الدروس المستفادة من الانتخابات البرلمانية النيوزيلندية
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
حرصت وسائل الإعلام العالمية والعربية خلال الأيام الماضية متابعة سير الانتخابات التشريعية فى نيوزيلندا، فبعد مذبحة كرايستشيرش لمع اسم جاسيندا أردرين رئيسة الوزراء النيوزيلندية وزعيمة حزب العمال في نيوزيلندا. ولكن قبل البدء بالحديث عن الانتخابات التشريعية فى نيوزيلندا وكيفية الاستفادة من هذه التجارب الديموقراطية، سنعرض سريعا خلفيات مختصرة عن الدولة النيوزيلندية والحياة السياسية في نيوزيلندا.
أين تقع نيوزيلندا ؟
تقع نيوزيلندا في الجهة الجنوب غربيّة من المحيط الهادئ، جنوب شرق أستراليا. حيث تقع في قارّة أوقيانوسيا، وهي قارة في جنوب غرب المحيط الهادئ تضم أستراليا والجزر المحيطة بها ومن ضمنها نيوزيلندا. وليس لنيوزيلندا حدود برية مع أي دولة؛ وتنقسم إلى جزيرتيْن، الجزيرة الشماليّة والجنوبيّة، بالإضافة إلى عدد من الجزر الصغيرة، أهمّها جزيرة ستيوارت وتشاتام. والدول الأقرب إليها هي كاليدونيا في شمالها، وفيجي وتونغا. ويعني اسم هذه الدولة بلغة الماورير(السكان الأصليين) أراضي السحاب البيضاء.
الحياة السياسية في نيوزيلندا
تُعتبر نيوزيلندا دستورياً دولة ملكية، وواحدة من دول الكومنولث البريطاني، التابعة للملكة إليزابيث الثانية منذ 6 فبراير 1952؛ والملكة هي صاحب السيادة ورأس الدولة، ولكن تختلف مهام هذه السلطة مع السلطة التنفيذية، فالملكة وحاكمها العام محايدان سياسياً ولا يشاركان في تسيير الجوانب اليومية للحكم، على الرغم من كونها جزءاً لا يتجزأ من عملية الحكم.
وتستند السلطة التنفيذية في نيوزيلندا إلى مبدأ (الملكة تسود، لكن الحكومة تحكم)؛ ويتم تشكيل الحكومة من خلال البرلمان المنتخب من الشعب، إذا فالحكم من الشعب.
وكانت المملكة المتحدة قد منحت نيوزيلندا دستوراً عام 1852م، عندما كانت الأخيرة مستعمرة بريطانية؛ ولكن بمرور السنين تغيرت معظم قوانينه ومواده.
البرلمان النيوزيلندي
يتمتع البرلمان النيوزيلندي بالسلطة التشريعية؛ فهو مسؤول عن سنّ القوانين، ووضع ميزانيات الدولة، وممارسة السلطة على الحكومة التنفيذية؛ ويُنتخب الأعضاء في مجلس النواب عادة كل ثلاث سنوات.
ويحق لكل شخص أتم الثامنة عشرة من عمره أن ينتخب رئيس الوزراء ومجلس الوزراء سواء كان يحمل الجنسية النيوزيلندية أو يحمل الإقامة الدائمة.
وقد صنّفت وحدة الاستخبارات الاقتصادية نيوزيلندا على أنها «ديمقراطية كاملة» في عام 2016. وتحتل البلاد مرتبة عالية بما يتعلق بالشفافية الحكومية، ولديها المستوى الأدنى من الفساد في العالم.
الأحزاب السياسية
هناك أكثر من حزب سياسي في نيوزيلندا؛ ولكن هناك حزبان رئيسيان أكثر شعبوية وهما حزب العمل بزعامة رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أردرن والحزب الوطني بزعامة وزيرة الشرطة السابقة جوديث كولنز؛ ثم يليهم الخضر، والفرص، والعمل، ونيوزيلندا أولا، والمحافظون الجدد.
فوز حزب العمال فى الانتخابات البرلمانية النيوزيلندية 2020
حقق حزب العمال النيوزيلندي بزعامة جاسيندا أردرن، رئيسة وزراء نيوزيلندا الحالية، فوزاً ساحقاً في الانتخابات التشريعية، حيث حصد 49 في المائة من أصوات الناخبين، ليحصل حزب العمال على أغلبية برلمانية تضمن بقاء أردرين في رئاسة الحكومة للمرة الثانية على التوالي، بينما صوّت للحزب الوطني المعارض 27 في المائة من الناخبين.
الدروس المستفادة
شارك نحو مليوني نيوزيلندي، أقل بقليل من ثلثي الناخبين، بالتصويت المبكر قبل يوم الانتخابات ما مكن مفوضية الانتخابات من عد الأصوات سريعا ليلة نهاية التصويت، وتعد هذه نسبه عالية جدا وغير مسبوقة فى المشاركة بهذا العدد، فعدد سكان نيوزيلندا خمسة ملايين ومن لهم الحق الانتخابي أقل من نصف العدد الكلي. لذا فهذه الإحصائية تؤكد حرص ووعى الناخبين بأهمية المشاركة فى التصويت، فالشعب النيوزيلندي يثق بأهمية تأثير أصواتهم في مستقبل بلدهم.
فاز حزب العمال بأربعة وستين مقعدا من أصل 120 مقعداً في البرلمان، وهي النسبة الأعلى منذ أن اعتمدت نيوزيلندا نظام التصويت النسبي عام 1996؛ ولم تتهمه باقي الأحزاب السياسية بالانفراد بالسلطة أو بـ “التكويش” على المقاعد البرلمانية ولم يتخوف طرف من تشكيل أرديرن لأول حكومة ذات حزب واحد في ظل النظام الحالي لوعيهم باللوائح والدستور.
لم تنتظر زعيمة المعارضة جوديث كولينز انتهاء عد الأصوات فبعد عد قرابة 70 في المائة من الأصوات أقرت كولنز بالهزيمة في خطاب متلفز؛ وقالت لرئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، التي كلمتها هاتفياً: «هنيئاً بالنتائج المذهلة التي حققها حزب العمال». ولم تعترض زعيمة المعارضة جوديث كولنز على النتائج الانتخابية ولم تشكك فى النتائج الانتخابية لثقة كل الأطراف فى نزاهة المؤسسات الحكومية التى تشرف على العملية الانتخابية؛ فلا تزوير ولا تزييف، ولا تستطيع أي جهة التلاعب بالنتائج لأن القضاء النيوزيلندي لا يتهاون مع مثل هذه الأمور بل تؤخذ على محمل الجد مهما كان الطرف المتورط بها.
بعد فوز حزب العمال بزعامة رئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن، خرجت أرديرن من منزلها في مدينة أوكلاند ملوحة ومعانقة أنصارها المحتشدين؛ ومن أهم ما أعلنته في خطاب الانتصار (إن فترة حكمها الثانية ستكون فترة حكم لكل نيوزيلندي)؛ ولم تتجاهل الذين لم يصوتوا لها بل كانت كلمتها موجهة لهم قبل أنصارها المحتشدين.
اعتمدت جاسيندا أرديرن في حملتها على نجاح إدارتها للأزمات؛ فالإجراءات التي اتُخذت لاحتواء وباء كورونا أضرّت بالوضع الاقتصادي، لكنها حظيت رغم ذلك بالثناء؛ فعدد الوفيات بسبب كوفيد-19 في نيوزيلندا، ذات الخمسة مليون نسمة، لم يتجاوز 25 حالة، مما يؤكد أن مهارات التعامل مع الأزمات تتصدر أولويات الشعوب.
التعامل الإنساني لمذبحة كرايستشيرش في مارس/آذار 2019 رفع رصيد جاسيندا أردرين خارج نيوزيلندا قبل الداخل، وجعلها واحدة من أكثر زعماء نيوزيلندا شعبية على مدار عقود، فجاسيندا أثبتت حكمتها ونجحت باكتساب الثقة عندما جعلت الحكومة تعمل بطريقة متماسكة رغم صدمة الحادث.
وعملت جاسيندا أردرن خلال الأزمات على تقريب النيوزيلنديين من بعضهم البعض؛ وهذا ما بدا واضحا سواء في حادثة الهجوم على المسجدين أو أثناء أزمة كورونا؛ فلم تعتمد نظرية “فرق تسد” التي تعتمدها الأنظمة العربية لضمان البقاء أطول فترة على كرسي الحكم.
لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.