الانقلابات العسكرية في أفريقيا هل هي نهاية حقبة؟
النص الأصلي باللغة الفرنسية، مجلة “جون أفريك”، 9 مايو 2016
Coups d’Etat: la fin d’une maladie africaine, Jeune Afrique, 9 Mai 2016, link
يقول فرانسوت سودان: “بعد ما يناهز الثلاث سنوات على آخر انقلاب عسكري في مصر، هل سَتطوي القارّة الإفريقية (أخيرا) هذه الصّفحة؟ قارّة الـ 87 اِنقلابًا شهدت عددا مرتفعا ممن يطلقون على أنفسهم “المنقذ الأعلي”، هذه القارة تسعى اليوم إلى إعادة التّحويل”.
“كثير من الانقلابات في إفريقيا .. هذا يكفي”، هكذا غنّى ألفا بلاندي Alpha Blondy في نهاية الثمانينيات (من القرن العشرين) وهو يرتدي لباس قتال وخوذة، واليوم وبعد ربع قرن، هل انتشرت موضة الانقلابات العسكريّة في كلّ القارّة ؟ لقد كانت مصر مكان أوّل وآخر انقلابات ناجحة في الفترة المعاصرة، وهما اِنقلاب ناصر سنة 1952 واِنقلاب عبد الفتاح السيسي في 2013.
ففي بلاد الفراعنة، الصحيح هو أنّ الجيش هو الذي يملك الدّولة وليس العكس. ويبقى أنّه منذ ثلاث سنوات – وهي فترة تكاد تكون غير مسبوقة – باءت كلّ محاولات الاشتئثار بالسّلطة بالقوّة في إفريقيا بفشل يغرق أحيانا في صورة كاريكاتوريّة، من ذلك البيان رقم واحد التّعيس الذي صرّح به الجنرال ديانديري Diendéré في سبتمبر 2015 والذي عدّه مواطنو بوركينافاسو “الانقلاب الأغبى في العالم”.
فهل نحن بكلّ بساطة مع هدوء أو مع اتّجاه ثقيل للهدوء؟
كلّ شيء يتثبت أنّ القارّة الأكثر تأثّرا بحمّى المؤامرات هي الان في طريق الشّفاء. إذا أراد عسكريّ اليوم أن يطيح حكومة باستعمال السّلاح وكان لا يحظى بشعبيّة، فهو يعلم أنّه سيحاكم ويُنفى من قبل الاتّحاد الإفريقي والأمم المتّحدة والمجتمع الدّولي، وأنّه في حال الانزلاق، فإنّ المحكمة الجنائيّة الدّوليّة تنتظره.
ومن 44 عامًا، كان بإمكان الملازم البسيـط المنقلب ماتيو كيريكــو Mathieu Kérékou أن يكرّر على مسامع الصحفيّين: “أعيدوا قراءة تصريحنا، إذ ما قلناه صحيح. اِنتهى”. ومن ذلك الوقت فإنّ أغلب كوادر الجيوش الإفريقية قد تبنّوا القيم الجمهورية وأدمجوا الآليات الديمقراطية كما عملوا على تقدّم مستوى تدربيهم. لقد فهموا أيضا أنّ من هم في العمق قد حرّكوا دوما الانقلابات التي نفّذها سابقوهم، علمًا أنّ تصوّر وجود تهديد ضدّ مصالحهم الخاصّة قد يجد إجابة عنه في المؤسّسات، خاصة عبر الحوار واحترام الشرعيّة.
لقد عرفت القارّة الإفريقية اِنقلابات من كلّ نوع: اِنقلابات جذرية، انقلابات فاضلة، انقلابات مسرحيّة، انقلابات وطنيّة، انقلابات شعبيّة، انقلابات عرقيّة، وحتّى انقلابات موالية للدّيمقراطيّة، مثل اِنقلاب أمادو توماني Amadou Toumani Touré في مالي سنة 1991. وقد حصل أن صفّقت الشّعوب الإفريقية للانقلابات العسكرية، ومن قام بها، دون أن تدرك أنّها بهذا التصفيق قد وقّعت رسمياً على بيان عجزها الذّاتي عن تحديد مصيرها المشترك.
لم يعد هذا الوضعُ مقبولاً اليوم، فقد أصبح المنقذ الأعلى ذو القبّعة العسكريّة، أقلّ جاذبية، وحتّى وإن لم نكن نستبعد رؤية صور كرنفالية على الشاشات في المستقبل، فإنّ السّلطة أصبحت توجد أكثر فأكثر في بنية المجتمع وبين تياراته الفاعلة، لا في فوهات البنادق.