التموضع الأمريكي في الخليج بين الواقع والرهانات
التموضع الأمريكي في الخليج
في ظل التحولات الإقليمية، والحسابات الأمريكية في المنطقة، ومع صعود إيران، وتطور الدور الروسي لملء الفراغ الإقليمي، فإنه لابد من قراءة المشهد في مياه الخليج، وما هي التحولات الجديدة والتحالفات بناء على ما سبق من اشتعال النار هناك، فبين جهود تهدئة وفرض حالة استقرار ورغبة الأطراف الإقليمية لتوقيع اتفاقية “عدم الاعتداء” تتجلى الرغبة الأمريكية بالحفاظ على شكل صراعي وفق القالب الأمريكي تجاه القوى الإقليمية التي تعمل على ابقاء المنطقة في حالة صراع ولا استقرار دائم.
ففي يوليو 2019 أبدت واشنطن رغبتها بتشكيل تحالف عسكري في الفترة المقبلة بهدف حماية المياه الاستراتيجية في الخليج، بحيث يكون هذا التحالف تحت إشراف الولايات المتحدة الأمريكية، وبمشاركة 60 دولة، وستكون جهودها للمراقبة والاستطلاع.
وبدأت أعمال هذا التحالف في 7 نوفمبر الجاري، بمشاركة ستة دول فقط إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وهي السعودية الإمارات البحرين وبريطانيا واستراليا وألبانيا، تحت اسم “سنتينال”، بحيث تمتد هذه المهمة بدءً بمياه الخليج ومروراً بمضيق هرمز وصولاً إلى باب المندب عبر البحر الأحمر، إذ تعطي مؤشر انعكاس المسار التي تواجه فيه أمريكا النفوذ الروسي والإيراني، الذي يمتد عبر هذا المحيط، ومحاولات أمريكية إلى جانب محاولاتها السابقة السيطرة على مضيق هرمز، أو تغيير المعادلات فيه.
وفي إطار هذه الجهود الأمريكية ربما ينظر البعض إلى أن هذا التحالف قد تأخر تشكيله إلى حد أدى إلى خسارة الوظائف المنوطة به، وهو بدوره لن يؤد إلى توتر الأجواء في المنطقة، وقد كان من المفترض أن يشكل هذا التحالف مما يقارب 60 دولة لكن انتهى لأن يكون فقط من 6 دول إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.
وعليه فإن إيران، تمددت بشكل يؤهلها إلى أن تكون قوة متمركزة في المنطقة ومناطقها الحيوية لا سيما الموانئ والمضائق وهي كذلك تسعى لمنع أي جهد يبذل، يمكن أن يؤثر على تواجدها في مضيق هرمز، وكذلك فإن روسيا تتوافق وتدعم إيران في هذا التوجه لمنع أي جهد خارجي، لذلك يأتي في إطار الصراع على مساحات النفوذ في المنطقة، وفرض منطقة الهيمنة وفق رؤية الولايات المتحدة الأمريكية.
تعظيم دور إسرائيل في المنطقة:
في ظل هذا الرؤية التي ترعاها الولايات المتحدة، فإن الدور الإسرائيلي سيكون حاضراً في هذا التحالف، ضمن الحضور في الإقليم، فتعظيم الخلاف بين إيران والخليج يزيد من تقارب إسرائيل ودول الخليج، وهو ما يصب في صالح إسرائيل، ورغبتها في ذلك، وفد إسرائيلي (يمثّل وزارة الخارجية).
وقد قال باراك رافيد المحلل السياسي للقناة الإسرائيلية ال13 قبل بدء المؤتمر إن “وفدًا رسميًا إسرائيليًا سيشارك في اللقاء في مملكة البحرين من أجل البحث عن توفير سبل الحماية البحرية من الهجمات الإيرانية في الخليج العربي، وركز على كيفية توفير حرية الحركة والملاحة البحرية في مياه الخليج العربي، والتصدي لأي هجوم إيراني، والحيلولة دون نجاح محاولات تهريب الأسلحة والوسائل القتالية، ومنع التزود بأسلحة الدمار الشامل، وحماية المطارات المدنية”.
الموقف الإيراني من هذا التحالف:
قللت إيران من أهمية بدء التحالف البحري بقيادة الولايات المتحدة عمله في مياه الخليج، وقالت وزارة الخارجية الإيرانية إن “التحالفات الأمريكية بقيت كأسماء لا أكثر على مدى التاريخ، ولم تجلب الأمن، بل أدت إلى زعزعة أمن واستقرار العالم”. وأضافت الوزارة إن “أمريكا تستغل أسماء بعض الدول لإضفاء الشرعية على التحالف البحري”، لافتة إلى أن “أمريكا تخفي مطامع وأهدافا خلف عدد قليل من الدول المشاركة في التحالف، وهذا ينم عن ضعفه وافتقاره إلى الشرعية الدولية”.
مناورة إيرانية روسية متوقعة:
طهران تخطط لتمرين عسكري مشترك مع موسكو في مضيق هرمز، وقد يكون فيه أيضًا دور محدود للصين، مضيفاً “طالما أن إدارة ترامب غير راغبة بالمواجهة مع طهران، أو إدخال النفوذ الإسرائيلي إلى الخليج، فإن التوتر بين أمريكا وإيران سيبقى على حاله في المدى المنظور، وهذا التحالف ليس له أي تأثير كبير في هذا السياق”.
الحوار الإقليمي الخليج وإيران وجهود الوساطة:
جرت جهود متعددة في الآونة الأخيرة من أجل عقد اتفاق عدم اعتداء، وجددت إيران استعدادها لفتح علاقات بناءة مع دول الجوار، وفي 26 مايو 2019 جدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أثناء زيارته للعراق، عرض بلاده بعقد اتفاق “عدم الاعتداء” مع الدول الخليجية، وبناء علاقات متوازنة معها، حيث أن العراق رعت حالة من الوساطة بين إيران ودول الخليج لا سيما مع الإمارات من أجل الوصول إلى اتفاق. وفي أكتوبر 2019، أعلن ظريف استعداد بلاده للحوار مع السعودية، في حال كانت الأخيرة جاهزة لذلك. وأضاف ظريف أنه “في حال غيرت السعودية والبحرين والإمارات سياساتها، وتوقفت عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإننا مستعدون لإقامة علاقات جيدة معها”. حيث يظهر هذا الجهد الإيراني لمنع تدهور الأوضاع إلى حالة أسوء من ذلك.
جهود واشنطن لمنع أي تقارب:
إن إيران تمكنت من القفز على الاستفزازات الأمريكية لها، من خلال إبقاء قنوات الحوار مع أوروبا، واحتوائها لدول الخليج، وهذا تجلى في إبرامها اتفاقيات مع الإمارات للحفاظ على الأمن الملاحي في مضيق هرمز وبحر العرب ورأت أن السعودية والإمارات خسرتا المراهنة على العقوبات الأمريكية على طهران، وإرغامها للخضوع للموافقة على الجلوس على طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة، والانصياع لشروطها.
ومن هنا يمكن القول إن أي تقارب خليجي مع إيراني، قد ينهي الصراع بينهما، إلا أن ذلك لا تريده الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تسعيان لإشعال وقود التوتر إلى ما لانهاية، واستخدام إيران كفزاعة في المنطقة.
حيث يعتبرها البعض أنها كارثة استراتيجية كبرى للجانب الأمريكي الذي يحاول إشعال حرب خليجية جديدة، بغرض تمكين دخول إسرائيل إلى مياه الخليج بحجة إنشاء التحالف الدولي لحماية الملاحة البحرية، وكذلك سيؤثر بشكل سلبي على الخطط الأمريكية والدول الفاعلة في الملفات الإقليمية.
إلي هنا يلزم عقد اتفاق عدم الاعتداء بين إيران ودول الخليج، إلى حوار شامل من أجل تحقيقه، من خلال فتح حوار إقليمي شامل، يعمل على ضبط حدود المنطقة بما يؤهلها، إلى الاستقرار والسلام، لكن هناك عدة كوابح في تحقيق هذا الأمر ويرجع ذلك إلى سبب فقدان الثقة بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة، وإيران التي تعاني من ذات المعضلة بعد عقود من الصدام، وبالتالي فإن التراكمات السلبية في العلاقات، ستضاعف من صعوبة تطبيع العلاقات وإبرام الاتفاقيات بينهم، لكن لن ينتهى هذا الصراع إلى هذا الحد بل سيصل إلى مواجهة شاملة وهذه المواجهة ستبقى شبح لكل الأطراف لتمكن القوى من الوصول إلى حلول تحقق الاستقرار في المنطقة ككل.
اقرأ ايضاً التنافس الأمريكي الإيراني في العراق.. خلفياته ومستقبله