fbpx
دراساتالحركات الإسلامية

الحركات السلفية المصرية وثورة يناير 2011 (1)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

كان المنعطف الأخطر الذي واجه جماعات ورموز التيار السلفي في مصر، هو منعطف ٢٥ يناير ٢٠١١ وما تلاها من وقائع، خاصة الانقلاب العسكري في ٣ يوليو ٢٠١٣، فقد فتحت تلك الأحداث الباب على مصراعيه أمام اختيارات وممارسات جديدة، وتحالفات غير مسبوقة، لم تكن تلك الجماعات والرموز قد أعدتْ لها أو مارستْها أو درستها من قبل؛ مما أدى إلى تخبط نتجتْ عنه تغييرات عدة في الخريطة السلفية المصرية.

بعد ثورة 25 يناير، ظهرت الأحزاب السياسية السلفية المختلفة بدون إعداد كافٍ أو نظر متأنٍّ أو خبرة سياسية، مما أوجد اضطراباً في الممارسة أنتج تنافساً سياسياً مشحوناً، وأفرزت مواقف وبيانات وتصريحات بعض الأحزاب السلفية بإزاء التحالف مع الجيش أو بعض الأحزاب العلمانية أو ردة أفعالهم تجاه الأحداث الجارية المتتابعة، ردوداً بالإنكار من البعض الآخر، حتى تطور الأمر إلى التبديع والوصف بالنفاق واتّباع الخوارج، وغيرها من الاتهامات بين الجماعات السلفية.

وتبدلت مواقف شخصيات وجماعات سلفية إلى النقيض دون تبرير واضح لأتباعهم، الذين عد بعضهم ذلك رجوعاً عن الحق و”انتكاسة”.

وقد ظهرت آثار قلة الخبرة السياسية في تعامل التيارات السلفية مع المجلس العسكري أثناء الفترة الانتقالية التي أعقبت تنحّي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك واستمرت حتى تولي الرئيس السابق محمد مرسي، فقد نجح المجلس العسكري في احتواء فريق من السلفيين، وفي تحييد فريق آخر، وفي إضاعة وقت فريق ثالث، وكانت قلة من السلفيين مَن تعدّه خصماً للثورة.

هذا باختصار شديد ما ساد المشهد السياسي السلفي من ملامح بعد الثورة، والذي انتهى بانحسار الجماعات والرموز السلفية بصورة كبيرة عن المشهد.

تصلح الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير في مصر كإطار لدراسة عدة ظواهر، لما تميزت به من مناخ حرية، ولما فتحته من أبواب العمل السياسي والمشاركة المجتمعية للجميع بلا استثناء، ومن تلك الظواهر التي من المهم دراستها ظاهرة التيارات السلفية وتعاطيها السياسي مع الثورة المصرية[1].

عند الحديث عن التيارات السلفية وثورة 25 يناير، من المهم استدعاء واستصحاب واقع العلاقة بين التيارات الإسلامية المصرية، فهي الأساس لفهم وتفسير ما حدث بين التيارات السلفية والرئيس محمد مرسي، أو بينها وبين حزب الحرية والعدالة الإخواني، أو ما حدث بينها وبين حزب البناء والتنمية، أو داخل الإطار السلفي نفسه، وغير ذلك، فإن هذه كلها تُعد من أشكال العلاقات داخل التيارات الإسلامية وإن اتخذت أشكالاً جديدة وتحركت في مساحات أوسع، فهذه العلاقات لم تنشأ بعد الثورة المصرية عام 2011، بل لها جذور قديمة تمتد إلى الستينيات من القرن الماضي، ومرت بمنعطفات كثيرة وتراكمت خلالها مواقف عدة أثرت بعد ذلك على الأداء السياسي السلفي.

من الممكن أن نضرب مثلاً على ذلك بالقيادي بجماعة الدعوة السلفية الطبيب (ياسر بُرهامي)، الذي ربط أثناء فترة حُكم مرسي، بين الواقع وأداء جماعة الإخوان السياسي وبين موقف قديم حدث له وهو طالب، وذلك أن طلاب الإخوان المسلمين في السبعينات ألقوه خارج المسجد -على حد قوله- وعقّب قائلاً “لا أنسى”. واستنتجَ برهامي من هذا الموقف القديم خلاصة تقول: “الوسيلة الصحيحة لحسن العلاقة مع الإخوان هي الوجود القوي”[2].

لذلك لعل شكل العلاقة السلفية، ومحددات العلاقة بين التيارات السلفية وغيرها من التيارات الإسلامية، هو أمر من المهم رصده لمزيد من الفهم والتحليل لمواقف التيار السلفي السياسية بعد الثورة.

إضافة إلى ذلك، فإن ظروف النشأة، ومناهج التفكير، ومساحات الاتفاق والاختلاف، هي من وجهة نظر الكاتب مؤثرة نوعاً ما في فهم وتحليل المواقف التي حدثت بعد الثورة، والتي لم تكن فقط محصورة في تحليل أحادي البُعد كبعض التحليلات التي تعزو مواقف التيار السلفي إلى العمل لصالح دول خارجية كالسعودية أو الإمارات، أو جهاز الأمن والمخابرات، أو غير ذلك من التحليلات الأحادية، بل وُجدت عوامل مؤثرة ومتداخلة من المهم رصدها وتحليلها من أجل فهم أعمق ومركب لهذه الظاهرة.

في ضوء هذه العوامل تتناول هذه الدراسة الظاهرة السلفية وكيف تعاملت مع أحداث الثورة المصرية، مستخدمةً منهجاً تاريخياً تحليلياً، عن طريق سبر مواقفها من بعض الأحداث المفصلية في الفترة ما بين انطلاق الثورة نفسها في الخامس والعشرين من يناير عام 2011م، وإلى حدوث الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013، وما آلت إليه أوضاع التيارات السلفية بصورة عامة بعد انقلاب يوليو وإلى وقت قريب، مع تحليل ذلك في محاولة لاستشراف وضع التيارات السلفية وشكلها في المستقبل القريب.

وقد اشتملت الدراسة على ستة مباحث، وهي كما يلي:

المبحث الأول: السلفية في مصر.. النشأة والمفهوم والفكر

وفيه ثلاثة مطالب:

-المطلب الأول: بيئة النشأة.. الظروف الاجتماعية والسياسية

-المطلب الثاني: مفهوم السلفية وتطوره في الواقع المصري

-المطلب الثالث: الفكر السلفي.. المتفق والمختلف عليه

المبحث الثاني: الخريطة السلفية عشية الثورة المصرية

وفيه مطلبان:

-المطلب الأول: خريطة التيارات السلفية قبيل الثورة

-المطلب الثاني: شبكة العلاقات السلفية عشية الثورة

المبحث الثالث: الحركات السلفية من الثورة حتى تولي مرسي

وفيه مطلبان:

-المطلب الأول: التيارات السلفية.. توابع زلزال الثورة

-المطلب الثاني: التيارات السلفية واختيارات ما بعد الثورة

المبحث الرابع: الحركات السلفية منذ تولي مرسي الرئاسة وحتى الانقلاب

المبحث الخامس: الحركات السلفية بعد انقلاب 3 يوليو

المبحث السادس: حازم أبو إسماعيل وتشكُّل التيار الإسلامي الثوري

استنتاج واستشراف: مستقبل التيار السلفي في مصر

المبحث الأول: السلفية في مصر.. النشأة والمفهوم والفكر

المطلب الأول: بيئة النشأة.. الظروف الاجتماعية والسياسية

كان سقوط الدولة العثمانية وتفككها، وتفشي مظاهر التغريب في المجتمع فكرياً وأخلاقياً، عاملَين مهمين ببعدهما السياسي والاجتماعي في ظهور جماعات إسلامية جديدة منظمة في المجتمع المصري، تدعو وتعمل من أجل إعادة الخلافة الإسلامية والعودة إلى التزام تعاليم الإسلام في المجتمع، وذلك في بدايات القرن العشرين، وأشهرها ثلاث جماعات باقية حتى الآن، الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وأنصار السنة المحمدية، والإخوان المسلمين، وظهرت جمعيات إسلامية أخرى في ذلك الحين، ولكنها لم تكن بحجم تأثير هذه الجماعات، وكانت جماعات متنوعة البرامج والوسائل… وتشير بعض المصادر إلى أن عدد الجمعيات الدينية بلغ في تلك الأثناء 135 جمعية[3].

ابتعدت أغلب الجماعات الإسلامية عن الاصطدام المباشر مع السلطة، وآثرت أن تشتغل بالدعوة بمعناها الخاص والضيق وتترك الحياة السياسية والمشاركة فيها، إلا جماعات قليلة أبرزها الإخوان المسلمون، فقد كان احتكاك الإخوان المسلمين بالسلطة يزداد حدة يومًا بعد يوم، الأمر الذي وصل إلى ذروته الأولى باغتيال مؤسسها حسن البنا عام 1949م، ثم حدث انقلاب يوليو 1952 وآل الحكم إلى الضباط الأحرار، وزادت الخلافات بينهم وبين الإخوان شيئًا فشيئًا، حتى صدر قرار بحلّ الجماعة في 14 يناير 1954م واعتقل حوالي 450 من أعضائها، ثم صدر بعد ذلك في 25 مارس من نفس العام قرار آخر بعودة الجماعة وأفرج عن أعضائها، وفي 26 أكتوبر من نفس العام حدثت محاولة اغتيال فاشلة لعبد الناصر قيل إنها بواسطة الإخوان، وحُكم بالإعدام على ستة من الإخوان في 8 ديسمبر 1954، وعلى ألف آخرين بالسجن، واعتقل الآلاف من أعضاء الجماعة، مع ممارسة التعذيب ضدهم داخل السجون. ثم ظهر تنظيم جديد بقيادة فكرية لسيد قطب، واعتُقل قطب في 9 أغسطس 1965، ووجه عبد الناصر إلى التنظيم تهمة التآمر والتخطيط لاغتياله وقلب نظام الحكم، وصدر الحكم بإعدام ثلاثة بينهم سيد قطب، واعتُقل أكثر من عشرين ألفًا وعُذبوا بقسوة[4].

وفي عهد عبد الناصر، لم يكن هناك أثر أو إشارة إلى أي مظاهر لنشاط إسلامي سياسي، فقط كانت هناك بعض الأنشطة التقليدية، مثل دروس الفقه والتفسير أو التعريف بالتراث، وكانت تخضع لرقابة صارمة، وكانت هذه النشاطات لجمعيات وأفراد ممن يهتمون بتعليم الناس العبادات ويحثونهم على التزام الأخلاق وتزكية النفس، وكان من أهمها الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة، وجماعة أنصار السنة، وعدد قليل من الجمعيات الدينية التي لم تطلها حملة النظام الناصري على الإسلاميين[5].

ثم جاءت هزيمة 1967م، وهُزم الجيش المصري على يد الكيان الصهيوني، واحتُلت سيناء، وكانت هذه النكبةُ صدمةً عنيفة للناس، ولّدت حالة من الرجوع إلى الله، وجعلت الناس تتجه إلى ارتياد المساجد واللجوء إلى التمسك بالدين، والعودة العميقة إلى الله [6]، وانهار المشروع القومي الناصري الذي كان يطرح العروبة والوطنية الجامعة -حسب مفهومه الخاص- قاعدةً للتعايش بين مختلف طوائف الشعب المصري، ومع فقدان الثقة في هذا الطرح وهذا المشروع توجهت طائفة من الشباب المتحمس إلى مراجعة أدبياتها الإسلامية وإعادة التعرف عليها بعيداً عن أي توجيه من الحركات الإسلامية الأقدم والأكبر مثل الإخوان المسلمين الذين كانوا غائبين عن الساحة تماماً داخل السجون[7].

وكان من آثار الهزيمة أن بدأ النظام الناصري في تخفيف القبضة الأمنية الشديدة عن الناس؛ فبدأت الدروس الدينية في الانتشار، وبزغ عدد من العلماء الذين نشطوا في هذه الفترة من أواخر الستينيات، واستقطبت دروسهم الجماهير… وانتعشت المساجد بعد أن ارتفعت عنها القبضة الأمنية أكثر حين مات الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر عام 1970[8].

وحين تمكن السادات من التخلص من الناصريين واليساريين الذين حاولوا تحجيم دوره أو إبعاده في مايو 1971، كان يدرك وجود قطاع مؤيد لهم، فرأى ضرورة السعي لتكوين جبهة مضادة تناصره وتحافظ على الموازنة السياسية، وبخاصة أنه لم تكن له هوية سياسية قبل توليه الحكم أو شعبية تناصره، فبدأ السادات في الإفراج عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين شيئًا فشيئًا، ومزج خطبه بآيات من القرآن، وأعلن عن عزمه تكوين دولة العلم والإيمان، وقرب منه بعض المتدينين، وخرج دستور 71 ونُص فيه على أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وجاءت انتصارات حرب أكتوبر سنة 1973 وما سبقها من إعداد وما تضمنته من تأثير ديني[9].

وشهدت هذه الفترة تناميًا متزايدًا في الدعوة الإسلامية بالجامعات، بعد أن كان النشاط الطلابي في قبضة الطلبة اليساريين وحدهم [10]، ثم بدأ هؤلاء الشباب ينظمون العمل الإسلامي بينهم عام 1971م، فتأسست لجنة التوعية الدينية وكانت تابعة للجنة الثقافية في الاتحاد، ولم يكن لهؤلاء الطلاب وقتها تصور معين أو رؤية دينية محددة، بل كان يجمعهم لواء الدعوة الإسلامية وفضاؤها الواسع [11].

وافق ظهور النشاط الديني في جامعة القاهرة ظهور بوادر نشاط ديني في جامعة الإسكندرية، فظهرت جماعة الدراسات الإسلامية، ثم الجماعة الدينية، من خلال الشباب الجامعي في بعض الكليات، والتي خاضت انتخابات الطلاب فحققت نجاحًا كبيرًا سيطرت به على اتحاد الطلاب، ومن خلال العمل داخل اتحاد الطلاب على مستوى الجمهورية تقاربت قيادات “الجماعة الإسلامية”[12] في القاهرة والجماعة الدينية في الإسكندرية، ومع تبادل الزيارات والتنسيق فيما بينهم اتفقوا على تجميع أمراء الجماعة الإسلامية في جامعات مصر كلها، تحت اسم (الجماعة الإسلامية) واختيار أمير لها[13].

بعد خروج قيادات الإخوان المسلمين من المعتقلات في بدايات السبعينيات، ورؤيتهم لهذه “الصحوة الإسلامية”، شرعوا في التواصل مع رموز “الجماعة الإسلامية” بالجامعات للتعاون والانضمام للإخوان المسلمين الذين كانوا يحاولون القيام بالتأسيس الثاني للجماعة، ووافق على ذلك أغلب القيادات الطلابية بـ”الجماعة الإسلامية”، ولكن رفضت بعض قيادات الصف الثاني من قيادات الجماعة الإسلامية الانضمام للإخوان المسلمين؛ فقد طلبت الكوادر الإدارية في الجماعة الإسلامية بالجامعة من المجموعة التي كوّنت جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية بعد ذلك «مبايعة المرشد، فرفض الشيخ محمد إسماعيل المقدم، وكذا مشايخ الدعوة السلفية، ثم بدأ تأسيس المدرسة السلفية»[14]، وهو الاسم القديم لجماعة “الدعوة السلفية”، ورفض الاندماج كذلك مَن كوّنوا بعد ذلك تنظيم الجماعة الإسلامية (الموجودة الآن وأبرز قياداتها طارق الزمر وعاصم عبد الماجد)، وكان مقرهم الأساسي في صعيد مصر، ثم انتشروا في القاهرة وعدة محافظات أخرى لاحقاً.

وقد تكونت النواة الأولى لجماعة الدعوة السلفية، تحت اسم “المدرسة السلفية” عام 1977م؛ حيث شرع محمد إسماعيل المقدم في تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس [15]، وتلاحقت الأحداث، فدخل عدد من قيادات الجماعة السجن ضمن أحداث سبتمبر1980 التي سُجن فيها رموز من مختلف الحركات الإسلامية، ولم يبقَ في الخارج إلا سعيد عبد العظيم وأبو إدريس وياسر برهامي، فتعاونوا سويًّا «إلى أن خرج الإخوة المحبوسون» [16].

وفي عام 1982م تغير اسم الجماعة من (المدرسة السلفية) إلى (الدعوة السلفية)، وأخذت الجماعة في الانتشار والتوسع ثم أنشأت (المجلس التنفيذي) ليدير شؤون الدعوة في المناطق المختلفة، كل ذلك من 1986 إلى 1992، ثم كانت القضية التي اعتُقل فيها (قيّم الجماعة) أبو إدريس محمد عبد الفتاح وسعيد عبد العظيم عام 1994، وأوقفت مجلة صوت الدعوة، وأغلق معهد إعداد الدعاة، كما جرى حل المجلس التنفيذي، واللجنة الاجتماعية، ولجنة المحافظات، ولم يبق للجماعة سوى أنشطة الجامعة والطلائع، وهو ما لم يُعترض عليه من قِبل الأجهزة الأمنية في هذه الفترة -كما يقول القيادي الأهم بالجماعة ياسر برهامي- وظل مستمرًّا حتى عام 2002، العام الذي مُنعت فيه الجماعة عن العمل في الجامعة والطلائع أيضًا إضافة للعمل خارج الإسكندرية، مع اعتقال بعض القيادات من الصف الأول والثاني[17].

واستمرت الجماعة قبيل الثورة في العمل داخل الإسكندرية، في صورة دروس وخطب بمساجدها، وتجمُّع للاعتكاف خلال شهر رمضان، وما شابه ذلك من أنشطة.

خارج الجامعات وفي هذه الحقبة الزمنية بدأ بعض الشباب المتدين السفر لتلقي “العلوم الشرعية” عن المشايخ أصحاب التوجه الفكري السلفي في المملكة العربية السعودية، كعبد العزيز بن باز، ومحمد صالح العثيمين، وكذلك في اليمن في دار الحديث التي كان على رأسها مؤسسها مقبل بن هادي الوادعي في مدينة “دماج”، وأيضاً الأردن على يد محمد ناصر الدين الألباني.

وقد عاد هؤلاء ليؤسسوا مدارس سلفية فردية في محيط مسجدهم، وتنقّلوا لإلقاء المحاضرات في مساجد رئيسية تابعة لأقرانهم من طلاب العلم السلفيين في المحافظات المختلفة، وبدأ الشباب يُقبلون عليهم لتلقي العلم الشرعي وحضور الخُطب.

نشأت بعض القيادات السلفية في محاضن جماعة أنصار السنة المحمدية، ثم تركوها بعد ذلك وأكملوا طريقهم الدعوي منفردين، وبعضهم أكمل دعوته في نطاق الجماعة، وبعض القيادات وصل إلى الفكر السلفي بصورة منفردة عن طريق قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، ثم بدأ يمارس دعوته ويكوّن حوله مجموعة من الطلاب والمريدين، وبعضهم نشأ بصورة مختلفة، ونشير هنا إلى أن ظروف تكوُّن الجماعات والتنظيمات والمدارس الصغيرة السلفية هي ظروف مختلفة للغاية ويصعب رد نشأة التيار السلفي إلى ظروف واحدة.

وفي المجمل حدثت خلال الانفتاح الساداتي انتعاشة سلفية استمرت حتى عصر حسني مبارك، وإلى قبيل ثورة 25 يناير، وتخلل هذه الفترة انشطار التيارات السلفية وتنوعها بصورة كبيرة وتشكُّل معالم كل “مدرسة” فيها سواء كانت جماعة أو شخص، وهو ما سنتعرض له بشيء من التفصيل فيما يأتي.

المطلب الثاني: مفهوم السلفية وتطوره في الواقع المصري

“السلفية” تُطلق ويراد بها طريقة السلف في التدين، فمن يدعو إلى السلفية يقصد أن يقتدي الناس بطريقة السلف في فهم الدين والتمسك به والعمل به [18].

وكلمة السلف لغةً تعني: “الذين مضوا”[19] وجاءت في القرآن الكريم قريبة من هذا المعنى أي بمعنى ما سبق وما مضى: {عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ} [20]، وفي السنة النبوية: “أسلمتَ على ما سلف من خير”[21].

و يذكر علماء الشريعة أن “المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة، وعُرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفاً عن سلف، دون من رُمي ببدعة، أو شُهر بلقب غير مرضي، مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرّامية[22].

يقول المستشرق الفرنسي هنري لاووست: “ولقد بدأت الحاجة إلى الانتساب للسلف حين تفرقت الأمة الإسلامية، وتعددت الاتجاهات الفكرية فيها حول أصول الدين، مما دعا علماء الأمة الأثبات وأساطينها الأعلام لتجريد أنفسهم لتلخيص وترتيب الأصول العظمى والقواعد الكبرى للاتجاه السلفي، والمعتقد القرآني النبوي، ومن ثم نسبته إلى السلف الصالح؛ لقطع الباب على كل من ابتدع بدعة اعتقادية وأراد نسبتها إليهم، حتى كانت النسبة إلى السلف رمزاً للافتخار، وعلامة على العدالة في الاعتقاد [23]“.

وقد كان القطر المصري أحد الأقطار التي ظهرت فيها تلك المحاولات الإحيائية، فقد قام السيد جمال الدين الأفغاني بتحريك الماء الراكد في الساحة المصرية في أول زيارة له إليها عام ١٨٧٠م، ثم في الزيارات التالية، وتتلمذ على يد الأفغاني عدد كبير من المصريين، منهم الشيخ محمد عبده، وكان لتلميذ محمد عبده، الشيخ محمد رشيد رضا، الدور الأبرز في هذه المرحلة على صعيد نشر الثقافة السلفية، فقد أعاد إحياء تراث ابن تيمية وابن القيم، وأسس مدرسة الدعوة والإرشاد التي تبث المفاهيم والدراسات الإسلامية بخلفية سلفية، وغير ذلك من جهود أدت إلى ازدهار مبادئ الدعوة السلفية بصورة علمية ومحددة أكثر في أوائل القرن العشرين في المجتمع المصري، إضافة إلى أنه نشَر أدبيات الدعوة الوهابية ودافع عنها في مجلة المنار وجريدة الأهرام[24].

تميز مفهوم السلفية عند رشيد رضا بكونه مشروعاً إحيائياً للأمة الإسلامية، مستندًا إلى مبادئ الدين الخالية من الخرافات المنتشرة بكثرة حينها، ومسلطاً للضوء على مركزية الخلافة الإسلامية في الخطاب الدعوي، واتصف منهج رضا بالاجتهاد العقلي وإعمال الرأي متأثرًا بشيخه محمد عبده [25].

وكان لمحب الدين الخطيب دوره البارز الذي لا يمكن إغفاله بهذا الصدد، وخاصة من خلال المكتبة السلفية، وكذلك الشيخ محمد حامد الفقي وأحمد شاكر وغيرهم، وقد نشأ في خضم هذه “اليقظة السلفية” الشيخ حسن البنا، والذي تتلمذ على يد الشيخ محمد رشيد رضا، وفتح له محب الدين الخطيب أبواب مجلة الفتح، وحوّل البنا هذه اليقظة العلمية إلى محاولة إيقاظ عملية إسلامية، فأسس جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت “دعوة سلفية لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وطريقة سُنية لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً”، كما يقول البنا[26].

وقد كان التيار السلفي في نشأته تلك منفتحاً على جميع الكُتاب والمفكرين والجمعيات، ومتقبلاً لجميع الجهود والمشاركات الأخرى، ومستوعباً لأي خلاف في الفكر تحت مظلة الحضارة الإسلامية الواسعة، لكن تطور معنى السلفية شيئاً فشيئاً، فتحولت من إطار فكري إسلامي حضاري جامع إلى مجموعة اختيارات ومظاهر شكلية، وأُخرجتْ كثير من الشخصيات والجماعات الإسلامية من مظلة السلفية الحديثة على يد شخصيات وجماعات سلفية [27].

فانشطرت السلفية في مصر بالنظر إلى منهج التغيير، إلى سلفية دعوية تنشغل بالجانب الدعوي ولا تتدخل في السياسة، وترى أن الدعوة هي طريقة التغيير الهادئة والأنسب، وسلفية جهادية ترى أن المجتمع لن يتغير إلا بالحركة المسلحة ومقاومة الحكام للتمكن من إزالة أنظمتهم والحكم بالشريعة الإسلامية، والسلفية الحركية التي ارتأت أهمية الانشغال بالسياسة الشرعية وتبني النهي عن مخالفات الحكام علانية وتدعو إلى تحكيم الشريعة ومنابذة من ينحيها، ومَن هم خارج هذه التقسيمات أُطلق عليهم السلفيون المستقلون أو السلفية المستقلة، الذين اختاروا عدم الانضمام إلى أي تجمع والانخراط في العمل الدعوي بصورة فردية، عن طريق الدروس الدينية وخطبة الجمعة والقنوات الفضائيات الإسلامية.

وظهر تقسيم آخر ذو بعد جغرافي، فأصبحت هناك سلفية الإسكندرية، وسلفية القاهرة، والأول يشير بالخصوص إلى جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية والتي انبثق عنها بعد ذلك حزب النور، وسلفية القاهرة والتي انبثق عنها بعد ذلك حزب الأصالة ثم الفضيلة، وكان هذا التقسيم مشهوراً في الحقل السلفي.

ومع وضوح هذه التقسيمات إلا أن بينها جميعاً نوع تداخل ومساحات رمادية، حتى الأسماء التي تنوعت بين سلفية علمية أو دعوية أو حركية أو جهادية شهدت الحدود بينها سيولة كبيرة، وفي كثير من الأحيان لا يوافق المُتَسَمَّون بوصف منها على نسبة أنفسهم لهذه التسمية، وعلاوة على ذلك فهذه التقسيمات لا تحصِي تكوينات جميع السلفيين أيضاً؛ فالتيار السلفي تيار ضخم ومتشعب، ويضم بخلاف المذكورين مجموعات صغيرة أخرى في بعض المحافظات والمدن لها اختياراتها الخاصة وإن كانت تشترك في المعالم الرئيسية للجماعات السلفية، ولكنا نذكر هنا أبرز الفاعلين مستخدمين أشهر الأسماء التي أُطلقت عليها. فأسماء المجموعات السلفية ليست محل إجماع باستثناء الجماعات التي تطلق على نفسها هذه الأسماء كجماعة الدعوة السلفية وأنصار السنة، في حين أن السلفية الحركية لا تسمي نفسها كذلك، والسلفية السرورية لا ترضى بهذا الاسم على سبيل المثال، وإنما أطلقَ عليها ذلك الاسم لتمييزها عن غيرها لا غير.

المطلب الثالث: الفكر السلفي.. المتفق والمختلف عليه

تشترك التيارات السلفية المصرية في كثير من مساحات الفكر، وتختلف في مساحة أقل، وهذه المساحة على رغم عدم اتساعها إلا أنها أثرت بصورة كبيرة في واقع التيارات السلفية، سواء في علاقة هذه التيارات البينية، أو في علاقتها بالسلطة والمجتمع.

فقد اتفقت التيارات السلفية على “قواعد الاستدلال”، من تقديم النقل على العقل[28]، ورفض التأويل الكلامي[29]. والاستدلال بالآيات والأحاديث[30]، والتمسك بفهم الصحابة للكتاب والسنة[31].

وكذلك اتفقوا على “الأصول العلمية”، كالعقيدة أو التوحيد[32]، الذي قسموه إلى الإيمان بالأسماء والصفات[33]، وتوحيد الربوبية[34]، وتوحيد الألوهية[35]. والأصل الثاني: الاتِّباع[36]، والأصل الثالث، التزكية[37].

واختلفوا حول بعض مسائل “الحاكمية” أو “الحكم بما أنزل الله”، فقد اتفقوا على الإيمان بأن الحكم لله، لكنهم اختلفوا حول النظرة إلى الحُكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية وكيفية التعامل معهم؛ فمن قائل أقصى اليمين بأنهم ولاة أمر تجب طاعتهم، كالسلفية المدخلية، ومن قائل أقصى اليسار بكفرهم ووجوب قتالهم، كالسلفية الجهادية، ومن رأي وسط يقول بأنهم مستحقون للخروج عليهم لكن عند القدرة على ذلك كما كان رأي جماعة الدعوة السلفية السكندرية.

واتفقوا على أصل الولاء والبراء لكن اختلفوا في بعض مسائله كحكم موالاة بعض الحكام لأمريكا والكيان الصهيوني وما يترتب على ذلك، فمِن قائل إن ذلك معصية لا تُغير من وجوب طاعة الحُكام على الرعية، ومن قائل بأن هذه موالاة مُكفّرة للحاكم تُسقط شرعيته، واختلفوا كذلك في بعض مسائل الإيمان والكفر، كحكم تارك الصلاة، وهي المسألة التي اختلفت فيها سلفية الإسكندرية خاصة ياسر برهامي، مع سلفية القاهرة برموزها محمد عبد المقصود وفوزي السعيد وغيرهما، وكذلك كانت مسألة خلافية بين برهامي من ناحية وفوزي السعيد وطلبة علم حركيين من ناحية أخرى حول حُكم ترك أعمال الجوارح كاملة، أو المسألة التي اشتُهرت بمسألة “جنس العمل”، وقد أخذت حيزاً من الأخذ والرد خاصة على شبكة الإنترنت عام 2006 على بعض المنتديات الإسلامية كملتقى أهل الحديث وأنا المسلم، وألّف فيها برهامي كتاباً بعنوان: قراءة نقدية لبعض ما ورد في كتاب ظاهرة الإرجاء[38].

واختلفوا كذلك حول مسألة “العمل الجماعي” وأبرز من نظّر لها قبل الثورة جماعة الدعوة السلفية التي انبثق عنها حزب النور لاحقاً، وملخصها من وجهة نظرهم أن هذا الزمان لا توجد به حكومة مسلمة تطبق الإسلام، وأن الواجب على المسلمين تنصيب خليفة أو إمام لهم، وبما أنه لا يوجد خليفة أو إمام، وأن الغرض من الإمامة هو “إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين”، فلابد أن يقوم المسلمون ولاسيما العلماء منهم بإقامة هذه الواجبات الشرعية على قدر استطاعتهم؛ وهي في أكثرها لا يمكن لفرد ولا لأفراد متفرقين القيام بها، وذلك مثل: إقامة الجُمَع والجماعات والأعياد، وتعليم المسلمين حتى يوجد العلماء المجتهدون في كل مكان، والحسبة، والجهاد بنوعيه الدفع والطلب، والحكم بين الناس بمقتضى الشريعة الإسلامية، وتنفيذ هذه الأحكام من حدود وحقوق وتعزيرات وغيرها، ونظام المال الإسلامي القائم على سد حاجات المسلمين، ووجود أنواع المهن والصناعات التي يحتاج إليها المسلمون، وهذه الواجبات لا تُقام إلا بالتعاون، ولا يتم التعاون والاجتماع إلا بقيادة وطاعة وجُندية، فالصورة المثلى -كما تقرر الجماعة- لعودة الخلافة من غيبتها، أن يكون أهل الحل والعقد من أهل السنة والجماعة مجتمعين على مُطاع، وهو أمثل أهل العلم منهم، للقيام بالمقدور عليه من فروض الكفاية؛ فإن تعذر ذلك استقل كل أهل بلد بعالمهم إلى أن يتيسر جمعهم[39].

وقد اختلفت بقية التيارات السلفية مع مفهوم العمل الجماعي عند سلفية إسكندرية، واتهموا ياسر برهامي بأنه يأخذ البيعة من طلابه وتابعيه على أساس أنه “أمثل أهل العلم”، وقد أنكر برهامي ذلك الأمر وقال: “ليس عندنا بيعة، وإنما نرى تحقيق التعاون على البر والتقوى”[40].

كذلك اختلفت التيارات السلفية حول مسألة “العذر بالجهل[41]، وكيفية تنزيل مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[42]، وكذلك مسائل تتعلق بـ”فقه الجهاد”[43].

وقد كان لهذه الاختلافات صدى كبير في الواقع بعد الثورة المصرية من جهتين، الجهة الأولى أن هذه المسائل أثارت منذ طرحها قديما خلافاتٍ وردوداً بين الجماعات والرموز السلفية، ورمى بعضهم الآخر بالبدعة أو الجهل أو الضلالة، فأثَّر هذا على نفسية كل فريق تجاه الآخر، وتكونت على مرِّ السنين “رواسب من الكراهية” بينهم إن صح التعبير، ومن جهة ثانية فإن الوقائع التي استجدت بعد الثورة اندرجت ضمن تصور كل فريق لمسائل الإيمان والحُكّام والجهاد والحسبة، فاختلفت اختياراتهم بطبيعة الحال، وهو اختلاف متأثر بثقافة معينة في الرد على المخالفين تنحى منحى الشدة والقطيعة وإعلان البراءة من المخالف أو قوله.

المبحث الثاني: الخريطة السلفية عشية الثورة المصرية

قبيل اندلاع ثورة 25 يناير، كان واقع التيارات السلفية المصرية أكثر استقراراً وهدوءاً مقارنة بواقعها بعدها، ولعل السبب الرئيس في ذلك هو حالة الركود السياسي التي كانت سائدة آنذاك، وانشغال كثير من التيارات بمشاكلها سواء الداخلية أو التي كانت بينها وبين الدولة المصرية، إضافة إلى الانشغال الدعوي والعمل الخيري، والإحجام شبه التام عن السياسة، وذلك بعد تقليم أظافر التيار أمنياً بعزل جميع الناشطين السياسيين داخله، بإيقافهم عن مزاولة نشاطهم أو باعتقالهم.

كانت ملامح واقع التيارات الإسلامية قبيل الثورة مباشرة تتلخص بإيجاز شديد في دخول جماعة الإخوان المسلمين في صراع سياسي مع نظام حسني مبارك بلغ أوجه في معركة انتخابات مجلس الشعب قبل الثورة مباشرة عام 2010، وواجهت الجماعة على صعيد آخر بعض الأصوات الداخلية المطالبة بالإصلاح والتي اعترضت على بعض توجهات “المحافظين” بالجماعة، وتجلى ذلك في خروج القيادي البارز عبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الإرشاد، وفي ظهور عدة مدونات إلكترونية شبابية تنتقد القيادات التاريخية والتيار المحافظ بالجماعة، وانشقاقات بعض أعضائها.

أما تنظيم الجهاد وكذلك الجماعة الإسلامية فقد نجح نظام مبارك في توجيه ضربات متتالية شديدة القسوة لهما، وكان عليهما بالكاد أن يلملما جراحهما وأن يعيش أفرادهما المفرج عنهم بأمان خارج المعتقلات بعد مراحل تقديم المراجعات، أو محاولة توفير ظروف أفضل لعناصرها داخل السجون.

أما على صعيد التيارات السلفية -موضوع الدراسة- فكانت بين موقوف عن ممارسة الدعوة، ومعتقل، وهذا بالنسبة إلى مَن يُطلق عليهم “السلفية الحركية” مثل “سلفية القاهرة”، كفوزي السعيد ومحمد عبد المقصود ونشأت أحمد، وسائر السلفيين المهتمين بالوضع السياسي والشأن العام، وما بين دعاة قد أعرضوا عن السياسة ومتاعبها وانشغلوا فقط بالدعوة إلى “الفضائل” وأفلتوا بذلك من القبضة الأمنية على الرغم من أنه ليس إفلاتاً كاملاً، وهم من عُرفوا بـ”السلفية الدعوية” أو “السلفية العلمية”، كسلفية الإسكندرية، والمشايخ المستقلين كأبي إسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان، وما بين سلفية مدخلية جعلت جُل همِّها الهجوم على الحركات الإسلامية والمنشغلين منها بالعمل السياسي والدفاع عن “ولي الأمر” حينها -محمد حسني مبارك- والحث على طاعته وعدم الخروج عليه، كمحمد سعيد رسلان وطلعت زهران ومحمود لطفي عامر ومحمد إبراهيم، وما بين مجموعات صغيرة وأفراد مستقلين يقومون بعمليات مسلحة تستهدف النظام ومصالحه وهم من عُرفوا بالسلفية الجهادية.

واستمرت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة (عند من يعدها سلفية) في عملها الخيري النشط والهادئ وفي الدعوة من خلال خطبائها ومعاهدها الشرعية، شأنها شأن “أنصار السنة المحمدية” التي انشغلت بالدعوة إلى “المنهج السلفي” من وجهة نظرها، مع حث أتباع لها من حين لآخر على طاعة أولي الأمر، خاصة من تأثر منهم بالتيار المدخلي، كالقيادي بالجماعة عادل السيد الذي ألّف قبل الثورة بعامين كتاباً استعرض فيه كيف حثَّ شيوخ الجماعة على مرّ السنين على طاعة ولي الأمر “رئيس البلاد”[44].

وقد عملت الأجهزة الأمنية خلال عهد حسني مبارك على تقليم أظافر التيارات السلفية وضبط ممارساتها، دون تركها بحرية تامة، وبلا منعها كلياً أو القضاء عليها؛ بل يبدو أن نظام مبارك قد رأى في وجودها فائدة له في مواجهته للتيار الجهادي (جماعة إسلامية- تنظيم الجهاد- جهاديي سيناء) من جانب، والإخوان المسلمين من جانب آخر؛ سواء بتنسيق الأجهزة الأمنية بصورة مباشرة مع بعض التيارات السلفية كما هو الحال مع السلفية المدخلية التي لا تجد أي نقيصة في معاونة الأجهزة الأمنية بصفتها تمثل “ولاة الأمور”، أو بتركها تعمل بحُرية لما تقوم به عن قناعة شخصية بمواجهة الجماعات الجهادية والسياسية والتحذير منها لمخالفتها المنهج السلفي بحربها مع الأجهزة الأمنية واستهدافها لمؤسسات الدولة وبمشاركتها في العمل السياسي وما يتضمنه ذلك من الاعتراف بالديمقراطية والدولة المدنية، ولكن تيارات سلفية أخرى كمن عُرفوا بـ”سلفية القاهرة” كانوا لا يتعرضون للجهاديين ولا الإخوان المسلمين بالنقد اللاذع كما كانت تفعل “سلفية الإسكندرية” التي انبثق عنها حزب النور لاحقاً، ولعل ذلك يفسر منع الأجهزة الأمنية للأولى وتوقيفها، وترك الحبل على الغارب للثانية مع بعض “قرصات الأذن” الخفيفة من حين لآخر.

ومنذ مطلع الألفية الثانية، تزايد إقبال الجماهير على الاستماع إلى الرموز السلفية، حتى أصبحت مساجد المشايخ السلفيين تعج بآلاف الحضور خلال دروسهم وخطبهم؛ كالشيخ محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومحمود المصري وغيرهم، خاصة بعد أن شرعوا في الظهور من خلال القنوات الفضائية “الإسلامية” ذات الهوى السلفي، مثل قناة الناس والرحمة والحكمة، وانتشرت مظاهر اللحية وغطاء الرأس والثوب الأبيض والنقاب والإسدال والعباءة السوداء، وتميزت بعض الأحياء بالشكل السلفي، من مكتبات تبيع الكتب الدينية، ودكاكين تبيع ملابس الرجال والنساء “الإسلامية”، وعطور المسك والسواك وخلافه، كمنطقة مسجد “العزيز بالله” بحي الزيتون بالقاهرة.

وقبيل ثورة يناير، أغلقت الأجهزة الأمنية القنوات الفضائية “الإسلامية” التي كان يظهر عليها مشايخ السلفيين، واندلعت ثورة 25 يناير وحال هذه القنوات كذلك.

المطلب الأول: خريطة التيارات السلفية قبيل الثورة

جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية

حين اندلعت الثورة كانت كثير من أنشطة الجماعة قد توقفت تدريجيا منذ مطلع التسعينات، ولم يبق لها عمل تنظيمي تمارسه إلا ما كان من خلال ياسر برهامي وتلاميذه المقربين، الذين كانوا أشبه بجماعة صغيرة منظمة داخل جماعة الدعوة السلفية، واعتمدت على الكوادر الذين كانوا قد انتشروا في المحافظات في نشر مبادئ الدعوة، إضافة إلى دروس أسبوعية دون عمل تنظيمي هرمي للقيادات الأخرى كمحمد إسماعيل المقدم، وسعيد عبد العظيم، وأحمد فريد، وأحمد حُطيبة، التي استمرت كما هي في المساجد بالإسكندرية، وكذلك بعض الأنشطة كالاعتكاف السنوي وتحفيظ القرآن، إضافة إلى الأنشطة الخيرية التي لم تكن منظمة جيدًا لكنها موجودة بصورة أو بأخرى[45].

وهي جماعة سلفية تضع “العلم الشرعي” في قلب اهتماماتها وتجعله مع إصلاح النفس والمجتمع والعمل الجماعي كفيلاً بحدوث التمكين المنشود، وكانت ترى حتى قيام الثورة وبعدها بأسابيع عدم الانشغال بالعمل السياسي لأنه مضيعة للوقت وعديم الجدوى والفائدة.

وقد سُئل ياسر برهامي قبل الثورة بأربعة أيام: ما حكم المشاركة في ثورة 25 يناير؟ فكان جوابه: «نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير، وكلام المشايخ واضح جدًّا في ذلك، والأوضاع مختلفة بين مصر وتونس»[46].

تيار السلفية الحركية المصرية

هذا ما يطلقه البعض على قيادات سلفية عُرفوا أيضاً بسلفية القاهرة، كمحمد عبد المقصود، وفوزي السعيد، ونشأت أحمد، وسيد العربي، وحسن أبي الأشبال، وخالد عبد الصادق؛ لتميز منهجهم عن السلفية التقليدية الدعوية، بأنهم يهتمون بالأحداث السياسية ويتفاعلون معها، ويبدون رأيهم فيها ويعارضون الرئيس مبارك ويصرحون بذلك، وقد عُرف تكفير محمد عبد المقصود لحسني مبارك[47]، بالإضافة إلى دعمهم للبلاد الإسلامية المحتلة وحركات المقاومة بها، وقد تعرضوا للاعتقال والتعذيب بسبب ذلك في مقرات جهاز أمن الدولة.

وقد حوصر رموز وأفراد من هذا التيار كنشأت أحمد وفوزي السعيد في قضية تنظيم الوعد واعتُقل أيضاً حسن أبو الأشبال، وقبيل ثورة ٢٥ يناير مُنعوا من إلقاء الدروس والمحاضرات أو الظهور في الفضائيات، لكن ظل جمهورهم موجودًا بسبب جهدهم الدعوي السابق والتسجيلات الصوتية التي سجلوا فيها دروسهم وخطبهم السابقة على منعهم، والموجودة بكثرة على شبكة الإنترنت حينها.

وقد نأى هذا الصنف بنفسه عن نقد الشخصيات والجماعات الإسلامية الأخرى بصورة كبيرة، باستثناء بعض الحالات التي رأى فيها أن المخالف يجب التحذير منه، وأبرز مثال على ذلك سجالات محمد عبد المقصود قبل إيقافه، مع أحد أفراد التيار المدخلي حينها، أسامة القوصي -والذي تقارب حالياً مع النخبة العلمانية-والتي حظيت باهتمام الوسط السلفي ومتابعته، وقد أيّدت رموز هذا التيار المشاركة في ثورة الخامس والعشرين من يناير عند بدء ظهور الدعوات لذلك.

الرموز السلفية المستقلة

والمقصود بهم مجموعة المشايخ السلفيين الذين اهتموا بالدعوة الجماهيرية نائين بأنفسهم عن قضايا الشأن السياسي، وليس لهم عمل تنظيمي معين ولا ينخرطون في أي جماعة، هم فقط يتمحورون حول مسجد ما ويلقون الدروس الدينية وخُطب الجمعة في مساجدهم الأساسية والمساجد الكبيرة الأخرى ذات التوجه السلفي المنتشرة في أنحاء البلاد، إضافة إلى ظهورهم في الفضائيات المقربة منهم كقناة الحكمة والناس والرحمة، وكانت تُسجل دروسهم وخُطبهم لتُباع أمام المساجد وفي المكتبات ذات الهوى السلفي، ومن أشهرهم جماهيرياً: محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ومحمود المصري، ومسعد أنور، وقد وُجد أيضًا بعض الدعاة السلفيين أصحاب المدارس الفردية لكن غير منفتحين على الجماهير مثل سابقيهم، كأسامة عبد العظيم ومحمد الدبيسي.

وقد كثرت التكوينات الفردية المستقلة داخل التيار السلفي، وتعددت ظاهرة شيخ المسجد الذي يأتي إليه طلبة العلم وأفراد السلفيين من الأماكن الأخرى القريبة والبعيدة، ولعل هذا كان لانسداد الأفق التنظيمي وعدم استطاعتهم التجمع في كيان واحد، وفي نفس الوقت لوجود رغبة أمنية لبقاء التيار السلفي لكن بصورة مشتتة. أو ربما لاستعصاء العقل السلفي المعاصر على التوحد والتنسيق نتيجة الاختلافات وما رافقها من طريقة للتعاطي مع الخلاف.

التيار المدخلي/ الجامي

التيار المدخلي/ الجامي أو المدخلية/ الجامية أو المداخلة، كلها ألقاب تطلق نسبة إلى الشيخ السعودي ربيع المدخلي، ونسبة إلى الشيخ الإثيوبي الأصل والسعودي لاحقاً محمد أمان الجامي، وقد تأثر بتيارهم في مصر فريق من السلفيين، أبرز دعاتهم محمد سعيد رسلان بمحافظة المنوفية، ومحمود لطفي عامر رئيس فرع جماعة أنصار السنة سابقاً بمدينة دمنهور، ومحمد إبراهيم بحمامات القبة بالقاهرة، وطلعت زهران بالإسكندرية، وهشام البيلي بالقليوبية، وغيرهم.

واشتهروا قبل الثورة بالاهتمام بالدعوة إلى طاعة الرئيس الأسبق مبارك وعدم الخروج عليه، وتبديع من يرى خلاف ذلك ومَن ينشغلون بالعمل السياسي، ومن يخالفون المنهج السلفي من وجهة نظرهم، مثل جماعة الإخوان المسلمين وأغلب السلفيين الآخرين وجماعة التبليغ والدعوة.

وقد ظلوا قبيل الثورة في أخذ وردّ مع جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية حول حُكم الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية ويحكم بدلاً منها بالقوانين الوضعية، فكانوا يرون أنه صاحب معصية فقط وليس كافراً كما تقول الجماعة، كذلك دخلوا معهم في خلاف حول مسألة العمل الجماعي ومفهومها، وقد أطلق محمد سعيد رسلان عدة خطب ومحاضرات حول هذا الأمر رداً على جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية وخاصة ياسر برهامي[48].

وكذلك شغل الموقف من المفكر الإسلامي سيد قطب حيزاً كبيراً من اهتمام المدخليين؛ حيث كانوا يرونه مبتدعاً خطيراً قاد كثيراً من الشباب إلى التطرف بكتاباته، ولقد عُرفوا بمساعدة الأجهزة الأمنية ضد خصومهم من الإسلاميين، ولم يعدّوا ذلك أمراً مشيناً باعتبار أن الأجهزة الأمنية تبع لولاة الأمر ويجب طاعتهم في حين أن خصومهم من أهل البدع، وقد بدأت بوادر ذلك فيما يبدو منذ سنوات سبقت الثورة؛ حيث رصد ناشطون بالقاهرة توزيع بعض أعضاء الحزب الوطني (حزب حسني مبارك) لأشرطة محمد سعيد رسلان عن نقد الإخوان المسلمين، أثناء الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٥م، وقد رفضت رموز التيار المدخلي اتساقاً مع منهجهم المشاركة في ثورة 25 يناير، ورأوا في ذلك خروجاً على ولي الأمر لا يأتي بخير.

ويمكن إلحاق جمعية أنصار السنة بالتيار المدخلي حيث إن مواقفها السياسية وموقفها من الحكام تتشابه معه إلى حد كبير، ولكن يوجد بين صفوف دعاتها لا سيما الصغار منهم مَن ينخرط في صفوفها وهو لا يتبنى المنهج المدخلي الكامل، ولكن فقط لممارسة الدعوة بحرية أكبر.

تيار السلفية الجهادية

السلفية الجهادية تُطلق على الجهاديين الذين يتبنون المنهج السلفي، ولكن المصطلح غامض باعتبار مَن يُطلق عليهم تحديداً، فهو تارة يُطلق على أفراد جماعة الجهاد المصرية، أو المنبثقين عنها، أو على أفراد الجماعة الإسلامية أو المنبثقين عنها، أو على من يتبعون تنظيم القاعدة، أو على كل جهادي عموماً بغض النظر عن انتمائه التنظيمي.

ويرى الباحث أن من يُعدون سلفيين من الجهاديين، ويصدق عليهم وصف “سلفية جهادية” هم فقط مَن يتبنون الطرح السلفي الوهابي، الذي تسرب إلى التيار الجهادي بفضل السلفيين من جزيرة العرب، والذين انخرطوا في الجهاد الأفغاني خلال الثمانينيات، ثم بفضل منظرين وهابيين عدة كأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني على مستوى التنظير وأبي مصعب الزرقاوي على مستوى التطبيق العملي، أما جماعة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية قبل وبعد المراجعات فلا يصدق عليهم أنهم “سلفية جهادية”، وحتى تنظيم القاعدة بعد نشأته قد كان فيه رافدان؛ رافد جهادي ورافد سلفي جهادي، ولعل هذين الرافدين قد تجليا بوضوح في انقسام جبهة النصرة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ذلك التنظيم الذي يصدق عليه أنه سلفي جهادي بعكس جبهة النصرة غير المعتمدين بصورة أولية على أدبيات الوهابية.

ولكن لا يزال هناك تداخل فيمن يصدق عليهم هذا المصطلح، خاصة وأن استهداف أجهزة الأمن للجهاديين عموما جعلت العديد من الجهاديين يكونون أفكارهم ويمارسون الدعوة إلى الأفكار الجهادية باجتهاد شخصي دون الانخراط في تنظيم والالتقاء بقيادات، فيأخذون كل أدبيات من يؤيد الجهاد دون وعي تام بالمدارس والأفكار.

بعد فترة قصيرة من الهدوء الذي أعقب قضاء أجهزة الأمن على الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، برز تنظيم سلفي جهادي في شمال سيناء وبالتحديد بمدينة العريش، على يد طبيب الأسنان خالد مساعد، والذي أطلق عليه” التوحيد والجهاد”، وهو أول تنظيم سلفي جهادي ينشأ في مصر، متأثراً بالمنهج السلفي الجهادي الذي تبناه الجهادي السلفي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي تعزى إليه البذرة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ونفذ التنظيم تفجيرات متعددة في شبه جزيرة سيناء بين عامي 2004 و2006، قبل أن تحاصره أجهزة الأمن وتقضي عليه، وقد أعلن بعض أعضائه تراجعهم فكرياً داخل السجن[49].

وقبيل انطلاق ثورة ٢٥ يناير، كان ناشطو السلفية الجهادية والمؤيدون فكرياً للأفكار الجهادية عموماً في السجون، وقامت قوات الأمن باعتقالات جماعية لعشرات السيناويين المشتبه بهم في حمل أفكار سلفية جهادية والقيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى اعتقال جميع من يعتنق الفكر الجهادي في القاهرة والإسكندرية وغيرها من المحافظات والتعذيب الممنهج ضدهم، وكان من أواخرهم اعتقالاً الشاب السلفي السكندري “سيد بلال” الذي كانت له ميول فكرية جهادية دون انخراطه في أي نشاط مسلح، والذي قُتل تحت وطأة التعذيب بجهاز أمن الدولة بالإسكندرية لمجرد فكره.

على جانب آخر، خرج العديد من الجهاديين من مصر إلى جبهات القتال المفتوحة، مثل أفغانستان والعراق، وكان الوجود الجهادي في هذا الوقت “قبيل الثورة” في مصر خارج السجون قليلاً للغاية وسرياً، ونشط بعض أفراده على شبكة الإنترنت وخاصة المنتديات الجهادية، وانشغلوا بقضايا العراق وأفغانستان والشيشان والصومال وغيرها من البقاع التي يحدث فيها اعتداءات على المسلمين، وكذلك أخذ الجدال حيزاً كبيراً من اهتماماتهم حول بعض القضايا الفكرية، والخلاف في تكفير بعض الشخصيات والجماعات، وتكفير الإخوان المسلمين في مصر والعراق، وتكفير حركة حماس في فلسطين لأنها لا تحكم بالشريعة في غزة، ولِقتلها الشيخ “أبو النور” وجماعته في مسجد ابن تيمية في الواقعة المشهورة حينها، وقد امتدت تلك الخلافات إلى داخل السجون والمعتقلات.

وقد أيَّد نشطاء الجهاديين دعوات الخروج لثورة 25 يناير على المنتديات الجهادية والإسلامية، وذلك في إطار دعمهم لأي جهود تؤدي إلى إسقاط حسني مبارك.

وقبيل الثورة بأيام معدودة تكونت جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء لاستهداف الكيان الصهيوني.

المطلب الثاني: شبكة العلاقات السلفية عشية الثورة

من المهم رصد شكل العلاقة السلفية، وشكل العلاقة بين التيارات السلفية وغيرها من التيارات الإسلامية، لمزيد من الفهم والتحليل لمواقف التيار السلفي بعد الثورة، بالطبع لن نتناول جميع العلاقات والمواقف المؤثرة في شكل العلاقة، ولكن سنركز على صورة عامة للعلاقة مع أهم الفاعلين في التيارات الإسلامية المصرية.

  • التيار السلفي والجماعة الإسلامية

اختلفت وجهات النظر حول الجماعة الإسلامية قبل ثورة 25 يناير عند مكونات التيار السلفي؛ نظرا لتنوعه -بل واختلافه- الهائل وعدم الترابط بين أجزائه؛ فمن كان يرى من السلفيين أن التغيير باستخدام السلاح وسيلة ناجعة، كان حسن الرأي وعلى علاقة جيدة في الجماعة الإسلامية قبل أن تجري المراجعات، وساء ذلك الرأي وتكدرت هذه العلاقة بعد أن تبنى طيف واسع من الجماعة الإسلامية مبادرة وقف العنف، ولم يسلموا من اتهامات بالانتكاس والخنوع لأجهزة الدولة، على العكس من بقية مكونات التيار السلفي التي كانت تستنكر بشدة ما تفعله الجماعة الإسلامية من عمليات مسلحة ضد الحكومة والأقباط.

أما من جانب الجماعة الإسلامية فكانت ترى أغلب السلفيين أصحاب تيار مهادن للدولة وساكت عن الحق وأن نظرته لطريقة التغيير تتسم بالسطحية ولن يجني من ورائها أي شيء، حيث إن تغيير الأوضاع القائمة في البلاد لن يحدث من وجهة نظرهم عن طريق مجرد الدعوة والتعليم، وهذه بالطبع كانت نظرة الجماعة قبل إجراء المراجعات ونظرة من رفض المراجعات منها، أما من أجروا المراجعات فقد غيروا وجهة نظرهم عن السلفيين، وقام بعض أعضاء الجماعة بتحسين العلاقات مع بعض مكونات التيار السلفي، كما حدث من ناجح إبراهيم الذي فتح أبواب العلاقات مع القيادي بجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية ياسر برهامي[50].

  • التيار السلفي والتيار الجهادي

ساد التوتر علاقة التيار السلفي (ما عدا السلفية الجهادية) بالتيار الجهادي، فمن جانب السلفيين يرون أفراد جماعة الجهاد أصحاب غلو في التكفير وسفك الدماء المعصومة، ومن جانب الجهاديين يرون السلفيين “مرجئة” يداهنون الحكام ويسكتون عن منكرهم.

لكن من جانب آخر كانت رموز سلفية تؤيد الجهاديين في جوانب قتال “أعداء الأمة” وإن اختلفت معها في أشياء أخرى كقتال الحكومات المحلية وجدوى ذلك، فتيار السلفية الحركية وكثير من الرموز السلفية المستقلة كانوا على هذا التفصيل؛ وجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية على سبيل المثال كانت تؤيد التيارات الجهادية من ناحية وتعارضها من ناحية أخرى، فمن حيث الأصل كانت تؤيد قتالها ضد “الأعداء المحتلين في بلاد المسلمين” كما يقول عبد المنعم الشحات القيادي بالدعوة السلفية، الذي قال: “وتنظيم القاعدة شأنه شأن كل الحركات التي تعلن راية الجهاد نؤيدها في جهادها ضد الأعداء المحتلين في بلاد المسلمين”، ولكنه رفض “استعداء هؤلاء الأعداء بنقل المعركة إلى داخل بلادهم بعمليات ولو بلغت في قوتها أحداث 11 سبتمبر”[51].

وكان اعتراض الجماعة على عمليات الجهاديين عمومًا أنها لن تحقق المصالح المطلوبة ومن الممكن أن يقتل فيها مسلمون وأنها لن تجبر أمريكا على التراجع، لأنها تستهدف المواطنين الأمريكان ومصالحهم [52]، فكانت الجماعة تعد الجهاديين على خير لكنها تختلف معهم في بعض المسائل وطريقة التأتّي، فجماعة الدعوة السلفية تنظر إلى الجهاديين كما لخص ذلك ياسر برهامي عندما سُئل عن أسامة بن لادن فقال: “رجل مسلم، الذي له أكثر مما عليه”[53].

وقد قابلت نظرة التقدير هذه نظرة تقدير مماثلة من أيمن الظواهري، أبرز شخصية في جماعة الجهاد المصرية والرجل الثاني في تنظيم قاعدة الجهاد حينها، والذي سُئل عام 2008 عن موقفه “مما يسمى بالدعوة السلفية في مصر والمشايخ ياسر برهامي ومحمد إسماعيل وسعيد عبد العظيم؟ وهل الخلاف معهم من الخلاف السائغ؟”، فقال الظواهري: “موقفنا من الدعوة السلفية ومن أعلامها الصادقين الحب والتقدير والاحترام، ونحن قد اشتقنا لهم، واشتاقت لهم ميادين الجهاد، يعلّمون إخوانهم، ويقودون سراياهم ويدكّون حصون أعدائهم، ويرفعون لواء الجهاد، الذي صار عينياً في داخل بلادهم وخارجها، أما السؤال عن الخلاف معهم؛ فما أدري أي خلافٍ تقصد”[54].

وقد باركت “الدعوة السلفية” المراجعات التي قام بها فريق من التيار الجهادي على رأسه سيد إمام المعروف بدكتور فضل، وكذلك باركت مراجعات الجماعة الإسلامية[55].

ولكن مكوّنًا سلفيًّا آخر رأى في الجهاديين عموماً سواء من الجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد أو غيرهما، مجموعةً من “الفرق النارية” و”المبتدعة” و”التكفيريين” و”الخوارج”، وهذا المكوّن هو السلفية المدخلية.

  • التيار السلفي وجماعة التبليغ والدعوة

حرصت جماعة التبليغ والدعوة على التركيز الشديد على العمل الدعوي بمعناه الخاص، وعدم خوض أي صراع سواء على مستوى الفكر مع الجماعات الأخرى، أو على مستوى السياسة مع نظام الدولة، وقد أطّرت هذا كمنهج مستمر لها، وبذلك لم يكن لديها رد فعل معلن بإزاء نقد السلفيين لها، على اختلاف مستويات ذلك النقد بين الشخصيات والجمعيات السلفية المختلفة، الذي يبدأ من مجرد عدم التواصل معها أو مشاركتها أنشطتها، ويمر بالنقد العابر، أو أحياناً الشديد لها كما قال الشيخ أبو إسحاق الحويني عنها “الجماعة متدثرة ببدع لا آخر لها”[56]، وينتهي بتبديعها وأنها من ضمن “الفرق المنحرفة المبتدعة تروج للخرافة والقبورية ومسخ الإسلام وتنطوي على كثير من الشركيات وتحارب أهل التوحيد”، كما صرح بذلك محمد سعيد رسلان، أبرز رموز التيار المدخلي في مصر[57].

  • التيار السلفي والجمعية الشرعية

تباينت نظرة التيار السلفي إلى الجمعية الشرعية نظراً للتنوع الفكري بين أطيافه، فقد تعامل معها بعض السلفيين كجسر دعوي يعبر منه إلى مساجد الجمعية الشرعية الموجودة بكثرة في ربوع البلاد فيخطب فيها خطبة الجمعة ويلقي الدروس في معاهدها، وبعضها حكم عليها بأنها ليست سلفية لأنها تضم أهل السنة والجماعة وتضم أيضاً غيرهم، أو نظراً للأصول الأشعرية للجمعية وغلبة أبناء الأزهر الذين يدرسون العقيدة الأشعرية على رئاستها وإدارتها، ولطبيعة نشأة الشيخ المؤسس السبكي المتصالحة مع التصوف.

من جهتها، استوعبت الجمعية الشرعية المنتمين إلى التيار السلفي؛ ففتحت لمن يريد التعاون معها منهم مساجدها ومعاهدها العلمية، ونأت بنفسها عن الدخول في أي مواجهات فكرية مع التيار.

  • علاقات التيارات السلفية الداخلية

رغم وجود الخلافات الداخلية في كل جماعة إلا أنها تظل هادئة مقارنة بحجم الخلافات في التيار السلفي (بتطبيقاته المعاصرة) والذي يعد من أكثر التيارات خلافاً وتشظياً على المستوى الداخلي، فتتعدد الجماعات والرموز والكُتَل، وكانت الخلافات الفكرية حاضرة قبل ثورة 25 يناير، والتي زادت بدورها من حدة هذه الخلافات.

وأبرز هذه الخلافات كانت بين التيار السلفي المدخلي في بداية تكونه على يد الشيخ أسامة القوصي[58] بمسجده بحي عين شمس بالقاهرة، وبين تيار السلفية الحركية وعلى رأسه الشيخ محمد عبد المقصود، ثم حدث الخلاف بين التيار المدخلي والدعوة السلفية بالإسكندرية وتجلى ذلك في ردود محمد سعيد رسلان على ياسر برهامي، وكان الخلاف حول قضايا فكرية وحركية.

كذلك ظهر خلاف بين رئيس سابق لأحد فروع أنصار جمعية أنصار السنة المحمدية وهو محمود لطفي عامر، وغيره من السلفيين الذين يعارضون الدعوة إلى طاعة ولي الأمر، ولقولهم بعدم وجود حاكم شرعي للبلاد[59]. وكذلك وقع خلاف التيار السلفي الجهادي مع بقية التيارات السلفية حول تكفير الحكام ومنهج التغيير السلمي وحكم الديمقراطية، وبرز قبيل الثورة خلاف جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية مع قناة الرحمة السلفية والتي يقوم عليها الشيخ محمد حسان حول بعض المسائل التي رأوها تنازلات[60]، إضافة إلى الخلافات التي أشرنا إليها سابقاً.

  • التيار السلفي والإخوان

كانت الخلافات قائمة بين التيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة، أبرز هذه الخلافات كانت تتمركز حول منهج الإخوان الذي رآه السلفيون “مميعاً” و”متساهلا”، وذلك يتجلى في آراء الإخوان البعيدة عن الدين الصحيح -من وجهة نظر السلفيين-خاصة حول الديمقراطية والأقباط والمرأة والدولة المدنية وإقامة الحدود وغير ذلك.

ولكن مواقف السلفيين قد تباينت في شدتها تجاه الإخوان المسلمين، فمن قائل إنهم من الفرق المبتدعة، مثل التيار المدخلي[61]، أو إنهم “مداهنون للطواغيت” وإذا حكموا لا يحكمون بالشريعة وأنهم كوّنوا الصحوات في العراق لقتال المجاهدين وموالاة المحتل الأمريكي، كما كانت ترى السلفية الجهادية[62]، ومن قائل إنهم إخوة في الإسلام ونختلف معهم في وجهات النظر وبعض المسائل، كجماعة الدعوة السلفية والسلفية الحركية والعديد من الرموز السلفية المستقلة. [63].


الهامش

[1] نعتمد في هذه الدراسة مصطلح “الثورة المصرية” كمصطلح يدخل تحته جميع الأحداث السياسية التي أعقبت الثورة، بما فيها فترة الانقلاب العسكري في 2013 وما احتف بها من أحداث.

[2] موقع يوتيوب: مقطع بعنوان: “برهامي: الإخوان رموني خارج المسجد ولن أنساها لهم“.

[3] زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928-1948، ط3 (القاهرة، مكتبة وهبة، 1991م)، ص67.

[4] للمزيد حول هذه الحقبة ينظر: زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات من المنشية إلى المنصة 1952-1981 (ط1، القاهرة، مكتبة وهبة، 1987م) ص24 وما بعدها.  وحسين محمد أحمد حمودة، أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون (ط1، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي) 1985، ص73 وما بعدها.

[5] عبدالمنعم أبو الفتوح، شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984، تحرير حسام تمام، ط2، (القاهرة، دار الشروق، 2012م)، ص23.

[6] المصدر السابق، ص22.

[7] محمد يسري سلامة، السلفيون والأقباط في مصر رؤية في الجذور والإشكاليات والتحديات، ضمن كتاب الأقباط في مصر بعد الثورة، ط1 (دبي، مركز المسبار، 2012م) ص205- 206.

[8] السابق، (ص23).

[9] ينظر: الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات من المنشية إلى المنصة 1952-1981، ط1 (القاهرة، مكتبة التضامن، 1987م)، (ص91-98).

[10] أبو الفتوح (مصدر سابق)، (ص28-29).

[11] السابق، (ص33).

[12] الجماعة الإسلامية هي اسم للحركة الإسلامية الطلابية في جامعة القاهرة، وليست هي الجماعة الإسلامية المعروفة الآن بمصر.

[13] علاء بكر (أحد المنظرين للدعوة السلفية بالإسكندرية وأحد من شهدوا نشأة الجماعة)، الصحوة الإسلامية في مصر في السبعينيات، ط1 (الإسكندرية، دار الخلفاء الراشدين، 2013م)، (ص18-19).

[14] أحمد فريد، حديث الذكريات، ط1، (القاهرة، دار ابن الجوزي، 2012)، (ص204).

[15] علي عبدالعال، السلفيون في مصر ما بعد الثورة، كتاب إلكتروني، مركز الدين والسياسة للدراسات، فصل: الدعوة السلفية بالإسكندرية النشأة التاريخية وأهم الملامح.

[16] المصدر السابق.

[17] ينظر: المصدر السابق، فصل: الدعوة السلفية بالإسكندرية النشأة التاريخية وأهم الملامح، وشهادة ياسر برهامي على نشأة الدعوة السلفية.

[18] “مدلول السلفية أصبح اصطلاحاً جامعاً يطلق على طريقة السلف في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه”. د/ مصطفى حلمي، قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي، ط١ (بيروت، دار الكتب العلمية، ٢٠٠٥م)، ص١٧٦.

[19] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، (٣/٩).

[20] المائدة، آية ٩٥.

[21] من كلام النبي ﷺ لحكيم بن حزام، البخاري (١٤٣٦)، مسلم (١٢٣).

[22] محمد بن أحمد السفاريني، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، ط1 (دمشق: مؤسسة الخافقين، 1982م)، ص(1/20).

[23] هنري لاووست، نظريات شيخ الإسلام في السياسة والاجتماع، تعليق: د. مصطفى حلمي، ص٣٢. نقل بواسطة: د. محمد يسري إبراهيم، طريق الهداية مبادئ ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة، ط3، (القاهرة، ط: دار اليسر)، ص٥٦.

[24] وقد جمع كلامه المتناثر عن الوهابية في كتاب مستقل بعنوان الوهابيون والحجاز، ط1 (القاهرة، مطبعة المنار، ١٣٤٤هـ).

[25] فعلى سبيل المثال، اعترض رشيد رضا على أخبار ظهور المهدي ولم يقبل فكرة ظهوره آخر الزمان، ورأى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها مسائل العقيدة، وهذا يُخرج القائل به من عباءة “السلفية” عند كثير من السلفيين المعاصرين.

[26] رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، رسالة المؤتمر الخامس، موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين.

[27] فقد خرجت “الجمعية الشرعية” مثلاً من عباءة السلفية ولم يعتبرها أغلب السلفيين “سلفية” مع كونها قد نصت على ذلك في بيانات تأسيسها وعلى لسان مؤسسها، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات التصوف السني، وجماعة التبليغ والدعوة وغيرها، رغم أن كل هذه الجماعات تتبنى منذ نشأتها الفكرة السلفية بمعناها العام.

[28] أحمد فريد، السلفية قواعد وأصول، ط1 (الإسكندرية: دار العقيدة، 2002م)، ص(18).

[29] علاء بكر، ملامح رئيسية للمنهج السلفي: محاضرات في السلفية، ط1 (الإسكندرية: دار العقيدة، 2001م)، ص(159).

[30] السلفية قواعد وأصول، (ص22).

[31] ملامح رئيسية، (ص188).

[32] السابق، (ص28).

[33] ياسر برهامي، المنة شرح اعتقاد أهل السنة، (الإسكندرية: دار الخلفاء الراشدين ودار الفتح الإسلامي، 2008)، ص(1/23).

[34] المنة شرح اعتقاد أهل السنة، (1/85).

[35] السابق، (1/103-108).

[36] السلفية قواعد وأصول، (ص30، وص32).

[37] السابق، (ص37، وص38).

[38] ياسر برهامي، قراءة نقدية لبعض ما ورد في كتاب ظاهرة الإرجاء، ط1 (الإسكندرية: الدار السلفية للنشر والتوزيع، 2004م).

[39] للمزيد حول هذه القضية ينظر: ياسر برهامي، مقال العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط، موقع أنا السلفي.

[40] موقع صوت السلف، حوار مع فضيلة الشيخ ياسر برهامي الجزء الثاني، 28-07-2006م.

[41] للمزيد حول هذا الأمر ينظر: أحمد فريد، العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير، ط4 (الجيزة: مكتبة التوعية الإسلامية، 2002م). ياسر برهامي، فضل الغني الحميد: تعليقات هامة على كتاب التوحيد، (الإسكندرية: دار العقيدة، 2001م)، ص(146-156).

[42] للمزيد ينظر: ياسر برهامي، شرح فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الإسكندرية، دار الخلفاء الراشدين، 2015م)،

[43] للمزيد: ياسر برهامي، فقه الجهاد (كتاب إلكتروني)، موقع صيد الفوائد.

[44] عادل السيد، الحاكمية والسياسة الشرعية: عند شيوخ أنصار السنة المحمدية، ط1 (القاهرة: دار الإبانة، 2009م).

[45] للمزيد عن جماعة الدعوة السلفية، ينظر: معتز زاهر، من المسجد إلى البرلمان: دراسة حول الدعوة السلفية وحزب النور (لندن: مركز تكوين، 2014م).

[46] فتوى بعنوان: حكم المشاركة في ثورة 25 يناير اقتداء بتونس، موقع أنا السلفي، 21 يناير 2011.

[47] موقع يوتيوب، الشيخ محمد عبد المقصود يُكفر مبارك، 1-1-2012م.

[48] ينظر: محاضرات العمل الجماعي التنظيمي، محمد سعيد رسلان، رابط إلكتروني.

[49] للاستزادة: أحمد مولانا، الحالة الجهادية في مصر قبل ثورة يناير (إسطنبول: المعهد المصري للدراسات، 2018م).

[50] أجرى ناجح حواراً ودياً مع برهامي عام 2008، ونشره على موقعه، وكذلك فعل برهامي، ينظر موقع صوت السلف.

[51] عبد المنعم الشحات، الحكمة الغائبة عن بيان الحكايمة، 28 يونيو 2010م، موقع أنا السلفي.

[52] يقول الشحات في المقال السابق موجهاً حديث لخليل الحكايمة الجهادي المصري: “لا يمكن أن تجبر دولة استعمارية ذهبت لتحاصر الحركات الإسلامية وتسرق البترول وتسيطر على المنافذ الاستراتيجية على التراجع عن سياستها الاستعمارية، فكل هذا لا يمكن تركه لمجرد حادث مهما بلغ عدد ضحاياه؛ بل سوف يستخدم هذا في استمرار الصد عن سبيل الله ونعت الإسلام بكل النعوت المعروفة عند القوم، فضلًا عن ضرورة مخالفة الشرع غالباً لإتمام مثل هذه العمليات، مثل نقض عهد الأمان للدخول إلى هذه البلاد بتأشيرة الدخول، فضلاً عن المفاسد والمضار على العمل الإسلامي ككل داخل هذه البلاد، بل وفى بلاد العالم الإسلامي بأسر،. وننكر عليهم أكثر حينما يتعلق الأمر بضرب المصالح الأمريكية واليهودية في بلاد المسلمين لأن المصالح الأمريكية في بلاد المسلمين لا توجد في جزر منعزلة، ولكن لا بد فيها من مسلمين ومصالح للمسلمين”.

[53] ياسر برهامي، حول موقف “الدعوة السلفية” من الشيخ أسامة بن لادن، موقع صوت السلفي، 5 مايو 2011.

[54] اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري، الجزء الأول من الأسئلة، موقع منبر التوحيد والجهاد.

[55] شريف الهواري، تأملات ونظرات في وثيقة ترشيد العمل الجهادي، 22-8-2009، موقع صوت السلف.

[56] يوتيوب: جماعة الدعوة والتبليغ للشيخ أبي إسحاق الحويني، 21-7-2010م.

[57] يوتيوب: جماعة التبليغ من الفرق المبتدعة الشيخ محمد سعيد رسلان، 19-5-2008م.

[58] ترك القوصي لاحقاً حقل الدعوة الإسلامية برمته، وغيّر الكثير من أفكاره، وتستضيفه القنوات الفضائية بصفته تنويرياً.

[59] ينظر مقال عامر بعنوان: “لين في غير ضعف وشدة في غير عنف“، موقع محمود لطفي عامر، 17-4-2010م.

[60] على سبيل المثال خلاف جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية مع محمد حسان وقناته قناة الرحمة، والتي عرضها عبد المنعم الشحات القيادي بجماعة الدعوة السلفية في مقاله: قناة الرحمة بين بياني تأسيس، موقع صوت السلف، 27-5-2010م.

[61] محمد سعيد رسلان، الإخوان المسلمون من الفرق المبتدعة، موقع يوتيوب، 20-5-2008م.

[62] ينظر: ياسر الزعاترة، حرب القاعدة على الحزب الإسلامي وتجربة الصحوات، الجزيرة نت، 25-09-2008م.

[63] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close