fbpx
سياسةتقارير

الدعوة للحوار السياسي في مصر: بين الجدية والشمولية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في السادس والعشرين من إبريل ٢٠٢٢، بحضور رؤساء بعض الأحزاب السياسية المعارضة، فيما يسمى حفل إفطار الأسرة المصرية أطلق السيسي الدعوة للحوار الوطني، عبر تكليف إدارة المؤتمر الوطني للشباب، بالتنسيق مع التيارات السياسية والحزبية والشبابية «كافة» لإدارة حوار سياسي، على أن ترفع نتائجه إليه، متعهداً بحضور المراحل النهائية منه، وكذلك إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تم تشكيلها في ٢٠١٧ كأحد مخرجات المؤتمر الوطني للشباب وتوسيع قاعدة عمل اللجنة بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني.

سرعان ما انطلقت التحليلات من كل اتجاه لهذه الدعوة بعضها محفوف ببصيص أمل حقيقي في التغيير ولو الضئيل الذي يتمحور حول ملف المعتقلين، والبعض الآخر يؤمل نفسه في حوار سياسي جاد، والبعض يبحث حول جدية هذه الدعوة وتوقيتها ودوافعها وأدواتها وآلياتها، والبعض يتحدث من منطلق ضرورة التوحد خلف الدولة لمواجهة أزمة اقتصادية واجتماعية أكبر من أي نظام.

تفاعلت بعض الأحزاب والقوى السياسية مع هذه الدعوة تارة بوضع بعض الشروط وتارات أخرى باتهام المشككين في جديتها، والترويج لأعداد المفرج عنهم بأنها أعداد غير مسبوقة، وحاول البعض الاشتباك مع بعض الملفات بمحاولات لوضع أسس موضوعية سواء للإفراج عن المعتقلين أو لتحويل الحوار نحو الجدية.

تحاول هذه الورقة الاشتباك مع الأسئلة الهامة التي يمكن طرحها حول سياق وجدية وشمولية هذه الدعوة بعد قرابة أسبوعين من إطلاقها من قبل الرئاسة المصرية، لاستشراف ما يمكن أن ينتج عنها وعن سيناريوهات التعامل معها بجدية عبر المحاور التالية:

الدعوة للحوار: الضغوط الدولية وتحويلها لفرصة عبر معارضة هشة؟

تتعارض دعوة السيسي للحوار مع استراتيجيته لحكم البلاد التي يتبعها منذ ٢٠١٤ وحتى اليوم، تلك الإستراتيجية التي تقوم على غلق المجال العام وكبت الحريات وتعزيز المنهجية الأمنية في التعامل مع كل المجالات، وتأكيده المستمر في أكثر من مناسبة على أن ما جعل نظام مبارك يسقط هو عدم استخدامه القوة بما يكفي وتركه مساحات للمعارضة لتتمدد فيها إعلاميا وسياسيا، ومعروف عنه كراهيته للسياسة والسياسيين وخطابه الشعبوي تجاهها، حتى إنه في 2018 وقبل انطلاق الانتخابات الرئاسية بفترة قصيرة أكد أنه ليس سياسياً، فما الذي تغير؟ وما دلالات الحوار الوطني الذي دعا إليه السيسي؟ ولماذا في هذا التوقيت؟

تفسر بعض التحليلات الدعوة للحوار باعتبار النظام مجبورا عليها في ظل أزمة اقتصادية حادة يعيشها منذ سنوات بسبب تذبذب مصادر التمويل الدولي وهروب الأموال الساخنة وعدم تلقى الاستثمارات التي يأملها من حلفائه بالخليج وشركائه الدوليين، بل وحتى الباحثين عن أسباب سياسية لهذه الدعوة يحيلونها في النهاية إلى نتيجة مفادها أنه “من المتفق عليه أن السبب الرئيسي والمباشر لحاجة الدولة المصرية لتوسيع دائرة الحوار مع المجتمع انبثق من ضغوط الأزمة الاقتصادية المترتبة على تأثيرات الحرب الروسية في أوكرانيا.”[1]

يؤيد هذه الرؤية الحديث المطول للسيسي ورئيس وزرائه أثناء حفل الأسرة المصرية عن الاقتصاد والأزمة الاقتصادية، حيث يحمل خطاب الحوار فقط توجيهات رئاسية بالتوحد لمواجهة أزمة اقتصادية يتنصل النظام من أية مسئولية تجاهها ويغسل ساحته من تلك المسئولية، محاولا استغلال الأزمتين المتعلقتين بآثار فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية لتحميلهما مسئولية الاخفاقات المتكررة في مواجهة الأزمة الممتدة التي اضطر مؤخرا للاعتراف بأنها أكبر منه ومن أي نظام سابق عليه.

في معرض الحديث ظل السيسي قرابة النصف ساعة يحمل الثورة المصرية مسئولية الوضع الاقتصادي المتردي الحالي سواء بتراجع الاحتياطي أو بإعاقة نمو الناتج القومي الإجمالي، بافتراضات لم نعرف مصدرها حتى الآن، ثم انتقل من تحميل ثورة يناير إلى تحميل الأزمة الأوكرانية ومن قبلها كورونا ثم الزيادة السكانية لإخفاقات خططه الاقتصادية والاجتماعية وعدم قدرتها على تحقيق المعدلات المستهدفة للنمو، في خطاب مكرر للهروب من مسئولية سياساته الاقتصادية عن هذه الأوضاع المتردية.[2]

كما أن هذه الدعوة للحوار جاءت في نقطتين وتكليفين فقط ضمن ١٣ تكليفا للحكومة بعضها متعلق بإدارة الأزمة الحالية المتعلقة بتقديم الدعم المقدم لمزارعي القمح، وكذلك أزمة الديون وتنفيذ بعض توصيات صندوق النقد بطرح شركات مملوكة للقوات المسلحة في البورصة، بإعلان خطة واضحة يتم الالتزام بها لخفض الدين العام كنسبة من الدخل القومي، الاستمرار في تقديم كل السلع الأساسية للمواطنين بأسعار مدعمة حتى نهاية العام الجاري، استمرار عمل المعارض التي ساهمت في توفير السلع الأساسية للمواطنين على مستوى محافظات الجمهورية، الإعلان عن برنامج لمشاركة القطاع الخاص في الأصول المملوكة للدولة بمستهدف ١٠ مليارات دولار سنويا ولمدة أربع سنوات.[3]

يعزز هذا التصريحات القادمة من المعارضة أيضا بضرورة التوحد خلف النظام السياسي لمواجهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وأن قرارات السيسي بإفطار الأسرة المصرية تعطي دفعة إضافية قوية نحو تماسك الجبهة الداخلية.[4] وكأنها لم تتوحد خلفه وتتبنى معظم سردياته من قبل لإسقاط المسار الديمقراطي ثم أذاقها مرير اعتقاله وتضييقه ومرر كل ما هو مخالف لأيديولوجيتها السياسية وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية مما قاد للوضع الكارثي الحالي.

رغم أهمية الأسباب الاقتصادية المفسرة للدعوة إلا أنها لا تخلو من أسباب سياسية، حيث تعرض النظام لموجة من الضغوط الدولية القوية خلال الأشهر الماضية سواء بعد اشتراطه تنازل الناشط الفلسطيني المصري رامي شعث عن جنسيته المصرية كشرط لإخراجه من السجن وإبعاده لفرنسا، ثم كلمة شعث القوية في البرلمان الأوروبي عن أوضاع المعتقلين والسجون، أو حتى تعليق بعض المعونات العسكرية الأمريكية وهو الأمر الذي أثير خلال زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، إلى العاصمة الأميركية واشنطن في ١١ إبريل 2022، والتي كانت من أجل محاولة السيطرة على “توتر” تمرّ به العلاقات بين الجانبين، وقد تتصاعد بسبب أزمة مقتل الباحث “أيمن هدهود”، خاصة وأنها تضمنت، لقاءات مع عدد من النواب المؤثرين في الكونجرس، بسبب مواقف سلبية صدرت تجاه القاهرة مؤخرا بسبب الرد الفاتر على طلبات لصيانة بعض المعدات والمقاتلات الحربية المصرية، ثم تلقي الرد بتأجيل تلك الخطوة في الوقت الراهن، نظراً لانشغال واشنطن بما يحدث في أوكرانيا[5]

الحوار والقائمون عليه، مع من سيتحاور النظام؟:

 أحال السيسي إدارة الحوار إلى المؤتمر الوطني للشباب وهو نتاج فعالية شبه دورية أقرب لفكرة الطليعة الناصرية، نتاج لمؤتمرات الشباب التي تنظمها الأكاديمية الوطنية للتدريب والتي يترأس مجلس أمنائها السيسي نفسه بحسب موقعه[6]، وتخضع بشكل مباشر للأجهزة السيادية وتقوم بفرز الشباب المقرر حضورهم للأنشطة التي يحضر السيسي بعدها ليروج هؤلاء الشباب لمدى نجاح النظام السياسي وقدرته على حل المشكلات وقربه من الشباب، وهي تعد الفعالية السياسية الوحيدة المسموح بها في إطار النظام الحالي منذ اعتقال خلية الأمل وإسقاط أغلب الأصوات المعارضة في الانتخابات البرلمانية السابقة.

بعد يومين من دعوة السيسي للحوار، رصد تقرير للجزيرة ردود فعل متباينة حول دعوة السيسي للحوار.. تأييد وحذر وتشكيك، حيث يرصد التقرير انقسام ردود الأفعال إلى 3 أقسام: الأول مؤيد بشكل مطلق، والثاني مرحب بحذر وغالبيتهم من القوى السياسية بالداخل التي تم تهميشها منذ اعتلاء السيسي سدة الحكم عام٢٠١٤ والثالث متشكك ومرتاب في الدعوة إلى حوار سياسي مبهم غير واضح التفاصيل، أو الأطراف المشاركة فيه.

ووفقا للتقرير، التزمت جماعة الإخوان المسلمين، أكبر جماعة سياسية معارضة بمصر، الصمت حيال مبادرة السيسي التي يصفها مؤيدوه بأنها مبادرة غير مشروطة، ولكن من دون أدنى إشارة إلى إمكانية توجيه الدعوة إلى جماعة الإخوان، والتي أكدت مرارا أنها منفتحة على إجراء أي حوار سياسي مع النظام.[7]

ولكن في ١٠ مايو أصدرت الجماعة بياناً حول المبادرة تحت عنوان “بيان للناس”، مفتتحة إياه بالقول “إن الحوار أداة سياسية وأمر لازم وضروري سبق أن أكدته جميع القوى السياسية لتحقيق المصالحة الوطنية والإصلاح الشامل؛ وإن الإرادة الصادقة لإجرائه ينبغي أن تتوفر لها شروط النجاح والاستمرار، وفي مقدمتها توفر حسن النية وبناء الثقة” ووضعت أربعة خطوات عملية مبدئية تراها محل اتفاق من القوى والرموز السياسية وهي:

  1. البدء بإطلاق سراح كل من لم يتم تقديمه إلى المحاكمة من المعتقلين، ويعقبه الإفراج عن جميع المعتقلين – أيًّا كانت انتماءاتهم السياسية – في كل القضايا التي نشأت منذ ثورة يناير إلى اليوم، مع إسقاط التُّهم عنهم، وإلغاء قرارات منع السفر والتحفظ ومنع التصرف في الأموال والممتلكات وغيرها.
  2. الوقف الفوري لأحكام الإعدام السياسية.
  3. إطلاق الحريات والغاء الاحكام المسيسة، وفتح المجال العام أمام القوى الوطنية وأبناء الشعب كافة للإسهام في مواجهة الأزمات وإعادة بناء الدولة.
  4. البدء في حوار مجتمعي ونخبوي يقوم على القواسم المشتركة بين مكونات الشعب المصري، والتقيد في كل ما سبق بالشفافية التامة والنزاهة الكاملة.

إضافة لذلك وضع البيان ثمانية ثوابت وطنية وقواسم مشتركة، منها أن الشعب المصري هو المصدر الوحيد للشرعية، والتأكيد على أن مشروع الجماعة الوطنية هو مشروع وطني وحضاري وسياسي جامع، والتأكيد على النضال من أجل تحقيق أهداف ثورة يناير عبر السلمية كخيار للشعب المصري، الرغبة الصادقة في الحفاظ على الدولة بكافة مؤسساتها باعتبارها ملك للشعب المصري، مؤكدا على التمسك بحقوق الشهداء كحقوق شرعية قانونية لا تسقط بالتقادم، تستلزم إعمال مبادئ العدالة الانتقالية في الأحداث التي مرت بالبلاد منذ ثورة يناير حتى الآن، بواسطة هيئة قضائية مستقلة متوافق عليها بين القوى الوطنية، وضرورة تعديل البنية التشريعية بما يضمن تحقيق التوازن بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية[8].

وأشارت تقارير أخرى إلى أن جماعة الإخوان مستبعَدة بالكلية من مثل تلك الدعوة، وقلل مراقبون مصريون من فكرة انفتاح النظام على جماعة الإخوان في الوقت الحالي، فالنظام في موقع قوة وليس ثمة ما يدفعه إلى تقديم تنازل مجاني لحركة تم تقويض أذرعها في الداخل ودبت بين أجنحتها الصراعات.[9]

وتشى إحالة الحوار إلى المؤتمر الوطني للشباب التابع للأكاديمية الوطنية التي يترأس مجلس أمنائها السيسي، بحالة التجريف السياسي لمصر من الكوادر التي كانت تظهر عقب كل مؤتمر للشباب، فلم تعد تلك الوجوه، لا من تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ولا من مؤتمرات الشباب، بقادرة على مواجهة الأعباء الاقتصادية والسياسية التي فرضتها المرحلة، ولا حتى على تسويق إنجازات النظام التي يحيط معظمها الوهم، ولا حتى على إقناع الخارج بأن هناك عملية سياسية ما في هذا البلد رغم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وتعديلات قانون المجتمع المدني وغيره، حيث يسيطر الطابع الأمني القمعي للنظام على كل الملفات، وليس مقتل الباحث أيمن هدهود بآخر تكشيراته التي نسفت جهود تحسين الصورة مؤخرا.

وإذا افترضنا استبعاد الإسلاميين بعد نجاح النظام نسبيا في فصل السياسي عن الاقتصادي في ملف التعامل مع المعارضة في الخارج ومحاولته إصلاح علاقاته بقطر وتركيا دون تحقيق مكاسب للمعارضة في الخارج بل على حسابها أحيانا، فإننا إذن بصدد حوار مع شركاء ٣٠ يونيو من أجل استعادة الزخم وإسكات الأصوات الناقدة بالداخل لاستكمال رئاسته حتى ٢٠٣٠، وهذا يستدعى بعضا من التنازلات في ملف معتقلي هذا التيار وأحزابه لإثبات جدية الحوار وإمكانية إيجاد مرشح في ٢٠٢٤ لإقناع الخارج ببعض من جديتها حال الوصول إليها من دون انفجار اقتصادي واجتماعي، مع العزف على نغمة التوحد خلف النظام والدولة في مواجهة أزمة اقتصادية واجتماعية حادة سابقة على كورونا وعلى الأزمة الأوكرانية، وهي من صنعه بشكل كبير، يحاول التخلص من مسئوليتها بأي وسيلة.

سقف المعارضة المدنية على ماذا يتم التفاوض؟

عقب إطلاق الدعوة للحوار جرى التسويق لها من قبل المعارضة أكثر من النظام بأنها فرصة ذهبية لفتح أي ثقب في المجال العام المغلق، وجرى التهليل كثيرا لهذه الدعوة ونتائجها قبل أن تبدأ لكن ما تكشف عنه تطورات الأحداث سواء العدد المحدود للإفراجات أو حتى التصريحات الصحفية للمنضوين تحت لواء هذا الحوار كما في تصريحات خالد داوود الرئيس السابق لحزب الدستور وأحد معتقلي النظام، حول الحوار ثم عودته لتأكيد الذم بما يشبه المدح عبر تصريحاته لصحيفة المشهد.

حيث قال خالد داوود، في لقائه مع صحيفة اليوم السابع أنه “لإثبات حسن النية، طالب الجهات الأمنية بالإفراج عن قائمة تضم ٣٣ اسماً، من بينهم ٢٥ مسجوناً احتياطياً، وثمانية صدر بحقهم أحكام مثل حسام مؤنس وزياد العليمي وعلاء عبد الفتاح ومحمد أوكسجين وأحمد دومة وفاطمة رمضان”  مضيفا أنه سبق وأن دعي للحوار لكنه لم يحضر مشترطا خروج عدد من السجناء حتى تكون بادرة طيبة للحوار والمشاركة فى الفعاليات المختلفة، وقال: هذا بالتأكيد ليس نوعاً من فرض الشروط لأننا لا نستطيع أن نفرض شروطنا على الدولة، وإنما مجرد طلب، ولذلك فإن ما ساعدني على المشاركة هذه المرة هو إخلاء سبيل الـ ٤١ سجينا.”

في اليوم التالي خرجت صحيفة اليوم السابع بعنوان يحمل إشادة من داوود بوطنية النظام. [10] وهو الأمر الذي أثار غضب داوود وأصدقائه في مواقع التواصل واضطر للتأكيد أنه جرى تحريف الحوار معه ليعود ويقول إن ما يمثل موقفه هو تصريحاته لصحيفة المشهد.[11]

العجيب أن تصريحاته لصحيفة المشهد أسوأ بكثير مما ذكر في عناوين حواره مع اليوم السابع، حيث أشار إلى “أن جميع الأسماء التي تم تسليمها في حفل الإفطار بإجمالي 33 اسما، موجودين داخل السجون ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام، فنحن لم نطالب بإطلاق سراح أشخاص يهددون استقرار الدولة، بل هم سجناء رأي، ونحن نطالب بإغلاق ملف سجناء الرأي نهائيا خاصة ملف سجناء 2019 ونبدأ في فتح صفحة جديدة” أي أن ملف المعتقلين لديه يتوقف على معتقلي تياره تماما بل والمعتقلين في ٢٠١٩، ويعبر عن انحدار سقف طموح تلك القوى وانسحاقها إلى أبعد مدى كما في تصريحه “نحن لم نذهب لنتفاوض أو نعلن تأييدنا أو نقوم بالتطبيل، نحن ذهبنا فقط لعرض مطالبنا وخلق أجواء إيجابية، وتقليل حالة الاحتقان، خاصة وأننا مقبلون على أزمة اقتصادية طاحنة بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية، وهذا يتطلب أن نعمل سوياً، وهذا لن يحدث ونحن يتم إلقاء القبض علينا واحدا بعد الآخر”.

ورد على منتقديه بأن “الكثير من منتقدي دعوة الحوار موقفهم في الأساس يقوم علي ضرورة الإطاحة بالنظام أو التشكيك في شرعيته، وهذا ليس موقفنا كأحزاب معارضة، فنحن نعمل في إطار القانون والدستور، ونعارض السيسي، عبر ترشيح مرشح آخر أمامه، مثلما ما حدث وترشح حمدين صباحي في 2014”[12]

واستباقاً لموجة نقد متوقعة لرموز المعارضة الذين حضروا حفل الإفطار، فإن هؤلاء صرحوا للعديد من المواقع والقنوات أنهم اشترطوا خروج بعض المعارضين، وذكر هؤلاء أن الترتيب لحفل الإفطار وجلسات الحوار المقرر عقدها بعد عيد الفطر، بدأ بعقد قيادات بجهاز سيادي عدة لقاءات قبل وبعد إفطار الأسرة المصرية مع عدد من أفراد القوى السياسية والحزبية وعلى رأسهم حمدين صباحي وآخرين لمطالبتهم بحضور حفل الإفطار والمشاركة في الفعاليات الرسمية للدولة خلال الأيام المقبلة، وهو ما قابله صباحي والقيادات الحزبية الأخرى باشتراط خروج بعض المعارضين السياسيين من السجون وعلى رأسهم حسام مؤنس عضو حزب التيار الشعبي، وزياد العليمي عضو حزب المصري الديمقراطي، والصحفي هشام فؤاد، والمحامي محمد الباقر، والمدون محمد أكسجين وآخرين، وهو ما أبدى ممثلو الجهاز السيادي استجابة له بشرط أن يلتزم كل من سيفرج عنه من النشطاء الصمت وعدم توجيه الانتقادات للسلطة.[13]

وفي اليوم التالي للدعوة صرح فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الذي شارك في السلطة بعد الانقلاب عبر رئيس الوزراء حينها حازم الببلاوي ونائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين، وأقر في عهده قوانين منع التظاهر واستخدم الجيش في مواجهة الإضرابات، في بيان على صفحة الحزب أنه يودّ أن يكون الحوار بداية حقيقية لفتح المجال السياسي ووضع المعارضة في مكانها الصحيح في الحياة السياسية، بشرط أن يترتب على تفعيل لجنة العفو الرئاسي، إصدار عفو لكل المحبوسين على ذمة قضايا الرأي. ودعا للحد من استخدام العقوبات السالبة للحرية.[14]

ويبدو أن سقف العديد من رموز هذه المعارضة المدنية شديد التواضع بحيث أن الهدف الأقصى لهذا النوع من المعارضة هو إخراج أصدقائهم من السجون، وهو ما يوافق مصلحة ضرورية للنظام في تبييض ساحته بإغلاق ملف معتقلي الرأي واستعادة روح تحالف ٣٠ يونيو والقوى السياسية المستأنسة التي تعمل في إطار النظام وترتضي بالمرتبة الثالثة بعد الأصوات الباطلة ويكون نضالها عبر المشاركة في انتخابات صورية ثم بإخراج معتقلي ما قبل الموسم الانتخابي.

على جانب آخر هناك من تراودهم الشكوك التي تكاد تصل إلى يقين بأن الهدف من الدعوة للحوار هو رغبة النظام في توزيع مسئوليته وفشله في ملفات عدة مثل النيل والديون على عدد أكبر من الشركاء الإسميين والعبور بهم إلى فترتين رئاسيتين جديدتين مرتدياً مسوح التعددية، ومع ذلك يرون أن علينا جميعاً التكاتف من أجل دفع هذا النظام إلى اتخاذ اجراءات جادة وحقيقية، ولهذا أطلقوا بعضا من الشروط الموضوعية لضمان جدية الحوار مع مطالبات بالتوقيع عليها.[15]

ويبدو أفضل المتفائلين بالحوار من أحزاب القوى المدنية متشككا، فالنائب السابق بالبرلمان أحمد الطنطاوي، رئيس حزب الكرامة ورغم مشاركته في العملية السياسية والانتخابات البرلمانية فإنه استبعد بالتزوير الفج، ووفقا له إما أن يكون الحوار المرتقب له جدول أعمال محدد، وإذا اتفقوا عليه سيكون هذا هو محل الاتفاق، وإذا لم يتفقوا عليه فلا يوجد معنى أن يطلب منهم أحد شهادة بالسماح عما فات أو بالإقرار عما هو آت.

ووفقا للطنطاوي، الذي نظم حزبه اجتماعا للأحزاب المدنية في ٧ مايو ٢٠٢٢، فإنهم يطالبون بحوار حقيقي على قدم المساواة في خمسة محاور (الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي- والإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، الإصلاح التشريعي والمؤسسي، وحقوق الإنسان والحريات العامة إلى جانب محور الأمن القومي والمصالح الوطنية)، سيتم تقسيمها على لجان اقترحوا تشكيل أمانة فنية لكل منها، لتحديد مهام المسؤولين عن إدارة جلسات الحوار وجدول أعماله، كما اقترحوا تشكيلها مناصفة بين المؤيدين والمعارضين وأن يكون الحضور في كل الجلسات وكل المحاور مناصفة بين المؤيدين والمعارضين.

على أن يترك للأمانة الفنية مسؤولية الإعداد للمؤتمر، وجدول أعماله وإدارته، وكذلك متابعة نتائجه وإطلاع الرأي العام بتقارير شهرية لمدة 12 شهراً بعد المؤتمر توضح مدى التقدم أو المماطلة في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلال المؤتمر في المحاور الخمسة.

ومن المقترح أيضا أن يحضر الحوار ممثلو الحكومة ورؤساء الهيئات البرلمانية، وأن يكون ممثلو الحكومة حاضرين بما يطلب منهم من معلومات وأرقام تسمح للمتحاورين أن يكوّنوا رأي على قاعدة من معرفة صحيحة، وعندما ننتهي لنتائج تكون قابلة للتنفيذ عن طريق الحكومة أو البرلمان، ونسعى لتوافق قوى المعارضة والحركة المدنية الديمقراطية على تلك الرؤية، وقد حصر حزبه ٧٠٠ سجين رأي خلال ٢٤ ساعة وقدمها للجنة العفو الرئاسي.[16]

قرارات العفو الروتينية عندما يعاد تسويقها بمبالغة:

بينما يتم الترويج لهذه الموجة من العفو عن محبوسين ومعتقلين سياسيين سواء عبر انتهاء فترة الحبس الاحتياطي أو عبر ضغوط لسفارات وتقارير دولية، فإن متابعة العفو الروتيني عبر السنوات السابقة تنبئنا أن هذه الجولة من العفو أقل من المعدل العام ومع ذلك لارتباطها بالدعوة للحوار ارتبطت لدى المعارضة بإثبات الجدية في الحوار الذي تمت دعوتهم إليه وليسوا أصحاب مبادرة فيه، وهو ما يفسر حالة التهليل للحوار من دون أجندة حتى الآن.

وبينما يحاول البعض عقلنة عملية العفو والبحث عن أدوات أكثر موضوعية لإدارتها بعيدا عن أجواء الكراهية والاستقطاب يستخدمها البعض الآخر للتسويق السياسي لنفسه بادعاءات الانجاز الوهمية في هذا الملف الذي لا يكاد النظام يطلق سراح مجموعة من المعتقلين حتى يقوم بإحلالهم بمعتقلين جدد أكثر عددا وأقل شهرة، كما لو كانت وسيلة التفاوض الوحيدة لديه هي ملف المعتقلين.

والحقيقة أن الزخم الإعلامي موجَّه نحو مسألة العفو مع إغفال أية مؤسسية بلصقه بالرئاسة، حتى إنه يسمَّى بالعفو الرئاسي واللجنة مسماة بلجنة العفو الرئاسي، وفي ٤ مايو ٢٠٢٢، أطلقت لجنة العفو الرئاسي تلك، استمارة إلكترونية لاستقبال طلبات العفو، على موقع “المؤتمر الوطني للشباب”، وتصدرت صفحتها عبارة “مبادرة السيسي للإفراج عن الشباب المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصدر بحقهم أية أحكام قضائية وتثور عدة أسئلة حول من يمكنهم التقدم بطلب للعفو هل هم المحكومون أم من لم تصدر بحقهم أية أحكام؟.[17]

لكن تحاول المعارضة المدنية هذه المرة الاستفادة بتلميع الأشخاص الجدد الذين أدخلوا للجنة وتحديدا كمال أبوعيطة والمحامي طارق العوضي، الذي لا يحتمل أية أسئلة حقيقية حول اللجنة وجديتها ويعتبرها ضمن حملات التشكيك في الحوار برمته مع التزامه بسردية النظام بوصف جماعة الإخوان المسلمين برمتها باعتبارها “جماعة إرهابية”، حيث صرح في دفاعه عن اللجنة قائلاً “إنه بات واضحا لكل ذي عقل أن هذا الهجوم مبرر جدا من جانب جماعة الاخوان “الإرهابية” وحلفائهم الهاربين في إسطنبول، وعدد من الدول والذين يقيمون اللطميات على المحبوسين، ويتاجرون بهم ويجمعون ملايين الدولارات من التبرعات تحت مزاعم الإنفاق على المحبوسين وأسرهم وهو ما لا يحدث في الواقع على الإطلاق وهذه الأموال يتم إنفاقها على هؤلاء الهاربين في الخارج”[18]

وفي هذا يبدو أن العوضي ورفاقه يزايدون على النظام نفسه في تأجيج العداء للمعارضة الحقيقية القوية للنظام وهي جماعة الإخوان وأنصارها في الداخل والخارج، ولم يتحسب هؤلاء أيضا لأية احتمالية لأن يفتح النظام حواراً مع هذه الجماعة مستقبلا وهو ما يشير إما إلى الاستعداد الذاتي للمزايدات، أو إلى معلومات حقيقية بأن الحوار والعفو الرئاسي لن يشمل معتقلي الإخوان المسلمين، أو أيا ممن تم تلفيق قضايا لهم بعد انقلاب الثالث من يوليو ٢٠١٣.

بل يبدو من حديث العوضي وأعضاء آخرين باللجنة أنها تحاول أن تعزز موقفها والأرقام التي ستضيفها لملف إنجازاتها، بضم ملف الغارمين والغارمات والحالات الإنسانية لنطاق عمل اللجنة، وهو ملف لم يكن على أجندتها وإنما كان يتم بشكل مباشر عبر الرئاسة وأجهزة وزارة الداخلية.

وهنا تثار أزمة أخرى بشأن اللجنة التي كانت تعمل لسنوات منذ ٢٠١٤ ويتم الترويج لها بينما ليست لديها حتى قاعدة بيانات بالمعتقلين السياسيين سواء المحبوسين احتياطيا أو أولئك المحكوم عليهم في قضايا ومتداولة إعلاميا، الجديد هنا أن اللجنة تطلب من كل من له معتقل أن يقوم بالتسجيل ضمن طلبات العفو، فإذا لم تتح اللجنة بياناتها عن أعداد المتقدمين بطلب للعفو عن ذويهم وقاعدة بيانات حقيقية حول أعداد المعتقلين السياسيين وعدد المفرج عنهم بقرارات تمت بفضل اللجنة أو ضمن أية مبادرات أخرى فإنها لن تكون قد أنجزت الكثير وقد تصب تصريحات أعضائها ضمن محاولات وأدوات تحسين صورة النظام فقط.

بل إن الملاحظ أن الأعداد التي تم العفو عنها هذا العيد هي الأقل وأنه حتى الآن فإن الأعداد الأكبر تمت عن طريق قطاع الحماية المجتمعية بمصلحة السجون ولجان لفحص ملفات النزلاء على مستوى الجمهورية، التي تتشكل لتحديد مستحقي الإفراج بالعفو عن باقى مدة العقوبة، حيث انتهت أعمال اللجان في عيد الفطر الحالي للعام ٢٠٢٢ إلى انطباق القرار على ٩٨٦ نزيلاً ممن يستحقون الإفراج عنهم بالعفو وتأتي القرارات غالبا بعد تعاون جمعيات أهلية لسداد ديون الغارمين والغارمات وهي التي يتم جمع أموال عبر دعاية مكثفة لها أثناء المسلسلات الرمضانية، وقد كانت هذه الموجة من العفو مصحوبة بانتزاع إشادات بالتطورات في قطاع السجون أو ما يعرف بمراكز الإصلاح والتأهيل التي لم تشهد البلاد مثيلا للتوسعات في إنشائها من قبل.[19]

ومعروف أن هذه قرارات روتينية تأتي بمناسبات عدة مثل الاحتفالات بالأعياد الدينية وبالذات عيد رمضان وعيد الأضحى أو الأعياد الوطنية مثل عيد الشرطة، بل وفي عيد الشرطة السابق تم إطلاق سراح أكثر من خمسة أضعاف هذا الرقم بواقع 4871 سجينا[20].

الأمر الأشد غرابة أنه بينما يسوق هؤلاء للرغبة الصادقة للنظام في إنهاء ملف معتقلي الرأي، فإن الحوار جاء بالتزامن مع القبض على العديد من غير المحسوبين على تيارات الإسلام السياسي ومن لا يسهل مطلقا اتهامهم في قضايا عنف، مثل الإعلامية هالة فهمي وفرقة ظرفاء الغلابة قبل الدعوة بأيام، ومؤخرا الباحث البرلماني أمجد الجباس الذي اعتقل أثناء عودته من الخارج لقضاء عطلة عيد الفطر مع أسرته في نفس يوم الدعوة للحوار، والحقيقة أن أيا من هؤلاء لم يطالب بتغيير النظام ولا يمتلك جمهورا أو أدوات قادرة على التحرك في هذا الاتجاه. رغم أن مثل هذه الدعوات لا تؤخذ بالجدية الكافية ولا تقود لحبس أنصارها في أي نظام يسعى للانفتاح على المعارضة السياسية.

البحث عن الشمولية في الحوار:

برغم أن الخطاب العام للنظام يتبنى فكرة الشمولية في الحوار باعتباره حوارا شاملا “الذي لا يستثني أية قوة”، وأن “الوطن يتسع للجميع، وأن “الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية” بتعبير السيسي، إلا أن ما تشير إليه التطورات حتى الآن أنه وبرغم تبني هذا الشمول لا تزال فكرة مناقشة أي ملف آخر غير الملف الحقوقي الخاص بأحزاب التيار المدني أو خروج معتقلي الإسلاميين أو حتى إجراء مفاوضات مع أطراف منهم أو أطراف مقربة، مستبعدة ولو لم يتم تداولها في الإعلام بشكل عام لكن هناك إشارات أن اللجان الحالية التي أعلن عن أنها ستدير الحوار غير مختصة بملف الإسلاميين وأن هناك جهات أخرى ربما تتولى الملف.

وبرغم أن الكتلة الأكبر من المعتقلين السياسيين لا علاقة لها بالعنف وغير مسجلة في قضايا عنف أصلا والكثيرين منهم ليسوا من الإسلاميين وكان اعتقالهم محض صدفة وحظ عثر مع أجهزة أمنية غير احترافية، فإنه من غير المتوقع أن يصدر عفو عن هؤلاء، وحتى إن افترضنا وجود إرادة سياسية أو ضغوط خارجية لإنهاء ملف هؤلاء، فسوف يكون هناك جدولة لإخراج هذه الأعداد الضخمة على فترة مطولة حتى لا تحدث حالة من الزخم في المجتمع تشير إلى تنازل كبير من قبل النظام.

حيث يواجه النظام معضلة مصداقية الدعوة للحوار لدى المؤسسات الحقوقية في الخارج، حيث تشتد المتابعة لملف المعتقلين السياسيين وملف تدوير المعتقلين على قضايا جديدة وهم بداخل السجون، وملفات التعذيب والاختفاء القسري، وفي نفس الوقت فإن الاحتفاظ بأكبر قدر من المعتقلين يعد هو الوسيلة الأهم لإثبات سيطرة النظم العسكرية المماثلة وقدرتها على إدارة المشهد مرتبطة بسحق الخصوم على هذا النحو، ومن هنا فإن اعتقال مؤثرين جدد أو حتى دفعات جديدة من الإخوان والنشطاء السياسيين غير المعروفين للأوساط الحقوقية قد يكون خيارا واردا جدا وله مؤشرات خلال الأسابيع الماضية.

تشير بعض الشروط المنشورة لـ “التحالف المدني الديمقراطي” إلى تشكك في الشمولية من حيث الجوانب والموضوعات التي سيناقشها الحوار، واقترحت الحركة أن يتوزع جدول الأعمال خلال الحوار على محاور أساسية، أهمها “الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي، والإصلاح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية، والإصلاح التشريعي والمؤسسي، وحقوق الإنسان والحريات العامة، والأمن القومي والمصالح الوطنية وتعميق المواطنة ومكافحة التمييز”.[21] وحال تناول الحوار هذه المحاور بشيء من الجدية يمكننا القول إنه يتصف بالشمولية لأغلب القضايا التي تهم الشارع المصري ويمكن بناء آمال على هذا الحوار إذا ما اقترن بمخرجات يتم تنفيذها.

قد يكون النظام بحاجة لوجوه جديدة، وفقا لتقارير الجهات السيادية وبعض المنتقدين من داخل النظام حول سأم المواطنين من نفس الوجوه القديمة التي اعتمد عليها السيسي طيلة سنوات سواء في الإعلام أو حتى مؤتمرات الشباب وعدم قدرتها على الاستمرار في إقناع الناس، وكخطوة من السلطة للاعتماد على قيادات وكوادر سياسية جديدة لإدارة المرحلة القادمة السابقة على الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام ٢٠٢٤.[22]

خاتمة

بينما يدرك البعض ضرورة البحث عن جبهة موحدة قبل خوض أية حوارات مفترضة لتحقيق بعض المكاسب في مواجهة أحد أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في التاريخ المصري، فإن البعض يذهب بسقف التفاوض إلى مستوى من التواضع يجعل النظام المستفيد الأول من مثل هذه الحالة باستبعاد خصومه الرئيسيين والتفاوض مع معارضة هشة، حيث التفاوض يصبح تحت تهديد السلاح ومن ينسحب يعرف أن مصيره إلى السجن.

بالرغم من محاولة البعض في الداخل لصياغة أجندة للحوار وإسباغ الجدية عليه فإن هذا يبقى من عمل النظام، ومدى قدرته والوجوه المحسوبة عليه على تقبل مستوى أعلى من المعارضة، وليس فقط مجرد إخراج اعتيادي لعشرات من أنصار تحالفه السابق على ٣ يوليو ضمن قدرته على العفو والعقاب القادم من شخص السيسي ومؤسساته السيادية، وضمن معادلة تبريد الشارع الذي يقبع على صفيح ساخن جراء الأزمة الاقتصادية، وتتحقق مصلحة مشتركة للنظام وهكذا معارضة هشة من التخوف القائم على أن أية حركة حقيقية للشارع في هذا الظرف قد تدهس الجميع.

رغم محاولة النظام إبداء إشارات متضاربة بأن الحوار سيشمل الجميع بلا استثناء، فيما معارضته الهشة في الداخل تزايد عليه في مسألة الشمولية تلك أحيانا من خلال التصريحات الخاصة بالأعضاء الجدد للجنة العفو أو من خلال بعض الرموز، يبقى على المعارضة في الخارج أن تصبح أكثر جدية وأن تطرح تصورها الخاص للحوار ومساره بعيدا عن أية محاولات لاستدراجها في سيناريوهات تجميل الديكتاتورية، ودون انفصال عن الشارع ومطالبه، ومع إعطاء أولوية للملفات الاقتصادية والاجتماعية جنبا إلى جنب مع الملف السياسي والملف الإنساني للمعتقلين جميعا من كل التيارات.

قد تكون المعارضة في الخارج حاليا مشتتة وضعيفة، وقد تكون المعارضة بالداخل شديدة الهشاشة في الوقت الراهن، وقد تكون جميعها وصلت لنقطة إدراك أنه لن يسقط النظام الحالي بضربة قاضية، لكنها يمكنها أن تصبح أفضل بعمل جماعي توافقي، وأن تدير حوارا بينيا مباشرا يؤتي نتائج أفضل من أية حوارات مباشرة مع النظام في الوضع الحالي، عليها أن تستحضر تجارب عمل جمعوي في العقدين السابقين على إسقاط مبارك، ثم بعدها يمكن أن تخوض حوارات مع النظام تفضي لمكاسب سياسية واقتصادية واجتماعية حقيقية.

ومع افتراض استبعاد تيار الإسلام السياسي من الحوار، فما لم يثبت النظام جديته في الحوار والتفاوض مع هذه القوى السياسية على هشاشتها، عبر مناقشة أجندات حقيقية للحوار حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية ومسئولية السياسات الحالية عنها وكيفية توقيفها، فإنه يكون قد اكتسب مزيدا من الوقت مع حرق هذه القوى السياسية عبر حوار الطرشان هذا لكنه أيضا يكون قد أحرق آخر أوراقه في أية محاولة لإيجاد مناخ يسمح ببقائه حتى 2030، وتصبح الأحزاب المشاركة في مثل هذا الحوار حال استمرارها فيه بمثابة المشاركين في صناعة مناخ وخطاب شعبوي يكفر بالسياسة والأحزاب والسياسيين، ولا يدعم أية عملية تحول لا إصلاحي ولا حتى ثوري في المستقبل.


الهامش

[1] عبد العظيم حماد، الخلفية السياسية لدعوة الحوار الرئاسية، مدى مصر، ٩ مايو ٢٠٢٢، https://bit.ly/3L4Bx7p

[2] قناة رئاسة الجمهورية المصرية على يوتيوب، كلمة السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية، بتاريخ ٢٦/٤/٢٠٢٢، https://bit.ly/3l1umC5

[3] أحمد علاء، 13 تكليفا من الرئيس السيسي للحكومة في حفل إفطار الأسرة المصرية، جريدة الشروق، بتاريخ ٢٦/٤/٢٠٢٢، https://bit.ly/3wo6s94

[4] جريدة الشروق، أحزاب: قرارات السيسي بإفطار الأسرة المصرية تعطي دفعة إضافية قوية نحو تماسك الجبهة الداخلية، https://bit.ly/3PdWQXi

[5] العربي الجديد، زيارة سامح شكري إلى واشنطن: محاولة لاحتواء غضب الكونغرس، https://bit.ly/3L0lx69

[6] للمزيد حول الأكاديمية انظر موقع الاكاديمية الوطنية للتدريب على الرابط التالي: https://www.nta.eg/ar-board-of-trustees.html

[7] محمد عبدالله، ردود فعل متباينة حول دعوة السيسي للحوار.. تأييد وحذر وتشكيك، الجزيرة نت، بتاريخ ٢٨/٤/٢٠٢٢، https://bit.ly/3LhEemd

[8] موقع الإخوان المسلمين، بيان للناس، تاريخ النشر 10 مايو 2022، تاريخ التصفح 15 مايو 2022، الرابط: https://bit.ly/3sCxCYY

[9] جريدة العرب، السيسي يدعو إلى حوار سياسي شامل، فهل يشمل الإخوان انفتاح جاد على التغيير أم مناورة لتجميل النظام أمام العرب، بتاريخ 23/4/2022، https://bit.ly/398MirS

[10] محمد إسماعيل، خالد داوود لـ”اليوم السابع”: النظام المصرى وطنى حتى وإن اختلفنا معه ودخلنا السجن.. نسعى لإنجاح الحوار الوطنى وحالة الحراك التى دعا إليها الرئيس.. قلت للرئيس السيسى نريد أن نبدأ صفحة جديدة فقال إن شاء الله قريبا، اليوم السابع بتاريخ ٢٩/٤/٢٠٢٢، https://bit.ly/3yuCoe

[11] يمكن مراجعة الصفحة الشخصية للصحفي خالد داوود على فيسبوك، على الرابط التالي، https://bit.ly/3FyCLX8

[12] بسمة رمضان، خالد داوود لـ”المشهد”: طالبنا بعفو وإخلاء سبيل لـ 33 سجين رأي بينهم علاء وزياد والباقر ودومة، صحيفة المشهد، بتاريخ ٢٧/٤/٢٠٢٢، https://bit.ly/3M7JmdD

[13] بيسان كساب وآخرون،سياسيون عن «إفطار الأسرة المصرية»: اشترطنا خروج المساجين قبل المشاركة.. وحصلنا على وعد بإطلاق سراح مؤنس والعليمي وآخرين، مدى مصر، بتاريخ ٢٧ أبريل ٢٠٢٢، https://bit.ly/38dAJzL

[14] انظر صفحة الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي على فيس بوك، بتاريخ ٢٧/٤/٢٠٢٢، https://bit.ly/39dUUO4

[15] يمكن مراجعة صفحة السياسي وعضو حزب التيار المصري إسلام لطفي وموقع Change، على الرابط التالي: https://bit.ly/3wEsKUz

[16] رنا ممدوح، أحمد الطنطاوي: صباحي لم يطلب من السيسي خروج حسام مؤنس وحده.. و«الكرامة» حصر 700 سجين رأي خلال 24 ساعة وقدمها لـ«العفو الرئاسي»، بتاريخ ٨ مايو ٢٠٢٢، https://bit.ly/3M7Ec1c

[17] أحمد عويس، عضو العفو الرئاسي: ربما يكون هناك قائمة لمن لم يتم الحكم عليهم وأخرى للمحكوم عليهم، بوابة الشروق، بتاريخ ٤ مايو ٢٠٢٢، https://bit.ly/3FwvDdP

[18] بوابة أخبار اليوم، سيخسرون الملايين ..طارق العوضى يرد على حملة الإخوان ضد لجنة العفو، بتاريخ ٣/٥/٢٠٢٢، https://bit.ly/3kY277j

[19] محمود عبد الراضي،المفرج عنهم بعفو رئاسى: تعلمنا الدرس ولن نكرر أخطاءنا، اليوم السابع، بتاريخ ٣/٥/٢٠٢٢،  https://bit.ly/3speldu

[20] البيان نيوز، الآن.. pdf بالأسماء العفو الرئاسي 2022 والمفرج عنهم في ذكرى احتفال عيد الشرطة 70 وثورة 25 يناير، https://bit.ly/395TBR7

[21] الجزيرة نت، مصر.. “الحركة المدنية الديمقراطية” تعلن شروطها لقبول دعوة السيسي للحوار السياسي، بتاريخ ٨/٣/٢٠٢٢، https://bit.ly/3L0bY7k

[22] بيسان كساب وآخرون، مرجع سابق.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً
Close
زر الذهاب إلى الأعلى
Close