التقارب_المصري_التركي_الواقع_والافاق
تمهيد:
في ظل توترات إقليمية معقدة بلغت مداها بدخول السعودية وايران في خندق الازمات الحادة، سعت القوى الاقليمية لتشكيل تحالفاتها الاستراتيجية التي تخدم مصالحها ورؤيتها في الازمات القائمة في المنطقة، وكان آخر التحركات في هذا السياق الإعلان عن تنسيق استراتيجي بين السعودية وتركيا، ومع التقارب التركي السعودي، أثير جدل كبير حول مستقبل العلاقات المصرية التركية، في ظل سعي السعودية لبناء تحالف كبير لإدارة القضايا الكبرى في المنطقة، وأنها يمكن أن تدفع باتجاه تقارب تركي مع النظام المصري الحالى، وظهرت تقارير تؤكد أن أي تحالفات تسعى إليها السعودية وتركيا لمجابهة التطورات الاقليمية، لن تخلو من وجود مصر كفاعل رئيس فيها، خاصة وأن مصر، وبالرغم من أنها تواجه أزمات اقتصادية معقدة واحتقان سياسي شديد، تظل رقماً صعباً في المعادلة الإقليمية.
وفي إطار هذه الاعتبارات يسعي هذا التقدير إلى مؤشرات وسيناريوهات التحول فى العلاقات المصرية التركية في ظل الاوضاع والتطورات الإقليمية الراهنة؟
أولاً: أطراف التفاعل وإدارة المشهد:
على الجانب المصري، وفي 17 ديسمبر 2015، جاءت تصريحات وزير الخارجية المصرية سامح شكري، تؤكد على رغبة مصر في عودة العلاقات مع تركيا إلى سابق عهدها، لكنه نفى توسط السعودية بين مصر وتركيا لإعادة العلاقات بينهما، وعاد شكري مرة اخرى في 17 يناير 2016، ليصرح ان عودة العلاقات مع تركيا تتوقف على عدم تدخل الأخيرة في شؤون مصر الداخلية والكف عن دعم جماعة الاخوان المسلمون، وأكد أن مصر ستشارك في مؤتمر التعاون الاسلامي في تركيا في أبريل 2016، وأشار إلى أن مستوى المشاركة سيتم دراسته دون ان ينفي احتمال مشاركة السيسي في المؤتمر.
وعلى المستوى الاعلامي المصري، كانت هناك إشارات عبر عدد من وسائل الإعلام المصرية، إلى وجود حراك دبلوماسي سعودي مكثف لمحاولة الوساطة بين تركيا ومصر تزامنا مع اقتراب انعقاد القمة الإسلامية وارتباط المصالحة مع تركيا بالاستجابة للمطالب المصرية(1).
وفي المقابل وعلى الجانب التركي، دعت تركيا من خلال المتحدث باسم وزارة الخارجية، تانجو بيلجيتشقال، مصر الى حضور القمة الاسلامية في أسطنبول، وأشار تانجو إلى أن مستوى مشاركة الوفد المصري في القمة ستحدده السلطات المصرية.
وعلى المستوى الاعلامي، تناولت الصحافة التركية موضوع العلاقات التركية المصرية، بالإشارة إلى وجود محاولات لعودة العلاقات بين تركيا ومصر، حيث ذكرت صحيفة جمهوريت التركية في 19 يناير 2016، أنه تم إعداد مذكرة تفاهم بين تركيا ومصر في إطار تحسين العلاقات بينهما، وأضافت: إن تركيا ستعترف بحكومة السيسي، في مقابل الغاء مصر تنفيذ قرارات الإعدام الصادرة بحق قادة جماعة الإخوان المسلمين(2) .
بينما اشار اكثر من كاتب صحفي الى اهمية وجود اتحاد رباعي بين السعودية وتركيا ومصر وباكستان، في مواجهة التحالف الروسي الايراني، وان نجاح هذا الاتحاد يعتمد على تخفيف التوتر القائم بين مصر وتركيا(3)، والـتأكيد على ان كثير من المواقف اضطرت فيها تركيا للتعامل من خلال البراجماتية والواقعية السياسية(4).
ثانياً: مبررات التقارب ودلالات التوقيت
يمكن فهم إثارة مسألة التقارب المصري التركي في هذا التوقيت بالنظر الى محورين رئيسيين يمكن من خلالها معاينة المشهد بدقة:
الأول: الازمة التركية ـ الروسية:
فالخسائر السياسية والاستراتيجية التي تكلفتها تركيا، على خلفية أزمة الطائرة الروسية، لم تكن قليلة، فروسيا حققت مكاسب عدة كان أهمها حصولها على مسوغات لتثبيت قواتها عسكريا في المنطقة لفترة زمنية ستمتد لسنوات عن طريق ادخال منظومة دفاع جوي وسفن حربية على السواحل السورية والاتفاق على قاعدة عسكرية في قبرص اليونانية(5)، وقطعت روسيا بهذه الخطوات شوطا ليس بالقليل في طريق استعادة دورها من مجرد قوة إقليمية إلى قوة دولية متربصة وكامنة على الحدود التركية.
ربما كان هذا التغير الاستراتيجي في العلاقات بين تركيا وروسيا والذي ظهرت مآلاته على الساحتين السورية والعراقية بشكل مباشر، سببا رئيسيا في تحول دفة السياسة التركية الاقليمية بشكل لافت للنظر، لتحاول جاهدة التخلص من تداعياته الخطيرة، مما دفع تركيا لمحاولة إحياء شراكات قديمة في المنطقة، كالعلاقات مع إسرائيل، في ظل تحقيق بعض الشروط التي كانت تطالب بها سابقا( )، ثم الحديث عن العلاقات مع مصر والذى أصبح الحديث فيه مستساغاً داخل تركيا، بعد ما كان أمرا مستبعدا في الفترة السابقة.
الثاني: الأزمة السعودية الإيرانية:
بعد إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي نمر باقر، تفجر الأوضاع بين الجانبين الايراني والسعودي، مما ادى الى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين، وارتفاع حدة التوتر للدرجة التي جعلت المساحات التي كانت قائمة ما بين الحرب بالوكالة والمواجهة العسكرية المباشرة، تتحول الى خيط رفيع قد تخطئه العين.
في هذا السياق الاقليمي سارعت السعودية لإقامة تحالف استراتيجي تستطيع من خلاله مجابهة التحالف الروسي الايراني، وربما مثلت مجموعة الاتفاقات الاستراتيجية في المجال العسكري ومجال الطاقة مع تركيا، خطوة على الطريق في بناء التحالف المأمول، إلا ان السعودية تدرك ان مصر لا تزال تعد عنصراً فعالاً في معادلة تحالفها الاستراتيجي وتدرك أن احد العوائق الرئيسة لاتمام تحالف ناجح وبشكل فعال، هو ملف العلاقات المصرية التركية، لذلك تتجه السعودية للمقاربة بين الجانبين المصري والتركي لخلق مساحة حوار بين الجانبين على أقل تقدير، لتضمن فعالية التحالف من ناحية، وومحاولة جذب الجانب المصري من التقارب الذي بدا واضحا مع كلا من روسيا وايران، من ناحية ثانية.
ثالثاً: التقارب وشروطه:
ربما يكون من المفيد تسليط الضوء على الشروط المعلنة من كلا الجانبين لاتمام اي مصالحة لتحديد مدى تأثيرها على مسار اي مصالحة مستقبلية:
1ـ على الجانب التركي، كان آخر تصريح للرئيس التركي في أبريل 2015، بشأن عودة العلاقات مع مصر، حيث أكد أن هناك شروطا أربعة ينبغي استيفاؤها وهي: إطلاق سراح د. محمد مرسي، وإلغاء أحكام الإعدام التي صدرت بحق الآلاف من المعارضين السياسيين، وإطلاق سراح كل السجناء السياسيين، ورفع الحظر عن كل الأحزاب السياسية، بهدف إعادة العملية الديمقراطية إلى طبيعتها(7).
2ـ على الجانب المصري، ذكر وزير الخارجية المصري، ان عودة العلاقات مع تركيا تعتمد على: الكف عن التدخل في شؤون مصر الداخلية، والتوقف عن دعم جماعة الاخوان المسلمون(8).
رابعاً: مصر وتركيا: مساحات التقاطع وسيناريوهات المستقبل:
مصر وتركيا من الركائز الأساسية في منطقة الشرق الأوسط، وهذا بالضروروة يعني أن مساحات التقاطع بينهما متعددة ومتنوعة، ومن أهم هذه المساحات التي ربما يسعى كلا الجانبين لاتمام مصالحة من أجلها: الاستفادة من النفوذ الجيوسياسي لكلا الجانبين مما يتيح لهما ممارسة أدوارهما كقوتين إقليميتين فاعلتين، وإسهام الجانبين في دبلوماسية إقليمية مشتركة، تعزز من تحقيق مصالحهما في الاقليم، وتطوير التعاون الامني الحالي والوصول لإنشاء مظلة أمنية إقليمية، وزيادة وتنمية التعاون الاقتصادي.
في إطار هذه الاعتبارات تبرز عدة سيناريوهات لمسار العلاقات المصرية التركية خلال المستقبل القريب:
السيناريو الأول: الجمود
استمرار جمود العلاقات، وهو السيناريو الأضغف حيث أن ديناميكية الأحداث الإقليمية تستدعي أن يكون معها تحركات من كافة الاطراف الاقليمية، مما يمكن أن تنشأ عنه تحالفات بين اطراف ربما كانت بعيدة في وقت سابق وربما عداءات بين شركاء قدماء.
السيناريو الثاني: التراجع:
فاستمرار تركيا في موقفها من النظام المصري من خلال تصريحات الرئيس التركي المتكررة، سيظل هو العامل الرئيسي الذي يستند اليه النظام المصري في استمرار تراجع العلاقات، الا ان هذا السيناريو في ظل الرغبة التركية في مجابهة المحور الروسي الايراني قد يبدو بعيدا عن الواقع، وربما يتم استغلال مؤتمر القمة الاسلامية في تركيا ومشاركة مصر فيها، كخطوة في هذا الاتجاه.
السيناريو الثالث: العودة القوية العلاقات:
أى عودة العلاقات بشكل قوي، وهو أمر قد يكون مستبعدا نظرا لطبيعة العلاقات المتأزمة بين الجانبين والممتدة منذ انقلاب 3 يوليو من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة شخصية الرئيس التركي اردوغان والتي يصعب من خلالها عودة العلاقات بشكل قوي وسريع.
وفي هذا الإطار يمكن القول أن احتمالات حدوث انفراجة قريبة في العلاقات تعتمد على مدى جدية السعودية في الوساطة بين الجانبين، وأنه في حال حدوث هذا التقارب فإنه سيكون من خلال تفاهمات توافقية وربما يكون التعاون الاقتصادي والامني هما بوابتا العبور لعودة العلاقات بين الجانبين.
ويبقي حجم العلاقات مرتبطاً بالعديد من الاعتبارات، منها: تعقيدات المشهد الإقليمي، ومدى تقبل الطرفين شروط الآخر للمصالحة، وسرعة استجابته للضغوط الدولية والإقليمية، وكذلك تحولات المشهد الثوري في مصر، وأيضاً تحولات الأوضاع الداخلية في تركيا في ظل التحديات السياسية والاستراتيجية التي تواجهها.
————————————-
الهامش
(1) موقع التحرير، الرابط
(2) موقع زمان: صحيفة: تركيا ستعترف بالسيسي.. ومصر لن تعدم قادة الإخوان، الرابط، تاريخ الزيارة: 23-1-2016.
(3) ابراهيم كاراجول، لتنسحب إيران من سوريا، وليأتي مُرسي إلى تركيا، صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس، 10 يناير 2016، الرابط ، تاريخ الزيارة: 23-1-2016.
(4) محمود عثمان، هل تشهد العلاقات التركية المصرية انفراجاً مع قمة منظمة التعاون الإسلامي، موقع ترك برس، 11 يناير 2015، الرابط ، تاريخ الزيارة: 23-1-2016.
(5) موقع روسيا اليوم، قبرص قاعدة بحرية روسية ثانية في المتوسط، 2 ديسمبر 2015، الرابط، تاريخ الزيارة: 23-1-2016.
(6) موقع مونت كارلو، أردوغان: تركيا في حاجة إلى إسرائي، مونت كارلو الدولية، 2 يناير 2016، الرابط، تاريخ الزيارة: 23-1-2016.
(7) موقع ترك برس، تركيا تضع أربعة شروط لإعادة العلاقات مع الحكومة المصرية، 19 ديسمبر 2015، الرابط، تاريخ الزيارة: 23-1-2016.
(8) محمد السيد صالح وفادي فرنسيس: سامح شكري وزير الخارجية: نشارك في قمة اسطنبول ومستوي التمثيل يحدده الرائيس، موقع المصري اليوم، 17 يناير 2016، الرابط. تاريخ الزيارة: 23-1-2016.