الخليجالمشهد الإقليمي

التغييرات الداخلية والتحولات السياسية في السعودية

(1) تمهيد:

في السابع من مايو 2016، أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، سلسلة جديدة من القرارات الملكية، تُعتبر الرابعة من نوعها في الحجم والشمولية، وكذلك الأهمية، منذ توليه عرش المملكة، في مطلع يناير 2015م(2).القرارات(3) شملت عملية إعادة هيكلة لوزارات اقتصادية عدة، سواء بالإلغاء، مثل وزارة الكهرباء والماء، أو الدمج، كما تم في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ودمج قطاعَيْ الكهرباء والصناعة في وزارة واحدة مع قطاع النفط والثروة المعدنية، في وزارة واحدة، وهي وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، فيما أصبحت وزارة التجارة والصناعة، وزارة التجارة والاستثمار بعد فصل قطاع الصناعة عنها.كما تم إلغاء بعض المجالس واستحداث أخرى، مثل إنشاء هيئة عامة للترفيه، وهيئة عامة للثقافة.

وذكر البيان الصادر عن الديوان الملكي السعودي أن هذه التغييرات ترتبط بتنفيذ “رؤية المملكة 2030″، التي أعلن عنها ولي ولي العهد، وزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، يوم الخامس والعشرين من أبريل 2016.

في إطار مضمون التغيير يمكن الوقوف على ملاحظتين أساسيتين، الأولى، أنها لا تتعلق بالكامل بموضوع الرؤية؛ حيث شملت على سبيل المثال – قرارات تتعلق بقطاع النقل وقطاع الحج والعمرة، للتعامل مع منظومة من المشكلات التي نشأت في القطاعَيْن في الأشهر الماضية. كان من أهمها هذه الأمور، الحوادث التي وقعت في موسم الحج الماضي، مثل كارثة رافعة الحرم المكي، وكارثة التدافع، واللتان أوديتا بحياة المئات من حجاج بيت الله الحرام.

الملاحظة الثانية، أنها كرَّست وجود الأمير محمد بن سلمان، كأهم شخصية في المملكة؛ حيث إنها وضعته – بجانب مناصبه السياسية والعسكرية، وهي الأهم في منظومة الحكم والقرار في المملكة – في أهم موضع للقرار الاقتصادي؛ حيث عهدت إلى مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الذي يترأسه بن سلمان، بالإشراف على تنفيذ “رؤية المملكة 2030″(4).

في هذا الإطار، يتناول هذا التقدير، أبعاد حول هذه التغييرات، وإلى أي مدى تدعم فكرة التمكين السياسي للأمير محمد بن سلمان؟، وتداعيات ذلك على مستقبل التحولات السياسية في المملكة؟

أولاً: التغييرات وتمكين محمد بن سلمان:

في أبريل 2015م، تم إعفاء ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز وتعيين الأمير محمد بن نايف وليًّا للعهد، وتعيين الأمير محمد بن سلمان، وليًّا لولي العهد، وبجانب كونه ولياًلولي العهد، ووزيراً للدفاع، أصبح بن سلمان مشرفًا على مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي تم استحداثه في 30 يناير 2015م، كما أصبح بن سلمان، بعد توليه منصب ولي ولي العهد، هو النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء. كما يرأس المجلس الأعلى لشركة الزيت العربية السعودية “أرامكو السعودية”، والذي تم تأسيسه ضمن قرارات يناير 2015م، من 10 أشخاص، وعلى رأسه الأمير محمد بن سلمان، وتمت إعادة هيكلته وتشكيله في الأول من مايو 2016م (5).

في قرارات الملك سلمان الأخيرة، بدا أنها عبارة عن قرارات تنفيذية لرؤى الأمير محمد بن سلمان، وليست بوازع من الملك سلمان، مع تجريدها من القرارات الشكلية، مثل قرار دمج وزارتَيْ العمل والشؤون الاجتماعية في وزارة واحدة، أو تغيير مسميات بعض الهيئات؛ الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ليكون الهيئة العامة للرياضة. ففي الكثير من المناسبات، حتى من قبل أن يقدم رؤيته الخاصة بالتنمية في المملكة، في العام 2030م، لم يخفِ الأمير محمد عدم رضاه عن أداء وزير النفط السابق، علي النعيمي، كما انتقد بعض الأوضاع في قطاع النفط والطاقة، وقال إنها لا تتناسب مع المستجدات الراهنة التي فرضتها التراجعات لأسعار النفط العالمية.

ابن سلمان قال في أكثر من مناسبة إن السياسات الحالية التي يُدار بها أحد أكبر القطاعات الاقتصادية في العالم، وهو قطاع النفط والطاقة السعودي، سواء في الوزارة أو في “أرامكو”، بالرغم مما لديه من استثمارات وموارد واحتياطيات؛ قد أفقدت المملكة قدراتها التنافسية في مجالات أخرى يمكنها أن تشكل مفتاحًا لمرحلة ما بعد النفط في الاقتصاد السعودي، مثل البتروكيماويات (6).

وفي هذا الإطار، دعم الأمير محمد بن سلمان مشروع خصخصة جزء من شركة “أرامكو”(7)، وطرحه في مختلف التصورات التي طرحها في هذا الصدد، ولاسيما في حواره الأشهر مع شبكة “بلومبرج” الاقتصادية، ضمن التمهيد الإعلامي والسياسي الذي تم لطرح “رؤية المملكة 2030″، وما تلاها من قرارات ملكية (8).

ولذلك لا يمكن فصل هذه القرارات الملكية المتعلقة بهذا القطاع، عن قرارات أخرى سبقتها ببضعة أيام، مسَّت بدورها قطاع النفط والطاقة، واستهدفت تحديدًا شركة “أرامكو” في مطلع مايو الجاري؛ حيث أقر المجلس الاقتصادي الأعلى في السعودية، إعادة هيكلة للشركة، وتشكيل مجلس أعلى جديد لها برئاسة الأمير محمد بن سلمان، وفصلها عن وزارة النفط والثروة المعدنية، وإعطاءها المزيد من الاستقلالية.

إذًا، فقد بدت تأثيرات محمد بن سلمان على الجانب الأهم من القرارات الملكية الأخيرة، كما كان تمكينه، هو أحد أهم محاور قرارات الملك سلمان في يناير وأبريل 2016م، وهو أمرٌ تماهى معه محمد بن سلمان، خلال الفترة الماضية؛ حيث عمل على تكريس نفسه وصورته كمتحكم أساسي في السياسة السعودية، من خلال سلسلة من الأنشطة على المستويين الداخلي والإقليمي، وفي الساحة الدولية كذلك، ولكن – وفي بعض الأحيان – بالاستعانة بوزير الخارجية عادل الجبير، الذي أثبت أنه من “آل سعود” مبنىً ومعنىً، حتى ولو لم يكن منهم اسمًا؛ حيث حرص أشد الحرص على السير على ذات الخطا التي رسمها عميد الدبلوماسية السعودية الراحل، الأمير سعود الفيصل.

ولو أخذنا مساقات العلاقات المصرية السعودية، وتطوراتها خلال عهد الملك سلمان، نموذجًا؛ لوجدنا أن كل المحطات الكبرى التي عرفتها، كانت برعاية محمد بن سلمان، بما في ذلك إعلان القاهرة في يونيو 2015م، ثم تأسيس مجلس التنسيق المصري – السعودي، في نوفمبر 2015م. وكان المجلس خلف كافة الترتيبات والاتفاقيات التي تم توقيعها خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز، إلى مصر، في أبريل 2016، بما في ذلك اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة، والتي أعطت السعودية جزيرتَيْ “تيران” وصنافير”.

ومن بين أهم المحطات الإقليمية له، دوره في توجيه القرار السعودي – وفق تقرير الاستخبارات الألمانية– في شن عاصفة الحزم على اليمن، في 25 مارس 2015م، ولقاؤه مع رئيس مكتب الأمن القومي السوري، علي مملوك، في الرياض، في شهر يوليو 2015م، وتأسيسه لمسار للدبلوماسية السرية مع موسكو، في صدد الأزمة السورية.

وفي حواره الشهير مع “بلومبرج”، طرح الأمير محمد بن سلمان نفسه، مع الرؤية الجديدة، كحزمة واحدة، باعتبار أنه هو المخطط الأول لها، و– كذلك – المشرف على تنفيذها، وهو ما تكرَّس بالفعل في القرارات الملكية الأخيرة، وبدا وهو يتحدث وكأنه صانع القرار الحقيقي في المملكة؛ حيث قدم الكثير من الرؤى في أمور اقتصادية سيادية، باعتبارها قرارات واقعة، تنتظر التنفيذ فقط، وذلك عندما طرح فكرة تأسيس صندوق سيادي هو الأكبر من نوعه في العالم، بقيمة تريليونَيْ دولار، وتأكيده على أنه بحلول العام 2020م، لن يكون النفط المصدر الرئيسي للدخل القومي السعودي، وأن “أرامكو” ستتحول إلى إمبراطورية صناعية، ولن تتوقف عند كونها شركة نفط وغاز، وذلك من قبل اعتماد “رؤية المملكة 2030” في مجلس الوزراء السعودي نفسه.

هذه التأكيدات دفعت صحيفة “التايمز” البريطانية (9)، إلى التعليق بالقول صراحة إن محمد بن سلمان “قد يصبح ملك السعودية المقبل”، مشيرة إلى هذه الأمور التي وردت في حوار “بلومبرج”، وفي تحركات ابن سلمان في الداخل والخارج، باعتبار أنها “مبادرات سياسية جريئة، و”مناورات قام بها” من شأنها أن “تعزز نفوذه كالرجل الثاني في النظام السعودي”. وهو ذات ما ذهبت إليه الواشنطن بوست الأمريكية؛ حيث أطلقت عليه “ملك السعودية القادم”، وقالت تحديدًا إنه “قد يكون هو الملك القادم، في حال إقدام المملكة على تغيير سير عملية خلافة الحكم، كما حدث من قبل مع الأمير مقرن بن عبد العزيز”(10).

ثانيًا: احتمالات الصراع على السلطة في المملكة:

بالرغم من كل هذه الجهود التي قام به الأمير محمد بن سلمان، وعضدتها قرارات والده، إلا أن قضية انتقال السلطة إلى الأمير محمد بن سلمان، بعد والده، تبقى رهينة عوامل وأطراف عديدة، وكذلك ظروف متغيرة.

ونعود في هذه الجزئية – على سبيل المثال – إلى ما ذكرته صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية؛ حيث أشارت إلى أنه “قد” يصبح الملك، “في حال إقدام المملكة على تغيير سير عملية خلافة الحكم”.

هنا سوف تكون المشروعية لقرار الملك سلمان، ولكنه سوف يكون بحاجة إلى تأييد من هيئة البيعة لقرارَيْن، وليس لقرار واحد، الأول هو قرار إعفاء الأمير محمد بن نايف من منصب ولي العهد، لأنه وصل إلى هذا المنصب بقرار ملكي أيدته هيئة البيعة، أما القرار الثاني، فهو قرار تصعيد الأمير محمد بن سلمان، إلى هذا المنصب.

وفي ظل التطورات الأخيرة التي طرأت على المملكة، والحالة الأمنية الراهنة في الداخل، وفي الإقليم؛ فإنه سوف يكون من الصعوبة بمكان تمرير قرارات كهذه، لو استشعرت الهيئة أنها سوف تهدد الاستقرار الداخلي، للدولة، وللنظام، في ظل عدم وجود سوابق حالة كهذه من قبل، باستثناء لا يُقاس عليه، في حالة الأمير مقرن. ففي سابقة الحالة الوحيدة التي جرى فيها إعفاء ولي عهدٍ سعودي من منصبه، كانت في حالة الأمير مقرن بن عبد العزيز. وفي هذه الحالة؛ فإن الأمر ارتبط بشخصية وصلت إلى هذا المنصب في نهاية عمرها السياسي (11).

أما الأمير نايف، فيشغل منصبًا تنفيذيًّا ربما هو الأهم في المملكة في الوقت الراهن، وهو وزارة الداخلية، الذي يتولاه في ظل أوضاع أمنية متوترة في الداخل، وفي الإقليم، وهو كذلك المسؤول الأول عن رسم وتنفيذ سياسات المملكة في المجال الأمني، من خلال رئاسته لمجلس الشؤون السياسية والأمنية.

ولا يمكن إغفال أهمية الدور الذي يلعبه الأمير محمد بن نايف في تأمين النظام والدولة، في ظل أكثر من اعتبار، الأول هو تراجع دور الحرس الوطني في عهد الملك سلمان، في ظل قرارات “التطويق” التي تبناها في حق إرث الملك عبد الله؛ حيث يرأس الحرس الوطني، الأمير متعب، نجل الملك عبد الله، والذي كان – للمفارقة – يُعدُّه لوراثته؛ إلا أن الظرف الطارئ المتمثل في وفاة الملك عبد الله، حال دون ذلك.

الاعتبار الثاني، أن الأمير محمد بن نايف استطاع وفق الكثير من التقارير الغربية، القضاء على تنظيم “القاعدة” في السعودية، بمختلف الوسائل والأدوات، السياسية والأمنية، حيث إنه، وبالرغم من الحرب الشعواء التي شنها على التنظيم، فقد قام في النهاية، بفتح مسار لهجرة عناصر التنظيم إلى اليمن، وربما كان ذلك هو أحد عوامل أزمة اليمن حاليًا؛ إلا أنه يبقى له في النهاية، أنه كان العامل الأول لاستقرار المملكة في فترة عصيبة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م (12).

إذًا الأمير محمد بن نايف ليس المسؤول الهامشي الذي يمكن عزله بقرار ملكي بهذه السهولة، وهنا نقف أمام بعض الحوادث التي وقعت في الفترة الأخيرة، توضح أن الأمير محمد بن نايف يعمل على تدعيم نفوذه الرسمي كوزير للداخلية، حيث عمل على تدعيم القوات التابعة لوزارة الداخلية السعودية، بقوات وأسلحة نوعية، تخرج عن طبيعة الشرطة المدنية بشكل كامل.

ففي الثلاثين من مارس 2016م، دشن الأمير محمد بن نايف، المرحلة الأولى لمشروع أكاديمية محمد بن نايف للعلوم والدراسات الأمنية البحرية، كما رعى تدريب بحري واسع النطاق، بعنوان “طوفان 6″، شمل للمرة الأولى، تأهيل قوات بحرية سعودية كاملة التأهيل العسكري (13)، خارج القوات البحرية التابعة للقوات المسلحة السعودية النظامية، التي تتبع وزارة الدفاع السعودية التي يقودها الأمير محمد بن سلمان (14).

ولما سارعت الصحف السعودية إلى الإشادة بالأمير محمد بن سلمان في سياق تفاعلات موضوع الرؤية الجديدة؛ وصدَّرت عناوينها بعبارات على غرار: “السعوديون والأمير محمد بن سلمان”(15)، “الاتصال السياسي. من «سعود الأوطان» إلى «محمد التحول»”(16)، و”الأمير الشاب… والسعودية الجديدة!”(17)؛ نشر الأمير محمد بن نايف، عبر حسابه على موقع “تويتر”: “أدعم عضيدي ويدي اليمنى محمد بن سلمان في “الرؤية الطموحة””(18). وذهب البعض إلى القول إلى أن عبارة “يدي اليمنى” تشير إلى أنه في النهاية، يبقى أن الأمير محمد بن نايف هو ولي العهد، والملك القادم للبلاد، وأنه الأكبر والأعلى منصبًا، وهي رسالة واضحة للغاية، للداخل السعودي، وللأمير محمد بن سلمان.

ثالثًا: الإصلاحات الداخلية والتحديات التي تواجه محمد بن سلمان:

تؤكد كثير من التحليلات على أمرَيْن الأول، صعود الأمير محمد بن سلمان، والثاني قوة الموقف السياسي للأمير محمد بن نايف في المقابل؛ حيث يرون أن إقالة محمد بن نايف ستلحق الضرر بآل سعود، بصفته المسؤول الأمني الأول في الدولة (19). كما أنه على علاقات وثيقة مع دوائر الاستخبارات العربية والغربية، وخصوصًا في مجال مكافحة الإرهاب، وهو محل ثقة المسؤولين الغربيين المتشككين في الأصل في نوايا السلطات السعودية في موضوع مكافحة التنظيمات المتطرفة.

كذلك فإن الأمير محمد بن نايف على النحو الذي تقدم في تطويره لمؤسسات الوزارة، وقوات الشرطة المدنية، والقوات العسكرية وشبه العسكرية التابعة للوزارة، يتمتع بالولاء الكامل لمسؤولي الداخلية السعودية، وكذلك معظم الأمراء النافذين في الأسرة المالكة. وبدت قوة ومتانة موقفه في خروجه من أزمة كارثة رافعة الحرم، وتدافع الحجاج في مكة المكرمة؛ حيث إنه مسؤول عن كليهما بصفته وزيرًا للداخلية، ورئيس لجنة الحج العليا. وفي التحليل؛ فإن هذه القوة يمكن أن تكون مصدر قلق للأمير محمد بن سلمان.

صحيفة الجارديان في تقديرها للموقف الداخلي (20)، قالت إن الشفافية لا تزال ناقصة في السعودية؛ حيث يتنامى الحديث عن حجم الفساد والتجاوزات، وما وصفته بـ “الاقتتال الداخلي” على السلطة بالمملكة. وبحسب الصحيفة؛ فإن هناك بعض الأمراء الذين يخشون من تولي الأمير محمد بن سلمان للسلطة، ولكنهم ينأون بأنفسهم عن أية مشكلات، ولكنهم – كذلك – سوف يلقون باللوم عليه في حال تفاقم المشكلات الاقتصادية والسياسية والأمنية أمام المملكة في الوقت الراهن.

ولكن، وبالرغم من قوة الموقف السياسي للأمير محمد بن نايف، إلا أنه ثمَّة حقيقة مهمة هنا، وهي الأمير لا يملك أبناءَ ذكورًا، مما قد يدعم من خطوة فجائية قد يتخذها العاهل السعودي لتعيين الأمير محمد بن سلمان في منصب ولي العهد، وتجاوُز هيئة البيعة التي أسسها الملك عبد الله.

وفي الإطار، ثمَّة تحديات مهمة تواجه الأمير محمد بن سلمان في إطار مشروعه الطموح لخلافة والده في حكم المملكة، الأول هو المؤسسة الدينية الرسمية النافذة في المجتمع، والثاني، هو مدى قدرته على تحقيق نجاح حقيقي في المجال الاقتصادي. ولكن من جهته لم يمس الأمير محمد بن سلمان سلطة علماء الدين، بالرغم من تطلعاته لحالة أكثر انفتاحًا، فلم يتجاوز في تصريحاته التي أطلق خلالها الرؤية الجديدة، موقف المؤسسة الدينية الرسمية في موضوع قيادة المرأة للسيارة، عندما سُئل عن ذلك في المؤتمر الصحفي يوم 25 أبريل. كما أنه لم يدعم صراحة قرار مجلس الوزراء السعودي بنزع الصلاحيات التنفيذية لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في ظل وضوح موقف العلماء الرافضين لذلك.

في المقابل؛ فإنه يسعى إلى أن يرتبط بمصدر قوة آخر، وهي شريحة الشباب؛ حيث يقدم نفسه كرمز شاب أمام ملايين الشباب السعودي، وهي شريحة بدأ تأثيرها يظهر في المجتمع السعودي بشكل تلقائي، في نمط التفكير والمعيشة. ولذلك فإن الرؤية الجديدة والقرارات الملكية التي عضدتها، حملت الكثير من الوعود الطموحة في مجال الثقافة والسينما، وأمور أخرى تستهوي الجيل الجديد من أبناء المجتمع السعودي، ممن تلقوا تأهيلهم العلمي في الجامعات الأوروبية والأمريكية، من خلال البعثات الدراسية، والتي تُعتبر من أهم الملفات السياسية التي يتعامل معها صانع القرار السعودي على نحو من الحذر، بسبب “تربص” علماء الدين السلفيين، ونظرهم بعين الريبة إليها.

التحدي الثالث الذي يواجهه ابن سلمان، هو مدى قدرته على القيام بإصلاحات أساسية في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وهنا يشير جيدو شتاينبيرج، الخبير في الشؤون السعودية بمعهد الأمن والسياسة في برلين، إن هذه الإصلاحات “تشكل معيارًا أساسيًّا لقياس مدى إلتزام الأمير الشاب بتطوير بلاده وانفتاحها على العالم”(21). إلا أنه أبدى رؤية تشاؤمية حيال ذلك؛ حيث قال إن “حكام السعودية سواء الملك سلمان أو ولي عهده أو ولي ولي عهده، ليس فقط يحجمون عن إصلاحات سياسية تُذكر لحد الآن، بل إن الأمور تسير في اتجاه مزيد من تقوية الهيمنة على السلطة”.

خلاصات واستنتاجات:

من خلال التطورات التي شهدتها المملكة خلال الفترة الماضية؛ يمكن القول أن هناك عدد من المؤشرات حول وجود صراع على السلطة، ومع كون القرارات الملكية الأخيرة قد صدرت قبل أيام قليلة فقط، وبدأت الحكومة السعودية بالفعل في إجراءات تطبيق الرؤية الجديدة؛ فإنه يمكن القول أن العاهل السعودي يقف بكل قوته خلف دعم ابنه ليكون حاكمًا للمملكة خلال السنوات القليلة القادمة، وإن لم يتضح بعد كيف سوف يتعامل مع التحدي الذي يمثله وجود ولي عهد بوزن محمد بن نايف، بكل ما يمتلكه من مفاتيح سياسية تتحكم في سياسات المملكة وواقعها المعاصر.

وتزداد أهمية هذا التحدي مع إدراك الأمير محمد بن نايف بما يجري، والذي يكرر ما جرى خلال عهد الملك عبد الله، بصورة أو بأخرى؛ حيث بدأ -كما تقدم -في تعضيد نفوذه ومصادر قوته، بما في ذلك القوة المسلحة، ووجود تيار غالب في المستوى الإقليمي والدولي يفضل ابن نايف، بخبرته في الملف الأهم إقليميًّا ودوليًّا، وهو مكافحة الإرهاب، على رأس جهاز الحكم في المملكة.

كما أنه، وبعيدًا عن الجانب الخاص بالأمير محمد بن نايف؛ فإن هناك الكثير من الأمور التي لا تزال تثير الشك في إمكانية أن يتجاوز الأمير محمد بن سلمان المرحلة المقبلة بنجاح في صدد مشروع ولاية العرش في المملكة، وعلى رأسها مدى قدرته على كسب قبول شرائح مهمة، مثل علماء الدين التقليديين، والشباب، بالإضافة إلى الأمراء الأكبر سنًّا، وكذلك مدى قدرته على القيام بالإصلاحات المطلوبة لتأهيله للحصول على القبول الإقليمي والدولي، وحصوله على الدعم اللازم من القوى الخارجية.

ويبقى ذلك رهينةً للنجاح الذي يمكن أن تحققه الرؤية الطموحة التي طرحها، والتي تُعتبر بالنسبة له سلاحًا ذا حدَّيْن؛ حيث إنها حققت له الكثير من الشعبية، والترويج لمشروعه، إلا أنه، في حال عدم تحقيقه للنجاحات المأمولة خلال السنوات الخمس الأولى منها على الأقل؛ فإنه سيواجه تحديات كبيرة حتى كوليٍّ عهد في مرحلة ما بعد سلمان.

———————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2) أخذ الملك سلمان أربعة مجموعات من القرارات: الأولى في 23 يناير 2015م، والثانية في الثلاثين من ذات الشهر، والثالثة في 28 أبريل 2015م، والأخيرة في السابع من مايو 2016م، وبينهما كانت هناك مجموعة من القرارات الملكية الأخرى ذات الأهمية، ولكنها لم تكن في شمولية وحجم وأهمية هذه المجموعات

(3) حول تفاصيل هذه القرارات، أنظر: السعودية: إعادة هيكلة شاملة للحكومة، “العربية. نت”، 7 مايو 2016م، الرابط

(4) المصدر السابق.

(5) شهد 29 يناير 2016م، قرارًا بحل المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، مع 11 جهازًا آخر تم إلغاؤها، ودمج بعضها في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتأسيس مجلس أعلى لشركة “أرامكو” بدلاً من مجلس إدارتها، وعُهِد به أيضًا إلى الأمير محمد بن سلمان.

(6) حوار أجرته مجلة الإيكونيميست” البريطانية، مع الأمير محمد بن سلمان، في يناير 2016م، وذكر فيه أن المملكة سوف تعمل على خصخصة قطاعَيْ التعليم والصحة كذلك، للمزيد:

محمد بن سلمان: ندرس طرح جزء من “أرامكو” للاكتتاب العام.. ونعتزم خصخصة قطاعي التعليم والصحة، موقع “أرقام”، 7 يناير 2016م، الرابط

(7) “أرامكو ليست دستورنا”.. محمد بن سلمان يعلن رؤية السعودية 2030 لاقتصاد ما بعد النفط، هافينغتون بوست عربي، 25 أبريل 2016م، الرابط

(8) النص الكامل لحوار الأمير محمد بن سلمان مع “بلومبيرغ”، العربية. نت، 5 أبريل 2016م، الرابط

(9) محمد بن سلمان.. من وصفه بـ “المتهور” إلى “الأمير غير المحدود”، صحيفة “التقرير”، 29 أبريل 2016م، الرابط

(10) المصدر السابق.

(11)عندما تولي الأمير مقرن منصب ولي العهد، في 27 مارس 2014م، لميكن في أي منصبٍ رسمي آخر، وكان آخر منصب رسمي تنفيذي له، هو رئاسة الاستخبارات العامة السعودية، وتم إعفاؤه منها في 19 يوليو 2012م، بخلاف سابقه، الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان يتولى قيادة الحرس الوطني. أما ولي العهد السابق على الملك عبد الله في هذا المنصب، فقد كان الأمير سلطان بن عبد العزيز، شقيق الملك فهد بن عبد العزيز، وهو أحد الأمراء السديريين السبعة – مثل الأمير محمد بن نايف – وكان يشغل منصب وزير الدفاع السعودي حتى وفاته في 22 أكتوبر من العام 2011م.

(12) القصة الكاملة لدور الأمير محمد بن نايف ووالده الراحل، الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية السابق في المملكة، في محاربة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، والانتصار عليه، وتحقيق الاستقرار للنظام السعودي رواها الباحث النرويجي، توماس هيجهامر، في رسالته لنيل درجة الدكتوراه، وترجمته الشبكة العربية للأبحاث، في كتاب صدر في العام 2013م، بعنوان: “الجهاد في السعودية: قصة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب“، وترجمه أمين الأيوبي.

(13) ولي العهد يرعى تمرين «طوفان 6» في جدة، “الرياض”، 30 مارس 2016م، الرابط

(14)قوات حرس الحدود السعودية، وهي قوات مسلحة، وليست قوات شرطة مدنية عادية، تتبع وزارة الداخلية السعودية، وليس وزارة الحرس الوطني أو وزارة الدفاع.

(15) حمد الماجد، في: “الشرق الأوسط”، 26 أبريل 2016م، الرابط

(16) أحمد الجميعة في: “الرياض”، 25 أبريل 2016م، الرابط

(17) تركي الدخيل في: “عكاظ”، 24 أبريل 2016م، الرابط

(18) ولي العهد السعودي: أدعم عضيدي ويدي اليمنى محمد بن سلمان في “الرؤية الطموحة”، الشرق الأوسط، 27 أبريل 2016م، الرابط

(19) “بن سلمان الأقوى في التنافس على السلطة في الأسرة الحاكمة”، دويتش فيله عربية، 27 أبريل 2016م، الرابط

(20) جارديان: الصراع على السلطة يشتعل في السعودية، “البديل”، 21 يناير 2016م، الرابط

(21) “بن سلمان الأقوى في التنافس على السلطة في الأسرة الحاكمة”، مصدر سابق.

 

أحمد التَّلاوي

باحث سياسي ومحرر إعلامي، بكالوريوس العلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1996، من مؤلفاته: إيران وصراع الأصوليات في الشرق الأوسط، دولة على المنحدر، أمتنا بين مرحلتين، الدولة والعمران في الإسلام

اعمال اخرى للكاتب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button