تقارير

التداعيات الفكرية لأزمة كورونا: هل انتهى التاريخ؟

مقدمـة:

كم كان الفيلسوف الأميركي، من أصلٍ ياباني: فوكوياما[1] مُخطئاً عندما تصوَّر في كتابه (نهاية التاريخ والإنسان الأخير) في بداية تسعينيات القرن المنصرم، أن التاريخ قد توقّف عند النموذج الديمقراطي الليبرالي الرأسمالي الأميركي على وجه الخصوص، وأن العقل البشري وصل إلى أقصى تطوّره مع ذلك النظام، وأن الإنسان الأخير هو الكاوبوي الأميركي الذي سوف يسيطر على العالم ويفرض قِيَمه عليه، ولم يكن فوكوياما يتوقّع أن فيروساً لا يُرى، ربما يكون قد أنهى تاريخ النظام الرأسمالي المتوحّش، وجعل الكاوبوي الأميركي هو الأخير فعلاً في حَلَبَة السباق التي تصدّرها الصيني والروسي والإيراني.[2]

“نهاية التاريخ” في الميزان:

تمثّل “الجائحة الوبائيّة العالميّة” بحيثيات التعاطي معها وتداعياتها المزلزلة المرتقبة، ضربة جديدة تُوجّه لنظريّة “نهاية التاريخ”  لفوكوياما°، ماذا نعني بـ “نهاية التاريخ”؟.. ،  “نهاية التاريخ والإنسان الأخير”: هي نظرية للمفكّر الأمريكي من أصول يابانية “فرانسيس فوكوياما” الذي نشر مقالا في مجلة -the national interest-  عام 1989  بعنوان “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” قبل أن يحوله إلى كتاب عام 1992، وما قصده  فوكوياما بالتاريخ، ليس ذلك الحيز الزمني بما يستوعبه من أحداث و وقائع وإنجازات واكتشافات، بل أراد الإشارة إلى التاريخ بكونه فضاء لترتيب الأفكار الكبرى وتطورها الفلسفي الديالكتيكي، وبالتالي يكون المقصود بالقول: °انتهى التاريخ..،° هو: إعلان نهاية الإيديولوجيات، والإقرار بأنّ الإنسان الأخير سيعيش في كنف الديمقراطية الليبرالية إلى الأبد، لأنّها التعبير النهائي لتراكمات الفكر الإنساني، فنحن هنا أمام مقاربة نقيضة للأطروحة الماركسيّة لنهاية التاريخ، وحتى نظرية الفيلسوف الألماني “فريدريك هيغل”، الذي بشّر بنهاية “تاريخ الاضطهاد الإنساني” فور استقرار نموذج السوق الحر وتوسعه[3].

 ويرى فوكوياما أن: الديموقراطية الليبرالية بإمكانها أن تشكل فعلا: “منتهى التطور الإيديولوجي للإنسانية “والشكل النهائي لأي حكم إنساني”، أي أنها من هذه الزاوية “نهاية التاريخ”.

فبينما كانت أشكال الحكم القديمة، تتميز بأخطاء خطيرة وتناقضات لا يقبلها العقل، أدت إلى انهيارها، فإنه بالإمكان الادعاء أن الديمقراطية الليبرالية كانت خالية من هذه التناقضات الأساسية، لا يعود لكون الديمقراطيات الثابتة اليوم، مثل فرنسا والولايات المتحدة وسويسرا، لم تعرف لا المظالم ولا المشاكل الاجتماعية الخطيرة، ولكن لأن هذه المشاكل، يقول فوكوياما: كانت تنجم عن التطبيق غير الكامل لمبدأي الحرية والمساواة، اللذان يشكلان عنده أساس الديمقراطية الحديثة.

هل هدم وباء”كورونا” فكرة الفلسفة والنظريات الاجتماعية؟

أسقط انتشار الفيروس فرضيات عديدة تصور أصحابها أنها مقدسات تحمل صفة اليقين، بينها نظرية المفكر الأميركي فرانسيس فوكوياما الرائجة، والتي أطلقها في كتابه “نهاية التاريخ” منذ حوالي ثلاثة عقود، والمتمثلة في كون الديمقراطية بمفهومها الغربي وقيمها المتعلقة بالحرية الفردية، أفضل ما وصل إليه تطور العلم السياسي، وسلطة الدولة تتراجع مع التطور الرأسمالي ويبقى حد ضئيل من التنظيم والتحكم.

وتسببت الجائحة الجديدة في توجيه الكثير من الانتقادات التي تثبت ضعف نظرية فوكوياما، على اعتبار أن الليبرالية بمفهومها الغربي تُقلل من قدرة الدول على مقاومة الأوبئة، وبدت الدول الأكثر شمولية والأشد تسلطا والأوسع تحكما أقدر على توفير الحد من انتشار الأوبئة وأصلح لشعوبها في الحفاظ على أرواحهم[4].

إن الصحة ليست مُجرّد موضوع مُحايد للبحث الفلسفي، بل هي الورشة الخلفية لظهور الفلاسفة واختيار أدواتهم، كما يفترض الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، يبرز فيروس “كورونا” بقوّة كمحور لنقاشات المهتمّين بالفلسفة: بعضهم يرى أنه فكَّك نظرية صراع الحضارات لهينينغتون، وأن وجوده ألغى معالم العولمة بمعناها التقليدي، آخرون وصفوا الفيروس التاجي بأنه عطّل فكرة الفرد ككيان أخلاقي، وهدم الفلسفة، في حين أبرز البعض استثمار النظام الرأسمالي للخوف من “كورونا” بغية مزيد من التحكّم في حياة الناس وسلوكياتهم وتقييد حرياتهم، من خلال إعادة الاعتبار لـ”الدولة الأمنية”، وآخرون رأوا أنه استطاع بناء نظرية أخرى لنهاية التاريخ بشكل يخالف ما قاله فوكوياما.[5]

في القرن التاسع عشر، افتتح هيغل مقولة فكرية حين تحدّث عن “نهاية الفن” وترك الباب موارباً للقول بنهايات أخرى. لعله لم يكن يتصوّر أن يخرج من معطفه خطاب موسّع حول النهايات والمابعديات وموت المفاهيم والحقول والتصوّرات وحتى الأشياء نفسها، فقد بات ذلك بعد عقود أمراً دارجاً في الفلسفة وفي المعارف التي تفرّعت منها بالتدريج وتتالت معها “الجنائز” وكأن الأمر يتعلّق بـ وباء! ، و جاء من يقول بخسوف الحضارة الغربية، والحضارة برمّتها (أوسفالد شبينغلر)، وما بعد الحداثة (جان فرانسوا ليوتار)، وموت الإنسان (ميشيل فوكو)، ونهاية التاريخ (فرانسيس فوكوياما استناداً إلى هيغل أيضاً)، وموت الصورة (ريجيس دوبريه)، ونهاية العمل (جيرمي ريفكين) ونهاية الواقع (جان بودريار) إلى غير ذلك، فالقائمة لم يعد من الممكن حصرها.

نهايات كثيرة لم تتحقّق، وأخرى ظهرت أعراضُها، وبعض منها بقي غير قابل للفحص إذ لا يتعلّق الأمر إلا باستعارة لغوية، ولعل في ذلك ما يُطمئن. غير أن الانتقال من وضعية إعلان النبوءة إلى تجسّد هذه الأخيرة بشكل ملموس ليس بالأمر الصعب، فمثلاً ها هو انتشار فيروسٍ يبدو وكأنه يمضي قدماً في تحقيق إحدى هذه النبوءات؛ موت الثقافة الذي أعلنه الفيلسوف الألماني كارل شميت (1888 – 1985)، وإن كان الأمر قد جرى ليس كما نظّر له صاحب كتاب “الديكتاتورية” حين اعتبر أن المنظومة التقنية- الاقتصادية تلعب دور حفّار قبر للثقافة.[6]

أطلق تفشي جائحة كورونا في القارة الأوروبية والعالم الغربي موجة هائلة من المراجعات الفكرية والفلسفية والنقد الذاتي، الذي قدمته مجموعة من فلاسفة ومفكري العالم الغربي وكتابه المشهورين. 

وبخلاف نصائح الأطباء ومنظمة الصحة العالمية بخصوصم قواعد مكافحة وتجنب العدوى، ألقى مثقفو العالم الغربي باللائمة على مجموعة من العوامل الفكرية التي تسببت في تضاعف الخسائر جراء تفشي الجائحة.

وفي مقابلة مع صحيفة لوموند، حلل الفيلسوف الألماني الشهير يورغن هابرماس النتائج والآثار الأخلاقية والسياسية لأزمة الصحة العالمية الحالية، وحث الاتحاد الأوروبي على مساعدة الدول الأعضاء الأكثر تأثرا، وقال “علينا أن نكافح من أجل إلغاء النيوليبرالية”.[7]

علينا أن نعترف أن الغرب فقد في الآونة الأخيرة – وعلى الأخص بعد صعود الرئيس دونالد ترامب – الكثير من جاذبيته. ولعل جائحة كورونا دفنت وللأبد مقولات فرانسيس فوكوياما في كتابه عن نهاية التاريخ الذي ربما أصبح نهاية فوكوياما. فالنموذج الليبرالي الديمقراطي الذي بشر به فوكوياما بوصفه آخر ما يمكن أن يتوصل إليه البشر والذي انتصر مع نهاية الحرب الباردة يتلقى صفعة قوية هذه الأيام بعد أن تمكنت الصين من تقديم نموذج مختلف – ليس ديمقراطيا ولا ليبراليا – في التعامل مع الأزمات. فنجاح الصين في احتواء الفيروس أعطى قوة دفع للقوى غير الديمقراطية في العالم التي باتت ترى بأن الدولة ينبغي أن تكون قوية وحاسمة وربما غاشمة في بعض الأحيان.[8]

دارت عجلة التاريخ مرة أخرى دورة كاملة مذ أن تفكك الاتحاد السوفياتي. وعلى الرغم من تنبؤات فوكوياما، فإن التاريخ عاد للانتقام. وما يعانيه الغرب اليوم ليس أزمة كمامات طبية فحسب. إذ إن الفشل في مواجهة جائحة فيروس كورونا ليس إلا قمة جبل جليد تتوارى تحته أزمات أعمق، في الفكر والاجتماع والسياسة والاقتصاد وغير ذلك.

إن جدلية التاريخ تعمل الآن ضد الغرب، والعد التنازلي لنهاية هذه الحضارة اللبرالية المنفلتة من عقالها بغير ضوابط قد بدأ.

بيد أن الحديث في ضوء هذه الانتكاسة الدورية عن “أفول الغرب” لا يزال مبكرا. وكذلك القول إن أيام الإمبراطورية الأميركية معدودة، ولا سيما أن زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي السابـــــــــــق جيمي كارتر منحها 50 سنة أخرى من الاحتضار.

ومع ذلك، يمكن القول إن الرأسمالية لم تعد قدرا حتميا، ولا سيما أن جائحة الكورونا وجهت ضربة  قاصمة إلى فكرة “نهاية التاريخ”، وقضت عليها نهائيا وعلى فكر فرنسيس فوكوياما وأمثاله من المنظرين الرأسماليين الحالمين[9].

الحقيقة أن أزمة كورونا أكدت هزيمة فكرة فوكوياما من نهاية التاريخ بأن النظام الليبرالي الغربي قد انتصر نموذجه، وإن كانت قد هُزمت قبل هذه الأزمة حتى في الغرب، ولم يعد أحد إلا قليلاً يتصدى لها، إلا أن كورونا أنهى الفكرة بقسوة شديدة، مثلما هدد أيضا نظيرةً لها تفيد بأن البشرية قد بدأت طريقها للسيطرة على الأرض.[10]

تفوق النظام الشمولي على الليبرالي في مواجهة كورونا:

تسعى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين لإثبات كل منهما تفوقه على الآخر  في التغلب على فيروس كورونا والنجاح في مواجهته، إلا أنه يبدو أن بكين متفوقة حتى الآن على واشنطن، في إجراءات الوقاية من الفيروس، لتتزايد فيه التلاسنات والاتهامات المتبادلة بين القوتين العظميتين حول هذا الفيروس[11].

نشرت صحيفة: “ديلي تليغراف” تقريرا كتبته، جولييت صامويل، عن تعامل السلطات الصينية من انتشار فيروس كورونا، وكيف أنه فضح أساليب النظام الشمولي في بكين.

وتقول الكاتبة إن الأنظمة الشمولية ربما تكون مؤهلة أكثر من غيرها للسيطرة على الأوبئة، فعزل منطقة يعيش فيها 30 مليون شخص مثلما تفعل الصين في ووهان لم يحدث في أي مكان آخر في العالم. فبكين تسعى إلى إنشاء شبكة مراقبة قادرة على تتبع كل فرد أينما كان وفي كل وقت لتتبع العدوى وانتشارها.

ويندهش الناس في الغرب عندما يسمعون أن السلطات في ووهان بصدد بناء مستشفى جديد خلال أسبوع

. تراجع أعداد الضحايا في الصين إلى الحد الأدنى، حيث لم يتجاوز عدد الإصابات بالفيروس خلال اليومين الماضين حاجز الخمسين إصابة، مقارنة بمئات الإصابات الجديدة التي كانت تسجلها اللجان الصحية يوميا في شهر فبراير الماضي. ويرجع الفضل تراجع أعداد الإصابات إلى الإجراءات والتدابير الصارمة التي اتخذتها السلطات الصينية على مدار الأسابيع الماضية، حيث تم فرض حجر صحي على أكثر من ستنين مليون مواطن في مقاطعة خوبي، وهو الحجر الأطول والأكبر في التاريخ، إذ لم يسبق لدولة أن أقدمت على مثل هذا الإجراء حتى أثناء انتشار الطاعون الذي قضى على نحو 25 مليون شخص في أوروبا بين أعوام 1347 و1351.

تسابق العديد من الأنظمة الزمن في محاولة للحد من انتشار الفيروس والسيطرة عليه. ولا تزال الجهود الدولية مستمرة من أجل التوصل إلى وسائل ناجعة لاحتواء الأزمة. ومع نجاح الصين في محاصرة الفيروس وخفض أعداد الإصابات، بدأت تثار تساؤلات حول إمكانية استنساخ التجربة الصينية وتطبيقها عملياً.

ولكن، قبل الخوض في هذا الأمر، لا بد من الإجابة على السؤال التالي: من هي الجهة أو المجموعة المخولة في الدولة للتعامل مع تفشي الفيروس؟ هل هي جهات سيادية أم تكنوقراط؟ فإذا كانت الإجابة: الجهات الصحية، فإن قرار العزل الصحي على سبيل المثال يتطلب وجود قوة ملزمة، هذا إذا توفر الاستعداد النفسي لدى الشعوب للانقياد أو الانصياع لمثل هذه الأوامر.

وإذا كان الساسة هم المخولون بإصدار التعليمات، فإن الشعوب فقدت الثقة في الأنظمة الحاكمة خصوصاً خلال العقد الأخير الذي شهد أزمات وصدامات متعددة بين الجانبين، فضلاً عن أن سلطة هذه الأنظمة محدودة حتى في مجال تطبيق السياسات الأساسية. لذلك يبدو من الصعب تطبيق الاستراتيجية الصينية في دول أخرى، وربما تكون هذه هي الحسنة الوحيدة أو الأبرز للنظام الشمولي في الصين، وإلا كيف يمكن إلزام أكثر من ستين مليون مواطن بالبقاء في منازلهم لأكثر من شهر، دون أن يخرج أحدهم شاهراً سيفه[12].

اعتبر الأستاذ محمد صبرا الخبير في الشأن القانوني والسياسي، أنّ الجائحة الصحية في الدول المتقدّمة تكنولوجياً وضعت الديمقراطية الليبرالية في مواجهة مع النفس لترُاجع بنيتها السياسية بناء على العديد من المعطياتٍ المستجدّة والمؤثرة إلى حدّ الانقلاب على الذات، مشيراً إلى أنّ تفشّي فيروس كورونا “كشف عن عمق الأزمة الكامنة داخل الفكر الديمقراطي الليبرالي، من حيث الدولة في النموذج الغربي التي انتقلت من الدولة الحارسة كما أنتجها القرن الثامن عشر والتاسع عشر إلى دولة الرعاية التي ظهرت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، لكن ضرورات التصدّي لانتشار الفيروس اليوم أدت إلى عودة المفهوم التقليدي للدول، التي تحتكر قوة القهر والإجبار، وهو الأمر الذي لا شكّ ستكون له تداعيات أساسية في المستقبل كجزء أساسي من الأسئلة الكبرى التي بدأت منذ مطلع هذه الألفية، وتتمحور حول إعادة تعريف دور الدولة وآليات تدخُّلها في المجتمع”.[13]

في حين باتت الولايات المتحدة تكافح الفيروس على أرضها، يقول محللون إن الصين تحاول الإسراع في إعادة تموضعها كزعيم عالمي بديل.

وقالت مارينا رودياك الخبيرة في المساعدات الخارجية الصينية في جامعة هايدلبرغ “يوفر فشل حكومة الولايات المتحدة تحت إدارة ترامب في تقديم أي استجابة دولية ذات معنى، وانشغالات الاتحاد الأوروبي بالاستجابة المحلية، فرصة فريدة لحكومة الصين لاستغلال هذا الوضع”.

الآن بعد جائحة كورونا وآثارها، التي لا تزال قائمة، الأمر اللافت أن النظم الصحية في الدول الرأسمالية، ومنها الولايات المتحدة أظهرت عدم الكفاءة في الأزمة الحالية، بعكس الصين التي تعاملت بكفاءة عالية لمواجهة كورونا، كما أن فاعلية التأمين الصحي كان أضعف مما كان متوقعاً، وهذا لا يبرز خللا كبيراً في النظام الليبرالي الذي يعتمد على المنافسة والربحية، وإجراءات المناقصات، في غياب مسؤولية الدولة السريعة في الأزمات والتغيرات….

 بعد هذه الجانحة فإن الكثير من المحللين والاستراتيجيين في الغرب ـ ومنهم السياسي الأمريكي، وأحد المقربين من المحافظين الجدد، د. هنري كيسنجر ـ يرون: أن الأوضاع بعد كورونا في العالم كله، لن تبقى كما كانت.. وهذا يعني، أن مقولة نهاية التاريخ عند فلسفة بعينها، كما قال فوكوياما، ستبقى مجرد أحلام لواقع وظروف آنية غير منطقية أو علمية، ومن هذه المنطلقات فالتوقعات أن التاريخ سيستأنف مرة أخرى ولن يتوقف، بعد جائحة كورونا برؤية أخرى جديدة ومغايرة، ربما تخفف من غلواء وسلبيات حركة السوق المطلقة دون تقييد…[14]

خاتمة:

إنه من المبكر التوصل إلى أحكام قاطعة بشأن ما خلفه الفيروس من آثار على أنماط تفكير وهدم نظريات، لأن تداعيات الأزمة لا تزال في إطار عدم اليقين، بمعنى أنه ليس قطعيا إن كان التعامل في الدول الشمولية مثل الصين مع الأزمة سوف يواصل صعوده أم لا.

يبدو الخروج بحكم بات، ورؤية قاطعة، بشأن أي النظم السياسية أصلح للتعامل مع الأزمة مسألة صعبة بسبب غموض الفيروس واختلاف درجة شراسته من مكان لآخر، فضلا عن سرعة تحوره وانتشاره وتنوع تأثيراته.

وإذا كان من الصحيح القول إن النظم المعبرة عن الليبرالية الجديدة فشلت تماما في مواجهة الوباء، فإن هناك نظما شمولية عاتية فشلت أيضا في المواجهة، مثل النظام الإيراني الذي لم ينجح رغم السلطات الواسعة الممنوحة له في وقف تفشي المرض.

ويؤكد هذا الاستنتاج أن كورونا لا يُعيد التبشير بالنظم الشمولية على نطاق واسع بحكم أنها قادرة على اتخاذ إجراءات صارمة لحماية الشعوب، لكنه يكشف مكونات الترهل الذي ظهرت معالمه على القيم الليبرالية، بما يفرض إعادة النظر في بعض قواعدها.[15]


الهامش

[1] فرانسيس فوكوياما كاتب ومفكر أميركي الجنسية أصله ياباني؛ يعد من أهم مفكري المحافظين الجدد في أميركا. اشتهر بكتابه “نهاية التاريخ والإنسان الأخير” الذي ألفه بُعيد انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنه تراجع لاحقا عن كثير من أفكاره وآرائه ومواقفه السياسية.

[2] عرفات رميمة:  فوكوياما لم ينتظر كورونا …الحضارة الغربية و نهاية التاريخ https://www.almayadeen.net/articles/blog/1392029/……15أبريل 2020

[3] صابر النفزاوي : كورونا يدق إسفينا جديدا في نظرية :نهاية التاريخ…!مدونات الجزيرةhttps://blogs.aljazeera.net/blogs/…..

[4] فيروس كورونا يهدم نظرية فوكوياما حول العولمة و الديموقراطية ونهاية التاريخ”.- موقع :المجد: منبر الثقافة القومية العربية http://almajd.net/2020/04/20.

[5]– بديع صنيج: ” ” كورونا “في زمن الرأسمالية…لا فلسفة ولا نظريات…! “موقع :” الميادين”.

http://www.almayadeen.net/investigation/1390347/6 أبريل 2020……..3

[6] شوقي بن حسن :”كورونا التي حققت “نبوءة” كارل شميث، العربي الجديد، 20 مارس 2020.

[7] كورونا من منظور فلسفي…هابرماس يرى تصرفا عالميا ينم عن جهل صريح.. موقع الجزيرة نت، 15-4-2020.

[8] حسن البراري: “الدولة بعد كورونا”…جريدة الغد الأردنية، السبت 27 مارس 2020 م.

[9] حبيب فوعاني:” كورونا يجهز على فوكوياما…فكريا “موقع : روسيا اليوم، بتاريخ: 4 أبريل 2020

[10] محمد بدر الدين زايد: ” أزمة المستقبل و دراساته… بعد كورونا، إندبندنت” عربية – بتاريخ:20 أبريل 2020.

[11] محمد شرقاوي وأحمد عرفة: “الصين و أمريكا…من ينتصر في معركة كورونا ؟…موقع اليوم السابع..

[12] علي بومريحيل : “كورونا.. الأنظمة الشمولية أكثر كفاءة في إدارة الأزمة..”مدونات الجزيرة

[13] علاء رجب تباب، في زمن كورونا …الأنظمة الليبرالية على مفترق الطرق. موقع تي آر تي عربي، 13 أبريل 2020.

[14] عيد الله العليان، هل يستأنف التاريخ عكس رؤية فوكوياما؟، صحيفة “عمان“..18 أبريل 2020.

[15] ” فيروس كورونا يهدم نظرية فوكوياما حول العولمة و الديموقراطية ونهاية التاريخ”، موقع المجد، 20 أبريل 2020.

الوسوم

د. أحمد بو خريـص

باحث مغربي – عضو مؤسس للمركز المغربي للدبلوماسية الموازية و حوار الحضارات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى