fbpx
دراساتالخليج

السياسة السعودية والقضايا الإقليمية: الجزء الثالث

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

 (1) تنويه:

تعرض هذه السلسلة، على حلقات، أجزاء من أطروحة علمية بعنوان: “السياسة الأميركية تجاه المملكة العربية السعودية: دراسة في تأثير البعد الديني”، قُدمت للحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية، جامعة القاهرة، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، قسم العلوم السياسية، وتمت المناقشة بتاريخ 19 ديسمبر 2009، وكانت تحت إشراف، الأستاذة الدكتورة: نادية محمود مصطفي، وشارك في المناقشة الأستاذ الدكتور مصطفي علوي رئيس قسم العلوم السياسية الأسبق، والأستاذ الدكتور مصطفي الفقي، رئيس الجامعة البريطانية، وتمت إجازة الأطروحة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولي والتوصية بالطبع والتبادل بين الجامعات العربية والأجنبية.

الجزء الثالث: العلاقات الأمريكية ـ السعودية بعد الحرب الباردة :

كانت حرب الخليج الثانية (1990 ـ 1991) مصدراً لتوجيه العديد من الانتقادات للنظام السعودي، وخاصة من جانب بعض التيارات الإسلامية التي رأت فى سياسات هذا النظام سبباً فى وجود القوات الأمريكية فى المنطقة، وترسيخ وجودها من خلال القواعد العسكرية والاتفاقيات الأمنية التي وقعتها مع دول الخليج، كما رأت فى هذا الوجود تدنيساً للأراضي المقدسة، وانتهاكاً لحرماتها، ولذلك دخلت فى مرحلة صراعية ضد النظام السعودي من ناحية، والمصالح الأمريكية فى المنطقة، من ناحية ثانية.

وأمام هذه الاعتبارات تراجع دور المملكة الإقليمي، حيث أزالت حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفيتي، الحواجز التقليدية للوجود الغربي المباشر فى منطقة الخليج، وتحملت الولايات المتحدة المسئولية المباشرة عن المنطقة، الأمر الذي خفف من الحاجة إلى وكلاء إقليميين، بل وزاد من اتهام الحلفاء السابقين بالعمالة للولايات المتحدة (2).

ومع التراجع الإقليمي، كان التحدي الأخطر داخلياً، مع ظهور معارضة إسلامية أكثر انتشاراً داخل المملكة، وكانت قمة التصعيد من جانب هذه المعارضة فى تفجيرات الخبر، فى يونيو 1996م، والتى راح ضحيتها عشرات الجنود الأمريكيين فى المملكة، حيث كرست هذه التفجيرات قوة التيار الإسلامي المضاد للولايات المتحدة ليصبح أكثر ثورية وجاذبية لدى قطاعات عريضة من المواطنين، ترى أن الوجود الأمريكي فى المملكة شقاً لصف المجتمع الواحد، وأن الأمريكيين بدعمهم للأنظمة الحاكمة، يقضون على فرص إطلاق الحريات والديمقراطيات، هذا بجانب التأثير الفكري والثقافي لمنظومة القيم التي يحاول الأمريكيون إقرارها فى المجتمعات الإسلامية.

وعلى الرغم من أن إدراك الإدارة الأمريكية لهذه الاعتبارات، إلا أنها لم تكترس لحالة الرفض الشعبي لوجود قواتها، وعمدت إلى وصم الناشطين ضد سياساتها وممارساتها “بالإرهاب”. فكانت المواجهة حتمية بين الطرفين، وتحول العمل الإسلامي المسلح إلى استهداف المصالح الأمريكية ليس فقط داخل المملكة، ولكن فى العديد من مناطق العالم (3).

ومع تطورات الأوضاع السياسية فى المنطقة العربية، مع نهاية التسعينيات وخاصة فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، توترت العلاقات الأمريكية ـ السعودية، وبرز هذا التوتر في عدة مؤشرات، من بينها التحذيرات التي وجهها ولى العهد السعودي، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، للولايات المتحدة بسبب انحيازها لإسرائيل، ورفضه الدعوة التي تلقاها لزيارة البيت الأبيض، وهجوم وسائل الإعلام السعودية ضد الولايات المتحدة واتهامها بدعم العدوان الإسرائيلى.

ففي أغسطس 2001، وجه الأمير عبد الله بن عبد العزيز، الملك عبد الله فيما بعد، رسالة حذّر فيها الإدارة الأمريكية من أن “فشل واشنطن فى وقف العنف الإسرائيلي الفلسطيني قد يدفع المملكة إلى إعادة النظر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة”، وقال: “فى تاريخ الأمم والشعوب يأتي وقت تتباعد فيه هذه الأمم والشعوب عن بعضها. ونحن نقف اليوم على مفترق طرق. وآن الأوان أن تنظر الولايات المتحدة والسعودية إلى مصالحهما المنفصلة. فالحكومات التي لا تشعر بنبض الشعوب ولا تتجاوب معه سوف تنتهي إلى ما آل إليه شاه إيران”(4).

كما ألغى رئيس الأركان السعودي، زيارة كان من المقرر أن يقوم بها إلى الولايات المتحدة أواخر أغسطس 2001؛ لإجراء محادثات تتعلق بالتعاون العسكري بين البلدين، وجاء إلغاء الزيارة تعبيرًا عن استياء السعودية من السياسة الأمريكية إزاء “استمرار الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني”(5).

واستمر الموقف السعودي المعلن، رافضاً بقوة للسياسة الأمريكية، حتى جاءت أحداث سبتمبر 2001، وتوجيه الاتهام فيها لتنظيم القاعدة الذي يقوده أسامة بن لادن، والذي يحمل الجنسية السعودية، وكذلك لخمسة عشرة سعودياً آخرين، لتبدأ مرحلة جديدة من تطور العلاقات بين الدولتين، تتعرض فيها المملكة لضغوط كبيرة، وانتقادات واسعة، ليس فقط من أعضاء الإدارة الأمريكية، ولكن أيضاً من تيارات وقطاعات فاعلة في المجتمع الأمريكي، لتكشف هذه الأزمة، عن الصورة الحقيقية للمملكة العربية السعودية، التي رغم كونها حليف إستراتيجي للولايات المتحدة منذ أربعينيات القرن العشرين، إلا أن ذلك لم يكف لتغيير الصورة الذهنية للعرب والمسلمين في المجتمع الأمريكي، هذه الصورة التي تنطلق من جذور دينية صراعية، صاغت نموذج قيمي يسعى للهيمنة والاستعلاء واستئصال معارضيه، ومخالفيه فى مرجعيته وأطره الدينية والقيمية.

وفى ظل هذه الاعتبارات كانت المملكة أكثر تأثراً بالتناقض الشديد بين التزامها بعلاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وبين مراعاة الاعتبارات الداخلية والإقليمية التي تتعلق بتوجهاتها الاستراتيجية والدينية من جانب آخر، ولم تنجح محاولاتها للتوفيق بين هذين الجانبين في الحيلولة دون تعمق الخلافات مع الولايات المتحدة، بما فرض عليها العديد من التحديات التي انعكست سلباً على علاقات الجانبين (6).

وفى هذا الإطار تعددت مؤشرات توتر العلاقات الأمريكية ـ السعودية، ومن أهمها:

1ـ سحب القوات الأمريكية من الأراضي السعودية:

فى 28 أبريل 2003 أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية، نقل مقر القيادة الجوية لمنطقة الخليج من السعودية من قاعدة الأمير سلطان إلى قاعدة العُديد فى قطر، وهنا تعددت التفسيرات لتأثير هذا القرار على مستقبل العلاقات بين الدولتين، وهنا برز تياران:

الأول: يرى أن هذا القرار يوضح إلى أي مدى تفكك التحالف بين السعودية والولايات المتحدة، وأن الولايات المتحدة بسحبها لقواتها إنما “تعاقب” المملكة لأنها لم تدعم المجهود الحربي الأمريكي بصورة كافية أثناء الحرب فى العراق، وأن المملكة لن تكون بعد اليوم الحليف الإستراتيجي للولايات المتحدة، ولن تستطع الأسرة الحاكمة السعودية أن تعتمد على دعم الولايات المتحدة، التي تغيرت المدارك والأولويات لديها بعد هجمات سبتمبر والإطاحة بالنظام العراقي (7).

فالانسحاب الأمريكي، يعنى فتح المجال أمام العراق كي يصبح القاعدة الأمريكية الرئيسية فى المنطقة، وهو ما يعنى تغيراً جذرياً فى العلاقات السعودية ـ الأمريكية، خاصة بعد أن قلصت الهيمنة الأمريكية على النفط العراقي من الأهمية الإستراتيجية للسعودية، وذلك استناداً إلى تقارير تشير إلى خطط أمريكية بوجود عسكري طويل فى العراق (8).

الثاني: يرى أن الأسباب التي أدت إلى قرار سحب القوات الأمريكية من السعودية، لا تعكس تراجعًا فى العلاقات بين الدولتين، بقدر ما تعكس اتفاقًا بينهما على ضرورة تدعيم هذه العلاقات، وكذلك الاتفاق على سحب القوات الأمريكية من المملكة، أمام تعدد الأسباب الدافعة لذلك، كرفض بعض التيارات الداخلية السعودية للوجود الأمريكي فى المملكة، واستخدامها هذا الوجود مسوغًا للهجوم على المملكة، والتشكيك بشرعية نظامها السياسي ودورها الإسلامي، هذا بجانب تصاعد الغضب فى أوساط المواطنين السعوديين، تجاه الولايات المتحدة، فى ظل دعمها للسياسات الإسرائيلية، ورداً على الحملات الإعلامية التي تعرضت لها المملكة بعد أحداث سبتمبر (9).

ويميل الباحث للتفسير الأول، فمجمل العلاقات الأمريكية ـ السعودية، خلال هذه الفترة كان يتسم بالتوتر الذى وصل لدرجة التأزم، وكان سحب القوات الأمريكية، أحد مظاهر هذا التأزم، حيث رأت فيه الولايات المتحدة وسيلة للضغط على المملكة، لإجبارها على إعادة النظر في سياساتها التي تتعارض مع التوجهات الأمريكية من ناحية، وتحقيق ما تسعي إليه الولايات المتحدة من أهداف، يدعم هذا التفسير ما شهدتها العلاقات السعودية ـ الخليجية من توتر في السنوات التالية، وخاصة العلاقات مع قطر، التي انتقل إليها مركز قيادة القوات الأمريكية، وكان هذا النقل أحد أسباب هذا التوتر.

2ـ مشروع قانون محاسبة السعودية:

فى نوفمبر 2003، اقترح بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي مشروع قانون جديد أطلق عليها “قانون محاسبة السعودية”، والذي دعا السعودية للقضاء على ما أسماه “الجماعات السعودية الإرهابية” وأن تثبت الحكومة السعودية قيامها بإيقاف تحويل الأموال والتبرعات من أفراد أو جماعات أو منظمات إلى ما أسماه “الجماعات الإرهابية المتشددة خارج المملكة وداخلها”.

كما طالب المشروع، الذى طرحه النائب “أرلين سبكتر”، الرئيس بوش بتقديم ما يفيد بتعاون المملكة مع “مجموعة كبيرة وصادقة من الشروط المتعلقة بالحرب على الإرهاب”، وإذا لم يقم الرئيس بتقديم ذلك فإنه سيتم فرض عقوبات على السعودية منها، خفض تصدير المواد المتعلقة بالشئون العسكرية وتحديد سفر الدبلوماسيين السعوديين، وهو ما ينطبق على مقر بعثة السعودية لدى الأمم المتحدة فى نيويورك وقنصلياتها، وخفض بيع مواد لها استخدام عسكري واقتصادي للمملكة، ويمكن أن تدخل فى سياق العمل ضد الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل (10).

ومع الإعلان عن تقديم المشروع أمام مجلس الشيوخ أعلن النائب “أنتوني وينير” عن تقديم مشروع مماثل أمام مجلس النواب وتضمن نفس بنود مشروع سبكتر،

واستند النائبان إلى الدعم الذي تقدمه المملكة للشعب الفلسطيني وقيامها بإنشاء وتمويل معاهد إسلامية فى أنحاء العالم (11).

وفى مقابل هذا المشروع أشار مدير إدارة الشرق الأدنى بوزارة الخارجية الأمريكية أن بلاده “راضية تماماً” عن تعاون السعودية، فى الحرب على الإرهاب، وأن العلاقات بين البلدين “حميمة” وعلق على مشروع القانون قائلاً: “أن وجهة نظرنا أن إجراءات مثل تلك. لها نتائج عكسية على أهداف الإدارة وبالتالي يمكن أن تعارضها”(12).

وقد عقدت اللجنة القضائية بمجلس الشيوخ الأمريكي جلسة استماع حول الموادالتي تتعلق باتهام حكومة المملكة، وفق نص المشروع، بتحريض المسلمين على ممارسةالعنف والكراهية ضد اليهود والمسيحيين، بالإضافة إلى بعض المطبوعات السعودية التي تصف الولايات المتحدة والديمقراطية بالكفر، وتطالب المهاجرين الجدد من المسلمين أن يعتبروا الأمريكيين أعداءً، كما تطالب القادمين الجدد بأن يستفيدوا من وقتهم فى الاستعداد للجهاد، والترويج للإسلام الوهابي، ذلك المذهب المتطرف والدين الرسمي للمملكة العربية السعودية، ولعدد من الذين قاموا باختطاف الطائرات فى الحادي عشر من سبتمبر 2001، والذى يعتبرونه النسخة الصحيحة الوحيدة للإسلام” (13).

3ـ توجيه الاتهامات للمملكة:

تعددت الاتهامات التي تعرضت لها المملكة، من وسائل الإعلام الأمريكية، ومن تيار واسع من المحللين الأمريكيين، ومن المراكز البحثية الأمريكية (14)، فى إطار الضغوط التي قامت عليها السياسة الأمريكية، بشقيها الرسمي وغير الرسمي على المملكة، بعد أحداث سبتمبر، لإجبارها على تغيير مواقفها وتوجهاتها في العديد من القضايا الداخلية والخارجية، ومن بين هذه الاتهامات:

أ) دعم السعودية لحماس: فقد صرح المسئولون السعوديون بشأن ما أثير حول وثيقة دعم السعودية لحماس والتى صادرتها إسرائيل، بأن هذه الوثيقة لا تعتبر دليلاً على دعم السعودية لحماس بل أن الوثيقة لا تتضمن سوى الحديث عن حضور مسئول فى حماس لمؤتمر فى المملكة، وأكدوا أيضًا أن أموال الدعم للفلسطينيين تذهب مباشرة إلى السلطة الوطنية حيث يصل حجم الدعم السنوي ما بين 80 إلى 100 مليون دولار، ومع ذلك فإن المملكة اتخذت عدة إجراءات لمراقبة التحويلات المالية للخارج ومنعت تحويلها عبر اللاسلكي، واشترطت الحصول على تصريح من الحكومة السعودية للتحويل.

ب) اتهام المملكة بأنها تسمح بعبور إرهابيين عبر أراضيها للعراق: حيث تعددت الاتهامات للمملكة بالسماح بعبور مواطنيها للانضمام إلى المقاومة العراقية ضد القوات الأمريكية، وأنه إذا كانت الحدود بين المملكة والعراق مغلقة رسمياً، فإن الكثير ممن يطلق عليهم “المجاهدون فى العراق” يرجعون عن طريق الحدود السعودية مع اليمن (15).

وقد نفت السعودية هذا الاتهام، وطالبت القوات الأمريكية بتحسين رقابتها على الحدود بين العراق والسعودية، واقترحت المملكة أن ترسل فريقاً خاصاً من محققيها لمساعدة القوات الأمريكية، على تحديد أي عناصر سعودية ربما تكون قد جاءت عن طريق أقطار أخرى”.

ج) الصفحات المحذوفة من تقرير الكونجرس: صدر تقرير البيتالأبيض الذي أصدره بالاشتراك معلجنة الاستخباراتفى الكونجرسحول أحداث ‏11‏سبتمبر‏2001‏، والمحتوى علي‏900‏صفحةبها ‏28‏صفحةمحذوفة. وقد برر المتحدث باسم البيت الأبيض، هذاالشطببأنهيمسالأمنالقومي الأمريكي، أما وسائل الإعلام وعدد من مراكز البحث الأمريكية، فوصفتهبأنهيمثلحمايةللمسئولينالسعوديين. وقال أعضاءفى الكونجرس إن حجب هذه الصفحات من التقرير يرجع إلى أنها قد تسبب إحراجا فى العلاقات الدولية (16)‏.

وأمام هذه الاتهامات شددت المملكة على أهمية الإفصاح عن الثماني والعشرين صفحة من تقرير الكونجرس،

مؤكدة أنها لا تخشى شيئًا وأنها على استعداد لمواجهة كل تلك المزاعم، وأن حجب التقرير هدفه إثارة الشك والبلبلة (17).

وقد شكلت هذه الضغوط تحديا كبيرا لمنظومة الحكم فى المملكة، وخاصة عنصر الاستناد إلى شرعية دينية إسلامية والذي كان محور تركيز الحملات الإعلامية والسياسية التي واجهتها المملكة، استنادا إلى مقولة أن مشاركة خمسة عشر سعوديا فى هجمات 11 سبتمبر دليل على تطرف الحكم والمجتمع معا، وأن ثمة حاجة إلى ضغوط شديدة حتى تعاد هيكلة المملكة على نحو يتوافق مع توجهات السياسة الأمريكية.

وهو ما يمكن القول معه أن الأزمة الأمريكية ـ السعودية برزت من اختلاف الأسس العقائدية، والمرجعية الدينية والقيمية لكلا الطرفين، فالأزمة لا ترجع فقط لخلافات سياسية وحملة إعلامية مرتبطة بها، وإنما ترجع أيضاً لخلافات مرتبطة بالجوانب القيمية التي انعكست وأثرت على التفكير السياسي لكلا الطرفين ونظرة كليهما إلى طبيعة مصالحه من خلال مرجعيته الدينية. وإذا كانت المملكة العربية السعودية مازالت تمثل أهمية استراتيجية واقتصادية للولايات المتحدة، التي كانت تتجاوز عن الخلافات الدينية والقيمية السعودية، بل واستخدام هذا الاختلاف بما يتفق وتوجهاتها الإستراتيجية والدينية خلال الحرب الباردة، فإن أحداث سبتمبر جاءت لتكشف عن الخلافات العميقة بين الجانبين، استناداً لاختلاف مرجعيتهما الدينية، والذي يصعب تجاوزه، أو التقليل من تأثيراته على توجهات وسياسات كل منهما.

خلاصة هذا الجزء:

كانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، العامل الأكبر تأثيراً، من حيث انعكاساته على الولايات المتحدة الأمريكية، بل وعلى العلاقات الدولية فى المرحلة التالية، حيث كان مقدمة للعديد من الإجراءات الانتقامية التي قامت بها الولايات المتحدة ضد عدد من الدول العربية والإسلامية، وفرصة لها لفرض المزيد من الضغوط على هذه الدول وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية، وكان الإسلام أهم الأبعاد التي توجهت إليها الضغوط الأمريكية فى تعاطيها مع المملكة بعد أحداث سبتمبر، حيث كان محوراً للعديد من التوجهات والسياسات التي تنبتها الإدارة الأمريكية، فى محاولتها لاحتوائه من ناحية، وتهميشه من ناحية ثانية، وتفكيكه من ناحية ثالثة.

وجاء تنامي تأثير البعد الديني في الإستراتيجية الأمريكية، سواء العالمية، أو تجاه الإسلام، أو تجاه المملكة، في مرحلة ما بعد سبتمبر 2001، محصلة للعديد من الاعتبارات التي شكلت محددات دافعة نحو تصاعد هذا التأثير، جاء بعضها نابعاً من الداخل الأمريكي، وتمثل في موقع الدين في الثقافة السياسية الأمريكية، وتصاعد تأثير العديد من تيارات اليمين الديني والسياسي في المجتمع الأمريكي، وكذلك المعتقدات الشخصية للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش، وارتبط البعض الآخر بعدد من الاعتبارات الخارجية، من بينها، الرؤية القيمية التي تحكم التوجهات الأمريكية، والتى تستند إلى جذور مسيحية يهودية، ذات طابع صراعي استعلائي، تسعى إلى الهيمنة، وفرض نموذجها القيمي والحضاري على مختلف الديانات والثقافات والحضارات، تحت ذريعة الدور الرسالى الذى أنيط بها.

وفي إطار هذا المنظور الحضاري الرسالي، لم تكن ثمة ثنائية بين البعدين الديني والإستراتيجي، فى الإستراتيجية الأمريكية، فهذا المنظور يقوم على تسكين البعد الديني في نسيج واحد مع غيره من الأبعاد، وليس في ثنائيات متقابلة، كما يحاول البعض تصويرها، ليعلي من تأثير البعد الديني فى مرحلة، ويقول بتراجعه في مرحلة أخرى، وهذا غير وارد فى سياسات القوى الكبرى، التي تقوم على المزج والتداخل بين مختلف الأبعاد، وفق مرجعيتها الفكرية، وتوجهاتها القيمية، ومصالحها الإستراتيجية، وهذا ما اتضح بصورة جلية في السياسة الأمريكية تجاه المملكة العربية السعودية.

وقد انعكس تأثير هذه الاعتبارات في مواقف وسياسات الولايات المتحدة، فى العديد من القضايا التي كانت محوراً للتفاعل بينها وبين المملكة العربية السعودية خلال الفترة التي تتناولها الدراسة بالتحليل، سواء كانت قضايا مرتبطة بالداخل السعودي، أو قضايا إقليمية ودولية ذات صلة بالمملكة العربية السعودية.

————————–

الهامش

(1) الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.

(2)  Alfred B. Prados, Saudi Arabia – Post-War Issues and U.S. Relations, Foreign Affairs and National Defense Division, December 1996. p. 13.

(3) د. فتحي العفيفي، الخليج العربي ـ الصراعات السياسية وحروب التغيير الإستراتيجية، (القاهرة، مركز الأهرام للترجمة والنشر، 2003)، ص ص 196 ـ 204.

(4) نص تصريحات الأمير عبد الله بن عبد العزيز، وكالة الأنباء السعودية، 28/8/2001.

(5) محمد جمال عرفة، الحملة الأمريكية على السعودية أسباب دينية وسياسية، إسلام أون لاين، شؤون سياسية، 31/10/2001

(6) د. صلاح سالم زرنوقة: الخليج العربي ـ ضغوط من كل اتجاه، السياسة الدولية، القاهرة: مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عدد 148، أبريل 2002، ص 70.

(7) Scott Macleod, Why The U.S is Pulling out of Saudi Arabia? Time, 29/4/2003. & 30/4/2003

(8) د. حسن أبو طالب: قواعد وإعادة انتشار، صحيفة الخليج، الإمارات، عدد 29/4/2003.

(9) المركز الدبلوماسي للدراسات الإستراتيجية، انسحاب القوات الأمريكية من السعودية. رؤية تحليلية، سلسلة قضايا الخليج، الكويت، عدد 10/5/2003.

(10) عماد مكي، أعضاء من مؤيدي إسرائيل فى الكونجرس يطرحون مشروع قانون لمحاسبة السعودية، الشرق الأوسط، 30/11/2003.

(11) أحمد عبد الهادي، سيناتور يهودي أمريكي يطالب بقانون لمحاسبة السعودية على النمط السوري، الوطن، السعودية، 26/11/2003.

(12) عماد مكي، أعضاء من مؤيدي إسرائيل فى الكونجرس يطرحون مشروع قانون لمحاسبة السعودية، الشرق الأوسط، 30/11/2003.

(13) مورتون كلين، المنظمة اليهودية الأمريكية تقف وراء قانون محاسبة السعودية، 8/11/2005. النص متاح على الرابط

(14)  من بين التحليلات والأدبيات التي تناولت هذه الضغوط:

– Hermann Frederick Eilts, “U S- Saudi RelationsAfter September 11 Debacle”, AmericanDiplomacy, December 2001

– Simon Henderson, THE NEW PILLAR: Conservative Arab Gulf States and U.S. Strategy, Washington: Washington Institute for Near East Policy, 2003.

– Robert Jordan, Crises and Opportunities in U.S.-Saudi Relations, Saudi-US Relations Information Service. Washington DC, USA. (7 September 2004).

– John R. Bradley & Rachel Bronson, Saudi Monarchy: Part of the Problem or Part of the Solution?, Washington Institute,, Special Policy Forum, July 7, 2005.

(15) Alan Caruba. Sleeping With the Saudi Enemy. Chron Watch, San Francisco, USA. (17 August 2004).

(16) أسامةسرايا، الصفحات المشطوبة، مجلة الأهرام العربي، القاهرة، مؤسسة الأهرام، عدد 9/8/2003.

(17) وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، بيان صحفي، واشنطن 30 يوليو 2003، موقع وزارة الخارجية السعودية على الإنترنت، 31/7/2007.

 

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close