fbpx
دراسات

الجيوبوليتيكية التركية: الحتمية الجغرافية وسؤال الهوية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

مقدمة

كتب كمال يشار K. Yaşar أبرز الروائيين الأتراك من أصل كردي في مارس 1996 مقالا بعنوان “سحابة سوداء تجتاح تركيا” جاء فيه: “العالم هو عبارة عن حديقة ثقافية حيث تنمو ألف زهرة. وعلى مر التاريخ لطالما غذّت الثقافات بعضها البعض لتثري عالمنا، واختفاء ثقافة بعينها يعني فقدان للون، لضوء ولمصدر مختلف. بالنسبة لي، تأييدي لكل زهرة ضمن حديقة الزهور هذه هو نفسه تأييدي لثقافتي. فالأناضول لطالما كانت عبارة عن فسيفساء من الزهور ملأت العالم بالنور والزهور واليوم أريدها أن تكون كذلك”.

هذا المقال وإن كان بسيطا في ظاهره إلا أن معناه القويّ أدى إلى اعتقال كاتبه بتهمة تقديمه لدعاية انفصالية تهدد بتقسيم الدولة التركية. هذه الأخيرة التي بنيت على فكرة أن العالم ليس حديقة واحدة ولكن مجموعة من الحدائق تلتزم فيه كل واحدة بلون موحّد. الأمة التركية إذا ليست مجموعة متنوعة من البشر من حيث الثراء الثقافي ولكن مجموعة موحّدة من الأشخاص يعرّفون أنفسهم أولا وقبل كل شيء كأتراك يتواجدون على منطقة جغرافية تعبّر عن تمثيلهم المكاني. ما أغفله هذا الروائي حسب مهندسي الدولة التركية هو أن تميّز ثقافته عن غيره تفرض عليه الانتماء لكيان جغرافي محدد على الخريطة العالمية ترسم حدوده قوة سياسية يفرض عليها وجودها الإجابة عن إشكالية من نحن؟ وحسب صيغة الدولة التركية هل نحن أتراك (بالمعنى العرقي)، أوروبيين أم أوراسيانيين (بالمعنى الجغرافي)؟

ربما الإجابة عن ذلك ليست سهلة لكن فرضية روبرت كابلان R. Kaplan في عمله “انتقام الجغرافيا: ما الذي تخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة وعن الحرب ضد المصير” (2012) يمكن أن تساعدنا كثيرا لفهم أزمة الهوية الجيوبوليتيكة التركية.

فموروثات الجغرافيا والتاريخ والثقافة، حسب كابلان، هي التي تفرض بالفعل حدوداً لما يمكن تحقيقه في أي مكان بعينه والخرائط نفسها تدحض المفاهيم المتعلقة بمساواة ووحدة الجنس البشري لأنها تذكرنا بالبيئات المختلفة للأرض والتي تجعل البشر غير متساوين ومفكّكين على نحو عميق بما يؤدي إلى الصراع.1 بالنسبة لتركيا لطالما شكّلت مسألة الانسجام بين مكونات الدولة الويستفالية جدلاً واسعاً، منذ تأسيس الجمهورية التركية سنة 1923، كآخر شكل سياسي للماضي العثماني للدولة. فثنائية الدمج والإقصاء التي شكلت أحد أهم تجاذبات العملية السياسية في تركيا أثّرت ايضاً على الطريقة التي نظر بها الأتراك إلى محيطهم الخارجي خاصة في ظل التأثّر الكبير لتركيا بأي تغير يطرأ على بنية السياسة الدولية. بذلك ستجادل هذه الدراسة بأن التوظيف السياسي والفكري للمفاهيم الجيوبوليتيكية في تركيا ساهم بصورة كبيرة في رسم حدود الهوية الداخلية، الإقليمية والدولية لتركيا.

بناءً على ذلك، ستتعرض الدراسة بالتحليل للبدايات الأولى للجيوبوليتيك في تركيا، حيث تعتبر المؤسسة العسكرية أول من قدّمه كمنظور يتميز بالعلمية والعقلانية في إطار دفاعهم عن رؤية مؤسسي الجمهورية لتركيا كدولة غربية التوجه جغرافيا وثقافيا. ثم التطرق إلى تنويعات الفكر الأوراسي الذي شكلت نهاية الحرب الباردة النقطة الفاصلة في ظهوره وانتشاره الواسع في تركيا، وأنه وعلى الرغم من الأجندات السياسية والتصورات الجغرافية المختلفة المقدّمة لأوراسيا، إلا أن جميع المدافعين عنها انطلقوا من الحقيقة الثابتة للجغرافية التركية كعائق أو محرض لسلوكيات الدولة الخارجية.

 

أولاً: الجيش والجيوبوليتيك: حدود التأثير

ولج مصطلح الجيوبوليتيك لأول مرة تركيا أثناء الحرب العالمية الثانية من خلال سلسلة المقالات المنشورة في الصحف.2 حيث عكس استخدام هؤلاء المؤلفين للكلمة الأصلية الالمانية Geopolitik تأثّرهم الكبير بالتفوق الالماني البارز وإسهامات الجيوبوليتيكيين الألمان في تعزيز القدرة الهجومية لألمانيا فكانت الدعوة إلى تطوير المجال البحثي للجيوبوليتيك لتشكيل السياسات التركية.

كتب البروفيسور ضياء الدين: “استخدام هذا العلم الجديد (الجيوبوليتيك) سيكون بمثابة مقاربة حيوية موجهة ضد أولئك الطامعين في الاستيلاء على أراضينا في فترة ما بعد الحرب”.3 وعلى الرغم من حظر بعض الجامعات الغربية للجيوبوليتيكبعد نهاية الحرب العالمية الثانية وتقديمهم له كعلم موصوم بالعنصرية لارتباطه بالتوسع النازي إلا أن الكتّاب الأتراك واصلوا تقديمه كعلم جديد يجب على تركيا إتقانه ليعكس التوجه الغربي لتركيا، ونظرتها العقلانية للسياسة العالمية ومصالح سياستها الخارجية.

بداية، يعتبر الجيش كمؤسسة أمنية أول من دافع وبشدة عن تقديم الجيوبوليتيك كمنظور يحمل امتيازات عديدة تؤهله لإدارة الحكم محلياً وخارجياً بل وتعتبر الأكاديمية العسكرية أول مؤسسة رسمية تعاملت مع المفهوم منهجيا بتقديم سلسلة من المحاضرات سواء الصادرة عن باحثين ذوي خلفية عسكرية4، أو بنشر المحاضرات في دور نشر عسكرية.5 في هذا الإطار يمكن تقديم الجنرال المتقاعد من القوات المسلحة وأهم شخصية جيوبوليتيكية في تركيا سوات الهان Suat Ilhan 6، الذي استخدمت كتبه كمراجع علمية في مختلف المدارس العسكرية بالإضافة إلى تدريسه في الاكاديميات العسكرية. وعلى غرار كونه أول من أسس ودرّس مادة الجيوبوليتيك في الأكاديمية العسكرية إلا أن كتابات “الهان” كشفت عن التموقع الكبير للحتمية الجغرافية في قلب الخطاب الجيوبوليتيكي التركي.

في كتابه “الحساسية الجيوبوليتيكية  Jeopolitik Duyarlılık كتب إلهان: “تركيا هي الدولة المحور الواقعة على أكبر قطعة أرضية في العالم والمتكونة من أوروبا، اسيا وإفريقيا أو جزيرة العالم بالمعنى الجيوبوليتيكي. تركيا هي المفتاح والقفل لهذا المحور، فلطالما لعبت جغرافية تركيا وبشكل فعّال دورها كمفتاح وقفل، لأنه ولفترة طويلة كانت فقط جزيرة العالم القطعة الأرضية الوحيدة على الكوكب، وجميع الحضارات والأديان الأساسية المشهورة تطورت حول نقطة تقاطع هذه القارات الثلاث بسبب موقعها الجغرافي”.7

هذا التعلق الشديد للجيش بالجيوبوليتيك يمكن أن يعزى إلى عاملين رئيسيين: الأول يتمثل في المطالبات الروسية عقب الحرب العالمية الثانية بالسيطرة المشتركة على الممرات المائية الاستراتيجية لمضيقي البوسفور والدردنيل وإعرابها عن رغبتها في القيام بتعديلات إقليمية لحدود تركيا الشرقية (كل من منطقتي كارس وأردخان) بذلك مثّل الجيوبوليتيك بالنسبة للمؤسسة العسكرية مجموعة المعارف التي يمكن أن تقدّم نظرة ثاقبة للديناميات السياسية الإقليمية والعالمية، أو كخطاب يستخدم للدفاع عن مصالح تركيا في المحافل الدولية. وثانيا يتمثل في كسب المزيد من الشرعية داخليا.

وخلال الفترة الممتدة ما بين 1940-1960 أصبح الجيش التركي لاعباً هامشياً في العملية السياسية على خلاف الفواعل المدنية وعلى نحو متزايد اتخذت الحكومات المتعاقبة مجموعة من الخطوات لمنع ظهور الجيش بمظهر المنافس على السلطة8، وهي نفس الملاحظة التي قدّمها روستو Rustow D. A. في كتابه “الجيش وتأسيس الجمهورية التركية”.9 فتأطير الجيش حسب بينار بيلغين P. Bilgin للجيوبوليتيك كمنظور متميز يمتلك فضيلة العلمية والعقلانية والسيطرة العسكرية عليه أكاديمياً، ساعد على تقديم الجيش كأحسن مؤسسة بإمكانها الحصول على رخصة قيادة وصياغة سياسات الدولة. بصيغة أخرى، عملية تأطير الجيوبوليتيك كعلم رجّحت كفة ميزان المدني-العسكري لصالح الأخير.

وفي عمله “دراسة الوضع الجيوبوليتيكي التركي” المنشور في الجريدة الرسمية للقوات المسلحة التركية والمتزامن وانقلاب سنة 1960 جادل قائد الاكاديمية العسكرية بأن الجيوبوليتيك كعلم من شأنه أن يكون بديلا لفشل السياسيين الذين أوصلوا البلاد إلى حافة الهاوية. أما باقي نصّه فقد أوضح الكاتب فيه الأفكار والرؤى المستخلصة من الجيوبوليتيك بتقديمه مناقشة مستفيضة لمختلف جوانب السياسة التركية المحلية والخارجية (المضامين المجتمعية والزراعية، الاقتصادية والإدارية للجغرافيا).

وفي مقال آخر لإلهان المتزامن أيضا حول الانقلاب العسكري الثاني في تركيا سنة 1971، أوضح التناقض بين مواقف العسكري والسياسي بجداله بأن قضايا السياسة الخارجية لم تعد حكراً على السياسيين، وأن القضايا الجيواستراتيجية ليست محل اهتمام فقط العسكري ولكن العلماء أيضاً، هؤلاء العلماء الذين يتمثلون في الجيش باعتباره من يملك بصيرة موضوعية ودائما ما يبحث عن حلول عقلانية ودراسات علمية، أما السياسيون فيقدّمون معتقداتهم ومثلهم الذاتية لإدارة الحكم فهم أسرى لخياراتهم الأيديولوجية والسياسية.10

من الناحية الإجرائية وعلى الرغم من وجود مادة الأمن الوطني في المناهج الدراسية في جميع المدارس الثانوية التركية منذ 1926 إلا أنه ومنذ سنة 1974، أي بعد انقلاب 1970، حدثت العديد من التعديلات على المادة بداية بإضافة مكوّن الجيوبوليتيك في الكتاب بكونه “تحديد وإدارة السياسة الحكومية وفقا لضرورات وتوجهات الجغرافيا”. إلى تعديلات سنتي 1980 و1998 المتزامنة والانقلابين العسكريين الثالث والرابع حيث تم تعزيز وبقوة مفهوم الجيوبوليتيك.

وفي النسخة الحالية للكتاب تأتي الفقرة التالية لتوضّح ذلك: “الجمهورية التركية وبسبب موقعها الجيوبوليتيكي كان عليها أن تواجه الخطط السياسية التي وضعتها القوى الخارجية لذا يحتاج الشباب التركي إلى أن يكون مستعدا للتعامل مع هذه المخططات”.11

وبتحديده للنوايا الخبيثة للقوى الخارجية ساهم النص في بناء صورة معينة لهذه القوى بكونها معتدية بخلاف تركيا التي قدّمت على أنها تتصرف بدافع الغريزة الدفاعية. وبالتالي، النص ينزع الطابع السياسي عن عملية صنع السياسة الخارجية ويقدم إدارة الدولة في تركيا باعتبارها مجرد استجابة للتهديدات كمعطى موجود مسبقاً بل ويقلّل بالمقابل من حظوظ السياسي والسياسة لإدارة الدولة.12

هذا الفهم يمكن أن يعزى بصورة مباشرة إلى المفهوم الكمالي للدولة القومية التركية وتأسيسه لوظيفة أمننة مكونات الدولة الموكلة إلى الجيش، وبصورة أكثر عمقا، كشف الباحث “مراد يشيلتاش M. Yeşiltaş في عمله “تحولات الرؤية الجيوبوليتيكية في السياسة الخارجية التركية” عن مفهوم الجيوبوليتيك الدفاعي Offensive Geopolitics كأحد الرؤى الجيوبوليتيكية للسياسة الخارجية التركية والناتجة عن توظيف مختلف الفواعل التركية (خاصة مؤسسة الجيش) لخصوصية الموقع الجغرافي للدولة التركية في النظام الدولي لتمكين، تقييد وترشيد مجموعة مختلفة من الادوار لتركيا في النظام الدولي.13

الجيوبوليتيك الدفاعي كاستراتيجية خطابية دفاعية مؤطّرة لموقع تركيا في النظام الدولي تميّز بتضمينه لاستعارتين رئيسيتين هما الحمائية Protectisim والاستثنائية Exceptionalism لتأسيس نظام اجتماعي وسياسي داخليا تكون فيه تركيا محدّدة بالقومية، العلمانية والدولنة، وخارجيا التحضير لأرضية ايديولوجية وعملية للفعل الدفاعي.

1ـ الحمائية: تشير إلى التركيز على الدولة-الأمة كموضوع مرجعي للجيوبوليتيك وللسياسة الخارجية التركية التي يجب أن ينحصر دورها في تقديم وإعادة انتاج الدولة الويستفالية على قاعدة الهوية القومية-العلمانية. وهو ما يشير حسب الباحث “اصلان” إلى إنتاج وترسيم الحدود لأمة قومية-علمانية، وتقديم نظام اقليمي قائم على الدولة الويستفالية واندماج الدولة التركية ضمن العالم الغربي الحديث.14

وفقا لذلك يمكن تقديم الخوف الدائم من التخلي عن وخسارة الإقليم كمكوّن مهم للجيوبوليتيك الدفاعي كما يعتبر مهماً لفهم استمرارية معاهدة سيفر15 باعتبارها نقطة الانطلاق السياسية والاجتماعية لنموذج السياسة الخارجية التركية.16 حيث تعتبر هذه الاتفاقية محاولة من طرف الحلفاء لتقسيم الإمبراطورية العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى تتألف من مواد تسمح بتقسيم معظم الأراضي الإمبراطورية العثمانية بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، كما اعترفت بحق تقرير المصير للشعوب الأرمينية والكردية. لذا فإن اللجوء إلى توظيف مجاز سيفر يذكّر الجمهور التركي بالآثار المدمرة للمعاهدة بما يعزز الصدمة.

2ـ الاستثنائية: تشير إلى الانتقال من القلق الاقليمي Territorial Anxiety والتركيز على دور الحدود في احتواء المجتمع إلى القلق الجيوبوليتيكي Geopolitical Anxiety القائم على فكرة موقع تركيا الاستثنائي جغرافيا وحضاريا بل وبكونها محاطة من الجبهتين الشرقية والجنوبية بالاضطرابات السياسية وبالإيديولوجيات المتطرفة.

هذه الاستثنائية دفعت بالجيوبوليتيك الحمائي لتقديم مفهومين رئيسيين يعبران عن موقع تركيا الإقليمي والدولي:

المفهوم الأول: الدولة-المركز Central-State: الذي هيمن على الخطاب الجيوبوليتيكي فترة الحرب الباردة، والمركّز في سياقه النصّي على ثلاث بناءات جيوبوليتيكة هي:

  • تقديم الاتحاد السوفييتي كطرف آخر ذي طموحات توسّعية
  • التقديم الحضاري للغرب كمهمة وطنية في سياق الهوية الغربية لتركيا، فلكي تصبح تركيا دولة متقدمة وحضارية عليها أن تكون جزءاً من أوروبا وأن يصبح المجتمع الاوروبي-الأطلسي حليف وصديق محتمل.
  • المركزية الجغرافية للأناضول في الرؤية الجيوبوليتيكية للنخبة السياسية التركية وحاجة تركيا الماسة للحماية من أجل البقاء؛ فموقع تركيا الجغرافي المركزي في خريطة العالم يفرض عليها إيجاد نظام سياسي قوي وبنية مؤسسية تتناسب وموقعها وحضور قوي للجيش كفاعل متميز ونشط يشكّل السياسة المحلية والدولية التركية.17

 

خريطة رقم 01: خريطة توضيحية للتقسيمات الناشئة عن معاهدة سيفر 1920:

ثانيا، الدولة-الجسر Bridge-State ككود جيوبوليتيكي وُظّف لتوصيف الجغرافية التركية للفترة اللاحقة لتفكك الاتحاد السوفييتي والذي طرح بدوره مجموعة من الأسئلة المتعلقة بالهوية والأمن والموقع الجيوبوليتيكي لتركيا في النظام العالمي الجديد. لذلك فإن تعبير الدولة الجسر يكشف ليس فقط عن المحاولة التركية لإقناع القادة الأوروبيين بعد رفضهم لطلب العضوية التركية بأن تركيا يمكن أن تكون رابطاً استراتيجياً بين الشرق والغرب وضامنا للقيم الغربية في المنطقة، ولكن الصعود العلني الفكري لأوراسيا في تركيا والتغيرات الكبرى في التوجهات الحيوبوليتيكية التركية لاحقاً.

 

ثانياً: الأوراسيانية وأزمة الهوية الجيوبوليتيكية التركية

احتفل الغرب بتفكك الاتحاد السوفيتي تعبيراً عن انتصار الغرب وظهور “النظام العالمي الجديد” غير أن الدوائر السياسية والفكرية في تركيا أصبحت أكثر قلقاً بشأن استمرارية السياسة الخارجية التركية التقليدية المستندة على فكرة الموقع الاستراتيجي لتركيا كدولة عضو في حلف شمال الاطلسي يحدها الاتحاد السوفيتي والتحدي الأمني القادم من دول الجوار التركي. وقلقة أيضا بشأن الرفض الأوروبي للعضوية التركية سنة 1989 الذي عبّر عنه سؤال اركايا Güven Erkaya؛ قائد القوات البحرية السابق-كيف يمكن ضمان أمن البلاد إذا ما حرمت من التكامل السياسي والاقتصادي والعسكري مع أوروبا؟18 هذه المخاوف ألزمت صنّاع السياسة التركية بتبني سياسة خارجية نشطة فترة ما بعد الحرب الباردة للتعامل مع الجمهوريات المستقلة في كل من آسيا الوسطى والقوقاز بل واعتبرت مختبرا حقيقيا لها بسبب الروابط التاريخية والدينية واللغوية والثقافية الهامة التي تربطها بشعوب المنطقة.

يعتبر تفكك الاتحاد السوفييتي أحد أهم العوامل المساهمة في الظهور العلني لأوراسيا في الاستخدام السياسي والأكاديمي كمفهوم جيوبوليتيكي في تركيا وإن كان ذلك لا ينفي المحاولات الفكرية السابقة كمرحلة الحرب الباردة للعقيد التركي الراحل Muzaffer Özdağ 19التي لاقت رفضا بسبب طبيعة ومفهوم التهديد بالنسبة لتركيا في تلك الفترة والمتمثل في المطامع العرقية في الداخل والغضب السوفييتي من المحاولة التركية للتوسّع.20

حيث عبّر العقيد الراحل عن وجهات نظره بشأن القومية التركية والحاجة للوصول التركي إلى الإخوة في دول آسيا الوسطى بتقديمه لتعريف جغرافي للمحور الاوراسي بكونه ليس فقط قلب العالم أو المحور الجيوبوليتيكي للتاريخ، حسب ماكيندر، ولكنه محور التاريخ التركي ومكان تواجد وعيش الشعوب التركية.21

وقد أعاد الظهور المفاجئ لخمس دول حديثة الاستقلال تقطنها الشعوب الناطقة بالتركية في وسط آسيا والقوقاز (أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان) ذلك الطرح المتعلق بالماضي العثماني الثقافي والعرقي المشترك مع تركيا الحديثة، أو ما يعرف بمصطلح “الترك” “Turkic” للتعبير بشكل واسع عن مجموعة الإثنيات اللغوية لهذه الشعوب والتي معظمها في حاجة ماسّة إلى الاعتماد على نموذج معين للحكم. هذا الطرح أثار من ناحية أخرى ظهور جدل واسع في تركيا بداية التسعينيات من القرن العشرين بين التيار الرافض للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي Eurosceptic والتيار المشجع للانضمام اليه Europhile.

فالتيار الرافض استند إلى مجموعة من الحجج أهمها عدم ابداء الاتحاد الاوروبي لأي وجهة نظر واضحة تجاه العضوية الكاملة لتركيا ضمنه، حتى بعد أن أصبحت مرشحا رسميا للعضوية خلال قمة هلسنكي في ديسمبر عام 1999، وعلى الرغم من توقيع تركيا على الاتحاد الجمركي سنة 1994 لتصبح الدولة الوحيدة الموقّعة عليه قبل أن تصبح دولة كاملة العضوية، إلا أن عدم السماح بمشاركة تركيا في أي مستوى من مستويات اتخاذ القرار تسبّب في كساد اقتصادي تركي كبير بسبب افلاس معظم الشركات الاقتصادية التركية التي لم تتمكن من منافسه الأسواق الاوروبية. بالإضافة إلى ذلك نظر الرافضون للانضمام بعين الريبة إلى انضمام جمهورية قبرص إلى الاتحاد الاوروبي سنة 2004 على الرغم من رفض الجانب اليوناني القبرصي للخطة الأممية للمصالحة سنة 2004، والقاضية بتوحيد قبرص قبل الانضمام والدور الكبير للجانب اليوناني القبرصي الذي لعبه في منع وتعطيل عملية الانضمام التركي إلى الاتحاد الاوروبي. 22

ومن ناحية أخرى، استمرار أنشطة حزب العمال الكردستاني المصنّف كجماعة ارهابية يهدد الأمن الوطني لتركيا، والذي على الرغم من اعتقال عبد الله اوجلان أحد أبرز الشخصيات المؤثرة في الحزب إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار التوجس التركي من الحزب خاصة بعد حرب الخليج الثانية، وتمكّن أكراد العراق من تأسيس إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق بدعم أمريكي رغم معارضة كل من إيران وسوريا وتركيا كون الأمر سيتعدى حدود العراق ليشمل الاكراد المتواجدين في هذه الدول تماشياً ومشروع كردستان الكبرى. بالنسبة لتركيا سيمثل ذلك فرصة أخرى لإمكانية ان يقوم حزب العمال الكردستاني بهجمات ضد الاراضي التركية من شمال العراق.

وفي سياق الوجود الكردي، فإن الدعم الأمريكي له أدى إلى تعارض المصالح الأمريكية والتركية الأخيرة التي لم تسمح للولايات المتحدة باستخدام اراضيها للغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 وما تبع ذلك من أزمة ثقة بين القوات المسلحة الأمريكية والتركية؛ ففي 4 يوليو 2003 قام الجيش الأمريكي، وبمساعدة قوات البشمركة، باعتقال 14 ضابطا تركيا إلى جانب 13 مدنياً، بحجة التآمر لاغتيال محافظ كركوك.

وبعد فترة وجيزة من هذا الحدث كتبت “كوندوليزا رايس” وزيرة الخارجية الامريكية في ولاية بوش الثانية، مقالاً على الواشنطن بوست شرحت فيه تفاصيل مشروع الشرق الاوسط الكبير الامريكي القاضي بالتحويل الاقتصادي والسياسي ل 24 دولة ممتدة من المغرب إلى الصين بما فيها تركيا. هذا المقال زاد من الغضب والشك التركي حول الرغبة الامريكية وبدعمها للجماعات الاسلامية-السياسية والعرقية الانفصالية في خلق تركيا جديدة تتناسب وهذا المشروع الجديد.23

كل هذه الاحداث عززت الصورة السلبية لكل من الدول الاوروبية والأمريكية كدول امبريالية تسعى إلى إضعاف وتقسيم تركيا في الرأي العام التركي، كما عزّزت الانتقادات الطويلة الامد للكماليين-الاشتراكيين تجاه السياسات غير المشروطة الموالية للغرب، المتّبعة من طرف الحكومات المتعاقبة بل ومكنّت هذه الجماعات من مساعيها لتطوير خطاب جيوبوليتيكي بديل يتمثل في الأوراسيانية-التركية، إلى جانب قطاعات واسعة من النخب العسكرية، مستندة في خطابها على البعد المعادي للإمبريالية الكمالية.

أما التيار المشجّع على الانضمام فاستند إلى الحاجة التركية لتحديث الأهمية الاستراتيجية للبلاد في عيون الغرب، وخلق منطقة نفوذ من خلال إقامة علاقات أوثق مع الجمهوريات التركية المستقلة حديثا. والرفض الأوروبي للحسم في مسألة حصول تركيا على العضوية الكاملة للانضمام مثّل دافعاً لهؤلاء لتقديم دور جديد لتركيا كبوابة للعبور الأوروبي إلى هذه الكيانات الناشئة، وكان أحد الشعارات الرئيسة لهذا التفاؤل التحول إلى مفهوم النموذج التركي الهادف إلى لتعزيز النظام السياسي والاقتصادي في تركيا كدليل لهذه الجمهوريات.

وخلال الفترة الممتدة بين 1991-1994، وبتقديمهم للنموذج التركي أقام المسئولون الأتراك علاقات سياسية واقتصادية وثقافية واسعة مع جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز. فعلى غرار كون تركيا أول دولة اعترفت دبلوماسيا بالدول الخمس إلا أنها ايضا حاولت تعزيز نفوذها السياسي والاقتصادي بمختلف الطرق؛ وقدمت حزماً ائتمانية سخية، واتفاقات للتدريب العسكري، والعديد من الهبات والمنح الدراسية للطلاب الجامعيين، وبث إذاعي وتلفزيوني خاص باوراسيا TRT Int-Avrasya من طرف المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون (TRT)، وتسيير رحلات الخطوط الجوية التركية المباشرة إلى المنطقة، وزيارة لأكثر من 1170 وفد تركي إلى هذه الجمهوريات خلال السنة الأولى من استقلالها، وتوقيع أكثر من 140 اتفاقية ثنائية للتعاون اعتبارا من 1993.24

وكان أهم ما ميّز هذه الفترة هو السماح ولأول مرة بالإشارة إلى أوراسيا Avrasya في الخطاب الرسمي التركي، وكان رئيس الوزراء السابق سليمان ديميريل Süleyman Demirel من أكثر الشخصيات المؤثرة والمعزّزة لمفهوم أوراسيا التي وصفها بأنها منطقة مأهولة بكثافة سكانية من أصل تركي تمتد “من البحر الأدرياتيكي إلى سور الصين العظيم”. هذه الجملة سرعان ما أصبحت وبسرعة مألوفة لدى العديد من السياسيين بمن فيهم الرئيس تورغوت اوزال الذي، وكرد فعل جريء ضد الموقف الحذر والانعزالي لتقليد السياسة الخارجية الكمالية، ادّعى بان القرن الحادي والعشرين سيكون “قرن الأتراك” للتعبير عن الفرح التركي بهذه الجمهوريات الحديثة.25

أوراسيا تشمل على غرار المنطقة الجغرافية المرتبطة بجمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الأقليات التركية الموجودة في منطقة البلقان، لكن وبسبب إقامة دول البلقان لصلات وثيقة مع الاتحاد الاوروبي خاصة في النصف الثاني من التسعينيات من القرن العشرين، أصبحت أوراسيا حسب المفهوم التركي محددة أكاديميا أكثر بجمهوريات آسيا والقوقاز.26

 

ثالثاً: الأوراسيانية ـ القومية: المقاربة التركية-البراغماتية لأوراسيا

انطلق القوميون أو أنصار النزعة التركية Pan Turkisms من فكرة أن تعاملهم مع الجمهوريات الناشئة في الفضاء السوفييتي السابق لا يعني النزوع نحو مقاربة عنصرية-رجعية، لكن تلك المركّزة على الوحدة العاطفية والثقافية للشعوب التركية من جهة والبراغماتية من جهة أخرى، المركّزة على العلاقات الجيو-اقتصادية أكثر. فاوراسيا حسب القادة القوميين الأتراك تمثل أداة لدعم طلب العضوية من الاتحاد الاوروبي، والروابط التي أقيمت بين تركيا والجمهوريات الحديثة في النصف الاول من التسعينيات لم يُنظر إليها كبديل للعلاقات التركية الأوروبية، ولكن كورقة ضغط سياسية لدعم عضويتها الاوروبية بتقديم تركيا كبوابة أو كدولة جسر بين أوروبا وآسيا، يمكن لكل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أن يطوّروا علاقاتها مع هذه الجمهوريات من خلالها.

وقد مثّلت فترة حكم تورغوت اوزال (1989-1993)، الذي حصل وحزبه حزب الوطن الأم على نسبة 45% من نتائج انتخابات 1989، بداية عصر الانفتاح التركي سواء من خلال جهوده في الاصلاح الجزئي للدولة والاقتصاد وأثر ذلك على بنية المجتمع والتوسّع غير المسبوق للطبقة الوسطى والكتلة المحافظة، وكان الملاحظ على خطابات السياسة الداخلية والخارجية لاوزال هو تأثير النزعة العثمانية الجديدة عليه التي برزت وتصاعدت في الفترة ما بين عامي 1987-1993، المقتصرة على ثلاث مفاهيم رئيسية: أولها، العمل على تشكيل هوية سياسية وثقافية مع اعتبار تأثير الموجة القومية. وثانيها، تبني موقف انتقائي بمحاولة الموائمة بين القيم الغربية والتقليدية. وثالثها، العمل على التكامل مع النظام الاوروبي والانسجام مع القوة الامريكية الجديدة. 27

وقد أضاف تحديد الجمهوريات الناشئة من الفضاء السوفيتي السابق ذات القومية التركية بعداً قوياً لأنصار النزعة القومية لتطوير مفهوم أوراسيا في تركيا. فمن الناحية العملية، كان للحوافز الوطنية دورا بارزا في الظهور الاوراسي في الدوائر الاكاديمية والفكرية في تركيا فتم انشاء منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود (BSEC) كما يمكن الإشارة إلى أعمال الوكالة التركية للتعاون الاقتصادي والتقني والتكنولوجي (Türk İşbirliği ve Kalkınma Ajansı ) (TİKA) المقدّمة لمشاريع كبيرة في آسيا الوسطى والقوقاز والبلقان.

الوكالة التي أسّستها الدولة التركية سنة 1992 خصيصا لتوفير المساعدات للتنمية الاقتصادية ساعدت أيضا على تعميم أوراسيا كمفهوم في الأوساط الأكاديمية التركية من خلال نشر مجلة الملف الاوراسي AVRASYA Dosyası ومجلة الدراسات الاوراسية AVRASYA Etüdleri.28 وفي سنة 1993 كما تم تأسيس المؤسسة التركية للدراسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لاتحاد أوروبا وآسيا المعروف أيضا باسم Avrasya-Bir 29 بهدف “تعزيز النزعة التركية” والعلاقات الثقافية بين تركيا والعالم التركي، والتي أسّست لاحقا “المركز الاوراسي للبحوث الاستراتيجية “(ASAM) Avrasya Stratejik Araştırmalar Merkezi سنة 1999 كأول مركز فكري رائد مموّل من القطاع الخاص مختص في القضايا الاستراتيجية والأمنية.

ومن خلال دور النشر الخاصة به قدّم المركز الاوراسي للبحوث الاستراتيجية سلسلة من الكتب والمجلات والدوريات المركّزة على الجمهوريات الجديدة ذات القومية التركية وقضايا السياسة الخارجية، كالإبادة الجماعية للأرمن أحد اكثر القضايا اهمية وحيوية لدى الجماعات القومية في تركيا. وفي الفترة ما بين 1999 و 2004 ترأس المركز البروفيسور Ümit Özdağ أكثر الشخصيات تأثيرا في حزب الحركة القومية والمشير في كتاباته إلى أهمية العامل “التتريكي” لتطلّع الجماعات القومية في تركيا لاوراسيا، ما يمكن استيفائه من الوصف الجغرافي الذي قدمه اوزداغ لاوراسيا بأنها: “المنطقة التي تبدأ من المجر لتغطي كامل البلقان، تركيا وآسيا الوسطى القوقاز، إيران، وروسيا وأوكرانيا وأفغانستان وباكستان وتمتد إلى غاية منغوليا”.30

استعارة الدولة الجسر لم يكن الهدف منها تقديم تركيا كحلقة وصل بين القارتين لكن بين حضارتين ما اضاف بوضوح قيمة كبيرة لما يسمى “بالأهمية الجيوبوليتيكية الاستثنائية” لتركيا كدولة تقع تماما في نقطة التقاء الشرق والغرب.31 اوراسيا اذا هي اختراع مفاهيمي ظهر في الوقت المناسب لسعي القادة الأتراك لفتح آفاق جديدة في الفضاء السوفييتي السابق دون التخلي عن التوجه الاوروبي.

رغم هذه النشوة إلا أن التحدي الرئيس الذي واجه القادة الأتراك في تلك الفترة تمثّل في ضعف النموذج التركي مقابل الروسي لتحقيق النفوذ في المنطقة والذي يعزى بصورة اساسية إلى عدم امتلاك تركيا للقوة السياسية والاقتصادية الكفيلة بحل مختلف مشاكل تلك الجمهوريات الناشئة، وشروع روسيا في تنفيذ سياسة الخارج القريب “Near Abroad” والتي كانت أولى نتاجها الإطاحة بالرئيس الاذربيجاني المؤيد لتركيا أبو الفاس الجيبي Ebulfez Elçibey سنة 1993 وفشل المسئولين الأتراك في إقناع قادة دول آسيا الوسطى لتأسيس اتحاد سياسي واقتصادي تركي.

عند هذه النقطة تحولت نظرة قادة الأتراك إلى أوراسيا كمفهوم جيو-اقتصادي لتصبح تركيا ليس فقط “الدولة الجسر” ولكن مفترق طرق، معبر ومركز لنقل موارد الطاقة من آسيا وبحر قزوين الوسطى إلى الغرب. وقد أكد كل من سليمان ديميريل وإسماعيل جيم وزير الخارجية التركي بين عامي (1997-2002) كثيرا علىهذا الدور الجيو-اقتصادي الجديد الذي يجب أن تلعبه تركيا في أوراسيا، المتمثل في بناء خطوط أنابيب تمر عبر الأراضي التركية لتحافظ بلدان آسيا الوسطى والقوقاز على استقلالها السياسي والاقتصادي من روسيا وهو ما سمّاه ديميريل “بمشروع أوراسيا” كمحاولة لربط أوروبا مع آسيا بمختلف خطوط أنابيب النفط والغاز الطبيعي (المشاريع المدعومة أمريكيا مثل خط أنابيب تبليسي-جيهان باكو (BTC) وممر الطاقة شرق-غرب).32

 

خريطة رقم 02: خريطة توضيحية لخط انابيب باكو تبليسي جيهان

أما الخطاب الجيوبوليتكي لجيم كان مختلفا لأنه قدّم للإرث الثقافي والتاريخي كجزء أساسي في السياسة الخارجية التركية اثناء توليه منصب وزير الخارجية خلال فترة الحكومة الائتلافية سنة 1999-2002. حسب جيم الدولة-الأمة التي تشهد سياستها الخارجية نفورا من جذورها الثقافية وماضيها التاريخي لن تكون لاعبا بصورة جدية على المسرح العالمي. لذا يجب تجاوز السياسة الخارجية المتجاهلة للجغرافيا والتجارب التاريخية وعوامل التراكم الحضاري. وطوّر جيم مفهوم “دولة العالم””World State” كتوصيف للدولة التركية المتموضعة على المراكز الكبرى للعالم والمقدّمة لمزيج فريد من نوعه للأصول الحضارية والتجارب التاريخية والسمات الاستراتيجية.

وعن أوراسيا، تنبأ جيم بظهور “نظام اوراسي” تكون فيه تركيا المركز بسبب هويتها ثنائية الأبعاد (آسيوية وأوروبية). فرؤية جيم لتركيا كدولة العالم في قلب النظام الدولي لا تقبل بالافتراض المسبق بان تركيا يجب ان تختار بين الشرق والغرب او بين اوروبا واسيا ولكن الروابط الثقافية والاستراتيجية بين الشرق والغرب ضرورية لتامين المكانة التركية في الغرب ولتعزيز التطور الاقليمي والمصالح الجيوبوليتكية الغربية.33 كما أن عضوية تركيا ضمن الاتحاد الأوروبي، وظهورها كمركز محوري حاسم لأوراسيا ليس هدفاً متناقضاً ولكنه تكميلي.

وخلال هذه الفترة اتخذت تركيا خطوات مهمة على غرار نقل النفط والغاز الطبيعي الاذربيجاني-الكازاخستاني-التركماني إلى الغرب، عبر خطوط أنابيب تمر عبر تركيا، وتوقيع الاتفاقيات النهائية لبناء خط أنابيب النفط BTC، ولكن أيضا شهدت بداية التقارب التدريجي مع روسيا، بعد زيارة رئيس الوزراء الروسي فيكتور تشيرنوميردين Viktor Chernomyrdin إلى أنقرة سنة 1997. وخلال هذه الزيارة وقّعت الدولتان اتفاقا جديدا لبناء خط أنابيب الغاز الطبيعي يسمى “التيار الأزرق” “Blue Stream” تحت البحر الأسود هدفه تزويد تركيا بكميات كبيرة من الغاز الطبيعي الروسي لمدة خمسة وعشرين عاما، وأصبح التقارب التركي-الروسي أكثر وضوحا بعد وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة في الكرملين في عام 2000.34

 

الخريطة رقم 03: خط أنابيب الغاز بلو ستريم وأنبوب الغاز ساوث ستريم قيد الإنشاء35:

تحسين العلاقات مع روسيا كان له تأثيرات فكرية وعملية مثيرة للاهتمام على تصور اوراسيا في السياسة الخارجية التركية. عمليا، تجسّد في اقتراح جيم سنة 2001 بإنشاء مثلث استراتيجي بين موسكو وأنقرة وآسيا الوسطى من شأنه أن يكون بمثابة منصة إقليمية لمعالجة القضايا المتعلقة بالأمن في المنطقة، وانعكس ذلك لاحقا في “خطة عمل للتعاون في أوراسيا” وقّعه مع نظيره الروسي ايغور ايفانوف في نيويورك.36أما فكريا، طوّرت بعض الأحزاب والدوائر والشخصيات العسكرية خلال فترة الحكومة الائتلافية التي قادها حزب اليسار الديمقراطي (1999-2002) تياراً أوراسياً جديداً، كمالي-يساري رافض للتوجه التركي نحو الغرب أو ما عرف لاحقا بتيار الاوراسيانية-الكمالية.

 

رابعاً: الاوراسيانية الكمالية: والراوابط مع الاوراسيانية العالمية

تمثل الهدف الرئيس لأنصار هذا الاتجاه في تفنيد ادعاء كون الأوراسيانية مناورة براغماتية وظفّت سياسياً بداية التسعينيات، ولكن بدلاً من ذلك أكّدوا على الجذور التاريخية والإيديولوجية العميقة للاوراسيانية في تركيا، بل وجادلوا بأن الكمالية في أصلها أيديولوجية معادية للغرب وحليفة للاتحاد السوفييتي، لذلك تقدّم الاوراسيانية ككمالية خالصة تسعى لاسترداد المصادر الأصلية الأساسية والممارسة السياسية الصحيحة للكمالية.

ويستند هذا الطرح إلى التبادلات الأيديولوجية والمادية بين تركيا والاتحاد السوفييتي كجمهوريتين ناشئتين خلال حرب التحرير التركية (1919-1922)، فالاتحاد السوفييتي كان المانح الرئيسي والداعم لمقاومة أتاتورك في كل من بريطانيا وفرنسا واليونان أو ما يُعرف بحرب التحرير التركية، كما أسّس اتاتورك الحزب الشيوعي التركي للحصول على المساعدات السوفييتية. ولكن أتاتورك ومن ناحية أخرى على الرغم من قمعه للجماعات الاشتراكية خلال فترة حكم الحزب الواحد (1923-1938)، بعد الانتصار في الحرب إلا أنه تعهّد لمجموعة من المثقفين37 العاملين في مجلة الإطار “Kadro”38 بتقديم تصور لدولة الحزب الواحد مسترشدة “بالكمالية” “Kemalism” كأيدولوجيا جديدة تعاطفاً مع الاتحاد السوفييتي وللانفتاح على الشيوعية لتحقيق السيادة الاقتصادية عن الدول الامبريالية.39

والكمالية على الرغم من تأييدها للنموذج العلماني-الفرنسي والعديد من الاصلاحات الأخرى غربية الطابع لكن خطابها حول الهوية الجيوبوليتيكية لم يكن مدافعاً عن الغرب حتى أنها لم تقدّم تصوراً عن الأتراك بأنهم أعضاء ضمن الأمم الاوروبية-الغربية، ولكنّها بدلا من ذلك أسست لأسطورة الجذور الآسيوية (آسيا الوسطى) للشعوب التركية.

مجلة آخرى تدعى الاتجاهات “Yön ” أنشأها مجموعة من المثقفين سنة 1960 بقيادة كل من دوغان افجي اوغلو Doğan Avcıoğlu وممتاز سويسال Mümtaz Soysal. كحركة يسارية-قومية مشيدة بالكمالية كإيديولوجية تقدمية-اشتراكية دافعت عن الاستثنائية التركية، معاداة الامبريالية والتوجه الغربي للدولة. أعضاء هذه المجلة أقاموا علاقات وطيدة مع البيروقراطيين وحزب الشعب الجمهوري كما هيأوا الظروف لحدوث انقلاب عسكري لجلب ضباط اشتراكيين-ثوريين إلى الحكم.40

معظم الانتقادات الموجّهة إلى المجلتين السابقتين تكمن في مقاربتهم لتحقق المشروع الكمالي للدولة التركية فبدلا من سعيهم لتحقيق دعم شعبي لحصول ثورة اشتراكية اعتمدوا مقاربة من أعلى إلى أسفل، حيث الكوادر العسكرية-البيروقراطية تقوم بهندسة اجتماعية في شكل ثورة اشتراكية، وبالتالي إعادة تشكيل علاقات القوة بين النخب والجماهير. فنموذج اقتصادي مطوّر على أساس ديكتاتورية عسكرية مع التخطيط الاشتراكي يبدو واعداً أكثر للتصنيع والتحديث والعلمنة، وهي الفكرة التي وجدت جذورها في أعمال الاقتصادي الكسندر قرشنكرون A. Gerschenkron المؤكدّة على ضرورة التصنيع السريع.

شخصية أخرى مهمة يمكن تقديمها في هذا السياق هو الشاعر التركي اتيلا الهان A. İlhan (1925-2005) الذي يعود إليه الفضل في إعادة تقديم الاوراسيانية التركية كحركة فكرية، بداية التسعينيات خاصة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي والأزمة الأيديولوجية التي واجهت الاشتراكيين. الهان قام بتقديم النسخة التركية لحجة تروتسكي حول “الثورة المغدورة” بتقديمه تصورا لأتاتورك كثوري حقيقي مناهض للإمبريالية وللغرب الديمقراطي، بل وصاحب نموذج سياسي صديق للسوفييت تمت خيانته من طرف خلفائه خاصة الرئيس السابق عصمت انونو İsmet İnönü، الذي وصفه بأنه نازي متعاطف ومتعاون مع الغرب ومؤسّس لنخبوية أوليغارشية سلطوية بيروقراطية في تركيا. كما انتقد الهان النخبة والمثقفين الأتراك ذوي النزعة التغريبية والمتعاونين مع الامبريالية ليقدّم بعدها توليفة ثقافية لتركيا حديثة وأصيلة (دون إغفال المكوّن العلماني حسبه) نابعة من الثقافة الإسلامية الكلاسيكية العثمانية-التركية والفارسية-العربية بدلا من نسخ الأشكال الثقافية الأوروبية الغربية والتي اتهم كل الحكومات منذ سنة 1939 بتبنيها. 41

وخلال حديثه عن محاكمة التتاري الشيوعي سلطان غالييف S. Galiyev 42 ادّعى الهان بأن ستالين قام بخيانة النسخة الأصلية لاشتراكية لينين بل وأن أكبر خطأ ارتكبه القادة السوفييت يكمن في عدم اتباعهم “للاستراتيجية الشرقية” بعد دعوة لينين “لكادحي الشرق”43 فكان عليهم أن يقوموا بحشد وتحرير الجموع الاسلامية التي كانت واقعة تحت الاحتلالين الفرنسي والبريطاني، لجعل هدف الثورة العالمية الاشتراكية أمرا ممكنا. الأفكار التي قدّمها اتيلا حول الشيوعية الاشتراكية وعلاقتها بالإسلام استقاها خلال إقامته التكوينية بباريس وتأثره بأفكار كل من الكسندر بينينقسون A. Bennigsen ومكسيم رودنسون M. Rodinson.44 وبذلك فإن الكمالية اليسارية والاوراسيانية، حسب الهان، هي حركات متماثلة وانهيار الاشتراكية السوفيتية مثّل فرصة لظهور “الاشتراكية الحقيقية” من طرف الحركات السياسية في العالم الثالث الجامعة بين العدالة الاجتماعية والنزعة القومية المناهضة للإمبريالية.45

التقديم لهذين المجلتين ولأتيلا الهان يعتبر ضروريا حسب الكماليين-اليساريين لتحديد أصول الأوراسيانية التركية، التي ظهرت لاحقاً خلال التسعينيات، وتم الترويج لها من طرف بعض الشخصيات من داخل حزب اليسار الديمقراطي، الحزب القائد في الحكومة الائتلافية التي حكمت تركيا بقيادة بولنت أجاويد بين عامي 1999-2002. ففي الفترة ما بين 1996-1998، نشرت مجلتهم الرسمية (الوطنية) Ulusal العديد من المقالاتحول ارتباط الاوراسيانية بالأفكار الاشتراكية، القومية والكمالية. لكن الدعوة الصريحة للاوراسيانية الكمالية في تركيا كانت مع دوجو بيرينجيك Doğu Perinçek زعيم حزب العمال اليساري المتطرف بطرحه لمشروع “الخيار الاوراسي” القومي الجديد المعادي لأمريكا كرؤية لسياسة خارجية بديلة لتركيا في مقالاته المنشورة في كل من مجلة “النظرية” Teori ومجلة “اضاءات” Aydınlık .46

الأوراسيانية الكمالية وجدت صداها ليس فقط مدنيا ولكن انتقاد التوجه الأوروبي لتركيا العلني الذي قدّمه الجنرال السابق تونجر كيلينج Tuncer Kılınc للأمين العام لمجلس الأمن القومي التركي، وتركيزه على ضرورة أن تقيم تركيا تحالفا جديدا مع روسيا وإيران ضد أوروبا أكّد حضور هذا الخيار داخل العسكر التركي.

التحالف الناشئ رمزيا بين الاوراسيانيين-الكماليين والجيش يعود إلى منتصف التسعينيات، تاريخ نهاية التهميش الممارس على الأوراسيانيين الكماليين (الاشتراكيون عموما) الذين على الرغم من ضلوعهم في التخطيط لانقلاب 1971، إلا ان ذلك لم يشفع لهم بسبب تولّي اليمينيين زمام السلطة فاعتقلت وعذّبت العديد من الشخصيات ذات التوجه الكمالي-اليساري. لكن امتعاض بعض النخب العسكرية من التماطل الاوروبي في مسألة العضوية التركية ورفض هذه النخبة العسكرية للقيود المؤسسية التي ستفرضها عملية العضوية على العلاقات العسكرية المدنية، وفوز الإسلاميين في الانتخابات التشريعية لسنة 1995 بقيادة حزب الرفاه ونجم الدين أربكان رئيسا للوزراء، وتقديم ذلك كتهديد لأسس الدولة-الكمالية أعطى زخما جديدا للعلاقة بين الطرفين ترجمت لاحقا في تغيير وجهات نظر النخب العسكرية البيروقراطية والسياسية تجاه الاشتراكيين، بنزع الأمننة عن اليسار وجعل التعاون معهم ليس فقط مرغوبا ولكن ضروريا.

التحالف بين الطرفين ظهر بصورة واضحة من خلال إشادة الاشتراكيين بما عرف “بعملية 28 فبراير” أو “انقلاب ما بعد الحداثة” سنة 1997، وتدخل الجيش الذي وصفه رئيس حزب العمال دوجو بيرينجيك D. Perinçek بأنه قوة تقدمية ذات توجه اوراسياني-كمالي.47

عملية28 فبراير أدت إلى استبعاد كل من يشك بولائهم للإسلاميين في الجيش، فقدان الحكومة الائتلافية التي يقودها حزب الرفاه لأغلبيته البرلمانية، واستقالة رئيس الوزراء نجم الدين أربكان من حزب الرفاه وإنهاء حكومته الائتلافية لتحل محله حكومات أخرى شهدت أكبر تجاذبا بين المؤيدين للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي والاوراسيانيين الذين أصبحت لهم شخصيات عسكرية تؤيد وتتبنى نفس مواقفهم السياسية.

 

خامساً: التأثيرات السياسية للصراع بين المؤيدين للهوية الاوروبية والأوراسيانيين

على الرغم من إسقاط حكومة الرفاه إلا أن الصراع حول الانضمام إلى الهوية الأوروبية لم يتوقف وضغط الاوراسيانيين-الكماليين لم يتوقف. فقبول الاتحاد الاوروبي الاعتراف بتركيا كمرشح رسمي للعضوية في ديسمبر 1999 قلب الموازين داخل الحكومة لصالح مؤيدي الانضمام إلى Europhiles، وبالمقابل زاد من امتعاض الرافضين للانضمام. وبحلول أواخر التسعينيات وبسبب مماطلة أوروبا في التعامل مع عملية التكامل، والأزمة المالية التي تعرضت لها تركيا سنة 2001، ارتفع عدد المتعاطفين مع التوجه الأوراسياني من مختلف الأحزاب السياسية التركية، قومية التوجه والمتفقة في مجملها على معاداة الليبرالية وبتسبب كل من العولمة والاتحاد الاوروبي لمعظم المشاكل التركية.

وضمت القائمة كل من الحزب الجمهوري Bağımsız Cumhuriyet Partisi بقيادة اليساري ممتاز سوسيال Mümtaz Soysal، وحزب تركيا المستقلة Bağımsız Türkiye Partisi بقيادة الاسلامي حيدر باشا، وحزب العمال وحزب طليعة الشباب الذي قاده جيم اوزان Cem Uzan، حزب الحركة القومية بقيادة تورغول توركش Tuğrul Türkeş، حزب الحركة القومية بقيادة دولت بهجلي Devlet Bahçeli.

الصراع على الاوراسيانية بلغ أوجّه مع آخر حكومة ائتلافية (1999-2003) بقيادة بولنت أجاويد ليس فقط بين حزب الحركة القومية أشد المعارضين للانضمام، وحزب الوطن الأم الأكثر رغبة في الانضمام إلى أوروبا، ولكن أيضا داخل حزب اليسار الديمقراطي نفسه الحاصل على الأغلبية بين اجاويد المعارض لأي تعاون مع امريكا في الحرب التي كانت وشيكة على العراق، مُعربًا عن دعمه للفصيل المعارض للانضمام وبين إسماعيل جيم وبعض الوزراء الليبراليين الذين غادروا الحكومة؛ ردا على ما اعتبروه عدم رغبة قيادة الحزب في تنفيذ الإصلاحات الضرورية للانضمام، وبين شكرو سينا جوريل ŞükrüSina Gürel الذي أصبح نائباً لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية المتعاطف جدا مع الاوراسيانية.

الأخير الذي وضعت المجلة اليسارية الاوراسيانية Aydınlık صورته على غلافها مقدمة ايّاه كزعيم محتمل للقوى الوطنية المسيطرة على الحكومة التي يقودها حزب اليسار ضد ما وصفته المجلة بالمؤامرة الغربية-الامريكية التي كان يقودها اسماعيل جيم وكمال درويش. هذا الصدع بين التوجهين أدى في الأخير إلى فقدان الحكومة الائتلافية التي قادها أجاويد للأغلبية البرلمانية في الانتخابات اللاحقة.

الضعف الذي عانت منه الشخصيات والأحزاب الأوراسيانية بسبب عدم حصولها على المقاعد المناسبة التي تؤهلهم لإدارة الحكم، دفعهم إلى الاستفادة من الظهور الدولي والدعم الروسي الكبير للحركة الأوراسياية الدولية كمصدر جديد لتقوية ولإضفاء الشرعية أكثر على ادعاءاتهم بالتوجه الكلي لتركيا نحو الشرق. الأمر الذي يمكن ملاحظته من الحضور الحزبي أو الدعم الكلّي لحزب العمال رائد هذا الاتجاه لمجموعة مختلفة من المؤتمرات الاوراسية التي يمكن رصدها كالتالي:

  • المؤتمر الأوراسي الأول والثاني في اسطنبول بتاريخ 19-20 نوفمبر 1996 وأبريل 2000 وشملا مشاركين من الأحزاب الشيوعية-الاشتراكية في كل من الصين وصربيا وبلغاريا وفلسطين وسوريا وروسيا، وأكدوا في الملاحظات الختامية للمؤتمر على أن الانفصالية العرقية والأصولية الدينية تمثل التهديدات الأساسية لسلام الفضاء الأوراسي والأسباب الرئيسية للإرهاب، وبأن القوى الغربية والمنظمات الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تعتبر عوامل رئيسية لزعزعة استقرار سيادة وأمن الدول الأوراسية. واتفق المشاركون على أن يبادر المؤتمر الأوراسي بتشجيع أشكال التضامن بين الدول الأوراسية للنضال ضد هذه التهديدات.48
  • في نوفمبر 2003 شارك وفد من حزب العمال التركي في المؤتمر الأوراسي الدولي في موسكو الذي حضره مشاركون من اثنتين وعشرين دولة تم فيه انتخاب الكسندر دوغين رسميا كزعيم لحركة أوراسيا الدولية. لكن الملاحظ أنّ التوصيات الختامية لهذا المؤتمر التي عرضها دوغين وعزف مباشرة بعدها النشيد الأوراسي الرسمي (الذي لحّنه حفيد ديمتري Shostakovitch) فسّرت كثيرا حسب الأوراسيانيين الأتراك الاساس المنطقي لربط الأخيرة بالاوراسيانية العالمية49
  • في ديسمبر 2003 زار دوغين تركيا لأول مرة كزعيم للحركة الاوراسية الدولية وألقى فيها محاضرة حول الاوراسيانية في جامعة اسطنبول.
  • في 3سبتمبر 2004 نظم مركز بحوث استراتيجي بجامعة اسطنبول ندوة أخرى حول الاوراسيانية بعنوان “العلاقات التركية-الروسية-الصينية والإيرانية على المحور الأوراسي” برئاسة نور سيرتر N. Serter عضو البرلمان التركي عن حزب الشعب الجمهوري، المؤتمر استضاف ايضا كمتحدثين رئيسيين السفير الإيراني فيروز ديفليتادابي  F. Devletadabi والسفير الروسي ألبرت شيرنيشاف A. Chernishev واونور اويمان O. Öymen والأمين السابق العام لمجلس الأمن الوطني التركي الجنرال المتقاعد تونجر كيلينج T. Kilinç50 ورئيس حزب العمال دوجو بيرينجيك . D. Perinçek
  • عُقد مؤتمر آخر عن اوراسيا في جامعة غازي بأنقرة ما بين 4-5 ديسمبر 2004 كان دوغين فيه المتحدث الرئيسي، وكان برعاية مشتركة بين جامعة غازي والحركة الأوراسية الدولية واتحاد نقابات العمال التركية وقناة Ulusal (قناة تليفزيونية، ترتبط ارتباطا وثيقا بحزب العمال) ورابطة الفكر الأتاتوركي (AtatürkçüDüsünce Dernegi). جمع هذا المؤتمر المؤيدين والمشجّعين للمفاهيم الكمالية والاوراسيانية في تركيا51 وبعد هذا المؤتمر زار الكسندر دوغين جمهورية شمال قبرص التركية ونزل في مطار ارجان الذي تعتبره جمهورية قبرص والمجتمع الدولي غير قانوني. وأجرى مقابلات مع القادة والسياسيين القبارصة الأتراك بمن فيهم الرئيس محمد علي طلعت.52 كإشارة واضحة عن التقارب الروسي-التركي.

التقديم لهذه الزيارات يعكس بصورة واضحة ميل بعض النخب العسكرية والاشتراكية إلى الارتباط التركي أكثر بالمحيط الأوراسي المعرّف مسبقا حسبهم بالشرق. هذه الرغبة الملحّة دفعت لاحقا معظم روّاد هذا الاتجاه للتورط في قضية “شبكة ايرجينيكون” Ergenekon53 التي اتهم أعضائها منهم قائد الدرك سينير اريوجور Şener Eruygur بتدبير انقلابين عسكريين هما “ضوء القمر” “Sarıkız” و”الشقراء” “Sarıkız” سنة 2004 للإطاحة بحكم العدالة والتنمية. كما تم القبض على الوجوه البارزة للأوراسيانية امثال: بيرينجيك وكيلينج كجزء من محاكمة ايرجينيكون سنة 2008 وحوكموا بالإقامة الجبرية لمدة خمس سنوات.54

 

سادساً: الأوراسيانية الحضارية

الحديث عن الجيوبوليتيك الحضاري Civilizational Geopolitics في تركيا ارتبط بصورة كبيرة بوزير خارجية تركيا السابق ومهندس سياستها الخارجية أحمد داوود أوغلو الذي على الرغم من تأكيده على براغماتية مقاربته إلا أن المتمعّنفي كتابيه: “العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية” و”العالم الإسلامي في مهب التحولات الحضارية” يلحظ التركيز الكبير للكاتب على البعد الحضاري في بناء رؤيته للهوية الجيوبوليتيكية التركية ولتوجهات تركيا الخارجية.

لماذا الجيوبوليتيك الحضاري؟ باختصار لأن هذه المقاربة التي قدّمها جون اجنيو J. Agnew في عمله “الجيوبوليتيك: اعادة مراجعة السياسة الدولية” كأحد تمثّلات الجيوبوليتيك العالمي، تستدعي التوظيف الحالي للإرث التاريخي لإعادة الاستقرار والبناء القوي للدول حيث تعلن الدولة عن التزامها بالتفرد الوطني كحضارة وبان جذور تفردها حاضرة في ماضيها.55

ففي إجابته عن سؤال: ما هو العنصر الأساسي الذي يميّز الثقافة السياسية التركية عن غيرها من المجتمعات وما هو تأثير ذلك على الوضع الدولي؟ جادل أوغلو بتأثير كل من العمق الجغرافي والاستمرارية التاريخية لبناء تركيا قوية. بل وأكّد على أن العوامل التاريخية والجغرافية الثابتة تعتبر قوى فعل ديناميكي فاقمت من التوتر الدائم في تركيا بين عناصر الاستمرارية التاريخية التي تنسج الثقافة الاجتماعية وخط القطيعة الذي تحاول النخبة في مركز النظام السياسي مواصلته.

خط القطيعة التاريخية حسبه الذي استند إليه النظام السياسي التركي في محاولته للتكامل مع المجتمع الأوروبي أدى إلى تغرّب المجتمع عن محيطه الجيوثقافي القريب المتمثل في مجتمعات الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز، والذي سرعان ما تذكّر بعد تفكك نظام القطبين الهوية والثقافة السياسية والمؤسسات التي نتجت عن تحمل دور المركز السياسي في عهد السيطرة التاريخية. كما أن هذا الخط يتطلب مكانة مشرّفة تنسجم والتراكم التاريخي في تراتبية الدول. لكن التجاهل الذي أبدته الحضارة التي يراد اللحاق بها أدى إلى تفعيل البنية التحتية السيكولوجية القوية التي دعمت عناصر الاستمرارية التاريخية من جديد. كما أن التوتر الذي خلقه الفرق بين الشعور العالي بالثقة بالنفس نظرا لكون هذا البلد مركزا سياسيا لحضارة في الماضي وبين الموقع الحالي لهذا البلد في تراتبية الدول أيقظ تأثيرا نفسيا مذهلا لم يشهده أي مجتمع آخر.56

واصل أوغلو مقاربته الجيوبوليتيكية بإدراج تركيا ضمن تصنيف الدول المركز، وإن كانت هذه الاستعارة استخدمت سابقا من طرف شخصيات عسكرية فترة الستينيات من القرن العشرين، لكن الجانب الأكثر أهمية في رؤيته تمثّل في تخفيضه لأهمية آسيا الوسطى والقوقاز مقابل الشرق الأوسط وإفريقيا من حيث المفاهيم الجيوبوليتيكية لأوراسيا.

إن وقوع تركيا في منتصف المساحة الافرو-اوراسية الواسعة يجعل من إمكانية ربطها جغرافياً وثقافياً بمنطقة واحدة أمراً مستحيلاً. فأوراسيا، عند أوغلو، ليست تلك المرتبطة بآسيا الوسطى والقوقاز، بالوصف المقدّم من قبل الأوساط السياسية والأكاديمية والفكرية التركية، ولكن الأفرو-أوراسيا المرتبطة أكثر “بجزيرة العالم” المفهوم الذي قدّمه الجيوبوليتيكي البريطاني هالفورد ماكيندر.

الوضع المميّز لتركيا في قلب جزيرة العالم، حسب أوغلو، يفرض عليها أن تلعب أدواراً أكثر أهمية في السياسة الدولية وأن تتميز بالفعالية والإيجابية التي لن تتحقق إلا بالالتزام بستة مبادئ أساسية لخصّها كالتالي: التوازن السليم بين الحرية والأمنوبين الأمن والديمقراطية، وتصفير المشكلات مع دول الجوار، والتأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار، والسياسة الخارجية متعددة الابعاد، أسلوب دبلوماسي جديد57، توازن فيه تركيا بين الشرق والغرب بل يجب أن تكون دولة قادرة على إنتاج الأفكار والحلول في محافل الشرق رافعة هويتها الشرقية دون امتعاض ودولة قادرة على مناقشة مستقبل اوروبا داخل محافل اوروبا من خلال نظرتها الأوروبية.

هذه الرؤية الجريئة لتركيا لم تكن لتجد صداها لولا تبنيها سياسياً من طرف حزب العدالة والتنمية (Adalet ve Kalkınma Partisi) الذي ومنذ 2002 إلى غاية 2016 استطاع أن يشكّل ثمانية حكومات متتالية ومقارنة بالحكومات الائتلافية السابقة امتلك قاعدة شعبية عريضة وموقف سياسي قوي مكّنه من أن يكون أكثر ثقة بنفسه لتنفيذ رؤيته الخاصة بالمحيط الخارجي. ولعل إطلاق منظمة تحالف الحضارات التابعة للأمم المتحدة سنة 2005 بناءً على مبادرة مشتركة بين الحكومتين الإسبانية والتركية اللتين يقودهما خوسيه لويس ثباتيرو ورجب طيب أردوغان58، الدور التركي البارز في منظمة التعاون الإسلامي وتأطير أردوغان للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي كمؤشر على نجاح تحالف للحضارات وبأن عدم حصول تركيا على العضوية سيؤدي بالضرورة إلى استمرار صراع الحضارات وتحوّل الاتحاد الاوروبي إلى نادي مسيحي.59 كل ذلك يؤكّد تبني العدالة والتنمية لخط الجيوبوليتيك الحضاري الواسع.

من الناحية العملية، فإن الحديث عن التوجه الجديد للجيوبوليتيك الحضاري في تركيا يستلزم الحديث عن التحسّن الكبير للأداء الاقتصادي التركي كدعامة أساسية لهذا التوجه. حيث شهد الاقتصاد التركي فترة حكم العدالة والتنمية حسب الخبير الاقتصاديّ “إيجي يازغان” نمواً جيداً مقارنة بالسنوات السابقة إلا أثناء الأزمة الاقتصاديّة العالميّة في العام 2008. وبلغت نسبة النموّ 6,5% بين العامين 2002 و2007، و9% بين العامين 2010 و2011، و3,5% في السنوات التالية. ويتخطّى متوسّط دخل الفرد اليوم سنة 2016 التسعة آلاف دولار بقليل، لكنّه ارتفع في سنوات سابقة إلى أكثر من 10 آلاف دولار.60

إن تحسّن الأداء السياسي والاقتصادي في الداخل التركي سمح للقادة الأتراك بالتحرك النشط خارج الحدود حتى في المناطق التي قدّمت سابقا كمصدر للتهديدات الأمنية. في هذا السياق، اكتسبت منطقة الشرق الأوسط أهمية استراتيجية مثلها مثل آسيا الوسطى والقوقاز، دلّل على ذلك الزيارات المكثّفة التي قام بها وزير الخارجية التركي خلال الفترة 2003-2009 إلى إيران سوريا (8 زيارات) مقابل زيارة واحدة إلى كل من أذربيجان وجورجيا.

وبالمثل، قيام رئيس الوزراء التركي بما لا يقل عن سبع زيارات لقطر والمملكة العربية السعودية في نفس الفترة مقابل زيارتين إلى اليونان وبلغاريا وهما الدولتان المجاورتان لتركيا في أوروبا والبلقان.61 على غرار تأسيس تركيا للمنتدى الأعمال الخليجي التركي الأول سنة 2012، والثاني سنة 2016 وحصلت تركيا على صفة مراقب بالجامعة العربية سنة 2003، وشاركت كضيفة في قمة الخرطوم سنة 2006 والقمة لــ 24 في قطر سنة 2012. بجانب ذلك تم انطلاق بث قناة TRT Avaz التي تأسست سنة 2009 لتحل محل TRT Avrasya في كل من آسيا الوسطى والقوقاز، الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وواصلت تركيا تقديم نفسها كقوة إقليمية ذات مكانة دولية من خلال حضورها في مختلف الفعاليات الإقليمية والدولية: أوروبيا، وتعتبر السنوات الأولى لحكم العدالة والتنمية أكثر المراحل تقدماً في مسألة العضوية الأوروبية بسبب إطلاق أردوغان لمفاوضات كاملة للانضمام إلى الاتّحاد في العام 2005. وفي يونيو 2006 تم فتح أول فصول التفاوض الـ35 المخصص لموضوع العلوم والبحث، وفصل ثان مخصص للسياسة الصناعية والشركات في مارس 2007. هذه المفاوضات سرعان ما جمدت من طرف ألمانيا وفرنسا ليقترحا بدلا من ذلك في ماي 2009 شراكة مميزة مع تركيا لكن ليس انضماما فعليا.

واستمرت هذه العلاقة بين الطرفين المتراوحة بين الجمود وفتح الفصول بسبب فرض مجموعة من القضايا سواء المتعلقة بالشأن الداخلي التركي أو بالشأن الإقليمي وزنها على مسار المفاوضات آخرها اللعب على ورقة اللاجئين السوريين بتوظيفها من قبل الطرف الأوروبي، لإلزام تركيا بضبط حدودها وتركيا التي اشترطت مقابل ذلك أن يعيد الاتحاد الاوروبي تحريك المفاوضات.

إن الاتحاد الاوروبي بالنسبة لتركيا إذا كان يريد التحول إلى لاعب دولي فينبغي عليه تحقيق مبدأين هما التعددية الثقافية، والارتباط الاستراتيجي بآسيا. لذا المصير التركي-الأوروبي لخصّه سؤال أوغلو: هل سيظل الاتحاد الاوروبي قوة قارية أم قوة عالمية؟ 62

رغم هذه المسار المعقّد لعملية الانضمام التركي إلى الهوية الاوروبية إلا أن تركيا استطاعت أن تستفيد من الرغبة الاوروبية في التخلص من تبعيتها الطاقوية لروسيا ومن احتكار الأخيرة لمنطقتي جنوب القوقاز وآسيا الوسطى. فساهمت تركيا في تشكيل الملامح الأولى لمشروع الممر الجنوبيsouthern Corridor الذي استهدفت المفوضيةُ الأوروبيّةُ منه نقلَ الغاز الطبيعي من آسيا الوسطى، جنوب القوقاز والشرق الأوسط، إلى أوروبا. ودشّنت أنقرة خط غاز جنوب القوقاز (باكو- تبليسي- أرضروم) في أواخر عام 2006 لنقل الغاز الأذري من حقل الشاه دنيز إلى تركيا. أما “مشروع شاه دنيز 2” فشرعت أذربيجان في تطوير خططها التصديرية، ووقّعت باكو وأنقرة في ديسمبر 2011 على مذكرة تفاهم لبناء خط عابر للأناضول (TANAP) لنقل غاز المرحلة الثانية من المشروع إلى الأسواق الأوروبية.63

ونسجت تركيا علاقات مميزة مع روسيا في مجال الطاقة، بل وفي ذروة التوتر بين البلدين عقب اسقاط الطائرة التركية في نوفمبر 2015، وتداعيات الازمة السورية لم تتوقف شركة جازبروم الروسية عن ضخ الغاز إلى شركة بوتاش التركية. هذه العلاقات التي شهدت تحسنا كبيرا بداية بعد زيارة بوتين إلى أنقرة أواخر سنة 2004 ورفع البلدين للعلاقات بينهما إلى مستوى “تعزيز الشراكة متعددة الأبعاد”. وخلال نفس الفترة، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ما يقرب من 10 مليار دولار بل وأصبحت تركيا ثاني أكبر مشتر للغاز الروسي بعد المانيا.64

كما ترتبط الدولتان بشبكة من خطوط أنابيب نقل الغاز الطبيعي “التيار الأزرق” و”التيار الجنوبي” “South Stream” والثالث التيار التركي الجديد “Turkish Stream” الذي تم التوقيع على اتفاقيته في العاشر من اكتوبر 2016، لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا تحت البحر الأسود، صاحبه في نفس التاريخ تأسيس الدولتين لصندوق الاستثمار المشترك. بل وهناك عدد من الصفقات النووية الأخرى على الطريق بعد الاتفاق مع روسيا على بناء مفاعل نووي في منطقة أك كويو التركية على ساحل البحر المتوسط.65

 

خريطة رقم 4: خط التيار التركي الجديد والخطوط السابقة لنقل الغاز

وسعيا لخلق حزام جديد في الاتجاه الشرقي-الغربي طوّرت تركيا مع كل من ايران وأذربيجان وجورجيا مشروع “شاه دينيز 1 سنة 2006 الذي بلغت حصة تركيا فيه حوالي 6.6 مليار متر مكعب و”شاه دينيز 2” سنة 2013، ولكن هذه النسخة كان الهدف منها تزويد أوروبا بالغاز الطبيعي عبر “أنبوب ممر غاز الجنوب” المار من تركيا66، لتؤكد تركيا مرة أخرى على أهمية الحتمية الجغرافية في رسم المستقبل الطاقوي، ليس فقط لتركيا ولكن للدول الأوروبية التي، حسب أوغلو، ستدرك يوما المكانة التركية التي لا غنى عنها من أجل أمن الطاقة.

إن أنابيب نقل الطاقة هذه، حسب أوغلو، ليست مشاريع إقصائية، وليست منافساً للمشروعات الأخرى بل على العكس تتوافق والطرح الإقليمي الذي ظهر بعد الحرب الباردة، وبحضور مشروعات التعاون متعددة الأطراف؛ تمت دعوة روسيا للمساهمة في مشروع نابوكو، وثمة وعد من إيران بانضمامها إليه عند توفر الظروف المناسبة.67 لكن هذا لا يغفل التوظيف السياسي لهذه الأنابيب في فهم مختلف حركيات العلاقات السياسية بين الدول المذكورة أعلاه.

 

خريطة رقم 5: خريطة عبور خطوط نقل الغاز من حقل شاه دينيز عبر تركيا إلى أوروبا

وإفريقيا، أعلنت تركيا أن عام 2005 هو عام الانفتاح مع افريقيا مع أول زيارة في تاريخ الجمهورية قام بها اردوغان إلى كل من إثيوبيا وجنوب أفريقيا، وتولت تركيا في أبريل موقع المراقب في الاتحاد الافريقي وموقع الشريك الاستراتيجي المهم سنة 2008. كما استضافت اسطنبول أهم قمة في تاريخ العلاقات التركية-الإفريقية تحت مسمى “التضامن والشراكة من أجل مستقبلنا”، تُرجمت مكتسباتها لاحقاً بحصول تركيا على دعم كامل من كافة الدول الافريقية خلال انتخابات أكتوبر 2008 لمقعد العضو غير الدائم في مجلس الأمن.68

كما ساهمت المؤسسة التركية للتعاون والتنمية من خلال مكاتبها في ثلاث دول إفريقية، هي: إثيوبيا والسودان والسنغال إسهامًا مباشرًا في العديد من مشروعات التنمية داخل 37 دولة إفريقية، وقدَّمت مساعدات إنسانية عاجلة للعديد من الدول الإفريقية فضلًا عن برنامجها الخاص بالتنمية الزراعية في إفريقيا 2008-2010 الهادف إلى تطوير الزراعة في 13 دولة إفريقية هي: بوركينافاسو، جيبوتي، إثيوبيا، غينيا بيساو، مالي، السنغال، جزر القمر، مدغشقر، تنزانيا، كينيا، رواندا، أوغندا. كما بذلت تركيا جهودًا وإسهامات مباشرة في الأزمات الإنسانية التي شهدها بعض دول القارة الإفريقية وذلك من خلال المؤسسات الدولية.69

وفي سياق الانفتاح التركي على العالم، طوّرت تركيا علاقات مع دول الكاريبي بتنظيمها لقمة في اسطنبول سنة 2008 مع اتحاد دول الكاريبي (CARICOM) بالمقابل قبلت هذه الدول تركيا كمراقب دائم في الاتحاد، وفي منظمة الدول الأمريكية (OAS). كما حصلت تركيا خلال هذه القمة على تأييد لاقتراحها تأسيس “آلية التضامن والتعاون” التي من شأنها أن تحل المشاكل التي قد تطرأ على علاقات تركيا حلا سريعا. كما تولت تركيا رئاسة “تعاون جنوب شرق آسيا” خلال الفترة 2009-2010 وتولت رئاسة “مؤتمر التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا” خلال الفترة 2010-2014.70

 

خاتمة

كتب كل من أوركون أوشار وبراق تورنا في آخر روايتهما “العاصفة المعدنية: الحرب الأمريكية-التركية”:

“…أكملت الشمس ارتفاعها فوق الأناضول مهد الحضارات. استقبل اليوم الجديد الجنود المتعبين والمجروحين الذين كانوا ينظفون قاعدة/ أرهاج/ الجوية من الأنقاض بمفاجأة سارة. كان المدنيون قد استقلوا الباصات والشاحنات لمساعدة جيشهم في كل مكان من الصباح الباكر، ونزل من السيارة العم أحمد وهو يحمل فأسه بيده وله لحية بيضاء جميلة وقف أمام النقيب الذي كان ينظر إليه باستغراب وقدّم له التحية العسكرية وهو يقول: قل لنا يا ابن أخي من أين نبدأ؟”.

“كان انسحاب الولايات المتحدة قد قطع التوترات والفوضى القائمة في الجنوب الشرقي للبلاد مثل السكين كان إلقاء القبض على العصاة والمتمردين يتم بتعاون الدولة مع رؤساء العشائر والإرهابيين كانوا يهربون إلى شمال العراق … مرت الشمس من فوق لواء اسكندرون واضنة وقونيا… كانت أنقرة قد تعرضت لأكبر الهجمات على الاطلاق ولكنها لم تعلن استسلامها. كانت وحدات الجيش والجندرمة القادمة من البحر الأسود توزع الأرزاق والخبز على الناس وتساعدهم على رفع الأنقاض، وكل الماكينات والسيارات الضخمة كانت تنظف أنقرة التي ستظل عاصمة أبدية رافعة راية النصر على الدوام…”71

رواية العاصفة المعدنية تحكي قصة الغزو الامريكي المتخيّل لتركيا في العام 2007، حيث تبدأ المؤامرة بانهيار الدفاعات التركية ضد القوات الأمريكية الغازية بسبب الفشل السياسي للسياسيين الذين تغاضوا عن مقتضيات الجغرافية التركية التي تتطلب دولة قوية أو بعبارة بيلغين “فقط الدول القوية يمكنها ان تبقى على قيد الحياة على الجغرافية التركية”.

بناءً على ذلك، حاولت هذه الدراسة من خلال الافتراض بأن-التوظيف السياسي والفكري للمفاهيم الجيوبوليتيكية في تركيا ساهم بصورة كبيرة في رسم حدود الهوية الداخلية، الإقليمية والدولية لتركيا-التأكيد على الدور الكبير للمفاهيم الجيوبوليتيكة خاصة الحتمية الجغرافية في تحديد السياسات المحلية والخارجية التركية. هذه الحتمية التي تفترض لزاما وجود دولة قوية بغض النظر عن مصدر القوة عسكرية أو مدنية، المتراوحة بين:

  • الأوروبية: التي جادل أصحابها، ومنذ بداية تأسيس الجمهورية بأن القوى الأوروبية هزمت الامبراطورية العثمانية ليس بسبب امتلاكها جيوشا أضخم بل بسبب حضارتها الأعظم والتي أنتجت جيوشا أكبر ولذلك يجب على تركيا أن تكون غربية بحيث تتوجه ثقافيا وسياسيا نحو أوروبا.
  • الأوراسيانية: التي جادل أصحابها بتقديم القومية التركية والمصالح الاقتصادية كأحد دعائم قوة الدولة التركية. وأخيرا اصحاب المنظور الحضاري الذين افترضوا دوراً أكبر لتركيا يمتزج فيه التركيز على الحتمية الجغرافية وتجاوزها لخدمة نفس الهدف المنشود من الجميع.

وفي هذا السياق تأتي أهمية التأكيد على أن العنصر الفاصل لأي عملية تعريفية للهوية التركية على غرار الجغرافيا، هو الطريقة التي يمكن أن يؤثر بها توظيف صنّاع القرار للجغرافيا. فالجغرافيا، نعم يمكنها أن تبني لنا تصورا عن مستقبل الصراعات ولكنها في نفس الوقت وبإضافة البعد الإنساني اليها يمكن ان تكون عاملا دافعا لخيارات غير صراعية (72).

—————————–

الهامش

(1) روبرت د. كابلان، انتقام الجغرافيا: ما الذي تخبرنا به الخرائط عن الصراعات المقبلة وعن الحرب ضد المصير، ترجمة: إيهاب عبد الرحمة علي (الكويت: المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، 2015)، ص. 48

(2) A. Cevat Eren, “Jeopolitik Tarihine toplu bir bakış” (Istanbul: Nurgok Matbaas,1964), Emin Sezgin & Selahattin Yilmaz, “Jeopolitik “(Ankara: Harp Akademileri Yayınları, 1965).

(3) Pinar Bilgin, ‘‘Only Strong States Can Survive In Turkey’s Geography: The Uses Of ‘‘Geopolitical Truths’’ In Turkey”, Political Geography, Vol. 26 (2007), p. 742

(4) Harp Akademileri Komutanlığı, “Türkiye’nin Jeopolitik Durumu Üzerine Bir İnceleme”, Silahlı Kuvvetler Dergisi, Vol.83, No 210 (1963), Turhan Olcaytu, “Türkiye’ninJeostratejisi”, Atatürkçü Düşünce,Vol.3, No 25 (1996). Nejat Tarakçı,”Devlet Adamlığı Bilimi: Jeopolitik ve Jeostrateji”, (Istanbul: Çantay Kitapevi, 2003), Yilmaz Tezkan,. Jeopolitikten Milli güvenliği, (Istanbul: Ülke, 2005), Yılmaz Tezkan &  M. Murat Taşar. Dünden Bugüne Jeopolitik, (Istanbul: Ülke, 2002), Türsan, Nurettin, “Jeopolitik ve Jeostratejinin Işığı Altında Türkiye’nin Stratejik Değeri”, Belgelerle Türk Tarihi Dergisi, No 42, Mart 1971  parts I, II, III, Hayrettin Uzun,”Türkiye’nin Artan Jeopolitik Önemi, Kuvvetler Dergisi, Vol 100, No 279 (1981).

(5) Suat Bilge,” Jeopolitik “,  Kara Kuvvetleri Dergisi,Vol 2, No 5 (1959).  1-30 , Ruhi Turfan, Geopolitik: Geopolitikle Ilgili Ana Konular (Istanbul: Istanbul Matbaacılık Okulu, 1965),  Sami Öngör , “Siyasi Coğrafya ve Jeopolitik”, Siyasal Bilgiler Fakültesi Dergisi, 18, (1963).

(6)من بين أعمال أخرى للجنرال الهان. انظر:

İlhan Suat, Jeopolitikten Taktiğe (Ankara: Harp Akademileri Komutanlığı, 1971), “Jeopolitik ve Tarih İlişkileri”, Belleten XLIX, Vol, 195 (1986)pp. 607–624, Jeopolitik Duyarlılık, (Ankara: Türk Tarih Kurumu, 1989), Türkiye’nin ve Türk Dünyasının Jeopolitiği (Ankara: Türk Kültürünü Araştırma Enstitüsü, 1997), Dünya Yeniden Kuruluyor: Jeopolitik ve Jeokültür Tartışmaları,(İstanbul: Ötüken, 1999), Türkiye’nin Zorlaşan Konumu: Uygarlıklar Savaşı-Küreselleşme Petrol (İstanbul: Ötüken, 2004), Türklerin Jeopolitiği ve Avrasyacılık (Ankara: Bilgi, 2005)

(7) Pinar Bilgin, “Turkey’s ‘geopolitics dogma”. In St efano Guzzini (ed), The Return of  Geopolitics in Europe? Social Mechanisms and Foreign Policy Identity Crises (Cambridge: Cambridge University Press, 2012), P. 155

(8) Pinar Bilgin, ‘‘Only Strong States Can Survive In Turkey’s Geography: The Uses Of ‘‘Geopolitical Truths’’ In Turkey”. Op. Cit.,p. 744

(9) Dankwart. A. Rustow, “The Army And The Founding Of The Turkish Republic”, World Politics, Vol. 11, No. 4 (Jul., 1959), pp. 513-552

(10) Pinar Bilgin, ‘‘Only Strong States Can Survive in Turkey’s Geography: The Uses Of ‘‘Geopolitical Truths’’ In Turkey” ”. Op. Cit.,p.  745-746

(11)Loc. Cit.

(12) Pinar Bilgin, “Turkey’s ‘geopolitics dogma”. Op. Cit,. p. 158

(13) Murat Yesiltas,”The Transformation of the Geopolitical Vision in Turkish Foreign Policy”. In Paul Kubicek,Emel Parlar Dal and H. Tarik Oğuzlu (eds), Turkey’s Rise as an Emerging Power (London and NY: Routledge, 2015), p. 47

(14) Murat Yesiltas, Op. Cit., P. 48

(15)معاهدة سيڨر التي وقّعها الحلفاء في 10 أغسطس 1920، أملوا فيها شروطهم لتصفية الدولة العثمانية وتقسيم أراضيها.

(16) Murat Yesiltas, Op. Cit., P.47-48

(17) Murat Yesiltas, Op. Cit., p. 48-50

(18) Emre Erşen, “The Evolution of ‘Eurasia’ as a Geopolitical Concept in Post–Cold War Turkey”, Geopolitics, Vol. 18, No,1 (2013), p. 26

(19) العقيد مظفر اوزداغ من بين الضباط الذين شاركوا في انقلاب 1960 لكن سرعان ما انتقده وعارضه فأجبر لاحقا على التقاعد المبكر ليصبح بعد ذلك شخصية محورية في اليمين-التركي القومي الى غاية تقاعده من الحياة السياسية وفي تلك الفترة عرف بكونه مؤلف غزير الإنتاج وبعد وفاته قام مركز  ASAM بنشر أعماله المجمّعة ضن أربع مجلدات. انظر:

Muzaffer Özdağ, Türk Dünyası ve Doğu Türkistan Jeopolitiği Üzerine [Onthe Geopolitics of the Turkic World and Eastern Turkestan]( İstanbul: DoğuTürkistan Vakfı Yayınları, 2000). Türkiye ve Türk Dünyası Jeopolitiği Üzerine [On the Geopolitics of Turkey and the Turkic World] (Ankara: ASAM, 2001) Türk Dünyası Jeopolitiği, Cilt I-IV [The Geopolitics of the Turkic World, Vols. I–IV](Ankara: ASAM, 2003)

(20) Pinar Bilgin, “Turkey’s ‘geopolitics dogma”. Op. Cit., p. 160

(21) Murad Ismayilov and Norman A. Graham, Turkish-Azerbaijani Relations: One Nation—Two States? (London and New York: Routledge, 2016), p. 59

(22) في هذا الإطار عرقلت الحكومة القبرصية ستة فصول أساسية من مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي منذ 2009، فجمدت عمليا انضمام أنقرة للاتحاد بينما تم فتح 14 فصلا من الفصول الـ35 في هذه المفاوضات التي بدأت في 2005، وأمكن إنجاز واحد فقط حتى الآن.وللتفاصيل أكثر أنظر:

Semin Suvarierol, “The Cyprus Obstacle on Turkey’s Road to Membership in the European Union”. In Ali Carkoglu and Barry Rubin (eds), Turkey and the European Union: Domestic Politics, Economic Integration and International Dynamics (London:  Frank Cass, 200), pp. 52-74

(23) تعتبر وزيرة الخارجية الامريكية السابقة كوندليزا رايس أول من طرح مصطلح “الشرق الأوسط الجديد” في يونيو 2006 من تل أبيب بدلا من المصطلح القديم “الشرق الأوسط الكبير”. وقامت بالترويج مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لمصطلح ومفهوم “الشرق الأوسط الجديد”، أثناء الحصار الإسرائيلي للبنان الذي حظي برعاية أنجلو-أمريكية.

(24) Emre Erşen. Op. Cit., p. 26

(25) Ibid., p. 27

(26) Ibid., p. 27-28

(27) أحمد داوود أوغلو، العمق الاستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية، تر: محمد جابر ثلجي وطارق عبد الجليل، ط. 3 (قطر: مركز الجزيرة للدراسات، 2014)، ص 108.

(28)Emre Erşen. Op. Cit., p. 27-28

(29) انظر الموقع الرسمي للمجلة، الرابط

(30) Emre Erşen. Op. Cit., p. 28-29

(31) Lerna K. Yanık, “The Metamorphosis of Metaphors of Vision: “Bridging” Turkey’s Location, Roleand Identity After the End of the Cold War”, Geopolitics, Vol. 14, No. 3 (2009) p. 537.

(32) Emre Erşen. Op. Cit., p. 30-31

(33) Murat Yesiltas,. Op. Cit., p. 53

(34) Emre Erşen. Op. Cit., p. 31

(35) http://www.gazprom.com/press/news/2014/october/article202536/

(36) يمكن الإطلاع على نص الخطة كاملا على الرابط

(37) من بين أهم المثقفين المنضوين في حركة الإطار نجد كل من: شوكت سورييا ايدمير Süreyya Aydemir،  فيدات نديم تور Vedat Nedim Tör، يعقوب قدري Yakup Kadr، شوكت كراوسمانوغلو  Şevket Karaosmanoğlu.

(38) حركة الإطار كمالية، اشتراكية ومتعاطفة مع الاتحاد السوفييتي يمكن اعتبارها أول مانيفستو منظّم للنزعة الفكرية الاشتراكية في تركيا في القرن العشرين تطّورت لاحقا إلى الاوراسيانية التركية. وفكرة الحركة عن الاقتصاد السياسي الدولي وموقع تركيا فيه كانت أقرب إلى ما يعرف اليوم بنظرية التبعية كما أن بعض أعضاء الحركة كانت لهم علاقات شخصية مع الاتحاد السوفييتي، ايديمير مثلا تلقت تعليمها في الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق (KUTV) في موسكو، وحضرت اللقاءات الشيوعية الدولية مثل مؤتمر شعوب الشرق في باكو. هؤلاء أصبحوا لاحقا الكماليين-اليساريين كما كانوا من بين المدافعين عن اصلاحات اتاتورك كخطوة تقدّمية وكمرحلة اولية لإقامة الاشتراكية في تركيا. انظر:

Şener Aktürk, “The Fourth Style of Politics: Eurasianism as a Pro-Russian Rethinking of Turkey’s Geopolitical Identity”, Turkish Studies, Vol. 16, No. 1 (2015), p. 59-60

(39) Ibid., p.  59

(40) Şener Aktürk,. Op. Cit., p. 60

(41) تستند حجج الهان على القياس والتوازي بين الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والكمالية في تركيا. لذلك تم تقديمه كشخصية محورية في الربط بين التفكير الكمالي والاشتراكي في التوجه الاوراسي بعد الحرب الباردة. وكان الكاتب الوحيد الذي له عمود في الصحف اليومية السائدة التركية كتب فيها بانتظام عن لينين، ستالين، تروتسكي، بوخارين، كاوتسكي، مارتوف، ماياكوفسكي، دوبتشيك، توريز، غرامشي، كوستلر، خروتشوف والعديد من الشخصيات الأخرى المجهولة إلى حد كبير لدى الرأي العام التركي ولكن مهمة النقاشات حول الاشتراكية في جميع أنحاء العالم. انظر:

Şener Aktürk,. Op. Cit., p. 61-62

(42) سلطان غالييف Sultan Galiyev يعتبر عمليا المؤسس الرئيسي لفكرة الانسجام بين الشيوعية والإسلام التي كانت تبعث الأمل في تعبئة المسلمين لبناء الدولة الاشتراكية الجديدة. فقد كان واثقا بأن المسلمين سيحققون الاشتراكية بطريقتهم الخاصة. وأن التصورات الإسلامية عن تكوين المجتمع من النواحي الاقتصادية والسياسية لا تتعارض من حيث المبدأ مع الإرشادات الماركسية المعروفة. وركز في غضون ذلك على تشابه التصورات عن العدالة في الفكرين، ورأى سلطان غالييف قوة الإسلام بما يمتلك من “طابع الدين المضطَهد والمدافع عن نفسه في عيون المسلمين أنفسهم “مما يؤكد التعاليم البلشفية التي تريد أن يتحول الشرق الى البؤرة الرئيسية للثورة العالمية. وأصبحت هذه الفكرة الأكثر إلحاحا بعد انهيار ثورتي المجر وألمانيا وساعد في تنميتها النضال المعادي للاستعمار في الشرق الأدنى والأوسط. أنظر: ألكسي ملاشينكو، الصحوة الإسلامية في روسيا المعاصرة، ترجمة: جمال حسين علي (دار القبس، الكويت 1999)، كما يمكن الاطلاع على الاقتباس المذكور أعلاه من مدونة الروائي والصحافي العراقي جمال حسين علي، الرابط.

(43) هو نص نداء وجهه لينين للمسلمين 24 نوفمبر1917 انظر النص كاملا مترجما على الرابط.

(44) الكسندر بينينقسون A. Bennigsen (1913-1988) الباحث في الشؤون الإسلامية عرف بمجال بحثه حول مقاومة مسلمي الاتحاد السوفيتي للنزعة السوفيتية بل وبحفاظهم على هوية مميزة داخله كما يعتبر الوالد المؤسس لمدرسة طلابية لقضايا الوطنية في الاتحاد السوفيتي وروسيا لاحقا ومن بين أولئك الطلاب بول قلوب Paul A. Goble مؤسس ورئيس تحرير مجلة “نافذة على أوراسيا”. اما مكسيم رودنسون M. Rodinson فهو المستشرق والمؤرّخ وعالم الاجتماع الفرنسي اهتم بتاريخ الأديان، واعتنى على وجه الخصوص بالدين الإسلامي وبالشرق. ومن مؤلّفاته في هذا المجال نذكر: “سحر الإسـلام” ((1980، “الماركسية والعالم الإسلامي”(1972)، “محمد” (1961) ، “الإسلام والرأسمالية” (1966)، “الإسلام : سياسة وإيمان” (1993).

(45) Şener Aktürk,. Op. Cit., p. 62

(46) Emre Erşen,. Op. Cit., p. 32

(47) للتفاصيل أكثر حول هذه النقطة انظر:

Doğu Perinçek , 28 Şubat ve Ordu (February 28 and the Army) (Kaynak Yayınları, 2000), Şener Aktürk. Op. Cit., p. 63

(48) Emel Akçali a and Mehmet Perinçek, “Kemalist Eurasianism: An Emerging Geopolitical Discourse in Turkey”, Geopolitics, Vol. 14 (2009), p. 561

(49) قال دوغين: “للحداثيين الذين لم يكونوا إلى جانب ما بعد الحداثيون اهتمامات مشابهة لاهتماماتنا لذلك وجد كل من الاشتراكيين والقوميين أنفسهم اليوم في جبهة واحدة. غير أن الوطنية/القومية الاوراسية لا تعني الشوفينية والقومية المصغّرة اللتين نعارضها كليا ولكن اتجاه ما بعد الحداثة يعارض الاشتراكية، صناعة الحقيقة والدولة القومية. في روسيا ما بعد الحداثيين لن يكونوا في السلطة بعد الآن ومع رئاسة بوتين الليبراليين والمؤيدين للغرب خسروا السلطة ونحن الاوراسيانيين ندعم ذلك كليا.” أنظر:

Emel Akçali and Mehmet Perinçek. Loc. Cit.

(50) تونجر كيلينج اجتذب اهتماما واسعا في أوروبا خلال مؤتمر تلفزيوني عقد في الأكاديمية العسكرية في 7-8 مارس 2002 لإدعائه بأن الاتحاد الأوروبي لن يقبل أبدا تركيا ويجب على تركيا البحث عن حلفاء جدد مثل روسيا وإيران.

(51) حضر هذا المؤتمر كل من : الرئيس السابق سليمان ديميريل، الرئيس السابق لجمهورية شمال قبرص رؤوف دنكتاش، رئيس حزب العمال دوجو بيرينجيك، رئيس المجموعة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري علي توبوز، سفراء روسيا والصين وإيران وكازاخستان وأذربيجان، ونائب رئيس مالجلس الوطنى لجمعية رجال الأعمال (USIAD)، فوزي دورغون  وضباط الجيش المتقاعدين مثل الجنرال تونجر كيلينج، سينير اريوجور وهو وزير سابق للشؤون الخارجية، شوكرو سينا جوريل وعدد كبير من الأساتذة والباحثين.

(52) Emel Akçali a and Mehmet Perinçek,. Op. Cit., p. 561-562

(53)يرمز اسم  ايرجينيكون الى المهد الاسطوري للأتراك في  في جبال ألتاي وهو اسم الاسطورة القديمة التي مجدت ولادة وصعود الأتراك. استخدمه كل من القوميين المتطرفين، العلمانيين وبعض الشخصيات العسكرية والأمنية في تركيا كعنوان لتنظيم سري يهدف للإطاحة بحكم العدالة والتنمية في تركيا.

(54) Şener Aktürk,. Op. Cit., p. 69

(55) John Agnew, Geopolitics: Revisioning World Politics (London: Routledge, 2003) P. 86-93

(56) أحمد داوود أوغلو، مرجع سبق ذكره، ص.102-105

(57) Ahmet Davutoğlu, “Turkey’s Foreign Policy Vision: An Assessment of 2007”, Insight Turkey, Vol. 10, No. 1 (2008), p. 79-80

(58) يمكن الاطلاع على تفاصيل المبادرة أكثر على الموقع الرسمي لوزارة الخارجية التركية، الرابط

(59) Murat Yesiltas,”The Transformation of the Geopolitical Vision in Turkish Foreign Policy”. Op. Cit., P. 59

(60) موقع المونيتور، الرابط

(61) سونر چاغاپتاي، “السياسة الخارجية لحزب العدالة والتنمية: التسمية الخاطئة لمصطلح “العثمانية الجديدة”. متاح على معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، شوهد بتاريخ 03/12/2016

(62) أحمد داوودأوغلو، مرجع سبق ذكره، ص. 630

(63) تامر بدوي، “تركيا وجيوبوليتيك الطاقة: الخيارات المحتملة بعد الأزمة الأوكرانية”، شوهد بتاريخ: 29/11/2016 الرابط

(64) Emre Erşen. Op. Cit., p.38

(65) http://www.turkpress.co/node/26920

(66) http://www.bp.com/en_az/caspian/operationsprojects/Shahdeniz/SDstage2.html

(67) أحمد داوود أوغلو، مرجع سبق ذكره، ص 637

(68) أحمد داوود أوغلو، مرجع سبق ذكره، ص 641

(69) لمزيد من التفاصيل، أنظر: بوحنية قوي، إفريقيا في الاستراتيجية التركية الجديدة، مركز الجزيرة للدراسات، تمت الزيارة بتاريخ 10/11/2016

(70) أحمد داوود أوغلو، مرجع سبق ذكره، ص. 643-644

(71) أوركون أوشار وبراق تورنا، العاصفة المعدنية: الحرب الأمريكية-التركية، ترجمة: محمد مولود فاقي (دمشق: نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، 2006)، ص. 352

(72) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close