المعهد المصري للدراسات

التحليل القِيَمِي للتحرر من الاستبداد

يقوم فهم العمق القيمي لظاهرة الاستبداد، والنزوع الفطري للمجتمعات الإنسانية نحو التحرر على مجموعة من العمليات الأساسية، حيث يمتلك الانسان نزعات فطرية نحو شهوة.. السيطرة، وأخرى نحو الخير والعدل والبر، كما النفس البشرية كما بينها القرآن الكريم، تميل إلى الفجور أسرع منها إلى التقوى، والذي يدفعها إذا توافرت الإمكانيات والفرصة إلى الفجور والطغيان والاعتداء، ورغبة في المحافظة على استمرار المنفعة، يصل الإنسان الطاغية إلى نموذج مأسسة نظام استبدادي، يُمَكِّن له ولأبنائه وأحفاده من بعده.

وقد خَلَقَ اللهُ تعالى الإنسان حرا عزيزا كريما، غاية الكتب السماوية والرسل والمصلحين في الأرض، هي تزكية النفس بالقيم وبناء الإنسان الحر، ومنحه أكبر قدر من الخيارات، والقِيَم تُعَظِّم القدرات والممكنات البشرية، الاستبداد والطغيان يتمكنان في النفس البشرية الظالمة، ويتحولان إلى أيديولوجيا حاكِمة لتفكيره وسلوكه، ثم إلى قيمة عُليا لازمة لحياته، وفي نفس الوقت قيمة التحرر تعد قيمة عليا حاكمة للنفوس الحرة الأبية، وبتوافر الأسباب والظروف في لحظة تاريخية ما، يقفز الطاغية على الحكم، ويتَمَكَّن منه ويتحول إلى نظام استبدادي يستبِد فيه بالشعب، بعدها يدور صراع محلي متباين الحِدَّة، دائم الحركة بين الصعود والهبوط، تتشابك المصالح، وبينهما تتلاقى مصالح الدول الاستعمارية الكبرى مع مصالح المستبِدين بشعوبهم المحلية، فتتشكل تلقائيا شبكة من علاقات الرعاية والدعم لحماية وتأمين مصالح كلا الطرفَين.

قيمة التحرر:

الحرية قيمة أساسية مرتبطة بوجود الإنسان في الحياة، فقد خلق الله تعالى الإنسان وكَرَّمه ونفخ فيه من رُوحه، ومنحه العقل، وسخَّر له كل ما في الكون، وكلَّفه بمهمة عمارة الكون، ومنحه الحرية الكاملة في الاختيار حتى في الإيمان به من عدمه.

 لذلك عندما تتعرض حرية وإرادة إنسان ما للقهر والاستبداد يُعد ذلك أمر استثنائي يجب التخلص منه، لذلك فإن قيمة التحرر من الاستبداد قيمة وجودية ما وُجِد الإنسان لضمان تحرير الإنسان من كل ما يمكِن أن يُقيِّد حريته ويُحِد من إرادته وخياراته في الحياة، وحفظ كرامته الإنسانية والتي سَخَّر الله تعالى لها كل ما في الكون، والتي نزلت الرسالات السماوية للمحافظة عليها، وعكَف الفلاسفة والمفكرون على تعريفها وحمايتها.

ولهذا عَمِلنا على بناء مفهوم التحرر كقِيمة عُليا وترجمتها إلى واجبات عملية سلوكية، وتحقيقها وَفق معطَيات واقعنا المعاصر، وما يواجه الإنسان والشعب من تحديات تحاول تقييد حريته والنَّيْل من

كرامته الإنسانية.

أهداف قيمة التحرر:

1ــ المحافظة على قيمة ونعمة الحرية التي منحَها اللهُ تعالى للإنسان كل الإنسان.

2ــ صيانة الكرامة الإنسانية.

3ــ تحصين وحماية الإنسان من كل ما يمكن أن ينال من حريته.

4ــ تحسين جودة حياة الناس جميعا.

عناصر ومكونات قيمة التحرر من الاستبداد:

هي قيمه عليا فرضها واقع الطغيان والاستبداد في الأرض، ولذلك فهي قيمة وظيفية ديناميكية متحركة دائمة التطور بتطور حركة الحياة وأدوات الاستبداد غايتها تحرير الانسان من كل ما يمكن أن يقيد حريته.

ويتكون مفهوم التحرر من الاستبداد من أربعة مفاهيم أساسية:

1/4ــ صناعة الوعي المجتمعي.

2/4ــ إعلاء وحماية الكرامة الإنسانية.

3/4ــ إعلاء وتمكين قيمة الحرية.

4/4ــ تحقيق الاكتفاء الذاتي.

ولكل مفهوم أربع تطبيقات عملية، هي بمثابة الواجبات والمهارات السلوكية والتي تشكل في مُجمَلها ست عشرة وسيلة، هي في ذاتها برنامج عمل التحرر من الاستبداد.

الواجبات العملية ــ المهارات السلوكية ــ لقيمة التحرر من الاستبداد:

1ــ التحرر من المعيقات الذاتية.

2ــ التطهر من أمراض الفردية والعنصرية والتحزب والإقصاء.

3ــ النزوع المستمر نحو الوحدة.

4 التحرر من أثر الأكاذيب والتضليل التي تطرحها وسائل إعلام المستبد.

5ــ الاعتزاز بالذات والكرامة الإنسانية.

6ــ احترام الكرامة الإنسانية لكل مكونات المجتمع.

7ــ الغضب والشجاعة والمبادرة لرفض ومواجهة أي تجاوز أو انتقاص للكرامة الإنسانية.

8ــ المواجهة المجتمعية العملية والقانونية لأي تجاوز لحقوق وكرامة أي مواطن.

9ــ بناء وتمكين مفهوم الحرية ثقافة حياة لا يمكن التفريط في جزء منها.

10ــ بناء وتطوير الإعلام الثوري الحر.

11ــ تنمية وتفعيل المجتمع المدني ومقاومة تغول النظام على الشعب.

12ــ الاستثمار الأمثل للموارد المحلية المتاحة ــ الاكتفاء الوطني.

13ــ ابتكار البدائل المحلية البديلة.

14ــ العمل الجاد والإنتاج اللازم لتحقيق الاكتفاء الذاتي والتحرر من الحاجة للآخر.

15ــ ترشيد الاستهلاك في حدود الضروريات والتوقف عن التحسينات والترف.

قيمة ومهارات وبرنامج عمل التحرر من الاستبداد:

تتكون قيمة التحرر من أربع مفاهيم أساسية:

الوعي، وحماية الكرامة الإنسانية، وتمكين الحرية، والاكتفاء الذاتي، ولكل منها ثلاث واجبات عملية ومهارات إجرائية سلوكية تضمن تحقيقها واقعا عمليا في حياة الناس بإجمالي 12 مهارة وواجبا عمليا.

الشكل يبين المفاهيم التفصيلية الأربعة، المكونة لقيمة التحرر من الاستبداد والتطبيقات السلوكية، بمعنى الواجبات العمَلية للساعين إلى التحرر وتحرير شعوبهم بما يمثل برنامجا عمليا واقعيا للتحرر من الاستبداد.

قيمة الاستبداد:

 ـــ كشف عناصر مفهوم الاستبداد وتطبيقاته السلوكية:

مفهوم قيمة الاستبداد:

الاستبداد‏:‏ هو الانفراد بأية سلطة من السلطات ـ سياسية أو مالية أو إدارية‏..‏ .

والانفراد يعني استغناء المستبِد بنفسه عن شورى الآخرين،‏ وعن إشراكهم في صناعة القرار‏، والذي يعد مقدمة للطغيان والفساد في كافة شؤون الدولة.

الاستبداد في ذاته ليس نافعا للإنسانية، ولكنه قيمة نافعة وحاكمة ولازمة للمستبد.

حيث لا يمكن له الاستغناء عنه ولا العيش كحاكم بدونه، تماما هو كإدمان الخمر لشارب الخمر. والمخدرات لمتعاطي المخدرات، فهي قيمة في حقيقتها مهدرة إنسانيا، ولكنها معتبرة جدا لكل مستبِد حيث يستخدمها في الانفراد بالسلطة والتحكم في قيادة الناس والسيطرة عليهم، واستنزاف وسرقة مواردهم ومقدراتهم العامة.

لذلك يمثل الاستبداد قيمة كبرى حاكمة لتفكير وتوجهات وخطط وقرارات وإعمال المستبد، لأنها تحقق له أهدافه في الاحتفاظ منفردا بالسلطة والثروة.

 أهداف قيمة الاستبداد:

غاية المستبد هي تحقيق أكبر قدر ممكن من المنافع عبر تجهيل وإضعاف وتفكيك وحصار وتركيع واستنزاف الشعب إلى نهاية عمره، ثم توريثهم لأبنائه وأحفاده، من خلال إضعاف البنية الثقافية والاجتماعية للمجتمع، وخلق مجتمع العبِيد، الذي يسهل قيادته بمنطق القطيع، الذي يُقاد بالعصا والجزرة.

ــ منظومة قيم العبِيد.. مجتمع القطيع:

الشكل يبين منظومة قيم مجتمع العبِيد الركيزة الأساسية لنظام الاستبداد

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه دائما هنا هو:

كيف يتمكن مستبد واحد من تركيع وقيادة ملايين البشر؟

يتحقق ذلك من خلال:

1ــ تجريدهم من كرامتهم الإنسانية، وحرمانهم من التفكير وحقهم في الحياة الكريمة  التي كفلها الله تعالى لهم.

2ــ تجهيل وتشتيت عقولهم وتغييب وعْيِهم، بالاستعانة بِخَوَنَتِهم على مصلحيهم

3ــ قهرهم بقوة صلبة غاشمة.

ــ عناصر ومُكوِّنات قِيمة الاستبداد:

وتتكون قيمة الاستبداد من أربعة مفاهيم، لكلٍّ منها ثلاثُة إجراءات بإجمالي اثنا عشر إجراءً عمليًا يحافظ المستبِدُ على تنفيذها لضمان السيطرة على شعبه.

الشكل يبين العناصر الأربع المكوِّنَة لمفهوم الاستبداد، وأهم اثنا عشر إجراءً تطبيقيًّا لها، والتي يمكن قياس منسوب الاستبداد من خلال قياس انتشارها أفقيا ورأسيا، في واقع ممارسات النظام والمجتمع.

ــ التطبيقات العملية ــ برنامج عمل ــ قيمة الاستبداد:

1ــ تفكيك واستبدال القِيَم الأساسية للمجتمع بقِيَم العبِيد والقَطيع.

2ــ تسطيح عقل المجتمع، والهبوط بتطلعاته إلى الحد الأدنى من الحياة.

3ــ تجريد المجتمع من كرامته الإنسانية.

4ــ حصار وقَمع وتصفية النُّخب الوطنية المؤثرة.

5ــ تخويف وإرهاب المجتمع بعدو ومخاطر وهمية متجددة.

6ــ منح أجهزة الأمن صلاحيات تَجاوز وانتهاك وتَغوُّل مفتوحة.

7ــ إفْقار وتجويع الشعب واستِنزافه في توفير أولويات الحياة.

8ــ افتعال حوادث وحرائق دورية، تخيف وترهق وتستنزف الشعب وتصرفه عن التفكير في السياسة.

9ــ إلهاء الرأي العام بالفن والرياضة والجنس والحوادث المثيرة.

10ــ برنامج تأليه الزعيم.

11ــ فَرض أفكار وتَوَجُّهات ومَقُولات الزعيم على المجتمع.

12ــ تصوير الزعيم فوق المحاسبة والقانون.

 الحُكْم الفِقْهي والسياسي والمنطقي والعملي في مقاومة الاستبداد:

الاستبداد من أكبر الجرائم الإنسانية العامة والمهددات والمخاطر، التي تواجه المجتمع لما يحققه من فساد وظلم، وما يترتب عليها من كوارث اقتصادية واجتماعية كبيرة، تؤدى إلى انهيار الدولة بأسْرها، وما تاريخ انهيار الأمم إلا قصة متجددة، من قصص نهاية عصر من عصور الاستبداد.‏

ولهذا فإن مقاومة الاستبداد تُعد:

أولا: مبدأ إنسانيا عاما لحماية وضمان حقوق الإنسان في الحياة.

ثانيا: واجبا على كل مواطن حر واعي بذاته وكرامته، ومحب لوطنه ودينه.

ثالثا: مطلبا سياسيا لحماية الأمن القومي للمجتمع.

ولذلك توافَقت النُّظُم الديموقراطية الحديثة على ثلاثة مبادئ أساسية:

1- وظيفة المجتمع السياسي هي المحافظة على حقوق المواطنين.

2- لا حَكَم على الشعبِ سوى الشعبِ نفسِه في تدبير جميع أموره.

3- الشعب قادر على توحيد الإرادات الفردية في إرادة عامة واحدة.

رابعا: مقاومة الاستبداد فريضة شرعية وواجب ديني:

يقول د. محمد عمارة: عن فقه مقاومة الاستبداد:

“والسياسة الشرعية ـ تُقرر أن الاستبداد مُنكَر من أشدِّ المُنْكرات، لأنه لا يقوم إلا علي أنقاض فريضة الشوري ـ التي هي المشاركة في صنع القرار ـ ولأن هذا الاستبداد قد أصاب الدولة الإسلامية لفترات طويلة من تاريخها، كانت الأُمة وفي مقدمتها العلماء، قائمةً علي إنكار هذا المنكر، وقائمةً وعاملةً علي تغييره ـ باليد والثورة حينا ـ وباللسان والقلم أحيانا ـ وبالقلب والعصيان المدني والرفض في كل الأحايين. ولقد تأسست هذه السياسة الشرعية علي ما جاء في القرآن الكريم من جعل الأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةَ الفرائض، التي تشمل كل ألوان العمل العام، أي أنها فريضة اجتماعية، واجبة علي الأمة ـ أفرادا وجماعات ـ يقع الإثم علي الأمة كلها عند التخلف عن إقامتها، أي أنها آكدُ وأهم من الفرائض العَيْنِية ـ الفردية ـ التي يقع إثْم التخلف عنها علي الفرد وليس علي المجموع: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” آل عمران: (104)، وهي واجبة علي النساء والرجال.

“وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” التوبة (71).

ـ بل إن خيرية الأمة الإسلامية هي خيرية مشروطة، وفي مقدمة شروط هذه الخيرية تغيير المنكر.. كل ألوان المنكر ـ ومقاومة الاستبداد والانفراد بالسلطة والسلطان: “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ” آل عمران: (110).

ولأن السُنَّة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني، فلقد امتلأت أحاديث هذه السُّنة النبوية بكنوز من التعاليم والقِيَم التي تُزكِّي فريضة إنكار المنكر، ومقاومة الاستبداد والمستبدين، وتغيير واقع الجَوْر والفساد..، ومن هذه الأحاديث ـ التي يجب أن يَعِيَها العلماء، وأن تُذيعَها المنابر، وأن توضع في مناهج التربية والتعليم، لتخريج أجيال حرة تعي أن دينها قد جاء لتحرير الإنسان من الاستعباد لأي طاغوت، فالتوحيد الذي يفرد الذات الإلهية بالعبادة، إنما يعني قمة التحرير لهذا الإنسان.. كما يجب أن تَعِي هذه الأجيال الجديدة، فقه القرآن والسنة، وأن هذا الدين قد جاء ليحطم سلاسل العبودية وقيود الاستبداد.. جاء ليضع عن الناس إصرهم:

“وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ” الأعراف: (175).

ـ ومن هذه الأحاديث التي تمثل ثروةً في فلسفة الحرية والمقاومة لنُظُم الجور والاستبداد، قول رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم:

ــ (من رأي منكم منكرا فليغيره بَيْدَه، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

ــ (خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ثم رجل قام إلي إمام جائر فأمره ونهاه في ذات الله تعالي فقتله على ذلك).

ــ (أفضل الجهاد كلمةُ حق عند سلطان جائر).

وفي فقه المقاومة للولاة الظلمة والسلاطين المستبدين، وردت العديد من الأحاديث:

ــ (إذا رأيتم الظالم فلم تأخذوا على يديه، يوشك الله أن يعمكم بعذاب من عنده).

ــ (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تَخْلُف من بعدهم خُلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمَرون، فمن جاهدهم بَيْدَه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل).

ــ (سيكون من بعدي أمراء يَكذِبون ويَظْلِمون، فمن صَدَّقَهُم بكذبهم وأعانهم على ظُلمهم فليس منِّي ولستُ منْه، ولم يَرِد علَيَّ الحوض.. ومن نابَذهم نجا، ومن اعتزلهم سَلِم أو كاد أن يَسْلَم، ومن وَقَع منهم في دنياهم فهو منهم).

وفي فقه المقاطعة للحكام الظلمة والولاة المستبدين، وممارسة العصيان المدني ضدهم وضد استبدادهم وردت الأحاديث النبوية التي تؤكد ذلك، وخاصة على العلماء الذين يجب أن يحرصوا على الاستقلال عن الأمراء:

ــ (أبْغَضُ القُرَّاء (أي العلماء) إلي الله تعالي الذين يَزُورون الأمراء.. وخَيْرُ الأمراء الذين يأتون العلماءَ، وشَرُّ العلماء الذين يأتون الأُمراءَ.. والعلماء أُمَناء الرُّسُل على عباد الله ما لم يخالطوا السلطان، فإن فعلوا ذلك فقد خانوا الرُّسُلَ، فاحذروهم واعتزلوهم).

ــ (إن الله لَيَغضب إذا مُدِح الفاسق، ومن أكرم فاسقا فقد أعان على هَدْم الإسلام، ومن دعا لِظالم بالبقاء فقد أحب أن يُعصي اللهُ في أرضِه).

ــ لا تزال هذه الأمة تَحت يَدِ الله وكَنَفِه ما لم تُمالِئ قراؤُها (أي علماؤها) أمراءَها).

ــ (إن الله لعن علماء بني اسرائيل إذ خالطوا الظالمين في معاشِهم).

نعم.. لقد جعل الإسلام إنكارَ المنكرِ، وفي مقدمته الاستبداد، الذي تشيع في ظِلالِه كل ألوان المنكرات، فريضَةً على الكافَّة، أفرادا وجماعات، وأوجَب إقامة الجماعات المُنظَّمة لإنكار المنكر، لأن التنظيم أفعلُ في إقامة هذه الفريضة الاجتماعية.. لقد أشار إلى هذه القضية – في العصر الحديث ـ الإمام محمد عبده – وهو يفسر معني الأمة بالجماعة المنظَّمة في قول الله سبحانه وتعالي: “وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” آل عمران (104)، فقال: وإذا كان كل فرد من أفراد المسلمين مُكلَّفا بإقامة هذه الفريضة.. فَهُم مكلفون ـ أيضا ـ بأن يختاروا أُمَّةً منهم، تقوم بهذا العمل لأجل أن تُتْقِنَه وتَقْدِر على تنفيذه.. فإقامة هذه الأُمَّة الخاصَّة، فرضُ عَيْن يجب على كل مُكلَّف، أن يشترك فيه كُلُّ فرد مع الآخرين، ولا مشقة في هذا علينا، فإنه يتيسر لأهل كل قَرية أن يجتمعوا ويختاروا جماعةً، يَصِحُّ أن يُطلَقَ عليهم لفظ الأمة، ليتولوا إقامة هذه الفريضة فيها، كما يَجِبُ ذلك في كل مجتمع إسلامي.. ذلك أن معنى الأُمَّة يدخل فيها معنى الارتباط والوحدة التي تجعل أفراد هذه الأمَّة، الجماعة كأنهم شخْصٌ واحد.

وهكذا جعل الإسلامُ إنكارَ المنكرِ وتغييره، ليحِلَّ مَحلَّه المعروفُ والإصلاحُ الفريضةَ الاجتماعية الشاملة، لكل فرائضِ العملِ العام، حتى لكأنها الفريضةُ التي يتوقفُ على إقامتها إقامةُ كلِّ شُعَبِ الإيمان..، وهكذا قامت الشريعة الإسلامية لمقاومة الاستبداد، الذي هو المناخ المناسب لانتشار المنكر في كافة مناحي الحياة.

5ــ هذا جيل الاستجابة الكبرى لتحدي الاستبداد ومقاومته والتحرر الدائم منه:

جاء جيل 25 يناير ليقطع عهدا ووعدا مع الله تعالى، ونبي التحرر وقائد أعظم حركة تحرر في تاريخ البشرية الثائر الحق عَلَى الظلم والطغيان، النبي القائد محمد صلى الله عليه وسلم.

يعلن شبابُ يناير ومعه الشعبُ المصريُّ والعربيُّ العظيم أنهم قبلوا التحدي، وسيكونون من الطبقة الأولى

في التعامل مع تحدي الاستبداد، الذي يواجه مصر ومنطقتنا العربية منذ قرن من الزمن، وكان السببَ الرئيسَ في تخلُّفِها وضَعفِها حضاريا.

ــ “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” البقرة (251).

ــ “وأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ”. الأنفال (60).

6ــ معايير ومؤشرات بناء وتعزيز وتَمكُّن قيمة التحرر في نفوس المجتمع:

ولإمكانية متابعة ورصد وتقويم مستوى الوعي المجتمعي بقيمة التحرر من الاستبداد، وممارستها عمليا حتى تصبح ثقافة ونمط حياة لكل المصريين، والتي تُعبِّر عن جاهزية المجتمع لتسونامي القضاء على الاستبداد، عِلما بأن مستوى الوعي المجتمعي ينمو بالتدرج مع السير في المعركة مع المستبد بالنِّقاط، حتى تحين الجولة الأخيرة معلنة زوال المستبد.

جدول مؤشرات تطور ونمو صراع التحرر ضد الاستبداد

المؤشر

المعايير

جيد

متوسط

ضعيف

نمو الوعي المجتمعي

التحرر من طرق التفكير والمُسَلَّمات والمفاهيم الخاطئة.

 

 

 

التحلي: بالقيم الحضارية العابرة إلى المستقبل.

 

 

 

بالواجبات والحقوق الوطنية.

 

 

 

بسنن وقوانين الصراع المنظِّمة لحركة العالم.

 

 

 

حماية الكرامة الإنسانية

الاحترام المتبادل للتنوع والخصوصية والاختلاف.

 

 

 

تَمَكُّن ثقافة احترام وإعلاء الكرامة الوجودية للإنسان.

 

 

 

بالرفض والغضب ومواجهة محاولات انتهاك حقوق المواطنين.

 

 

 

بالمواجهة القانونية والمدنية المناسبة لانتهاكات حقوق الانسان.

 

 

 

تمكين الحريات

تمكُّن ثقافة الحرية كثقافة ونمط حياة مجتمعي.

 

 

 

نمو الوعي الوطني بواجباته وحقوقه.

 

 

 

تمكُّن مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة وإنفاذ القانون

 

 

 

نمو قيمة ودور المجتمع المدني في مواجهة التَّغوُّل الحكومي.

 

 

 

الاكتفاء الذاتي

تمكُّن ثقافة الاكتفاء الذاتي.

 

 

 

تطوير مستوى الاستثمار الأمثل للموارد المحلية.

 

 

 

نمو الابتكارات الوطنية.

 

 

 

نمو الإنتاج الوطني والناتج المحلي.

 

 

 

أدوات رصد وجمع بيانات المؤشر:

1ــ الاستبيانات الميدانية للشرائح المجتمعية الثلاث.. الطلبة والمهنين والعمال.

2ــ حوارات الباحثين مع عِيِّنات من الشرائح المجتمعية الثلاث.

3ــ الرصد الميداني التخصصي المُوجَّه من الباحثين المتخصصين.

4ــ تحليل تقارير المنظمات الحقوقية المتابعة للشأن المصري.

5ــ تحليل تقارير جهاز التعبئة والإحصاء، فيما يخص ملف الحريات وحقوق الإنسان.

Exit mobile version