fbpx
دراسات

الدولة والشعب في تصور الجيش المصري

تصور الجيش المصري لذاته والدولة والشعب بعد ثورة يناير 2011

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 مقدمة

في مساء الخميس العاشر من فبراير عام 2011 كان المصريون على موعد مع “البيان رقم واحد” للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي قال فيه إنه سيستمر في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات “للحفاظ على الوطن ومكتسباته”. ولم يكن البيان الذي جاء بعد أيام من اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير سوى إعلان صريح عن دخول الجيش على خط السياسة بعد أن ظل يمارسها عبر وكيله (الرئيس) في قصر الاتحادية لعقود طويلة.

ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف البيانات الصادرة عن الجيش، حتى بعد تولي رئيس عسكري – هو عبد الفتاح السيسي – مقاليد الأمور في البلاد، حيث لم يستطع الرجل العودة بالقوات المسلحة إلى الحدود التي رسمها الرئيس الأسبق حسني مبارك للجيش، وقبل بها الأخير، من تحجيم منضبط لمشاركة العسكر في السياسة بشكل مباشر، في مقابل حصول القيادات على امتيازات ومناصب تمكنهم من التغلغل في جهاز الدولية – بعد خروجهم من الخدمة في الغالب – وهو ما أطلق عليه يزيد صايغ “جمهورية الضباط”.

وقد تطورت هذه البيانات خلال السنوات السبع الماضية، مثيرة تساؤلات بشأن شرعية الجيش، ودوره في بناء الدولة، وإمكانية الإصلاح في ظل سيطرته على البلاد، وتصور الجيش للدولة والمجتمع في مصر، وتصوره لنفسه قبل كل ذلك، والعقيدة التي يؤمن بها، ومدى مصداقية الخطاب الذي يقدمه …. إلخ، وهو ما يسعى الباحث للإجابة عليه من خلال تحليل خطاب الجيش الذي قدمه في بياناته خلال السنوات السبع الماضية. آخذا في الاعتبار المقاربة التي تنظر إلى تاريخ مصر المعاصر من زاوية علاقة الجيش بمكونات الدولة، وآخذا في الاعتبار أيضا مقاربة زولتان باراني التي تفترض أن القوات المسلحة في بلادنا لديها مفتاح الحل لفهم الكثير من معضلات الانتفاضات العربية، معضلات من قبيل: لماذا كان المتظاهرون في ميدان التحرير بالقاهرة أنجح من نظرائهم في دوار اللؤلؤة بالمنامة؟ ولماذا استطاع شباب تونس إسقاط بن علي بسهولة، ولم تستطع المعارضة السورية فعل شيء سوى التخفيف من قبضة الأسد؟1

لكن قبل تحليل الخطاب يجب أولا إلقاء الضوء على شرعية الجيوش ووضعها في الدولة الحديثة، ثم التطرق إلى علاقة الجيش بالدولة المصرية وموقعه منها، الأمر الذي يمكننا من فهم الخطاب بصورة معمقة من خلال وضعه في سياقه الاجتماعي والسياسي المناسب، خاصة وأن الباحث سيستخدم في دراسته أداة تحليل الخطاب النقدي التي تمثل جسرا بين التحليل اللغوي للنص والعلوم الاجتماعية.

عينة الدراسة

سيقتصر الباحث على تحليل البيانات الصوتية أو المصورة الصادرة عن الجيش سواء عن طريق المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أو القيادة العامة، أو ما عُرف بالمجلس العسكري بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وذلك لكون البيانات الصوتية أو المصورة هي الأكثر أهمية ضمن مئات البيانات التي أصدرها الجيش خلال فترة الدراسة. بالإضافة إلى عدد من الخطابات المهمة لعبد الفتاح السيسي باعتباره يمثل بشكل أو بآخر أحد أهم مشكلي الخطاب العسكري في البلاد خلال السنوات الماضية، كما تضم العينة عددا من الأهازيج التي تمجد أعمال الجيش، ويُعتقد على نطاق واسع أنه يقف خلف عملية إنتاجها وترويجها. وذلك بداية من البيان الأول الذي أذيع في 10 فبراير 2011، وحتى البيان رقم واحد الصادر من القوات المسلحة بشأن العملية “سيناء 2018” يوم 9 فبراير 2011.

منهج الدراسة

استخدم الباحث أداة تحليل الخطاب النقدي التي تركز على التفاعلات الاجتماعية وتحاول الكشف عن المضمرات الأيديولوجية والثقافية في الخطاب. وذلك ضمن فهم مقارب لتصور ميشيل فوكو للخطاب والذي يعتبر أن الخطاب “ليس فقط ما يترجم الصراعات في المجتمع، لكنه هو ما نصارع من أجله، وما نصارع به، بل هو السلطة التي نحاول الاستيلاء عليها”2 ، فالخطاب عند فوكو يكون نتيجة لنظام معرفي شامل أو المنظومة الفكرية السائدة (paradigm ). وسيستند الباحث في الوقت ذاته على الدراسات التي تناولت دور الجيش في السياسة وفي الدولة الحديثة بشكل عام.

 أولا) شرعية الجيوش ودورها في الدولة الحديثة

هناك خلاف واسع بين الباحثين حول طبيعة الدور الذي يجب أن تقوم به الجيوش في الساسة وحجم هذا الدور والديناميات التي يجب أن يعمل من خلالها. فالجيوش حجر الزاوية في دعم شرعية الدولة، بتولي حمايتها من الخطر الخارجي، وفرض سياساتها داخلياً، لكنها في الوقت ذاته يجب تخضع للإرادة الشعبية المتمثلة في السياسيين المنتخبين من عموم المواطنين.

وقد حذر أفلاطون من تدخل طبقة “حراس المدينة” – وهي أقرب لمفهوم الجيوش النظامية في العصر الحديث – في قطاع المال والأعمال معتبرا أنه “ليس أضر ولا أبعث على الخجل بالنسبة إلى الراعي من أن يربي ويغذي من أجل حماية قطعانه كلابا تدفعهم شراستهم وجوعهم، أو أي عادة سيئة أخرى تعودوها، إلى التعرض بالأذى للماشية، فيتحولون من كلاب إلى ما يشبه الذئاب”، “ويغدون سادة شرسين بدلا من أن يكونوا حماة يقظين” 3. وبدوره يرى صامويل هنتنجتون أن العسكر “طبقة اجتماعية” ذات مصالح محددة، تعي تلك المصالح ولديها آليات تعاضد، وتتعامل مع المجتمع وفئاته من منطلق مصالحها4 .

وعندما تبدأ الجيوش في التدخل بالسياسة فإنها تستند إلى “شرعيتها” كجهة مستقلة ونزيهة، مقابل فساد وتحزب الساسة المدنيين، واستناداً إلى رصيدها التحديثي وانضباطها. ولكن وصول الجيوش إلى الحكم يحولها، إلى أول ضحاياه. ذلك أن الفئة التي تستولي على السلطة تجتهد في إخضاع الجيش ومنع تكرار الانقلاب، مما تنتج عنه عمليات “تطهير” وإعادة هيكلة، وهو ما يؤدي بسرعة إلى تسييس الجيش، وتعميق الخلافات بداخله.  وهذا بدوره يزيد من ريبة الحكام فيه، فيسعون إلى مزيد من تفكيك الجيش وإضعافه، وفي الغالب إلى اختراقه حزبياً وطائفياً. وينتج عن هذا عملية تدمير متسارعة لبنية الدولة ثم المجتمع 5 ، لذلك يؤكد موريس يانوفيتس مؤسس علم اجتماع الجيش أن هناك علاقة بين النجاعة العسكرية والسيطرة المدنية على الجيش 6 .

وقد شهد العالم جيوشا مسيسة لكن لا يحكمها العسكر، كما حدث في الاتحاد السوفييتي وسوريا والعراق تحت حكم البعث، حيث يقوم النظام الحاكم بأدلجة الجيش من أدنى إلى أعلى عن طريق ضباط التوجيه السياسي أو ما كان يعرف في الاتحاد السوفيتي بـ”القوميسار”. حيث يتم تحزيب الجيش وعسكرة النظام بشكل متوازٍ. ويتحول الجيش إلى أداة قمع وقاعدة اجتماعية للنظام في آن معا. ويتقاطع القرب والولاء في حالات كثيرة من القرابة العائلية والانتماء العشائري والجهوي 7.

ورغم كل ما سبق يعتقد منظرون غربيون كبار من بينهم هنتنجتون أن العسكر في المجتمعات المتخلفة كان لهم دور مهم في تحديث الدولة، حيث تم الانتقال من الملكيات التقليدية إلى بريتورية الطبقة الوسطى عن طريق العسكر الذين كانوا أكثر القوى حداثة وتماسكا في بيروقراطية الملكيات القديمة 8.  لذلك فإن علاقة الجيش بالدولة في العالم العربي مشوهة، حيث تم إنشاء الدولة والجيش في وقت واحد، بل إن الجيش كان أهم مؤسسة حديثة في الدولة، واحتاجت الدولة إلى زمن أطول لبناء مؤسساتها الأخرى ولفرض شرعيتها على المجتمع.

وقد ذهب برهان غليون إلى أن الدولة العربية الحديثة تحولت إلى حاضنة ومنتجة لطبقة طفيلية مفصولة عن الشعب ومعادية له، وحولت الحداثة إلى أيدلوجيا ووسائل سيطرة وردع وإخضاع للمجتمعات. وبدلا من أن تعمل لتنظيم حياة الأفراد الأحرار، تحولت إلى وحش يفتك بهم ويصادر حقوقهم باسم حداثة زائفة تفرض عليهم أجندة لا تخدم إلا عصبة الدولة أو الطائفة الاجتماعية المتحكمة بها 9 .

ومن أخطر المشكلات التي تترتب على ممارسة العسكر للسياسة بشكل فج هي أنهم ليسوا حزبا من الأحزاب، لذلك فإنهم عندما يصلون للسلطة يعتبرون أن معارضة حكمهم موقفا عدائيا ضد الدولة والوطن! وغالبا ما لا يؤدي خلع الحكام الثياب العسكرية عند تولي الحكم إلى تمدين العسكر، بل إلى عسكرة السياسة 10. ففقدان الثقة بين الجماهير والجيوش يؤدي إلى أن تعمد الأخيرة إلى استخدام “القوة الغاشمة” – بحسب تعبير الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي – بعدما تفشل أساليب الهيمنة (Hegemony ) التي تحدث عنها جرامشي.

ثانيا) علاقة الجيش وموقعه في الدولة المصرية

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتراجع القوى الإمبريالية القديمة (بريطانيا وفرنسا)، صعدت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقوى عظمى بديلة، وأصبح للنموذج الاشتراكي الذي يدعمه السوفيت جاذبية كبيرة في الدول النامية، خاصة وأنه تزامن مع انتصار الثورة الصينية وظهور واسع لحركات التحرر الوطنية الرافضة للاستعمار. وقد أدى هذا إلى ظهور مخاوف غربية من تمدد الشيوعية في العالم فدعمت الولايات المتحدة الجيوش في عدد من الدول باعتبارها قوى منظمة يمكن الاعتماد عليها. وفي العام 1952 أيدت واشنطن حركة ضباط الجيش المصري التي سعت لإنهاء الملكية، وحثتها على إجراء إصلاحات واسعة متمركزة حول الإصلاح الزراعي.

وانحدرت أغلبية ضباط الجيش من الطبقة الوسطى فأقامت النخبة المصرية الجديدة بالتشارك مع فئة واسعة من الموظفين والتكنوقراط، وحل هؤلاء الضباط بالتدريج محل أبناء العائلات الأرستقراطية ومثقفي وفنيي المدن المصرية من خريجي الجامعات الممتازة والنخبوية بين الحربين العالميتين 11 . وعلى سبيل المثال فإنه في عام 1962 احتل الضباط 72 منصبا من أصل 100 وظيفة عليا في الخارجية 12 .

وإثر هزيمة العام 1967 سيطر عبد الناصر على الجيش بشكل كامل بعد أن نازعه عبد الحكيم عامر عليه لفترة طويلة، واستمرت هذه السيطرة في عهد السادات، الذي تخلص من خصومه السياسيين وانتهج سياسة التغيير المستمر لقادة الجيش حتى يضمن أن لا يستقروا في أماكنهم ويمثلوا مراكز قوة تهدده فيما بعد، ومن هؤلاء كان وزير الدفاع أحمد بدوي الذي قتل مع 13 من ضباطه في حادث مروحية نجا منه الطيار وحده، لكن الأخير قتل بإطلاق النار عليه في شقته بعد الحادث بشهور 13 .

مع الوقت تم خفض الميزانية العسكرية وتغيير العقيدة القتالية للجيش، وتوافق النظام الحاكم مع الجيش على وظائف جديدة تحافظ على قوته وامتيازاته، ثم جاء الملحق العسكري في واشنطن عبد الحليم أبو غزالة ليصبح وزيرا للدفاع – واستمر بمنصبه طوال العقد الأول من حكم مبارك – حاملا مشروع توسيع نشاط الجيش الاقتصادي والمدني ومضاعفة الرواتب بشكل غير مسبوق. وأصبحت للجيش ميزانية منفصلة عن ميزانية الدولة وحساب خاص في بنك تجاري تودع فيه مداخيل المشروعات التي ينفذها.

لكن في المقابل حظر مبارك عضوية الضباط في الأحزاب عام 1984، ومع الوقت تم خفض الميزانية العسكرية من نحو 33% من الناتج المحلي في منتصف السبعينات، إلى نحو 20% عام 1980، ثم تقلصت مجددا إلى 11% في منتصف التسعينات، أما في عام 2010 فبلغت هذه النسبة 2.2% فقط 14. وتمت مراجعة العقيدة القتالية للجيش، ففي العام 1987 حدد أبو غزالة مبادئ عقيدة الجيش بالتوازن الاستراتيجي والردع من الدول المحيطة ومنها إسرائيل، والحفاظ على استقلال الدولة وسلامة أراضيها و”مصالحها الاقتصادية”. وبعد ثمانية أعوام أضاف طنطاوي إلى مهام الجيش: “حماية الجبهة الداخلية” ومواجهة الكوارث 15 .

وبعد العام 1991، زادت عملية الدمج في نظام المحسوبية التابع لمبارك من خلال الوعد بمنح “بدل ولاء” يحصل عليه كبار الضباط عند التقاعد، وذلك مقابل امتناعهم عن الانخراط في السياسة وقبولهم لرواتب متدنية نسبيا، كما يضمن هذا أيضا وظيفة حكومية توفر لهم فرصا مربحة بعد التقاعد. وقد أدت عملية دمج كبار الضباط في دولة مبارك إلى إبعادهم عن واقع مصر الاجتماعي والسياسي.  وعلى عكس النمط السائد في عهد أبو غزالة الذي عمل على أن يحقق الاكتفاء الذاتي للقوات المسلحة الفائدة لجميع الضباط بلا استثناء، فإن عهد المشير محمد حسين طنطاوي تميز بحصول فئة قليلة من أصحاب الرتب العليا على القدر الأكبر من المكاسب نتيجة دمجها في نظام مبارك 16 . هذا بالإضافة إلى برنامج المساعدات العسكرية الأمريكية التي يعتبرها بعض الباحثين بالأساس هبة لكبار الضباط المصريين .17

لذلك يمكن القول إنه في عهد مبارك جرت تسوية كبرى صار بموجبها وزير الدفاع الرجل القوي داخل الجيش فحسب، ونشأ كيان سياسي للضباط بغيته الحفاظ على الامتيازات التي تتعلق بالجيش واقتصاده ومواقع ضباطه المتقاعدين الذين يعينون في مناصب رسمية، وفي المقابل تُرك للرئيس شؤون الحكم وإدارة البلاد بالتعاون مع المخابرات ووزارة الداخلية. ولم ينفِ هذا للحظة أن الجيش ظل القوة الرئيسية، وصاحب القدرة إذا أراد تفعيل قوته، كذلك ظل الأكثر شعبية لدى الجمهور لابتعاده عن السياسة. وكان المثل السائر بين كثير من المدنيين في مصر هو أن الجيش لا يحتاج إلى الاستيلاء على السلطة لأنه يجلس بالفعل على قمتها 18 .

وظل طنطاوي الذي لم يكن مشغولا بالحرب ولا بالإعداد لها، معنيا بالحفاظ على مكانة الجيش ومصالح ضباطه، فسارت عملية تنحية القوات المسلحة عن المشاركة العلنية والمباشرة في السياسة في عهد مبارك جنبا إلى جنب مع تغلغل كبار الضباط في جهاز الدولة. فكانت هيئة الرقابة الإدارية أهم أذرع الجيش للتغلغل في الإدرات المدنية، وذلك من خلال ترهيب المعارضين ومعاقبتهم، والسيطرة على مؤيدي النظام. بالإضافة إلى أن العسكريين يسيطرون على نصيب الأسد من الحكم المحلي كمحافظين ورؤساء مدن وأحياء، كما أنه ضمن مهام قادة المناطق العسكرية الخمسة التنسيق مع المحافظين والسلطات المدنية لضمان الأمن الداخلي. وفوق كل هذا تدير “جمهورية الضباط” اقتصادها العسكري الرسمي الخاص، الذي يدر عليها مصادر دخل لا تمر عبر الخزينة العامة للدولة ولا تخضع لسيطرة البرلمان أو أية هيئة مدنية أخرى 19 .

وقد حفز توسع النشاط الاقتصادي للقوات المسلحة صراعا مع البرجوازية المدنية التي أفسح لها الانفتاح الاقتصادي مجالا للعمل في مشروعات بقيت تقليديا مقصورة على القطاع العام، لكن سرعان ما تطورت ديناميات تضبط هذه المنافسات وتعزز شبكة مصالح مشتركة بين الجيش ورؤوس الأموال. لكن اللبرلة الاقتصادية المفرطة التي بدأت في المرحلة الثانية من عهد مبارك ولا سيما مع صعود نجم ابنه جمال ورجال الأعمال، قادت إلى صراع خفي ثم علني بين اقتصادين ورؤيتين ونخبتين، إنه صراع بين القطاع العام الذي أصبح قطاعا عاما خاصا بالعسكر، والليبرالية الاقتصادية الخاصة بفئة جديدة من رجال الأعمال الموالين للأسرة الحاكمة بوساطة الحزب الوطني 20 .

وبعد ثورة يناير تعرضت هذه الامتيازات لخطر مراقبة البرلمان والخضوع للقانون المدني، ولتجنب ذلك حرصت المؤسسة العسكرية على أن يتضمن الدستور موادا لا تنص على امتيازاتها فحسب، بل على قرارها السيادي عمليا أيضا، سميت بمواد تحصين الجيش في الدستور. لكن بالتوازي عمل الجيش على تعزيز سيطرته على الاقتصاد، الأمر الذي استمر أيضا في عام حكم الرئيس محمد مرسي، قبل أن تدب الخلافات بين الرئاسة والقوات المسلحة بشأن السيطرة على مشروع محور قناة السويس. وأخيرا سهلت الإطاحة بمرسي وتعزيز النظام العسكري قدرة القوات المسلحة على تحويل أموال الدولة إلى المشاريع التي لها مصالح فيها 21 . وزادت عملية توسيع الجيش لنفوذه الاقتصادي بشكل ملفت، وعلى سبيل المثال فإن جريدة الوطن المقربة من النظام نشرت خبرا يوضح كيف وصل ذلك النفوذ إلى أصغر المهام، فجاء نص الخبر كالتالي: “يفتتح اللواء كمال الدالي، محافظ الجيزة، الثلاثاء المقبل، مشروع تطوير جراج حي العجوزة بشارع السودان وذلك ضمن احتفالات محافظة الجيزة بعيدها القومي . يشارك في الافتتاح اللواء علاء هراس، نائب محافظ الجيزة، واللواء جمال الشبكشي، رئيس حي العجوزة، وعدد من قيادات محافظة الجيزة” 22 ، فالمحافظ لواء ونائبه لواء ورئيس الحي لواء، وهم كل المسؤولين المذكورين في الخبر، وربما هناك آخرون لم يتم ذكرهم.

وقد أدى كل ما سبق إلى وضع غريب للجيش ركز فيه على مصالحه الاقتصادية أكثر من مهمته الأصلية في حماية البلاد، واقترب من توصيف جمال حمدان الذي انتقد فيه “حل مشكلة الأخطار الخارجية والغزو بالحل السياسي وأخطار الحكم الداخلية بالحل العسكري”. فباستثناء مشاركة محدودة في عاصفة الصحراء بالكويت مطلع التسعينات لم تشارك القوات المسلحة المصرية في عمليات حقيقية منذ نحو 45 عاما، وحتى التحدي الداخلي الذي مثله بضع مئات من المسلحين المتمردين في سيناء تعاملت معه بطريقة أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول كفاءتها. الأمر  الذي  دفع الخبيران في الشؤون المصرية كليمنت هنري وروبرت سربنغبورغ إلى اعتبار أن نواة الجيش المصري مكونة من ضباط مدللين تم تسمينهم ضمن نظام المحسوبية الذي أقامه مبارك 23 .

ثالثا) تحليل خطاب الجيش المصري في الفترة من فبراير 2011 إلى فبراير 2018

في هذا الفصل يتناول الباحث بالتحليل خطاب الجيش المصري خلال سبع سنوات تمتد من بداية ثورة يناير 2011 وحتى ترشح الرئيس عبد الفتاح السيسي لفترة ثانية في فبراير 2018، وذلك من خلال محورين هما الشكل والمضمون.

(أ) من حيث الشكل:

في بيان المجلس العسكري الأول الذي لم يحمل رقما، ظهر اللواء إسماعيل عتمان عضو المجلس وخلفه رمز لوزارة الدفاع المصرية (هيئة العمليات)، ثم في أول ثلاثة بيانات تالية للمجلس كان ملقي البيان (اللواء الفنجري) يقرأ من ورقة وفي استديو غير مجهز سوى بعدد من أعلام القوات المسلحة مع خلفية فقيرة إلى حد ما، وهو ما يشير إلى حالة الارتباك وضعف الخبرة النسبي في التعامل مع الإعلام، وهذا يرجع إلى ما سبق ذكره بشأن دور مبارك في دفع الجيش إلى خلفية المشهد السياسي بعيدا عن واجهته. لكن هذا تبدل مع الوقع، فبداية من البيان الرابع بدأ الحديث من شاشة متحركة متصلة بالكاميرا (أوتوكيو)، وتم التصوير في استديو به خلفية مكتوب عليها “المجلس الأعلى للقوات المسلحة”، ويضم عددا من أعلام الجيش. ثم تغير المتحدثون مرارا، وبدأت مرحلة البيانات التي يظهر فيها رمز القوات المسلحة وفي الخلفية صوت قوي لأحد المتحدثين باسم الجيش. وفي بيان القيادة العامة للقوات المسلحة بتاريخ 9-7-2013، تم إزالة الرمز ووضع بدلا منه صورة وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي الذي هنأ – خلال البيان – المصريين بحلول شهر رمضان. وكان قبلها بأيام وبالتحديد في 3-7-2013 ظهر السيسي بنفسه لإلقاء بيان الانقلاب، ثم أخيرا وصلنا إلى مرحلة الاستديو الكبير الذي أعلن منه المتحدث العسكري عن بداية “العملية الشاملة سيناء” في فبراير 2018.

وقد جاءت جميع البيانات العسكرية طوال السنوات السبع محل الدراسة مسجلة وخاضعة لعملية مونتاج واضحة، وذلك بهدف السيطرة على الخطاب بشكل كامل، والتأكد من عدم وجود أخطاء، ورغم ذلك اتسمت بالضعف اللغوي، وهذا ربما يرجع إلى ظاهرة تقديم الثقة على الكفاءة. وقد أشار الباحثان (Kechichian, J., & Nazimek, J. ) إلى أن نسبة الضباط الجامعيين عندما وقعت نكسة العام 1967 كانت 1 إلى 60 فقط، قبل أن تشعر القيادة بالأزمة فتجري عملية تجنيد واسع لأصحاب المؤهلات الجامعية، لتصبح 60% من الضباط خلال حرب 1973 24 ، لكن ظلت الكفاءة مفتقدة بسبب عدم اعتماد معايير صارمة، وعدم اشتراط التفوق الدراسي في الملتحقين بالكلية الحربية.

(ب) من حيث المضمون:

إنَّ التراكم المعرفي في مجال الخطاب أفرز ثلاث مدارس أساسية 25 : المدرسة الألمانية، المستوحاة من أطروحات هابرماس حول المجال العام؛ وترى أن الخطاب هو التبادل المنظم للحجج في وضعية نزاعية، بهدف الوصول إلى توافق . بينما المدرسة الفرنسية تمحورت حول التفكير في العلاقة بين اللساني والأيديولوجي. وأخيرا المدرسة الأنجوساكسونية التي ترى أن إدراك الخطاب يتم على مستوى فعل الكلام في وضعية اتصالية محددة. وأسهمت اللسانيات الوظيفية في تمكين هذه المدرسة من تحليل استخدام النص داخل المجتمع. وتعزَّزت هذه المدرسة بالدراسات الإمبريقية لما أصبح يُعرف بالتحليل النقدي للخطاب، على يد العديد من الباحثين بينهم نورمان فاركلوف وروث وداك، وهما الباحثان اللذان سيعتمد الباحث على أفكارهما في هذه الدراسة.

حيث يرى فاركلوف أن تحليل الخطاب لا يعتمد فقط على التحليل اللغوي للنصوص، بل يأخذ في الاعتبار عمليات إنتاج النص وتوزيعه واستهلاكه التي تتم ضمن إطار واسع من الممارسات الثقافية الاجتماعية 26 ، ويلخص فاركلوف ووداك المبادئ الرئيسية لتحليل الخطاب النقدي فيما يلي: يتناول المشكلات الاجتماعية، تكون علاقات السلطة خطابية، يمثل الخطاب المجتمع والثقافة، يفعل الخطاب عملا أيدولوجيا، يكون الخطاب تاريخيا، تكون العلاقة بين النص والمجتمع علاقة توسطية، يكون تحليل الخطاب تأويليا وشارحا، الخطاب نمط من أنماط الفعل الاجتماعي27 .

ملامح عامة لخطاب الجيش المصري

يمثل تحليل الخطاب النقدي نمطا من بحوث الخطابة التحليلية التي تدرس سوء توظيف السلطة واستمرارها ومقاومتها والهيمنة الاجتماعية وعدم المساواة بواسطة النص والحديث في السياق الاجتماعي والسياسي 28 . لذلك فهو يتناسب مع موضوع البحث إلى حد كبير. وبناء على ما سبق يعمل الباحث في الجزء التالي من الدراسة على وضع ملامح عامة لخطاب الجيش المصري خلال السنوات السبع الماضية، والتي تتمثل فيما يلي:

1ـ تمثلات الذات والآخر عند الجيش:

إن الخطاب السياسي لا يصف العالم بل ينشئه ويغيره، ومن بين الأدوات التي يستخدمها رجل السياسة في إنشاء العالم وتغييره عمليات تمثيل الذات والآخرين والأحداث29 .  ويقول أرسطو: إن الصورة التي يرسمها الخطيب لنفسه داخل خطبته بالغة الأهمية في إنجاز الوظائف التي تسعى إلى تحقيقها، فعندما يضفي الخطيب ملامح مصداقية وأهلية على نفسه، وتجرد وحيادية على خطابه، فإن ذلك يسمح لكلامه بأن ينجز أغراضه بسهولة نسبية 30 .  لذلك يسعى الجيش دائما في خطاباته إلى رسم صورة مثالية لنفسه، حيث يكثر من مدح الذات من خلال عبارات مثل: “كانت القوات المسلحة على الدوام في مقدمة صفوف المواجهة للحفاظ على الدولة المصرية”، و”المجلس الأعلى لن يحيد عن الدور الوطني للقوات المسلحة وقيادته الوطنية”، و”لقد استشعرت القوات المسلحة انطلاقا من رؤيتها الثاقبة أن ……”، و”نلتزم بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه”، وفي بيان القوات المسلحة في 1 يوليو 2013 جاء نصا: “تحية تقدير وإعزاز إلى رجال القوات المسلحة المخلصين الأوفياء، الذين كانوا ولا يزالون متحملين مسؤوليتهم الوطنية تجاه شعب مصر العظيم بكل عزيمة وإصرار وفخر واعتزاز”. ويمثل هذا النوع من البيانات خطابا مضادا للخطابات التي توجه انتقادات للجيش وسلوكه السياسي، وكلما زاد الانتقاد زادت عبارات المديح للذات.

وأبعد من ذلك أن هذه الخطابات تنفي الانتقادات التي يتم توجيهها للقوات المسلحة وتؤكد وجود عكسها. وبدلا من إدارة نقاش بشأن تلك العيوب ومحاولة إصلاحها، يتحول الحديث إلى المزايا والسعي إلى تطوير ما هو قائم. وهو شكل من أشكال “الاستلاب الخطابي” بحسب تعبير بعض الباحثين. فمثلا يقول بيان للجيش: “المجلس الأعلى للقوات المسلحة ليس بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب”، في رد واضح على الانتقادات الموجهة للجيش بالسيطرة على الحكم بالقوة، وقوله: “القوات المسلحة لم تغدر ولم تتآمر” يمثل ردا على اعتبار أن ما جرى في الثالث من يوليو 2013 انقلاب عسكري. وقوله: “المجلس الأعلى للقوات المسلحة يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية” يمثل ردا على اتهامات بأن السيسي مرشح الجيش الذي يدافع عن مصالحه. وقد اتهم السيسي نفسه في خطاب متلفز جماعة الإخوان بأن منطقها يتلخص في عبارة “يا نحكمكم يا نقتلكم” وذلك بالتزامن مع مجازر واسعة تم اتهام النظام بارتكابها عمدا، وقال عن الرئيس المعزول محمد مرسي: “أخد السلم معاه فوق” في إشارة إلى منع تداول السلطة وتقويض الديمقراطية، بينما يقول معارضوه إنه هو من نفذ هذه الإجراءات على نطاق واسع، حتى أنه لم يسمح لأحد ذا شأن بالترشح ضده في انتخابات 2018.

كما لاحظ الباحث وجود استخدام مفرط لمفردة “القوات المسلحة” في الخطابات، وذلك لما لهما من رصيد واسع عند الجمهور، لدرجة أن السيسي استخدمها أحد عشر مرة في بيان الانقلاب. لكن تأثير هذه المفردة تراجع مع الوقت، بالضبط كما تراجع تأثير خطبة مبارك في العاشر من فبراير 2011 عن نظيرتها التي ألقاها يوم 28 يناير وكان لها تأثير كبير وقتها. فأحيانا يؤدي الاستخدام المبالغ فيه للغة المشحونة والعاطفية إلى أثر عكسي على الجمهور يعرف بـ”الأثر المرتد على صاحبه” (boomerang effect ) 31 ، خاصة عندما انهار سقف تطلعات الجمهور خلال السنوات الخمس التي حكم فيها الجيش بشكل مباشر وأدت إلى تراجع الأوضاع المعيشية لغالبية الشعب المصري.

وظل خطاب الجيش يعتمد دائما على ثنائيات متقابلة، بحيث يمثل هو أحد طرفيها، فيما يمثل أعداؤه الطرف الآخر، مثل (الوطنية في مقابل الخيانة- الإعمار في مقابل التخريب – أهل الخير في مقابل أهل الشر – الجيش في مقابل الإرهاب الأسود –  المواطنون الشرفاء في مقابل المندسين ….. إلخ).

2ـ الدولة في خطاب الجيش:

يفترض الفيلسوف الألماني كارل شميت أن الدولة القومية تمثل عند البعض الغاية أو الدين أو حتى الإله، حيث يحل الدستور محل الكتاب المقدس، ويمثل الجندي المجهول معنى الشهادة، ويحل العلم محل الشعار الديني، والنشيد الوطني محل الأناشيد أو الترانيم، كما استبدلت أخوة الدين بالمواطنة، وحلت قراءة الصحيفة محل صلاة الصبح، والذهاب للعاصمة محل الحج 32 . وبينما ينظر الجيش إلى نفسه باعتباره النواة الصلبة للدولة، فإنه يهتم بتفعيل أدوات الدولة البيروقراطية الأخرى والسيطرة عليها لاسيما قوات الأمن الداخلي (الشرطة)، والقضاء. وهذا يظهر في أوصاف التبجيل التي تملأ البيانات العسكرية من قبيل “الشرطة الوطنية”، و”القضاء الشامخ”، و”القاضي الجليل” ….. إلخ. لكن ورغم كل هذا يحرص الجيش على إظهار بقية المؤسسات باعتبارها في درجة أقل منه وتحت سيطرته، وقد ظهر هذا في الصورة التي بثتها الصحف المصري للقاء بين السيسي وقت أن كان وزيرا للدفاع ومحمد إبراهيم وزير الداخلية، حيث ظهر الأول جالسا ينظر إلى أمامه بعدم اهتمام، بينما كان الثاني واقفا في موقف السكرتارية يشرح شيئا ما، وذلك بعد فترة وجيزة من انقلاب 2013 33. وهذا يتوافق مع وصف بعض الباحثين وزارة الداخلية باعتبارها “منفذة لأوامر الجيش وهي في الوقت نفسه كبش محرقته” 34 .

ولكون الجيش متغلغل بقوة في المكون البيروقراطي من خلال الرقابة الإدارية على الحكم المحلي والأجهزة الأمنية، ولأن هذا التدخل يوفر لكبار الضباط المتقاعدين وللقوات المسلحة ككل دخلا ممتازا، فإن الجيش يرى أنه بشكل أو بآخر قيم على الدولة وليس أهم مؤسساتها فحسب، الأمر الذي ظهر بشكل واضح في البيان رقم واحد للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد ثورة يناير حيث بدأ البيان بالعبارة التالية: “انطلاقا من مسؤولية القوات المسلحة والتزاما  بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه وحرصا على سلامة الوطن والمواطنين ومكتسبات شعب مصر العظيم، وتأكيدا وتأييدا لمطالب الشعب المشروعة انعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف”. وأحيانا يتطور الأمر ليصف خطاب الجيش القوات المسلحة باعتبارها كيانا فوق الدولة، كما ظهر في مصطلحات مثل “عرق الجيش” الذي قاله اللواء محمود نصر مساعد وزير الدفاع للشئون المالية واصفا الأموال التي يمتلكها الجيش، وردا على انتقادات اقتصاديين لتصريح له بشأن إقراض وزارة الدفاع مليار دولار للبنك المركزي! 35   كما حول الجيش عمليات الرعاية الاجتماعية والتنمية إلى صدقات – بدل أن تكون استحقاقات – تمنح وفقا لتقدير ومزاج القادة، فحين تبني القوات المسلحة الطرق والمخابز ومحطات تنقية المياه تصفها بأنها “هدية للشعب المصري” متجاهلة حقيقة أن الموارد المستخدمة في نهاية المطاف تأتي من المال العام 36 .

3ـ الشعب في خطاب الجيش:

يقول يزيد صايغ إن الضباط أصبحوا فئة خاصة لها مساكنها ومستشفياتها ونواديها وامتيازاتها، وأصبح الانضمام إلى سلك الضباط يتسم بدرجة أقل بكثير من الديمقراطية. وأدى ذلك إلى إلغاء تدريجي لأحد أهم مظاهر المساواة الاجتماعية التي تميز بها عهد عبد الناصر، والتي سهلت دخول أبناء العائلات الفقيرة أو الأمية وعائلات الطبقة دون الوسطى إلى الكليات العسكرية . وتم التخلي عن السياسات الحكومية الاجتماعية الهادفة إلى إعادة توزيع الثروة 37 . ولعل ما يكشف عن طبيعة الوعي الطبقي الجديد لجمهورية الضباط هو أن المنقبات والرجال الذين يرتدون الجالابية الفلاحية يمنعون من دخول النوادي العسكرية، وقد فرضت القيود نفسها على الدخول لمراكز التسوق التي تمتلكها أو تديرها جمعيات الضباط المتقاعدين، إلى أن تبين أن زوارا أثرياء من دول الخليج يرتدون ملابس مشابهة 38 .  لذلك كثيرا ما يأتي خطاب الجيش لينفي كل هذا ويركز على الهوية المشتركة بين الجيش والشعب، مستخدما عبارات من قبيل “جيش الشعب”، و”الجيش يأتمر بأمر الشعب”، و”قواتكم المسلحة”.

وبشكل عام يتعامل الجيش بنزعة أبوية مع المدنيين، حيث يتم اعتبارهم مواطنين أقل شأنا، ويظهر هذا في الصورة المتداولة للجندي الذي يحمل طفلا، والتي انتشرت على الدبابات في مارس 2012. وقد قال السيسي في خطابه يوم 24 يوليو 2013: إن القوات المسلحة لن تعتدي على الشعب لأن “الأسد لا يأكل أولاده”!

وحينما يهدد الجيش في بياناته بأن الشعب سيفعل أمرا ما، فإنه يقصد أن القوات المسلحة هي التي ستفعل، وهذا ظهر في البيانات من خلال عبارات مثل: “إن الشعب يختار بإرادته الحرة طريقه نحو مستقبل مطلوب من الجميع”، “ليس لأحد أن يخرج على إرادة الأمة”، وفي بيان 12 يوليو 2011 يقول: “إن القوات المسلحة مؤيَدة بثقة الشعب وانطلاقا من ثوابتها الوطنية تؤكد أنها لن تسمح بالقفز على السلطة وتجاوز الشرعية لأي من كان”.

وعندما قرر المجلس الاعلى للقوات المسلحة ترشيح السيسي، أظهر الأمر في بيان 27-1-2014 باعتباره إرادة شعبية فقال: لم يكن في وسع المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلا أن يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم في ترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية، وهي تعتبره تكليفا والتزاما”، ثم قال إنه: “قدر أن ثقة الجماهير فيه (السيسي) نداء يفرض الاستجابة له في إطار الاختيار الحر لجماهير الشعب”!!

وعادة ما تشتمل البيانات التي يوجهها قادة الجيش للشعب على الوعد والوعيد في نفس الوقت، مع ذكر الوعود بنبرة هادئة، وبعدها مباشرة تتغير اللهجة إلى الصرامة مع ذكر التهديدات، ويظهر هذا مثلا في الخطاب الثاني للجيش بعد ثورة يناير الذي نص على: “تؤكد القوات المسلحة على عدم الملاحقة الأمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح”، ثم غير المتحدث نبرته قائلا: “وتحذر من المساس بأمن وسلامة الوطن والمواطنين”.

4ـ مصداقية الخطاب:

كثيرا ما يقترن الاستخدام المكثف لأساليب التوكيد المركبة بوجود فجوة مصداقية بين المتكلم والجمهور تحاول هذه الأساليب تجسيرها 39. وهو ما نلاحظه في جميع خطابات الجيش تقريبا، كما أن هذه الفرضية تفسر استخدام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي شبه الدائم للحلِف خلال خطاباته. كما أن بيانات الجيش عادة ما تحتشد بالعبارات البلاغية التي تعمل على تعطيل التفكير النقدي عند الجمهور، مثل عبارة: إن الجيش يعلم أن “رصيده عند الشعب يسمح”، وذلك عند اعتذاره عن الهجوم على المتظاهرين بميدان التحرير في 26 فبراير 2011. وعبارة: “إن الشعب لم يجد من يحنو عليه”، وهو الأمر الذي يشكك في مصداقية هذا النوع من الخطابات.

وكثيرا ما نجد أن الجيش يفعل عكس ما يقوله في بياناته، كما حدث عندما ترشح السيسي للرئاسة رغم تأكيد الجيش في بيان 1 يوليو 2013 أنه “لا يطمع في سلطة أو حكم”، وقوله في بيان الانقلاب يوم الثالث من يوليو 2013: “إن القوات المسلحة كانت أول من أعلن ولاتزال وسوف تظل، بعيدة عن العمل السياسي”.

وقد تعهد الجيش بعد الثورة مرارا بعدم قتل المتظاهرين بل وحمايتهم، في حين انتشرت خلال فترة حكمه عمليات القتل في العديد من الحوادث مثل محمد محمود ومجلس الوزراء والعباسية، ثم توسعت بعد الانقلاب بشكل كبير. ففي بيان الجيش يوم 9 -7– 2013 دعا الجميع للارتفاع إلى “مستوى المبادئ التي يمثلها شهر الصيام من تجرد خالص لله ومن إيمان ملتزم بالوطن”، ثم ارتكب المجازر خلال نفس الشهر الكريم، وبعده أيضا.

وقبل ذلك مارس الجيش – بقيادة السيسي – الخداع في بيان مهلة الأسبوع التي كانت تحمل رسائل متضاربة، ففي مقابلة شخصية للباحث مع عماد عبد الغفور مستشار الرئيس المعزول محمد مرسي قال: إن مرسي استدعى السيسي بعد البيان للاستفسار عن مضمونه، فأكد له السيسي أن البيان تم قطعه بطريقة خاطئة خلال عملية المونتاج الأمر الذي أدى إلى فهمه بشكل خاطئ، وأن المقصود من البيان هو التأكيد على شرعية الرئيس!!

ورغم أن بيان الانقلاب العسكري تضمن خارطة طريق من 6 بنود منها “وضع ميثاق شرف إعلامي يكفل حرية الإعلام”، إلا أنه بمجرد انتهاء بث البيان أغلق القمر الصناعي نايل سات – بأمر من الجيش بالطبع – كل القنوات التي يمكن أن تعترض عليه، كما تم مداهمتها من قبل قوات الأمن واعتقال العاملين بها.

وكثيرا ما وصفت بيانات الجيش ثورة يناير بالعظيمة، حتى أن اللواء محسن الفنجري أدى التحية العسكرية لشهدائها خلال أحد البيانات، وهذا ما يطلَق عليه “الإكراه البلاغي” بحسب رونالد كريبس وباترك جاكسون، حيث اضطرت موازين القوى على الأرض الجيش إلى تقديم خطاب كان مكرها عليه، إلا أنه وبمجرد أن أصبحت تلك الموازين في صالحه، أصبحت الثورة توصف – خاصة على لسان السيسي – باعتبارها “أحداث 25 يناير” التي يجب ألا تتكرر.

وعلى المستوى العسكري قدم السيسي الوعود العسكرية التي تؤكد اقتراب القضاء على الإرهاب في سيناء، وهي وعود لم تتحقق رغم مرور سنوات عليها، ففي 1 فبراير 2015 عين السيسي الفريق أسامة عسكر قائدا للقيادة الموحدة لمنطقة شرق القناة قائلا: “أنا بشهد الناس عليك يا أسامة أن أحداث سيناء الإرهابية لا تتكرر مرة أخرى”، كما خصص 10 مليارات جنيه لتنمية سيناء، وفي 29 نوفمبر 2017 قال السيسي لرئيس الأركان الفريق محمد فريد حجازي: “مسؤوليتك دحر الإرهاب في سيناء خلال 3 أشهر”، وفي 23 ديسمبر 2017 قال السيسي إنه في غضون سنتين أو ثلاث سيتم تنفذي مشروع عمراني يكلف 5.6 مليارات دولار في سيناء، وفي 9 فبراير 2018 أطلق الجيش عملية عسكرية واسعة لمكافحة الإرهاب في سيناء. وبعد كل هذه الوعود لم يتم القضاء على الإرهاب، كما لم تتحقق التنمية الموعودة في سيناء.

ومن أبرز الأحداث التي أثرت على مصداقية الجيش تبنيه لاختراع السيد إبراهيم عبد العاطي الذي قلدته القوات المسلحة رتبة لواء، ورعت الهيئة الهندسية جهازه الذي قال إنه يعالج مرضي الالتهاب الكبدي والإيدز، وذلك في حضور رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بالإضافة إلى عبد الفتاح السيسي نفسه، وهو الأمر الذي لم يقدم الجيش عنه اعتذارا حتى الآن، رغم ثبوت عدم صحته.

لكن كل ما سبق يعتقد الباحث أنه كان من الممكن أن يتغاضى المواطن المصري العادي عنه، إلا أن التراجع الاقتصادي الذي ضرب البسطاء بينما عزز من نفوذ الجيش، كان أخطر ما أثر على مصداقية خطاب القوات المسلحة. فبينما يتمتع القادة العسكريون – الذين يحكمون البلاد منذ العام 1952- بنفوذ واسع على المستويين السياسي والاقتصادي، فإن البلاد تعاني من تراجع في جميع المجالات تقريبا خاصة تلك المتعلقة بصحة المواطن وتعليمه وحياته اليومية. ففي ١٧ ديسمبر ٢٠١٤ وعد السيسي بتحسن الاقتصاد خلال عامين قائلا “إصبروا معايا سنتين.. وحاسبوني”، وفي نوفمبر 2015 قال: “الأسعار ستنخفض في مصر كلها “، وفي مارس 2016 أسند السيسي إلى الجيش مهمة ضبط أسعار المواد الغذائية، وفي 13 أبريل 2016 قال خلال اجتماع مصور مع مسؤولين وسياسيين: “لن يحدث تصعيد في الأسعار”، ثم مدد المهلة في ديسمبر 2016 قائلا: “من فضلكم اقفوا جنب بلدكم 6 شهور بس”، وفي يوليو 2017 قال أمام مؤتمر الشباب المنعقد في الإسكندرية، إنه سيتصدى لمشكلة الغلاء، غير أن أيا من هذه الوعود لم يتم الوفاء به.

5ـ أهازيج الصراع:

في النصف الثاني من العام 2013 كانت أغنية “تسلم الأيادي” تقرع أسماع المصريين في كل شوارع البلاد تقريبا، في الشاشات وعلى الهواتف المحمولة وفي حفلات الزفاف ….. إلخ، وكانت بشكل أو بآخر تحمل معنى تأييد الجيش في الانقلاب على مرسي، ودعمه في الإجراءات التي اتخذها بعد ذلك. إلا أنها تراجعت مع الوقت، وبعد عدة سنوات لا يكاد يرددها حتى أشد مؤيدي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بسبب حالة الشك التي عاشتها البلاد فيما بعد.

ومع إحساس النظام العسكري بنشوة النصر، صعد من خطابه لتظهر أغنية احنا “شعب وانتو شعب”، التي جاءت بعد أيام من خطاب السيسي يوم 24 يوليو 2013 (خطاب طلب التفويض)، والذي قسم فيه المصريين إلى: تيار ديني، وشعب يرفض أفعال هذا التيار. وأصبح المصريون إما مواطن “من الدرجة الأولى” وضمن القطاع الفاعل في النظام، أو مطيع يحظى ببعض الحقوق، أو معارض يعامل معاملة الأعداء، حيث يتم معاملة القسمين الأولين باعتبارهم شعبا، والقسم الثالث باعتباره شعبا آخر، ولكل منهما رب مختلف “لينا رب وليكو رب” بحسب الأغنية التي أنشدها المطرب الشهير علي الحجار .

وفي منتصف 2014 وقبيل انتخابات الرئاسة مباشرة، ظهرت أغنية “بشرة خير”، في إشارة لأن انتخاب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي سينقل البلد لمرحلة الرخاء، وسيكون ذلك “بشرة خير” للتقدم والرغد الذي ستعيشه البلاد في ظل حكمه، وكسابقاتها اختفت الأغنية بعدما تراجعت الآمال بشأن كل ما سبق وتم الترويج له .

وأخيرا وقبل أسابيع من انتخابات الرئاسة في ربيع 2018، ظهرت أنشودة “قالوا إيه علينا” والتي تحمل ضمنيا ما مفاده أن “الجيش يخوض حربا ضد الإرهاب، ويحمي الشعب من مصير دول مجاورة – سوريا وليبيا والعراق واليمن – وهذا يستدعي من الشعب أن يتحمل التراجع الاقتصادي الذي وإن كان مؤلما، فإن أضراره لا تقارن بما يمكن أن يحدث إذا انهار النظام الحاكم، كما لا تقارن بالتضحيات التي يقدمها الجيش .

وبينما كانت كلمات أنشودة “تسلم الأيادي” تشير إلى الجيش بالقول: “اللى حامى الأرض يسلم”، تنازلت السلطات المصرية – وفي قلبها النظام العسكري الحاكم – عن جزيرتي تيران وصنافير خلال عملية ترسيم الحدود مع المملكة العربية السعودية، فيما جاءت أنشودة “قالوا إيه علينا” بكلمات تقول: “قالوا نموت ولا يدخل مصر خسيس وجبان” و”أبطالنا في سيناء.. حاميين أراضينا”، بينما كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتحدث في لقاء مع الرئيس الأمريكي عن “صفقة القرن” التي تشير مصادر متعددة إلى أنها تتضمن عملية تبادل للأراضي بين مصر وإسرائيل!

خاتمة:

لقد قدم الجيش المصري خطابا وطنيا بامتياز، بنى أعمدته على استقلال القرار والتضحية من أجل البلاد والتفاني في خدمة الشعب، لكن هذا الخطاب فقد الكثير من فاعليته بسبب أنه لم يجد ما يصدقه على أرض الواقع، وبات يحمل الكثير من الأساليب الدعائية القديمة التي لم تعد تناسب روح العصر. وبينما كان الجيش يتحدث في بياناته عن الماضي وأمجاده بهدف تأكيد شرعيته، وعن المستقبل والرخاء المنتظر فيه تحت حكمه، فإن الصراع الحقيقي الذي يخوضه هو بالأساس على الحاضر وامتلاك السلطة والثروة فيه.

ويعتقد الباحث أن هذه الفجوة في الخطاب تعود إلى كون البرجوازية العسكرية – الأمنية في مصر تختلف عن البرجوازية بمفهومها الكلاسيكي في أمرين: أولا) أنها لا تسمح للموهوبين بدخولها (إلا بالصدفة)، فالولوج إلى الكلية الحربية وكلية الشرطة وسلك القضاء (وهم قلب النظام ومسيريه) يكون بالواسطة غالبا وليس على أساس الكفاءة. وثانيا) أن النظام لا يمتلك أدوات رقابية فاعلة لها القدرة على منع – أو على الأقل تقليل – الفساد الناتج عنها. فحتى المنطق الرأسمالي الذي يفترض أن السوق الحر ونمو الطبقة البرجوازية سيعود بالنفع على بقية الطبقات، وأنه يستوعب الموهوبين في ظل السوق المفتوح، غير موجود في هذه الحالة. فلدينا طبقة تحتكر الثروة والسلطة، وفي نفس الوقت لا تمتلك الكفاءة اللازمة لتحقيق التنمية. والأخطر من هذا أنها تتعامل بعنف شديد – سواء على مستوى الخطاب أو الفعل – مع محاولات الإصلاح، وهو ما ينطبق أيضا على العديد من الجيوش العربية، الأمر الذي دفع عبد الوهاب الأفندي للتساؤل: من يحمي الديار من “حماة الديار”؟! 40

ملحق: أهم البيانات العسكرية بعد ثورة يناير :

نماذج من الأغاني التي تم التسويق لها عسكريا بعد انقلاب 2013:


الهامش

1  زولتان باراني. كيف تستجيب الجيوش للثورات؟ ولماذا؟، ترجمة: عبد الرحمن عياش، (بيروت، الشبكة العربية للأبحاث والنشر، 2017) ص 15.

2  ميشيل فوكو، نظام الخطاب، ترجمة محمد سبيلا (دار التنوير، القاهرة، 1984).

3  أفلاطون، جمهورية أفلاطون، ترجمة فؤاد زكريا (القاهرة: المؤسسة العربية للتأليف والنشر، دار الكتاب العربي، 2000)، ص 117.

4 Huntingdon, S. (1957). The Soldier and the State. ‏ (p 79)

5  عبد الوهاب الأفندي، مرجع سابق.

6 Janowitz, M. (2017). The professional soldier: A social and political portrait. Simon and Schuster. ‏

7  عزمي بشارة، الجيش والساسة.. إشكاليات نظرية ونماذج عربية، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2017) ص34، ص35.

8 Samuel, P. Huntington, Political Order in Changing Societies. New Haven: Yale University Press. 1996: (1968).

9  برهان غليون، المحنة العربية: الدولة ضد الأمة (بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1993).

10  عزمي بشارة، مرجع سابق.

11  عزمي بشارة، مرجع سابق.

12  أنور عبد الملك، المجتمع المصري والجيش 1952 – 1973، (القاهرة، مركز المحروسة، 2005)، ص 279.

13  عزمي بشارة، مرجع سابق، ص 169 – ص180.

14  عزمي بشارة، مرجع سابق، ص 184 – ص185

15   Kechichian, J., & Nazimek, J. (1997). Challenges to the Military in Egypt. Middle East Policy, 5(3), 128.

16  يزيد صايغ، فوق الدولة .. جمهورية الضباط في مصر، معهد كارنيجي، أغسطس 2012:

http://carnegie-mec.org/2012/08/01/ar-pub-48996

17  شانا مارشال، القوات المسلحة المصرية وتجديد الإمبراطورية الاقتصادية، معهد كارنيجي، أبريل 2015: الرابط

18   (عزمي بشارة، مرجع سابق ص 188.

19  يزيد صايغ، مرجع سابق.

20   عزمي بشارة، مرجع سابق، ص ص 191 – 197.

21    شانا مارشال، مرجع سابق.

22  محافظ الجيزة يفتتح جراج حي العجوزة، موقع صحيفة الوطن، 1 أبريل: 2018: الرابط

23 Henry, C. M., & Springborg, R. (2011). A Tunisian Solution for Egypt’s Military: Why Egypt’s Military Will Not Be Able to Govern. ‏

24 Kechichian, J., & Nazimek, J. (1997). Challenges to the Military in Egypt. Middle East Policy, 5(3), 125. ‏

25  نصر الدين لعياضي، الخطاب الطائفي في الفضائيات الدينية: كُلْفَة الخلاف وتداعياته، مركز الجزيرة للدراسات، أكتوبر 2015: الرابط

26 Fairclough, N. Discourse and social change, (Polity Press, Cambridge, 1992), p. 73.

27 Fairclough, N., & Wodak, R. (1997). Critical discourse analysis. In van Dijk, TA (ed.) Discourse as Social Interaction (Discourse Studies: A Multidisciplinary Introduction, vol. 2). ‏

28  Van Dijk, T. A. (2008). Discourse and power. Palgrave Macmillan.p 85. ‏

29  عماد عبد اللطيف، إطار مقترح لتحليل الخطاب التراثي، مجلة الخطاب الجزائرية، 2015، العدد (14)، ص ص 187- 216: الرابط

30  أرسطو،كتاب الخطابة، ترجمة عبد الرحمن بدوي، (بغداد، دار الشؤون الثقافية العامة، 1986)، ص 29.

31 de Rosa, A. S. (2006). The “boomerang” effect of radicalism in Discursive Psychology: A critical overview of the controversy with the Social Representations Theory. Journal for the Theory of Social Behaviour, 36(2), 161-201. ‏

32 Silverman, P. (1990). Political Theology: Four Chapters on the Concept of Sovereignty. ‏

33  صورة السيسي في وضع الجلوس ومحمد إبراهيم واقفا.

34  شانا مارشال، مرجع سابق.

35  العسكري: مشروعاتنا (عرق) وزارة الدفاع.. ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها، موقع صحيفة الشروق، 27 مارس 2012: الرابط

36  يزيد صايغ، مرجع سابق.

37  يزيد صايغ، مرجع سابق.

38 يزيد صايغ، مرجع سابق.

39  عماد عبد اللطيف، حروب بلاغية: مناورات خطاب السلطة في ساحة الثورة، مجلة ألف، 2012، العدد (32)، ص 287.

40  عبد الوهاب الأفندي، مرجع سابق.

41 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close