الديمقراطية في ظل جائحة كورونا: الالتزامات والتحديات
الملخص
تسعى الدراسة البحث في تداعيات أزمة كورونا على الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرياته في الأنظمة الديمقراطية والأوتوقراطية للتوصّل لمدى شرعية الإجراءات والتدابير المتخذة في ظل حالة الطوارئ الصحية للحد من انتشار الوباء، وانعكاسات تلك الإجراءات على قضايا الشرعية، المساواة، الشفافية والعلاقات المدنية العسكرية. ومن النتائج المُتوصل إليها أن التدابير المتخذة من طرف بعض الدول سواء الديمقراطية منها أو الأوتوقراطية أدت إلى تقويض الديمقراطية وانتهاكات لحقوق الإنسان سيما تلك المتعلقة بانتهاك الحياة الخاصة، تقييد حرية التعبير، التمييز ضد الفئات المستضعفة، وانتهاك الحق في المشاركة السياسية، لذلك تبرز ضرورة تحقيق توازنٍ بين حماية الصحة العامة والالتزام بالديمقراطية؛ وذلك من خلال قيام إجراءات وتدابير احتواء الوباء على مبادئ التناسب، الملاءمة، الضرورة، المساواة والظرفية.
مقدمة
كانت ولا تزال حقوق الإنسان الأكثر تأثُراً في أوقات الكوارث الطبيعية، الحروب، النزاعات ومختلف الحالات الطارئة على مر التاريخ. ومع ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) ظهرت الحاجة للاستجابة السريعة لهذا الوباء، الذي يهدد حياة وسلامة الأفراد وحتى الأمن الإنساني في الدولة. هذا الفيروس الذي بعدما ظهر اتُفق على أن التباعد الاجتماعي يعتبر أنسب طريقة للوقاية من انتشاره، الأمر الذي دفع السلطات في العديد من الدول إلى فرض الحجر الصحي، ممّا تَسَبَّبَ في اضطرابات في المنظومة الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية… للدول.
فقد مثّل ظهور فيروس كورونا ظاهرة تستدعي التحليل والدراسة لفهم تداعياتها السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية. ودراستنا هذه ستُركز على البعد السياسي للتداعيات التي ساهمت في ارتكاب العديد من الانتهاكات الحقوقية ضِمن إطار واجب الدولة حماية الصحة العامة، لاسيما وأن العديد من الدول شهدت ارتفاعا في عدد الإصابات وفق ما أُطلق عليه “الموجة الثانية” فتزايدت بذلك المخاوف من العودة لفرض الإغلاق مجددا واتخاذ مزيدا من الإجراءات التقييدية للتحكُّم في انتشار الفيروس.
وتحقيقًا لما يسمى بالضبط الاجتماعي لاحتواء انتشار العدوى الفيروسية، قامت حكومات الدول الديمقراطية منها والأوتوقراطية بفرض هيمنتها وإخضاع المواطنين لمواجهة هذه الأزمة الصحية. وهنا طُرِح للنقاش معادلة الصحة العامة مقابل الديمقراطية. لذلك أهمية الورقة البحثية تتجلي في كيفية تعاطي الأنظمة على اختلاف طبيعتها مع فيروس كورونا وانعكاسات ذلك على بعض القضايا التي تعتبر من محددات الثقة في النخب السياسية. ومن ناحية أخرى تسليطها الضوء على بعض السياسات والتشريعات التي قد تُغيّرها الجائحة.
لذا تسعى الدراسة إلى البحث في مدى شرعية الإجراءات والتدابير المتخذة للحد من انتشار الوباء، إضافةً إلى إبراز مجمل الانتهاكات الحقوقية المنتهجة في ظل جائحة كورونا، والآليات التي تم اعتمادها لذلك. للتوصل إلى آليات خلق التوازن بين الصحة العامة والممارسة الديمقراطية.
انطلاقا مما تقدم، سيتم معالجة الإشكالية التالية: كيف أثّر انتشار وباء كورونا على الممارسة الديمقراطية في ظل ضرورة حماية الصحة العامة؟
وبناءً على ما سبق تتحدد تساؤلات الورقة البحثية فيما يلي: كيف ضمن القانون الدولي حماية الصحة العامة؟ وما هي تداعيات انتشار وباء كورونا على حقوق الإنسان وحرياته؟ وفيما تتمثل آليات تحقيق التوازن بين حماية الصحة العامة والالتزام بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان؟
أولا- واجب الدولة ضمان الصحة العامة
يبدو مصطلح الصحة العامة ليس بحاجة إلى التفسير أو الفهم، لكن ظهور فيروس كورونا بتداعياته المختلفة، يؤكد على أن المصطلح في غاية الأهمية ويحتاج إلى دراسة دقيقة له. إلا أنه في دراستنا هذه لن نبحث فيه بشكل مفصل؛ لأن الهدف هو البحث في الضمانات القانونية التي تستند عليها الدول لضمان الصحة العامة.
من بين التعاريف الأكثر شمولا لمصطلح الصحة العامة؛ ذلك الذي وضعه العالم الأمريكي المتخصص في الصحة العامة تشارلز إدوارد وينسلو Charls-Edward Winslow))، إذْ اعتبرها علم وفن الوقاية من الأمراض وإطالة العمر وترقية الصحة؛ عن طريق مكافحة الأمراض المعدية التشخيص المبكر للأمراض، تقديم العلاجات الوقائية من الأمراض المختلفة وتقديم الخدمات الاجتماعية المتصلة بالصحة [1].
يتضح من خلال ما طرحه وينسلو أن الصحة العامة تهدف إلى: زيادة معدلات البقاء على قيد الحياة، وتحقيق المساواة، أي: عدم استثناء فئات معينة من السياسات والإجراءات الصحية، والتركيز على الوقاية أكثر من العلاج.
كما يُنظر لها من منظور ” تشخيص وعلاج المشاكل الصحية الموجودة في المجتمع مع تقدير احتياجات البيئة الصحية وتحسينها من خلال المجهودات المنظمة للمجتمع، ويشترك الفرد في هذه المجهودات من خلال: صحة البيئة، مكافحة الأمراض المعدية، التثقيف الصحي، العمل على التشخيص المبكر والعلاج الوقائي للأمراض”[2].
يعتبر الفرد فاعل أساسي ضمن منظومة حماية الصحة العامة؛ لأنه المستهدف من سياستها ومحدد هام لنجاحها أو فشلها، من خلال وعيه الصحي، والتزاماته بالإجراءات المتخذة و تمتُّعِه بقيم إيجابية تهدف إلى حماية الصحة العامة.
أصبح لمصطلح الصحة العامة أهميةً كبيرة بعد ظهور أزمة كورونا والانتشار السريع للعدوى الفيروسية، فقد بلغ عدد الإصابات على مستوى العالم حسب آخر الإحصائيات ( بتاريخ 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 ) 55.350.663 إصابة و 1.332.338 وفاة [3] . وبما أن التمتّع بأعلى مستوى من الصحة هو أحد الحقوق الأساسية لكل إنسان، فالدولة مسؤولة عن صحة شعوبها بموجب الأطر القانونية الدولية لحقوق الإنسان، ولا يمكن تجسيد ذلك إلا عبر اتخاذ كل ما يلزم من سياسات وإجراءات تحقيقًا لهدف ضمان الصحة العامة.
لقد أكّد العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على حقّ الإنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسدية والعقلية، وأنه يتعيّن على الدول اتخاذ التدابير لضمان هذا الحق بشكل كامل عن طريق الوقاية من مختلف الأمراض، بما فيها الأمراض الوبائية ومكافحتها وتهيئة الظروف الهادفة إلى تأمين الخدمات والعناية الطبية للجميع في حال المرض[4]. كما أجازت الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان – منها على سبيل المثال لا الحصر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – للدول في الحالات الاستثنائية وضع قيود على بعض الحقوق والحريات مؤقتا كالحق في التجمع السلمي، شريطة أن تكون هذه القيود ضرورية لحماية الأمن القومي، أو الحفاظ على النظام والسلامة العامة أو حماية الصحة العامة والآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم[5].
فضمان الأمن الصحي مسؤولية تقع على عاتق الدولة في إقليمها. والقانون الدولي يخوّل لها اتخاذ إجراءات للوقاية ومكافحة الأمراض بما في ذلك اتخاذ تدابير تقييدية لحماية الصحة العامة، أي: إمكانية العمل بحالة الطوارئ الصحية، إلا أن تطبيق ذلك ليس أمرا هينا؛ للطبيعة المعقدة للأزمة وتعدد أبعاد تأثيراتها، وما يتميز به فيروس كورونا من غموض.
أما على مستوى الأطر القانونية الإقليمية، فيتعهد الأطراف حسب الميثاق الاجتماعي الأوروبي بشكل مباشر أو بالتعاون مع المنظمات العامة أو الخاصة لمواجهة كل ما يهدد الصحة، كتوفير التسهيلات الاستشارية والتعليمية من أجل تنمية الصحة والوقاية من الأمراض، بهدف ضمان الممارسة الفعالة للحق في الصحة[6]. كما أشار الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب أنه لكل شخص الحق في التمتع بأفضل حالة صحية بدنية وعقلية يمكنه الوصول إليها، وتتعهد الدول الأطراف باتخاذ التدابير اللازمة لحماية صحة شعوبها وضمان حصولها على العناية الطبية في حالة المرض[7].
فالدول – ديمقراطيةً كانت أو أوتوقراطية – مُطالَبة بالوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحماية الصحة العامة نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد؛ من خلال ضمان فعالية استجابة المنظومة الصحية من جهة، والوقاية من الانتشار الواسع للفيروس من ناحية أخرى. لكن آليات ضمان تلك الوقاية أصبحت مثار جدل واسع – أكاديميًا، إعلاميا وحتى شعبيا – ، لذا تمثل قضية حقوق الإنسان وتعزيزها أوقات الطوارئ الصحية مسألة هامة؛ لأن انتهاكات حقوق الإنسان خلال مكافحة انتشار فيروس كوفيد-19 بإمكانها التقويض من فعالية استجابة الحكومات للقضاء المرض وتطويقه بدل المساهمة في تسريع جهود مكافحته. والعنصر القادم من الدراسة سيُبيّن أسباب ذلك .
ثانيا- تداعيات أزمة كورونا على الممارسة الديمقراطية وحقوق الإنسان
إن خطورة جائحة كوفيد-19 دفعت إلى إعلان حالة الطوارئ في العديد من البلدان، والتعاطي مع الوضع على أنه حالة حرب. ففي فرنسا خاطب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (Emmanuel Macron) السكان ووصف الوضع بالحرب الصحية ضد عدو غير مرئي، واستعمل كلمة حرب سبع مرات في خطابه يوم 16 آذار /مارس 2020 للتأكيد على خطورة الوضع( [8]. وهو ما سيعمل على تبرير إجراءات قمعية، وقد يحوّل الأزمة الصحية إلى أزمة سياسية وأمنية.
فبهدف اتخاذ إجراءات سريعة وعلى قدر من الفعالية للتصدي لجائحة كوفيد-19، أعلنت غالبية الدول على غرار الدول الأوروبية حالة الطوارئ والتي بدورها تنتقص من أسس الديمقراطية؛ من خلال زيادة سلطات الحكومة وفي بعض الأحيان الشرطة والجيش، وكذا تضاؤل سلطات البرلمان والسلطات القضائية، مع طمس خطير للخطوط التي تفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتسبب خللا في نظام الضوابط والتوازنات التي تقوم على أساسها الديمقراطية وحقوق الإنسان. ورغم أن جلّ دساتير بلدان الاتحاد الأوروبي تنص على ضمانات لعدم إساءة استخدام حالات الطوارئ[9]، لكن الانتشار الواسع للوباء دفعها لانتهاكات عديدة لحقوق الإنسان وأسس الديمقراطية عموما، والأمر وصل حدّ إساءة استخدام القوة في إفريقيا؛ حيث استعملت الشرطة العنف المفرط في جنوب إفريقيا، كينيا وأوغندا؛ فقُتل العديد من الأفراد على يد قوات الأمن[10].
شملت التأثيرات السياسية والقانونية لانتشار فيروس كورونا جلّ الأنظمة بما فيها الأنظمة الديمقراطية. ومن بين تأثيرات فيروس كورونا على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان ما يلي:
1- الحق في التنقّل: مع ظهور فيروس كورونا أكّد الخبراء على ضرورة التباعد الاجتماعي باعتباره من بين الحلول السريعة لاحتواء وباء كورونا؛ لدوره في التقليل من عدد الإصابات، الأمر الذي دفع أغلب الحكومات فرض إجراءات تقييد حركة وبدرجات متفاوتة؛ فقد تم حظر السفر، غلق المدارس، والمرافق الترفيهية، المراكز التجارية والأماكن المزدحمة وتأجيل الفعاليات الثقافية، والأنشطة الرياضية. والأمر وصل إلى سنِّ عقوبات لمخالفي الحجر الصحي؛ ففي فرنسا مثلا تم تغريم مخالفي الحجر بغرامات مالية من 135 إلى 3700 أورو، كما وصلت إلى سجن مخالفي الحجر الصحي ضِمن إطار قانون الطوارئ الصحية[11].
ما تم فرضه من إجراءات تقييدية لحق التنقل لا يتعارض مع منظومة حقوق الإنسان الصحية التي أعطت أهميةً لحماية الصحة العامة وضمان السلامة للجميع، إلا أن المشكل المطروح في ظل امتداد طول أزمة كورونا لأشهر، تعالي أصوات الرفض لإجراءات تقييد حرية التنقل من خلال الحركات الاحتجاجية خصوصا في الدول الديمقراطية مثل: فرنسا وبريطانيا، وذلك راجع كون شعوب تلك الدول كانت متعودة على نمط حياة أساسه الحرية من جهة، وللتداعيات الاقتصادية والنفسية للأزمة من جهة أخرى.
2- الحق في المشاركة السياسية: حسب المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات واجهت الانتخابات تحديات النزاهة والتجزئة (إجراء الجولة الأولى ثم تأجيل الجولة الثانية) في ظل انتشار الجائحة، وتم تأجيل 106 انتخابات في 61 دولة، وبخصوص الانتخابات التي تم إجراؤها بعد انتشار الجائحة، فقد عرفت انخفاضا في المشاركة[12]. ومن ناحية أخرى، خفَّضت 14 دولة أوروبية جلسات أجهزتها التشريعية وحضور الأعضاء مثل: فرنسا، ايطاليا، ألمانيا والبرتغال… وبعض الأجهزة التشريعية لم تعمل بتدابير الجلسات والتصويت عن بعد مثلما حدث في: الملكة المتحدة، فرنسا، النمسا، وهولندا[13] . وهو ما يُقوّض الحقوق المدنية الأساسية وسيادة القانون في تلك الدول، بما فيها تلك التي تُصنَّف على أنها ديمقراطية، التي لم يكن يُطرح فيها القضايا المتعلقة بشرعية الأنظمة السياسية ومنع التجمع السلمي، ممّا قد يُخرِج الأوضاع عن سياقها السلمي. لذلك نؤكد في هذا الإطار على أنه هناك بعض الحقوق لا يمكن تعطيلها بشكل مؤقت حتى في ظل حالة الطوارئ الصحية طالما كان هناك التزام بالإجراءات الوقائية.
3- الحق في حرية التعبير والوصول للمعلومات: برزت مخاوف بخصوص تظليل الرأي العام، الأمر الذي كان له تأثير على انتهاك حرية التعبير والصحفيين. في رومانيا سمحت السلطات بحذف المحتوى وحظر المواقع التي يتضمن محتواها تطوّر فيروس كوفيد-19 والإجراءات الوقائية دون إمكانية الطعن في القرار. كما تم منع صحفيين في إيطاليا وجمهورية التشيك من الحصول على المعلومات من السلطات الصحية، وهو ما انتقده مفوض حقوق الإنسان لمجلس أوروبا[14] .
إن الحق في الحصول على المعلومات، وما يعنيه ذلك من تكريس الشفافية أمر مهم للغاية لمكافحة فيروس كورونا، وهو أمر لا يمكن تصوره في ظل كبت حرية التعبير، ففي الصين مع بداية ظهور حالات الإصابة بالمرض أجبرت الشرطة المحلية طبيبا نبّه من انتشار فيروس مشابه لفيروس السارس (SARS) – الذي ظهر سنة 2003 – على توقيع خطاب ينفي ما نشره، متهمةً إياه بنشر شائعات عبر الانترنت. ولا شك أن هذه الواقعة التي أخلّت بالحق في حرية التعبير والحق في الحصول على المعلومات، حالت دون إمكانية تطويق الفيروس في مراحله الأولى.
وحتى على مستوى الأنظمة الديمقراطية – التي تُجرِّم احتكار المعلومة – لم يكن هناك التزام كبير بعنصر الشفافية، مثلا: في فرنسا لم يستند التعاطي مع أرقام الإصابات والوفيات بالفيروس على مبدأ الشفافية؛ حيث لم يتم التصريح بالوفيات التي تحدث خارج المستشفيات عندما ارتفعت نسبة الإصابات، والأخطر من ذلك وفي إطار صراع لوبيات احتكار إنتاج اللقاح، تم منع تناول أدوية مخفِّفة للمرض لغرض تسويق اللقاح وتحقيق عوائد مالية كبيرة. لذلك تعزيز حرية التعبير والشفافية مهم جدا؛ لِما يمكن أن تقومان به من أدوار محورية في الجهود الخاصة بمكافحة فيروس كوفيد-19 المستجد.
4- الحق في الخصوصية: للحد من انتشار العدوى الفيروسية عرف هذا الحق انتهاكات واسعة سواء على مستوى الأنظمة الأوتوقراطية أو الديمقراطية، فقد تم الاعتماد على البيانات الضخمة (Big Data) وتكنولوجيا الاتصالات لدعم تدابير الرقابة؛ منها تطبيقات محمولة (Wechat/Alipay) التي تم استخدامها على نطاق واسع في الصين لتتبّع الحالات المؤكدة وتحديد الجهات التي تم الاتصال بها[15]. ولتتبع الحالات المصابة والمشتبه بهم استعانت كوريا الجنوبية بالذكاء الصناعي (Artificial Intelligence) مثل: بيانات التتبع بالنظام العالمي لتحديد المواقع (GPS)، معاملات البطاقات البنكية، سجلات السفر، مقاطع الفيديو وفي حال الخرق الحجر الصحي المنزلي يتم تغريمهم بــمبلغ 2500 دولار [16] ) أما في النمسا ، بلجيكا، فرنسا، ألمانيا وإيطاليا تم الإعلان عن مشاركة شركات الهاتف المحمول بيانات الموقع مجهولة المصدر مع السلطات العامة من أجل رسم خريطة لتحركات الأفراد. كما طوّرت بولندا تطبيقا إلزاميا لتحديد الأشخاص في الحجر الصحي؛ حيث يُطلب منهم إرسال صور ذاتية[17].
ستدعم هذه التقنيات انتشار الاستبداد الرقمي المدعوم بالذكاء الاصطناعي، تحقيقًا لهدف الضبط الاجتماعي، الأمر الذي يطرح تحديات تتعلق بضبط حدود العلاقة بين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والحياة الخاصة للأفراد سواء في أوقات الأزمات أو العادية[18].
5- الحق في العمل: من بين الحقوق التي أثّرت عليها الجائحة حق الإنسان في العمل، فحسب منظمة العمل الدولية؛ فإنه من المحتمل أن يفقد ما يقارب 25 مليون شخص في العالم عمله، ومن أكثر القطاعات المتضررة يوجد النقل والسياحة، كما ستنعكس تداعيات الفيروس على تسريح العمالة المؤقتة التي تتقاضى أجورا ضعيفة، فضلا على تخفيض ساعات العمل، بالتالي انخفاض دخل العمالة الحرة والمؤقتة[19]. وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى تحدي هام ينبغي على الحكومات مراعاته وهو ضمان الدعم الحكومي للقطاع الخاص كما في القطاع العام نظرا لأهمية القطاع الخاص في احتواء ظاهرة البطالة. فتهديد الحق في العمل، يمثل تهديدا للأمن المجتمعي؛ لما يسببه من انخفاض للمستويات المعيشية للأفراد.
6- الحق في الحماية و المساواة: ينبغي أن تقوم التدابير الحكومية الخاصة باحتواء فيروس كورونا على ضمان احترام حقوق الجميع في الحصول على الرعاية الصحية، ومن الفئات المجتمعية التي كانت الأقل حماية يوجد المساجين؛ فقد أشارت تقارير دولية إلى تفشي الفيروس في عدد من السجون الإيرانية كسجن إيفين في طهران الذي يوجد به عدد كبير من المحتجزين بسبب نشاطهم السلمي أو لقضايا متعلقة بالأمن القومي يعانون نقصا في المرافق الملائمة والافتقار إلى الخدمات الصحية في السجون. إضافةً إلى ما سبق هناك فئة المهاجرين واللاجئين؛ فمن بين الممارسات المنافية لحقوق الإنسان والتي تتضمن سوء معاملة المهاجرين ما قامت به السلطات الماليزية؛ حيث تم اعتقال عدد كبير من اللاجئين منهم لاجئي الروهينجا بما فيهم أطفال، وتم احتجازهم في مراكز اعتقال مزدحمة معرّضة أكثر لانتشار الفيروس[20].
إن مساعي التصدي للوباء إذا لم تستند على مبدأ المساواة في الحماية والرعاية لن تكون فعالة بحكم ترابط البناء الاجتماعي بشكل أو بآخر، وترك الفئات الهشة ( العمال ذوو الدخل المحدود، الفقراء، المسنون، المرضى…) دون ضمان الرعاية والحماية لهم يُشكل خطرا على الأمن الصحي في الدولة؛ على اعتبار أن فيروس كورونا له قدرة عالية على الانتشار. ومن ناحية أخرى نؤكد في هذا السياق على أن أزمة كورونا تُمثل فرصة لإحياء القيم الإنسانية التي فقدتها البشرية نتيجة الليبرالية المتوحشة[21]، والتي بدورها رسَّخت منظومة ربحية تخدم مصالح قلة من الأثرياء.
7- الحق في التعليم: من بين الإجراءات الأولية المعتمدة لضمان التباعد الاجتماعي والوقاية من العدوى الفيروسية غلق رياض الأطفال، المدارس والجامعات والعمل بالتعليم عن بعد؛ لأن تاريخ العودة للحياة الطبيعية غير معلوم، غير أن هذا النوع من التعليم يفرض تحديات عدة تؤثر على حق المساواة في التعليم، فليس جميع الطلبة يمتلكون أجهزة ذكية، إضافةً إلى المشاكل المرتبطة بمحدودية سرعة تدفّق شبكة الانترنت في بعض الدول، ومن ناحية أخرى نقص التأهيل اللازم للتعليم عن بُعد سواء للطلبة أو أعضاء هيئات التدريس.
8- الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية: نتيجة حضر العديد من الدول التجمعات الجماهيرية لم يُستثن من ذلك دور العبادة (المساجد، الكنائس والمعابد)، فتم تقييد الحق في حرية ممارسة الشعائر الدينية. هذا الحق الذي كفله القانون الدولي؛ فمن حق كل إنسان حرية ممارسة الشعائر الدينية منفردا أو مع جماعة، غير أن ذلك قد يتم تقييده بهدف حماية السلامة العامة أو النظام العامة أو الصحة العامة[22] .
إن تقويض هذا الحق دفعته الضرورة الصحية، غير أنه قد يُستغل لغايات سياسية وأمنية؛ ومثالُ ذلك ما حدث في الجزائر ، فبعد فتح كل الأنشطة الاقتصادية، الثقافية والسياسية أصبح تعطيل صلاة الجمعة غير مُؤسَّس؛ فهو راجع أساسا للتخوفات من استغلال صلاة الجمعة لعودة الحراك الشعبي من جديد.
وضِمن إطار مواجهة فيروس كوفيد-19 تزايَد الاعتماد على الجيوش لمواجهة تفشي انتشار فيروس كورونا بالاستناد على مبدأ تقاسم المسؤولية، مثلا الدور الذي قام به الجيش الصيني، الذي أكد على التكامل بين الطب العسكري والمدني؛ من خلال توفير الآلاف من المسعفين العسكريين وبناء مستشفيات جديدة وأخرى متنقّلة، كما قام بدور كبير في ضمان استمرار إنتاج المعدات الطبية وتطوير التحاليل. أما الجيش الأمريكي فقد تعامل مع الوباء باعتباره حربا بيولوجية ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب Donald Trump إلى إيقاف عمليات نشر القوات إلى الخارج وإلغاء المناورات العسكرية المشتركة مع جيوش دول أخرى، وتم التعاون بين مختبرات الأبحاث العسكرية و المدنية للتوصّل إلى مصل ضد الوباء، إضافة إلى إرسال سفينة على شكل متحرك إلى ميناء نيويورك التي عرفت أعلى نسبة إصابات بالفيروس. كما استدعت الحكومة البريطانية جيشها لتقديم الدعم في إيصال المواد الغذائية إلى المنازل ونقل الإمدادات الطبية. وفي فرنسا أدى الجيش دورا محوريا في فرض حضر التجول ونقل المرضى المصابين. فالاستعانة بالجيوش لمكافحة الوباء تعود لقدرتها على التعبئة بسرعة سيما ما يتعلق باللوجستيات والنقل وما تمتلكه من معدات ومنشآت وخبرات. فالجيش قام بأدوار خارج الوظائف الأساسية الإلزامية والمتمثلة في حماية الحدود والدفاع عن السيادة الوطنية ضد التهديدات العسكرية؛ وهي أدوار غير تقليدية حسب كروبنسكي وشنبل M. Krupanski & A.Schnambel)) التي تتجاوز الوظيفة الأساسية للجيوش كأعمال الإغاثة الإنسانية – عند حدوث الكوارث – والقيام بمهمات اجتماعية تنموية [23] . وهو دور إنساني هام، غير أن الإشكال – ضمن إطار العلاقات المدنية العسكرية – يتمثل في إمكانية انحراف مسار هذه العلاقة عن مبدأ تقاسم المسؤولية في الأنظمة التسلطية، وتصبح بذلك السلطة العسكرية متغيرا هاما في القضايا السياسية؛ من خلال تنامي الدور العسكري في صياغة القرارات الحكومية، فتصبح المُوجهة للعملية السياسية برمتها.
ومن بين التخوفات التي أصبحت مصدر نقاش أكاديمي، أن الإجراءات المتخذة لمكافحة والتصدي لوباء كورونا المستجد وإن استندت لحالات الطوارئ، لكن آثارها ستمتد لمرحلة ما بعد كورونا، ممّا سيؤثر سلبا على ترسيخ قيم المواطنة هذا من ناحية. بالإضافة إلى التخوف من تحول الإجراءات الاستثنائية المؤقتة إلى دائمة، وهو ما سيُمثل انتكاسة لبناء وترسيخ الديمقراطية.
لقد طرحت جائحة كورونا تحديات غير مسبوقة أمام الديمقراطية، كما ثارت نقاشات حول النجاح النسبي لبعض الأنظمة التسلطية في التصدي لهذا الوباء مثل الصين مقارنة بالأنظمة الديمقراطية كالولايات المتحدة الأمريكية، إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا مع فيروس كانت له القدرة على اختراق الحدود بسرعة. إن مثل هكذا مقارنات – التي تربط بين طبيعة النظام السياسي (ديمقراطي/ أوتوقراطي) والقدرة على الاستجابة لفيروس كورونا – سطحية تعمل على إبعادنا على جوهر القضية وهو مدى كفاءة الأنظمة الصحية والأسباب الحقيقية التي أدت إلى أزمة كورونا وساهمت بانتشارها بهذا الشكل والسرعة.
ثالثا- آليات التوازن بين حماية الصحة العامة والممارسة الديمقراطية
تواجه الحكومات تحديات عديدة؛ إذ يستوجب عليها حفظ الصحة العامة ومواجهة تداعيات أزمة كورونا بما فيها تلك المتعلقة بحماية القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان. لكن ضمان التوازن بين حماية الصحة العامة والالتزام بالديمقراطية ليس أمرا هينا، إذْ ينبغي مراعاة العناصر التالية عند اتخاذ قرارات مكافحة والتصدي لفيروس كورونا المستجد والتي تتضح فيما يلي:
- تناسب التدابير التي تقيّد حقوق الإنسان مع المخاطر التي تم تقييمها، كما ينبغي أن تكون ضرورية ومحددة الهدف والمدة، وأن تعتمد النهج الأقل تدخّلًا لحماية الصحة العامة.
- عدم استخدام الصلاحيّات التي تمنحها حالة الطوارئ إلاّ لتحقيق أهداف الصحة العامة؛ بحيث لا يكون الغرض منها قمع المعارضة أو التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان أو الصحفيين، أو حرمان الأفراد والجماعات من حقوقهم أو اتّخاذ أيّ تدابير أخرى غير ضرورية لمكافحة الوباء.
- عدم المساس ببعض الحقوق حتى في ظل حالة الطوارئ باعتبارها حقوقا غير قابلة للتقييد؛ بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، مبدأ عدم الإعادة القسرية، وحظر الطرد الجماعي، وحظر التعذيب وسوء المعاملة، والحق في حريّة الفكر والوجدان والدين.
- إبلاغ الحكومات السكان المتأثرين على محتوى إجراءات الطوارئ، ونطاق تطبيقها، ومدة سريانها المتوقعة، مع ضرورة تحديث هذه المعلومات بصورة منتظمة وجعلها متاحة للجميع وعلى أوسع نطاق ممكن.
- ضمان الحكومات عودة الحياة إلى طبيعتها، في أقرب وقت ممكن، وعدم استخدام الصلاحيات المفروضة ضمن إطار حالة الطوارئ من أجل تنظيم الحياة اليومية إلى أجل غير مسمى، مع الاعتراف بضرورة أن تتوافق الاستجابة مع احتياجات مراحل الأزمة المختلفة [24] .
- مكافحة جميع أشكال التمييز بما فيها تلك القائمة على العرق والعلاقات الاجتماعية والمهنية (العاملين في مجال الرعاية الصحية) وتلك الموجهة نحو الفئات المهمشة والتي تحول دون الحصول على الرعاية.
- إشراك المجتمعات المتضررة في جميع تدابير الاستجابة لبناء الثقة ولضمان الفعالية والمشاركة المستمرة للمعلومات ولتجنب الأضرار غير المقصودة.
- يجب أن تكون القيود المفروضة على حماية الصحة العامة قائمة على الأدلة وخاضعة للمراجعة من قبل السلطة القضائية. مع تفعيل الاستثناءات عند الضرورة للفئات الأكثر عرضة للإصابة دون تجريم الأفراد لخرقهم تلك القيود[25].
لذا من الضروري خلق آليات للرقابة والمساءلة بإمكان المواطنين الوصول إليها بسهولة، شريطة أن تكون سريعة الاستجابة للشكاوي، كما يجب أن يخضع أي إجراء تتخذه الحكومات للمراجعة القضائية والإشراف المستقل. فهذا الوضع الاستثنائي يفرض على الأنظمة السياسية التعاطي معه بشكل مؤقت، أي أن التدابير التقييدية ظرفية مع مراعاة ضمان احترام إنسانية الإنسان. وبالمقابل على الشعوب التحلي بالوعي الصحي الكافي كأحد أهم أسلحة المقاومة.
بالإضافة إلى أنه يستوجب على صناع القرار اعتماد المبادئ التالية في إطار تصدّيهم لانتشار فيروس كورونا المستجد [26]:
- مبدأ التناسب (المعقولية) (Proportionality) : يستهدف هذا المبدأ مشكلة الحد من استخدام القوة الشرعية، باشتراط أن يكون تدخل أجهزة الدولة بالحقوق تدخلا معقولا بهدف تحقيق غاية عامة. فهو يبحث في خلق التوازن بين العلاقة بين الوسائل المستخدمة والأهداف المتوخاة. فكلما كانت الأهداف دستورية غالبا ما تكون الوسائل أيضا دستورية، لذلك فدوره ينحصر في توجيه اختيارات السلطة، أي أنه بمنزلة البوصلة المساعدة للسلطة في اختيارها للوسائل المستعملة في تحقيقها للأهداف. أما في حال تعدد الوسائل فإن مبدأ التناسب يشترط استعمال الوسيلة (التدخل) الأقل حدة في تقويض حريات الأفراد.
- الملاءمة (Appropriateness): بمعنى مدى ملاءمة الوسيلة لتحقيق الهدف، إذ ليس لزوما اختيار أحسن وأقوى وسيلة لتحقيق الغاية المنشودة، فالكفاءة الموضوعية للوسيلة تكون كافية.
- الضرورة (Necessity): فالوسيلة تكون ضرورية طالما لم تتوفر وسيلة أخرى أخف ضررا لتحقيق الغاية، أي: أنه ينبغي تفضيل التدخل الأدنى وطئا؛ فعلى الحكومات اختيار الوسيلة الأكثر اعتدالا، والمقارنة عند فحص عنصر الضرورة بين الوسيلة المستعملة والوسائل الأخرى؛ من حيث إلى أي مدى تعزز الوسيلة تحقيق الغاية هذا من جهة، وإلى أي مدى تؤثر الوسيلة سلبا على المكتسبات الدستورية من جهة أخرى. لذا لا يكفي لتحقيق الأهداف المنشودة أن تكون الوسيلة ملائمة بل لابد أن تكون ضرورية؛ لأن ما هو ملائم بإمكانه أن يكون ضروري، وما هو ضروري لا يمكن أن يكون غير ملائم.
وكما سبق وتمت الإشارة إليه أن مساعي حماية الصحة العامة تواجه تحدي القبول الشعبي لها خصوصا على مستوى الأنظمة الديمقراطية، وهو ما قد يفتح المجال نحو تنامي الحركات الاحتجاجية وتهديد الأمن والاستقرار، لذلك المرحلة الراهنة ومرحلة ما بعد كورونا ستحملان الكثير من الرهانات، فإضافةً إلى تحدي مواجهة التداعيات الاقتصادية للجائحة هناك التحديات السياسية والقانونية وحتى الأمنية، وهنا يبقى السؤال مطروحًا هل ستتم مراجعة الديمقراطية ومنظومة حقوق الإنسان بما يتوافق مع إنسانية الإنسان، ويحفظ كرامته في ظل الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ؟
الخاتمة
ضمن القانون الدولي حماية الصحة العامة، لكن أزمة كوفيد-19 تفرض مراجعة منظومة حقوق الإنسان بما يتماشى وكرامة الإنسان وحرياته ويحفظ الديمقراطية في ظل الظروف الاستثنائية وحالات الطوارئ الصحية؛ لانعكاسات الإخلال بالديمقراطية على أمن واستقرار الدول.
أدت التدابير المتخذة من طرف بعض الدول الديمقراطية والأوتوقراطية إلى تقويض الديمقراطية وانتهاكات لحقوق الإنسان سيما تلك المتعلقة بانتهاك الحياة الخاصة، تقييد حرية التعبير، التمييز ضد الفئات المستضعفة، وانتهاك الحق في المشاركة السياسية، الأمر الذي يطرح تحديات عدة على الأنظمة السياسية كقضية الشرعية، المساواة والشفافية.
تمُرُّ الأنظمة الديمقراطية باختبارٍ صعب ضِمن إطار إجراءات حماية الصحة العامة سيما في ظل عصر الذكاء الصناعي، حيث ظهر التخوف من ترسيخ القرارات التسلطية المتعلقة بتقويض الحرية وانتهاك الحياة الخاصة والقضايا المرتبطة بشرعية الأنظمة السياسية التي أصبحت مصدر نقاش إعلامي وأكاديمي ودافعًا للحركات الاحتجاجية. لذلك التداعيات السياسية لأزمة كورونا متعددة الأبعاد قانونية، أمنية وتقنية…
لتحقيق التوازن بين حماية الصحة العامة والالتزام بالديمقراطية ينبغي أن تقوم الإجراءات والتدابير على مبادئ التناسب، الملاءمة، الضرورة، المساواة والظرفية، مع ضرورة تحلي الشعوب بالوعي الكافي للتصدي للوباء لتحقيق التوازن بين الوسائل المستخدمة والأهداف المنشودة من جهة، والأمن الصحي والكرامة الإنسانية من جهة أخرى.
إن الإحاطة بالتأثير الكامل للجائحة على الديمقراطية يستغرق وقتاً قد يمتد لسنوات، وتحديد التأثيرات الناتجة يعتمد على مدة استمرار الأزمة الصحية وتداعياتها الاقتصادية، الاجتماعية والأمنية، كما سيعتمد على طريقة تعاطي الأنظمة الديمقراطية مقارنة مع الأنظمة الاستبدادية في احتواء آثار أزمة كورونا. ورغم أن حماية الحقوق والالتزام بالديمقراطية في ظل هذه الأزمة الصحية مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة ستتطلب من النخب السياسية الحاكمة العمل بمزيد من المشاركة والشفافية والمساواة.
أخيرا، نؤكد على أنه رغم الانتهاكات الحقوقية في ظل حالة الطوارئ الصحية على مستوى الأنظمة الديمقراطية، غير أن ذلك لا يعني أنها أصبحت تُصنَّف ضِمن الأنظمة السلطوية؛ لأن المؤسسات السياسية في تلك الدول على درجة عالية من المأسسة؛ فنشاط منظمات المجتمع المدني على قدر كبير من الفعالية، وشعوب تلك الدول تعودت على بيئةٍ ديمقراطيةٍ تلتزم بمنظومة حقوق الإنسان وحرياته.
الهامش
[1] Michael T. Hamelinr, William C, Meeker. Introduction to Public Health for Chiropractors (London: Jones and Bartleett Publishers, 2011), p. 35.
[2] الإدارة العامة لتصميم وتطوير المناهج، مبادئ الصحة العامة. (المملكة العربية السعودية: المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، 2008)، ص 4.
[3] Worldmeter ‘ s Website, « COVID-19 Coronavirus Pandemic », November 17, 2020, https://www.worldometers.info/coronavirus, (accessed November 17,2020).
[4] الجمعية العامة للأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، 1966، ص6.
[5] الجمعية العامة للأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، 1966، ص 3 – 10.
[6] مجلس أوروبا، الميثاق الاجتماعي الأوروبي ، 1996، ص5.
[7] مجلس الرؤساء الأفارقة، الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، 1981، ص5.
[8]( Policy Center for the New South, « The War on COVID-19:the 9/11 of Health Security? » p. 9, April 7, 2020 , https://bit.ly/3gmPH53 ( accessed July 28, 2020).
[9]( Policy Department for Citizens’ Rights and Constitutional Affairs , Report The Impact of Covid-19 Measures on Democracy the Rule of Law and Fundamental Rights in the EU (European Union: April 23,2020), pp. 2-4.
[10]( European Endowment for Democracy, Report Global Democracy and Covid-19: Upgrading international support (European Union: July 2020), p. 10.
[11] رابح خالدي، ” ماذا يعني إقرار قانون الطوارئ الصحية في فرنسا؟ “، 23/03/2020، في :
https://bit.ly/34PHDah (August 23,2020).
[12]( European Endowment for Democracy, Report Global Democracy and Covid-19, p.10.
[13]( Policy Department for Citizens’ Rights and Constitutional Affairs , Report The Impact of Covid-19, pp. 5,6.
[14] (Ibid, p. 7.
[15] ( Wei Liu , Xiao-Guang Yue , Paul B. Tchounwou , «Response to the COVID-19 Epidemic: The Chinese Experience and Implications for Other Countries », International Journal of Environmental Research and Public Health,vol.1,no.2304 (March 2020), p. 3.
[16] أبو بكر خوالد، خير الدين بوزرب، ” فعالية استخدام تطبيقات الذكاء الصناعي الحديثة في مواجهة فيروس كورونا تجربة كوريا الجنوبية أنموذجا”، مجلة بحوث الإدارة والاقتصاد، المجلد 2، العدد 2 ( يونيو 2020 )، ص 44.
[17] Policy Department for Citizens’ Rights and Constitutional Affairs , Report The Impact of Covid-19, pp. 7,8.
[18] لمزيد من التفاصيل بالإمكان الاطلاع على:
Access Now Organization , Report Human Rights in the age of Artificial Intelligence , ( [N.P]: November 2018).
[19] صندوق النقد العربي، تقرير التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا المستجد على الدول العربية (أبوظبي: أبريل 2020)، ص 13.
[20] مايا حسن ملا خاطر، “تداعيات فيروس كورونا على منظومة حقوق الإنسان”، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية والقانونية، المجلد 4، العدد 8 (يوليو 2020) ، ص 37، 38.
[21] لمزيد من التفاصيل يمكن الرجوع لــ :
Noam Chomsky, Profit Over Poeple Neoliberalisme and Global Order ( New York: Seven Stories Press, 1999).
[22] الجمعية العامة للأمم المتحدة، العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، ص 7، 8.
[23] إبراهيم السعيدي، مراجعات فيروس كورونا للعلاقات المدنية- العسكرية. (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، أبريل 2020)، ص 7- 11.
[24]( Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights, «Emergency Measures and Covid-19: Guidance», April 27, 2020, https://www.ohchr.org/Documents/Events/EmergencyMeasures_COVID19.pdf (accessed August 24, 2020).
[25] برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة البشري، تقرير الحقوق في زمن الكوفيد 19 دروس من فيروس نقص المناعة البشري من أجل استجابة فعالة يقودها المجتمع (جنيف: 2020)، ص 1.
[26] خليل عماد، ” إشكالية الحد من قوة إخلال الدولة بالحقوق الأساسية للأفراد: مبدأ التناسب الألماني “، 09/05/2020، في : https://democraticac.de/?p=66234 (August 25,2020