fbpx
ترجمات

الجيش المصري وإساءة استخدام السلطة

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

منظمة الشفافية الدولية هي منظمة غير حكومية رائدة أُسست لمكافحة الفساد في العالم. ولدى منظمة الشفافية الدولية خبرة عالمية واسعة إدراك كبير لكل ما يتصل بالفساد، وذلك لامتداد عملها إلى كل أنحاء العالم. وتعمل منظمة الشفافية الدولية (للدفاع والأمن) على الحد من الفساد في مجال الدفاع والأمن في جميع أنحاء العالم.
وقبيل الانتخابات الرئاسية في مصر، أصدرت الشفافية الدولية تقريرها لشهر مارس 2018، بعنوان: “جمهورية الضباط: الجيش المصري وإساءة استخدام السلطة”. ويقوم التقرير بتحليل الدور المتزايد الذي يلعبه الجيش المصري في الحياة المدنية، والقوة الاقتصادية المتنامية للعسكر في مصر .

جدول زمني للأحداث

يبدأ التقرير بعرض جدول زمني للأحداث السياسية الرئيسية في مصر من يناير 2011 حتى مارس 2018 على النحو التالي:
1- يناير – فبراير 2011: 18 يوما من الاحتجاجات المناهضة للحكومة أدت إلى الإطاحة بحسني مبارك من رئاسة مصر
2- فبراير 2011 – المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتولى السلطة في البلاد، ويبقى فيها حتى عام 2012
3- نوفمبر 2011 – يناير 2012 يتم تنظيم الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب المصري
4- يونيو 2012 – حل مجلس الشعب المصري. وفي الشهر نفسه، تُعقد الانتخابات الرئاسية ويصبح محمد مرسي رئيسًا
5- يوليو 2012 -الرئيس مرسي يعيد مجلس الشعب
6- نوفمبر 2012 – يصدر الرئيس مرسي إعلاناً دستورياً يعطيه صلاحيات تنفيذية واسعة النطاق، مما يثير الاحتجاجات والاشتباكات. وتم إلغاء المرسوم في ديسمبر
7- يوليو 2013 – الجنرال عبد الفتاح السيسي يقود انقلاباً عسكرياً يطيح بالرئيس مرسي من السلطة. وتم تعيين عدلي منصور رئيسًا مؤقتًا وتشكيل حكومة مؤقتة
8- أغسطس 2013 – يتم تفريق المتظاهرين المعتصمين في ميدان رابعة العدوية لدعم الرئيس مرسي بعنف شديد من قبل قوات الأمن المصرية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 900 شخص
9- مايو 2014 – الجنرال السيسي يفوز في انتخابات رئاسية (تولى الجيش إدارتها) ويؤدي اليمين الدستورية في يونيو
10- أكتوبر- ديسمبر 2015 تجرى انتخابات برلمانية، وتظهر نتائجها بنسبة مشاركة منخفضة تبلغ 10 في المائة فقط
11- مارس 2018 – تجري انتخابات رئاسية جديدة ويترشح فيها السيسي لولاية ثانية

محاور التقرير

ينقسم التقرير إلى أربعة محاور:

1- المحور الأول: ويتناول الفساد السياسي والاقتصادي في الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير
2- المحور الثاني: ويناقش انغماس الجيش المصري في المشروعات الاقتصادية، وإهماله لواجباته الأساسية في حماية البلاد
3- المحور الثالث: ويتناول استراتيجيات الجيش لتعزيز موقفه السياسي
4- المحور الرابع: ويشمل الخلاصات التي توصل إليها التقرير بخصوص هيمنة الجيش على الحياة المدنية في البلاد

المحور الأول: الفساد السياسي والاقتصادي قبل ثورة يناير

يبدأ المحور الأول من التقرير بالاستشهاد بعبارة قالها أحد النشطاء الحقوقيين عام 2011 تلخص معاناة المصريين في تلك الفترة، حيث قال: “عندما يكون محتماً عليك أن تعيش شهراً كاملا ومرتبك 300 جنيهاً مصرياً فقط، فهذا يعني أن لديك خيارين اثنين: إما أن تصبح متسولاً أو أن تصبح لصاً. وقد أعلنها المصريون مدوية: لسنا متسولين ولن نكون لصوصاً.” ويركز التقرير في هذا المحور بشكل رئيسي على الفساد السياسي والاقتصادي الذي كان سائداً في الفترة التي سبقت ثورة 25 يناير. حيث كانت مصر تواجه آنذاك تحديات كبيرة بسبب الفساد. حيث عملت حكومة حسني مبارك الفاسدة على تحقيق الثراء الفاحش لأفراها ونخبها من خلال بيع أصول القطاع العام والأراضي المملوكة للدولة، بذريعة الخصخصة، وتبني سياسات اقتصادية تدعم مصالحهم. وقد أدت هذه الإجراءات إلى انخفاض الاستثمارات العامة، وتدني الأجوو، وتآكل البنية التحتية العامة. وعلى الرغم من أن معدل نمو إجمالي الناتج المحلي السنوي بين عامي 1999 و2010 بلغ حوالي 5 في المائة، إلا أن عدد الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر في نفس الفترة ارتفع من11 مليون إلى أكثر من 21 مليون نسمة، أي أكثر من ربع السكان، وبلغ معدل البطالة بين الشباب آنذاك حوالي 28 في المائة.
في هذه الأثناء، كانت النخبة تقوم بتهريب مليارات الدولارات خارج البلاد. حيث ذكرت إحدى الدراسات أنه في السنوات العشرة التي سبقت ثورة 25 يناير، كان يتم تهريب حوالي 3 مليارات دولار سنوياً بشكل غير مشروع. وجدير بالذكر أن أبناء حسني مبارك كانوا متورطين حتى النخاع في هذه الأعمال. وفي استطلاع أجرته “البارومتر العربي” طُلب فيه من عدد من المصريين تحديد ثلاثة أسباب رئيسية كانت وراء اندلاع الاحتجاجات في الربيع العربي فكانت الأسباب الأكثر شيوعاً بين المشاركين هي: محاربة الفساد، تحسين الوضع الاقتصادي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وقد لعب الجيش دوراً اقتصاديا كبيرا طوال تلك الفترة. فجميع الرؤساء الذين تولوا الحكم بعد رحيل الملك جاؤوا من الجيش؛ ومبارك نفسه لم يكن استثناء في هذا الأمر. ونتيجة لذلك، فقد تمتع الجيش بامتيازات اقتصادية كبيرة وكان يستطيع إدارة أعماله دون أي مراقبة تُذكر من أي من أذرع الحكومة الأخرى. لكن الاحتجاجات التي عمت البلاد في أوائل عام 2011 لم تكن تستهدف الجيش. وفي الواقع، فقد ارتفعت بشكل كبير شعبية الجيش المصري بين المصريين خلال الـ 18 يوماً من الاحتجاجات المناهضة لمبارك. فبدلاً من الوقوف إلى جانب الرئيس المحاصر آنذاك، قام الجيش “بسحب البساط من تحت أقدام مبارك”، واختار عدم حمايته هو ومحسوبيه من نخب رجال الأعمال. وكان هتاف “الشعب والجيش إيد واحدة” يدوي في الآفاق إبان الثورة.

المحور الثاني: الجيش ينشغل بإدارة مشاريعه الاقتصادية ويهمل دوره الأساسي

يناقش التقرير في هذا المحور هيمنة الجيش المصري على الاقتصاد في البلاد، وذلك على حساب واجباته الأساسية من حماية البلاد وحفظ أمنها. فبعد وقت قصير من الإطاحة بمبارك، سرعان ما خيب المجلس الأعلى للقوات المسلحة آمال المتظاهرين الذين كانوا يطمحون إلى تغيير حقيقي للنظام العسكري في البلاد. وظلت مطالب الثوريين من أجل العدالة الاجتماعية والمساواة ووضع حد لمحاباة الأقارب مجرد طموحات. وفي الوقت نفسه، قام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحماية وتوسيع نفوذ الجيش في الحياة المدنية إبان إدارته للفترة الانتقالية.
لقد لعبت “جمهورية الضباط” على مدى عقود دورا قويا وكانت تتمتع بامتيازات فريدة في اقتصاد مصر وأمنها وسياستها. لكن هذا الدور أصبح أكثر بروزاً منذ الإطاحة بنظام الرئيس محمد مرسي عام 2013. والآن بعد أن بات الجيش يملك مثل ما نراه من النفوذ السياسي والاقتصادي، فإن كثيراً من المحللين ونشطاء المجتمع المدني يشددون على أنه لابد أن يخضع الجيش لمزيد من الرقابة والتدقيق من قبل الشعب. وكما قال أحد المدافعين عن حقوق الإنسان: ” بما أن الجيش يقوم بنشاط اقتصادي مرتبط بالمجتمع، وليس بالجنود في المعسكر، فإنه سيتم انتقاده مثل أي مؤسسة اقتصادية؛ وعلى المستوى السياسي، فعندما يحكم الجيش، فإنه سيتم انتقاده كحاكم.”

إمبراطورية اقتصادية بلا منازع

لقد لخص اللواء محمود نصر المشهد عندما قال عام 2012، ” سنقاتل من أجل مشاريعنا، وهذه معركة لن ننسحب منها. لن نتخلى عن جهودنا التي دامت 30 عامًا لشخص آخر يقوم بتدميرها. لن نسمح لأي شخص -كائناً من كان- أن يقترب من مشاريع القوات المسلحة.”
وكانت القوات المسلحة قد أصبحت قوة اقتصادية مهمة في أعقاب اتفاقيات كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1978، وتلقيها مبالغ سخية من الولايات المتحدة ضمن مساعدات عسكرية سنوية. وبينما خفضت حكومة مبارك إنفاقها على الدفاع خلال التسعينات، في إطار برامج الانفتاح الاقتصادي، فإن الجيش زاد من أنشطته الاقتصادية بالتوازي. وتم دعم مجموعة كبيرة من الشركات التابعة للجيش – بدءاً من البنية التحتية والزراعة إلى التعدين – عن طريق الإعفاءات الضريبية، وأفضلية الحصول على العقود الحكومية الرئيسية، واستخدام المجندين كعمالة مجانية، بالإضافة إلى الحسابات المصرفية السرية، وعدم الخضوع لأي إشراف فعال.
ولا تتوافر أي معلومات مهمة عن الإمبراطورية الاقتصادية للجيش المصري، على الرغم من أهمية ذلك، وتُعامل ميزانية الدفاع المصرية (التي قُدرت بنحو 4.5 مليار دولار أمريكي في عام 2016) على أنها سر من أسرار الدولة، ولا تتوفر أي تفاصيل تُذكر عن الإنفاق الدفاعي في البلاد. وكذلك يتم تصنيف المعلومات الأساسية التي لا علاقة لها بالدفاع على أساس “الأمن القومي”. وبنفس الطريقة، تُعتبر عوائد الشركات والمشروعات التي تمتلكها المؤسسة العسكرية مبهمة تماماً.
ويذكر موقع هيئة مشروعات الخدمة الوطنية التابعة للجيش أن هناك 21 شركة تمتلكها الهيئة، وذلك في مجالات الزراعة والصناعات الغذائية، والمجال الصناعي، والمجال الهندسي، والمجال الخدمي، ومجال التعدين. لكن الموقع يشير فقط إلى أن هذه الشركات هي “بعض الشركات الكبرى التي نتعاون معها في الوقت الحالي.” ويُقدر بعض الخبراء حجم حصة الجيش في الاقتصاد المصري أنها تصل إلى 40٪، لكن القوات المسلحة والسيسي يزعمون أنها منخفضة ولا تتعدى 1.5%.

قناة السويس واقتصاد الجيش

وتكشف قناة السويس بوضوح مدى الترابط الوثيق بين القوة السياسية والاقتصادية للجيش المصري. ففي عام 2013، إبان فترة حكم الرئيس مرسي، أشعل مشروع تطوير منطقة قناة السويس، الذي أدرجه مرسي في خط التنمية لحكومته، أشعل التوتر بين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين، الحاكمة آنذاك. ويقول بعض المحللين إن هذا الأمر بالذات كان أحد العوامل الرئيسية التي دفعت القوات المسلحة إلى التحرك لإسقاط مرسي والانقلاب عليه. ويلخص أحد كبار المحللين في مصر التهديد الذي شكلته خطط مرسي لتطوير منطقة القتاة على الوضع الاقتصادي للجيش بقوله: “كان الإخوان المسلمون في طريقهم لتعزيز موقعهم (في الحكم) اقتصادياً عبر تطوير منطقة القناة … وكان من شأن هذا أن يجرد الجيش من سيطرته على أكبر مشروع تنموي في مصر على مدى العقدين القادمين.”

السيطرة على الأراضي

وإلى جانب المشاريع العملاقة التي يسيطر عليها الجيش، تمارس القوات المسلحة نفوذاً وسلطات لا مثيل لها على الأراضي العامة، وتتمتع “برقابة تنظيمية واسعة النطاق على التخطيط والتخصيص والإدارة.”  وبموجب قانون 1981، يمتلك وزير الدفاع صلاحيات واسعة النطاق على الأراضي الصحراوية، التي تشكل حوالي 94 في المائة من مساحة مصر: بما في ذلك تحديد ما إذا كان يمكن تخصيص قطع من الأراضي للقطاع الخاص، وتخصيص الأراضي المخصصة للاستخدام العسكري أو الاستراتيجي. ومن غير الواضح كيف يمكن أن يحدد العسكر ما إذا كانت قطعة من الأرض يمكن تخصيصها للقطاع الخاص، أو للأفراد، وكيف يختارون الأراضي التي يخصصونها لهم. وبموجب مرسوم رئاسي صدر عام 1982، تستطيع هيئة مشروعات الأراضي، التابعة للقوات المسلحة، إدارة بيع الأراضي المملوكة للجيش لأطراف أخرى.

أمن مصر تحت التهديد

لقد تدهور الوضع الأمني ​​في مصر بشكل كبير في السنوات الأخيرة. وقد سعت القوات المسلحة لمواجهة التمرد في سيناء، وسط تعتيم إعلامي كبير. ولم تقتصر الهجمات الإرهابية والطائفية مقتصرة على سيناء فقط، بل امتدت إلى أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك القاهرة نفسها، وتسببت في مقتل مئات المدنيين. وصنفت الحكومة جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية وأجبرتها على العودة للعمل تحت الأرض من جديد (بعد أن كانت تحكم البلاد)، وفي نفس الوقت، تم قمع المعارضة العلنية ضد السلطة – سواء في وسائل الإعلام أو منظمات المجتمع المدني.
وفي الحقيقة، فإن الجيش المصري يخاطر بتقويض قدرته على توفير الأمن للبلاد، من خلال حرصه على زيادة نفوذه الاقتصادي، في ظل عدم خضوعه المساءلة والتدقيق. وفي عام 2009، بعد مرور عقود على جمهورية الضباط، أرسل السفير الأمريكي في مصر برقية إلى واشنطن ليخبر بلاده أن “الجاهزية التكتيكية والتشغيلية للقوات المسلحة المصرية قد تدهورت”. وقد تم تأكيد هذه المخاوف مؤخراً بسبب الحوادث الناتجة عن عدم الكفاءة العسكرية والتي كانت لها عواقب وخيمة. ففي عام 2015، قتلت قوات الأمن المصرية، عن طريق الخطأ، اثني عشر شخصًا، من بينهم ثمانية سياح مكسيكيين، كانوا يظنون أنهم متشددون.

المحور الثالث: استراتيجيات الجيش لتعزيز سلطته السياسية

في المحور الثالث، يناقش التقرير تبني الجيش أربع استراتيجيات رئيسية لتعزيز وضعه السياسي في البلاد. ففي عهد عبد الفتاح السيسي، عملت القوات المسلحة المصرية بجدية لتعزيز وضعها القوي الذي يمنحها امتيازات اقتصادية فريدة ويبعدها عن أي مساءلة مدنية مستقلة. ولتحقيق هذا الهدف، يتبع الجيش أربع استراتيجيات رئيسية، وهي: ضمان وجود عدد كبير من ضباط الجيش في المناصب العليا للدولة؛ تمرير تشريع يضمن استمراره في منح نفسه حقوق تتسع وتتمدد باستمرار؛ قمع المعارضة بوحشية؛ وتنفيذ حملة علاقات عامة تهدف إلى زيادة ثقة جماهير الشعب في المؤسسة العسكرية.

سحق جماعة الإخوان ككيان سياسي قوي

إن الإطاحة بمرسي وسحق الإخوان المسلمين ككيان سياسي متماسك كان مقصوداً من أجل إفراغ الساحة للقوات المسلحة من أي منافس جاد يمكن أن يشكل خطراً على قوتها داخل مصر. ففي 3 يوليو، أعلن عبد الفتاح السيسي انقلابه العسكري على مرسي، وأوقف العمل بالدستور، وعين عدلي منصور كرئيس مؤقت؛ بعد أن استغل احتجاجات قادتها حركة تمرد، التي اتضح فيما بعد أنها كانت تعتمد في تمويلها على حساب مصرفي يديره جنرالات الجيش وتغذيه الإمارات العربية المتحدة (للتمهيد بغطاء مدني للانقلاب على الرئيس المنتخب). وفي أغسطس، أدى تفريق قوات الأمن لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة في القاهرة، اللذان كانت تنظمهما جماعة الإخوان ومؤيدو مرسي احتجاجاً على الإطاحة به وإلقاء القبض عليه، أدى إلى مقتل 900 شخص على الأقل وإصابة آلاف آخرين. وتم اعتقال المئات ممن شاركوا في الاحتجاجات لمحاكمتهم في محاكمات جماعية. وفي ديسمبر 2013، تم تصنيف جماعة الإخوان كمنظمة إرهابية. وفي العام الذي أعقب الانقلاب، تم اعتقال حوالي 41،000 شخص، أغلبهم من أنصار مرسي وجماعة الإخوان. وصدرت أحكام بالإعدام ضد 529 من أعضاء الإخوان المسلمين في حكم واحد في عام 2014.

سحق الأصوات المعارضة

وبالإضافة إلى تنكيلها بجماعة الإخوان المسلمين، فقد سعت حكومة السيسي إلى سحق أي صوت معارض آخر؛ فتم استهداف المتظاهرين ومنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بشكل خاص. وأصبحت مصر ثالث أكبر سجاني العالم.
وبعد وصولها إلى السلطة على خلفية احتجاجات شعبية (حتى وإن كان من ورائها العسكر)، سارعت الحكومة المؤقتة، بإيعاز من الجيش، إلى اتخاذ تدابير لمنع حدوث الشيء نفسه مرة أخرى. فأصدرت قانون التظاهر عام 2013 ووضعت قيوداً صارمة على حرية التجمع العام. ومنح القانون مسؤولي الأمن وضباط الشرطة الحق في حظر الاحتجاجات واحتجاز المتظاهرين بناء على اتهامات غامضة.

المحور الرابع: خلاصات واستنتاجات

لقد لعبت القوات المسلحة في مصر دوراً كبيراً في الحياة المدنية على مدى العقود التي سبقت الاحتجاجات التي حدثت عام 2011 وأطاحت بالرئيس حسني مبارك. ومنذ ثورة يناير، قام الجيش بتدعيم وتوسيع دوره، من خلال إدارة الفترة الانتقالية في عامي 2011 و2012، ثم الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في البلاد في عام 2013؛ وأخيرا قام بتنصيب رئيس للبلاد من المؤسسة العسكرية، وهو الجنرال عبد الفتاح السيسي. وبهذا ضمنت القوات المسلحة المصرية استمرارية وتوسعة إمبراطوريتها التجارية وامتيازاتها الاقتصادية، متصدية أثناء ذلك لأي انتقاد من طرف المعارضة حول الدور الذي تلعبه في الحياة المدنية. وتروج القوات المسلحة المصرية لنفسها على أنها “مؤسسة وطنية لا يختلف عليها اثنان” وأنها “تقوم بتوفير خدمات صحية وتعليمية لجماهير الشعب، في الوقت الذي تفشل فيه الشركات الأخرى”.
ولطالما اعتبرت حكومة الولايات المتحدة النظام في مصر شريكا استراتيجيا رئيسيا في المنطقة، وهو ما يتضح من خلال المساعدة الأمنية الكبيرة التي تقدمها للجيش. ومع ذلك، فهناك مخاوف جدية حول ما إذا كانت هذه الشراكة تعزز بالفعل الاستقرار الداخلي والإقليمي في شكله الحالي. وإلى جانب المساعدة الأمنية، ساهم الدعم الدولي والمساعدات المالية الأوسع نطاقاً في مصر ما بعد مبارك في زيادة قدرة القوات المسلحة على تعزيز قوتها، وإحكام قبضتها على الاقتصاد.
إن عمل مؤسسة كبيرة وقوية مثل الجيش المصري دون أدنى درجات الشفافية والمساءلة يمثل خطرا أمنيا كبيرا على البلاد – ويمكننا القول إنه يضاهي في خطره قوى التطرف الراديكالية التي لم يتمكن الجيش حتى الآن من القضاء عليها. إن الغياب التام للرقابة المستقلة يؤدي إلى مخاطر فساد عالية للغاية، ويمكّن الجيش من إساءة استخدام السلطة.
وتفتقر القوات المسلحة، التي انشغلت بجمع الثروة وتكريس السلطة والنفوذ، إلى القدرة والكفاءة لتحقيق هدفها الرئيسي في حماية البلاد؛ وأصبحت غير قادرة على الرد على التهديدات الأمنية (كما يحدث في سيناء). وجدير بالذكر أن الأسباب التي أدت إلى احتجاجات عام 2011 لا تزال حاضرة بقوة. وعلى الرغم من كون مصر واحدة من أكبر مستوردي القدرات الدفاعية في العالم، إلا أنها لا تبدو قادرة على التصدي الفعال للتمرد الحاصل في سيناء، بنفس القدر.
وفي بيئة لا يوجد فيها أي مجال ولو كان صغيراً للشفافية والمساءلة، فإن على المجتمع الدولي أن يقوم بدور حيوي للتعامل مع هذا الأمر. فالحكومات الفاسدة لا يمكن أن تكون شريكاً موثوقاً به في جعل منطقة أكثر استقرارًا مهما تلقت من دعم دولي كبير. وليس هناك مثال على ذلك أوضح من الدعم الذي تتلقاه القوات المسلحة المصرية، وهو في الحقيقة دعم في غير محله.
لقد خرب الجيش بالفعل آمال كثير من المصريين في عقد اجتماعي جديد بعد الاحتجاجات التي حدثت في عام 2011. وقد قام الجيش بذلك بعد تلقيه دعم ضمني – ولكنه حيوي – من المجتمع الدولي. وقد ساعد منح النظام العسكري في مصر غطاء الشرعية الدولية، وتقديم مساعدات امنية كبيرة له، بما في ذلك التدريبات المشتركة، ساعد ذلك على تعزيز موقف الجيش اقتصادياً وسياسياً في البلاد.

وختاماً..

ويختتم تقرير الشفافية الدولية بقوله: “إن عدم الاعتراف بأن القوة السياسية والاقتصادية الواسعة للقوات المسلحة المصرية هي أحد الأسباب الرئيسية للمشاكل التي تعاني منها مصر، يقوض الجهود الدولية لمساعدة البلاد على التحرك في الاتجاه الصحيح. ولذلك فإنه يجب أن يتم التصدي لإساءة استخدام السلطة من قبل الجيش كأولوية من الدرجة الأولى. وفي غياب من يستطيع المنفحة عن ضرورة تعزيز الرقابة الداخلية من قبل المدنيين على أمور الدفاع، فربما يكون المجتمع الدولي الآن هو الوحيد الذي يمكنه القيام بدور هام في هذا الشأن. فينبغي عليه أن يلزم الجيش بالالتزام بمتطلبات الشفافية، وإخضاع ميزانياته وأنشطته العسكرية لإشراف ورقابة مستقلة من قبل الشعب، كشرط أساسي للحصول على أي دعم دولي”(1).

————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
المصدر
الشفافية الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close