fbpx
تحليلاتقلم وميدان

الحركة الإسلامية ومسارات المراجعة والتصحيح

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 

 (1) تمهيد:

تمر الحركة الإسلامية بمنعطف تاريخي غير مسبوق فى تاريخها الحديث يتميز بوجود عناصر القوة التي تمكن الحركة من تمركز نفسها كعنصر لا يمكن تجاوزه فى معادلات الصراع، وفى الوقت نفسه تواجه عدد من المخاطر الوجودية الجذرية التي تهدد بالفناء الكلى لحقب من الزمان قادمة، ولهذا فإن الحركة الإسلامية تحتاج إلى عملية تنظير وتفكير يتناول الأطر الفكرية التجديدية لكل مساراتها.

أهمية المراجعة والتجديد كعملية فكرية:

بقدر ما تُقيّم الجماعات البشرية نفسها وتنظر إلى ذاتها بعين النقد والتصويب والتعديل، فإنها تظل قادرة على العطاء الإنساني وملء الفراغ الحضاري الآني، فالحركة الإسلامية بات من الواجب عليها والضروري أن تقف مع نفسها تلك الوقفة وتحاسب نفسها تلك المحاسبة، لترسم ملامح طريقها من جديد وتستعين على ذلك بتجارب الماضي ونتائج الحاضر وأهداف المستقبل.

عملية المراجعة الذاتية ليست ترفا ولا رفاهية، ولا يمكن الجنوح عنها بأي حال من الأحوال بدعوى تظلل الأزمة وصوت المعركة الذي يعلو فى الأفق، ومن ينظر إلى الواقع بهذه العين فهو ملتبس قاصر النظر، يتبع ديدنه أبائه وسلوكهم ولا يدع لنفسه أي مجال للتطوير والتجديد والنظر فى مآلات الأمور، ويبدو أن كلمة “بل على دين عبد المطلب” هى نسقٌ فى التفكير بغض النظر عن مضمونها العقائدي، ولكنها تمثل اتباعٌ مجرد ومطلق لحزمة من الأفكار والقيم توارثوها فى الممارسة والأداء ونشأءوا عليها، مهما تراءى لهم حُسن الجديد وعدم أهلية القديم لمتطلبات الحياة. لهذا كانت عملية رسم مسارات التصحيح مَهمة لازمة لا سيما عند المنعطفات التاريخية، ويجب أن يفسح المجال لمن يقوم بهذا الدور وأن يُسمع لهم.

والمحور الفكري لدى الحركة الإسلامية هو من أهم المحاور التي تتطلب التجديد والمراجعة، فمن هذا المحور تنطلق كافة المحاور الأخرى وتُرسم به المسارات الكبرى والطرائق العريضة للحركة الإسلامية، فهو العمل التأسيسي لما هو قادم من نضال ومنافحة ودعوة وسياسة، فإن قصرت الحركة الإسلامية فى عملية المراجعة والاتساق الذاتي والإجابة على الأسئلة الكبرى فى هذا المحور بالذات، فإنه سيفضي فى النهاية إلى خلل بنيوي فى كل المحاور الأخرى.

حركة التفكير والتنظير فى العقد الأخير:

المعضلة الرئيسية أن تنظيمات الحركة الإسلامية باتت عقودا خالية نسبيا من عملية التفكير والتنظير، بل فى بعض الأحيان نُظر إلى المفكرين أو المنظرين أو من كان يسأل الأسئلة الفلسفية المعقدة التي هى من عادة هؤلاء، نُظر إليهم واُتهموا بأنهم قوم لا يحسنون العمل ويتكلمون ولا يعملون! ولهذا كان من المؤسف عدم وجود عالم اجتماع بارز منتسب للحركة الإسلامية وغير ذلك من التخصصات الفكرية والعلوم الإنسانية، وعجزت الحركة الإسلامية أيضا على تدوير مفكرين جدد كالغزالي ومالك ابن نبي وقطب وغيرهم فى العقد الأخير.

ورغم “ما يربو من ثمانين عاما لفصيل بارز من الحركة الإسلامية – الإخوان المسلمين – فإننا لا نجد فى المكتبة العربية والإسلامية كتابات أصدرتها الجماعة – من حيث هى جماعة – أي رسميا وباسمها لا باسم أفراد – يتناول بالتقويم الموضوعي لهذه الفترة الطويلة من الزمن والعمل والتحرك حركة بهذا الاتساع المكاني والزماني، أليس من المطلوب أن تقدم للأمة التي تتحرك فى إطارها تفسيرا لسلسلة المحن التي مرت بها ولحلقات الإخفاق التي تكررت فى تاريخها وصور عن النجاحات التي حققتها ودورها – كما تراه – وما هى المراحل التي تروم تحقيقها وما هى المراحل التي قطعتها وكم بقى منها …… “(2).

وجدير بالذكر أن التيار الجهادي من الحركة الإسلامية كان يعاني من الأمر نفسه، إلا أن أبو مصعب السوري (3) بكتاباته (4) التي قام فيها بالمراجعة الذاتية للتجربة الجهادية فى العقد الأخير قد ملأت قليلاً من الفراغ التنظيري لهذا التيار، إلا أنه مع ضعف الإتجاه العقلاني بهذا التيار، لاسيما فى الفترة الأخيرة، فإنه بات من الصعب أن يُسمع لمثل هذه المراجعات أو غيرها.

وثمة أسباب أدت إلى هذا القصور الفكري الشديد بالحركة الإسلامية فى عقودها الأخيرة، ولكنى أُعزى ذلك إلى سببين رئيسين:

الأول: انشغال دوائر قيادة الحركة الإسلامية بتنظيماتها المختلفة بالمستوى التشغيلي والحركي، والهروب من عملية المراجعة الذاتية والأسئلة الكبرى المركبة، والنظر لعملية “التفكير والتنظير والتخطيط الرؤيوي” على أنها عملية رفاهية وغير لازمة.

الثاني: تشكيل تنظيمات الحركة الإسلامية بطرق تنفر المبدعين والمفكرين، وعجزت – هذه التنظيمات – على خلق وتكوين مسارات عمل لهؤلاء، فالمفكرون من أكثر الناس ابتعادا عن التنظيمات الهرمية المُحكمة، ولهذا كانت تنظيمات الحركة الإسلامية كيانات طاردة وبقوة لمعظم المفكرين، لأن المفكر بطبيعته ناقداً وينظر للأمور بشكل أكثر تشابكا وتعقيدا، وهذا الأمر لا يروق للطريقة العامة والسمة السائدة لأي تنظيم هرمي يركز بشكل أساسي على الجانب العملياتي والحركي.

ولكن السؤال الآن، ماذا يجب على الحركة الإسلامية أن تفعله لإحياء عملية التجديد بمحور التفكير والتنظير؟

المسار الأول: التحرير الفكري والإنطلاق:

أي الإذن الفعلي لعملية التفكير بالإنطلاق والتحرر، بحيث تؤهل الحركة الإسلامية ذاتها لأن يكون نتاج عملية التفكير ذو جدوى على المستوى التنفيذي، وذلك بالتأصيل الذهني والتوعوي، لأن “عملية الفكر” متصلة عضوياً بعملية التنفيذ، وكذلك رسم المسارات التي تؤهل المفكرين حتى يكونوا قريبين من الواقع غير منزاحين عنه، فينتج عنه مفكرا يعيش فى المثاليات أكثر منه مفكرا يقدم حلولا واقعية تستند إلى بُعد تجديدي لواقع مفهوم وملموس فى ذهن المفكر يراد له تطويره وتجديده. وبرامج هذا المسار تتمثل فى الأتى:

1ـ برنامج الصلح مع الذات والإقرار بأهمية “دور المفكر” وتأصيل ذلك فى كل مستويات القيادة والقواعد بكافة تنظيمات الحركة الإسلامية، وذلك من خلال المنتديات العامة ولقاءات التواصل والتنظيم وتدشين “مساحات إلتقاء” تشمل المفكرين من التنظيمات الإسلامية المختلفة للإتفاق على التعاون والتآزر الفكري وإن اختلفت الطرق والمسارات.

2ـ بدء بناء “معامل التفكير” وهي تلك المساحات التي يتحرك فيها المفكرون والمبدعون بحرية كاملة، تملك القدرة على اكتشاف من يظهر فيه بوادر ونوابغ الفكر الناشئة، ثم تكون – تلك المساحات – جاذبة لهم وتلتقطهم من مساحات العمل الحركي والتنفيذي إليها، وبدء تشكيل الجسور بينها وبين نطاقات وطبقات العمل الحركي والنفيذين(5)، وتبدأ الحركة الإسلامية تخليق دوائر عمل لا تخضع لأى رقابة تنظيمية أو توجيه تنفيذي، وهذه الدوائر تتلمس فى كل الدوائر الفاعلة من لهم ميول فكرية وإبداعية وأصحاب الأطروحات المستقبلية، وتبدأ بإنفاذ برامج “تبنى” لهؤلاء بحيث تكون هذه البرامج بها الحرية المطلقة التي ينتج معها الإبداع والإنتاج الفكري الرصين.

3ـ عملية تحديد التوجيه الفكري السليم، مرحلة إعداد الأسئلة الكبرى، وإعادة تعريف القيم الحاكمة، وتعريف المطلوب من المفكرين فى هذه اللحظة التاريخية الراهنة، التي لا يستطيع المسلم المعاصر أن يحقق نجاحا فى هذا المعترك الفكري والحضاري بمعزل عن هموم وقضايا المعترك الإنساني، فهو لا يتحرك فى فراغ ولا يتجه إلى فراغ، ولذا ليس أمام المسلم المعاصر إلا أن يتناغم مع هذه الحركة الفكرية التي يضج بها العالم المعاصر، ويحدد وجهته الفكرية فى وسط هذا التزاحم، ولا يعني التناغم هنا التبعية الثقافية الفكرية لهذه الثقافات والأفكار، ولكن القبول بالمزاحمة الفكرية والتعددية والثقافية وحركة الحجج والبراهين والحوار”.(6)

4ـ إعادة ضبط العلاقات الفكرية، من أهم وأخطر الأسئلة على الإطلاق التي يجب على عملية التفكير والتنظير فى الحركة الإسلامية أن تتناولها، ويعتبر من الأسئلة التأسيسية الرئيسة، مثلا إعادة تعريف العلاقة بين الحركة والفكر، بحيث يتضح دور كل منهما وخصائصه وأهميته، وكذلك إعادة تعريف العلاقة بين المؤسسية والتنظيم والفكرة والرسالة، حتى لا يطغى دور اللوائح والقوانين على روح الفكرة ومغزى الرسالة للحركة الإسلامية، وكذلك العلاقة بين المحلية والعالمية، حتى تكون الخطوط الفاصلة بين المفهوم الأممي والقطري واضحة جلية، وكذلك إعادة تعريف العلاقة بين التاريخ والعصر، وذلك لضبط دور التجديد دون التفلت من الأصل، وفى الوقت نفسه لا يقتل الموروث سمة الأبداع، وغير ذلك من العلاقات الفكرية الحيوية واللازمة للانطلاق الفكري(7).

المسار الثاني: مسار التنظير والفهم:

حتى يومنا هذا تدرس جميع المعاهد العسكرية كتاب “فن الحرب” لـلمفكر الصيني “سون تسو”Sun Tzu، الذي صار موجها استراتيجيا وعسكريا لكل القادة سواء السياسيين أو العسكريين منهم، ورغم أن الصحابي الجليل “خالد ابن الوليد” رضي الله عنه خاض نحو مائة معركة، ولكن ظل تأثيره العسكري محدوداً، وبالرغم من أن الأول مات قبل مولد الثاني بزهاء المائة عام(8)، فإن الأول ترك إرثا انتفعت به البشرية جمعاء على عكس الأول(9) (7)، هذا لأن الأول قرر تنظير تجربته العملية والحياتية ليستفيد بها من بعده، فأخرج من كل تجربة عملية خاضها عشرات النظريات والقوانين التي استفاد منها عشرات الأجيال من بعده إلى الآن.

هذا ما أقصده من هذا المسار، أن تعكف الحركة الإسلامية ومنظروها، لتنظير تجربتهم منذ نشأتها، لتكون دليلا لمن بعدهم فيسترشدون ويهتدون، ويخرج المُنظرون من هذه التجارب بقواعد وأصول وقوانين تكون عونا للقيادة الحاضرة أن تضع بذلك يدها على مواطن الداء وأماكن العلل، وتكون تلك الأصول والقواعد فى الوقت نفسه دليلاً تُرسم بها مسارات التصحيح لقادة المستقبل.

وبرامج هذا المسار تتمثل فى الأتى:

1ـ عملية التأريخ الشامل والتفصيلي وغير المدلس (10) لأحداث الحركة الإسلامية ورموزها وأعلامها، وأقصد به أن تتناول الحركة الإسلامية تاريخها الحديث بكل ما فيه من إخفاقات ونجاحات وإنجازات، وما الذي قدمته للبشرية وما الذي كان ينبغي أن تقدمه وعجزت عن تقديمه، وتتناول كذلك تجارب صمودها وألامها، وتضع يدها على حقيقتها وأسبابها ونتائجها ومن المسئول عنها.

2ـ عملية التقييم الكلى والشامل للأشخاص المؤثرة فى مسار الحركة والأحداث والتجارب، وربط النتائج بالأهداف، والأسباب بالمسببات، والبدايات بالنهايات. وبالضروري سيكون نتاج هذه العملية فهم عميق للتجربة برمتها.

3ـ عملية التنظير المترابط والمتشابك، والتأصيل الفكري للتجربة ومنعطفاتها، واستخراج القواعد والأصول من التجربة الشاملة بكافة أشكالها وتنوعاتها.

المسار الثالث: مسار الأسئلة الكبرى

مع المسارين الماضيين، سيتسنى للحركة الإسلامية الأن القدرة على إجابة الأسئلة الكبرى، والإحاطة بالقضايا الفكرية الكبرى، وتشكيل القاطرة الفكرية التي تجعل مسار الحركة الإسلامية متناغما مع واقعه وفى الوقت نفسه يؤثر تأثيرا فاعلا ومباشرا فى واقعه المحيط وفى مسيرة الإنسانية، ورسم الأسهم العريضة للمستويات التنفيذية والاستراتيجية. وبرامج هذا المسار تتمثل فى التالي:

1ـ تشكيل الحواضن الفكرية، وهى الجذور الفكرية والتنظيرية لمسارات العمل فى المستوى الإستراتيجي والتنفيذي دون المساس بأخطاء وإخفاقات المستويين، فمثلا تكوين حاضنة فكرية جهادية لمن يؤدى فريضة الجهاد سواء ضد محتل أو مستبد مثلا، فتلك الحواضن تمس أدبيات الجهاد والتأصيلات الشرعية والفقهية للعمل الجهادى وكذلك الفلسفات الإنطلاقية الغاياتية للجهاد، وغير ذلك فيرتبط بها المجاهدون دون مساس المفكرين بمغارم العمل الجهادى(11)، والحاضنة الفكرية للعمل السياسي والعمل التشريعي وغير ذلك من مسارات العمل العام وعمل الأمة.

2ـ المشروع الحضاري للأمة والرؤية الحضارية، تعانى البلاد العربية والإسلامية منذ الإحتلال الغربي فى بداية القرن التاسع عشر من هيمنة الحضارة الغربية على حياتها وطرائق معيشتها، ولم يقدم خبراء الأمة ومفكروها إلا نقداً لهذه المنظومة الحضارية، دون العمل على تشكيل مكون فكرى حقيقي لمشروع حضاري لهذه الأمة منبثق من هويتها الإسلامية ليكون بديلا يُلهم الشعوب ودعاة التغيير للتحرر من المنظومة الحضارية الغربية، وهذا الفراغ الذي تركه المفكرون جعل رسالة التغيير من الصعب ترويجها لدى الشعوب وحثهم على تبنيها، لأن مساحة البديل ضبابية. وما قدمه بعض المفكرين من مشروعات حضارية (12) لا تزال أعمالاً نخبوية لا تتسم بالجماهيرية وغير متلامسة مع عموم الأمة، ولازالت فى طور المادة الخام التي تحتاج إلى من يمد لها جسور تواصل مع الجمهور، لأن أي مشروع حضاري أممي لابد أن يكون بالضرورة دائم التواصل مع عموم الأمة وسواد الناس منذ بدايته.

3ـ مدارس مقارنة الحضارات، وهو برنامج يُمكِّن المفكرين بعمل دراسات فكرية وتحليلية لتاريخ الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية، ووضع اليد على جوهر ومكامن قوتهما وضعفهما، وكشف المفاهيم المفصلية لكلتا المنظومتين الحضاريتين والفروق الجوهرية بينهما. كما بذل الغرب جهودا فى علم الإستشراق لفهم حضارتنا، يجب علينا أن نفعل الشيء مثله ونؤسس لعلم الإستغراب.

4ـ مدارس الإجتهاد الفقهي والشرعي، لقد تغيرت النُسق الاجتماعية والحياتية للبشر، وتغيرت معها طرائق الحياة والمعاش فى كل أركان النشاط الإنساني والبشري، وفى الوقت نفسه غابت حركة الإجتهاد الشرعي والفقهي خلال القرنين الماضين المنصرمة نتيجة العديد من الأسباب البنيوية والعضوية فى الأمة، وأصبحنا معها فى مأزق حقيقي تجاه التصورات الإسلامية لأنشطة الإنسان وسط هذا التغيير الهائل وغير المسبوق فى حياته، فلا يصح أن نأتي بنسق فقهى معين فى إطار زمنى محدد، وقد تغير إنسان ذلك الزمان عن إنسان اليوم جذريا، ثم نقول للناس أن هذا هو الإسلام وأن هذا هو تصوره إزاء تلك القضية المعينة، وعليه فإنه يجب أن تتفرغ طائفة من العلماء والمفكرين ليقوموا بإحياء عملية الاجتهاد الشرعي وإنشاء مدارس متخصصة فى ذلك، على أن يكونوا دائمي التواصل مع مفكري المشروع الحضاري. لتقديم تصور متماسك لمساحات البديل الحضاري.

5ـ التسكين والتمركز الفكري: يجب على الحركة الإسلامية أن تحدد الاتجاه الفكري السليم لها بعد الإيمان والقابلية بالتزاحم الفكري الذي تضج به البشرية الآن، ويجب أن يحدد المفكرون تلك المسافات بينها وبين الأفكار الأخرى، وتموقعها وتمركزها فى هذا العالم الفكري المزدحم، حتى لا تقع فى خطأ التماهي مع الغير وبما يضمن لها الاستقلالية عما سواها من الأفكار والإيديولوجيات، وذلك وفق تعريفات وتنظيرات واضحة للتصورات الإنسانية والفلسفية الكبرى.

6ـ رسم مسيرة التغيير بالأمم، وهو مبحث تنظيري يتناول بعناية مجهرية تلك النقاط التي تتغير عندها الأمم من مرحلة إلى أخرى، لأن التغيير هو الهدف الرئيس للحركة الإسلامية فى زمانها الحالي، فلا يصح أن يعزف مفكروها عن الدراسة الفكرية والتنظيرية لهذه الظواهر بشكل تفصيلي مما يعزز من نتائج معارك التغيير التي يخوضها القادة فى المستوى الإستراتيجي.

7ـ تأصيل القيم الفكرية الكبرى، كانت الحركة الإسلامية تستمد دوافع حراكها من حزمة ومجموعة من القيم الفكرية، منها: قيمة “دفع الصائل” وكانت قيمة رئيسية لتحريك الفاعلين من الأمة مثلا نتيجة تعرض الأمة للإعتداءات والجرائم فى حقها، وهنا يثار السؤال التالي: هل قيمة “الحرية ” تستطيع أن تحشد بها جمعا من الإسلاميين فى أي معركة تغيير، فى حين أن الحرية كقيمة هى التي بُذلت لها الفتوحات والحراك الجهادي كله تحت مسمى “جهاد الطلب” كلفظ شرعي. لذا فإن الحرية وغيرها من القيم الفكرية الغائبة الأخرى يجب تأصيلها وتعزيزها فى وجدان الحركة الإسلامية أفرادا وتنظيمات.

خاتمة:

برغم أن كل مسار من المسارات والبرامج السابقة، بها الكثير من المبادرات الفردية التي تملأ فراغاتها، فإن ثمة قصور لا يمكن تفاديه إلا إذا عزمت الحركة الإسلامية كقادة وتنظيمات على ملء هذه الفراغات مكتملة مترابطة ومتشابكة بعضها البعض، بدلا من تغريد كل شخص منعزلاً فى فلك يريد أن يملؤه منفرداً، ويستحيل النجاح فى ذلك وحده، فلهذا يجب أن يكون السير فى تلك المسارات منهجا جماعيا متبعا، لا أن يكون سبقا فرديا غير منسق ولا منظم أو مهدف فى إطاره الغاياتي للحركة الإسلامية.

———————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2) توفيق الشناوي، فى ورقة بحثية بعنوان ” إستراتيجية علمية للتيار الإسلامي ” صفحة 21، مكتبة آفاق الكويتية 2011

(3) ولد في مدينة حلب، ودرس في كليتها الهندسة الميكانيكية. التحق بتنظيم “الطليعة المقاتلة”، الذي أسسه القائد مروان حديد، تخصص في علم هندسة المتفجرات وحرب عصابات المدن والعمليات الخاصة، وعمل مدربا في قواعد الجهاز العسكري لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن, وفي معسكراته ببغداد، أثناء معارك حماة؛ عينت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين المقيمة في بغداد أبا مصعب عضوا في القيادة العسكرية العليا بإمارة الشيخ سعيد حوى، ونائبا للمسؤول عن منطقة شمال غرب سوريا ، ثم انفصل عن جماعة الإخوان على خلاف معهم ، ثم تفرغ للعمل الجهادى ، ثم اتجه إلى أفغانستان وبات أشهر منظري التيار الجهادى وله عدة مؤلفات فى هذا الصدد.

(4) أشهرها ” دعوة للمقاومة الإسلامية العالمية”

(5) يحضرني هنا مثال الجامعات والأبحاث العلمية بالدول الحديثة وطرق تواصلها وارتباطها بالشركات العاملة فى السوق.

(6) توفيق الشناوي إستراتيجية علمية للتيار الإسلامي، مكتبة آفاق الكويتية 2011، “صفحة 35.

(7) أنظر: د. محمد عمارة، الحركة الإسلامية رؤية مستقبلية: أوراق فى النقد الذاتي.

(8) لا نقارن هنا أن خالدا كان من الفاتحين ومدى نفع الأمم من معاركه كفاتح، حتى الآن فضل الرجل على أهل الشام والعراق عظيم وممتد إلى يوم القيامة، ولكننا نقارن من وجهة توثيق التجربة العسكرية للرجلين.

(9) مات خالد رضى الله عنه عام 642م، ومات سون تسو عام 496 قبل الميلاد.

(10) في بعض الحالات يكتب رموز الحركة الإسلامية شهادتهم على أحداثها بشكل عاطفي مجرد من الإنصاف التاريخي، فيتجاوز مثلا عن أخطاء القادة والرموز حتى يجنى المصلحة الدعوية، وغير ذلك، وهؤلاء يكتبون تجاربهم بصفة شخصية غير مهنية تاريخيا، وليس مطلوب منهم أكثر من ذلك، ولكن يجب أن يعكف المؤرخون الذين يتناولون الأحداث بشكل مهني يسهل على المنظرين بعدهم أن يقوموا باستخراج العبر والعظات وسنن الأصول والقواعد.

(11) هذا الفراغ تركته جماعة الإخوان، واندفع الجهاديين نحوه بدون تحقيق مسوغات الاجتهاد الفكري والشرعي، ولم يدلى فيه إلا الشيخ يوسف القرضاوي فى كتابه فقه الجهاد ولكنه من ناحية فقهية شرعية وحسب، وليس من ناحية فكرية تأصيلية تنظيرية للتجربة الجهادية

(12) مشروع النهضة للدكتور جاسم سلطان ومشروع الدكتور طارق السويدان

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close