بحوث

الرأسمالية اليهودية وتحييد النخبة الثقافية المصرية

مقدمة:

سعت الحركة الصهيونية للاستفادة من الوجود اليهودي في مصر بأقصى درجة، وذلك منذ مطلع القرن العشرين، ومنذ بداية توافد المئات من المهاجرين اليهود القادمين من الشرق والغرب، خاصة في أعقاب اندلاع الحرب العالمية الأولى، كما بدأ يتدفق على مصر سيلا من المهاجرين اليهود، وكان معظمهم من اليهود الروس، كمحطة ترانزيت في طريقهم نحو الاستيطان في أرض فلسطين، وكان السعي لجعل مصر قاعدة دعم لوجستي لهذا الاستيطان وللصهيونية وأفكارها. وتعددت طرق الاستفادة الصهيونية من مصر واليهود الذين عاشوا بين ظهرانيها، وراحت تكرس لوجود رأسمالي يمكنها من تحقيق ما تصبو إليه من أهداف، وبين محاولات استغلال التحولات السياسية التي شهدتها مصر في ذاك الوقت والسعي الدائم للاقتراب من النخبة السياسية ورجالات الحكم لتكريس النشاط الصهيوني وزيادة وطأته، وبين تأسيس مؤسسات وكيانات اقتصادية قوية ساهمت بقدر كبير في دعم هذا النشاط، كانت المحاولة دائمًا للسيطرة على الإعلام وأدواته في مصر، إما ليكون داعمًا أو محايدًا أو متغافلًا عن النشاط الصهيوني في فلسطين.

مجلة “الكاتب المصري
مجلة الكاتب المصري

تلقي الدراسة الضوء على كيفية استغلال الرأسمالية اليهودية في مصر لنفوذها وقوتها المادية في تحييد النخبة الثقافية في مصر خلال الفترة من عام 1945م وحتي عام 1948م، وذلك من خلال تأسيس “دار الكاتب المصري” للطباعة والنشر والتي قامت بإصدار إحدى أهم المجلات الأدبية المصرية في ذاك الوقت، وهي مجلة “الكاتب المصري” التي ترأسها عميد الأدب العربي طه حسين، ولا تحاول الدراسة توجيه النقد أو الاتهام لطه حسين أو مَن كتبوا معه في المجلة، أو الادعاء بأنه كان بمثابة أداة في يد الصهيونية أو التشكيك في وطينتهم المصرية الخالصة، وهي التهمة التي حاول أن ينفيها عنه أكثر من باحث، بل وجدوا فيه المدافع عن فلسطين وأرضها وداعمًا لحقوقها، بقدر ما تحاول السبر في أغوار النشاط الصهيوني في مصر خلال حقبة مهمة من تاريخ مصر ومعرفة أهدافه ودوافعه وكيفية تكريسه للوجود اليهودي في مصر لخدمة مصالح الصهيونية.

تتناول الدراسة المراحل الثلاث التي مرت بها الرأسمالية اليهودية في مصر، بدءًا من التوسع في استخدام الصحافة اليهودية في مصر لحساب الصهيونية، ثم مرحلة ممارسة الضغوط والتدخل في محتوى ما تنشره الصحافة الوطنية المصرية، لتصل في المحطة الأخيرة لمرحلة تطويع النخبة الثقافية والسعي لتحييدها، وتجلى ذلك من خلال تناول طبيعة نشاط مجلة “الكاتب المصري”.

تسعى الدراسة قدر الإمكان للحديث عن هذا الدور المحوري الذي لعبته الرأسمالية اليهودية في مصر، بعيدًا عن تكرار الحديث عن قضايا جدالية تتعلق بما اعتبره البعض انزلاقًا لنخبة من المثقفين في مصر في خدمة الأهداف الصهيونية في المرحلة التي سبقت نكبة فلسطين.

النشاط الصهيوني والارتباط بالرأسمالية اليهودية المصرية

أدركت الحركة الصهيونية مدى أهمية الطائفة اليهودية الموجودة في مصر، وعلَّقت الكثير من الآمال عليها باعتبارها عونًا وسندًا للحركة الصهيونية خلال المرحلة الأولى من بناء الدولة، وذلك نظرًا لما تمتع به اليهود في مصر من قوة اقتصادية تتعاون مع الحركة الصهيونية في تثبيت وتحقيق أهدافها في فلسطين، وكذلك إعداد جيل محنك من اليهود الصهاينة في مصر يكون لديه من الحنكة والقدرة على لعب دور حيوي مستقبلًا في الدولة المرتقبة.

مع تنامي حركة الوجود اليهودي في مصر مع بدايات القرن العشرين، شهدت مصر هجرة العشرات من الأثرياء اليهود الذين كانوا الأساس فيما بعد لطبقة من الرأسماليين، تمكنت من إحكام قبضتها على مختلف فروع النشاط الاقتصادي في مصر، وهو الأمر الذي كان بمثابة سمة مميزة للبناء الاقتصادي المصري طوال النصف الأول من القرن العشرين، وبطبيعة الحال كان وضع اليهود الاقتصادي في مصر كغيرهم من الأقليات مثل الأقباط والأرمن يشهد حالة من الرخاء والنمو والازدهار بسبب الواقع المصري، الذي سهل لهم ذلك في هذا الوقت، وشهدت تلك الفترة استمراراً لحالة المنافسة الاقتصادية خاصة بين اليهود والأرمن، خاصة حينما سيطر الصيارفة الأرمن نسبياً على النشاط المصرفي الحكومي وغيره خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر، ثم نشاط الصيارفة اليهود بعد ذلك خلال النصف الثاني باحتكارهم الصيرفة والبنوك وصناعة الأقمشة، الأمر الذى دفع الأرمن من الأعراب عن قلقهم من تدفق العناصر الأوروبية التي كانت تهدف إلى تحقيق المكسب السريع، وكان الأرمن يدركون أن كل زيادة في نفوذ هذه العناصر تعنى إضعاف شأنهم1.

وسرعان ما لمع اسم الرأسماليين اليهود في مصر، وكان من بينهم “فيكتور هراري” الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة العديد من البنوك والشركات، و”موريس منشة”، وسيطر أفراد عائلته على تجارة الحرير والمنسوجات، و”جوزيف سلامة” الذي احتكر تجارة القطن في زفتى وميت غمر، و”موريس جاتنيو” الذي احتكر تجارة الفحم وأدوات السكة الحديد، وشارك كذلك في تأسيس العديد من المنشآت اليهودية والجمعيات الصهيونية في مصر، ووصل نشاط الرأسماليين اليهود حتي بلغ حجم السيطرة على الشركات المساهمة لأكثر من 103 شركات من مجموع الشركات البالغ عددها عام 1942م نحو 308 شركات، فضلًا عن نشاط فردي شمل كافة الأنشطة الاقتصادية2.

لم يتوقف نشاط الرأسماليين اليهود عند المجال الاقتصادي فحسب، بل كان لهم دور بالغ الأهمية خاصة مع بداية الأربعينيات، تمثل في لعب دور همزة الوصل بين اليهود في مصر، والمنظمة الصهيونية في فلسطين، ولأجل ذلك قام كبار الرأسماليين اليهود بتنظيم حفلات في منازلهم حضرها العديد من رموز الحركة الصهيونية، وجاء على إثرها التوصل لاتفاقيات عدة من ضمنها تشكيل لجنة للدعاية ونشر الأفكار الصهيونية بين يهود مصر 3.

كان ذلك النشاط بمثابة امتداد لنشاط صهيوني واسع داخل مصر، خاصة في مدينة الإسكندرية التي شهدت في بدايات القرن العشرين تأسيس جمعية “بنى صهيون” عام 1908 م والتي اندمجت عام 1909 م في جمعية “زئير زيون”، وانتشرت الأفكار الصهيونية انتشاراً واسعاً بفضل هذه الجمعيات وارتفع عدد المنضمين إليها ليصل إلى المئات من اليهود، وبعد صدور وعد بلفور كان لنشاط المنظمة الصهيونية العالمية تأثير واضح على هذه الجمعية، وراحت تجهر بدعوتها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وتساهم في سبيل ذلك بالمال والدعاية.

فضلاً عن نشاط هذه الجمعية، عقد عدد من كبار الرأسماليين اليهود في الإسكندرية، وعلى رأسهم البارون فيلكس منشة وفيكتور ناجيار وجوزيف دي بتشوتو اجتماعا في 12 أغسطس أعلن فيه البارون منشة وجوب تكوين لجنة تهدف إلى لم شمل كافة الجمعيات اليهودية من أجل الاهتمام بكل ماله صلة بفلسطين، وألقى خطاباً تحدث فيه عن وجوب دعم الجامعة العبرية في فلسطين والمساعدة في توطين اليهود وغير ذلك من النشاطات الداعمة للصهيونية.

ووصل نشاط الرأسمالية اليهودية في الإسكندرية إلى حد عقد اجتماع بحضور الدكتور حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، شرح خلاله المتطلبات العاجلة التي تريدها الصهيونية في فلسطين، ودعا كذلك الحضور لتكثيف دعمهم لليهود في فلسطين، وتمخض عن الاجتماع الإعلان عن اكتتاب لدعم يهود فلسطين، فسارع يهود الإسكندرية إلى التبرع وبلغت قيمة المشاركات في بضعة أيام أكثر من عشرة آلاف جنية مصري، وتوالت النشاطات بدون توقف 4.

قد يختلف البعض في حقيقة إذا ما كان نشاط الرأسماليين اليهود في مصر ذو طابع فردى أم ذو طابع رسمي تنظيمي، وحتى وإن كان ذلك فإنه كان نشاطا واضح المعالم يصبوا لخدمة الصهيونية في فلسطين والتعضيد من نشاطها.

الرأسمالية اليهودية في مصر
الرأسمالية اليهودية في مصر

ويوجز الكاتب “أنس مصطفي كامل”[1] الرأسمالية اليهودية في مصر بقوله “إنها لم تكن مصرية سواء في جذورها أو استمرارها بل ولم تحاول أن تتمصر حتي حينما عرض عليها ذلك وحتى القطاعات التي كانت مصرية من البرجوازية الصغيرة المتوسطة اليهودية تبرأت من جنسيتها المصرية واقترنت بالجنسية الأجنبية، ولم تتمصر إلا حينما اضطرت لذلك بعد إسقاط الجنسية العثمانية عنها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الرأسمالية اليهودية إلا كفرع للرأسمالية الإمبريالية أو ما يمكن أن نطلق عليه إمبريالية وسيطة سواء قبل قيام الكيان الإسرائيلي أو بعده، وكانت هويتهم الصهيونية الإسرائيلية الاستعمارية تتفوق في كل المراحل على هويتهم اليهودية، بل كانت تحاول أن تستغلها كل الاستغلال وخاصة لتستقطب القوى البرجوازية الصغيرة والبروليتاريا اليهودية، كذلك كانت الشبكة الرأسمالية محكمة البناء ودعمتها الطبيعة الدينية اليهودية والتي كانت تجعل منهم تجمعا منفردا ينظر للآخرين من فوق خاصة المصريين المحليين.

ويضيف قائلاً” راحت الرأسمالية اليهودية تنظم وعيها الأيديولوجي الصهيوني إلي أقصى حد وعملت على تثبيط الوعى القومي في مصر، مستغلة في ذلك دوافع المصلحة الشخصية وضيق الأفق السياسي لدى قيادات الرأسمالية المصرية من أحزاب تصل دائماً للسلطة بحكم مصالحها مع الاستعمار البريطاني 5.

وعليه ساعدت الظروف الذاتية والموضوعية لكل من المجتمع المصرى والطائفة اليهودية منذ النصف الأخير من القرن 19 على أن يحتل اليهود مع سائر الأجانب مكانة كبرى في تشكيل الواقع الاقتصادي في شتى المجالات إلى حد بلغ أن الرأسماليين اليهود كانوا يساهمون في إدارة وتوجيه حوالي 95% من الشركات المصرية، ويسيطرون على جانب ضخم من رءوس أموالها.

الرأسمالية اليهودية والصحافة في مصر

بمرور الوقت نجح الرأسماليون اليهود في مصر، وبتوجيه من الحركة الصهيونية العالمية، في امتلاك بعض الصحف التي راحت تشحذ همم اليهود للارتباط بالصهيونية والعمل من أجلها، وجعل وجودهم في مصر بمثابة جسر للعبور نحو تحقيق الحلم بإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، وجاء تأسيس عدة صحف لهذا الغرض، وجرى في بداية الأمر دعم فكرة إصدار صحف تعبر عن طائفة اليهود الربانيين وجلهم من اليهود الأشكنازية أو اليهود القادمين من أوروبا، – ذلك قبل التوسع في إصدار الصحف اليهودية الصهيونية لتشمل صحف تعبر عن طائفة اليهود القرائين[2].

ومن بينها صحيفة “الرسول الصهيوني” le massager sioniste، الناطقة بالفرنسية عام 1901م، وأصدرتها جمعية “بركوخافا” الصهيونية في مدينة الإسكندرية، وكانت تدعو صراحة للحركة الصهيونية ووجوب دعمها، ثم مجلة “النهضة اليهودية” la reconnaissance juive ، عام 1917م؛ لتكون هي الأخرى منبرًا تعبر به الصهيونية عن أفكارها ومصالحها. ثم “المجلة الصهيونية” la revue sioniste، وأسسها المحامي الصهيوني “ليون كاسترو” عام 1918م؛ لتكون لسان حال المنظمة الصهيونية في مصر ومعبرًا عنها.

وفي أعقاب صدور تصريح بلفور وموافقة الدول المتحالفة على أن تقوم بريطانيا أثناء انتدابها على فلسطين بإخراج الوطن القومي لليهود لحيز التنفيذ، جاء تأسيس أقوى الصحف الصهيونية في مصر وهي صحيفة “إسرائيل” التي صدرت بثلاث لغات عام 1920م، وأسسها “ألبرت موصيري”، فبدلًا من الاكتفاء بالصحف الناطقة الفرنسية التي تخاطب فئة اليهود الناطقين بالفرنسية في مصر، والذين اشتغل عدد كبير منهم في النشاط الصهيوني، جاءت فكرة نشر صحيفة باللغة العربية، لتكون لسان يهودي عربي يتولى الدفاع عن الشئون اليهودية بلسان عربي فصيح؛ لكي تخاطب عموم اليهود في مصر والعالم العربي ولا تتركهم الصهيونية فريسة لتأثير صحف بلادهم المميزة ضد قضية آبائهم وأبنائهم6، بحسب الرواية الصهيونية.

6fbdc8fc6142340ab93637e62e00f153

كان “ألبرت موصيري” من طلائع الصهيونيين في مصر، واستمر عمله في خدمة الصهيونية حتى وفاته في مارس 1933م، ثم تولت من بعده زوجته “ماتيلدا موصيري” مسئولية الاستمرار في إصدار الصحيفة حتى نهاية العام نفسه، وتولى رئاسة تحرير النسخة العربية “سعد يعقوب مالكي” الذي كان يحمل الجنسية الإيطالية.

بعد إغلاقها قام “مالكي” بإصدار صحيفة “الشمس” عام 1934م؛ لكي تكون هي الأخرى معبرًا عن أهداف الصهيونية وبث الروح اليهودية وتقويتها، واستعانت الصحيفة ببعض الكتاب الصهاينة البارزين للكتابة فيها، مثل “إلياس ساسون” و “إيزاك شموس”، وهما من موظفي الوكالة اليهودية[3] و “موسي شرتوك” رئيس القسم السياسي بالوكالة اليهودية7.

كما تأسست صحيفة “الصوت اليهودي” la voix juive عام 1931م وأصدرها “ألبير ستراسلسكي” رئيس فرع التصحيحيين في مصر وأحد غلاة الصهيونية، وكانت كذلك تصدر بالفرنسية، وعكست وجهة نظر الصهيونيين المتطرفين داخل المنظمة الصهيونية العالمية الذين كان يتزعمهم “فلاديمر جابوتنسكي”، وكذلك صحيفة “المنبر اليهودي”la tribune juive ، التي أصدرها “مندل كالكشتين” عام 1936م.

والغريب في الأمر أن وزارة الداخلية المصرية، وفي إطار تحرياتها عن صاحب الصحيفة أعدت تقريرًا تفيد فيه بأنه من المؤمنين بالفكرة الصهيونية، ويدعو لها، وعلى الرغم من ذلك حصل على رخصة إصدار الصحيفة، مما يؤكد جهل المسئولين المصريين بأهداف الصهيونية الحقيقية، وظلت هذه الصحيفة تصدر حتى عام 1948م، وأغلقت على إثر شكاوى المفوضية الإيطالية والألمانية في القاهرة لوزارة الخارجية المصرية بسبب هجوم الصحيفة ودعوتها الدائمة لمقاطعة بضائع البلدين.

كان من اللافت للنظر أن مالكي الصحف اليهود في مصر يفضلون إصدار صحفهم بالفرنسية ويمتنعون عن إصدارها بالعربية؛ خوفًا من إثارة الرأي العام ضدهم إذا ما عُرفت حقيقة نواياهم، وظل هناك سعي للتوسع في إصدار مثل هذه الصحف 8.

كذلك نجحت الصهيونية في توثيق الروابط مع الصحف اليهودية المعبرة عن طائفة اليهود القرائين في مصر، وعلى رأسها مجلة “الاتحاد الإسرائيلي” الصادرة عام 1924م على نفقة “جمعية الاتحاد للإسرائيليين القرائين بمصر”، وعلى الرغم من أنها حاولت أن تكون معبرة عن أحوال الطائفة ونشاطها الديني، لكنها منذ أعدادها الأولى أظهرت مدى ارتباطها بالصهيونية وبأفكارها، وسعت قدر المستطاع لتدفع أبناء الطائفة نحو الإيمان بأفكار “تيودور هيرتزل” الزعيم الصهيوني، وحاييم وايزمان، وراحت تنشر أخبار الوطن القومي اليهودي والنشاط الصهيوني في أرض فلسطين، وأخبار الداعمين حول العالم لتكريس هذا النشاط.

كما صدرت عن جمعية الشبان القرائين بالقاهرة عام 1937 مجلة “الشبان القرائين” les jeuness karaimes، وكان من ضمن اهتماماتها متابعة أخبار اليهود في فلسطين وتخصيص مساحة واسعة لها، وكذلك الحديث عن الإنجازات التي تحققها الصهيونية في أرض فلسطين، ونشر أخبار التبرعات اليهودية لصندوق إقامة إسرائيل أو ما يعرف بـ “كيرن كايمت ليسرائيل”، أحد روافد وأذرع المنظمة الصهيونية العالمية.

ثم صدرت صحيفة “الكليم” عن جمعية الشبان الإسرائيليين القرائين، عام 1945م لتكون لسانًا معبرًا عن الطائفة في المقام الأول، ولكي تكون أداة لدعم الهجرة اليهودية لفلسطين، وقامت هي الأخرى بمتابعة النشاط الصهيوني في فلسطين، وكذلك أنباء المؤتمرات الصهيونية حول العالم والحديث عن دعاوى الاضطهاد الذي يلاقيه اليهود في مختلف أنحاء العالم، وعملت على استثارة مشاعر اليهود وإقناعهم بحتمية تأييد الجهود التي تُبذل لإقامة الوطن القومي.

واستمرت الصحيفة في الصدور حتى عام 1957م، لكن بعد ثورة يوليو 1952م طرأ تحول على الصحيفة، ولم تعد تنشر أخبار الصهيونية أو اليهود في فلسطين؛ درءا لغضب السلطة في مصر، وخوفًا من إغلاقها أو مصادرة أعدادها، واكتفت بنشر أخبار الطائفة في مصر أو موضوعات ذات طابع ديني وثقافي فقط، وهناك من يرى أن هذا التحول جاء بعد إقامة وطن يهودي في فلسطين عام 1948م وبعد أن حققت المجلة غايتها التي طالما نادت بها من ذي قبل، وهي إقامة دولة لليهود في فلسطين 9.

بطبيعة الحال كان هناك صحف أخرى يمتلكها يهود في مصر غير صهيونية، وهى إما صحف طائفية تعنى بتغطية شئون أبناء الطوائف اليهودية في مصر، أو صحف ومجلات متخصصة كغيرها من الصحف المصرية في ذلك الوقت، مثل صحيفة التسعيرة الصادرة عام 1944م، لصاحبها ألبير مزراحي”، والمتخصصة في شئون الاقتصاد، وكان من اللافت للنظر دعوتها المتكررة ليهود مصر بالابتعاد عن الخوض في القضايا الشائكة، وعدم التدخل في الصراع الصهيوني الفلسطيني، بل أدانت ما وصفته بالجرائم الصهيونية في فلسطين، وكذلك أعلنت استنكارها للدور الذي يقوم به “ليون كاسترو” رئيس فرع المنظمة الصهيونية بالقاهرة في خدمة الصهيونية على حساب المصالح المصرية، وطالبت الحكومة المصرية باتخاذ موقف حاسم إزاء النشاط الصهيوني الذي يتزعمه بعض اليهود في مصر10.

لكن على الرغم من ذلك هناك من اعتبر أن مواقف “ألبير مزراحي” في الأساس مواقف تندرج ضمن حسابات المكسب والخسارة فحسب، وأن موقفه من الصهيونية ليس موقفًا واضحًا، بل متذبذبًا، فبعد محاولاته الهجوم على الصهيونية في بادئ الأمر، راح ينشر أخبارها خاصة بعد أن قام بإصدار الطبعة الفرنسية من صحيفة “التسعيرة”، وهي صحيفة “التسعيرة لامينورا” التي راحت تنشر تصريحات القادة الصهيونيين، وكذلك أخبار عن الوكالة اليهودية، وإعادة نشر تصريحات السفير الإسرائيلي في أمريكا في ذاك الوقت، وفُسر ذلك على أنه محاولة من جانب الصحيفة لتنفيذ سياسة إسرائيل الرامية إلى إبعاد مصر عن الصراع العربي – الإسرائيلي من خلال نقل وجهة النظر الإسرائيلية في مجريات الأحداث11.

كذلك قام “ألبير مزراحي” بشراء صحيفة “المصباح” عام 1946م، وكانت مخصصة للحديث عن أخبار الفن والفنانين، وسعت هي الأخرى للكشف عن النشاط الصهيوني في مجال السينما المصرية والعلاقات التي تربط بين بعض المنتجين السينمائيين من اليهود المصريين وكبار الصهيونيين في فلسطين، ودور الصهيونية في محاربة الشركات السينمائية المصرية والفلسطينية 12.

كما أصدر “مزراحي” صحيفة أخرى باسم زوجته السيدة “صول مزراحي”، وهي صحيفة “الصراحة”، وصدرت عام 1950م، وأعلنت منذ العدد الأول أنها صحيفة يهودية مصرية، ولم يؤخذ عليها أنها نشرت موضوعات تحمل شبهة التحالف أو التأييد للحركة الصهيونية أو لإسرائيل، بل كانت صحيفة سياسية تعنى بما يجري في مصر فحسب.

الرأسمالية اليهودية وتوجيه الصحافة في مصر

كان الهدف الصهيوني الأسمى منذ بداية صدور الصحف اليهودية في مصر، ومنذ مطلع القرن العشرين، السعي من أجل ترسيخ بعض المفاهيم والأفكار الداعمة لإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.

5f6082a36dbedb9e0c920eed2d6c37ef

ومنذ بدايات هذا القرن، ومع تزايد هجرة اليهود لمصر من شتى دول العالم، جاءت فكرة الاستثمار في مجال الصحافة والعمل على تحقيق عدة مكاسب من وراء ذلك، تمثل في بداية الأمر في دعم الحركة الصهيونية والترويج لها ومساعدتها في تحقيق آمالها وأحلامها، وشحن اليهود المقيمين في مصر لكي يكونوا جنودًا للصهيونية، وتحقق هذا بفضل دخول عدد كبير من الرأسماليين اليهود في مصر بمجال إصدار الصحف وتمويلها، على سبيل المثال كان “ألبرت موصيري” أحد الرأسماليين اليهود الذين تعود جذورهم إلى أسرة “موصيري” الإسبانية الأصل، التي قدم مؤسسها لمصر عام 1750م وكان يحمل الجنسية الإيطالية، بمثابة أحد أقوى الداعمين لفكرة تسخير الصحف في خدمة الأهداف الصهيونية، خاصة أنه تعرف على رغبة “هيرتزل” في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وذلك خلال إقامته في باريس، وهناك أصبح أحد أهم دعاة الحركة الصهيونية ليعود بعدها لمصر ويحقق حلم الصهيونية في إصدار صحيفة “إسرائيل” الناطقة بثلاث لغات، هي الفرنسية والإنجليزية والعربية.

كان “ألبرت موصيري” عضوًا في اللجنة المركزية للمنظمة الصهيونية في مصر، والتي كانت فرعًا للمنظمة الصهيونية العالمية، وفي عام 1923م أصبح نائب رئيس تلك المنظمة، وتمكن من جعل صحيفة “إسرائيل” لسان حال للمنظمة الصهيونية في مصر، ونجح “موصيري” عبر تقديم الدعم المادي اللازم في إصدار الصحيفة، فضلًا عن تمكن الصحيفة بعد ذلك من تحقيق ربح مادي عن طريق نشر إعلانات لشركات يهودية في مصر وكذلك في فلسطين، مثل شركة “تحسين شواطئ حيفا ليمتد”.

وهو الأمر ذاته الذي نجح فيه “سعد يعقوب مالكي” ناشر صحيفة “الشمس” عام 1934م الذي برع في حشد دعم كبار الرأسماليين اليهود في مصر من أجل صحيفته، والدليل على ذلك أن معظم إعلانات الصحيفة كانت عن كبرى المتاجر والبنوك اليهودية، مثل محلات “شيكوريل” و “شملا” و”بنزايون” وبنك التسليف الوطني، والبنك البلجيكي، وكذلك دور السينما التي كان يمتلكها اليهود، مثل سينما ميامي ومتروبول وديانا بالاس ورويال، فضلًا عن اختصاصها بنشر إعلانات الشركات الصهيونية في فلسطين مثل شركة “تحسين شواطئ حيفا ليمتد”، وشركة “عتيد”، ووكالة الأراضي والأملاك الفلسطينية “سيمون” وشركة “موليديت”.

كذلك وقف وراء إصدار صحيفة “الصوت اليهودي”la voix juive عام 1931م لصاحبها “ألبير ستراسلسكي” نخبة من كبار الرأسماليين اليهود في الإسكندرية، التي وجدوا فيها فرصة للتعبير عن دعمهم لأفكار الصهيونية التصحيحية بقيادة زعيمها “فلاديمر جابوتنسكي”.

أما صحيفة “المنبر اليهودي” la tribune juive، التي أصدرها “مندل كالكشتين” عام 1936م، فقد سعت هي الأخرى لخدمة الرأسماليين اليهود في مصر، والعمل على تحقيق أهدافهم وما يخدم مصالحهم، وتم تطويع الصحيفة للهجوم على كل من يتعامل اقتصاديًّا مع إيطاليا وألمانيا، والدعوة لمقاطعة أي بضائع واردة من هناك، وكان في ذلك أكبر خدمة لنخبة الرأسماليين اليهود في مصر عبر ما يحققونه من مكاسب مادية طائلة من وراء ما يتم استيراده من بضائع يتم بيعها داخل مصر.

لم يقف الأمر على تغلغل الرأسمالية اليهودية في الصحف التي يمتلكها اليهود الأشكناز أو الغربيون، بل راحت تمد نفوذها وسطوتها صوب الصحف التي تعود ملكيتها لطائفة اليهود القرائين في مصر، وتستغل ما لديها من إمكانيات مادية هائلة في توجيه هذه الصحف ودفعها لكي تكون أداة معبرة عن الصهيونية وأحلامها -كما سبق الإشارة- ومثال ذلك اعتماد مجلة “الاتحاد الإسرائيلي” الصادرة عام 1924م، وكذلك مجلة “الشبان القرائين” les jeuness karaimes الصادرة عام 1937م وصحيفة “الكليم” الصادرة عن جمعية الشبان الإسرائيليين القرائين، عام 1945م، على إعلانات شركات الرأسماليين اليهود في مصر، وأصبحت هذه الصحف والمجلات رهينة في أيدي هؤلاء عبر نشر إعلاناتهم وسط ما تعانيه هذه الصحف ومالكوها في الأساس من قلة إمكانيات مادية، مقارنة بمالكي الصحف الصادرة عن مؤسسات صحفية يمتلكها يهود أشكناز.

كما كان من اللافت للنظر أن الصحف اليهودية التي فضلت الابتعاد عن سطوة ونفوذ الصهيونية في مصر، مثل صحيفة التسعيرة الصادرة عام 1944م التي تعود ملكيتها لليهودي “ألبير مزراحي” راحت تهاجم الصهيونية ونشاطها في مصر وفلسطين، الأمر الذي فسره البعض في ذاك الوقت بأنه يرجع إلى عدم حصول صحيفته على أي إعلانات من متاجر أو شركات يهودية، أو حتى اشتراك هذه المؤسسات للحصول على نسخ منها.

فيما اعتبر البعض أن “ألبير مزراحي” اعتمد في الأساس على أسلوب الابتزاز من أجل إصدار الصحيفة، حيث دأب على شن حملات صحفية ضد بعض الشركات والمتاجر المصرية الوطنية الكبرى، ومنها شركة مصر للغزل بالمحلة الكبرى، وشركات بنك مصر وشركة مصر للسينما، وأنه يتاجر بالمهنة لتحقيق مكاسب ليس إلا.

فضلًا عن ذلك تدخلت شركة الإعلانات الشرقية في تزويد الصحف المصرية بالورق اللازم للطباعة، وكانت تسهل للصحف اليهودية الداعمة للصهيونية حصولها على ما يلزمها من ورق، فيما تقف حجر عثرة في وجه باقي الصحف التي تهاجم الصهيونية أو اليهود، وحدث ذلك خاصة في وقت الحرب العالمية الثانية حينما شهدت مصر أزمة في الورق اللازم لطباعة الصحف، كذلك كان هناك حركة صهيونية نشيطة لكسب صداقة الصحف والمجلات المصرية والعربية عن طريق تقديم رشوة صريحة عبر توزيع مبالغ مالية أو إعلانات تجارية، وظهر ذلك في شكل مقالات للدفاع عن الصهيونية أو على شكل خطابات أو حوارات أو مقالات منقولة من صحف عالمية تتبارى في الدفاع عن الصهيونية13.

اعتبرت “شركة الإعلانات الشرقية” التي كانت مصرية في الظاهر ويهودية في الباطن أداة قوية لتحقيق سطوة نفوذ الرأسمالية اليهودية، حيث نجحت بمرور الوقت في نقل هذه السطوة من مرحلة التأثير والنفوذ وسط الصحف اليهودية المصرية، ليمتد هذا النفوذ لمسافة أبعد من ذلك، تمثلت في بسط النفوذ على صحف مصرية وطنية تعود ملكيتها لمواطنين مصريين، والمثير أن هذه الشركة كانت هدفًا للنشاط الذي استهدف الوجود اليهودي في مصر في أربعينيات القرن الماضي؛ حيث تعرضت لتفجير استهدف مبنى الشركة يوم 12 نوفمبر عام 1948م بالتزامن مع تدمير عدة منازل في حارة اليهود14.

وهو ما يؤكد أن نشاط هذه الشركة والقائمين عليها وما تنفذه من خطوات أصبح أمرًا واضحًا للعيان وجزءًا من نشاط صهيوني ممتد داخل مصر، الأمر الذي دعا إلى التعرض لها واستهدافها.

تلخص “هاجر هلل” الباحثة الإسرائيلية المهتمة بدراسة الصحافة اليهودية في مصر، مسألة سيطرة الرأسماليين اليهود على الصحافة اليهودية في مصر بقولها: “واجهت الصحافة اليهودية مشكلة بسبب ارتفاع تكاليف الطباعة على الرغم من حصولها على الدعم المالي المطلوب من المنظمة الصهيونية في مصر، وتم الاتفاق مع بعض الأثرياء اليهود، ومنهم “جاك موصيري” و”يوسف شيكوريل” على تقديم الدعم اللازم” للمجلة الصهيونية la revue sioniste، كذلك لعبت بعض شركات الإعلانات التي يمتلكها يهود مثل شركة “CAIRO ADVERT CO” والتي يمتلكها الثري اليهودي “ماركوفيتش” دورًا في تقديم الدعم اللازم لصدورها، كما تم حشد أصحاب الشركات والمصالح اليهودية في مصر لنشر إعلاناتهم في المجلة، مثل شركات “شيكوريل” و”مورومس” و”سبيزس”15.

ويمكن القول إن الصهيونية نجحت في مصر في استغلال عاملين من أخطر عوامل الدعاية، وهما الدين والإعلام، وحرصت الصهيونية الحديثة على تجنيد الإعلام في خدمة أهدافها. وإذا كانت الصحافة هي أبرز وسائل الإعلام في ذلك العصر، فقد حرصت الصهيونية في مصر منذ البداية على أن يكون لها صوتها المعبر عنها، فأنشأت في القاهرة والإسكندرية صحفاً بالعربية والفرنسية، وفي هذه الصحف انصرفت الدعاية الصهيونية إلي تصوير أهدافها المتمثلة في توحيد اليهود ولم شملهم، والدعوة للوطن القومي بين يهود الشرق، وحثهم على ضرورة تأييده ودعمه بشتي الوسائل، والتأثير في الرأي العام المصري والعربي بغية إقناعه بأهمية التفاهم والتعاون مع اليهود، من أجل تحقيق الحلم وإنشا الدولة اليهودية، ونجحت الصهيونية العالمية في تحويل مصر، في الفترة من 1917 م إلي 1948م، إلي مركز من أخطر مراكزها إن لم يكن أخطرها، بعد المركز الذى صنعته من فلسطين في تلك الفترة، وكانت مصر دون أن تدرى معسكر الانتقال للصهيونية العالمية، والمحطة الرئيسية على الطريق إلي فلسطين. ولولا جهود الصهيونية على أيدي زعمائها وأعوانها في مصر، لما استطاعت الصهيونية العالمية تأمين ظهر المستوطنين اليهود في فلسطين، وضمان حركة الهجرة إليها، وتخفيف حدة التوتر العربي، داخل فلسطين وخارجها، وأخيراً إعلان قيام دولة إسرائيل 16.

تغلغل الرأسمالية اليهودية في الأوساط الصحفية المصرية

الصحافة اليهودية في مصر

بمرور الوقت أدركت الصهيونية العالمية، ومن ورائها الرأسمالية اليهودية في مصر، أنه لا مفر من تطوير أساليب السيطرة والنفوذ على الصحافة في مصر، وبدلًا من إبقاء السيطرة على الصحف اليهودية في مصر، ذهبت الصهيونية لتبحث عن أساليب جديدة لنشر أفكارها داخل مصر وفي المنطقة، خاصة بعد تولد شعور بأن هناك من يدرك النوايا والمقاصد الحقيقية للصهيونية وأهدافها في فلسطين داخل الصحافة المصرية والعربية، وعلى هذا الأساس كان التحرك صوب هذه الصحف.

تحركت المنظمة الصهيونية في مصر ورجالها عن طريق الرأسماليين اليهود لإبعاد مصر عن قضية فلسطين، وعلى الرغم من ذلك اصطدمت بالصحافة الوطنية المصرية، وبالكتاب الوطنيين المصريين الذين استشعروا الخطر وحملوا على عاتقهم مسئولية التصدي له وتوعية الرأي العام به[4]، ولكن الصهيونية لم ترضخ للواقع، بل بذلت محاولات شتى للتأثير على الصحف المصرية وإسكات الأصوات المعارضة، واتخذت في سبيل تحقيق ذلك ثلاث طرق، وهي:

استخدام سلاح الإعلانات والمصروفات السرية:

وهو الأمر الذي تمكنت من أدائه وبقوة شركة الإعلانات الشرقية التي نجحت في تحقيق سيطرتها على الكثير من الصحف المصرية عبر ما تنشره من إعلانات، حتى إن نشر الكثير من الصحف واستمرار صدورها بات مرهونًا بيد الشركة، فضلًا عن أن معظم الإعلانات التي كانت تُنشر في ذاك الوقت كانت لمتاجر ومؤسسات يهودية، أو بضائع يقوم الرأسماليون اليهود بالترويج لها داخل مصر، وبذلك تحقق أسلوب السيطرة على الصحافة المصرية عبر استخدام أسلوب سلاح الإعلانات[5].

وكانت المنظمة الصهيونية في مصر تمتلك مكاتب خاصة هدفها متابعة ومراقبة الصحف والمجلات المصرية، ومعرفة من يتناول اليهود بالسلب أو الإيجاب، ويتم مخاطبة هذه الصحف ولفت نظرها، فإذا ما عادت يتم مقاطعتها ووقف الإعلانات التي تُنشر فيها، أما إذا تحولت الصحيفة وأصبحت تكتب بشكل إيجابي لصالح اليهود فيتم زيادة كمية الإعلانات للصحيفة، بل وتقديم دعم مالي لها كلما زادت في مناصرتها لهم 17.

متابعة ما ينشر في الصحف المصرية:

قامت المنظمة الصهيونية في مصر بمتابعة الصحف المصرية ومعرفة ما يُنشر فيها أولًا بأول؛ للعمل على الرد الفوري على كل ما يُنشر فيها، بل وزيارة بعض الصحف للتواصل معها بشأن العديد من القضايا، خاصة ما يتعلق بما تنشره تجاه اليهود، وكذلك توجيه الشكر للصحف التي تُظهر العطف نحو اليهود بهدف مواصلة السير في هذا الطريق 18.

التغلغل:

الممثلون اليهود في مصر

وجد الرأسماليون اليهود أنه إذا لم يكن هناك مجال لامتلاك الصحف أو التحكم فيها بطرق مباشرة، فالحل هو العمل على التغلغل وإحكام السيطرة والقبضة على شتى الصحف والإصدارات اليهودية في مصر، وكان لمسألة امتلاكهم كبرى شركات الدعاية والإعلانات في مصر فضل كبير في تحقيق هذه الغاية، خاصة “شركة الإعلانات الشرقية” societe orientale de publicite ، وكان مديرها يدعى “هنري حاييم”، وتحولت بمرور الوقت لأداة قوية في يد الرأسماليين اليهود، وتمكنت من بسط نفوذها داخل كافة الإصدارات اليهودية وغير اليهودية في مصر، والأكثر من ذلك أنها حققت مكاسب مادية طائلة مكنتها من إصدار بعض الصحف مثل la bourse egyptienne du dimanche، التي ترأس تحريرها واحد من أبرز زعماء الصهيونية في مصر، وهو “ألبرت ستراسلسكي” staraselsky ، وكذلك صحيفة le journal du caire ، الذي ترأس تحريرها صهيوني آخر هو “جان لاجول” jean lugol ، وغيرها من الصحف، وبالإضافة إلى ذلك كان معظم العاملين في الشركة وفي الصحف الصادرة عنها من اليهود.

ولعبت شخصيات يهودية معروفة بولائها التام للصهيونية، مثل “ليون كاسترو” دورًا في توجيه الصحف؛ إذ كان مسئولًا عن إصدار صحيفة “ليبراتيه” liberte، لسان حال حزب الوفد والناطقة بالفرنسية، حيث جعل منها منبرًا للدعاية للفكر الصهيوني 19.

أما صحيفة “السياسة” التي ترأس تحريرها “محمد حسين هيكل”، وكانت لسان حال حكومة حزب الأحرار الدستوريين في مصر برئاسة رئيس الوزراء “محمد محمود” باشا، فذهبت هي الأخرى لنشر مواد داعمة للصهيونية، فضلًا عن موقفها من الفلسطينيين، كما كانت صحيفة “المقطم” المعبرة عن وجهة نظر الاحتلال البريطاني لمصر بوقًا للكتَّاب الصهاينة للدفاع عن آرائهم وتمكينهم من نشر وجهات نظرهم بشكل دائم من خلال صفحاتها 20.

وتُبرز وثيقة بخط اليد مدى العلاقة التي كانت عليها صحيفة “السياسة” مع المنظمة الصهيونية في مصر؛ إذ تشير إلى زيارة قام بها كل من الدكتور “ألبرت موصيري” أحد طلائع الصهيونيين في مصر، والمسيو “جولدشتاين”، والأستاذ “فيتا سينيسيو” المحامي اليهودي المعروف، لمقر الصحيفة؛ لتوجيه الشكر بالنيابة عن الطائفة اليهودية المصرية لها وللقائمين عليها؛ لما تنشره من آراء وتعليقات على الحوادث الفلسطينية، ودعوتهم باقي الصحف المصرية لكي تحذو حذوها فيما تذيعه من أنباء لهذه الحوادث التي وصفتها بالمؤلمة وتثير النزعات الطائفية، وكذلك دعوتهم لكي يكون ما تنشره الصحيفة بمثابة مثال يسير من ورائه المسلمون واليهود في مصر على حد سواء في الالتزام بلواء القومية قبل كل شيء21.

كما يبرز خطاب مرسل من أحد الأشخاص إلى ناشر مجلة “الفتح” التي كان يصدرها الكاتب المعروف “محب الدين الخطيب” السوري الأصل، والمعروف بتوجهاته الرافضة للصهيونية ونشاطها في مصر وفلسطين، حقيقة مفادها أن المنظمة الصهيونية سعت وبقوة من أجل تكميم أفواه الكتاب والصحفيين في مصر، وصرف أنظارهم عن ما يحدث في فلسطين، والتأكيد على أن هناك مخططًا متكاملًا تدبره الجمعيات الصهيونية يتضمن عملية تطويق إسرائيلية للفلسطينيين عبر أيد مصرية وعربية، واتهم كاتب الوثيقة ذاتها رئيسَ حكومة الأحرار الدستوريين[6]، محمد محمود باشا بالتعاون مع الصهاينة لخدمة أغراضهم السياسية وتحقيق أحلامهم في فلسطين22.

الأكثر من ذلك أن بعض الدوائر الصهيونية في فلسطين عبَّرت في ذلك الوقت عن سعادتها البالغة مما تنشره صحيفة “السياسة” المصرية؛ إذ نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية تعليقًا لها بتاريخ 28 سبتمبر 1929م، ذكرت فيه أنه لأول مرة يُسمع صوت مستنير في العالم الإسلامي يشجب سياسة العنف التي يسلكها الفلسطينيون لتحقيق أمانيهم 23.

كذلك أشادت صحيفة “إسرائيل” التي يمتلكها الدكتور “ألبرت موصيري” بمواقف الدكتور “محمد حسين هيكل”[7] رئيس تحرير صحيفة “السياسة”، ووصفت على الدوام أسلوبه بأنه خير ما يكتب بالعربية بأسلوب بريء من الهوى ومليء بروح الإخلاص والصراحة في حل مشكلة فلسطين 24.

وعلى الرغم من حديث الكثير من المصادر المصرية واليهودية عن دعم صحيفة “السياسة” للصهيونية بشكل لافت للنظر، يقول الدكتور محمد حسين هيكل رئيس تحرير الصحيفة مدافعاً عن نفسه وعن صحيفته ومحاولاً إبراء ذمته من تهمة دعم الصهيونية” جاءنا في جريدة السياسة “يهودي” بدأ يكتب عندنا مقالات في شئون شتى لا علاقة لها بفلسطين ولا بالهجرة اليهودية، ثم حدثني في تأييد “السياسة” للحركة الصهيونية، بحجة أن العرب واليهود من الجنس السامي الذي يقاومه الأوروبيون بكل قوتهم، وأن تضافر أبناء هذا الجنس صاحب الفضل الأول في إقامة الحضارة الإنسانية يقضي على تحكم أوروبا الآرية في أبناء الساميين،  وزاد على ذلك أن “السياسة” تفيد من هذا التأييد فائدة مادية جسيمة، فاعتذرت له عن عدم إجابة مطلبه فالسياسة جريدة حزبية طابعها إسلامي، وتأييدها للحركة الصهيونية لا يتفق مع مبادئنا، وعرض الرجل أن نجعل من “السياسة” منبرا حرا في هذا الاتجاه، فاعتذرت مرة أخرى بأن مصر تؤازر البلاد العربية جميعا في المطالبة بالاستقلال وتقرير المصير، وأن “السياسة” على أية حال تفقد الشيء الكثير من نفوذها إذا أيدت حركة ضد العرب، في فلسطين كانوا أو في غير فلسطين، وأحسب أن جهودا من هذا النوع قد بذلت لدى غير “السياسة” من الصحف فلم تلق من الأثر خيرا مما لقيت عندنا” .

ويتابع حديثه بالقول “لم تكن صحيفة مصرية تستطيع أن تؤيد الحركة الصهيونية بحال، فقد بدأت صيحة فلسطين ضد الهجرة اليهودية ترتفع شيئا فشيئا، وبدأ رجال من ذوي المكانة في مصر يؤيدون هذه الصيحة تأييدا حارا، أيدها بعضهم متأثرا بعاطفة دينية، وأيدها آخرون تأييدا سياسيا أساسه أن وجود وطن يهودي إلى جانب مصر يسئ إلى حياة مصر الاقتصادية والسياسية على سواء، هذا إلى أن هجرة قوم إلى بلد برغم أهله يؤدي بطبيعته إلى تضييق أرزاق أصحاب هذا البلد من غير مسوغ، ويدفعهم إلى الثورة بهؤلاء المهاجرين ثورة بعيدة الأثر محفوفة نتائجها بأشد الأخطار”25 .

وبطبيعة الحال ما كان أمام الدكتور محمد حسين هيكل من سبيل إلا أن يدافع عن نفسه بما كتبه وخطه قلمه والرد على من وصف ما دأبت صحيفته على نشره بأنه يندرج ضمن غض الطرف عن طبيعة النشاط الصهيوني في فلسطين.

فضلًا عن هذه الممارسات التي حققتها الصهيونية في مصر، نجح بعض اليهود الصهاينة في الاستحواذ على بعض المناصب الكبرى داخل بعض من المؤسسات الصحفية المصرية، ومنهم “ألبير أنكونا” الذي شغل منصب مدير الإعلانات في مؤسسة دار الهلال أكبر مؤسسة صحفية في مصر قبل ثورة يوليو 52، والذي أصبح فيما بعد رئيسًا لتحرير مجلة “إيماج” image إحدى أهم المجلات المصرية الصادرة بالإنجليزية وكانت مجلة لطبقة الصفوة والأثرياء في مصر، كما شغل يهودي من أصل إسباني يدعى “أيخمان” منصب مدير الإعلانات في صحيفة “الأهرام”26.

الكتاب الصهاينة في الصحافة المصرية

لم تكتف الحركة الصهيونية في مصر بالتوقف عند مرحلة امتلاك صحف تعبر عنها أو متابعة ما ينشر في الصحف الوطنية فحسب بل وصل حد الاختراق الصهيوني في الصحافة المصرية إلي مرحلة تمكن بعض الصحفيين اليهود المعروفين بانتمائهم للصهيونية والدعوة إليها من نشر مقالات تعبر عن مواقفهم الداعمة لها، ومن بينهم “نسيم ملول” وهو يهودي تونسي عاش في مصر وكان من أكثر الكتاب الصهيونيين كتابة في الصحف المصرية ومنها المقطم والأهرام والمؤيد، وعمل مراسلاً للمقطم في يافا حينما انتقل للإقامة في فلسطين كما كان يوافى الأهرام ببعض الأخبار، وتقول الدكتورة سهام نصار[8]” كان بمقدور “ملول” أن يقوم بدور حارس البوابة بالنسبة للأخبار التي تتعلق بالصهيونية وفلسطين، فيسمح بمرور ما يتفق ومصالح حركته ويحجب ما يتناقض معها، أو يكشف حقيقتها، وساهم مع بعض زملائه الصهاينة في إنشاء لجنة إصلاح شئون الطائفة الإسرائيلية بمصر، وقد كان الهدف من إثارة هذا التحرك هو إثارة اهتمام الطائفة اليهودية بمصر بالحركة الصهيونية، والحصول على أقصى قدر من مساهماتها في إنشاء الوطن اليهودي في فلسطين، كذلك برز أسم “جاك ليفي طنطاوي” وكما يبدو كان مكلفاً من بعض الجهات الصهيونية بالرد على ما ينشر في الصحافة المصرية، بل ومحاولة فتح باب المناقشة في هذه الصحف لتوضيح وجهة النظر الصهيونية، وتصدى لما تنشره الأهرام والمقطم، كذلك برز أسم “نسيم بن سهل” ونشر مقالات في الأهرام والمقطم وهاجم ذات مرة في مقالة له الأهرام بسبب موقفها من الهجرة اليهودية إلي فلسطين، وسعى إلي اكتساب الأهرام إلي جانب اليهود أو تحييدها بأتباع أسلوب التهديد والوعيد، ويبدو أن الضغوط التي مارسها أبن سهل وغيره على الأهرام قد أثمرت، إذ أفسحت صفحتها لنشر بعض التقرير عن المؤتمر الصهيوني عام 1911، وأشاد بعدها أبن سهل بذلك 27، كما افسحت جريدة “المقطم” المصرية صفحاتها لأقلام يهودية مثل “الياهو ساسون” سفير إسرائيل في فرنسا فيما بعد ووزير المواصلات سنة 196428.

الصهيونية تعزز من نشاطها في مصر

ظلت الرواية الصهيونية العبرية المعبرة عن التواجد اليهودي الصهيوني في مصر، حذرة في الحديث عن جل هذا النشاط ربما لعدة أهداف، لعل أهمها السعي المتواصل لتحريك دعاوى قضائية تطالب بأملاك اليهود الذين عاشوا في مصر كغيرهم من يهود الدول العربية، حتى شرع بعض من الباحثين الإسرائيليين في تناول هذا الأمر تفصيلاً، مثل الباحثة “هاجر هلل” من خلال كتابها “إسرائيل” في القاهرة: صحيفة صهيونية في مصر 1920-1939،الصادر عن جامعة تل أبيب و كذلك “جوردون كرمر” في دراسته التي نشرتها دورية “بعاميم” الإسرائيلية عام 1998، تحت عنوان الصهيونية في مصر 1917- 1948، وكان من اللافت للنظر اعتماده على كتاب “اليهود والحركة الصهيونية في مصر 1897- 1947” لكلا من “أحمد محمد غنيم– أحمد أبو كف”، كما ظهرت كتابات أخرى لعل أهمها الكتاب الذي ألفته “روت كيمحي” عن جذور الحركة الصهيونية في مصر.

تعترف “روت كيمحي” في كتابها الصادر عام 2009م تحت عنوان “صهيونية في ظل الأهرامات- الحركة الصهيونية في مصر 1918–1948” Zionism in the shadow of the pyramids – The Zionist Movement in Egypt 1918-1948 ، بأنه تقرر في اجتماع لجنة الهستدروت في فبراير عام 1927م إنشاء “لجنة تنفيذية مؤقتة”، والبدء في إنشاء جمعيات صهيونية جديدة من الشبان الأشكناز تكون بمثابة نواة للقوى الصهيونية الشابة الجديدة؛ لكي يُنتخب منها أعضاء جدد للجان الدائمة المستقبلية للهستدروت الصهيوني، وبدأ النشاط الصهيوني في مصر ينتقل من مرحلة العلن إلى المرحلة السرية، وأخذت التعليمات تفد إلي أعضاء اللجان والجمعيات الصهيونية في مصر بإدارة “دعاية هادئة”، وبالتزام الحذر لعدم “جذب اهتمام السلطات”.

وتضيف “بدأ الخوف يسري من تأثيرات هذه الأحداث المحتملة على الجالية اليهودية في مصر. فقد أخذت اللجنة السورية. الفلسطينية، تغرق الصحف المصرية والعربية التي تصدر في مصر بالمقالات المحرضة ضد الصهيونية بهدف التأثير على الرأي العام المصري. الذي كان يتجاهل الموضوع حتى ذلك الوقت، كما أن أحمد زكي باشا، الذي كان عضوًا حتى بداية العشرينيات في “اللجنة السياسية” التي كان يرأسها “باروخ مسعودة” و”جاك هوفلار” غيَّر جِلده، وأصبح واحدًا من أشد المهاجمين ضراوة، وقد حملت هذه الهجمات طابعًا معاديًا لليهود.

أزعج النشاط الذي كان يقوم به زكي باشا يهودَ القاهرة الذين أدركوا أن هذا النشاط يمثل تغيرًا في مواقف جزء من الطبقة المثقفة المصرية تجاه الصهاينة واليهود ومكانهم بالشرق الأوسط.

ورغم أن الباحثة تقول إن الثورة الفلسطينية في عام 1929م، ومخاوف قادة الجالية بسبب حملات التحريض التي تقوم بها الصحف المصرية والعربية، قد أدخل النشاط الصهيوني ومؤسساته في مصر في غيبوبة عميقة، وأن ثلاثينيات القرن العشرين شهدت جمودًا تامًّا بالمؤسسات والتنظيمات الصهيونية، فقد ظلت حملات جمع التبرعات مستمرة كل عام ولم تتوقف، وإن كانت قد اعترضها بعض الأعراض والصعاب من جانب القادة الصهاينة من بين الجالية اليهودية في مصر، كما أصدر رئيس الهستدروت الجديد بالقاهرة مايو عام 1933م مجلة شهرية جديدة باللغة العبرية أسماها “كاديما Kadima”، كما ظلت الصحيفتان الصهيونيتان “Israel” والرأي وجهة نظر الصهيونية، وكذلك صحيفة “الحرية” La Liberte التي أصدرها رئيس الهستدروت الصهيوني السابق “ليئون كاسترو”، وكذلك صحيفة L Aurore التي كان يصدرها نائب رئيس الهستدروت “لوسيان شيوتو”، تصدر بالقاهرة.

وكذلك الصحف التي كانت تصدرها المؤسسات الصهيونية بفلسطين، كصحيفة الهستدروت الصهيونية الأم العالم لم يتوقف مجيؤها وتوزيعها في مصر، وفي نفس الوقت كانت المؤسسات واللجان والمكاتب والجمعيات الصهيونية لم يتوقف عملها في مصر، وإن كان بوتيرة أقل وبمزيد من الحذر والسرية، كما لم يتوقف وصول المبعوثين الرسميين والشخصيات الصهيونية العالمية إلى مصر لمتابعة النشاط الصهيوني بها.

وتقول الباحثة “روت كيمحي”: “جاء إصدار صحيفة “Israel” بمبادرة تمويل رئيس الجالية اليهودية في مصر موشيه قطاوي باشا؛ لتكون بمثابة الناطق الرسمي والمفوض لجالية القاهرة، وكان يرأس تحريرها “ألبير موصيري” أحد أعضاء اللجنة التنفيذية الصهيونية المؤقتةـ وكانت تصدر باللغة الفرنسية ومعها نسخة باللغة العبرية‏، وعلى الرغم من أن الهدف من إصدارها هو أن تكون وسيلة حوار بين يهود مصر فيما بينهم وبين أنفسهم وبين هؤلاء اليهود في الشتات وبين المؤيدين للمشروع الصهيوني ومن بيئتهم غير اليهودية‏،‏ كما أعلن رئيس الجالية،‏ إلا أن الدعوة للعمل الصهيوني وترويج الأفكار الصهيونية بين يهود مصر كان شغلها الشاغل وهمها الأول،‏ وكما اعتبرها البعض كانت أداة أخرى للدعاية الصهيونية‏.‏

كما توضح الباحثة، فقد نجحت الصحيفة جنبًا إلى جنب مع الصحف الصهيونية الأخرى التي تنقل وجهة النظر الصهيونية في دفع أعضاء الجالية اليهودية إلى تأييد المشروع الصهيوني والعمل له، وقد تمثل ذلك في قيام قادة الجالية في القاهرة والإسكندرية بتسليم خطاب شكر للمندوب السامي البريطاني في مصر للحكومة البريطانية على قرارها بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، كما نجحت اللجنة التنفيذية “للهستدروت”[9]الصهيوني في مصر في جمع ‏7‏ آلاف جنيه إسترليني من أعضاء الجالية اليهودية فيها لصندوق الإنقاذ في أسبوع الإنقاذ الذي حددته الإدارة الصهيونية العالمية في أبريل عام ‏1920م‏ تضامنًا مع يهود فلسطين، وكان في ذلك دليل على أن غالبية الجالية اليهودية في مصر قد تحولت إلى الصهيونية أي إلى تأييد مخطط الحركة اليهودية العالمية لاحتلال فلسطين”، حسبما تؤكد29‏.

ويعزز هذه الفكرة المتمثلة في انتماء النخبة الرأسمالية اليهودية في مصر للصهيونية والسعي نحو خدمة أهدافها ومصالحها ما كتبه “يؤاف شاحام” المتخصص في شئون الأقليات اليهودية بالعالم العربي، وأكد فيه على قضية الارتباط بين الجانبين، إذ أشار إلى أن الصحافة اليهودية في مصر بلغت ذروتَها في القرن العِشرين. وكانت صحيفة “إسرائيل” إحدى أشهر الصحف التي كانت تصدُر في العشرينات، وهي الصحيفة أنشأها د. ألبرت موصيري، أحد أعيان الجالية اليهودية، وكان وطنيًّا مصريًّا، ولكنه دعم الصهيونيّة أيضًا. وهو لم يجِد أيّ تناقض بين الصهيونية وبين القوميّة العربية، بل ظنّ أنّ الدولة اليهودية يمكن أن تُقام في قلب الشرق الأوسط، وفي تلك السنوات، بدأت الفكرة الصهيونية تنمو لدى يهود مصر. بدأ عدد أكبر فأكبر من شبّان مصر ينتمون إلى حرَكات شبابيّة صهيونية، فيما تبرّع أثرياء الجالية اليهودية بالمال لشراء أراضٍ للمستوطَنات اليهودية في فلسطين. ولدى صدور وعد بلفور عام 1917، عبّر يهود القاهرة والإسكندرية عن فرحهم علنًا”30.‏

يبرز جل ذلك كيفية التخطيط اليهودي الرأسمالي الداعم للصهيونية العالمية في الانتقال من مرحلة السيطرة على الصحف اليهودية لمرحلة السيطرة على الصحف المصرية في فترة هي الأخطر من مراحل تأسيس إسرائيل، والتمكن من السيطرة على هذه الصحف والتحكم في المواد المنشورة فيها، بما عاد بالإيجاب على الصهيونية وأهدافها.

موقف النخب المصرية من الصهيونية

لم ترَ الحكومات المصرية المتعاقبة قبل عام 1936 في الصهيونية خطراً يجب الحذر منه والتصدي له، ومنذ مطلع القرن العشرين، أطلقت الحكومة المصرية الحرية كاملة ليهود مصر لممارسة النشاط الصهيوني من خلال تأسيس الجمعيات الصهيونية وما شابه ذلك من نشاطات، ووصل الأمر إلى حد السماح للصهاينة بإقامة احتفالاتك بمناسبة تصريح بلفور ثم حضور ممثلين عنها في هذه الاحتفالات، كما كان حضور شخصيات صهيونية عالمية لمصر لحضور هذه الاحتفالات واجتماعهم بزعماء الطائفة اليهودية وزعماء النشاط الصهيوني في مصر دليل على موافقة الحكومة المصرية على هذا النشاط، وبعد عام 1936 بدأ موقف الحكومة المصرية في التغيير، بمعنى أنها بدأت تدرك مدى خطورة النشاط الصهيوني، إلا أنها لم تتخذ موقفاً إيجابياً حيال هذا النشاط، ولم يتعدَ موقفها سوى بعض المناقشات في مجلس النواب من قبل بعض الأعضاء حول النشاط الصهيوني في مصر، مثل مناقشة العضو على السيد أيوب لموضوع توزيع صحيفة بريطانية يهودية من أشد دعاة الصهيونية تطرفاً في مصر، وتتطاول بشكل صريح على أعلى مقام في البلاد، وتسأل عما تره الحكومة حيال هذه الجريدة، ورد على العضو وزير المالية بالنيابة عن رئيس مجلس الوزراء قائلاً “إن مجلس الوزراء قد أصدر قراراً بتاريخ 27 يونيو سنة 1946 بمنع دخول تلك الجريدة وتداولها في مصر.

كذلك يمكن الإشارة إلى موقف بعض الجماعات الإيديولوجية التي كانت معظمها تعارض هذا النشاط ومنها:

جماعة مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين:

جماعة مصر الفتاة بزعامة أحمد حسين
أحمد حسين زعيم جماعة مصر الفتاة

حيث هاجمت هذه الجماعة تسلط يهود مصر في المجال الاقتصادي، وهاجمت نشاطهم الصهيوني من خلال صحيفتها[10]، مما أزعج أفراد الطائفة اليهودية في مصر فأرسلوا خطاباً إلي أحمد حسين دافعوا فيه عن يهود مصر وأتهموه بأنه باع حزبه للإيطاليين والألمان، وعلى الرغم من ذلك أستمر أحمد حسين في مهاجمته لليهود وخاصة من يعمل منهم بالنشاط الصهيوني 31.

جماعة الإخوان المسلمين:

حسن البنا
حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين

اعتبر الإخوان منذ البداية أن القضية الفلسطينية من قضاياهم المصيرية؛ لأنها من قضايا الأمة الأساسية، وأي فئة أو قوى تتخلى عن القيام بواجبها تجاه هذه القضية فهي تفرِّط في الثوابت الإسلامية، فضلاً عن القومية، وطالب الإخوان من الطائفة اليهودية في مصر التبرؤ مما تفعله الحركة الصهيونية على أرض فلسطين، إضافةً إلى عدم مساعدة الصهيونية في مصر أو في غيرها، ورصد الإخوان مجموعةً من ممارسات اليهود في مصر، والتي تشير إلى بُعد اليهود عن المجتمع المصري، ومنها:

اتخاذ يهود مصر العلَم الصهيوني شعارًا لهم يرفعونه في أحيائهم وعلى محالهم التجارية أيام أعيادهم وعطلتهم.

كشافو المدارس اليهودية يكتفون بكتابة اللغة العبرية على ألبستهم، ويضعون العلم الصهيوني على برانيطهم ولا يرتدون الطربوش الذي يرتديه المصريون.

لليهود في مصر عدة صحف تصدر باللغة الفرنسية وغيرها من اللغات، وتعبر عن آرائهم مثل “البورص إجيبسيان- الأورور- إسرائيلي”، وغيرها من الصحف، وهي آلة من آلات الصهيونية، ولليهود في مصر شركة وكالة الشرق للبرقيات، وهي وكالة تعمل للقضية الصهيونية 32.

حزبا الشعب والإتحاد:

هذان الحزبان معروفان في تاريخ السياسة والأحزاب المصرية انهما من أحزاب القصر لذلك فموقفيهما من اليهود موقفاً تسامحياً والأسواء من ذلك أنه يكاد يكون عدائياً أو شبه عدائياً تجاه الفلسطينيين المقيمين في مصر في تلك الفترة وقد بدأ ذلك في شخصية وسلوك “إسماعيل صدقي” زعيم حزب الشعب ووزير الداخلية عام 1925 في حكومة زيوار باشا فقد أصدر أمر باعتقال العديد من الفلسطينيين الذين تظاهروا ضد “أرثرجمس بلفور” صاحب وعد بلفور الشهير، والذى زار مصر وهو في طريقه إلى فلسطين لحضور افتتاح الجامعة العبرية في القدس، كذلك قام “إسماعيل صدقي” بإغلاق جريدة “الشورى” عام 1930، لصاحبها الفلسطيني محمد على طاهر، والذى هاجم الصهيونية، أثناء أحداث حائط البراق عام 1929م 33، فضلاً عن ذلك كان للسراي والاحتلال البريطاني موقف مساند للصهيونية وإن اتسم بطابع التخفي والتأييد المقنع، تم التعبير عنه في الصحف التابعة لهما.

اليسار الماركسي:

اليسار المركسي
اليسار المركسي

لم يقتصر نشاط حركة اليسار التي كان معظم أعضائها من اليهود المصريين، على استخدام صحفه ونشراته للتنبيه والتحذير من الخطر الصهيوني بل تجاوز ذلك إلى اتخاذ مواقف عملية تمثلت في تأسيس “الرابطة الإسرائيلية لمناهضة الصهيونية” وذلك لتوعية اليهود المصريين ومنعهم من الهجرة إلى فلسطين وكذلك لإقناع الرأي العام المصرى بخطأ وخطورة الدعايات العنصرية والفاشية، وتحديد الفروق الواضحة بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية.

كما واصلت الحركة الديموقراطية للتحرر الوطني حدتو نضالها ضد النشاط الصهيوني في مصر بالعمل على فضح الصهيونية كحركة سياسية استعمارية والعمل على عزلها عن جماهير الطائفة اليهودية في مصر 34.

يمكن القول بعد التعرض لموقف النخب المصرية من الصهيونية والنشاط الصهيوني في مصر، أنه على الرغم من هذا النشاط الصهيوني المتزايد والذى قوبل بتساهل مريب من السلطات الحاكمة والذى سهل بشكل عام للصهاينة توسيع دائرة نشاطهم والعمل قدر الإمكان على الاستفادة من هذا الوضع، حتى وأن تخلله بعض من الأصوات المعارضة والمعادية لهذا النشاط، بأن الصهاينة كن همهم الشاغل في ذاك الوقت هو إسكات تلك الأصوات والانقضاض عليها كي يكتمل الهدف الصهيوني حتى نهايته، وربما كانت التحولات السياسية التي شهدتها مصر بدء من عام 1936 م، دافعاً للتفكير في طرق وأساليب جديدة تضمن من خلالها تحييد النخب في مصر بما يضمن لها استمرار نشاطها.

النخبة الثقافية المصرية في قبضة الرأسمالية اليهودية

لم تقف الرأسمالية اليهودية في مصر عند محاولات السيطرة على الصحف الوطنية المصرية فحسب، بل سعت مع اشتداد وطأة المساعي الصهيونية الرامية لإعلان دولة يهودية في فلسطين لكسب ود النخبة الثقافية المصرية؛ إذ راحت الدوائر الصهيونية في مصر تعمل على اجتذاب اهتمام وتعاطف القيادات الفكرية والثقافية في مصر، وذلك من خلال عدة أساليب ومحاولات انتهى معظمها بضمان تحييد فئة المثقفين المصريين.

لطفي السيد مدير الجامعة المصرية عام 1925م
لطفي السيد مدير الجامعة المصرية عام 1925م

مثال ذلك توجيه الدعوة للأستاذ لطفي السيد مدير الجامعة المصرية عام 1925م للمشاركة في حفل افتتاح الجامعة العبرية، واستغلت الدوائر الصهيونية هذا الحضور في التأكيد على أن مصر العاقلة لا ترى في الصهيونية رأي أهل فلسطين 35، وفي حينه دافع الدكتور أحمد لطفي السيد عن مشاركته قائلاً “إن الحكومة أرسلته كممثل يشارك في افتتاح معهد علمي ليس له علاقة بالسياسة ولو امتنعت عن المشاركة لاتهمت بعدم مشاركتها في نشر العلم”، ويعتقد أن أحمد لطفى السيد لم يفضل سياسة المقاطعة مع اليهود.

ومنذ مطلع أربعينيات القرن الماضي، ومع تنامي المشكلة الفلسطينية، سعت الرأسمالية اليهودية في مصر للبحث عن وسائل جديدة لجذب النخبة الثقافية المصرية، وعلى إثر ذلك كان القرار من قبل نخبة من الرأسماليين اليهود تأسيس شركة “الكاتب المصري” كشركة مساهمة مصرية ترأس مجلس إدارتها “مارك هراري”، وتم تعيين “ريمون هراري” عضوًا منتدبًا لها، أما باقي الأعضاء فهم “إدجار هراري” و “كليمان شيكوريل” و “رينيه شيكوريل” و “جسي شيكوريل”، وجميعهم من أبناء عائلاتي “هراري” و”شيكوريل” الأكثر ثراءً في مصر وأكثرهم نفوذًا وصيتًا، وصدر عنها مجلة “الكاتب المصري”، وذلك بداية من أكتوبر عام 1945، وتم اختيار الدكتور “طه حسين” لرئاسة تحريرها، وكان لملكيتهم لهذه المجلة دور في الإشراف الفني والتوجيه بشكل أو بآخر36.

على الرغم من أن المجلة اقتصرت على كونها مجلة متخصصة في الأدب العربي، ونشر مختلف ألوان الآداب والفنون والثقافة، وهو ما استغله البعض لنفي تهمة أن المجلة تروج للصهيونية وتعمل من أجل خدمة أهدافها لكون مالكي المجلة من مشاهير الرأسماليين اليهود في مصر، وأن الأمر لا يعدو كونه توظيفًا للمال والاستثمار، إلا أن هناك مَن اعتبر هذه المجلة بمثابة محاولة من قبل الأثرياء اليهود للاقتراب من مثقفي مصر وإيجاد جسور للتفاهم معهم، ودفعهم لكي يقفوا في موقف الحياد بشأن القضية الفلسطينية وعدم الحديث عن هجرة اليهود المتزايدة لفلسطين، معتبرين ذلك في حد ذاته نوعًا من الدهاء والتخطيط غير المحسوس37.

الأمر ذاته تحدثت عنه الدكتورة “عواطف عبد الرحمن” بقولها “قد يكون من عدم الإنصاف أن نسجل لهذه المجلة تورطها المباشر في الدعاية للأهداف الصهيونية، ولكنها ساهمت بقدر وافر في ذلك بعدم التصدي للحركة الصهيونية أو كشف حقيقتها أو تحديد موقف واضح للمجلة من الحركة الوطنية الفلسطينية، خصوصًا وأن الصراع الصهيوني– الفلسطيني كان في الأربعينيات في ذروة اشتعاله”38.

اتفقت المجلة مع نخبة من الكتاب الأوروبيين والأمريكيين ومن بينهم “هنري سايدل” و”هنري كاليه” و”سارتر” و”رينيه برنار” و”روجيه أرنالديز” وغيرهم، كي يوافوها بمقالات وكتابات خاصة تنشر فيها للمرة الأولى باللغة العربية قبل نشرها بأي لغة أخرى؛ حتى يكون قراء المجلة أسبق الناس إلى الوقوف على ثمرات عقول هؤلاء الكتاب الغربيين.

توفيق الحكيم
توفيق الحكيم

كما اتفقت المجلة مع العديد من الكتاب المصريين، ومن بينهم “توفيق الحكيم” و”أحمد نجيب الهلالي” و”سلامة موسى” و”لويس عوض” و”شوقي ضيف” و”محمود تيمور” و”ريمون فرنسيس” و”يحيى حقي” و”سيد قطب” و”عزيز فهمي” و”يحيى الخشاب، وغيرهم 39، ما جعل لهذه المجلّة دورًا أدبيًّا لا يُستهان به في الأوساط المصرية والعربية، ويدل هذا الأمر على رغبة مالكي المجلة في جعلها واحدة من أقوى المجلات الثقافية، ليس في مصر فحسب، ولكن وضعها في مكانة مرموقة تجعلها محط أنظار واهتمام الجميع.

شيئًا فشيئا تعرضت المجلة للهجوم من جانب بعض الصحف المصرية التي اتهمتها بأنها مجلة صهيونية، فعلى سبيل المثال أعلنت مجلة “المقتطف” مقاطعتها للكتاب الذين ينشرون في “الكاتب المصري” واعتذرت في خطاب أرسله “إسماعيل مظهر” رئيس تحريرها إلى سلامة موسى عن نشر أحد موضوعاته لاتصاله بمجلة “الكاتب المصري”، أما صحيفة “التسعيرة” التي كان يمتلكها اليهودي” ألبرت مزراحي” فتساءلت عن الكيفية التي تحصل بها مجلة “الكاتب المصري” الصهيونية على الورق برغم صدورها بعد القانون الذي صدر في مصر أثناء الحرب العالمية، والذي ينظم حصول الصحف القديمة فقط على الورق من وزارة التموين، وهل حصلت عليه من الوزارة أم عن طريق شركة صهيونية معروفة في مصر؟40.

وعن ذلك يقول الأديب الإسرائيلي ساسون سوميخ[11] “صدرت مجلة الكاتب المصرى برئاسة تحرير طه حسين وكانت مجلة شهرية أدبية متميزة ومن وراءها وقفت شركة “جستتنر” اليهودية العالمية التي تمتلكها عائلة هرارى، ثم توقفت عام 1948 مع إندلاع حرب فلسطين وعلى خلفية إنتماء مالكى المجلة للديانة اليهودية”41، ويعد حديث سوميخ دليل دامغ على رغبة رأسماليين يهود تحركهم دوافع قومية واضحة وأن أختلف الأسلوب هذه المرة في امتلاك مجلة تخدم هذا الهدف حتى لو كان ذلك بطريقة غير مباشرة.

“الكاتب المصري”… قراءة تحليلية

طه حسين
طه حسين

سعت الدراسة لمعرفة حقيقة توجهات الرأسماليين اليهود خلال الفترة بين 1945م وحتى 1948م، وهي الفترة التي صدرت فيها مجلة “الكاتب المصري[12]“؛ لتحديد إذا ما كان الأمر مجرد استثمار من جانبهم في مجال النشر في مصر وتحقيق ربح مادي من ورائها، أم إن الأمر جاء من خلال إدراك صهيوني لطبيعة المشهد السياسي والثقافي في مصر، وتنامي حركة الرفض للصهيونية وما تمارسه من مخططات وتصرفات في فلسطين في ذاك الوقت، وسعيًا من وراء استدراك الأمور وتحولها لما هو أشد خطورة على النشاط الصهيوني في مصر، والدعم بشكل كبير للصهيونية في فلسطين.

على ما يبدو كان السعي من وراء تحييد النخبة الثقافية المصرية هو الأصل في القرار، وعليه تبنت عائلتا “هراري” و”شيكوريل” فكرة إنشاء شركة “الكاتب المصري للطباعة والنشر”؛ لتكون إحدى أذرع التوجيه الصهيوني في ذلك الوقت، وإن أصر البعض على نفي ذلك.

كان من الواضح أن الرأسمالية اليهودية في مصر تسعى قدر الإمكان لإبعاد النخبة الثقافية المصرية عن الأحداث، وأرادت أن تمد يد العون للصهيونية بإبعاد هذه النخبة عن الواقع الحاصل في فلسطين، فادعى البعض أن المجلة أدبية ثقافية وبعيدة عن السياسة، لكن من يطالع أعداد المجلة يجد اهتمامًا بموضوعات وملفات سياسية أخرى تقل أهمية عن المشكلة الفلسطينية؛ إذ راحت تنشر تقارير عن أحداث مدغشقر، ومشكلة المضايق التركية، ومستقبل آسيا بعد هزيمة اليابان، والسياسة الأميركية الخارجية وغيرها من الموضوعات ذات الطابع السياسي، وهو إن دل على شيء فإنما يدل على أنه كان هناك توجيه ما بالبعد عن الخوض في المشكلة الفلسطينية، وبذلك كان القرار في مواصلة تحييد النخبة الثقافية المصرية والعمل على استمالة أكبر عدد ممكن من الكتاب للنشر في المجلة والمشاركة فيها.

وعن ذلك تقول الدكتورة عواطف عبد الرحمن[13] “كان الهدف الصهيوني المطلوب هو شراء سكوت هذه المجلة بمثقفيها وكتابها عما يدور في فلسطين، من صراع ضارٍ بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية. وهذا شكل من أشكال الدعاية الخبيثة التي وضع أسسها قوى الكولونيالية الأوروبية، وبرعت فيها وريثتها “الحركة الصهيونية”، وذلك عبر عملائها وأنصارها وأركانها، وتتركز هذه الدعاية في إسدال ستار من الصمت على القضايا والأحداث التي تتعارض مع الأهداف والمصالح الصهيونية. وهذا الأسلوب لا تزال تتبناه وتطبقه ببراعة وكالات الأنباء الغربية إزاء ما يدور في العالم الثالث دول الجنوب؛ حيث يتم تهميش وتشويه كافة أشكال المقاومة للنفوذ والهيمنة الغربية، بينما يجري إبراز وتضخيم أنباء وصور الحروب القبلية والمجاعات، وتشويه صورة شعوب الجنوب بكافة الأشكال؛ لتبرير وتسويغ استمرار النفوذ الغربي على هذه الشعوب، ولكن بصور “عصرية”.

وتضيف قائلة “يكشف ذلك مدى الخبث والدهاء والمراوغة التي تميزت بها سياسات القوى الصهيونية. فقد نجح الصهاينة في اختراق معظم التيارات اليسارية والليبرالية، وبعض التيارات “القومية المصرية”، لكنهم عجزوا عن اختراق التيار الإسلامي والتيار القومي العربي 42.

تعرض عميد الأدب العربي الدكتور “طه حسين” بوصفه رئيس تحرير مجلة “الكاتب المصري” لهجوم ضارٍ من قِبل العديد من المثقفين والمفكرين، واستمر هذا الهجوم حتى يومنا هذا، ورد على ذلك العديد من الكتاب والباحثين ونفوا عنه تهمة دعمه للصهيونية، بل اعتبروا أن أساس الهجوم عليه هو هجوم على شخصه وفكره، كما نفوا عنه تهمة تقصيره تجاه القضية الفلسطينية.

يقول الكاتب “حلمي النمنم” في كتابه “طه حسين والصهيونية”: جزم بعضهم بأنه كان منحازًا لأوروبا، معاديًا عداءً مطلقًا للإسلام، لم يستوعب ولم يتابع حجم ما كان يجري على أرض فلسطين من صراع بين العرب والصهاينة، لكن أرشيف طه حسين يكذب هؤلاء على نحو قاطع، ذلك أن طه حسين كتب كثيرًا عن فلسطين يعدد الباحث ذلك بالتفصيل مع ذكر الموضوعات وما تتضمنه، ولكنه كان يفرق كما يفرق جيلنا اليوم بين اليهود واليهودية كديانة، وبين الصهيونية كحركة سياسية وفكرية. وقد فعل هذا قبله رشيد رضا وشكيب أرسلان وجرجي زيدان وآخرون من الكتاب والمفكرين الكبار. وله محاضرة شهيرة بالإسكندرية عن «اليهود في الأدب العربي»، وهي محاضرة تفيض إحساسًا عميقًا بالعروبة وبالمصرية على السواء. ولكن البعض أخذ عليه في هذه المحاضرة حديثه عن دور أو فضل اليهود على الأدب والثقافة العربية يتمثل في مشاركتهم في نقل التراث اليوناني إلى اللغة العربية، وهي واقعة صحيحة عمل إلى جانبهم فيها المسيحيون أيضا. ولكن الذين اتهموا طه حسين بشبهة الصهيونية والميل لليهود في تلك المحاضرة يجهلون الكثير من الحقائق. ذلك أن دارسي المخطوطات العربية يعرفون جيدًا أن بعضها قد فُقد أصله العربي ولم يبق منه سوى الترجمة العبرية. وبفضل هذه الترجمات تمَّ التعرف على الدور والجهد العربي. والمتابع للمؤتمر السنوي الذي يعقده مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية يجد أن هذا الموضوع قد أُشبع درسًا وبات من البديهيات. فمع خروج العرب من الأندلس فُقدت مخطوطات كثيرة، وما كان لنا أن نعرف شيئًا عنها إلا عبر الترجمات، ومنها الترجمات إلى العبرية التي قام بها باحثون يهود في ذلك العصر.

وقد كتب طه حسين أن القضية الفلسطينية اخترعها الغرب وأنه المسئول عنها، وأن فلسطين عربية ويجب أن تبقى كذلك، وعلى الغرب أن يُنهيها كما اخترعها وبدأها.

ولم يكن طه حسين غافلًا عن مشكلة اليهود وما جرى لهم من مذابح وعنصرية، لكن هذه المشكلة لم يصنعها الفلسطينيون ولا يتحملون مسئوليتها، بل هي مشكلة أوروبية خلقتها أوروبا وهي المطالبة بحلِّها، وفي مقال آخر لا يوجه الاتهام إلى أوروبا كلها، كما فعل سابقًا، بل يشير بإصبع الاتهام نحو بريطانيا والولايات المتحدة، وفي مقال ثالث ينفعل، كما لم ينفعل مرة من قبل، فيكتب مهاجمًا الأمم المتحدة التي أصدرت قرارًا هو الظلم بعينه بعد أسبوع من صدور قرار التقسيم مباشرة: “لم أؤمن قط بهيئة الأمم المتحدة، ولم آخذها قط مأخذ الجد، ولم أُسَمِّها قط بيني وبين نفسي إلا هيئة الأمم المختلفة”. واستعرض في مقاله ما قامت به الهيئة، وبالأحرى ما لم تقم به من الإنصاف والعدل 43.

لكن هل حملت صفحات المجلة ما يخدم الصهيونية، وإذا لم تحمل “الكاتب المصري” فكرًا مساندًا ولو ضمنًا للمشروع الصهيوني، هل حملت فكرًا ثقافيًّا أو وطنيًّا مؤيدًا لحقوق العرب في فلسطين؟ ولماذا قَبِل طه حسين رئاسة تحريرها في ظرف بالغ الدقة، كانت كل الدلائل والمؤشرات فيه تؤشر إلى صدام واقع حتمًا بين العرب ومنهم مصر والإسرائيليين؟

واقع الأمر أن مصر كانت في تلك الفترة بمثابة محطة لليهود القادمين إلى فلسطين بحرًا وجوًّا، كما كانت القاهرة والإسكندرية بالذات تموجان بآلاف اليهود المقيمين فيهما، أو الذاهبين إلى فلسطين أو العائدين منها، كما كانت مصر مركزًا لعشرات المنظمات الصهيونية، ولم يكن هذا النشاط اليهودي خافيًا على أجهزة الأمن المصرية، ولا على المثقفين المصريين من ذوي الاتجاهات الوطنية والقومية المختلفة مثل “عباس محمود العقاد” الذي رفض أن يكتب حرفًا واحدًا في “الكاتب المصري”.

مريدو طه حسين، وهم كُثر بالطبع، دافعوا عن قبوله عرض “الإخوة هراري” بقولهم إن “العميد” كان ليبرالي النزعة، وأن تكوينه الفكري والثقافي سمح له بقبول عرض “الإخوة هراري”، ذلك أن الليبرالية تحاور كل فكر، والصهيونية بالنسبة لليبرالي عبارة عن فكر، فلماذا لا تُحاور، حتى ولو كانت في موقع النزاع مع العرب؟ يضاف إلى ذلك أن الصهيونية في عام 1945م لم تكن قد اقترنت بالعنف والإجرام اللذين عُرفت بهما بعد ذلك. وكان هذا -بلا ريب- ما سهَّل على طه حسين، قبول عرض مُغرٍ قدَّمه له آل هراري للتعاون معهم كمستشار ثقافي لشركتهم، وكرئيس تحرير للمجلة الصادرة عن هذه الشركة. كان أجر طه عن عمله هذا 500 جنيه مصري، وهو مبلغ مرتفع جدًّا في ذلك الوقت.

وزادت في ريبة المثقفين المصريين والعرب يومها معرفتهم بأن صدور “الكاتب المصري” كان جزءًا من نشاط ثقافي يهودي عالمي. ففي باريس صدر في هذا عام 1945م مجلة سارتر “الأزمنة الحديثة” المقربة من اليهود، والتي كانت “الكاتب المصري” مقربة هي الأخرى جدًّا منها، إن لم تكن نسخة عربية منها 44.

من خلال مطالعة أعداد المجلة البالغ عددها 32 عددًا صدرت في الفترة بين أعوام 1945 وحتى 1948 يمكن معرفة اتجاهات المجلة بعيدًا عن المبالغة والتضخيم والادعاء بأنها تضمنت ما يسيء لمن كتبوا فيها من أسماء لامعة- يمكن مطالعة أعداد المجلة كاملة من خلال الرابط التالي- 45.

تُظهر أعداد السنة الأولى من مجلة “الكاتب المصري” الصادرة عام 1945م، أن نخبة من كبار المثقفين والأدباء في مصر خلال هذا الوقت كتبوا فيها، ومن بينهم الأديب الكبير “توفيق الحكيم” الذي نُشر له مقالة في العدد الأول بعنوان “الخلق في الفن” تناول فيه رؤيته للفن والإبداع، فيما كتب “طه حسين” ثلاثة تقارير أحدها تقرير سياسي بعنوان “بريطانيا العظمى والشرق الأدنى”، كذلك نشرت المجلة تقارير سياسية أخرى، من بينها تقرير للكاتب “محمد عبد الله عنان[14]” بعنوان “مستقبل آسيا بعد هزيمة اليابان”، وتقرير للكاتب “محمد رفعت” بعنوان “مشكلة المضايق”، وهو ما يؤكد معه أن المجلة وإن كانت أدبية ثقافية إلا أنها تخوض في السياسة كذلك باعتبار أن التطورات السياسية تربطها علاقة وثيقة بحركة الأدب والثقافة، وتثبت معه كذلك أن المجلة اختارت لها منذ البداية أن تغض الطرف عن المشكلة الفلسطينية.

كذلك أعداد المجلة الأخرى حملت الأمر ذاته ولم يتغير شيء؛ إذ جاء العدد الثاني أدبيًّا خالصًا بخلاف تقرير كتبه “محمد عبد الله عنان” بعنوان “دولة إسلامية شيوعية في القرن الرابع الهجري”، وآخر كتبه “محمد رفعت” بعنوان “مصر وحيدة قناة السويس”، وفي العدد الثالث نُشر تقرير بعنوان “جورج واشنطن والديمقراطية الأميركية” للكاتب “سلامة موسى”، وتقرير آخر للكاتب “محمد عوض محمد” بعنوان “المسرح الجديد للسياسة الدولية الدول الكبرى قبل الحرب وبعدها”، كما حاولت المجلة خلال تلك الفترة أن تكون بمثابة همزة وصل بين الشرق والغرب، وذلك عن طريق نشر تقارير تحمل هذا المعنى باعتبار مصر معبرًا لنقل وتبادل الثقافات والحضارات.

ومع بداية العام الثاني زادت جرعة السياسة في المجلة؛ إذ نُشرت في العدد الرابع الصادر مطلع عام 1946م، نحو ثلاثة تقارير، وهي “تأميم البنوك في فرنسا”، و”مصر ومصير المستعمرات الإيطالية”، و”الجامعة العربية ومقوماتها الجغرافية والتاريخية”؛ لتؤكد من جديد أن المجلة وإن كانت ذات طابع أدبي لكنها تخوض رغم ذلك الحديث في السياسة.

كما جاءت باقي أعداد العام الثاني تحمل العديد من التقارير السياسية عن شتى القضايا التي شهدها العالم في ذلك الوقت، ومنها تقرير “في أفق السياسة العالمية- مشكلة إيران”، وتقرير “في أفق السياسة العالمية بين تركيا وروسيا”، و”بريطانيا وحوض البحر المتوسط”، و”القضية المصرية وهيئة الأمم المتحدة”، و”دوافع الحرب وأهدافها في أوروبا”، وفي العدد العاشر من أعداد المجلة كتب “سيد قطب” الذي لم يكن حتى ذلك الوقت عضوًا في جماعة “الإخوان المسلمين” تقريرًا بعنوان “النقد والفن”، وحتى نهاية العام الثاني استمر الأمر كالمعتاد، ونشرت المجلة أكثر من تقرير سياسي، منها “بين الحرب والجغرافيا- الخطط الكبرى في الحرب العالمية الأخيرة”، و”محادثة بين الأسد البريطاني والدب الروسي”، و”الديمقراطية في الأمم الديمقراطية”، وغيرها.

أما أعداد السنة الثالثة فلم تشهد هي الأخرى أي تغيير ولم تخض في الشأن الفلسطيني الذي كان مشتعلًا في ذلك الوقت، بل راحت تكتب عن “مشكلة الهند”، و”مسألة الهند وقضية الباكستان”، و”الحركة الوطنية في ليبيا”، وغيرها من التقارير التي كان الهدف منها من إطلاع القارئ على مستجدات الأحداث العالمية، ودفعه لكي يكون على صلة بما يجري من حوله.

كذلك حملت أعداد السنة الرابعة والأخيرة التوجه ذاته، وراحت تنشر تقارير عن الشأن السياسي العالمي، ومنها تقارير “الدستور البلغاري”، و”مأساة ألمانيا” و”الصبغة المذهبية للصراع العالمي الحاضر”، و”سياسة الدول في الشرق الأوسط”، و”الدانمارك أثناء الاحتلال الألماني وبعده”، وتتوارى المجلة عن الصدور بعد ذلك بعد عددها الأخير الصادر في مايو 1948م، لتغيب مجلة ظلت تمثل علامة استفهام في صدورها في هذا التوقيت الحرج بالنسبة للقضية الفلسطينية.

أُسدل الستار نهائيًّا عن المجلة في مايو 1948م، أي عام النكبة. وقد بدأ الأمر طبيعيًّا جدًّا، آنذاك؛ ذلك أن تمويل “الكاتب المصري” كان من عائلة “هراري” اليهودية المصرية التي ينتمي أفرادها إلى الحركة “الصهيونية”، وكان المطلوب آنذاك، تنفيذ تعليمات المنظَّمة الصهيونية العالمية، وهو التوقُّف عن إصدار صحف مصرية تنطق باسم الصهيونية؛ لأن الوطن القومي لليهود في فلسطين كان قاب قوسَين أو أدنى؛ ولأن الدعاية الصهيونية في مصر كانت قد أدَّت دورها كاملًا منذ العشرينيات، بصدور صحفها المعروفة “إسرائيل” و”الشمس” الناطقتَين باللغة العربية، عدا الصحف الأخرى الناطقة بالفرنسية.

طه حسين يدافع عن نفسه

طه حسين

دافع طه حسين آنذاك عن عمله في مجلَّة أصحابها يهود بالقول: “خلاصة القضيّة أن سبعة من اليهود المصريين اشتركوا في عمل تجاري صِرف، قوامه نشر الأدب العربي، قديمه وحديثه، ونقل الجيِّد من الآداب الغربية إلى لغة الضاد. وطلبوا أن أكون مشيرهم في ذلك، فقبلتُ بعدما استقصيت وأحسنت الاستقصاء، وتيقَّنت أن الأمر لا يتَّصل ولا يمكن أن يتَّصل بالصهيونية من قريب أو بعيد. وإنني أتحدَّى من شاء أن يجد في المجلَّة إشارة إلى الصهيونية أو تأييدًا لها. ومن يدري؟ لعلَّ خصوم هذه المجلَّة يبهتون في يوم من الأيَّام حين يرون فيها خصومة عنيفة للصهيونية، وهجومًا عنيفًا على ظلمها، ودفاعًا عن العرب في وطنهم فلسطين. مع العلم أن الوعد بقي وعدًا، لا يجد إلى أرض التنفيذ ارتطامًا. لا، بل إن العكس هو الذي حدث؛ إذ يأخذ البعض على المجلّة عدم تطرُّقها بما يكفي إلى ما يتعلَّق بفلسطين.

من جهة أخرى، تجد هذه الوقائع لدى طائفة من النقّاد والأدباء تبريرًا يحفظ ماء وجه أديبنا؛ إذ يرى هؤلاء أنه لا يجوز التلويح بعلاقة طه حسين مع الصهيونية بمعزل عن سياقها وزمانها. فالتعايش اليهودي المصري كان سائدًا في تلك الحقبة التي شهدت تسلُّم اليهود مراكز سياسية واقتصادية كبرى في مصر. فضلًا عن أن المطامع اليهودية في إقامة وطن لهم في فلسطين لم تكن بيِّنة بعد. وتذهب هذه الطائفة إلى أن سبب توقُّف المجلّة هو انكشاف نيّات آل هراري المبيَّتة أمام طه حسين الذي قدَّم استقالته على الفور 46.

وعن القضية ذاتها يقول الكاتب محمد أبو الغار “طلبت شركة الكاتب المصري التي أساسها سبعة من آل هراري من طه حسين إصدار مجلة الكاتب المصري وقبل رئاسته تحريرها استقصي وأحسن الاستقصاء، وتبين أن الأمر لا يتصل بالصهيونية من قريب أو بعيد. وكانت المجلة على مستوى عال جداً في محتواها الأدبي والثقافي”.

وينقل “أبو الغار” ما كتبه الناقد الراحل “على شلش” في كتابه اليهود والماسون في مصر “إن طه حسين خلال رئاسته لتحرير المجلة التي استمرت حتي قرر أصحابها إغلاقها بسبب ظروف الحرب العربية – الإسرائيلية لم يقترب من قضية فلسطين، ولم يقحم نفسه في الصراع السياسي حول الموضوع كله، واكتفى بمقال واحد في يونيو عام 1946 بدأ بالعطف على المهاجرين اليهود من الأطفال والنساء، وكذلك الفلسطينيين أنفسهم الذين قال إنهم لم يستشاروا ولم يستأمروا في إيواء هؤلاء البائسين”، ثم يرد عليه بقوله” للحق وللتاريخ فإن هذه المقالة لم تكن في المقام الأول مقالة سياسية، بل وصفا لرحلة قام بها طه حسين على باخرة كبيرة متجهة إلى لبنان، وتصادف أن كان عليها ما يزيد على الألف من اليهود القادمين من أوروبا في طريقهم إلي فلسطين، ومعظمهم من الأطفال والنساء، ويصف طه حسين الرحلة والجو العام على السفينة، ثم يعرج وصف اليهود المهاجرين من أوروبا بالوصف الذى ذكره “على شلش”، ثم قال طه حسين إن الفلسطينيين لم يستشاروا ولم يستأمروا في إيواء هؤلاء البائسين، لكن على شلش لم يكمل بقية الجملة المنشورة التي قال فيها طه حسين أن هناك أوطاناً كثيرة في العالم أقدر على إيوائهم من فلسطين، ويكمل “أبو الغار” حديثه بالقول عموماً هذه الفقرة القصيرة لم تمثل أكثر من خمسة بالمائة من المقال، وكانت وصفاً لمشهد عايشة طه حسين في الرحلة.

يتابع أبو الغار حديثه بالقول “في عام 1945 تساءل الكثيرون كيف يعمل طه حسين في مجلة أصحابها من اليهود، ونشرت بعض الصحف العربية هذه الأسئلة، وأجرت مجلة الإثنين الصادرة عن دار الهلال حديثاً صحفياً مع طه حسين، وسألته الصحيفة صراحة: يقولون إنك تعمل على مساعدة الصهيونية، فأجاب طه حسين: ليت الذين يذيعون هذا الكلام يستطيعون أن يبلوا في خدمة العروبة مثلما أبليت وليس أدل على أني أساعد الصهيونية من أنني أحيي الآداب العربية فأنشر ديوان أبى تمام، وأعمال الجاحظ، وأبى هلال العسكري وغيرها، وأنشر أشياء تتصل بعلوم القرآن الكريم، فأي مساعدة للصهيونية أقوى من هذا؟.

ويضيف أبو الغار “كذلك أرسل الكاتب الفلسطيني “خليل شطارة” رسالة نشرتها صحيفة البلاغ الفلسطينية مستفسراً عن الأمر ذاته، وبدوره أرسل طه حسين رسالة نشرتها الصحيفة قال فيها: فأما الشائعات فمصدرها المنافسة التجارية من ناحية، والضغينة السياسية والحسد البغيض من ناحية أخرى، وخلاصة القضية أن سبعة من اليهود المصريين اشتركوا في عمل تجارى صرف قوامه نشر الأدب العربي، قديمه وحديثه، وتيقنت أن الأمر لا يتصل، ولا يمكن ان يتصل بالصهيونية من قريب أو من بعيد، وإنني أتحدى من شاء أن يجد في المجلة إشارة إلي الصهيونية أو تأييداً لها، ومن يدرى لعل خصوم المجلة يبهتون يوماً حين يرون فيها خصومة عنيفة للصهيونية وهجوماً عنيفاً على ظلمها ودفاعاً عن العرب في وطنهم فلسطين”.

ويخلص أبو الغار حديثه بالقول “أعتقد أن موقف طه حسين في موضوع مجلة “الكاتب المصرى” يجب أن ينبع من شيئين، أولهما مدى تحقيقه لوعده بمضمون المجلة وثانيهما علاقة موقفه بموقف المثقفين المصريين عموماً في ذلك التاريخ، من ناحية التعامل مع اليهود المصريين، ومعروف أنه حتى ذلك التاريخ كان المصريون عموماً لا يمانعون في التعامل مع اليهود المصريين من غير المنتمين للحركات الصهيونية، أي أنهم كانوا بشكل واضح يتعامون مع اليهود بشكل طبيعي وعادى، ونخلص من ذلك إلى أن طه حسين أنشاء مجلة ثقافية عظيمة، جمع لها الكثير من الكتاب القدامى والجدد، وكذلك الأجانب، وقدمت خدمة ممتازة للقارئ المصرى والعربي، أما تمويلها فكان من اليهود المصريين، ولا يمكن أن يعنى ذلك شيئاً مهماً في ذلك الوقت يدين طه حسين”47.

وينتهي مشهد “الكاتب المصري” وينتهي معه فصل من فصول من محاولات سيطرة الرأسمالية اليهودية على طائفة من النخبة الثقافية المصرية، بدافع وتحريك من الصهيونية العالمية التي طالما رأت أن تحييد النخب في مصر هو السبيل الأفضل لمواصلة تنفيذ ما يحلو لها من أهداف ومشاريع، ليس في فلسطين وحدها ولكن في المنطقة بأسرها.

خاتمة:

لم تكن الطائفة اليهودية في مصر بمعزل عن نشاط الحركة الصهيونية العالمية، التي وجدت في البعض من رموز هذه الطائفة أداة قوية وسنداً لها في تحقيق ما تصبوا إليه من أهداف وتحقيق ما تريد من آمال، وراحت تسخر طائفة من الرأسماليين اليهود الذي وطئوا أرض مصر لتحقيق ذلك.

واستغلت الرأسمالية اليهودية وضعها في مصر في خدمة الصهيونية في فلسطين ومن أجل تحقيق أهداف الحركة الصهيونية العالمية، وراحت تلك الرأسمالية التي وأن كانت تعمل بشكل فردى وليس بشكل رسمي مؤسساتي تعزز من نشاطها، حيث كان التركيز على استثمار نقاط الضعف والثغرات السياسية والاجتماعية في المجتمع المصرى لخدمة نشاطهم الصهيوني مستغلين في ذلك الشخصيات الهامة التي استقطبوها في مشاريعهم الاقتصادية داخل مصر.

وعلى ضوء هذا النشاط تعددت مراحل نفوذ الرأسمالية اليهودية بالصحافة الصادرة في مصر، وذلك منذ مطلع القرن العشرين؛ إدراكًا منها لأهمية الصحافة في صناعة الرأي العام ليس في مصر فحسب، ولكن في المنطقة بأسرها، فالصحافة في حقيقتها ليست مجرد خبر أو مقال في جريدة أو رئيس تحرير له رأى أو اتجاه أو موقف، ولكنها صناعة متكاملة، تحتاج إلى رأس المال والمطبعة والورق والإعلانات، بالإضافة إلى الخبرات والقدرات الإدارية والمهنية.. وكانت الرأسمالية اليهودية حريصة كل الحرص منذ البداية على التواجد والسيطرة التدريجية على كل أركان هذه الصناعة.

فمنذ البداية أدركت الحركة الصهيونية مدى أهمية الطائفة اليهودية الموجودة في مصر، ولهذا علَّقت الكثير من الآمال عليها باعتبارها عونًا وسندًا للحركة الصهيونية خلال المرحلة الأولى من بناء الدولة؛ وذلك نظرًا لما تمتع به اليهود في مصر من قوة اقتصادية تتعاون مع الحركة الصهيونية في تثبيت وتحقيق أهدافها في فلسطين، وكذلك إعداد جيل محنك من اليهود الصهاينة في مصر يكون لديه من الحنكة والقدرة على لعب دور مستقبلًا في الدولة المرتقبة، ومع نهاية القرن التاسع عشر ومع بدايات القرن العشرين نجحت الحركة الصهيونية في مد جسور التعاون مع كبار الرأسماليين اليهود في مصر الذين بدأوا في التوافد عليها والاستيطان فيها وجعلهم أداة طيعة في يد الحركة لخدمة أهدافها.

ولم تكتف الحركة الصهيونية بالسيطرة على الصحف اليهودية في مصر وجعلها بوقًا للصهيونية وما تردده من أفكار، بل امتد نشاطها ليشمل السعي من أجل السيطرة على الكثير من الصحف المصرية والتغلغل بداخلها؛ سعيًا لإبعاد مصر والمصريين عما يحدث في فلسطين وما تدبره الصهيونية هناك، لينتهي المشهد الصهيوني في نهاية الأربعينيات من القرن الماضي بالسعي لتحييد طائفة من رموز النخبة الثقافية الأكثر قدرة وتأثيرًا على المشهد الثقافي والسياسي في مصر، لما تتمتع به من شعبية وجماهيرية، وتتمكن الرأسمالية اليهودية من تحقيق تلك الغاية عبر واحدة من أهم وأقوى المجلات الأدبية في مصر في ذلك الوقت الذى شهد توجيه الاتهام الصريح لها بالخضوع للسيطرة الصهيونية بهدف استقطاب المثقفين المصريين لصالح الحركة الصهيونية وشراء صمتهم، إزاء الصراع في فلسطين، عبر التجاهل المتعمد والمعالجات السطحية المحدودة في تناولها لهذا الصراع.

وبين الدفاع والهجوم على طه حسين وموافقته على رئاسة تحرير مجلة يمتلكها يهود صهاينة، تبقى فكرة النجاح في استقطاب نخبة العمل الثقافي في مصر بهدف إبعادها عن المشهد في وقت كان فيه هو في حاجة لهم حينما راحت تتبلور الفكرة الصهيونية وتشكل في النهاية “دولة إسرائيل” على أطلال فلسطين [15].

المراجع:

1 د. محمد رفعت الإمام – تاريخ الجالية الأرمنية في مصر- سلسة كتاب تاريخ المصريين- الهيئة العامة للكتاب.

2 أحمد محمد غنيم– أحمد أبو كف– اليهود والحركة الصهيونية في مصر 1897-1947- كتاب الهلال.

3 د. سعيدة محمد حسني– اليهود في مصر 1882-1948 – الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1993.

4 الدكتور نبيل عبد الحميد سيد أحمد- الأجانب وأثرهم في المجتمع المصرى من سنة 1882 إلي سنة 1992- الجزء الأول التحديد القانوني للأجانب وأثرهم الاقتصادي والسياسي.

5 أنس مصطفي كامل – الرأسمالية اليهودية في مصر – ميريت للنشر والمعلومات – ص 176: 187.

6 د. سهام نصار– الصحافة الإسرائيلية والدعاية الصهيونية في مصر- الزهراء للإعلام العربي-.

7 د. سهام نصار– اليهود المصريون بين المصرية والصهيونية- دار الوحدة للطباعة والنشر- بيروت.

8 د. سهام نصار- مرجع سابق- ص 58.

9 د. سهام نصار- مرجع سابق- ص 76.

10 صحيفة التسعيرة بتاريخ 13-1-1945.

11 د. سهام نصار- مرجع سابق-ص 73.

12 د. عواطف عبد الرحمن– الصحافة الصهيونية في مصر 1896-1954 دراسة تحليلية- الطبعة الثالثة 2012– مكتبة جزيرة الورد.

13 د. سهام نصار– الصحافة الإسرائيلية والدعاية الصهيونية في مصر- الزهراء للإعلام العربي.

14 حـرب اليهود في مصــر- صحيفة الأهالي– بتاريخ 8-1-2014.

15 هاجر هلل- الأسس الاقتصادية للصحافة اليهودية في مصر– حالة “المجلة الصهيونية” la revue sioniste، الصادرة في القاهرة في الفترة من 1918-1923 – دورية “كيشر” العدد رقم 29– بتاريخ مايو 2001- إسرائيل.

16 دكتور على شلش – اليهود والماسون في مصر دراسة تاريخية – الزهراء للإعلام العربي ص 121:126.

17 د. سهام نصار- مرجع سابق-ص 43.

18 د. سهام نصار- مرجع سابق-ص 43.

19 د. عواطف عبد الرحمن– مرجع سابق– ص 91-92.

20 د. عواطف عبد الرحمن– مرجع سابق– ص 95-97.

21 وثيقة بخط اليد لخبر منشور في صحيفة السياسة المصرية بتاريخ 2 سبتمبر 1929.

22 وثيقة بخط اليد– خطاب مرسل للكاتب محيي الدين الخطيب بدون تاريخ.

23 د. عواطف عبد الرحمن– مرجع سابق– ص110.

24 د. عواطف عبد الرحمن– مرجع سابق– ص111.

25 محمد حسين هيكل- مذكرات في السياسة المصرية- الجزء الثالث.

26 د. سهام نصار- مرجع سابق-ص 44.

27 د. سهام نصار – موقف الصحافة المصرية من الصهيونية 1897-1917- سلسلة كتب تاريخ المصريين – الهيئة العامة للكتاب 1993- ص 110:115.

28 جميل عرفات – ألنشاط الصهيوني في الصحافة المصرية 1877-1950- موقع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة – حيفا – بتاريخ 4/6/2005.

29 روت كيمحي- صهيونية في ظل الأهرامات- الحركة الصهيونية في مصر 1918 – 1948″ – صادر بالعبرية عن دار نشر عام عوفيد – تل أبيب.

30. يؤاف شاحام – يهود النيل – من فرعون إلى عبد الناصر- موقع المصدر الإسرائيلي- بتاريخ 26 أبريل 2014.

31 سعيدة محمد حسني– مرجع سابق – ص 194: 202.

32 الإخوان المسلمون واليهود- موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين إخوان ويكي.

33 فتحي عبد العليم – النشاط الصهيوني في مصر قبل قيام إسرائيل من عام 1897 إلى 1948 م – مكتبة جزيرة الورد.

34 د. عواطف عبد الرحمن – الصحافة العربية في مواجهة الاختراق الصهيوني – دار الفكر العربي – القاهرة.

35 د. عواطف عبد الرحمن– مرجع سابق– ص108.

36 د. نبيل عبد الحميد سيد أحمد- اليهود في مصر 1947-1956-ص 181-182.

37 د. نبيل عبد الحميد سيد أحمد- مرجع سابق- ص 182.

38 د. عواطف عبد الرحمن– مرجع سابق– ص 64.

39 د. سهام نصار- مرجع سابق-ص 76.

40 د. سهام نصار- مرجع سابق-ص 77.

41 ساسون سوميخ – لقاء مع حفيدة طه حسين – صحيفة هآرتس العبرية بتاريخ 28.06.2006.

42 الصهيونية وسلاح الإعلام: يهود صهاينة مولوا مجلة ثقافية أصدرها طه حسين- حوار مع الدكتورة “عواطف عبد الرحمن”– صحيفة العربي الناصري.

43 حلمي النمنم- “طه حسين والصهيونية– كتاب الهلال.

44 جهاد فاضل- بعد 40 عامًا على رحيله: ما سر العلاقة بين طه حسين واليهود- موقع وكالة أور الإخبارية- بتاريخ 22 يناير 2013.

45 موقع أرشيف المجلات الأدبية والثقافية العربية : http://archivebeta.sakhr.com/.

46 ماريا الهاشم “الكاتب المصري” والعميد والصهيونية- مجلة “الغاوون”- بيروت- العدد 31- بتاريخ سبتمبر 2010.

47 محمد أبو الغار – يهود مصر من الازدهار إلى الشتات ص 51- ص 54 – دار الهلال 2004.


الهامش

[1]   دبلوماسي مصري سابق ويعد من أهم الباحثين في مصر ممن تناولوا الرأسمالية اليهودية في مصر، ويعد كتابه الرأسمالية اليهودية في مصر مرجع شامل في دراسة هذه الظاهرة، أنظر: الدبلوماسي الثائر – أنس مصطفى كامل- صحيفة الأهرام بتاريخ 30يوليو 2012.

[2]  كانت مجلة “الاتحاد الإسرائيلي” الصادرة عام 1924م على نفقة “جمعية الاتحاد للإسرائيليين القرائين بمصر”أول صحيفة تظهر بشكل واضح تعاطفها ودعمها للفكر الصهيوني، على الرغم من أنه سبقها في الصدور صحف أخرى تعبر عن طائفة القرائين مثل، صحيفة “التهذيب” لصحابها مراد فرج المحامى والتي صدرت بالعربية من سنة 1901 إلى سنة 1903 وكانت تتناول أخبار الطائفة اليهودية وتصدر ثلاث مرات في الأسبوع، ويعزى هذا التراجع إلى ضعف الإمكانيات المادية لطائفة اليهود القرائين مقارنة بطائفة اليهود الربانيين، أنظر كتاب اليهود في مصر 1882-1948- سعيدة محمد حسني الهيئة المصرية العامة للكتاب – 1993.

[3]  الوكالة اليهودية: هيئة عامة مشتركة بين المنظمة الصهيونية وتيارات يهودية أخرى خارجها. وهدف الوكالة في الأساس تقديم الدعم والمساعدة لليهود المهاجرين إلى فلسطين ثم إسرائيل بعد 1948. واعترف صك الانتداب بالوكالة رسميا كممثل للاستيطان اليهودي في فلسطين. عملت الوكالة اليهودية على السيطرة على فلسطين بأساليب مختلفة أهمها تشجيع ودعم الهجرة اليهودية إليها ومتابعة عمليات شراء الأراضي وتحويلها إلى ملكية يهودية. وبعد إقامة إسرائيل عملت الوكالة على السيطرة على أراضي الفلسطينيين التي تمت مصادرتها. وكانت هذه الوكالة إبان الانتداب البريطاني بمثابة حكومة يهودية مستقلة، حيث أشرفت على إدارة وتسيير المرافق التعليمية والاقتصادية اليهودية في فلسطين وأدارت العلاقات الخارجية للاستيطان اليهودي. وتابعت الوكالة نشاطاتها بعد إقامة إسرائيل من خلال مشاريع استيعاب المهاجرين الجدد ودعم النشاط الاستيطاني ومتابعة هجرة الشبيبة اليهودية وتوفير الدعم المالي اللازم لعدد كبير من المؤسسات التعليمية والاجتماعية اليهودية. وتم التنسيق بين أعمال الوكالة ومهام حكومة إسرائيل من خلال اتفاق بين الطرفين في عام 1979. أنظر: موقع http://www.bettna.com/personal/haweya-intma/p3/p12.htm.

[4]  اهتمت الصحف المصرية بالحديث عن طبيعة نشاط الحركة الصهيونية وبأهدافها منذ عام 1897م والتي تتلخص فى إنشاء مملكة يهودية مستقلة فى فلسطين، وقد قامت بوضع تلك الحقائق أمام جمهور قرائها فى مصر والبلاد العربية بدءا من المسئولين فى الحكومات وقادة الرأي، وانتهاء بالقراء العاديين.

[5]  مثل اعلانات شركات – محلات الملكة الصغيرة ومحلات سيمون أرزت ومحلات أثاثات بوننتر يمولى – محلات شملا الكبرى – شركة الملح والصودا المصرية –  مقاولات جيانكو كوهنكا – محلات شيكوريل الكبرى، وغيرها.

[6] حزب الأحرار الدستوريين: حزب سياسي مصري أنشأه أعضاء لجنة الثلاثين التي وضعت في عام 1922 أول مشروع دستور لمصر المستقلة وفقا لتصريح 28 فبراير 1922، عَقِب فراغ لجنة الثلاثين من وضع مشروع الدستور في سبتمبر 1922، قرر أعضاؤها تكوين حزب جديد برئاسة عدلي يكن باشا تحت اسم حزب الأحرار الدستوريين تكون مهمته الدفاع عن الدستور. وكان من أبرز أعضائه عند تكوينه مدحت يكن باشا ومحمد محمود باشا وحسن عبد الرازق باشا ومحمد حسين هيكل باشا وحافظ عفيفي باشا. أصدر الحزب جريدة يومية تنطق بلسانه تحت اسم “السياسة”، وتوالى على رئاسة الحزب عدلي يكن باشا ومحمد محمود باشا وعبد العزيز فهمي باشا ومحمد حسين هيكل باشا. حُلَّ الحزب طبقا لقرار مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 بحل الأحزاب السياسية في ديسمبر 1952.

[7] محمد حسين هيكل :1888م- 1956م شاعر وأديب وسياسي مصري، درس القانون في مدرسة الحقوق الخديوية بالقاهرة وتخرج منها في عام 1909م. حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون في فرنسا سنة 1912م، ولدي رجوعه إلى مصر عمل في المحاماة 10 سنين، كما عمل بالصحافة. اتصل بأحمد لطفي السيد وتأثر بأفكاره، والتزم بتوجيهاته، كما تأثر بالشيخ محمد عبده وقاسم أمين وغيرهم، كان عضوًا في لجنة الثلاثين التي وضعت دستور 1923، أول دستور صدر في مصر المستقلة وفقًا لتصريح 28 فبراير 1922م. لما أنشأ حزب الأحرار الدستوريين جريدة أسبوعية باسم السياسة الأسبوعية عين هيكل في رئاسة تحريرها سنة 1926، اختير سنة 1941م نائبًا لرئيس حزب الأحرار الدستوريين، ثم تولى رئاسة الحزب سنة 1943م، وظلَّ رئيسًا له حتى ألغيت الأحزاب بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952.

 [8]  الدكتورة سهام نصار: من أبرز من تناول باستفاضة الصحافة اليهودية في مصر وحظيت كتاباتها باهتمام كل من تناول أوضاع اليهود في مصر ولها العديد من المؤلفات المهمة في هذا الصدد.

[9]  فرع تابع للاتحاد العام للعمال العبريين اليهود في ارض إسرائيل ” وتم الإعلان عن تأسيسها في عام 1920 ويطلق على هذه النقابة العمالية الصهيونية باللغة الانجليزية the land Of Israel General Federation Of Hebrew Workers In، وقد أنشأ الصهاينة هذا الاتحاد العمالي لا ليمثل أية طبقة عاملة وإنما ليساهم في توطين المهاجرين الصهاينة وليبلور وينمي، بالاشتراك مع الوكالة اليهودية، جماعة المستوطنين الصهاينة في فلسطين حتى تصبح بناءً استيطانياً متكاملاً توجد داخله طبقة عاملة. انظر: موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية- المجلد السابع – الباب الرابع .

[10]  كان أحمد حسين رئيس تحرير صحيفة مصر الفتاة أكثر كتاب الصحيفة اهتماما بالقضية الفلسطينية وبالحديث عن النشاط الصهيوني في فلسطين.

[11]  ساسون سوميخ: باحث إسرائيلي عراقي الأصل ولد في العاصمة العراقية بغداد لعائلة يهودية علمانية عام 1933، وشغل منصب رئيس المركز الأكاديمي الإسرائيلي بالقاهرة.

[12]  تم تأسيس شركة “الكاتب المصرى” عام 1945 وكان يترأس مجلس إدارتها مارك هيرارى وذلك برأسمال قيمته 50000 جنية مصري.

[13]  الدكتورة عواطف عبد الرحمن أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة ولها أكثر من كتاب عن الدعاية الصهيونية والصحافة اليهودية في مصر.

[14]  الاستاذ محمد عبد الله عنان: باحث ومؤرخ كبير اغنى المكتبة العربية بمؤلفاته القيمة التي أرخ فيها لفترات هامة من حياة المغرب والأندلس، وله كتاب مهم عن نشاط الجماعات السرية الهدامة وهو كتاب تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة.

[15] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى