دراسات

الدور المصري في أفريقيا المتغيرات والتهديدات

 

(1) مقدمة:

إن عالم ما بعد انتهاء الحرب الباردة في أواخر ثمانينيات القرن العشرين يعتبر أحد المراحل الهامة في عملية التغيير داخل كل من النظامين الدولى والإقليمى، حيث شهدت تلك المرحلة تغييرات أيديولوجية تكرس النفوذ الليبرالى الغربى، وتؤكد على التراجع الأيديولوجي الماركسى الشرقى، ليس داخل القارة الأفريقية فحسب، وإنما في أرجاء العالم المختلفة، واقترن بذلك وجود تغييرات في الأوضاع الداخلية للدول الأفريقية، وفى منظومة علاقاتها على المستويين الدولى والإقليمى، وفى ظل عملية التغييرات تلك على هذين المستويين، ظلت التوجهات والسياسات والممارسات المصرية أكثر انشغالاً بالشئون الداخلية تارة، وأكثر اهتماماً بدوائر العلاقات الخارجية الأخرى وعلى حساب الدائرة الأفريقية تارة أخرى، وهو الأمر الذى أفضى إلى تراجع الدور الفاعل لمصر داخل أفريقيا.

وبناءً على ذلك يمكن في إطار التناول والتعامل مع موضوع الدراسة التركيز على ثلاثة محاور رئيسية تتداخل وتتفاعل فيما بينها لتوضيح ولإقرار واقع تلك التهديدات والتحديات المؤثرة على الدور المصرى، وفى التأكيد على مدى وكيفية تأثير المتغيرات الدولية والإقليمية على القيام بدور مصرى رائد وفاعل داخل القارة الأفريقية، المحور الأول، المتغيرات الدولية في أفريقيا في أعقاب انتهاء الحرب الباردة، والمحور الثاني، التهديدات والتحديات الدولية المؤثرة على الدور المصرى فى أفريقيا، والمحور الثالث الإستراتيجية المصرية المقترحة للتعامل مع تهديدات وتحديات المتغيرات الدولية.

المحور الأول: المتغيرات الدولية في أفريقيا بعد الحرب الباردة:

أولاً. أنماط وأطراف وأسباب التنافس الدولي في أفريقيا:

في أعقاب انتهاء الحرب الباردة ليس من الصعوبة التعرف علي أوجه التدخلات وأساليب الهيمنة التي تمارسها الدول والقوي الأجنبية في شئون الدول الأفريقية، وأطراف هذه المنافسات بجانب الولايات المتحدة الأمريكية الدول الأخرى ذات التاريخ الاستعماري مثل فرنسا وانجلترا وايطاليا وبلجيكا والبرتغال وأسبانيا وألمانيا، فضلاً عن دول أخرى ليس لها سابق عهد بالاستعمار في مرحلتى التكالب على أفريقيا مثل روسيا، والصين واليابان والهند وإيران وتركيا واسرائيل وغيرها، فهي موجودة وتمارس فعلها في تغيير المضامين، والسياسات والسلوكيات والممارسات داخل تلك الدول، وعلي مستويات عديدة سواء كان سياسيا / دبلوماسياً، أو عسكرياً / أمنياً، أو اقتصادياً / اجتماعياً، أو ثقافيا وغيرها. ويبدو أن هناك عِدّة عوامل تساعد على خلق نوع جديد من التنافس والصراع في أفريقيا ومنها:2

1. الحاجة للموارد الموجودة في دول القارة إلى حدٍ كبير وخصوصاً النفط والمعادن الإستراتيجية الأخرى، وكذلك الحاجة لأسواقها. وكذلك الحاجة إلى الدعم والتحالف السياسي والاستراتيجي خدمة لمنظومة أهداف ومصالح الدول والقوى الفاعلة وصاحبة المصالح في أفريقيا.

2. استمرار أهمية المواقع الإستراتيجية لدول القارة، خاصة المطلة منها على الممرات المائية وطرق التجارة العالمية وبالتحديد المحيط الهندي والمحيط الأطلسي وباب المندب ومضيق جبل طارق، ورأس الرجاء الصالح والبحر الأحمر والبحر المتوسط، وهي ما زالت عوامل حاسمةَ بالنسبة إلى المصالح الغربية، وخصوصاً الأمنية منها. فقرب منطقة القرنَ الأفريقي من منطقة الخليج العربي، وأهمية البحر الحمرِ لعبورِ النفطِ، وأهميته الإستراتيجية لحالاتِ الحصار البحريةِ المحتملةِ، أدّى إلى تزايد الدعم المالي الواسعِ المقدم ـ ببلايين الدولارات ـ مِنْ جانب قوى العالمَ العظمى للعديد من الأنظمة الاستبدادية والعسكرية سواء لاحتواء الميولِ التوسّعية لبعض الدول الفاعلة الدولية المنافسة، أو للحصول على الدعم الكامل من جانب أنظمة محددة في المنطقة لمساعدتها في تنفيذ وتحقيق أهدافها ومصالحها.3

3. ظهور الإسلام كأحد الأيديولوجيات المعاصرة التي تسعى من خلال بَعْض الأفرادِ والجماعات السياسية لتنظيم أنفسهم ومؤيديهم في تَحدّي الغرب وفي مواجهة سياساته وممارساته، في مناطق عدة من العالم، ومنها القارة الأفريقية.

هكذا تعمل القوى الكبرى على تنمية نفوذها في القارة، فالولايات المتحدة تحاول استغلال أدواتها السياسية والاقتصادية والعسكرية من خلال تفردها بقمة النظام العالمي، بينما تعمل القوى الأخرى من خلال روابطها السابقة مثل الفرانكفونية والكومنولث، أو من خلال إنشاء روابط أو منتديات جديدة بينها وبين أفريقيا مثل الصين واليابان وقانون “الفرص والنمو الأفريقي الأمريكي“AGAD” ، وأيضاً من خلال العلاقات الثنائية في محاولة من الدول الكبرى أن تستغل أية ميزة نسبية لها في هذا المجال، حيث تستخدم جميع القوى الكبرى في هذا السياق العديد من الأساليب والأدوات من تعاون ثنائي والبرامج المشتركة والتسهيلات والدعم المالي وجدولة الديون والمعونات العسكرية وتأهيل وتدريب الكوادر وتبادل المعلومات وغيرها، وذلك من خلال إستراتيجيات الترغيب والترهيب.4

ثانياً: تعاظم اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بأفريقيا:

خلال هذه الفترة الانتقالية تسجل الولايات المتحدة الأمريكية تقدماً ومكاسب متنوعة، نتيجة دخولها لتحل محل نفوذ الاتحاد السوفيتي ومعسكره سابقاً بشكل عام أو بشكل جزئي، طبقاً لأوضاع كل حالة أو كل دولة في أفريقيا ومن بين هذه الدول يوجد عدد من الدول الفرنكفونية، مثل جيبوتي والمغرب والجزائر وتونس وموريتانيا، والسنغال والكونغو الديمقراطية وساحل العاج وغيرها، وهذا يحدث قلقاً واهتماماً في السياسة الفرنسية تجاه القارة الأفريقية، فهي تسعي منذ فترة لطرح وتنفيذ إطار جديد أو إنشاء توازن مناسب ومنضبط يحفظ لها نفوذها ووجودها الحالي، كما يعمل بأساليب متنوعة لاستعادة ما فقدته من مراكز ومناطق نفوذ تقليدية.

بعد فترة من التهميش الأمريكي للقارة الأفريقية، عاد الاهتمام الأمريكي بالقارة مرة أخرى منذ انتهاء الحرب الباردة، عبر تبنى إستراتيجية ذات أبعاد منها:5

  • التوسع الخارجي في سياق الاستراتيجية الإمبراطورية للقرن الواحد والعشرين، واعتباره من جانب بعض الأمريكيين (كولن باول وزير الخارجية الأسبق) أنه سيكون قرناً أمريكيا خالصاً.

ب – البعد الاقتصادي المتمثل في المواد الخام الاستراتيجية مثل اليورانيوم والبترول (خاصة في السودان وخليج غينيا، وغيره من المناطق) وباقي ثروات القارة وكونها كذلك سوقاً كبيرة واعدة.

ج – المواقع الاستراتيجية الهامة على السواحل الأفريقية الشمالية والشرقية والغربية اوخصوصاَ ما يتعلق منها بخطوط الملاحة البحرية.

د- أهمية الدور الأفريقي في الحملة الدولية للوقاية ولمكافحة الإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة .

وفي إطار مقارنة وتحليل النظام العالمي أثناء الحرب الباردةِ وما بعدها، فالواقع السياسي الدولي يشير إلى حرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة على خلق واقع سياسي عالمي جديد تنفرد فيه الولايات المتحدة بمكانة الدولة القائدة والمسيطرة، في ظل الأحادية القطبية التي مازالت تميز النظام الدولي في الوقت الراهن، كما يرى البعض أن هناك بُعداً آخر لهذه الظاهرةِ الاجتماعية المعقّدة، يرتكز على استنتاجين مُتَرابَطين:6

1. أن السياسة الخارجية الأمريكية وإن كانت هي العاملُ الرئيسي في تَقْرير النظام العالمي الجديد. ومع ذلك فإنه وفقاً لرؤية بعض الإستراتيجيين في الإدارة الجمهورية أنه لا توجد أي دولة في العالم ـ حتى الولايات المتحدة ـ يمكنها أن تواجه تحديات القرن الحادي والعشرين بمفردها، وعلى سبيل المثال نجد أن تحقيق النصر في الحرب ضد الإرهاب يحتاج إلى وجود شبكة عمل بين الولايات المتحدة وحلفائها.

2. أن المصلحة الاقتصادية الأمريكية هي الركيزة الأساسيةُ في تَشكيل النظام العالمي الجديد.

وتتحرك الولايات الأمريكية في أفريقيا سياسيا وعسكريا واقتصاديا كالتالي: المراجعة والتصرف العسكري التلقائي والوقائي، وضمان الوجود العسكري المناسب في المنطقة المستهدفة، وضمان التنسيق والتنفيذ الفعلي للإستراتيجية العسكرية، والاستعداد الدائم للرَدّ العسكري المناسب خلال الأزمات التي تستدعي وتتطلب ذلك، وضرورة الربط والتنسيق والتعاون فيما بين مناطق الأهداف والمصالح الأمريكية، والتوظيف المناسب لإستراتيجية التدخل والتعاون الاقتصادي.

ثالثاً: محاولات البقاء للسياسة الفرنسية في أفريقيا:

لقد كان لانتهاء الحرب الباردة انعكاسات مؤثرة على الوجود والمصالح الفرنسية ليس فقط في منطقة القرن الأفريقي فحسب، وإنما أيضا في أفريقيا بصفة عامة، وبدل أن كانت فرنسا تهيئ نفسها لتحل محل الاتحاد السوفيتي سابقا في مناطق نفوذه التقليدية، وأن تملأ الفراغ السياسي الذي نشأ بعد انهياره، وهو الأمر الذي كانت فرنسا تعول عليه في إطار التنافس الدولي داخل أفريقيا ومن أجل استمرارها كقوة عظمى ومن أجل تعظيم مكانتها العالمية، إلا أن الولوج الأمريكي إلى أفريقيا وتعاظم الاهتمام بها، أملى على صانعي ومتخذي القرار في فرنسا ضرورة إعادة تقييم سياسات وممارسات فرنسا في هذا الشأن، ومثل هذا الوضع افرز العديد من التأثيرات ومنها:

1. مخاوف الفشل من التدخل في الصراعات الداخلية الأفريقية.

2. مخاوف الاصطدام مع الوجود الأمريكي المتنامي في المنطقة.

3. محاولة توظيف المكانة الدولية والقدرات الفرنسية.

4. الاستقطاب خارج نطاق الفرنكفونية.

5. التركيزعلى استيعاب النخب الحاكمة.

6. تفكيكمحاولات التكامل الأفريقية.

إن فرنسا تسعى في إستراتيجيتها الجديدة في القارة إلى توسيع شبكة علاقاتها بحيث تتخطى مناطق نفوذها التقليدية إلى دول أفريقية جديدة كانت تابعة للنفوذ البريطاني والبرتغالي والبلجيكي والسوفيتي، وبصفة عامة فإن فرنسا تهتم بوجودها في نفس مناطق الاهتمام الأمريكي؛ ولذلك تحتدم المنافسة بين البلدين في مناطق البحيرات العظمى والقرن الأفريقي والغرب الأفريقي، بالإضافة إلي اهتماماتها بالشمال والشرق الأفريقي، كما أن سياستها الجديدة ترمي إلي فتح الحوار مع دول الجنوب الأفريقي أيضا، ولذلك فإن السياسة الفرنسية – الحالية – بشقيها السياسي والاقتصادي – تنبع من المشروع الذي أعدته وزارة الخارجية الفرنسية عام 1997، وعُرِف باسم “مشروع أفريقيا”، وكانت أهم ملامحه:8

1- تأييد إقامة أنظمة سياسية جديدة في الدول الأفريقية وفق مبادئ الديمقراطية (بالطبع وفقًا لمعايير المصلحة الفرنسية).

2- دعم العلاقات بأنواعها مع الحكومات المدنية، والعمل على تقليص دور المؤسسات العسكرية في أفريقيا.

3- إعداد كوادر سياسية واعية من الشباب، وتثقيفهم وتدريبهم سياسيًّا وحزبيًّا؛ لكي تكون النخبة السياسية الحاكمة في المستقبل تابعة لباريس.

4- دعم برامج التنمية والإصلاح الاقتصادي، مع التركيز على الدول التي تمتلك بنية أساسية معقولة.

5- إعادة تنظيم التواجد العسكري الفرنسي في أفريقيا، بحيث يضم الخبراء والمستشارين أكثر مما يضم وحدات عاملة. وبالفعل قامت فرنسا بتقليص عدد قواعدها العسكرية في القارة إلى ست قواعد فقط في دول: جيبوتي، تشاد، السنغال، كوت ديفوار، الكاميرون، الجابون، وكانت آخر قاعدة تمت تصفيتها هي قاعدة بونجي في أفريقيا الوسطي أواخر عام 1997، وذلك بعدما كانت تُستخدم للهيمنة على مناطق أفريقيا الوسطى والبحيرات العظمى.

6. إعادة النظر في العلاقات التقليدية الفرنكفونية، والتطلع لتبني عملية إعادة انتشار وتبني إستراتيجية دبلوماسيةِ وسياسيةِ فرنسيةِ تعلي من شأن مصالح فرنسا الاقتصادية بعيداً عن الفرنكفون الأفريقي وتذهب إلى مناطق جديدةِ في أفريقيا مثل نيجيريا، وأنجولا، وناميبيا، وزمبابوي وجنوب أفريقيا، وبلدان عالم ثالث أخرى مثل البرازيل، والهند، وفيتنام الخ.9

ويرى البعض أن سياسة فرنسا الأفريقية المعاصرة قد تأثرت بالعديد من العوامل ومنها:10

1. التغيرات في البيئة العالمية التي حدثت في أعقاب نهاية الحرب الباردة.

2. العولمة.

3. أن السياسة الفرنسية نحو أفريقيا لَمْ تَعُدْ مُحدَّدة بالعواملِ الدبلوماسيةِ والجغرافية السياسيةِ، والاعتبارات السياسيةِ البحتة وإنما ارتبطت بالاعتبارات الاقتصادية والماليةِ أيضاً.

4. الواقعية الجديدةِ للتوجهات الأفريقية، وخصوصا في ظل القيادات الجديدة وفي ظل سياسات الترغيب والترهيب الأمريكية في التعامل مع الواقع الأفريقي. وهو ما سمح بتنامي علاقات التعاون بين كل من الولايات المتحدة والعديد من الدول الفرنكفونية الشديدة الارتباط بفرنسا لسنوات طويلة ومنها السنغال والمغرب والكاميرون وساحل العاج وجيبوتي وتونس ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، وهكذا فإن القائمة آخذة في التزايد، في الوقت الذي تذهب فيه السياسة الفرنسية للأخذ بسياسة دفاعية تارة وبسياسة تكيف تارة أخري في محاولة منها لمجرد البقاء

5. تعاظم التنافس على أسواقِ العالم الثالثِ، وفي هذا الصدد يبدو الولوج الأمريكي إلى الأسواق الأفريقية باعتباره أمر لا فكاك عنه.

6. الانشغال وتركيز الاهتمام الفرنسي بمسألة الوحدة الأوربية، مما لاشك فيه أن التطورات التي حدثت في أوروبا الشرقية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي (سابقا)، ومحاولة استقطاب تلك الدول والسعي لضمها لعضوية الاتحاد الأوروبي، والنظر إليها باعتبارها مناطق جاذبة للاستثمارات الآمنة والمربحة، لكل ذلك وغيره من الاعتبارات فقد آثرت فرنسا الانشغال بالشأن الأوروبي، حتى وإن كان على حساب الفرنكفون الأفريقية وطموحاتها الأفريقية.

رابعاً: توسع السياسة الإسرائيلية في أفريقيا:

  • لم يكن التوجه الصهيوني نحو أفريقيا فجائياً أو غير مخطط، إنما ارتبط ببدايات تكوين الدولة اليهودية والتي سعت لتوثيق علاقاتها بدول العالم ولم تكن لتتردد عن التقدم إلى الدول المختلفة عارضة عليها نفسها. ويمكن الإشارة إلى أن المخططات الإسرائيلية تجاه القارة الأفريقية تمثل تهديداً للأمنالقومي العربي بصفة عامة، والأمن الوطني المصري بصفة خاصة، حيث تهدف إسرائيل إلىتدعيم علاقاتها بدول الجوار العربي الأفريقي بغية الالتفاف حول الأمة العربية فيشكل حزام يمتد من إثيوبيا، وإريتريا، مروراً بكينيا، وأوغندا، وتنزانيا، ورواندا،وبوروندي، والكونغو الديمقراطية، بما يهدد منابع النيل كهدف استراتيجي أول، ثمالالتفاف حول السودان عبر جمهورية أفريقيا الوسطى، مع تطويق المغرب العربي عبر تشادوالنيجر ومالي والسنغال، بل إن هناك محاولات للتغلغل في أقصى جنوب القارة.
  • ومن ثمفإن أبرز الأهداف الإسرائيلية في القارة الأفريقية تتركـز في الآتي:11التأثير على الأمن المائي والغذائي العربي، والتواجد الملاحي في البحر الأحمر، وإضعاف التأييد الأفريقي للقضايا العربية، ومحاولة الربط الأيديولوجي والحركي بين إسرائيل وأفريقيا، وتدعيم العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الدول الأفريقية، وتنفيذ السياسات الغربية وخاصة الأمريكية في القارة.

وفي سبيل تحقيق إسرائيل لسياستها التوسعية في أفريقيا تقوم بما يلي:

1. استغلال العلاقات السياسية مع دول القارة: حيث تعتمد إسرائيل في تحركها نحو تحقيق غاياتها على ضرورة توسيع دوائر علاقاتها الخارجية واستناداً إلى مجموعة من الفرضيات ترتكز أساساً على عدة مبادئ من أهمها ضمان تحقيق مبدأ “الأمن”.

2. أنشطة السفارات والبعثات الدبلوماسية في الدول التي لإسرائيل علاقات مباشرة معها مثل كينيا وإثيوبيا وأوغندا وإريتريا، فضلاً عن أنشطة الأجهزة والمؤسسات الاستخباراتية في الدول التي لها علاقات أو لا توجد علاقات رسمية معها في المنطقة. وكذلك تبادل الزيارات واللقاءات على مستوى القيادات السياسية والمسئولين الرسميين وغير الرسميين.

3. استثمار العلاقات الإسرائيلية الغربية المتميزة، وذلك لصالح تطوير العلاقات الأفريقية الإسرائيلية، بالإضافة لاستثمار الدور الأمريكي في أفريقيا خاصة بعد تزايد الاهتمام الأمريكي مؤخراً بقضايا ما يسمى بالإرهاب الدولي، بعد تداعيات أحداث 11 سبتمبر 2001

4. استثمار حاجة الدول الأفريقية للدعم العسكري والأمني والاقتصادي، مثل الدعم ببعض النوعيات من الأسلحة والذخائر والخبرات الإسرائيلية في مجال الاستخبارات وجمع المعلومات0

5. استثمار مجالات التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، وخاصة التقنية التي تحتاجها الدول الأفريقية لتطوير مجالات التنمية المختلفة (زراعة – صناعة – سياحة – صحة – تعليم – رياضة).

6. دعم أنظمة الحكم الأفريقية، ودعم تلك الأنظمة في مجال السيطرة الداخلية وتأمين استمرارية وجودها وذلك من خلال (مجالات الاستخبارات- تقديم المعلومات – تدريب الحرس الخاص بالنظم الأفريقية ودعم فاعليته وقدراته).

7. استثمار عدم وجود إستراتيجية عربية منسقة تجاه أفريقيا.

8. استغلال إسرائيل للظروف الدولية في الارتباط بمنطقة القرن الأفريقي، وهناك مجموعة من الظروف الدولية التي عملت على تسهيل الحركة الإسرائيلية داخل أفريقيا.

9. تقديم المنح الاقتصادية والتدريبية والتعليمية: عملت القيادة الإسرائيلية على استحداث العديد من الوسائل التي تساعدها على مد مظلة الارتباط بالقارة الأفريقية واستمراريتها. ومنها الشركات العاملة في المجالات الاقتصادية والتي لا يتعدى الكثير منها أن يكون فرعاً من أفرع أجهزة المخابرات الإسرائيلية، وأيضا لجأت إسرائيل إلى اجتذاب الكثير من الدارسين والفنيين الأفارقة ومنحت العديد منهم الفرصة للدراسة في المعاهد والكليات الإسرائيلية. وفي نفس الوقت أسست في وقت مبكر العديد من الهيئات العلمية وربطت أنشطتها لصالح دفع العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، كما قامت إسرائيل بإيفاد الخبراء في المجالات المختلفة (إلى الدول الأفريقية) وخاصة في مجالات التدريب العسكري والفني والذين عملوا على تنشيط الدور الإسرائيلي الفاعل في أفريقيا مبكراً.

10. استغلال الأداة الاتصالية والدعائية الإسرائيلية في القارة الأفريقية: في إطار الاستغلال الإسرائيلي للمتغيرات الدولية. وفي سياق أنها تعمل كوسيط لقوى أخرى لتأكيد سيطرتها وهيمنتها في القارة الأفريقية كان على إسرائيل أن تنشئ وسطاً دعائياً واتصالياً يضمن نجاح سياستها في القارة الأفريقية بشكل عام.

خامساً: تنامي السياسة الصينية في أفريقيا:

بدأت الصين علاقاتها مع أفريقيا مساندةً لحركات التحرير فيها لطرد المستعمرين الغربيين، وتحولت مع انتهاء الحرب الباردة نحو الاستثمار والتجارة في الموارد الطبيعية للقارة التي تنتظر الاستغلال، وهو ما يناسب الصين التي تمر بحالة من التطور الاقتصادي، والتي تحتاج معها إلى الكثير من تلك الموارد. ومن ناحية أخرى فإن التعامل الصيني الذي لا يربط نشاطه الاقتصادي بإجراءات صندوق النقد الدولي، أو الدفع باتجاه المشروطية السياسية وخصوصاً ما يتعلق منها يضرورة التحول الديمقراطي ومكافحة الفساد أو قضايا حقوق الإنسان، وغير ذلك من القضايا التي تعتبرها الكثير من تلك الدول تدخلاً مباشرا في صميم شئونها الداخلية، يعد نمطاً وبديلاً أكثر قبولاً للكثير من الأنظمة الأفريقية.12

وتتعامل السياسة الصينية مع دول القارة الأفريقية وفقاً للمبادئ والأهدافالعامة التالية:

1. الصداقة والمساواة: حيث تتمسك الصينبالمبادئ الخمسة للتعايش السلمي وتحترم خيار الدول الأفريقية المستقل في انتهاجطريق التنمية الملائم لها، وتدعم تضامن الدول الأفريقية بما يخدم تقويتها.

2. المنفعة المتبادلة والمصالح المشتركة: تؤيد الصين الدول الأفريقية في التنميةالاقتصادية والبناء السياسي، وتنفذ التعاون بمختلف الأشكال في مجالات التنميةالاقتصادية والتجارية والاجتماعية، وتدفع بالمصالح المشتركة للصين وأفريقيا.

3. التأييد المتبادل والتنسيق الوثيق: تسعى الصين نحو تعزيز التعاون مع أفريقيا في المنظماتالمتعددة الأطراف بما فيها الأمم المتحدة لتأييد كل منهما للمطالب العادلة للآخرومقترحاته المناسبة، وتواصل مناشدة المجتمع الدولي لإيلاء المزيد من الاهتمامبالسلام والتنمية في أفريقيا.

4. الاستفادة من التجارب الثنائية والسعي وراءالتنمية المشتركة: تعمل الصين في إطار علاقاتها مع أفريقيا على الاستفادة من التجارب الثنائية وخصوصاً فيما يتعلق بخبراتالإدارة والتنمية، وتعزيز التبادل والتعاون في مجالات العلوم والتعليم والثقافةوالصحة، كما تدعم الصين الدول الأفريقية في بناء قدراتها، وتشارك في جهوداستكشاف طرق التنمية المستدامة.

وتنتهج الصين إستراتيجية إفريقية تقوم على عدد من الأسس والإجراءات، منها:

1. العمل على مضاعفة حجم المساعدة الصينية لأفريقيا، وتقديم قروض ميسرة واعتمادات للمشترين التفضيليين لأفريقيا، وإنشاء صندوق الصين أفريقيا للتنمية برصيد 5 مليار دولار، لتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار في أفريقيا وتقديم المساعدات لها.

2. بناء مركز مؤتمرات للإتحاد الأفريقي، لدعم الدول الأفريقية في جهودها لتقوية نفسها من خلال الوحدة ودعم عملية التكامل الأفريقي.

3. إلغاء الديون بكافة أشكال القروض الحكومية الحسنة والمستحقة السداد في نهاية عام 2005 على الدول الفقيرة المثقلة بالديون والدول الأقل نمواً في أفريقيا التي تربطها علاقات دبلوماسية بالصين.

4. مواصلة فتح السوق الصينية أمام صادرات أفريقيا عن طريق زيادة عدد السلع التصديرية المعفاة من الرسوم إلى الصين، وإقامة مناطق للتعاون التجاري والاقتصادي في أفريقيا.

5. تتبع الصين في علاقاتها مع الدول الأفريقية مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية وتقدم نفسها دائماً باعتبارها بلداً نامياً، لتضمن التقرب للدول والشعوب الأفريقية.

6. يمكن للدول الأفريقية إقامة اتفاقيات تعاون اقتصادي مع الصين ودون الارتباط بشروط سياسية.

المحور الثاني: تهديدات وتحديات الدور المصرى فى أفريقيا:

تعد التفاعلات والتداخلات الحادثة داخل النظام الدولى أحد أهم الدوائر التي يمكن أن تؤثر على واقع الدول، لما لذلك من تأثيرات متنوعة مباشرة أو غير مباشرة في التأثير على توجهات وسياسات وممارسات تلك الدول، والتي تتفاوت وتتباين درجات التأثير عليها وفقاً لمنظومة قدراتها الشاملة، ومدى تأثرها أو تأثيرها، ومدى خمولها أو فاعليتها في التعامل مع معطيات ومؤهلات ومتطلبات التواجد داخل هذا النظام الدولى. ومن تلك التهديدات والتحديات ما يلى:

أولاً. التهديد والتحدي الأيديولوجي:

لقد شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين تحولاً أيديولوجيا رئيسياً وبالتحديد في أواخر سنوات الثمانينيات عندما بدأ المعسكر الشرقي بزعامة الاتحاد السوفيتى في الانهيار، والتلاشى التدريجي للماركسية كأيديولوجيا عالمية من معظم دول العالم، ويلاحظ أنه على الرغم من أن النظام السياسي المصرى لم يشهد انحيازاً أيديولوجيا كاملاً لأي من الأيديولوجيتين العالميتين سواءً الليبرالية أو الماركسية، وإنما شهد تعاطفاً أيديولوجيا مع المعسكر الاشتراكى خلال الحقبة الناصرية، كما شهد تعاطفاً أيديولوجياً مع المعسكر الغربى خلال الحقبة الساداتية وطوال الحقبة المباركية، إلا أنه وعلى مدى السنوات الممتدة طوال تلك الحقب لم تشهد الدولة المصرية اندماجاً أو إستيعاباً أيديولوجياً داخل أي من الأيديولوجيتين العالميتين السابقتين، وكانت المقاربات الأيديولوجية المصرية تتقرر وفقاً لما كانت الأنظمة الحاكمة المتعاقبة ترتئيه من ضروريات ومتطلبات لإعلاء المصالح العليا الدولة المصرية.

والسؤال الذى يمكن طرحه في هذا الصدد. هل كان من الضروري أن تنحاز الدولة المصرية انحياز كاملاً ومباشر لكلا الأيديولوجيتين العالميتين حتى يكون لذلك تأثيرات إيجابية مباشرة على المكانة العالمية لها؟

بمعنى أن الدولة المصرية في الحقبة الناصرية وعلى الرغم من علاقاتها القوية مع دول المعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتى كان من الصعب تصنيفها على أنها دولة ماركسية خالصة، وإنما انتهجت نهجاً أيديولوجياً أقرب إلى الماركسية ولكنه دون ذلك كثيراً، وتم التعبير عنه بالاشتراكية العربية التي تعتبر نوع من التعريب للماركسية، حيث تأخذ ببعض الجوانب السياسية والاقتصادية والإجتماعية للماركسية بشكل نسبي وليس مطلقاً وبما يتناسب مع طبيعة وواقع الدولة المصرية.

وربما أدى ذلك إلى صعوبة تصنيفها كدولة ماركسية، ومن ثم صعوبة تصنيفها كأحد الدول الرئيسية داخل المعسكر الشرقى / الاشتراكى، وبالتالى لم تتحدد مكانة أيديولوجية بارزة للدولة المصرية في تلك الفترة، وعلى الوجهة المقابلة واجهت الدولة المصرية عداءً صريحاً ومعلناً من جانب دول المعسكر الغربى، وهو الأمر الذى كانت له تأثيراته المضادة على إمكانية أن تكون هناك مكانة عالمية مقبولة للدولة المصرية من جانب المعسكرين الشرقى والغربي.

ومعنى ما تقدم أن الدور المصري في أفريقيا الذى استند تقليدياً على دعم من الجانب السوفيتى وكتلته الاشتراكية، والذي تأثر بالتحول الأيديولوجي للسياسة المصرية، كان العامل الأساسى الذى أدى إلى تغييرات سلبية للغاية على الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا، بحيث يمكن القول بأنها تمثل بداية مرحلة جديدة فى هذا الصدد. وقد تمثل المحتوى الجديد للدور الإقليمى منذ عام 1977 فصاعداً، فى التوجه المصرى نحو مناهضة المد السوفيتى فى القارة، خاصة وأن مصر بدأت تشعر بخطورته وخطورة الأنظمة الموالية له على المصالح المصرية فى المنطقتين الأفريقية والعربية على السواء.

لقد دخل الدور الإقليمى المصرى تدريجيا منذ عام 1977 مرحلة انتقالية، طويلة نسبياً استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، وذلك بفعل المتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتى أسهمت فى التأثير بشكل كبير على الأسس التى انبنى عليها الدور الإقليمى المصرى فى القارة فى المرحلة السابقة فقد بدأت القضايا تتغير تدريجيا، كما تغيرت الأولويات، وكذلك الأشخاص على مسرح الأحداث، مما أدى إلى انحسار الدور الإقليمى بالمفهوم السابق الإشارة إليه بل ووصل الأمر فى نهاية هذه المرحلة إلى حد الأزمة.

فالمتغيرات الجديدة المتلاحقة مع أوائل السبعينيات من القرن العشرين بدأت تظهر كمرحلة جديدة في التعامل مع دول القارة، ولسياسة مصر ودورها الإقليمى فى القارة الأفريقية، وقد بدأت ملامح هذه المرحلة تتبلور وتظهر جليا بشكل أوضح منذ عام 1977، وذلك بفعل عدد من المتغيرات سواء النابعة من النظام الدولى (تأثر علاقات مصر سلباً مع حليفها الدولى الأول وهو الاتحاد السوفيتى السابق، وتجميد معاهدة الصداقة المصرية السوفيتية عام 1976، والتقارب التدريجى مع الولايات المتحدة ومع الغرب عموماً)، أو البيئة الإقليمية (حرب أكتوبر 1973، وتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979) فضلا عن الظروف الداخلية فى مصر ذاتها.16

وذات الشيء يذكر عندما تحولت مصر أيديولوجياً خلال عهدي الرئيس أنور السادات والرئيس حسني مبارك نحو المعسكر الغربى، حيث بدأ هذا التحول تدريجياً اعتباراً من سبعينيات القرن العشرين، ولكن مع ذلك لم تشهد الدولة المصرية اندماجاً أو استيعاباً كاملاً داخل نطاق الأيديولوجيا الليبرالية، وإنما تم التقارب والتعاطى معها وفقاً لحسابات ارتئاها النظامان الحاكمان المتعاقبان تتناسب ومصالح الدولة العليا، وهو الأمر الذى لم يترتب عليه أيضا تبوء الدولة المصرية مكانة عالمية داخل المعسكر الغربى، وفقا للحسابات الأيديولوجية الليبرالية، كما أن تلك المكانة تأثرت بمواقف وضغوط دول المعسكر الإشتراكى طوال سنوات السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين.

إذن على المستوى الأيديولوجي لم تتمكن الدولة المصرية من تبوء مكانة دولية ماركسياً أو ليبرالياً، وذلك لاعتبارات تتعلق بحسابات وبمتطلبات المصالح العليا للدولة المصرية ووفقاً لحسابات توازنات القوى العالمية. والسؤال الذى يمكن أن يطرح نفسه هل كانت الحسابات المصرية صائبة أم خاطئة في هذا الصدد؟.

لقد حدثت العديد من التغيرات التي كانت لها أثارها السلبية على الدور الإقليمى المصرى فى القارة ومنها التغير الذى بدأ يحدث على مستوى النظام الدولى، خاصة على صعيد انتهاء عصر الحرب الباردة والقطبية الثانية، وانهيار النظم الاشتراكية وتفكك الدولة السوفيتية وحل حلف وارسو، وهى التغيرات التى أفضت إلى ظهورها ما يسمى بالنظام العالمى الجديد، الذى تهيمن عليه الدول الغربية التى انتصرت فى الحرب الباردة بزعامة الولايات المتحدة وبرغم من أن مصر كانت إلى جوار الجانب المنتصر فى ظل هذه التحولات الأخيرة، إلا أن الساحة الإفريقية اضطربت بشدة نتيجة هذه التغيرات المتلاحقة سواء بسبب تهميش القارة وعدم الاهتمام بها من قبل الدول الغربية، أو كذلك بسب انتشار ظاهرة الحروب الأهلية والصراعات وتفاقم الأزمات الاقتصادية، وكذلك من جراء أزمة الديون الخارجية وأعبائها وتدهور شروط التجارة الدولية فى غير صالح أفريقيا، وبسبب مظاهر الفساد وسوء الإدارة إلى غير ذلك.17

ثانياً: تهديد تعدد الدول والأطراف المتدخلة في القارة الأفريقية:

خلال حقبة الحرب الباردة ساد استقطاب واضح للدول المتدخلة والمتكالبة على أفريقيا بين المعسكر الشرقى وعلى رأسه الاتحاد السوفيتى والمعسكر الغربى وعلى رأسه الولايات المتحدة، ويمثل القوى الاستعمارية السابقة في أفريقيا وخصوصاً فرنسا وبريطانيا، وقد نشط الدور المصرى في فترة خمسينيات وستينيات القرن العشرين من خلال دعم حركات التحرير الأفريقية التي تطالب باستقلالها من ناحية، ومن خلال التدعيم للوجود السوفيتي في القارة الأفريقية في مواجهة الوجود الغربى ذى التوجهات الاستعمارية آنذاك من جهة أخرى، وفى ظل العلاقات المتميزة بين مصر والاتحاد السوفيتى ودول المعسكر الشرقى في ذلك الحين.

وبالنظر إلى الدول الفاعلة المتدخلة في شؤون منطقة دول القارة الأفريقية، يمكن الإشارة إلى كل من الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها على رأس الدول المتدخلة في شؤون المنطقة، وخصوصا في ظل الأحادية القطبية التي مازالت الولايات المتحدة تتمتع بها حتى الوقت الراهن، كما أن فرنسا تقوم بدور كبير في عمليات التدخل تلك لاعتبارات تتعلق بتاريخها الاستعماري، وبعلاقاتها وبنفوذها في القارة عموما وفي المنطقة محل الدراسة على وجه الخصوص وهي في كل الأمور المتعلقة بذلك اصطدمت بالقوى الدولية صاحبة المصالح سواء كان الاتحاد السوفيتي سابقا إبان حقبة الحرب الباردة أو الولايات المتحدة في الوقت الراهن.

غير أن الملفت للنظر هو أن من بين تلك القوى الصين كقوة كبرى صاعدة تمتلك قاعدة سياسية واقتصادية راسخة مع العديد من الدول الأفريقية، وإسرائيل التي تحاول وضع مشروعها الصهيوني في أفريقيا موضع التنفيذ الفعلي، إلى جانب قوى دولية أخرى ذات أهداف ومصالح متنوعة مثل اليابان، ثم تأتى الدول ذات التاريخ الاستعماري مثل فرنسا وإنجلترا وإيطاليا وألمانيا وأسبانيا والبرتغال وبلجيكا، التي تحاول العودة للقارة مرة أخرى، وإن كان في أطر جديدة.18 وهذه القوى الدولية لهم قدر في عمليات التدخل وفي التأثير على مجريات الأمور والأحداث في ذات المنطقة.

ومعنى ذلك أنه في حقبة ما بعد انتهاء الحرب الباردة يلاحظ أن هناك تنوعاً وتعدداً في القوى المتدخلة في أفريقيا، وكل منها يستخدم العديد من السياسات والأدوات لتحقيق أهدافه ومصالحه، وهى تتفاوت بين القوى الكبرى التقليدية مثل الولايات المتحدة وفرنسا والصين في ظل التراجع النسبي لكل من بريطانيا وروسيا، وصعود قوى أخرى مثل إسرائيل وتركيا وإيران والهند وغيرها. وهو ما يعنى مرحلة تكالب أخرى على أفريقيا من جانب قوى دولية مؤثرة وفاعلة، وهو الأمر الذى يمثل تصعيداً للمشكلات وللتعقيدات التي تواجه الدولة المصرية في محاولاتها للقيام بدور إقليمي مؤثر وفعال في أفريقيا.

ثالثاً: تهديد الشراكات والتحالفات الإستراتيجية مع دول القارة:

على الرغم من أن سياسة الشراكات والتحالفات الإستراتيجية مع دول القارة الأفريقية قديمة، وقد شهدت حقبة الحرب الباردة تطبيقات لمثل تلك السياسة مثل التحالف الاستراتيجي بين الولايات وكل من جنوب أفريقيا ونيجيريا وإثيوبيا في عهد هيلاسيلاسي، ومصر نسبياً منذ عهد السادات، وكذلك التحالف الاستراتيجي بين الاتحاد السوفيتى ومصر في عهد عبد الناصر، ومع إثيوبيا في عهد مانجستو هيلاماريام، ومع الصومال فى عهد محمد سياد برى، ومع ليبيا في عهد معمر القذافى، وأيضا التحالفات الاستراتيجية بين كل من فرنسا والسنغال في عهد ليوبولد سيدار سنجور، وكوت ديفوار (ساحل العاج) فى عهد فيلكس هوفويه بونويه، وجيبوتى، وغير هم من الدول الفرنكفونية.

إلا أن مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة شهدت انفتاحاً واضحاً أمام سياسة الشراكات والتحالفات الإستراتيجية بين الدول الأوروبية والأمريكية، وغيرها، ومثل هذه السياسة تؤثر على المحاولات المصرية وقدراتها من أجل توثيق علاقات الدولة المصرية بدول القارة الأفريقية، وخصوصاً أن قدرات وإمكانيات الدولة المصرية لا تساعدها على أن تكون دولة مانحة ومؤثرة وفاعلة مثل تلك الدول في إطار تعاملاتها وتفاعلاتها مع الدول الأفريقية، وهذا الأمر الذى يتطلب حلولاً إبداعية وغير تقليدية لمثل تلك المشكلات. سواء تعلق الأمر باستثمار وتوظيف علاقات مصر مع الدول والمنظمات المانحة في علاقاتها مع مثل تلك الدول.19

رابعاً: تهديد علاقات القوة غير المتكافئة:

حيث يدخل ضمن التهديدات والتحديات الدولية ما يتعلق منها بعلاقات القوة غير المتكافئة بين الدولة المصرية والدول الكبرى والفاعلة صاحبة الأهداف والمصالح في أفريقيا، وإذا كانت الواقعية السياسية تبرهن على حتمية توافر عناصر القوة والقدرة الشاملة للدولة المصرية وخصوصاً العسكرية من أجل اكتساب النفوذ الفعلي في مناطق النفوذ المستهدفة داخل مناطق القارة الأفريقية المختلفة، فإن هذا الأمر بحاجة إلى المزيد من الاهتمام والمراجعة والمتابعة والتقييم، لإحداث انتقال نوعي بعناصر القوة والقدرة الشاملة / الجمعية للدولة المصرية لدعمها في التحرك وفي صياغة وبلورة سياسة خارجية مؤثرة وفعالة داخل القارة الأفريقية.

خامساً: تهديد تقييد السياسة المصرية في أفريقيا:

في إطار التنافس والصراع الدولي في أفريقيا، يبدو واضحا أن أسباب ودوافع هذا التنافس والصراع والذي يتم توظيف واستثمار جميع الأساليب والآليات المشروعة وغير المشروعة، للنفاذ إلى المناطق ولاستقطاب الدول والتأثير عليها، ومن ثم فإن مساعي وجهود الدولة المصرية للتواجد داخل القارة الأفريقية تواجه بسياسات تلك الدول التي تتقاطع أو تتناقض أهدافها ومصالحها معها، وهو ما يمكن أن يفرض قيودا وحدودا على تحركاتها، أو يفرض حتمية التسيق والتعاون معها وهو ما يتطلب حسابات أخرى وإعادة صياغة أخرى لأولويات التحرك ولمنظومة الأهداف والمصالح الممكنة والمستهدفة.

وتجدر الإشارة في هذا الشأن أن سياسات توازن القوى ظلت أحد السبل التي تضمن من خلالها إحدى الدول تأمين مكانة دولية ما عبر إعادة توزيع إمكانات القوة بين الدول، أو عبر إعادة صياغة علاقات القوى أو الإثنين معاً. وإزاء إمكانات القوة التي تتوافر عليها القوى العالمية، وحتى بعض القوى الإقليمية، صار استمرار اعتماد تلك القوى لسياسات توازن القوى فيما بينها بوصفه الخيار الوحيد أمراً يشوبه الشك، ويحمل في طياته مخاطر كثيرة، الأمر الذي قادها نحو محور مواز لتلك السياسات مفاده اعتماد سياسات توازن المصالح، وفي الوقت الراهن يزداد التداخل فيما بين ماهو عالمي وما هو إقليمي، بحيث صارت بعض النظم الإقليمية مراكز للتفاعل السياسي العالمي، كما هو الحال في أوروبا وشرق آسيا، لكن من غير المحتمل أن تسمح القوى الكبرى بحدوث تغيير مفاجئ على هيكل النظام الدولي كنتيجة لتغير طبيعة القوة وانتشارها. فقد كانت السياسات العالمية للقوى الكبرى وتوازناتها تفرض على النظم الإقليمية وقواها عدم تجاوز أطر تلك السياسات في مجمل تفاعلاتها البينية والدولية، وقد تجذرت هذه الحالة مع بدء مرحلة ما بعد الحرب الباردة، حيث صارت معظم القوى الإقليمية تتطلع لنيل رضا وقبول القطب الواحد(الولايات المتحدة) والاستحواذ على تزكيته في ممارسة أدواراً إقليمية أكثر تأثيراً.20

وفي هذا الشأن يلاحظ أن هناك بعض الدول قد استفادت من هذا الواقع ومنها إثيوبيا على سبيل المثال والتي لها خبرة تاريخية طويلة من توازنات القوى الدولية وتوظيفها من أجل تحقيق مصالحها الداخلية والإقليمية والدولية، ومن ثم فإن الدولة المصرية في حاجة ماسة من أجل مراجعة سياساتها وسلوكياتها الدولية للإرتقاء بمكانتها وبعلاقاتها الدولية مع الدول والقوى الفاعلة في النظام الدولي لصناعة الدور الإقليمي والمكانة الدولية المناسبة التي تساعدها في تحقيق منظومة أهدافها ومصالحها الممكنة والمستهدفة.

المحور الثالث: مصر ومواجهة التهديدات: إستراتيجية مقترحة:

في ظل الظروف والمتغيرات والمستجدات التي تواجه الدور المصرى في أفريقيا، وفى ظل الاهتمام المصرى بضرورة أن يكون للدولة المصرية سياسة خارجية نشطة وفعالة في القارة الأفريقية، وبناء على ما سبق توضيحه فيما يتعلق من اعتبارات ترتبط بالتهديدات والتحديات الدولية على الدور المصرى في أفريقيا، وما يمثله ذلك من تقييد وتعقيد لتطلعات ولطموحات الدولة المصرية، من أن تكون لها المكانة العالمية المناسبة والدور الريادي الدولي، فإنه يمكن الإشارة إلى بعض المقترحات التي تساعد في بلورة إستراتيجية مصرية للتعامل مع هذا الأمر كالتالى :

أولاً: التحديد الدقيق لأوزان القوى الفاعلة في أفريقيا:

وكذلك التحديد لمنظومة أهداف ومصالح كل منها الآنية والمستقبلية، وأيضا التحديد لأساليبها ولأدواتها ولسلوكياتها ولممارساتها الواقعية مع الدول الأفريقية، والمتابعة، والمراجعة والتقييم لما حققته وما لم تحققه من أهداف ومصالح، وذلك يهدف التعرف على الاستراتيجيات التي تتبناها تلك الدول والقوى في تعاملاتها مع دول القارة ألأفريقية، وسيساعد الاهتمام بهذا الأمر التعرف على القواسم المشتركة بين استراتيجيات تلك الدول، كما سيساهم في التعرف على ردود أفعال الدول الأفريقية في هذا الشأن . وهو ما يساعد صناع ومتخذى القرارات والسياسات في مصر حول كيفية وضع إستراتيجية مصرية نشطة وفعالة فيما يتعلق بدورها وبعلاقاتها مع دول القارة الأفريقية حاضرا ومستقبلاً.

ومن هذا المنطلق فإن مصر ينبغي أن تعي وتتابع بدقة حقائق الأوضاع والتطورات الدولية وأن تحسب حسابها بدقة في علاقاتها مع كل القوى والأطراف الدولية، وأن لا تحاول أن تعمل من أجل مصالح هذا الطرف أو ذاك لتحقيق مصالح هنا أو هناك، وأن تبقي في نفس الوقت كل خيارات حركتها متاحة ومفتوحة تجاه كل القوى الرئيسية الفاعلة، فالولايات المتحدة لها أهمية خاصة، أو يجب أن يكون الأمر كذلك في نظرة مصر إليها، باعتبار الوضعية الأميركية الظاهرة للجميع على المسرح الدولي والإقليمي الشرق أوسطي، وكذلك في تأثيرها على إسرائيل وسياساتها.

كما أن الصين، وإن كان يبدو أنها قد أصبحت تحتل الآن المرتبة الثانية في الاقتصاد الدولي، وبدأت اهتماماتها الاستراتيجية تتجاوز القارة الآسيوية إلى آفاق أخرى في العالم، فإنها تتحسب حتى الآن من القيام بدور القطب الآخر، وفي علاقات مصر بها، يجب أن يكون الحديث فقط يقتصر على المصالح وليس غيرها، ويبدو أن الصداقة القوية مع الصين تقوم على مصالح محددة وتفاهمات متفق عليها.

وفي ما يتعلق بعلاقات مصر وروسيا فهي قوة لها تأثيرها الدولي الواضح وتستشعر دائما حاجتها لاستعادة دورها وفاعليتها، خاصة وقد تمتعت لفترة خمسة وأربعين عاماً بعد الحرب العالمية الثانية بوضعية القطب الآخر بعالم الحرب الباردة، وما زالت روسيا تتمتع بالمقعد الدائم في مجلس الأمن وحق النقض(الفيتو)، كما أن قدراتها التسليحية والإنتاجية هائلة، وهي هنا مثلها مثل الصين تمثل ملاذاً لمصر عند الاقتضاء.

وفي سياق حساب العلاقات مع القوى الكبرى، فهناك ضرورة للتعامل الحذر مع الاتحاد الأوروبي الذي رغم كل الجهود والاتفاقات، لم يصل بعد إلى وضعية تعكس سياسة أمنية وخارجية حقيقية، ينبغي أن يؤخذ في الحسبان بمعزل عن تصرفات وحداته الرئيسية، ومع ذلك فإن استمرار تطوير العلاقة مع دول الاتحاد ومفوضيته يجب أن يحظى بالاهتمام المصري المستمر وبخاصة الدول الكبيرة في إطاره مثل: فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وإيطاليا وإسبانيا، ومع مراعاة أن هذه الأطراف سوف تطالب بمواقف مصرية محددة وواضحة في مسائل حقوق الإنسان والحريات الدينية، وعلى صناع ومتخذي القرارات والسياسات العمل بإيجابية في هذه المجالات.

ثانياً: التكيف مع أوضاع القوى الفاعلة في أفريقيا:

طالما أن أوضاع الدول والقوى الفاعلة في أفريقيا تختلف عن أوضاع الدولة المصرية سواء من حيث القدرات والإمكانيات، والأساليب والأدوات فان الإقرار بذلك يتطلب من صناع ومتخذى القرارات أو السياسات في الدولة المصرية عند وضع إستراتيجية لها في التعامل مع دول القارة الأفريقية، أن تراعى إمكانياتها وقدراتها الذاتية وفقاً لأولويات ولدرجات الاهتمام بمنظومة أهدافها ومصالحها، حتى لو تطلب هذا الأمر أن توضع تلك الإستراتيجية وفقاً لمراحل للتكيف مع هذا الوضع.

بحيث تتعلق المرحلة الأولى بمجموعة الدول الأولى بالرعاية في التعامل وفقا للأولويات، والمرحلة الثانية بمجموعة الدول على المستوى الإقليمي الأفريقي العام. أو أن يتم وضع استراتيجيات مختلفة تتناسب مع كل مرحلة تمر بها الدولة المصرية في تعاملها مع الدول الأفريقية، بمعنى أن توضح إستراتيجية قريبة المدى تخص الدول ذات الأهمية القصوى بالنسبة للدولة المصرية، وإستراتيجية متوسطة المدى ويتم في إطارها توسيع دائرة الاهتمام بالدول الأفريقية الأخرى، وإستراتيجية بعيدة المدى تشمل جميع الدول الأفريقية بحيث تتناسب طاقات وقدرات التعامل المصري مع مثل تلك الاستراتيجيات.

ثالثاً: استثمار وتوظيف العلاقات المصرية مع القوى الفاعلة في أفريقيا:

هناك إستراتيجية بديلة للتعامل مع واقع الدول والقوى الفاعلة في أفريقيا في حالة عدم تناسب قدراتها وإمكانيات الدولة المصرية في تبنى إستراتيجية خاصة بها في أفريقيا، وهى تتركز في استثمار وتوظيف علاقات الدولة المصرية مع تلك الدول الفاعلة من أجل تنشيط وتفعيل سياستها وتفاعلاتها مع الدول الأفريقية وفى إطار الشراكات والتحالفات الإستراتيجية المتبادلة والمشتركة على المستوى متعدد الأطراف، وبما يتناسب مع استقلالية الدولة المصرية، وليس على حسابها. وهذا الأمر يتطلب حتمية الارتفاع والارتقاء بمؤسسات صناعة الدبلوماسية المصرية لتنظيم قدراتها التفاوضية، وقدراتها على التعامل الجاد والفعال في هذا الشأن وفى إطار من الوعي والإدراك الشامل للأهداف والمصالح المتبادلة والمشتركة.

وفي الوقت الراهن، فإذا ما أرادت القوى الكبرى الحصول على مجالات قوة مساندة لها، وعلى الأقل غير معارضة، عند صياغة سياساتها العالمية، وتنفيذ أدوارها الدولية، فإنه سيكون من الصعوبة عليها الاستمرار في عملية تجاهل تلك القوى الإقليمية عند رسم سياساتها العالمية. لقد صار واقع العلاقة بين التوازن العالمي والتوازنات الإقليمية يعطي الأخيرة إمكانية التأثير الدولي، كما يعطي للقوى الفاعلة منها مساحة مناسبة للتحرك ولبلورة وصياغة إرادة ذاتية خاصة بها عند التفاعل مع السياسات العالمية وتوازناتها، أو حتى عند مجابهة التأثير غير المسموح به في صراع القوى الكبرى للتأثير في التوازنات الإقليمية وقواها تحت ذرائع الرغبة في زيادة الفاعلية الدولية.21

إن الواقع الدولي يشير إلى حقيقتين: أولاهما، أنه لا وجود للقوة المطلقة في واقع العلاقات الدولية المعاصرة، وفي هذا المعنى يذهب هنري كيسنجر إلى اعتبار أنه لا يوجد قياس مطلق للقوة كونها دائماً نسبية، ولا للضعف المطلق على الصعيد الدولي. وثانيتهما. إمكانية أية دولة، ولا سيما التي تتوافر لديها القدرة، على اكتساب القوة، وهو ما يقود الدولة المصرية للبحث عن أنجع السبل العملية التي تساعد على الخروج من الدائرة الإقليمية الضيقة التي تعيش فيها نحو آفاق أرحب وأدوار سياسية دولية أوسع عما هو عليه الحال في الوقت الحاضر، أو بما يفيد جدوى ادراك السبل التي تؤهل عناصر قوتها، والتي تجعل منها طرفاً فاعلاً في التفاعلات السياسية الدولية وتوازناتها.22

ولذا يمكن الإشارة إلى أن الدولة المصرية، ظلت وما زالت محور ارتكاز للتوازنات الإقليمية والدولية، وهو الأمر الذي يتطلب التوظيف والاستثمار لإمكانياتها ولقدراتها في إطار التعامل مع الدول والقوى الكبرى والفاعلة في أفريقيا، من منطلق التأثير في تلك التوازنات الدولية، وهذا الأمر يتطلب إصلاحاً وتجديداً للمنطلقات الفكرية والإدراكية والحركية الدولية.

خاتمة:

من الموضوعات التي تتطلب قدراً كبيراً من الاهتمام والمتابعة والمراجعة والتقييم المستمر، تلك التي تتعلق بالسياسة المصرية تجاه أفريقيا، ومن ثم فقد جاءت تلك الدراسة لتتناول أحد جوانب هذا الموضوع، وركزت على التهديدات والتحديات المؤثرة على الدور المصرى في ظل المتغيرات الدولية، وبناءً على ذلك تم تناول تأثير كل من تلك التهديدات والتحديات الدولية كعامل مؤثر على أية استراتيجية مصرية مقترحة للتعامل مع الشأن الأفريقي حاضراً ومستقبلاً.

وفي هذا الشأن يمكن الإشارة إلى بعض النتائج ذات الصلة كالتالي:

أولاً: إن أسلوب إدارة السياسة الخارجية المصرية حاضرا ومستقبلاً يجب ألا يخضع لتأثيرات حزب أو تيار سياسي بمفرده مهما كان حجم التأثير الذي يحظى عليه داخلياً، بل يجب السعي من أجل إجراء نقاش مجتمعي موسع لكل القضايا الرئيسية المطروحة للتوصل إلى تفاهم حول الخيارات المتاحة، ومن هذا المنطلق فإن هناك ضرورة لتحسين آلية اتخاذ القرارات والسياسات على المستوى الرئاسي، وكذلك على مستوى المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وذلك لضمان إدارة السياسة الخارجية بأبعادها السياسية/ الدبلوماسية، والعسكرية/ الأمنية، والاقتصادية / الاجتماعية بأعلى درجات الوعي والادراك والثقة والمصداقية.

ثانياً: إن المستقبل يجب ألا يقتصر على رفع كفاءة وتحسين أداء إدارة السياسة الخارجية وقدراتها وكفاءتها التفاوضية فحسب، ولكن أن يكون هناك أيضاً اعتراف وتقدير بأن إتاحة الموارد المناسبة يمثل الأداة الحقيقية للنجاح أو الفشل في تنفيذ منظومة الأهداف والمصالح للدولة المصرية التي يجب أن تتسم بالواقعية، لقد تحركت العديد من الدول مثل دول جنوب شرق آسيا وتركيا وإيران خلال الأعوام الماضية بعد أن أتيحت لها قاعدة اقتصادية وتجارية قوية شجعتها على الانطلاق إلى الخارج لتحقيق مكاسب تجارية واقتصادية، قبل البحث عن مجرد الدور الذي يجب أن يكون له عائد مالي مباشر يحقق مصالح البلاد.

ثالثاً: في إطار الاهتمام والمتابعة والمراجعة والتقييم للسياسة المصرية في أفريقيا، فإنه من الضروري إن لم يكن من الحتمي، التأكيد على أن الواقع الدولي لا يتعامل بجدية وبموضوعية سوى مع معطيات القوة، وهو أمر يلفت الانتباه إلى حتمية الاهتمام بالقدرات العسكرية المصرية، والارتقاء بقدراتها الاحترافية وفقاً للمعايير الدولية في هذا الشأن، إن أرادت الدولة المصرية صناعة أو بناء المكانة الدولية التي تساعدها على القيام بدور إقليمي فعال، وبدور دولي مؤثر، وهو البديل الأكثر ملائمة لها في الوقت الراهن، وفي ظل الظروف الاقتصادية التي تعايشها حالياً، بمعنى أن الاستثمار الفعال في القدرات العسكرية المصرية يمكن أن يكون مقدمة نحو الفعالية الإقليمية والدولية.

رابعاً: إن أية محاولة للقيام بدور إقليمي أفريقي مؤثر وفاعل لن تكون إلا من خلال وجود قاعدة اقتصادية مصرية قوية يتم توظيفها واستثمارها في علاقاتها مع الدول الأفريقية وتكون عام حذب واستقطاب واحتواء لتلك الدول.

خامساً: أهمية بناء وتعزيز التحالفات الإقليمية والاستراتيجية مع مجموعات من الدول داخل المناطق الأفريقية الإقليمية الخمسة: الشمال والغرب والوسط والشرق والجنوب، وهذا الأمر يتطلب جهودا سياسية ودبلوماسية على أعلى مستويات صناعة واتخاذ القرارات والسياسات داخل الدولة المصرية، والعمل كذلك على الإعداد والتنسيق والتعاون والعمل في إطار الشراكات الاستراتيجية الحقيقية مع الدول الفاعلة ذات المصالح وذات الاهتمام بالشأن الأفريقي مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين وغيرها.

————————————

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2)Hamdesa Tuso:” The Crisis of U.S. Foreign Policy toward the Horn of Africa during the post-Cold War Era — A Critical Review Part II” Sidama Concern, (Vol. 5 No. 2, July 2000) p 20.

(3)John Prendergast, Building for Peace in the Horn of Africa: Diplomacy and Beyond (Washington D.C. the United States Institute of Peace, June 28, 1999) p187.

(4) د0 محمد نبيل محمد فؤاد طه، ” آفاق التدخلات الأجنبية في أفريقيا والقرن الأفريقي”، بحث مقدم إلى المؤتمر السنوي السادس حول: العرب وأفريقيا: فضاء استراتيجي مشترك (أسيوط: مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء خلال الفترة من 10 إلى 12 أبريل 2007) ص 2.

(5) المرجع السابق، ص ص 14، 15 .

(6)Hamdesa Tuso, op cit., 19,20

(7) مفكرة الإسلام:” تحتنار أمريكية هادئة – اتفاق السودان.. سلام أم انقسام؟”، مفكرة الإسلام http://www.islammemo.cc

(8) د. عبد الملك عودة: السياسة المصرية ومشكلات حوض النيل (القاهرة: كتاب الأهرام الاقتصادي بمؤسسة الأهرام، العدد 135، أبريل 1999) ص 86

(9)Guy Martin: “France’s African Policy in Transition: Disengagement and Redeployment”, Paper prepared for presentation at the African Studies Interdisciplinary Seminar, (Urbana – Champaign: Center for African Studies, University of Illinois at Urbana- Champaign, 3 March 2000)p2 op cit., p.13

(10) Ibid., pp.6.

(11) د0 محمد نبيل محمد فؤاد طه، مرجع سبق ذكره، ص ص 40 ـ 42.

(12)Bates Gill, Chin-hao Huang & J. Stephen Morrison,” Assessing China’s Growing Influence in Africa”,China Security (Beijing: World Security Institute, Vol. 3 No. 3 Summer 2007) p. 3.

(13) مجلس الإعلام الخارجي:” العلاقات السودانية الصينية: ماضى عريق ومستقبل مشرق” (الخرطوم: مجلس الإعلام الخارجي، إصدارة خاصة بمناسبة زيارة الرئيس الصيني هوجنتاو للبلاد فبراير 2007)، الرابط.

(14) د0 محمد نبيل محمد فؤاد طه، مرجع سبق ذكره ص ص 33، 34.

(15) د. محمود ابوالعينين، “الدور الإقليمى المصرى فى أفريقيا منذ ثورة يوليو 1952 بين الاستمرارية والتغير” كتابات نيوز(القاهرة: 29 سبتمبر 2014) ص ص. 19، 21. الرابط

(16) المرجع السابق. ص. 19.

(17) المرجع السابق، ص. 20.

(18) د0 محمد نبيل محمد فؤاد طه، مرجع سبق ذكره، ص 1.

(19) د. محمد صفي الدين خربوش،” المحددات السياسية لفعالية المساعدات الخارجية للتنمية في العالم العربي ” في د. محمد صفي الدين خربوش، المساعدات الخارجية والتنمية في العالم العربي رؤية من منظور عربي واسلامي (عمان: المركز العلمي للدراسات السياسية، 2001) ص 213.

(20) د. خضر عباس عطوان، القوى العالمية والتوازنات الإقليمية(عمان: دار أسامة للنشر والتوزيع، 2010) ص 4.

(21) د. خضر عباس عطوان، مرجع سبق ذكره، ص 4.

(22) المرجع السابق. ص ص 3، 19.

د. جمال ضلع

مفكر وأكاديمي مصري، أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم السياسة والاقتصاد، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، جامعة القاهرة، دكتوراه الفلسفة في الدراسات الأفريقية، 1997.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى