fbpx
تقديرات

السياسة القطرية في ضوء التعديلات الوزارية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تمهيد

فتح التعديل الوزاري الاخير الذي قام به الأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني في 27 يناير 2016، باب التكهنات حول مستقبل علاقات قطر مع الدول الإقليمية المؤثرة في المشهد المرتبك، وخاصة مع مصر، بعد تعيين الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني وزيرًا للخارجية خاصة وأنه سبق له زيارة القاهرة بعد الانقلاب العسكري، نتيجة ضغط الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، على قطر للمصالحة مع نظام السيسي، في أثناء وجوده نائبًا لوزير الخارجية.

التغيير شمل عدة حقائب وزارية منها الثقافة والرياضة والصحة ووزارات أخرى خدمية، لكن الملفت في هذا التغيير أن وزير الخارجية الجديد يعرف بأنه مهندس المصالحة بين قطر ومصر، في ظل الحديث عن تعنت وزير الخارجية السابق خالد العطية من المصالحة مع النظام المصري، والبقاء على دعم جماعة الاخوان وحلفائها.

فهل التعديل الوزاري كان هدفه الأساسي الدفع في اتجاه التصالح مع مصر في ظل الحديث المتكرر عن اتمامها في الوقت القريب، وهل كان هناك توقع بتغيير المشهد في مصر قبل الذكرى الخامسة من الثورة المصرية، وأن ضعف التظاهر قلص الخيارات أمام مؤيدي الإخوان وداعميهم، ودفع في التعامل مع الوضع الراهن باعتبار أن النظام المصري أصبح أمرًا واقعًا ولا بدّ من التعامل معه، أم أن الأمر شأن داخلي وله أبعاداً اقتصادية أيضاً؟

أولاً: تفسيرات التغيير الوزاري

التفسير الأول: إعادة تقييم سياسة قطر الخارجية:

ويقوم على أن الدور الذي لعبته قطر منذ اندلاع الربيع العربي وحتى الآن تسبب لها في العديد من الأزمات الإقليمية والخليجية، بسبب مواقفها المغايرة لسياسة دول الخليج، خاصة فيما يخص دعم جماعات الإسلام السياسي في العالم العربي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها معظم دول الخليج تنظيمًا ارهابيًا أو محظورًا على الأقل، أو دعم ثورات الربيع العربي والتي حاولت دول الخليج التصدي لها وعرقلتها، كما حدث في مصر ويحدث في ليبيا وتونس، فكان لا بد من أن تقدم الدوحة على تقييم الخمس سنوات الماضية ومحاولة التعامل مع الأوضاع الجديدة التي آلت إليها المنطقة، بإعادة ترتيب الأوراق مرة أخرى وانتهاج ربما سياسة مغايرة عما كانت عليه سياستها من قبل.

وسينعكس ذلك على عدة ملفات أبرزها المصالحة مع مصر، فالوزير الشاب معروف لدى القاهرة بعد زيارته إلى مصر، كمبعوث خاص للأمير تميم بن حمد في ديسمبر 2014، تلك الخطوة التي اعتبرت في حينها بوادر تصالح مصري قطري، فالوجه الجديد، ربما تفسره القاهرة بأنه بادرة حسن نية من الدوحة إليها.

ولكن في المقابل يرفض البعض ذلك، مستندين إلى أنه في اليوم الذي تم الإعلان عن تغيير وزير الخارجية، رفعت شبكة الجزيرة القطرية دعوى دولية لمقاضاة الحكومة المصرية ومطالبتها بدفع 150 مليون دولار كتعويض عن خسائر مكتبها في القاهرة، وأن شبكة الجزيرة تتبع بشكل مباشر الديوان الأميري، ولولا الضوء الأخضر من الديوان لما أقدمت الشبكة على مقاضاة مصر والإعلان عن تفاصيل القضية في التوقيت الذي تم تغيير وزير الخارجية فيه.

التفسير الثاني: التخلص من الحرس القديم:

ويذهب إلى أن التغيير يرتبط بأمور متعلقة بعملية تجديد السياسة القطرية، فالأمير الشاب الذي استطاع في غضون عامين أن يرسم لسياسته شكلا جديداً ومتوازناً في الوضع الاقليمي، واستطاع الحفاظ على استقرار السياسة القطرية تجاه قضايا الربيع العربي كما هي، رغم الضغوط التي تعرضت لها الدوحة بسبب تلك المواقف، يريد من هذا التعديل تجديد السياسة القطرية، وبناء قيادات شابة تقود الملفات الرئيسية، وقد استطاع إدخال أكثر من وزير شاب في الوزارة الجديدة، وتمكن تدريجياً من  التخلص من الحرس القديم، الذين لم يكن بوسعه أن يطيح بهم في مرة واحدة وأنه بهذا التعديل تمكن من تحقيق هذا الهدف 1. و يدعم هذا التحليل بعض الأراء التي تفيد بأن وزير الخارجية الجديد كان يجري إعداده لتولي هذا المنصب على مدار العام الماضي، و أن هذا التعديل بذلك لم يكن مفاجئا.

التفسير الثالث: العامل الاقتصادي

فقد أظهر التعديل الأخير دمج عدة وزارة وتخفيض أعداد الوزراء، حيث تم دمج كل من وزارتي البيئة والبلدية، إضافة إلى دمج وزارتي المواصلات والاتصالات ووزارتي الرياضة والثقافة، ووزارتي العمل والتنمية الإدارية، الأمر الذي يعد مؤشراً مهما على الرغبة في تقليل النافقات بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط والتي وصلت إلى أقل من 30 دولار للبرميل، وكذلك  انخفاض صادراتها من الغاز إلى النصف تقريبا، وثمة من يرى أن السبب الرئيس في التعديل الوزاري هو محاولة التأقلم مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة، وتنفيذ خطط التقشف التي وضعتها الدوحة لتتواءم مع أسعار الطاقة المنخفضة2 .

ثانيا: دلالات التوقيت:

ارتبط التغيير الوزاري في قطر بحدثين خارجيين مهمين تم الربط بينها وبين التغيير:

الحدث الأول: زيارة الأمير تميم إلى روسيا الاتحادية:

حيث قام الأمير تميم بزيارة رسمية لموسكو في 17 يناير 2016، لبحث الملف السوري، وهذه الزيارة رغم أنها في ظاهرها تتعلق بالملف السوري، إلا أن الملفات الأخري كانت مطروحة على مائدة الحديث، مثل الأزمة الإيرانية السعودية، والحرب في اليمن ، وقتال تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وكل هذه الملفات هي ربما ليست أساسية بالنسبة للدوحة، لكن ما يهم الدوحة بشكل مباشر هو العلاقة بين روسيا وإيران ومحاولة التقارب بين الدوحة وطهران عن طريق البوابة الروسية، وأيضا ملف الأزمة التركية الروسية والذي تسعى قطر إلى حله ولعب دور الوساطة بين القوتين الكبيرتين في المنطقة3.

وبعد اسبوع من الزيارة تم الاعلان عن التعديل الوزاري، مما أثار التساؤل حول تغيير الموقف القطري من الملف السوري والدفع في اتجاه تبني وجهة النظر الروسية أو على الأقل الوصول لصيغة قريبة من وجهة النظر الخليجية، حيال سوريا.4

الحدث الثاني: الذكرى الخامسة لثورة يناير في مصر:

فالتعديل الوزراي تم الاعلان عنه بعد يوم واحد من الذكرى الخامسة لثورة 25 يناير، والتي كانت محل ترقب من جهات عدة دولية وإقليمية، حول مستقبل النظام المصري، وكان الكثيرون يتوقعون أن يكون الحراك الثوري فيها مختلفاً عن سابقيه، لكن ما حدث كان مغايراً، فالضعف الشديد في التظاهرات التي واكبت ذكرى الثورة، دلل على أن النظام العسكري يفرض سيطرته على الأوضاع الداخلية، وهنا تم الربط بين التغيير الوزاري القطري وخاصة تغيير حقيبة الخارجية وبين تداعيات ذكري الثورة.

مع مراعاة صعوبة إعطاء وزن كبير لهذا العامل حيث أن تغييرا بحجم وزارة الخارجية لا يمكن أن يتم كمجرد رد فعل لأحداث يوم واحد في بلد آخر، دون أية علاقة تذكر بين حجم الحراك الثوري و وزارة الخارجية القطرية، فضلا عن إعداد الوزير الجديد لمنصبه على مدار عام كامل كما سبق ذكره، و خاصة أن توجهات ملف السياسة الخارجية القطرية تتركز بالمطلق في يد الأمير.

ثالثاً: التغيير الوزاري والسياسة القطرية تجاه الثورة المصرية:

فيما يتعلق بالموقف من الثورة المصرية، في ضوء التغيير الوزاري القطري، تبرز عدة سيناريوهات للسياسة الخارجية القطرية:

السيناريو الأول: التصالح مع النظام المصري:

يرى البعض أن هناك عدد من الشواهد  تدلل على اقتراب عقد مصالحة اقليمية بين مصر وتركيا وقطر برعاية سعودية، بسبب الازمات الأخيرة التي تتعرض على المنطقة، ورغبة الرياض في اتمام تلك المصالحة للتفرغ للازمتين السورية واليمنية والتي تعد من أولويات السياسية الخارجية السعودية في هذه المرحلة، لكن يظل الموقف من جماعة الإخوان المسلمين هو العائق الأكبر لعدم انهاء الخلافات بين الأطراف الثلاثة، فسياسياً سيكون من الصعب على قطر أو تركيا الحفاظ على التحالف مع جماعة الإخوان المسلمين ما لم يكن لدى الجماعة أوراق ضغط او مصالح متبادلة مع الحلفاء، تدفعهم للابقاء على هذا التحالف ودعمه.

ولذلك يمكن أن تفكر الدوحة قدماً في التقارب مع القاهرة، والتخلي تدريجياً عن موقفها الداعم للإخوان، ومن ثم يتحول التحالف مع الجماعة إلى تعاطف إنساني فقط وليس سياسياً، وخاصة مع عدم قدرة الجماعة على التقدم للامام منذ الانقلاب العسكري في يوليو 2013، وأصبحت تمثل عبئاً سياسياً على حلفائها، وخاصة بعد الخلافات الداخلية بين بعض قياداتها والتي وصلت إلى حد الانقسام الشديد في عمل الجماعة.

السيناريو الثاني: تغيّر السياسة القطرية مع بقاء التحالف مع الإخوان

يستند هذا الاحتمال على أن العلاقة بين جماعة الاخوان وقطر تاريخية ولن تتغير في القريب لعدة أسباب منها التقارب الأيديولوجي بين نظام الحكم في الدوحة وبين أفكار الجماعة، وكذلك رغبة الدوحة في ابقاء ملفات مهمة في المنطقة في يدها ومن أبرزها ملف جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لما يمثل لها من أوراق ضغط مهمة إقليميا وخليجياً، وخاصة في مواجهة دول خليجية تمثل تهديداً للدوحة، وثمة أمر آخر هو أن جماعة الإخوان ورغم حالة التراجع التي وصلت لها في الآونة الأخيرة إلا أنها تظل لديها بعض الاوراق المهمة التي ستدفع قطر للابقاء على هذا التحالف، ومنها أن الجماعة تعد الحركة الأكبر في العالم الإسلامي، ولديها تواجد قوي في نظم عربية مثل تونس والمغرب وليبيا، واليمن، وكذلك المكانة الدينية للجماعة عند جمهور كبير من الاسلاميين في العالم، وهذا العوامل من شأنها ابقاء التحالف كما هو عليه.

وطبقاً لهذا السيناريو، ستعيد الدوحة رسم سياستها الخارجية فيما يتعلق بالوضع ربما في سوريا بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الأمير إلى روسيا، وأيضا بعد رفع العقوبات السياسية والاقتصادية الغربية عن إيران والتي ستكون وجهة بديلة للغرب عن دول الخليج العربي5.

السيناريو الثالث: استمرارية السياسة الخارجية القطرية:

يستند هذا التصور على أن التعديل الوزاري في الأصل جاء ليتعامل مع الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط، حتى لو تم تغيير وزير الخارجية، لأن الملفات الشائكة في العلاقات القطرية الخارجية تظل بيد الأمير تميم وليس وزير الخارجية، كما أن الإقدام على فكرة دمج الوزارت، يهدف إلى تقليص النفقات وإعادة الهيكلة الإدارية، وأن هذه الخطوة سيكون لها الأثر المباشر على الاستثمار القطري، وليس على السياسة الخارجية القطرية6.

خلاصة:

رغم وجاهة الاحتمالات الثلاثة ربما لوجود أسباب واقعية ومنطقية لتحقق كل منها، فإننا نرى احتمال إعادة رسم السياسة الخارجية لقطر مع الابقاء على التحالف مع الإخوان المسلمين هو الاحتمال الأقرب خلال المرحلة القادمة، نظراً لطبيعة العلاقة الخاصة بين الطرفين، ونظراً لوجود نوع من الاستقرار في توجهات السياسة الخارجية القطرية منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن، وكذلك أمام متانة التحالف القطري مع تركيا، وحرص الدولتين على دعم الإخوان المسلمين.

إلا أن الأمر لا يعني أن هذا الدعم سيكون مفتوحاً أو بلا نهاية، ولكن ستكون هناك مراجعة لحدوده ونطاقه، ومستوياته، ومدى الاستمرار فيه، ويصبح الأمر رهناً، في جانب منه، بمدي قدرة الجماعة على تجاوز أزمتها الداخلية، وإعادة النظر فى سياساتها، وكذلك في قدرتها على تغيير المعادلة في الملفات الإقليمية عامة، والملف المصري خاصة، والذي يشكل حجر الزاوية في مجمل التحولات الإقليمية.

—————————————-

الهامش

(1) أمير قطر يقيل وزير خارجيته في اول تعديل وزاري، موقع البي بي سي الرابط

(2) التعديلات الوزارية في قطر.. دمج وتجديد في ظل الأزمات، موقع الخليج اون لاين الرابط

(3) أمير قطر: لروسيا دور مهم في حل الأزمة السورية، موقع روسيا اليوم الرابط

(4) كيف تدير دول الخليج علاقاتها مع روسيا بعد تدخلها في سوريا، موقع ساسة بوست الرابط

(5) قطر هل تراجع سياسيتها الخارجية ، موقع قناة الغد الرابط

(6) التعديل الوزاري في قطر ترشيق إداري ولا تغيير في السياسية الخارجية، موقع العربي الجديد الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close