو يعني الاستمرارية بشكل عام في الممارسة، والتحول ضمن مسار واضح إلى مزيد من الديمقراطية، فعملية التحول عملية مستمرة تأتي بعد الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي.

وتمر عملية التحول الديمقراطي بثلاث مراحل أساسية وهي:

  • انهيار النظام السلطوي.
  • مرحلة الانتقال الديمقراطي.
  • مرحلة الرسوخ الديمقراطي.

وتعتبر المرحلة الثانية هي أهم المراحل وإن استغرقت فترة زمنية، وهي أخطر مرحلة في عملية التحول بسبب الاحتمالات المتزايدة للتعرّض لانتكاسات سياسية نتيجة للتركيبة الهجينة للنظام السياسي، والتي ينشأ عنها حالة صراع وشد وجذب تربك الحياة السياسية.

لذلك وعلى الرغم من التداخل المرحلي والاصطلاحي بين مفهومي التحول الديمقراطي والانتقال الديمقراطي إلَّا أن منهجيتنا في هذا البحث تنبني على أن الانتقال الديمقراطي “Democratic Transition” يعتبر مرحلة من مراحل التحول الديمقراطي تتسم بتنوع أشكالها وفي إطارها يتم صياغة أساليب وقواعد حل الصراعات بطرق سلمية[8]، وإنه من الضرورة بمكان التركيز على عملية التحول الديمقراطي نفسها لأهميتها البالغة في تأكيد عملية الانتقال نفسها فبدونها لن تدوم عملية الانتقال الديمقراطي أو تترسخ في مرحلة لاحقة.

ويعتبر مصطلح التحول الديمقراطي مفهوم سياسي جديد دخل ميدان الفكر السياسي في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، حيث يعبر عن كيفية جديدة للسعي إلى السلطة، فالتحول الديمقراطي يعد بمثابة ثورة بمفهوم جديد، فهو ثورة تقطع صلتها بإستراتيجية الثورة بمفهومها التقليدي[9].

وبالرجوع إلى الأصول اللُغوية لمصطلح التحول الديمقراطي نجد أن التحول لغة يعبر عن تغيّر نوعي في الشيء أو انتقاله من حالة إلى أخري، فهو يشير إلى التغير أو النقل فيقال حوّل الشيء أي غيّره أو نقله من مكانه[10].

وكلمة التحول يقابلها في اللغة الانجليزية كلمة Transition وهي تعني المرور أو الانتقال من حالة معينة أو من مرحلة معينة أو من مكان معين إلى حال أو مرحلة أو مكان أخر.

ويقصد بالتحول الديمقراطي في الدلالة اللفظية المرحلة الانتقالية بين نظام غير ديمقراطي ونظام ديمقراطي، فالنظام السياسي الذي يشهد تحولاً ديمقراطياً يمر بمرحلة انتقالية بين نظام غير ديمقراطي في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي[11]، بحيث يكون التحول عبارة عن مجموعة من المراحل المتميزة تبدأ بزوال النظم السلطوية يتبعها ظهور ديمقراطيات حديثة تسعي لترسيخ نظمها.

وعندما يرتبط بمفهوم التحول بالديمقراطية فإننا نعني تغيير شكل المجتمع من نظام غير ديمقراطي إلى نظام ديمقراطي، وعلى الرغم من التعريف المبسط للفظ اللُغوي، فإن مفهوم التحول الديمقراطي في مجمله يكتنفه قدر كبير من الغموض وصعوبة التعامل، ولعل السبب في ذلك هو تعدد الزوايا التي يمكن أن ينظر إليه من خلالها[12].

وكما سبق لنا القول هناك صعوبة في وضع تعريف محدد ونهائي لمفهوم التحول الديمقراطي يحظى بإجماع الدارسين والباحثين والمهتمين بالديمقراطية، إلَّا إننا نورد بعض أهم هذه التعريفات.

فقد عرّفه البعض بأنه “مجموعة من المراحل المتميزة التي تبدأ بزوال النظم السلطوية يتبعها ظهور ديمقراطيات حديثة تسعي لترسيخ نظمها، وتعكس هذه العملية إعادة توزيع القوة بحيث يتضاءل نصيب الدولة منها لصالح مؤسسات المجتمع المدني، بما يضمن نوعاً من التوازن بين كل من الدولة والمجتمع، بما يعني بلورة مراكز عديدة للقوي وقبول الجدل السياسي”[13].

وعرّف “روسو” عملية التحول الديمقراطي بأنها: “عملية اتخاذ قرار يساهم فيها ثلاث قوي ذات دوافع مختلفة، وهي النظام والمعارضة الداخلية والقوي الخارجية، ويحاول كل طرف إقصاء الأطراف الأخرى، وتتحدد النتيجة النهائية وفقاً للطرف المنتصر في هذا الصراع”[14].

ويقصد أيضاً بعملية التحول الديمقراطي: “هي تلك الإجراءات والعمليات التي يمكن لأي نظام سياسي أن يتبعها للوصول إلى النظام الديمقراطي، وهذه الإجراءات والعمليات هي المرحلة الانتقالية بين نظام سياسي وآخر”[15].

عرّفه صامويل هنتنجتون بأنه: “مجموعة من حركات الانتقال من النظام غير الديمقراطي إلى النظام الديمقراطي، تحدث في فترة محددة وتفوق في عدد حركاتها الانتقال في الاتجاه المضاد خلال الفترة الزمنية”[16].

نخلص مما سبق إلى أن عملية التحول الديمقراطي تهدف إلى تغيير النظام السلطوي بنظام قائم على الديمقراطية وذلك عن طريق إما السلطة السياسية أو حركات المعارضة أو قوي خارجية، بصرف النظر عن الوسيلة المؤدية لذلك سوء سلمية أو غير ذلك، وتشمل عملية التحول الديمقراطي ثلاث نقاط رئيسية هي[17]:

  • انتقال من وضع استبدادي إلى آخر ديمقراطي.
  • تتم عملية التحول الديمقراطي من خلال عملية تدريجية.
  • يعتبر التحول الديمقراطي مجرد وسيلة للوصول إلى الديمقراطية وليست هي الديمقراطية.

وقد أشار صامويل هنتنجتون إلى أن ظاهرة التحول الديمقراطي تتطلب توفر مجموعة أسس تكون بمثابة شروطاً أولية أساسية حتى يتم التغيير الديمقراطي هي:

  • التخلي عن الأيدلوجية الانقلابية من خلال تحقيق تسوية تاريخية بين أطراف اللعبة السياسية.
  • الاستقرار الاقتصادي.
  • الإصلاح الديني.
  • عدم التهديد الخارجي.

وخلاصة ما سبق يمكن القول إن هناك تعريفان للتحول الديمقراطي:

الأول: تعريف شكلي يعني حالة الانتقال من اللاديمقراطية إلى الديمقراطية.

الثاني: تعريف إجرائي يعني الانتقال من نظام سياسي يسود فيه الحكم الفردي الاستبدادي إلى نظام سياسي يكون الحكم فيه عن طريق مؤسسات دستورية فاعلة تستمد شرعيتها من إرادة الشعوب.

وعملية التحول الديمقراطي هي مرحلة انتقالية بين حدي نقيض تجمع بين خصائص النظام الديمقراطي والنظام غير الديمقراطي، وفي المرحلة الأولي لهذا التحول في حالة ما إذا كان التحول يحدث بشكل متدرج وليس من خلال تحول جذري يقلب الأمور رأساً على عقب وإن كانت هناك حالات تحول ديمقراطي حدث فيها مثل هذه التحولات الجذرية، مثل معظم حالات التحول الديمقراطي التي شهدتها دول أوروبا الشرقية، بينما شهدت دول أخرى عملية تحول تدريجي[18].

ولكن هذا لا يعني أن عملية التحول الديمقراطي خطية، فقد لا يترتب على انهيار النظام السلطوي إقامة نظام ديمقراطي، وإنما صورة أخرى صور النظام السلطوي، فالديمقراطية – كما سنوضح لاحقاً – لابد أن يكون لها خصائص ومقومات حتى تتواجد، كما أن الظروف التي تؤدي إلى ظهور الديمقراطية قد لا يترتب عليها تحقيق التماسك والدعم للنظام الديمقراطي[19].

المبحث الثاني: مـفـهـوم الـديـمـقـراطية وخصائصها

لقد استمر الاستبداد وساد السلطان المطلق في أوربا إلى أن انتهت العصور الوسطي بنهاية القرن الخامس عشر وبداية عصر النهضة[20]، الذي تميز بظهور الأفكار التي تدعو إلى الحريات وإلى ضرورة الحد من سلطان الحاكم وإخضاعه لقواعد عليا تقيده، وقد ساعد على نمو تلك الأفكار ظهور المذهب البروتستانتي وصراعه مع المذهب الكاثوليكي، فنشأت فكرة جديدة عن الدولة وعن أصلها وأساس سلطتها والحدود التي تقيدها، ومن ثمَّ نزعت الصبغة الدينية عن السيادة[21].

تلك هي الفكرة عن الديمقراطية التي وضع جذورها الفكر البروتستانتي في القرن السادس عشر، وبهذا أصبحت السيادة مصدرها الجماعة نفسها، تفوض ممارستها إلى السلطة التي تحكم لصالح المجموع، غير أن الآراء اختلطت في كيفية تفويض السلطة ووسائل ممارسة السيادة، وانتهي الرأي إلى تحبيب الفكرة الديمقراطية على أساس أن السيادة لا يمكن التصرف فيها أو التخلي عنها لكونها حقاً لصيقاً بالطبيعة الإنسانية أو مـن خصائصها، ومن ثمَّ فإن اختيار الجماعة لحاكم أو ملك لا يعني النزول له عن السيادة، وإنما يعني فقط تكليفاً أو تفويضاً بتنفيذ إرادة المجموع والسهر على مصالحه تحت إشراف مستمر من الجماعة، ومع احتفاظها بحق مقاومته بل وتوقيع الجزاء عليه إن أساء استعمال السلطة، وهو رأي البروتستانتيان “هوتمان ولانجيه”[22].

ومع بداية العصر الحديث، أي منذ القرن السادس عشر والسابع عشر قامت حركات فكرية تستهدف الحد من السلطة المطلقة للملوك وتقييد الحكام بإرادة الجماعة، وقد تتابع الكتاب والفلاسفة في أبحاثهم حول السيادة والدولة والقانون[23].

ومع أوائل القرن الثامن عشر ظهرت مدرسة القانون الطبيعي ونظرية الحقوق الفردية والحريات العامة، والتي تنادي بوجود قانون طبيعي للحقوق والحريات ينبع من طبيعة الإنسان ويسبق الجماعة ويسمو على الدولة، وكان ذلك بداية لانتشار تعاليم المذهب الفردي الحر ومبدأ السيادة للشعوب، وأن ليس للملوك حق شخصي في السيادة وإنما لهم فقط اختصاصات يمارسونها[24].

فالأمة هي صاحبة السيادة وما الحكام إلَّا مجرد عمال لها، وأمام هذا الميراث الفكري أصبحت الحريات السياسية بمثابة الضمانة الأكيدة لنظرية الحقوق، إذ أيقنت الشعوب إنها لن تستطيع الحصول على هذه الحقوق ولن تتمكن من صيانتها طالما بقيت الدولة في قبضة شخص أو طبقة، وطالما بقي الناس بعيدين عن المشاركة في سلطة الحكم، وكان طبيعياً لذلك أن تنهار القاعدة الدستورية التي أراد لويس الرابع عشر تأكيدها حين أطلق كلمته الشهيرة: “الدولة هي أنا”[25].

ولقد كان لهذه الأفكار والآراء أثر في اندلاع الثورات الشعبية في أوربا وأمريكا على الحكم المطلق، فقد كانت هذه الأفكار وقود هذه الثورات التي بدأت في انجلترا ضد حكم “آل ستيوارت” ثم في أمريكا أثناء حرب الاستقلال، وأخيراً لعبت دوراً هاماً في إشعال الثورة الفرنسية، وكان من نتيجة هذه الثورات وعلى الأخص الثورتين الأمريكية والفرنسية[26] الأخذ بنظام ديمقراطي للحكم تكون السيادة فيه للشعب، يحترم الحريات والحقوق الفردية، ويقيم منها سداً منيعاً أمام سلطات الحاكم لا يستطيع أن يتعداها.

إن الصراع بين السلطة والحرية صراع أبدي، والمحاولات الفكرية والفقهية لم تتوقف في البحث عن أفضل الوسائل والآليات التي يمكن أن تساهم في تحقيق التوافق والتعايش السلمي بينهما، وهو ما نجح فيه الفقه الدستوري فعلياً من حيث توفيقه في عولمة الديمقراطية وآلياتها الشعبية في العمل على نشر الأفكار الديمقراطية إلى درجة أن أصبحت الغلبة في بعض الأنظمة السياسية المعاصرة للحرية باعتبارها هي الأصل لينكمش معها دور السلطة ويتحدد في مجرد توفير المناخ المناسب لممارستها، أي أنها غدت وسيلة لحماية الحريات العامة، فالقاعدة أن الإنسان ولد حراً ولا يملك أي فرد إخضاعه إلَّا بإرادته وفقاً لنصوص النظريات العقدية التي فسرت بأن السلطة تعود إلى الجماعة شعباً أو امة، ولكن ونظراً لاستحالة ممارستها من طرف الجماعة تطورت النظريات التمثيلية بأن تختار الجماعة – بكل حـرية – مـن يمارس باسمها ولحسابها السلطة السياسية بحيث تملك الحق في متابعته ومحاسبته.

وللديمقراطية تاريخ طويل ومتجدد في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مغايرة جذرياً مع الأصل التاريخي لنشأتها، ومن ثمَّ يعود الحديث عن الديمقراطية بمعناها الواسع والمتمثل في مشاركة الشعب في اتخاذ القرار ومراقبة تنفيذه والمحاسبة على نتائجه، مما يعني أنها – الديمقراطية – صيغة ومنهج لإدارة الصراع في المجتمع بالوسائل السلمية من خلال الاحتكام إلى قواعد وأسس متفق عليها سلفاً بين جميع الأطراف.

وقد مرت الديمقراطية بمراحل متباينة حتى استقرت تحت اسم الديمقراطية السياسية فالاجتماعية التي تستدعي القيام بالتنشئة الديمقراطية ودعم المبادرة الشعبية وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية تمكّن الشعب من ممارسة دوره في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع، مما يساهم في تجسيد مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه، مما يؤكد أنها – أي الديمقراطية – ليست نظام شامل ولا عقيدة أيدلوجية ثابتة وإنما هي مجرد منهج وآلية ارتضتها الشعوب والمجتمعات بعد تجارب مريرة مع الاستبداد والطغيان تمكنهم من ضبط السلطة القائمة وكبح جماحها، ومع أهمية النظام الديمقراطي تكون الحاجة ماسة إلى تعميق الممارسة الديمقراطية، لذلك فإننا سنتناول في هذا المبحث ومن خلال مطلبين مستقلين مفهوم الديمقراطية وخصائصها، وذلك على النحو الآتي:

المطلب الأول: مفهوم الديمقراطية.

المطلب الثاني: خصائص الديمقراطية.

المطلب الأول: مـفـهـوم الـديـمـقـراطـيـة

الاهتمام بمفهوم الديمقراطية ليس بحديث عهد، غير أنه في الزمن المعاصر تزايد بشكل لافت، فباتت الديمقراطية موطئ تركيز كثير من الأبحاث والدراسات وبؤرة الجدل في ظل التحولات التي عرفها العالم إثر سقوط المعسكر الشرقي وقيام الحادية القطبية مصحوبة باجتياح ظاهرة العولمة وتصاعد المد الديمقراطي الذي جعل “فرانسيس فوكوياما Francis Fukuyama” يطلق تباشير نهاية التاريخ ويؤذن بانتصار الديمقراطية الليبرالية بإعلانه أنه: “في نهاية القرن العشرين يجدر بنا أن نبحث عن تاريخ متسق واتجاهي للإنسان سيقود القسم الأكبر من البشرية إلى ديمقراطية ليبرالية في نهاية المطاف”.

لكن الواقع أبطل ادعاء “فوكوياما” ببقاء مناطق معينة عصية على الديمقراطية كما هو الحال في الشرق الأوسط، فضلاً عن ذلك كان استشراف آخرين لمستقبل البشرية على نحو مناقض، فقد تنبأ “صامويل هنتنجتون” بعده بفترة وجيزة بصدام الحضارات.

تعني الديمقراطية في أصلها اللغوي حكم الشعب، وهي ترجع إلى أصل يوناني “Democracy” حيث تتكون من مقطعين، الأول “Demos” وتعني الشعب، والثاني “Cratos” وهي تعني السيادة أو السلطة أو الحكومة، وبجمع المقطعين نصل إلى معناها اللغوي وهو حكم الشعب[27].

وتُعّرف الديمقراطية بأنها حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب، ففيها يكون الشعب هو مصدر السلطات، وتكون الحكومة معبرّة عن الإرادة الشعبية مستندة إليها[28]، وهذا المعنى الذي قدمه الرئيس الأمريكي “أبراهام لنكولن”، وهذا التعريف التقليدي الكلاسيكي للديمقراطية، وقد اعتبر “جان جاك روسو” هذا التعريف مثالي إذ يصعب في الواقع تحقيق حكم الشعب نفسه بنفسه بالنظر لمساحة الدول وكثافة السكان، والبديل الواقعي للديمقراطية المباشرة – في نظره – هو الديمقراطية النيابية، حيث تكون الكلمة العليا للشعب من خلال اختيار حكامه وممثليه الذين يشاركون في اتخاذ القرار ووضع السياسات والقوانين ويخضعون للرقابة التي تضمنها آلية الانتخاب التي تجبرهم على طلب الثقة بصفة دورية.

وتعددت التعريفات التي تتناول الديمقراطية من هذه الزاوية باعتبار أن مصدرها الشعب تمارس من طرفه في مواجهة الشعب من أجل تحقيق أهداف تعود للشعب ذاته.

وقد واجهت هذه التعريفات “الكلاسيكية” العديد من الانتقادات منها أن هذا التعريف يجعل من استصدار كافة القوانين والقرارات الصادرة بإدارة شئون الدولة بإجماع المواطنين، وهذا الكلام غير قابل للتطبيق العملي، لذلك استبدل “روسو” قاعدة الإجماع بقاعدة الأغلبية لأن تطبيقها من الناحية العملية من الأمور المقبولة عقلاً وعملاً[29].

فالديمقراطية يضيق نطاقها في أرض الواقع عن صورتها المثالية، ويمكن حصرها كما يعتقد “روبرت دال” في حكم الكثرة “Polyarchy”.

ومن ثمَّ ظهرت مدرسة “النخبة” حيث يرفض رواد هذه المدرسة بالمطلق مقولة حكم الشعب لنفسه ويقولون إنه لا اليوم ولا عبر التاريخ كان الحكم للشعب أو للأغلبية، بل كانت الأقلية أو النخبة هي التي تحكم، ولكنهم يقرون بأن النخب الحاكمة اليوم توظف الشعب للوصول إلى السلطة ولكنها تراعي مصالح الشعب وهي في السلطة.

ومن رواد هذه المدرسة “جيوفاني سارتوري Giovanni Sartori” حيث ينتقد في مؤلفه “نظرية ديمقراطية” المفاهيم الكلاسيكية للديمقراطية التي تضخم من دور الشعب في الممارسة السياسية، وهو يرى أن الخطر على الديمقراطية لا يأتي من الدكتاتورية أو الارستقراطية بل من تدخل الشعب في عمل النخبة السياسية وعرقلة قيامها بحقها الطبيعي في الحكم، وعليه فهو يطالب ببقاء السلطة السياسية بيد النخبة الحاكمة ما دامت تتوفر على عناصر الامتياز والتفوق التي يعترف لها به الجميع، ومن هنا يرى “سارتوري” أن دور النخبة في المجتمع يجب أن يكون كبح جماح الأغلبية، لأن ترك العنان للشعب باسم الديمقراطية سيؤدي إلى الغوغائية التي تطيح بالاستقرار السياسي، وفي رأيه أنه لا تعارض بين حكم النخبة والديمقراطية، فالديمقراطية – من وجهة نظره – هي عملية اتخاذ قرارات يستجيب فيها القادة لتفضيلات المحكومين، فالمهم بالنسبة له ولكل منظري النخبة ليس حكم الشعب بل ضمان الاستقرار السياسي في المجتمع حتى تتمكن الدولة من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وفي نفس السياق يرى “كارل مانهيايم K. Mannheim” أن وظيفة المواطن العادي تنحصر في قيامه باختبار الحكام، وليس من الضروري أن يشارك في ممارسة السلطة.

والتعريفات التي تتعلق بتعريف الديمقراطية متعددة ومتنوعة مما جعل من الصعوبة الاتفاق على وضع تعريف جامع مانع لها يتم الإجماع عليه بين الباحثين والمفكرين، ولكن نشير إلى التعريف المستخدم لمصطلح الديمقراطية في الغرب وهو التعريف الذي أعطته إياه الثورة الفرنسية، وهو التعريف الذي يشمل المضمون الواسع لهذا المصطلح وهو: “حق الشعب المطلق في أن يشرع لجميع الأمور العامة بأغلبية أصوات نوابه”، وعلي هذا فإن إرادة الشعب التي انبعثت عن النظام الديمقراطي تعني أن هذه الإرادة حرة لا تتقيد مطلقاً بقيود خارجية، فهي سيدة نفسها ولا تسأل أمام سلطة غير سلطتها[30].

وهذا التعريف أعطي السيادة للأمة، وأن المثل الأعلى للديمقراطية هو أن يحكم الشعب نفسه بنفسه، وآلية تحقيق ذلك قيام الشعب بالتشريع عن طريق الأغلبية المنتخبين في المجالس النيابية من قبل الشعب.

لقد اختلف فقهاء القانون الدستوري حول تحديد وظيفة الدستور، ما بين اتجاه يرى أن الدستور قد وضع لكي يبين حدود السلطات، واتجاه آخر يقول إن الدستور قد وضع لضمان الحقوق والحريات العامة، فالواقع يشير إلى أن الوظيفة الأساسية للدستور تتحدد على ضوء الحاجة إلى الدستور[31].

ولما كان أي إنسان وأي شعب يأبى الظلم والتعسف بالسلطة والاستبداد والديكتاتورية، حتى أن الديمقراطية أصبحت أمل كل الشعوب، ولذا فإن نحن أخذنا بكلتا الوظيفتين معاً للدستور؛ من تقسيم سلطات الدولة بما فيها السلطة التنفيذية، وضمانة الحقوق والحريات، فإن دمج الوظيفتين يعني ظهور حكومة تحترم الشرعية الدستورية وتصون للأفـراد حقوقهم وحـرياتهم، وهـي مـا يمكن أن نطلق عليها “الحكومة الديمقراطية” حيث تكون هي الأداة التي يحكم بها الشعب، والوسيلة التي يعبر بها عن إرادته وسيادته، وعن طريقها يمارس السلطة في دولته، ومن هذا المنطلق أضحي النظام الديمقراطي الهدف الذي تسعى إليه الشعوب في العصر الحديث للتعبير عن سيادتها، وكفالة حقوق وحريات أفرادها، ولتحقيق غاياتها في الحياة الكريمة[32].

غير أن الملاحظ أن السلطة التنفيذية تحاول الزحف على السلطة التشريعية، والتدخل في عمل السلطة القضائية، ففي الوقت الذي استطاعت بعض النظم السياسية إيجاد آلية لكبح جماح السلطة التنفيذية، فإن هناك نُظماً استطاعت فيها السلطة التنفيذية السيطرة على السلطتين التشريعية والقضائية، ضاربة عرض الحائط بمبدأ سيادة القانون ومبدأ المشروعية معاً.

ويزداد الأمر خطورة إذا كانت إحدى السلطتين التشريعية أو القضائية أو كلاهما شريكاً في هذا التمادي، خاصة إذا لم يجد هذا التمادي من يردعه حين وقوعه، فإن تجارب الأمم تدل على أن الشعوب التي لم تستطع ردع السلطة التنفيذية عند الانحراف، فإنها تختزن آلام ذلك والنقمة عليه إلى حين، ثم ينفجر مخزون الألم والنقمة في صورة ثورات وحركات دامية، بهدف واحد وهو تصويب الأمر وإعادة التوازن إلى ما كان عليه[33].

فإذا كان الهدف الأساسي لتنظيم السلطات هو تحقيق الديمقراطية بما تشتمل عليه من متطلبات، وإذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب لنفسه أو إسناد السلطة إلى الشعب، فإن جمهور الفقه متفق على أن الأخذ بالديمقراطية ليس غاية في ذاتها بل وسيلة لتحقيق الغاية وهي الحرية والمساواة السياسية، وهذا هو الغرض الأصيل للديمقراطية السياسية، لذلك فإننا في هذا الخصوص – وكما نشير إلى ما أشار إليه بعض الفقه الدستوري إلى وجوب التفرقة بين الديمقراطية كمذهب والديمقراطية كنظام حكم.

فالديمقراطية كمذهب يراد بها إرجاع أصل السلطة السياسية أو مصدرها إلى الإرادة العامة للأمة، أما الديمقراطية كنظام للحكم فيراد به النظام الذي يرجع أيضاً أصل السلطة السياسية أو مصدرها إلى الإرادة العامة للأمة بالإضافة إلى ذلك أن حريات الأفراد تكون مكفولة، أي أنه يقوم أساساً على احترام الحريات الحقوق الفردية، وذلك عكس المذهب الديمقراطي الذي لا يشترط فيه كفالة تلك الحريات، ومن ثم يتبين خطأ الفكرة الذائعة أن المـذهب الديمقراطـي والحرية صنوان لا يفترقان، أو إنهما توأمـان ولدا معاً مـن بطون التـاريخ[34].

ولأننا في هذا البحث لا نقصد إجراء تأصيل تاريخي لتطور الديمقراطية باعتبارها من أكثر المفاهيم اتساعاً واختلاطا ولا تعرف الجمود، إلا أننا نشير إلى نوعين من أشكال الديمقراطية التي تدور في فلك دراستنا وهما:

ديمقراطية الواجهة، حيث توجد مظاهر الخداع والتمويه بحيث تعطي الانطباع للمراقب الخارجي بوجود حياة ديمقراطية كالانتخابات والبرلمانات وإعلان للحقوق والحريات، ولكن تظل هذه المظاهر دون مضمون ديمقراطي في الواقع الحقيقي، فهي تقترب من مفهوم النظم الشبه ديمقراطية.

الديمقراطية الدستورية، وهي ديمقراطية تمثيلية تمارس فيها حقوق الأغلبية وفق إطار من المحددات الدستورية التي تهدف إلى ضمان تمتع جميع المواطنين بحقوق معينة فردية أو جماعية مثل حرية التعبير والدين، وتسمى (بالديمقراطية الليبرالية) أو (الديمقراطية الدستورية).

لذلك يصف البعض الديمقراطية بأنها تعني شكلاً من أشكال الحكم الذي تكون فيه الهيئة الحاكمة تمثل جزءً كبيراً نسبياً من الأمة كلها.

المطلب الثـانــي: خـصـائـص الـديـمـقـراطـيـة

تتميز الديمقراطية بمجموعة من الخصائص نجملها في النقاط الآتية[35]:

أولاً: الديمقراطية مذهب سياسي

تقوم الديمقراطية على أساس تمكين الشعب من ممارسة السلطة السياسية في الدولة، ولا تتعدى ذلك إلى محاولة إنجاز أهداف اقتصادية واجتماعية، فليس لها دور في إصلاح المجتمع أو تحقيق سعادته ورفاهيته من الناحية المادية، ومن ثم فهي مذهب سياسي محض وليست مذهب اقتصادي أو اجتماعي.

ثانياً: الديمقراطية مذهب فردي

تستند الديمقراطية إلى المذهب الفردي الذي يقدس الفرد ويسعى إلى حماية حقوقه وحرياته وإلى تحقيق سعادته دون النظر إلى أي اعتبار آخر يتعلق بعضويته في أي جماعة من الجماعات أو انتمائهم إلى طبقة من الطبقات، فهي تنظر إلى الفرد بوصفه إنسان بصرف النظر عن أي اعتبار آخر يتعلق بمراكزهم أو انتمائهم السياسية أو الحزبية.

ثالثاً: الديمقراطية تقرر المساواة القانونية

هذه الخاصية مرتبطة بسابقتها، إذ إن المساواة القانونية التي تعمل على إقرارها الديمقراطية هي نتيجة طبيعية لاستنادها إلى المذهب الفردي، فجميع المواطنين يشتركون في شئون الحكم ويتمتعون بالحماية القانونية على قدم المساواة دون تمييز بسبب الأصل أو الجنس أو الدين أو اللغة أو الانتساب إلى مركز اجتماعي معين.

رابعاً: كفالة الديمقراطية للحقوق والحريات الفردية

قامت الديمقراطية – كمبدأ – لمحاربة الحكم المطلق واستئثار الحكام بالسلطة دون غالبية المواطنين، ومنع الاعتداء على حقوق وحريات الأفراد، لهذا فإن الديمقراطية – كنظام حكم – تهدف إلى كفالة الحقوق والحريات الفردية وحماية ممارسة الأفراد لمختلف الحريات، وعلى الأخص الحرية السياسية.

وتنطوي هذه الحرية على وضع حد لتدخل الدولة في ممارسة هـذه الحقوق والحريات، بحيث تقوم بتنظيمها دون المساس بمضمونها، وتقرير ضمانات معينه لحمايتها ضد أي تعسف أو انتهاك من جانب الحكام.

وبعد أن تناولنا بعضاً من تعريفات الديمقراطية بما يخدم دراستنا ومن ثمَّ تناولنا خصائصها نجمل مع سبق من خلال اعتماد مجموعة من المقومات التي تحكم النظام الديمقراطي بصفة عامة:

  • الإنسان هو القيمة الأولى في الديمقراطية، وحرياته وحقوقه الأساسية دون اختزال القاعدة التي تقوم عليها.
  • العمل بمبدأ المساواة بين الناس في الكرامة والحقوق مثلما تقره المادة الأولى للإعلان العالمي للحقوق الإنسان الصادر سنة 1948.
  • الشعب مصدر السلطات يفوضها ويراقبها من خلال انتخابات حرة عادلة دورية تضمن التداول السلمي.
  • مبدأ المواطنة الشاملة الذي يتيح لمكونات المجتمع المساهمة المتساوية والفعّالة في تدبير الصالح العام والالتزام به.
  • سيادة القانون بالاحتكام إلى دستور ديمقراطي يتبنى المبادئ السابقة ويجسدها في مؤسسات الدولة، والذي يقر المساواة ويمنع التعسف في استعمال السلطة بإقامة مبدأ سمو الدستور والفصل بين السلطات وضمان استقلال القضاء وحماية الحقوق والحريات العامة.

هذه المقومات تخطو بالدراسة خطوة مهمة باتجاه تجاوز الخلافات حول المفهوم واعتماد تعريف إجرائي يأخذ بها كمؤشرات، فبتعبير الجابري النظام الديمقراطي هو: “الذي يقيم علاقة بين الحاكم والمحكوم، بين الشعب والدولة مبنية على تداول السلطة السياسية على أساس الأغلبية الانتخابية التي يفرزها التعبير الديمقراطي الحر من خلال التنافس الحزبي في إطار احترام حقوق المواطن السياسية منها بالخصوص”[36].

الفصل الثاني: التحول الديمقراطي ومفاهيم ذات صلة

في إطار تأصيل مفهوم التحول الديمقراطي سعى العديد من الباحثين إلى وضع خطوط فاصلة بين مفهوم التحول الديمقراطي والعديد من المفاهيم التي تبدو من الوهلة الأولي أنها مترادفات لغوية تؤدي نفس المعنى الاصطلاحي، في حين أنها مختلفة سواء من الناحية الاصطلاحية أو العملية والواقعية، مثل مفهوم الانتقال الديمقراطي، والترسيخ الديمقراطي والديمقراطية الليبرالية.

وفي هذا البحث لا نستطيع أن نغفل دور الديمقراطية في الدول الإسلامية والذي يحاول منظرّوها الشرعيين إلى الاستغناء التام عن مفهوم الديمقراطية والاستعاضة عنه بمبدأ إسلامي أصيل وهو مبدأ الشورى، ومن ثمَّ وجب علينا توضيح المفهومين وطبيعة العلاقة بينهما.

لذلك نتناول في هذا الفصل ومن خلال مبحثين مستقلين العلاقة بين التحول الديمقراطي والمصطلحات الحديثة ذات الصلة به، وفي مبحث ثان مستقل نتناول العلاقة بين الديمقراطية والشورى، وذلك على النحو التالي:

المبحث الأول: التحول الديمقراطي والمصطلحات ذات الصلة

في إطار تحديد مفهوم التحول الديمقراطي سعت العديد من الأدبيات السياسية إلى محاولة تأصيل عدد من المفاهيم التي ارتبطت بالتحول الديمقراطي مثل الثورة، التغيير الديمقراطي، الترسيخ الديمقراطي والديمقراطية الليبرالية والتحول الليبرالي، ومن ثمَّ حرصت مختلف الأدبيات في تناولها لمفهوم التحول الديمقراطي على التمييز بين هذه المصطلحات وذلك على التفصيل التالي:

أولاً: الثورة

الثورة مصطلح يقصد به التحول الجذري في التكوينات الاجتماعية والسياسية والنظام العام وفي العلاقات والخبرات المتبادلة بين الناس، ويقصد بها مقاومة النظام السياسي ذاته وليس مجرد التمرد أو العصيان.

ثانياً: التغيير الديمقراطي

يثير لفظ التغيير إلى إحداث شيء لم يكن من قبل، ويقصد به في مجمل التحولات التي تتعرض لها البنى السياسية في مجتمع ما بحيث توزع السلطة والنفوذ داخل الدولة نفسها أو عدة دول، كما يقصد بها الانتقال من وضع استبدادي إلى وضع ديمقراطي، أما معجم المصطلحات السياسية فعرّفه على أنه: “تغيير يصاحب مفهوم الثورة التي تصاحب ميلاد كل مرحلة جديدة في الحياة، وهو كل تغيير كيفي أو نوعي يكون حاسم النتائج”[37].

ثالثاً: الترسيخ الديمقراطي

تميز الدراسات التي تتناول موضوع الديمقراطية بين عمليات التحول الديمقراطي من جانب والترسيخ الديمقراطي من جانب آخر، فحدوث التحول الديمقراطي أمر واستمرار وتعزيز الديمقراطية أمر أخر تماماً.

لذلك نجد أن مفهوم الترسيخ الديمقراطي حظي باهتمام كبير في الدراسات المعاصرة للديمقراطية باعتبار أن رسوخ الديمقراطية هو بمثابة المرحلة المتقدمة من عملية التحول الديمقراطي، واجتهدت الكثير من الدراسات في محاولاتها إلقاء الضوء على مؤشرات المرحلة الانتقالية من التحول الديمقراطي من ناحية وبداية مرحلة الرسوخ مؤكدة على أن تعزيز الديمقراطية ورسوخها يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين وبشكل تدريجي عبر فترة زمنية طويلة قد تستمر لعدة عقود.

حيث يشير مفهوم الترسيخ الديمقراطي في أوسع معانيه إلى عملية تطوير وتعزيز النظام الديمقراطي حتى يتحول إلى نظام مؤسسي مستقر، قادر على الاستمرار، ويجسد قيم الديمقراطية وعناصرها وآلياتها بشكل حقيقي وفعّال[38].

رابعاً: الديمقراطية الليبرالية

ينطوي اصطلاح الديمقراطية الليبرالية على مفهومين، أولهما “الديمقراطية” وقد أطلق هذا الاصطلاح في استخدامه الأصلي على أحد أشكال الحكم، فوفقاً للتقليد الكلاسيكي فإن الديمقراطية هي حكم النمط الغربي، وتركز الديمقراطية الليبرالية تركيزاً خاصاً على الحرية الفردية وعلى المؤسسات التي تقوم بحماية الأفراد من القمع الحكومي وعلى المساواة القانونية بين الأفراد.

أما اصطلاح “الليبرالية” فقد استخدم للإشارة إلى ذلك النظام الذي ظهر وتطور في إنجلترا منذ أواخر القرن السابع عشر، وكان مفهوم الحرية الفردية والتي يحددها القانون هو الذي أثر على الحركات الليبرالية في القارة الأوربية، كما أصبح الدعامة التي استندت إليها التقاليد السياسية الأمريكية.

وبحلول القرن التاسع عشر وتحول الدولة المدنية إلى الدولة القومية بسبب زيادة أعداد الشعوب بدأت التطورات الليبرالية عن الديمقراطية في الظهور مثل “التمثيل، المساواة أمام القانون، المحاسبة”.

وتستخدم الليبرالية للدلالة على مدي السلطة الحكومية، أما الديمقراطية فتهتم بمن في يده السلطة، وكما يقال إن الأشياء تعرف بأضدادها، فيتضح معني الليبرالية باللفظ المضاد لها وهو الديكتاتورية أو الشمولية، في حين أن عكس الديمقراطية فهو السلطوية[39].

خامساً: التحول الليبرالي

يعني إعادة تعريف وتوسيع نطاق الحريات المسموح بها للأفراد من خلال تقديم عدد من الضمانات لحماية الفرد والجماعة من تعسف السلطة، وتضمن هذه العملية الإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح بالتعبير عن الرأي في عدد من القضايا ذات الاهتمام العام، والحد من التدخل في الانتخابات لصالح مرشحي الحزب الحاكم.

أما التحول الديمقراطي فيتجاوز هذه الحدود الضيقة لكل من الحقوق الفردية والجماعية حيث يهدف إلى تحقيق إصلاحات سياسية تعكس قدراً أكثر اتساعاً من ناحية محاسبة النخبة وصياغة عملية صنع القرار في إطار مؤسسي ديمقراطي.

ولا يحدث التحول الليبرالي بالتزامن مع التحول الديمقراطي لأن الحكام السلطويين قد يسمحون بحدوث التحول الليبرالي لزيادة شرعيتهم دون تغيير في هيكل السلطة، إلَّا أنه يترتب على الحقوق والحريات التي يمنحها النظام زيادة المطالب الشعبية بالتحول الديمقراطي، وإذا كانت تلك المطالب قوية بالدرجة الكافية قد ترغم السلطة على مزيد من التحول الديمقراطي الذي يعد مرحلة أعلي من مرحلة التحول الليبرالي التي يمكن التلاعب بها والارتداد بها مرة أخرى نحو السلطوية، وبالتالي قد يساهم التحول الليبرالي في إحداث التحول الديمقراطي وقد لا يساهم، ومع ذلك يعتبر خطوة نحو مزيد من الضغوط باتجاه تحقيق التحول الديمقراطي[40].

المبحث الثاني: الديمقراطية والشورى (النموذج الإسلامي للديمقراطية)

لقد عانت البشرية من الاستبداد وانتهت بعد مسيرتها الطويلة وهي تبحث عن نظام الحكم الملائم إلى الأخذ بمبادئ عدة، أهمها “مبدأ الشورى” الذي رأت فيه أساساً لا غني عنه من أسس الحكم وأسماه الغرب “المبدأ الديمقراطي”، وفيه يحكم الشعب نفسه بنفسه، فتكون الأمور مردها في النهاية إليه، يقول فيها كلمته ويفرضها على الحكام، فيكون – الشعب – صاحب السيادة ومصدر السلطات وتعلو إرادته على إرادة الحكام، فهم عندما يحكمون إنما يحكمون باسمه ويؤدون في النهاية الحساب إليه، فالهدف الأساسي “للديمقراطية الغربية” هو حماية الشعب من تسلط الحكام.

وقد مرت الديمقراطية بمراحل متباينة بدءاَ من ديمقراطية أثينا إلى الديمقراطية البرجوازية لتستقر تحت اسم الديمقراطية السياسية فالاجتماعية، والتي تستدعي القيام بالتنشئة الديمقراطية ودعم المبادرة الشعبية وتحقيق قدر مناسب من العدالة الاجتماعية تمكن الجماهير من ممارسة دورها في دعم التطور الديمقراطي للمجتمع، مما يساهم في تجسيد مبدأ حكم الشعب نفسه بنفسه لنفسه.

وللديمقراطية تاريخ طويل ومتجدد، ففي ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مغايرة جذريا مع الأصل التاريخي لنشأتها، يعود الحديث والاهتمام بالديمقراطية بمعناها الواسع والمتمثل في مشاركة الشعب في اتخاذ القرار ومراقبة تنفيذه والمحاسبة على نتائجه، مما يعني أنها مجرد صيغة ومنهج لإدارة الصراع في المجتمع بالوسائل السلمية من خلال الاحتكام إلى قواعد وأسس متفق عليها سلفاً بين جميع الأطراف تضمن تداول السلطة بين الجميع على أساس انتخابات دورية حرة ونزيهة[41].

وما سبق يؤكد أن الديمقراطية ليست نظام شامل أو عقيدة أيدلوجية ثابتة، وإنما هي مجرد منهج وآلية ارتضتها الشعوب والمجتمعات بعد تجارب مريرة من الاستبداد والطغيان تمكنهم من ضبط السلطة القائمة وكبح جماحها[42].

وفي هذا الصدد يجب التفرقة بين الشورى كأساس لفن الحكم، والشورى كأساس من أسس الحكم في الإسلام، حيث تواجه – الشورى – الحاكم وقد استقر في منصبه وقد اخذ يتهيأ للحكم، فنقول له كيف يحكم؟، وكيف يتصرف؟، وكيف يقود؟، أياً كانت نصوص الدستوري الذي يحكم البلاد، وأياً كان حجم السلطات الممنوحة له، لأن – الشورى كفن من فنون الحكم – تقوده في ممارسة سلطات واختصاصات جعل له فيها الدستور الكلمة الأخيرة، وأصبح في وسعه أن يمارسها كما يريد، متحملاً في النهاية نتيجة قراره.

أما الشورى كأساس من أسس الحكم في الإسلام، فنجد أنها كفلت للشعب أن يكون صاحب الكلمة الأخيرة في شئون الحكم، يخضع لمشيئته الحكام جميعاً، ويلتزمون بتنفيذ إرادته، وهو وحده الذي يقيم في الدستور المجلس النيابي الذي ينوب عنه في وضع القوانين المنظمة للمجتمع في شتي جوانبها لقلة من البشر أو لفئة من البشر يعينهم الحاكم بإرادته ويعزلهم بإرادته، فلا يختار منهم من يعارضه في الرأي أو يناقشه في الحساب[43].

فهي بهذا المضمون علاج لمشكلة الاستبداد السياسي وآلية من آليات إقامة دولة المشروعية الدستورية والحرية السياسية، وهي النتيجة التي تجعل من الشورى العلاج الناجح للاستبداد السياسي، لذلك يقول “الكواكبي” بعد دراسته لطبائع الاستبداد: “وقد تمحص عندي أن أصل الداء الاستبداد السياسي، ودواؤه دفعه بالشورى الدستورية”[44].

ومع أهمية النظام الديمقراطي تكون الحاجة ماسة إلى تعميق التجربة الديمقراطية، لكي تسهل من التقريب بين عملية صنع القرار السياسي، وللديمقراطية الغربية مقومات أساسية لن تتحقق بدونها نجملها في الآتي[45]:

– إقرار مبدأ سيادة القانون، وقيام دولة المؤسسات، واعتماد مبدأ استقلال القضاء.

– الاعتراف بالحقوق والحريات العامة وحمايتها.

– الفصل بين السلطات.

– الاعتماد على مبدأ الانتخاب كأساس لتداول السلطة.

– وجود آليات ومؤسسات فعلية تضمن تمثيل الإرادة العامة للشعب، وتضمن للحقوق والحريات العامة فعاليتها.

وفي الفقه السياسي الإسلامي يلاحظ سبق النظام السياسي الإسلامي في تقرير كل هذه المقومات، مما يعني أن النظام السياسي الإسلامي قد أرسى هذه القواعد قبل أن يعرفها الغرب بقرون من الزمان.

فضلا عن ذلك فإن النظام السياسي الإسلامي يتميز بأصل هام وهـو “سيادة الشريعة” أو مبدأ “الشريعة الإسلامية” وكثير من الدساتير العصرية تشير إلى مبدأ “سيادة القانون”، كما يتغنى بـه كثيرون ممـن تستهويهم الشعارات الحديثة، وقد يظن البعض أن “سيادة الشريعة” لا تتجاوز ما تعرفه النظم العصرية باسم سيادة القانون أو مبدأ الشرعية الوضعية، ولكن مبدأ الشريعة الإسلامية هو نتيجة حتمية للطابع الإلهي للشريعة والمصادر الإلهية لها قواعدها الأساسية[46].

صحيح أن الإسلام لم يحدد صورة معينة من صور الحكم، إلَّا أن الأحكام العامة التي وردت في الشريعة الغراء بشأن التنظيم السياسي، وما أقرته الدولة الإسلامية الأولي من مبادئ سامية وضوابط عادلة وأسس في منتهي المثالية خاصة بأمور الحكم، تؤكد أن المجتمع الإسلامي قد تضمن شتي الأسس التي تقام عليها الديمقراطية المعاصرة، بل زادت عليها في الفحوى والمضمون.

ومن هذه الأسس موافقة الأمة على الخليفة أو الحاكم، ومساهمة الإرادة الشعبية في إدارة شئون الحكم، وخضوع الحكام والمحكومين لأحكام الشرع الإسلامي، وتطبيق مبادئ العدالة والشورى والمساواة والتكافل الاجتماعي[47].

وفيما يتقرر بمبدأ اختيار الحاكم ومراقبته وعزله، نجد أن النظام الإسلامي في هذا الجانب كان له فضل السبق فيه، لأن الأمة هي صاحبة السلطة الأصلية في الدولة باعتبارها مصدر السلطات، تفوض الخليفة في ممارستها نيابة عنها، وهو مسئول أمامها، فليس للحاكم في الإسلام سلطة معصومة بل هو بشر يعدل ويجور، ومن حق الأمة أن يسددوه إذا أخطأ، ويقوموه إذا اعوج، وعلى هذا يعتبر نظام “الشورى” وسيلة لتداول السلطة وممارستها ومراقبتها في إطار مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها[48].

والاستدلالات السابقة ما هي إلَّا جزء بسيط من أجزاء الشورى التي تُعد أوسع نطاقاً من ذلك وأعمق أصولاً، فالشورى هي أساس حماية الفرد في الجماعة التي تعطيه حقه الفطري في المشاركة في إصدار القرارات الجماعية، فالحرية والمشاركة في الرأي حق أساسي لجميع الأفراد – المكلفين منهم – ولهم الحق في ممارسته على قد المساواة، والمساواة لا يمكن أن يتمتع بها الجميع إلَّا بالعدالة، ومن ثمَّ فإن غاية الشورى هي “العدالة” التي تقيم توازناً عادلاً ودقيقاً بين حرية الفرد والجماعات من ناحية، وبين وجود سلطة عامة تفرض حدوداً وقيوداً على هذه الحريات، وهذا التوازن يقيمه الفكر الحر والحوار المتبادل والتشاور على أساس مبادئ ثابتة ومستقرة تنبع من عقيدة وشريعة تسمو على إرادة الجميع، وتهيمن على فكر الجماعة ونظامها، وبذلك تكون الشورى ميزاناً تمثل الحرية احدي كفتيه، والسلطة الديمقراطية هي الكفة المقابلة لها، وترتكز كلتاهما على محور شرعي ثابت مستقر من أصول الشريعة ومبادئها السامية.

وأول ما يجب تقريره لضمان هذا التوازن هو أن السلطات لا يمكن أن تفرض قيوداً أو حدوداً على الحريات إلَّا ما تقرره الأمة بالشورى الحرة التي يكون لكل مكلف أن يسهم فيها بحرية ومساواة كاملة بين الجميع.

فتقرير مبدأ الشورى أساساً لولاية السلطة الديمقراطية في الإسلام هو ضمانة لحقوق الإنسان وحرياته، وتقرير مبدأ الشورى في المجتمع معناه ضمان الإسلام للحريات والحقوق الإنسانية التي يشار إليها في فقهنا باسم “الحرمات”، فحرمة العقيدة والنفس والعقل والعرض والمال، وحماية هذه الحرمات تكريم للإنسان الذي نص عليه القرآن.

وبذلك المفهوم يكون هناك فارق بين الديمقراطية بالمنظور الغربي كعقيدة فلسفية تعطي عقل الأمة صلاحية التشريع المطلق، وبين الديمقراطية كمنهج في ممارسة السلطة سلمياً، فالشورى كنظام للحكم الإسلامي في مختلف المجالات الاجتهادية في حدود دائرة الفراغ التشريعي فيما لا نص فيه هي من قبيل الديمقراطية كمنهج للحكم، ففي المصطلحين – الشورى والديمقراطية – توافق بين جوهر المبدأين[49]، من حيث محاربة الحكام المتألهين والملوك المستبدين والظلمة الجبارين بمختلف الآليات والأساليب المقيدة لسلطة الحكام واحترام الحقوق والحريات، كالإقرار بمبدأ سيادة القانون والشريعة، وخضوع أعمال السلطة التنفيذية للمسألة والمحاسبة بما فيهم الحاكم، والرقابة القضائية، وكلها – وغيرها – ضمانات لابد منها لتحقيق العدل واحترام حقوق الإنسان والوقوف في وجه طغيان السلاطين العالين في الأرض[50].

أيضاً فإن الشورى بسبب جذورها الإسلامية وأصولها الشرعية نجدها محصنة عن تأثير الفلسفات الأوربية، بل يمكن تقديمها كعلاج للديمقراطية لأنها بسبب هذه الأصول تتوفر لها خصائص عقائدية وأخلاقية تجعل منها منهاجاً اجتماعياً شاملاً تكسب الديمقراطية المكملة لها محتوي تضامنياً يحصن نظام الحكم – النظام السياسي للدولة – من مساوئ الصراع على السلطة التي تميزت بها الديمقراطية، لذلك فإنه يمكن القول إن الشورى أسمي مراتب الديمقراطية[51].

ونظراً لأن النظام الإسلامي في أول عهده لم يعرف بعض آليات الديمقراطية الحديثة مثل إجراءات التصويت والانتخابات بصورها الحديثة، فإن هذا دعا بعض المستشرقين مثل المستشرق “مارجليوث” إلى القول إن هذه المصطلحات – يقصد الديمقراطية – لم تعرف في الشرق إلَّا حديثاً، متناسياً بذلك مبدأ هام وهو أن الأسماء لا تهم إذا وضحت المسميات، فلكل عصر وزمان مصطلحاته وتعبيراته اللُغوية والسياسية المتغيرة، لكن الأهم وجود المبدأ ذاته بغض النظر عن اسمه، فالمضمون أهم من الشكل، والجوهر أهم من المظهر.

فللحكم الديمقراطي حقائق وأشكال أو كما يقول أهل المنطق جوهر وعرض، أما الجوهر فهو نصوص الدساتير وقوانين الانتخاب وصناديق الاقتراع وما إليها، لأنه قد توجد في بعض النظم دساتير وقوانين انتخاب وصناديق اقتراع ولا ديمقراطية – أي لا حرية -، وقد تكون هناك ديمقراطية حرة بلا شيء من هذه الوسائل والآليات، لذلك فإن من ينظر إلى العرض ويترك الجوهر مدعياً أن مبايعة الخلفاء لم تجر وفقاً للقواعد الديمقراطية، فإنما يقصدون أنها لم تجر باقتراع في صناديق الاقتراع، وهذه النظرة بلا شك نظرة سطحية للأمور، وتقديم القشور على اللباب، فالمهم في الأمر هو حرية المبايعة وليست إجراءات صناديق وأوراق اقتراع[52].

وإن كان ذلك لا يمنع من الاستفادة من الثورة التنظيمية التي توصلت إليها النظم الديمقراطية الحديثة لعملية الانتخاب والترشح لها، وتشكيل المجالس النيابية وإدارة المناقشات الحرة فيها والتصويت، وما إلى ذلك من قواعد تنظمها اللوائح الداخلية لتلك المجالس، فضلاً عن إجراءات الاستفتاء الشعبي، وتمكين الناخبين مـن الإجابة عن الأسئلة المطروحة للاستفتاء، خاصة أن تعطيل تطبيق الشورى في المجال السياسي قد حرم الشعوب من ممارسة كل هذه الحقوق[53].

ولعل أنصع دليل على ما سبق ما حدث في يوم السقيفة، ومبايعة الخليفة الأول “أبو بكر الصديق” رضي الله عنه عقب وفاة النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة، إذ أسفر هذا الاجتماع عن عدة قرارات ذات صفة تشريعية دستورية، وأخري ذات صفة سياسية[54]، وإن لم تستوفي هذه البيعة أو الانتخاب الإجراءات الشكلية التي تنبع من الديمقراطيات المعاصرة من الترشح والانتخاب وصناديق الاقتراع، إذ الأهم من هذه المسميات النتائج المترتبة على هذا الإجراء “الديمقراطي” والتي نذكر منها:

– إن أمور المسلمين يجب أن تكون شورى بينهم بكل ما تستلزمه الشورى من حرية كاملة في إبداء الرأي ومناقشة الآراء الأخرى، والمساواة بين جميع أفراد المجتمع في ممارستهم لحق الشورى وتمتعهم به، بما يستوجب ذلك من حرية الرأي والحق في المشاركة في اتخاذ القرارات المتعلقة بالشئون العامة.

– إن تعيين ولي الأمر أو الحاكم هو أحد الموضوعات التي يجب أن يتم التشاور بشأنها، مع وجوب الالتزام بالقرار الذي يصدر بعد الشورى، سواء صدر بالإجماع أو بالأغلبية، وهذا هو المبدأ الدستوري الأول الذي تقرر يوم السقيفة.

– إن اختيار الخليفة الأول “أبو بكر الصديق” رضي الله عنه ليكون أول رئيس للدولة الإسلامية بعد وفاة النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة وبعد نقاش حر شارك فيه الجميع دون تعسف أو إقصاء ليعد من أهم القرارات السياسية الهامة التي اتخذت يوم السقيفة.

– إذا كان الذين اجتمعوا يوم السقيفة لم يكونوا كل أهل المدينة فإنهم كانوا أهل الحَـل والعقد، وكانوا كذلك أهل الاجتهاد باعتبارهم أكابر الصحابة مـن المهاجرين والأنصار، وهذا أيضاً بعد دستوري آخر هام، وهو نيابة أهل الحَـل والعقد عن الأمة في ممارسة الشورى في النطاق السياسي.

– من النتائج الدستورية الهامة والتي أرست قيم الشورى – الديمقراطية – قبل أن يعرفها العالم بقرون – بغض النظر عن مسمي الإجراء ذاته – البيعة للخليفة الأول ” أبو بكر الصديق ” رضي الله عنه في اليوم التالي من عموم المسلمين في مسجد الرسول صلي الله عليه وسلم في استفتاء شعبي كامل.

وبذلك تكون البيعة لأبي بكر رضي الله عنه قد تمت على مرحلتين، الأولي الترشح والانتخاب من أهل الحَـل والعقد، والمرحلة الثانية الاستفتاء الشعبي للموافقة على القرار الأول الصادر من أهل الحَـل والعقد، وكلاً من الإجراءين يُـعدا من قبيل الإجراءات الدستورية الراقية التي لم يعرفها العالم إلَّا حديثاً.

لذلك يمكن القول إنه وإن اشتركت آليات الديمقراطية والشورى معاً في النظم الوضعية الحديثة والنظام الدستوري الإسلامي فإن المبادئ التي اقرها النظام الإسلامي تتميز عنها فضلاً عن السبق الزمني، فهي تتميز عليها بمصدرها، وبسبب هذا التميز في المصدر نجد أن هذه المبادئ – ومنها مبدأ الشورى – تمتاز بفاعلية أقوي من فاعلية الديمقراطية في النظريات الحديثة، فالشورى أقوي فاعلية وأكثر عمقاً واتساعاً وشمولاً من الديمقراطية[55].

وإذا كان اختيار الخليفة الأول بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم بطريق الانتخاب الحر المباشر، نجد أن أبو بكر رضي الله عنه استخلف بعده الخليفة الثاني “عمر ابـن الخطاب” رضي الله عنه وبايعه الناس، لكن ومن المهم القول إن إسناد السلطة إلى “عمر ابن الخطاب” رضي الله عنه لم تكن نتيجة استخلاف أبو بكر له، ولكن إسناد السلطة جاء بعد البيعة، فترشيح أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب كي يخلفه إن لم يجد قبولاً من الصحابة رضوان الله عليهم لما اقروا له البيعة خاصة بما هو معروف عنهم من شجاعة في قول الحق وإنهم ما كانوا يخشون في الله لومة لائم، ومن ثمَّ فقد كان لديهم من القوة والشجاعة التي تجعلهم أن يرفضوا هذه الترشيح إن لم يجد لديهم قبـولاً، ولكـن لولا قـوة “عمر” وكفاءته والتي تؤهله لقيادة الأمة ما بايعوه، فهو لا يعدو أن يكون أكثر من ترشيح لاقي قبولاً فبايعوه.

في حين كان اختيار الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه مختلف تماماً عن سابقيه، إذ كان اختياره عن طريق ترشيح عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل وفاته لسبعة من الصحابة، من بينهم ابنه “عبد الله بن عمر” ولكن لم يكن له حق الترشح، ولكن حقه في التصويت فقط، ويختاروا – السبعة – واحداً منهم.

وهذا التنوع في طرق اختيار الحاكم لهو من عبقرية هذا الدين وسعته، فكل هذه الآليات لم تخرج عن الإطار العام الواجب الالتزام به – وهي الشورى المنضبطة بقواعد الشريعة – أي التي لا تصطدم بنص قطعي، ومن ثمَّ فلا يوجد أدني مشكلة في تنوع الأساليب.

فالآيات الدالة على الشورى لم تحدد أسلوباً معيناً للشورى واجب الإتباع، ولكن اكتفت بوضع المبدأ العام، ولم يثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم قد حدد الجزئيات والتفصيلات الخاصة بهذا المبدأ، فلم يرد عنه صلي الله عليه وسلم أنه بيّن كيف تكون الشورى وكيف تقوم وكيف يكون نظامها، وهذا ما جعل الإسلام – لأنه خاتم الرسالات السماوية – صالحاً لكل زمان ومكان، فقد راعي في مبادئه التشريعية ما تقتضيه اختلاف البيئات وتباين الأزمنة من اختلاف وتباين في القواعد التي تحكم هذا المجال أو ذاك من مجالات الحياة البشرية.

ففي المجالات التي لا يتصور أن يختلف فيها الوضع باختلاف الأمم أو الزمان جاءت الأحكام فيها على درجة عالية من التفصيل، فعرضت للقواعد العامة والتفصيلية على السواء، وهذا شأن العبادات وأحكام الزواج والطلاق والمواريث.

أما المجالات التي من المتصور أن تختلف أوضاع الحياة باختلاف البيئات والأزمنة فإن الأحكام المنظمة لها قد اقتصرت على وضع المبادئ العامة والقواعد الأساسية تاركة التفصيلات لكل امة تضعها بما يلاءم وظيفتها، حتى تكون كل امة على امتداد الزمان كله – في سعة من أمرها تشرع وتفرع دون أن تحس بقدر من الضيق أو شيء من الحرج، وهذا شأن الأحكام الدستورية، والتي يندرج تحتها أحكام مبدأ الشورى، والتي يختلف أسلوب تطبيقها من بلد إلى بلد ومن عصر إلى عصر.

فالشورى من الأمور التي أمر الله تعالي بها كأصل عام في حين ترك تفاصيل تنظيمها للناس دون تحديد رحمة بهم غير نسيان، توسعة عليهم وتمكيناً لهم من اختيار ما يتاح للعقول وتدركه البشرية الناضجة، وما دام المقصود هو أصل المشورة والوصول بها إلى قوانين التنظيم العادل التي تجمع الأمـة ولا تفرقها والتي تعمر وتبني ولا تخرب ولا تهدم، ومن ثمَّ فإن الأمر في الوسيلة سهل وميسور[56].

وقبل أن نختم هذه العلاقة بين الشورى في النظام الإسلامي والديمقراطية في أنظمة الحكم الوضعية المعاصرة، فإنه من المهم الإشارة إلى أنه ليس هناك تناقض جِذري بين الشورى والديمقراطية الصحيحة، وإنما من الممكن إيجاد نوع من التكامل بينهما في ظل أن هدفهما في المجال السياسي، وهو تمكين الأمة من الحرية الكاملة في تقرير مصيرها واختيار حكامها وممارسة سلطانها عليهم بالتوجيه والمسألة والمحاسبة، وتمكين أفرادها من ممارسة حقوقهم الإنسانية الفطرية بحرية كاملة، لأنها هي أساس السلام والتقدم فـي المجتمع البشري[57].

فالمشترك بين الشورى والديمقراطية يسمح بإيجاد مثل هذه المساحة من التكامل بينهما، فعند تطبيقهما سوف نجد العديد مـن القواسم المشتركة بينهما، والذي نشير إليهما بإيجاز في الآتي:

– وجود قواعد مشتركة في النظم التي تطبق كلاً منهما، أهمها المبدأ الأساسي وهو حق الجماعة في تقرير مصيرها واتخاذ القرارات المصيرية بحرية كاملة.

– وجود مساحة معينة للاجتهاد في القواعد التفصيلية مما يفتح الباب للتنوع في النظم التي تطبق كلاً منهما.

– وجود مخاطر تهدد كلاً منهما نتيجة تعطيل بعض أحكامها أو الانحراف في تطبيقها بسبب فساد المجتمع أو سيطرة الأهواء والنزوات التي لا تهتم بالمصالح العليا للجماعة.

– حاجة كل النظم السياسية إلى مظلة من المبادئ العليا التي تكون سقفاً معروفاً مقدماً تقف عنده جميع السلطات البشرية، سواء بنيت على الشورى أو الديمقراطية.

ولكن وعلى الرغم من هذه القواسم المشتركة بين الشورى والديمقراطية الذي تجعل من الممكن وجود علاقة تكامل بينهما إلَّا إنه من الإنصاف أن نصف الشورى عند تكاملها مع الديمقراطية بأنها “ديمقراطية إسلامية”، وهذا ليس تغيير في المصطلح أو التسمية، لكنه تصحيح جوهري لصالح الديمقراطية ذاتها، لأنه تحصين لها من الانحراف عن مبادئ الأخلاق، ومن ثم كانت الشورى أعلي مراتب الديمقراطية.

لذلك نجد أن البعض من الفكر الإسلامي المعاصر لا يتحرج من وصف الدولة الإسلامية بأنها “دولة شورية تتوافق مع جوهر الديمقراطية”[58].

لقد جاء الإسلام بمبادئ سامية وأحكام نيرة ومثل عليا في شئون الحكم، إذا طبقتها الدول الإسلامية لوصلت إلى الديمقراطية “الإسلامية” الحقة التي تبهر الأبصار وتحظي بالتأييد والتي لا زالت حلماً يراود الشعوب والمجتمعات المعاصرة [59].


الهامش

[1]– د. محمد نصر مهنا – في نظرية الدولة والنظم السياسية – المكتب الجامعي الحديث – الإسكندرية – طبعة 2001 – صفحة 141

[2]– د. علي خليفة الكواري – مفهوم الديمقراطية المعاصرة – مركز الدراسات العربية – بيروت – طبعة سنة 200 – صفحة 26: 28.

[3]– د. حسنين توفيق إبراهيم – الانتقال الديمقراطي في العالم العربي – مركز الجزيرة للدراسات.

[4]– د. برهان غليون، حول الخيار الديمقراطي ـ دراسة نقدية، مركز دراسات الوحدة العربية سنة 1994، ص 140.

[5]– د. فضيل التهامي – الانتقال الديمقراطي ومعيقاته في البلدان العربية – الحوار المتمدن – العدد 4206.

[6]– د. برهان غليون – حول الخيار الديمقراطي ” دراسة نقدية ” – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – طبعة 1994 – صفحة 140.

[7]– د. فاطمة مساعيد – التحولات الديمقراطية في أمريكا اللاتينية “نماذج مختارة” – دفاتر السياسة والقانون – أبريل 2011- صفحة 215، 216.

[8]– د. علي خليفة الكواري – المسألة الديمقراطية في الوطن العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت طبعة 2000 – صفحة 136، 137.

[9]– جمال بصيري – واقع تنظيمات المجتمع المدني ومدي مساهمتها في مسار التحول الديمقراطي – دراسة ميدانية للتنظيمات الطلابية – رسالة ماجستير – جامعة الجزائر – كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية – طبعة 2006- 2007، صفحة 75.

[10]– ابن منظور – لسان العرب – بيروت – دار المعارف – صفحة 4529.

[11]– د. أحمد منيسي – التحول الديمقراطي في دول المغرب العربي – مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية – القاهرة 2004 – صفحة 295.

[12]– د. إيمان عبد الحليم – التحول الديمقراطي والأمن القومي مع التطبيق على مصر والعراق ” 1991-2005″ – رسالة ماجستير – جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – 2008- صفحة 7.

[13]– د. إيمان عبد الحليم – المرجع السابق – صفحة 8.

[14]– د. إيمان عبد الحليم – المرجع السابق – صفحة 12.

[15]– د. نجلاء الرفاعي البيومي – التحول عن النظم السلطوية في جمهورية كوريا وتايوان – رسالة ماجستير – جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – صفحة 8.

[16]– صامويل هنتنجتون – دراسة الموجة الثالثة ” التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين ” – ترجمة د. عبد الوهاب علوب – مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية – طبعة 1991 – صفحة 73.

[17]– دور المجتمع المدني في التحول الديمقراطي بعد الثورة – التقرير السنوي لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية – القاهرة – صفحة 87.

[18]– د. أميرة إبراهيم حسن دياب – التحول الديمقراطي في المغرب “1992 – 1998” – جامعة القاهرة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – قسم العلوم السياسية – سنة 2000 – صفحة 12.

[19]– د. نجلاء الرفاعي البيومي – المرجع السابق – صفحة 18.

[20] – بن عامر تونسي – قانون المجتمع الدولي المعاصر – صفحة 36 وما بعدها.

[21] – د. ثروت بدوي – النظم السياسية – صفحة 156، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – النظرية الإسلامية للدولة – صفحة 389، د. فاروق النبهان – نظام الحكم في الإسلام – صفحة 43، د. سعيد بو شعير – القانون الدستوري والنظم السياسية المقارنة – صفحة 11.

[22]– د. ثرت بدوي – المرجع السابق – صفحة 156، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – المرجع السابق – صفحة 38.

[23]– د. ثرت بدوي – المرجع السابق – صفحة 157 – د. فاروق النبهان – المرجع السابق – صفحة 44.

[24]– د. سعيد بو شعير – المرجع السابق – صفحة 115، د. ثرت بدوي – المرجع السابق – صفحة 157 – د. طعيمة الجرف – رقابة القضاء لأعمال الإدارة – صفحة 9، د. علي محمد حسين – رقابة الأمة على الحكام – صفحة 38.

[25]– د. سعيد بو شعير – المرجع السابق – صفحة 115، د. طعيمة الجرف – المرجع السابق – صفحة 10.

[26]– د. سعيد بو شعير – المرجع السابق – صفحة 116، د. ثرت بدوي – المرجع السابق – صفحة 158، د. فاروق النبهان – المرجع السابق – صفحة 45، د. حازم عبد المتعال الصعيدي – المرجع السابق – صفحة 38.

[27]– د. محمد رفعت عبد الوهاب – الأنظمة السياسية – منشورات الحلبي الحقوقية – بيروت – الطبعة الأولي سنة 2004 – صفحة 28.

[28] – د. عبد الغني عبد الله بسيوني – النظم السياسية – الطبعة الرابعة سنة 2002 – صفحة 202، 203.

[29]– د. محمد نصر مهنا – في نظرية النظم السياسية – المكتب الجامعي الحديث – الإسكندرية – طبعة 2001 – صفحة 112.

[30]– د. محمد أسد – مناهج الإسلام في الحكم – دار العلم للملايين – بيروت – الطبعة الأولي سنة 1987 – صفحة 47 وما بعدها.

[31] – د. أحمد فتحي سرور – الدستور وسيادة القانون والحق في التنمية – مقال منشور في مجلة مجلس الشعب – العدد الثالث عشر – اكتو بر 1995 – صفحة 24.

[32] – د. عبد الغني بسيوني عبد الله – المرجع السابق – صفحة 203.

[33]– د. محمد الحموري – ديمقراطية الدستور وديمقراطية الحكومات – مقالة على الانترنت.

[34]– د. سامي جمال الدين – النظم السياسية والقانون الدستوري – طبعة 2005 – صفحة 189.

[35]– د. سامي جمال الدين – النظم السياسية والقانون الدستوري – طبعة 2005 – صفحة 190: 192، د. عبد الغني بسيوني عبد الله – المرجع السابق – صفحة 203، 204.

[36]– د. محمد عابد الجابري – إشكالية الديمقراطية والمجتمع المدني في الوطن العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – بيروت – طبعة سنة 2000 – صفحة 184.

[37]– د. إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي – الموسوعة الميسرة للمصطلحات السياسية – صفحة 140.

[38]– د. حسنين توفيق إبراهيم – الانتقال الديمقراطي “إطار نظري” – الموقع الالكتروني لمركز الجزيرة للدراسات – 2013.

[39]– د. أكرم بدر الدين – مفهوم الديمقراطية الليبرالية –مكتبة نهضة الشعب – القاهرة – طبعة 1986 – صفحة 185.

[40]– د. نجلاء الرفاعي – التحول عن النظم السلطوية في جمهورية كوريا وتايوان ” رسالة ماجستير ” – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة سنة 1997 – صفحة 28.

[41]– د. عبد الغفار شكر – المجتمع المدني ودوره في بناء الديمقراطية – طبعة 2003 – صفحة 20، 21.

[42]– د. محمد مسلم – الهوية والعولمة – طبعة 2002 – صفحة 74.

[43] – د. مصطفي أبو زيد فهمي – المرجع السابق – صفحة 318.

[44] – عبد الرحمن الكواكبي – طبائع الاستبداد ومصارع العباد – دار النفائس – الطبعة الثالثة سنة 2006 – صفحة 30.

[45]– د. عبد الغفار شكر – المرجع السابق – صفحة 23.

[46]– د. توفيق الشاوي – المرجع السابق – صفحة 65.

[47]– د. محمد سلام مدكور – المرجع السابق – صفحة 23.

[48] – د. منير حميد البياتي – النظام السياسي الإسلامي مقارنا بالدولة القانونية “دراسة دستورية وشرعية وقانونية مقارنة” – الطبعة الأولى سنة 2003 – صفحة 317.

[49]– د. داود الباز – الشورى والديمقراطية النيابية “دراسة تحليلية لجوهر النظام النيابي مقارنا بالشريعة الإسلامية” – دار الفكر الجامعي – الإسكندرية – طبعة 2004 – صفحة 103.

[50]– د. يوسف القرضاوي – من فقه الدولة في الإسلام – صفحة 132.

[51]– د. توفيق الشاوي – المرجع السابق – صفحة 24.

[52] – الأستاذ عباس محمود العقاد – الديمقراطية في الإسلام – صفحة 52.

[53] – د. توفيق الشاوي – المرجع السابق – صفحة 24.

[54]– د. توفيق الشاوي – المرجع السابق – صفحة 50.

[55]– د. توفيق الشاوي – المرجع السابق – صفحة 129.

[56] – فضيلة الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت – المرجع السابق – صفحة 383.

[57] – د. توفيق الشاوي – المرجع السابق – صفحة 16

[58]– د. يوسف القرضاوي – الدين والسياسة – دار الشروق – الطبعة الأولي سنة 2007 – صفحة 171.

[59] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

أقراء ايضا قراءات نظرية: الديمقراطية والتحول الديمقراطي

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى