الصراع في بوروندي تداعيات أزمة 2015
تمهيد
هناك العديد من التداعيات التي أفرزتها الأزمة السياسية في بوروندي، وأثرت سلباً على الأوضاع الداخلية للبلاد سواء أكانت سياسية، أو اقتصادية، أو أمنية، ولم تقتصر تلك التداعيات على الداخل، بل امتدت إلى الخارج ممثلة في دول الجوار الإقليمي، وكذلك العديد من دول حوض النيل، لاسيما مصر والسودان، حيث تعتبر بوروندي من أهم دول منابع حوض النيل، ومن ثم فإن تأزم الأوضاع السياسية فيها يؤثر بالتبعية على سياستها الخارجية، خاصة في ملف قضية مياه النيل، وبالتالي كان الدور المصري والسوداني مؤثراً في تلك الأوضاع، فضلاً عن الأوضاع الأمنية في المنطقة، والتي تتسم بالتوتر لاسيما انتشار الإرهاب، والذي يؤثر بالتبعية على دول المنطقة، خاصة إذا اشتعلت بالصراع المسلح، والانقلابات العسكرية، التي تتميز بها دول القارة، كما حدث في أزمة بوروندي، هنا يُثار تخوف لدى المجتمع الدولي لاسيما دول الجوار الإقليمي من استغلال تلك الصراعات لتزايد حراك الجماعات الإرهابية، وتفشي الإرهاب في المنطقة.
المطلب الأول: تداعيات الأزمة على الأوضاع في البلاد:
إذا كان تفاقم الأزمة في بدايتها قائم على الصراع السياسي، بين النظام وأحزاب المعارضة، التي شملت الجماعتين العرقيتين (الهوتو والتوتسي)، فإن التداعيات التي تبعتها لم تقتصر على الصعيد السياسي فقط، بل امتدت تبعات الأزمة على كافة الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والأمنية، والاجتماعية أيضاً، لتعصف بالحياة المعيشية للشعب البوروندي، الذي عاني مراراً وتكرارًا منذ الحرب الأهلية في التسعينيات حتى وقتنا هذا، وهذا ماظهر جلياً في عمليات اللجوء والنزوح لألاف المواطنين، ناهيك عن عمليات القتل والعنف، التي امتدت إلى أرجاء الدولة، حيث يعاني الشعب جراء فساد النظام وأطماعه بالمشاركة مع المعارضة المسلحة الطامحة للوصول إلى السلطة والثروة، ثم القوى الدولية التي تختلف في استراتيجياتها، وسياستها تجاه الدولة الهدف.
أولاً: تداعيات الأزمة على الصعيد السياسي
انهيار الأوضاع السياسية كانت أحد تداعيات الأزمة، فرفض النظام لمطالب المعارضة بالتنحي عن السلطة، وعدم تعديل الدستور كانت أهم العوامل في تفجر الأزمة السياسية في البلاد، والتي أعقبها تظاهرات حادة، وأعمال عنف، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشل لرئيس المخابرات السابق غودوفروا نيومباري؛ ليضعنا هذا الأمر أمام عدة اعتبارات تتمثل في الأتي:
-
- رفض النظام لمطالب المعارضة والشعب، أدي إلى انقلاب على السلطة، أعقبه قمع هذا الانقلاب، الأمر الذي دل على عمليات الانقسام السياسي داخل السلطة نفسها. وهو ما ينذر بمحاولة تسلح جماعات من تلك النخب السياسية ذات المناصب العليا، كما حدث مع رئيس المخابرات نيومباري، واستطاع أن يجند مجموعة من الجيش لصفِّه، الأمر الذي ينذر بتكرار تلك المحاولة ممن يكنون الغضب على النظام، خاصة مع معاناة الكثير منهم من التهميش 1 .
- بالرغم من محاولة وزير الدفاع في بوروندي الميجر جنرال بونتين جاشيوبوينجي لتهدئة حدة التوتر في الدولة حيث قال” إن أحدًا لا يستطيع أن يرغم الجيش على انتهاك الدستور، أو اتفاق أروشا للسلام (الموقع في أغسطس 2000)، الذي أنهى حربًا أهلية استمرت 12 عامًا” مضيفًا “لن يكون هناك من يوجه الجيش لانتهاك اتفاق أروشا أو دستور البلاد”، مع دعوته للساسة إلى احترام الوثيقتين، فإن تقارير أوضحت أن جيش بوروندي غير متماسك، باعتبار أنه يتألف من مجموعة ميليشيات، تتوزع على كوتات (حصص) إثنية 2 .
وهذا بدوره يزعزع الاستقرار في الدولة مع اتجاه كل جماعة عرقية في الجيش إلى الفصيل الذي تنتمي إليه، أو انتماءها سياسياً للقادة الذين يرون الأولوية لهم في الحكم والسلطة، وهو ماحدث بالفعل مع رئيس المخابرات ورئيس القوات المسلحة غودوفروا نيومباري، الذي أقام الانقلاب الفاشل، مما أدى إلى عنف واسع النطاق في الدولة بين من يتبعون الرئيس، ومن ضده من الجيش، وهذا يدل على أن تلك المؤسسة غير مستقلة بذاتها لخدمة الدولة ككيان له وحدته دون الانحياز لجماعة عرقية ضد الأخرى، أو فصيل سياسي ضد الأخر، وهو ما عزز تصاعد الصراع بين الحين والأخر على السلطة، والثروة أيضًا. - كذلك عدم تلبية مطلب المعارضة من قبل القوى الإقليمية، والدولية، خاصة بعد تهاونها في عزل الرئيس أدى إلى مواجهة مسلحة مع المليشيات التابعة للرئيس، سقط على أثارها المئات من الضحايا، وفرار الألاف إلى الدول المجاورة. خاصة مع إصرار حكومة بوروندي على رفضها الاعتراف بوجود جماعة سياسية مسلحة، بالرغم من وجود أدلة دامغة بوجود مثل هذه الجماعات المسلحة، والمنظمة، والتي تقوم بعدة عمليات داخل البلاد. بالرغم من استمرار المفاوضات بين السلطة والمعارضة على تسوية الأزمة السياسية في البلاد، وذلك بوساطة إقليمية ودولية، حتى الأن 3 .
فبالرغم من عقد اتفاق في بوروندي في ديسمبر من عام 2015م حول التسوية السلمية بين المعارضة والنظام، إلا أن الحكومة البوروندية أثبتت تعنتها في رفض طلب الرئيس الأوغندي بالعفو عن أعضاء تحالف المعارضة، والمتمثل في المجلس الوطني لإعادة اتفاق أروشا، وسيادة القانون والمعروف بالفرنسية باسم “كناريد CNARED ” والتي تُعارض ترشح الرئيس لولاية ثالثة وكان لها دوراً في محاولة الانقلاب، حيث وصفتها الحكومة البوروندية بأنها “منظمة إرهابية”، واتهمتها بالوقوف وراء الهجمات على قوات الأمن، وتجنيد عدد من اللاجئين الذين يعيشون في البلدان المجاورة 4.
حيث يعتبر الاتحاد الأفريقي كناريد، التي تضم اثنين من الرؤساء السابقين، ومجموعة من قادة المجتمع المدني، المظلة لكافة مجموعات المعارضة. وبالتالي سعى لإجراء مفاوضات بين تلك المعارضة والحكومة، والتي رفضت الأخيرة إجراء مفاوضات معها، مع رفض تدخل الاتحاد الأفريقي في الدولة 5 .
الأمر الذي شجع العديد من أحزاب المعارضة على قرار نشر قوات دولية لحفظ السلام تابعة للاتحاد الأفريقي، وهو مارفضه الرئيس نكورونزيزا، وهدد بمواجهتها، من ثم كان قرار الأمين العام للأمم المتحد بان كي مون على نشر قوات شرطة تابعة للأمم المتحدة لحفظ الأمن في بوروندي بمثابة خيبة أمل للمعارضة، التي كانت تهدف لإزاحة نكورونزيزا بقرار دولي، وحقن العنف، وقمع النظام، وعلى رأسها ليونس نغينداكومانا رئيس حزب فروديبو المعارض، الذي قال لوكالة أنباء رويترز ” أن قرار الأمم المتحدة لا يجلب شيء لنا، أننا لا نريد شرطة الأمم المتحدة، ولكن نريد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، والتي سوف تمنع بوروندي من الانزلاق إلى حرب أهلية أخرى، لأنها ستقوم بنزع سلاح الجماعات المسلحة المختلفة بما في ذلك الميليشيات المتحالفة مع حزب المجلس الوطني للدفاع عن الديمقراطية التابع للنظام CNDD “، كما قال ” إننا بحاجة إلى قوات قادرة على استعادة جيشنا”، مستشهداً باغتيال أحد كبار ضباط الجيش، وارتفاع حالات الفرار من الخدمة بالجيش 6 .
على الجانب الأخر رحبت الحكومة البوروندية بهذا القرار، حيث قال وزير الخارجية البوروندي ألان نياميتوي Alain Nyamitwe ، لوكالة الأنباء رويترز “أن قرار الأمم المتحدة يعتبر جيد بالنسبة لنا نظراً لأنه يأخذ في الاعتبار كل ما دأبنا على قوله،” كما قال ” عدد قليل من شرطة الأمم المتحدة يمكن أن يساعد في إرساء الاستقرار في البلاد” 7 .
كانت هذه التصريحات المتبادلة، والتي تعبر عن الأراء والأهداف المختلفة من المعارضة من جانب، والنظام من جانب أخر، دليل على اختلاف الأهداف والرؤى، وزيادة التوتر، وتصاعد العنف، القائم على افتقار رؤى استراتيجية واضحة من قبل النظام لاحتواء الأزمة، ودليلاً أيضاً على رضوخ الأمم المتحدة لأهداف الحكومة البوروندية، والمتمثلة في عدم نشر قوات حفظ السلام، واحتواء المعارضة من خلال مفاوضات طويلة الأمد.
من ناحية أخرى بالرغم أن الاتحاد الأفريقي يهدف إلى التسوية السلمية للأزمة مع تحقيق التوائم، والاستقرار السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، أيضاً مع وقف الكورث الانسانية، التي تحيط بالدولة، وعلى رأسها عمليات اللجوء، إلا أنه أحياناً يتحول إلى طرفاً في الصراع في الدولة، ومن ثم يصبح انغماثه في الصراع بمثابة فشل للمنظمة كأداة لحفظ الأمن والسلم في القارة الأفريقية، خاصة وأن الدولة التي تعاني من أزمات، وتصاعد عنف فيها لا تتعامل معه باعتباره منظمة فوقية ترضخ لها كافة الدول لحل السلم والأمن، وإنما يتم التعامل معه كقوة غازية، وهذا ماحدث في موقف بوروندي تجاه قوات الاتحاد الأفريقي، والتي رفضت تدخله لإحجام الصراع المسلح بين الحكومة البوروندية والمعارضة المسلحة، ناهيك عن السلبيات التي يتميز بها الاتحاد كمنظمة قارية تعاني من قصور في هيكلها، وتفعيل قراراتها.
ثانياً: تداعيات الأزمة على الصعيد الاقتصادي
إن الصراع السياسي في الدولة، وعجز الحكومة عن تفعيل التنمية، قد انعكس بالتراجع على النشاط الاقتصادي، والذي أدى بدوره إلى ازدياد انتشار الفقر، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية، وتفاقم نسبة الديون في الدولة. ومع تفجر الأزمة الأخيرة قد زاد الوضع سوءاً على النشاط الاقتصادي، والدخل القومي، والذي تأثر بالسلب مع عمليات اللجوء والنزوح، وهروب الاستثمارت الأجنبية.
حيث يعاني 67% من البورونديين من الفقر، كما يعاني 61% من الأسر من انعدام الأمن الغذائي، نتيجة تقلبات المناخ، وانخفاض خصوبة التربة، وارتفاع أسعار الأغذية، مع انخفاض مستوى التعليم، حيث لا تتجاوز نسبة القادرين على القراءة، والكتابة 51%، فضلاً عن انخفاض مستوى الصحة، فلا تتوافر الرعاية الصحية، والأدوية سوى لنحو 20% من السكان، مع ارتفاع معدل وفيات الرضع، وخاصة الأطفال دون سن الخامسة إلى 5 , 38 % ، بالإضافة لاستمرار انتشار مرض الأيدز، الذي ازدادت نسبته في المدن أكثر من المناطق الريفية 8 .
كما زادت هذه الأوضاع مع انفجار الأزمة، والتى ألقت بظلالها السيئة على الوضع الاقتصادي الذي يعاني بالأساس من العوامل سابقة الذكر، مما يوضح مدى عجز الحكومة على احتواء تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وعدم القدرة على تبني استراتيجية تنموية تهدف إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي للدولة بما يحقق الاستقرار الاقتصادي والسياسي، والأمني باعتبارها حلقة دائرة ترتبط ببعضها البعض.
فمع انطلاق الاحتجاجات يوم 26 أبريل 2015م، ازدادت مظاهر وهن الاقتصاد البوروندي، وشملت أكثر من مستوى بما في ذلك نقص مخزون العملة الصعبة، والارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الأولية، وفي أسعار الوقود، والنقص المزمن على مستوى هذه المادة الحيوية، فضلاً عن نسق إنتاج شديد التباطؤ، وانخفاض سعر العملة المحلية بشكل كبير أمام الدولار؛ حيث بلغ سعر الدولار الواحد 2050 فرنك بوروندي، فيما لم تكن قيمته تتجاوز 1600 فرنك في 25 أبريل 2015م، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبلوغ عجز الموازنة العامة ما قيمته 27.5 مليون دولار، حيث لا يتعدى الناتج القومي الخام 280 دولار للفرد الواحد، بحسب تقرير “دوينغ بيزنس 2015” الصادر عن البنك الدولي 9 .
لم يقف الوضع عند هذا الحد بل وصلت الحالة الاقتصادية إلى حد الركود على كافة القطاعات، ففي سبتمبر 2015م كان النمو الاقتصادي أقل من الصفر، بعد نمو 7 , 4% عام 2014م، فضلاً عن تراجع الخزانة العامة، التي كان من المستهدف أن تجمع من الضرائب نحو 720 مليار فرنك بوروندي، في حين أنها جمعت 590 مليار فرنك بوروندي (376 مليون دولار) فقط. وقد ازداد الوضع سوءاً مع تجميد كلاً من الاتحاد الأوروبي، وبلجيكا، والولايات المتحدة مساعداتها إلى الدولة، وهو ما أقر سلباً على الأوضاع الاقتصادية بشكل عام 10.
فضلاً عن الانخفاض في الاستثمارات الأجنبية، مع انخفاض في استهلاك الأسر المعيشية من المواد الغذائية، مما يجعل من الصعب أن تصل توقعات للنمو بنسبة 5.8 في المائة، بالتالي هناك احتمال من الارتفاع في معدل استهلاك العائدات الداخلية، والتي تؤثر بدورها على الناتج المحلي الإجمالي، فضلاً عن عزم الشركات المتعددة داخل الدولة من تأجيل نشاطها وتمويلها إلى بعد الانتخابات المقررة، يليها تراجع دور شركات القطاع الخاص، والتي أثرت بدورها على إيرادات الدولة، والوضع الضريبي، مع انخفاض الدعم الخارجي، وكلها عوامل أثرت بشكل كبير على الاقتصاد، والتي تؤدي بدورها إلى اتجاه الدولة للاقتراض الخارجي سواء من البنك الدولي، أو المؤسسات الداخلية، مع إصدار سندات الخزانة لسد عجز الدين 11 .
ويبين الجدول رقم (5) معدل ممارسة الأعمال المختلفة DOING BUSINESS 2016 RANK) DB 2016 Rank ) لعامي 2015م و2016م.
Source: World Bank Group, Ease of Doing Business in Burundi, Doing Business, 2016. الرابط
يبين الجدول كثافة الأعمال الجديدة، وعدد من الشركات، التي تم إنشاؤها وغيرها من معدل ممارسة الدولة للأعمال المختلفة، حيث وصل معدل البدء بالأعمال التجارية Starting a Business من 18 في عام 2015 إلى 19 في عام 2016 بفارق معدل واحد فقط، ففي عام 2016 نجد معدل السماح لإنشاء البناء في الدولة Dealing with Construction Permits بلغ 165، أما معدل الحصول على الكهرباء Getting Electricity وصل إلى 185.
كما وصل تسجيل الممتلكات Registering Property إلى 94، في حين أن معدل الإئتمان Getting Credit وصل إلى 147، وحماية الأقلية من المستثمرين Protecting Minority Investors وصلت إلى 115، أما في معدل دفع الضرائب Paying Taxes نجدها 111، ومعدل التجارة عبر الحدود Trading Across Borders نجدها 154، وهما نسبتين لم تتغير من 2015 حتى 2016، أما في معدل إنفاذ العقود Enforcing Contracts فبلغ 146، Resolving Insolvency 145، وذلك بالمقارنة مع عام 2015 12 ؛ وذلك بالرغم من أن بوروندي سجلت أفضل إصلاحات في مجال ممارسة الأعمال، خاصة فيما يتعلق ببدء نشاط الشركات لعامي 2011، 2012 ، حيث قامت بإنشاء نافذة واحدة لكافة الإجراءات في “هيئة عوائد بوروندي”؛ مما أدى إلى تخفيض عدد الإجراءات اللازمة لتسجيل الشركات، وتقليل النفقات الإجمالية من 117% إلى 18% من نصيب الفرد من الدخل، مع تخفيض الزمن في التسجيل 13 .
بالتالي يتضح من تلك النسب تزايد معدلات ممارسة الأعمال، والأنشطة الاقتصادية في عام 2016 عنها في عام 2015، حيث ارتفعت تلك النسب بالسلب في عام 2016 بالمقارنة بعام 2015م، خاصة بعد اندلاع الأزمة.
أيضاً نجد أن هذا الوضع الاقتصادي قد جعل بوروندي في أواخر الدول الإقليمية فيما يتعلق ببيئة الأعمال التجارية لعامي 2015، و2016، والتي تهتم فيها تقارير البنك الدولي حول “ممارسة الأعمال”، حيث يقوم فريق إعداد التقرير بالقياس الدقيق لمقدار الوقت، وعدد الإجراءات، والحد الأدنى لرأس المال، وإجمالي النفقات اللازمة لتسجيل شركة ذات مسئولية محدودة في نحو 168 دولة حول العالم، بالتالي تحرص معظم الدول على مراقبة تصنيفها وترتيبها، وتبادر ببذل جهود حثيثة نحو تحسين موقفها، وبالرغم من أن بوروندي سجلت أفضل إصلاحات في ممارسة الأعمال لعام 2013م 14 ، نجد تراجع النسبة لعام 2015م، و 2016م بالنسبة لباقي دول المنطقة أو على الصعيد الدولي 15 .
كما يوضح الجدول رقم (6) مقارنة الاقتصاد البوروندي مع اقتصاديات دول الجوار فيما يتعلق ببيئة الأعمال.
Source: World Bank Group, Doing Business 2016- Measuring Regulatory Quality and Efficiency – Economy Profile 2016 in Burundi , World Bank Group Flag ship Report (Washington: World Bank Group, 2016), p,8.
في مقارنة مع اقتصاديات دول الجوار بعد الأزمة نجد التراجع الاقتصادي في بيئة الأعمال المختلفة، حيث يوضح الجدول رقم (6) مدى تراجع الاقتصاد البوروندي على المستوى الإقليمي بالمقارنة مع اقتصاديات دول الجوار، فالدول التي تقترب من مؤشر الصفر تتميز بأسوأ أداء بالمقارنة مع دول الجوار، أما الدول التي تقترب من مؤشر 100 تصل لأفضل الأداء في المستوى الاقتصادي، حيث يبين الجدول اقتراب مؤشر الاقتصادي لبوروندي من الصفر، حيث تحتل المرتبة الأخيرة بمعدل 82 , 48 وتحتل المرتبة 152 في ترتيب الدول مع الانخفاض في الدخل القومي، يليها الكونغو الديمقراطية حيث تتقدمها باقي دول شرق أفريقيا 16 .
أثر هذا التراجع الاقتصادي أيضاً على القطاعات المختلفة في الدولة مثل قطاع التعليم، والصحة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني، ما أدى إلى زيادة التوترات والعنف في البلاد. مما ينذر بمزيد من الركود، وانتشار الفقر بشكل كبير، مع التأثير بالسلب على المواطن، وباقي القطاعات المختلفة في الدولة، ومن ثم يؤثر على الاستقرار الأمني، نتيجة عدم تلبية احتياجات المواطن بشكل طبيعي.
ثالثاً: تداعيات الأزمة على الصعيد الأمني
انهيار الأوضاع السياسية في البلاد لها انعكاس كبير على الأمن والاستقرار، ومن ثم فإن عمليات الاحتجاجات الأخيرة قد ألقت بظلالها السيئة على الوضع الأمني، حيث شهدت بوروندي مع اشتعال التظاهرات عمليات قتل واسعة من قبل السلطة الحاكمة، مع زيادة عمليات إطلاق النار بين القوات الموالية للرئيس نكورونزيزا والمليشيات التابعة للمعارضة المسلحة، الأمر الذي أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى، مع اشتعال الاضطرابات الأمنية في البلاد منذ بدء التظاهرات.
بالتالي فإن الواقع الأمني السيء لم يؤثر فقط على الحالة الاقتصادية بالتراجع، وهروب المستثمرين الأجانب من الدولة، بل أثَّر على الحياة الاجتماعية الأخرى سواء التعليم أو الصحة، ففي كثير من الأحيان أثناء الحرب الاهلية كانت تتخذ المعارضة المسلحة المدارس ملجأ لها، مع فرار المعلمين من الدولة إلى الدول المجاورة لاستهدافهم، الأمر الذي أدى إلى انتشار نسبة الأمية في البلاد، أثَّر بدوره على الصحة من خلال استهداف المستشفيات والأطباء، لاسيما وإن كانوا معارضين، وما يزيد الوضع حدة وهو عمليات اللجوء الكبيرة إلى الدول المجاورة التي يلجأ إليها فئات كبيرة من المجتمع خوفًا من عمليات الإبادة الجماعية، وبطش النظام من جانب، والمعارضة المسلحة، والمليشيات التابعة لها من جانب أخر، وهي أمور لا تؤثر على الدولة فقط بالانهيار بل تؤثر على دول الجوار في تحملها عبئ اللاجئين، مع الخوف من امتداد الحركات المسلحة إليها، ومن ثم يمتد الصراع على نطاق واسع، وبالتالي قد أثرت كل هذه العوامل على الدولة البوروندية نتيجة تصاعد الأزمة الأخيرة، بل ومازالت الدولة وشعبها تعاني من عدم الاستقرار الأمني حتى الأن.
ففي أعقاب الأزمة داهمت القوات الأمنية المنازل في العاصمة البوروندية بوجومبورا لتنفيذ نهاية مهلة نزع السلاح، التي حذر دبلوماسيون ومحللون أنها يمكن أن تزيد الوضع الأمني المتدهور بالفعل اشتعالاً، وتنقله إلى عنف واسع الانتشار، حيث لجأ خمسون ألف بوروندي إلى البلدان المجاورة. وطبقًا للأمم المتحدة فعلى الأقل قُتل مائتي شخص منذ أبريل 2014م، في حين هرب ما يقرب من المائتي ألف خارج البلاد 17 .
حيث مثلت نهاية المهلة التي أقرها نكرونزيزا نقطة تحول في الصراع، والتي حذر منها دبلوماسيون غربيون من إمكانية وقوع مذابح جماعية، فقد قالت سامنثا باور سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في بيان في الخامس من نوفمبر 2015: “إن الولايات المتحدة تعبر عن قلقها البالغ من أن المهلة المحددة بخمسة أيام، والتي أطلقها الرئيس سوف يعقبها عمليات عنف واسعة ستشهدها البلاد في نهاية الأسبوع”. وذلك مع تهديد الرئيس بوسم المعارضة بأنهم “أعداء البلاد” و”إرهابيين”، والتي يراها العديد من المحللين أنها تصريحات مشابهة للغة الخطاب المستخدمة لإذكاء نيران المذابح الجماعية في رواندا المجاورة عام 1994. على الصعيد الأخر قال رئيس مجلس الشيوخ في بوروندي القس نديكورجيا: “اليوم ستطلق الشرطة الرصاص على قدميها بأيديها، ولكن عندما نقول لهم حينئذ اذهبوا لـ “العمل”، فلا تأتوا تبكوا إلينا حينئذ” 18 .
هذا التصعيد من قبل الطرفين قد اتضح في أعقاب الأزمة، التي خلفت العديد من القتلى والمصابين، واللاجئين خارج البلاد، فتصريح الرئيس والرد من قبل المعارضين كان دليلاً دامغًا على مدى تصاعد العنف بين الطرفين، وفشل أي تسويات نحو الاستقرار الأمني، والسياسي، في تحدي من قبل النظام من جهة، والمعارضة من جهة أخرى، وكذلك المنظمات الحقوقية، التي أدانت تلك التصريحات العنيفة، والتوعد من قبل الطرفين. في وقت لم تتخذ فيه الأمم المتحدة قراراً رادعاً لحماية المدنيين في الدولة، التي تذهب ضحية النزاع المسلح، سوى الإدانة لأعمال العنف، من ثم شرعت في التهديد بقوات دولية على الأرض في خطوة منها نحو تفعيل الاستقرار، والذي لم يقابل سوى بالاستهجان من قبل الحكومة، فإصرار الأخيرة على محاربة أي قوات دولية دليلاً على تدعيم النظام من بعض القوى الكبرى، الذي استطاع من خلالها أن يستمر في البقاء في السلطة، وتحدي أي قوات دولية نادت بها الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأفريقي، وهو الذي أتاح عمليات القتل، والاغتيالات المتعددة من قبل النظام، والتي اتخذت اتجاه تصعيدي مع التفجيرات، التي حدثت في العاصمة بوجمبورا، وبعض المناطق الأخرى.
فعلى مر عدة أشهر ظلت جثث المعارضة تظهر في الأحياء، التي يقيمون فيها، ويعتقد أن حالات القتل الجماعي، التي تحدث خارج نطاق القضاء يقوم بها أفراد من الجيش والشرطة، ويرتدون زيهم الرسمي أيضًا. وكتبت كارينا تيرتساكيان من منظمة هيومان رايتس واتش قائلة: “هناك حالة مخيفة من غياب القانون في البلاد، ويبدو أن السلطات تستغلها ذريعة لتبرير القمع الوحشي، فعمليات القتل المدفوعة سياسيًا تحدث في وضح النهار، ونادرًا ما يتم القبض على مرتكبي تلك الجرائم” 19 .
بالتالي وثقت منظمة هيومان رايتس ووتش مقتل أكثر من مائة شخص في الأشهر الثلاثة الأخيرة وحدها، بعضها كانت عمليات اغتيال مدفوعة سياسيًا، وبعضها كانت عمليات قتل ليلية غير معروفة الأسباب، وبعضها تم على يد ضباط من الشرطة، حيث قالت المنظمة ” أن قوات الشرطة تذهب إلى أحياء المعارضة وتقتل الكثير من السكان، معظمهم من غير المسلحين، إن هذا هو نوع القتل الذي نخشى من أنه سيتصاعد في أعقاب انتهاء الهدنة الحكومية” 20 .
حيث اضطر فعليًّا نحو 200 ألف شخص للفرار من البلاد، وتشرَّد داخليًّا أكثر من 79 ألف آخرين، كما ذكر موقع أفريكان آريجمنتس: وفقًا للمفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، هناك ما لا يقل عن 400 شخص قتلوا في فترة قصيرة، أما الأفراد الذين شاركوا في الاحتجاجات أو غيرهم من الذين ينتمون إلى أحزاب المعارضة، ألقى القبض عليهم، أو اختفوا، أو قُتلوا على يد أفراد الشرطة، مما جعل المعارضة تشن هجمات منسقة، ومسلحة على المنشآت العسكرية، مما أسفر عن قتل العشرات 21.
بالرغم من تلك التصريحات التي أقرتها ووثقتها المنظمة الدولية من أعمال القتل، والقمع، والانهيار الأمني في البلاد، إلا أن مجلس الأمن، وكذلك الاتحاد الأفريقي قد وقف عاجزًا عن التصدي لتلك الانتهاكات، التي انهار على أساسها الوضع الأمني في البلاد، وأعطت الرخصة سواء للنظام أو مليشيات المعارضة بانتهاكات حقوق الإنسان، التي كانت متفشية في أنحاء متفرقة، وتحت سمع وبصر المجتمع الدولي. إن عدم احترام القانون الدولي، وميثاق حقوق الإنسان، وعدم وجود أداة رادعة سواء للنظام أو الجماعات المسلحة، التي ترتكب أعمال إجرامية قد أتاحت الفرصة لتلك الجماعات وعصابات الجريمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وانتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع.
وهو الأمر الذي دعى الحكومة البوروندية على الموافقة على طلب الأمم المتحدة إرسال مراقبين عسكريين ومنظمات حقوق الإنسان لمراقبة الوضع الأمني والإنساني بعد اشتعال الأزمة وإجراء الانتخابات، حيث وافقت السلطات البوروندية على زيادة عدد مراقبي حقوق الإنسان إلى 200 عضو ، مائة لمراقبي حقوق الإنسان، و(100) من الخبراء العسكريين للاتحاد الأفريقي ، حيث دعت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لانتشارها الكامل والسريع في بوروندي، إلا أنه تم حتى الآن نشر مراقبين لحقوق الإنسان مابين 15 و 30 مراقباً عسكرياً، وقد حثت ” حكومة بوروندي “وغيرها المعنية من أصحاب المصلحة لتزويدهم بالتعاون التام من أجل تيسير تنفيذ ولايتها 22 . خاصة بعد موافقتها على السماح للأمم لمتحدة بإرسال شرطة تابعة للأمم المتحدة لمراقبة الوضع الأمني في البلاد، وتفعيل الاستقرار في الدولة.
المطلب الثاني: تداعيات الأزمة على دول الجوار الإقليمي وشرق أفريقيا:
نجد إن تصاعد التوتر في بوروندي دفع تلك الدول إلى التأثير في مسارات الصراعات الداخلية، وتطوراتها في الدول، التي انطلقت منها تلك النزاعات، وهو ما يسهم في تعاظم آثارها بشكل ربما يقوّض الاستقرار السياسي في المحيط الإقليمي للصراع 23 ، مع تحيز العديد من الدول تجاه طرف ضد الأخر، وهو ما يزيد من توتر الأوضاع في البلاد، مع اختلاف المصالح والأهداف، والتي تنعكس أثارها على المحور الإقليمي، وهو مازاد من اشتعال الأزمة في بوروندي، نتيجة عدم اتخاذ أي إجراءات صارمة تمنع ترشح الرئيس مرة ثالثة، خاصة وأن العديد من المواقف الاقليمية كانت مع ترشح الرئيس في النهاية، وإعطاءه فرصة أخرى، ويرجع ذلك نتيجة العلاقة الوطيدة بين دول الجوار ونكورونزيزا، خاصة وأن العديد من أنظمة هذه الدول مازالت تعاني من إشكالية التعديلات الدستورية، كما في رواندا، وأوغندا، وتنزانيا، والكونغو.
فهناك دول مررت فيها التعديلات، وأخرى على حافة الدخول في التعديلات الدستورية، بالتالي فإن الدول التى تطمع في فترات رئاسية أخرى كأوغندا، والكونغو، كان وقوفها مع الرئيس البوروندي مؤكداً، وذلك لكي يفتح لها الطريق في تأييدها عند تعديلها للدستور مع انتهاء فتراتها الرئاسية. فضلاً عن تخوف الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي من أن يتحول العنف السياسي إلي حرب أهلية تصل مداها إلى دول الجوار مثل رواندا، التي تعد واحدة من اقتصاديات الإفريقية الصاعدة والكونغو الديمقراطية غير المستقرة التي تمر بأزمات مشابهة.
أيضاً نجد تفاقم الأزمة ينذر بمزيد من عدم الاستقرار على كافة دول البحيرات العظمى، التي تمتد فيها قبائل الهوتو والتوتسي، والتي شهدت صراعات محتدمة في دولها خاصة في رواندا عام 1994، والكونغو الديمقراطية، التي عرفت حربين متتاليتين (1996، 1997) و(1998، 2003)، أدّت إلى سقوط أكثر من 5.4 ملايين شخص بسبب الأعمال العسكرية، وتداعياتها، حيث كان دعم بوروندي للمتمردين ضد نظام موبوتي في الكونغو في التسعينيات التي اتهمته بدعم المتمردين من الهوتو أمرًا مباشرًا 24 .
من ثم يصبح إشعال إرهاصات الصراعات الماضية، وتفعيل نشاط، وحراك الجماعات المتمردة في بوروندي نتيجة اشتعال الأزمة، واتصالها مع جماعات المعارضة المسلحة بالكونغو، وغيرها بالدول الإقليمية يؤثر سلباً على العلاقات مع دول الجوار كافة، وتدويل الحرب والصراع المسلح في منطقة البحيرات العظمى. والتي تؤدي إلى تهديد مباشر للمصالح الغربية في المنطقة، وتعطي الرخصة لتزايد حراك الجماعات الإرهابية النشطة في المنطقة، وهو الأمر الذي يتخذ أبعاداً متعددة تلعب فيه القوى الإقليمية والدولية دورها في تعاظم مصالحها بالمنطقة على حساب الأخرى في حرب لايخرج منها خاسراً سوى شعوب المنطقة سواء بالإبادة، أو التشريد، أو اللجوء، والذي يعقبه كوارث إنسانية عدة.
حيث اتخذت الأزمة تداعيات متعددة أثرت على الدولة من الناحية السياسية، والأمنية، والاقتصادية، وكذلك الاجتماعية، وانعكست أثارها على دول الجوار، منها عمليات اللجوء إلى الدول المجاورة، حيث فر أكثر من 000 110 لاجئ إلى رواندا، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وتنزانيا، كما تقول تقارير أخرى أن عدد من فروا من بوروندي منذ أبريل 2014م وصل إلى مايقرب من 167,000 من البورونديين 25 .
الأمر الذي زاد من أعباء تلك الدول في استقبال اللاجئين، وتوفير مسكن، وبنية تحتية في دول يعاني شعوبها من فقر متزايد، من ثم ينذر وجود الألاف من اللاجئين إلى انتشار الأمراض والأوبئة، حيث أكدت سلطات الصحة التنزانية حالات إصابة بالكوليرا في أحد المخيمات السكنية البورونديين في الشمال الغربي البعيد، على ضفاف بحيرة تنجانيقا. كما ذكرت الأمم المتحدة لوكالة اللاجئين أنه قد توفي نحو 307 من الأشخاص كانوا يعانون من الإسهال الحاد، مما يوحي بأن عدد الوفيات في صفوف اللاجئين قد ترتفع بشكل كبير 26 .
ناهيك عن المخاطر الناجمة من تحالف المعارضة المسلحة مع المعارضين، اللذين لجئوا لتلك الدول لتتكون ميليشيات مسلحة كبيرة تهدد الاستقرار في المنطقة بأكملها، وهو الأمر الذي شجع العديد من الدول للإسراع في تسوية الأزمة خوفاً من تفاقم الأوضاع الإنسانية، وامتدادها إلى باقي المنطقة بالشكل الذي يصعب السيطرة عليه، مع التهديد بحرب واسعة النطاق لامتداد المعارضة المسلحة إلى تلك الدول. بالتالي لم تكن هذه الدول بمنأة عن تداعيات هذه الأزمة من حيث التأثير على اقتصادها، أو وضعها الأمني، أو السياسي، وهو ما نجده على النحو التالي في بعض دول الجوار وهي:
1- رواندا
على الصعيد الاقتصادي، أثر تصاعد العنف في بوروندي، على حركة التجارة عبر الحدود مع رواندا، حيث صرح فريد سيكا رئيس الجمعية الرواندية لوكلاء الشحن، والتخليص الجمركى، أن الأزمة آثرت سلبًا على الاقتصاد المحلى والإقليمى على حد سواء، حيث تخضع شاحنات البضائع من مومباسا، وأوغندا لعدة فحوصات أمنية عند دخولهم الأراضي البوروندية، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض حجم التبادل التجاري في المنطقة. مع تأثيرها على شركات النفط، التى تأثرت بتراجع بيعه للدول المجاورة، مع إعاقة حرية الحركة للاشخاص، والبضائع 27 .
أما على الصعيد السياسي، فقد كان هناك تخوف من قبل النظام الرواندي من امتداد الصراع إلى الدولة، وتفاقم الأزمة السياسية مع سعى الرئيس الرواندي بول كاغيمي للترشح لولاية ثالثة، بالرغم من تلويحه باحترام الدستور، فبموجب دستور2003م، يُمنع الرئيس من المشاركة في انتخابات 2017 الرئاسية، بعد استمراره في الحكم لمدة 14 عامًا، إلا أنه ظل يؤكد أنه لا يوجد بلد في العالم لا يمكن فيه تعديل الدستور.
هذا الأمر يضع الدولة في وضع سياسي متوتر مع احتمال اشتعال المعارضة نتيجة هذا التصريح على غرار ماحدث في بوروندي، إلا أن الفيصل هنا هو مدى قدرة النظام على تطور الدولة، وتنميتها، وهو ما اختلف عن الوضع البوروندي، وظهور الوعي السياسي نتيجة التنمية، والدعم الأمريكي له، إلا أن ذلك لا ينفي ما قد يحدث في رواندا على إثر اعلان الرئيس لترشحه لولاية ثالثة، ليتكرر سيناريو بوروندي، وهو الأجدر بالحدوث للتشابه في كافة المظاهر بين الدولتين.
أما على صعيد العلاقات، فقد تميزت العلاقات السياسية الرواندية البوروندية بمزيد من التعقيد على إثر اندلاع الأزمة الأخيرة، حيث كان هناك تبادل للاتهامات بين بوجمبورا وكيغالي، فقد اعتبرت كلا الدولتين أن عاصمة الأخرى داعمة لمعارضيها،” حسب ماذكر تييري فيركولون Thierry Vircoulon ، مدير مشروع وسط أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية. حيث انتقد الرئيس الرواندي قرار نكورونزيزا للسعي إلى فترة ولاية ثالثة، واتهمه بإيواء جماعة من المتمردين الروانديين، كما اتهمت “كيغالي الحكومة البوروندية باستضافة بعض عناصر قوات الديمقراطية لتحرير رواندا (القوات الديمقراطية لتحرير رواندا) في بوروندي، والسماح لها بحرية التنقل بين بوروندي والكونغو 28 .
في الوقت نفسه، اتهمت الحكومة البوروندية كيغالي بدعم معارضيها، ” حيث تستقبل رواندا أكثر من 30000 لاجئ بوروندي، وتقارير أخرى ترصد حوالي 75 ألف لاجئ. بالتالي كان هناك تخوف في بوروندي من دعم اللاجئين، حيث طردت بوروندي الدبلوماسي الرواندي “نياروهيريرا “، لاتهامه بالسعي إلى زعزعة الاستقرار في البلاد. وفي الوقت نفسه، اتهم المسؤولين البورونديين بمساعدة محاولة الانقلاب، ودعم المقاتلين في شمال بوروندي، وهو ما صرح به المتحدث باسم الحكومة البوروندية فيليب نزوبوناريبا أثناء اعتراضه على نشر قوات دولية في بوروندي، حيث اتهم رواندا بمساندة المتمردين، الذين يقومون بتجنيد لاجئين بورونديين بالقول “من الأفضل لهم أن يطاردوا من هم بالمعسكرات في رواندا حيث يتدرب مثيرو الاضطرابات” 29 .
وهو مانفته الحكومة الرواندية، خاصة بعد اتهام منظمة الأمم المتحدة، والولايات المتحدة رواندا بتجنيد، وتدريب اللاجئين أيضاً، وتسليحهم لإسقاط الحكومة البوروندية، مع إصدار المبعوث الأمريكي لمنطقة البحيرات الكبري الأفريقية، توماس بيرلو، تقريراً يتهم بتجنيد اللاجئين، بما فيهم الأطفال، ودفعهم إلى بوروندي. من ثم عزمت الحكومة الرواندية على طرد اللاجئين من الدولة، حيث قالت وزيرة الخارجية الرواندية لويز موشيكيوابو، ” إن حكومتها لن تتحمل الاتهامات المرسلة، التي تطلقها الحكومة الأمريكية، ومنظمة الأمم المتحدة، وسوف تبدأ على الفور في التخطيط لنقل اللاجئين إلى دولة ثالثة”، كما أضافت بالقول ” إن الأمن القومي لرواندا يتعرض لمخاطر متزايدة، بسبب اللاجئين البورونديين، ونواجه اتهامات لا أساس لها من الصحة بتدريبهم، وتسليحهم، ضد الجارة بوروندي، وهو أمر غير مقبول، ولا يمكن التسامح معه” 30 .
من ثم كانت الأزمة لها دوراً فعالاً في تعقيد، وتوتر العلاقات البوروندية الرواندية، التي ظلت تتبادل الاتهامات في دعم المعارضين من كلا الدولتين، وهو ماتستغله المعارضة في توتر الأوضاع مع الدول المجاورة لتصاعد الأزمة على الصعيد الإقليمي، بالتالي ربما يكون هناك تخوفاً على إثر تبادل الاتهامات من امتداد الصراع الى دول الجوار، والتي من المحتمل أن تدعمه قوى دولية إذا استمر الوضع متصاعداً بين الدولتين الجارتين، خاصة بعد تهديد الرئيس الرواندي بطرد اللاجئين من رواندا. وهو مايزيد الوضع الإنساني كارثية، وينتهك حقوق الإنسان، والذي عارضته أيضاً وكالة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتصبح قضية اللاجئين، وتوتر العلاقات الخارجية للدولة، سواء على الصعيد الإقليمي، أو الدولي، أحد التداعيات الخطيرة للأزمة.
2- الكونغو الديمقراطية
تعيش الكونغو مرحلة من التوترات الوثيقة الصلة بالوضع البوروندي، فالصراع الداخلي على السلطة جعلها ليست بمنأة عن التوترات في دو الجوار لاسيما بوروندي، التي تتشابه معها في النظام السياسي أيضًا، مع القرب الجغرافي، وامتداد حركات التمرد إلى الكونغو، ومن ثم فإن الأزمة قد أثرت على الدولة، وامتدت إليها بشكل كبير، خاصة وأن الأخيرة تعيش نفس المرحلة الغامضة في إشكالية التعديلات الدستورية، والتي استطاع فيها الرئيس ساسو انغيسو الذي يبلغ من العمر 71 عامًا، أن يمرر التعديلات الدستورية، ويترشح لولاية ثالثة في عام 2016م، وهو التوجه الذي أيدته نتائج الاستفتاء، الذي تم يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2015، والذي توج بموافقة 92.32% من المقترعين، بما سمح للرئيس ساسو برفع العقبات الدستورية أمام ترشحه في انتخابات 2016م الرئاسية 31 ، من ثم كان تأييد الرئيس في بوروندي امتدادًا لنظام اتخذته العديد من الأنظمة الأفريقية للسيطرة على السلطة، مثل رئيس زيمبابوي، روبرت موجابي، ورئيس غينيا الاستوائية، تيودورو أوبيانج.
فمنذ التسعينات سعت بوروندي للوقوف إلى جانب المعارضة في الكونغو استنادا إلى إيواء نظام كابيلا لحركات المعارضة البوروندية، ومن ثم تدخلت في الصراع لمهاجمة المعارضة في شرق الكونغو، أما في أعقاب الأزمة البوروندية الأخيرة سعت المعارضة البوروندية بعد قمعها إلى اللجوء للكونغو، من ثم فإن تجدد المخاوف من إعادة تسلح المعارضة، وتمركزها في الكونغو هو أمر لا جدال منه مع تزايد عمليات الاعتقالات في الدولة، ونزوح، ولوجوء الألاف إلى الدول المجاورة ومنها الكونغو، بالتالي تجددت المخاوف من تصاعد الصراع المسلح في المنطقة، إلا أنه لم يكن واضحاً أن هناك تنسيق عسكري بين الجيش البوروندي والكونغولي لمحاربة المتمردين في المنطقة، خاصة وأن الكونغو كما ذكرنا تمر بنفس المراحل السياسية، التي مرت بها بوروندي، مع قدرتها على تمرير التعديلات الدستورية 32.
يرى العديد من المحللين أنه من الخطأ بمكان أن يعترف الجيش البوروندي بأن هناك تعاونًا، وتنسيقًا أمنيًا مع الجيش الكونغولي. ولو سعى الجيش لمثل هذا العمل التعاوني مع جيرانه، ربما يزيد من التوتر بين النظام وعامة الشعب، لأنه يعنى زيادة في الميزانية العسكرية، وهي ميزانية لم تكن مدرجة ضمن الميزانية العامة للقطاع الأمني، خاصة وأن الشعب البوروندي يعيش مرحلة ديمقراطية يفترض أنها تتسم بشفافية التسيير، وأن الشعب هو من يدفع فاتورة هذه الميزانية. فضلاً عن عمليات القمع والاقتتال التي ستنال المدنيين بدعوى أنهم من داعمي المعارضة، وهو ما يسبب كوارث إنسانية، وأعمال عنف على نطاق واسع.
أما في جانب حكومة الكونغو(كينشاسا) سمح الجيش الكونغولي لبعض الوحدات من الجيش الرواندي بعبور حدود الكونغو لملاحقة عناصر متمردة من الهوتو. كما سمح أيضًا لبعض الوحدات من الجيش الأوغندى بعبور حدوده لملاحقة عناصر من متمردي جيش الرب بزعامة جوزيف كوني، ونتيجة لهذا التعاون الأمني بين الكونغو وجيرانها كادت تسقط حكومة كابيلا حيث ندد الشعب الكونغولي بموقف الحكومة، واتهمها بالتخاذل، والركون لدول صغيرة على حد وصفهم 33.
هذا الأمر لا يمكن أن يكون بمنأة عن الأزمة في بوروندي، والتعاون مع نظام نكورونزيزا للتنسيق الأمني، وملاحقة المتمردين أيضًا باعتبار أن الأخيرة تعيش نفس الأزمة، مع رغبة كابيلا للترشح لولاية ثالثة.
أيضًا نجد أن هناك العديد من المليشيات البوروندية، التي تعمل خارج البلاد لها دور كبير في التأثير على دول الجوار، ومن أشهر هذه الجماعات ميليشيات “إمبونيراكور” المعروفة بترهيب منتقدي الحكومة، والتي تمولها بعض عناصر الجيش البوروندي بالأسلحة، حسبما كشف تقرير للأمم المتحدة. خاصة مع دخول عدد من متمردي القوات الديمقراطية لتحرير رواندا عبر الكونغو، وبدأوا في إقامة معسكرات لهم 34 .
بالتالي فإن حراك هذه المليشيات المدعومة من الجيش خارج البلاد يؤدي لمزيد من عدم الاستقرار الأمني في منطقة البحيرات العظمى، خاصة إذا استطاعت تلك الجماعات أن توطد علاقاتها مع المليشيات الأخرى، والحركات الموالية لحكومات الدول المجاورة، وهو يعطي إشارة لحرب قد تشمل دول المنطقة مع الجماعات المسلحة المعارضة لتلك الحكومات ومليشياتها، وليس أدل على ذلك من الحروب الأهلية السابقة، التي دارت حول تلك المليشيات التابعة والمعارضة المسلحة. من ثم أصبح التخوف من امتداد الصراع المسلح إلى باقي المنطقة عاملاً أساسياً في محاولة المنظمات الإقليمية والدولية للسعي قدماً لاحتواء الأزمة، والتي تمثلت في قبول التعديلات الدستورية، وترشح الرئيس نكورونزيزا لفترة ثالثة.
3- تنزانيا
لم يكن الوضع أحسن حالاً في تنزانيا على سابقتيها، الكونغو، ورواندا من تداعيات الأزمة في بوروندي، بل امتدت تداعياتها السيئة على الوضع الأمني التنزاني، الذي عانى من عبئ عمليات لجوء ألاف البورونديين نتيجة تصاعد العنف في البلاد، وعمليات القتل، والقمع من قبل النظام من جهة والمعارضة المسلحة من جهة أخرى.
حيث فر أكثر من 90 ألف بوروندي بعد تلك الأحداث إلى ملجأ في غرب تنزانيا، وتم الإعلان عن تفشي وباء الكوليرا في هذا الملجأ الأكثر اكتظاظاً بالسكان 35 .
حيث تشير اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه يوجد الأن أكثر من 50 ألف لاجئ بوروندي في تنزانيا، وأكثر من 60 بالمائة من اللاجئين هم من الأطفال، وبالرغم من أن الأوضاع تشهد تحسنًا في الوقت الحالي، إلا أنّ خطر انتقال مرض الكوليرا لا يزال مرتفعًا جدًا نتيجة عدم توفر المأوى، والمراحيض بشكل كافٍ، وصعوبة الحصول على المياه، والرعاية الصحية الضرورية 36 .
من ثم كان الدور التنزاني أحد أهم الأدوار في السعي لتسوية الأزمة في بوروندي، التي ألقت بظلالها السيئة على الوضع الأمني في الدول المجاورة، وهددت بوجود كارثة إنسانية نتيجة تفشي الأمراض والأوبئة، وامتداد الحركات المسلحة، والتي من شأنها تعزز من امتداد الحرب الأهلية لتشمل المنطقة بأكملها.
4- أوغندا
تعتبر عمليات اللجوء أيضاً من أكثر تداعيات أزمات دول الجوار، التي تعاني منها أوغندا، والتي تنذر بمزيد من الكوارث الإنسانية إثر تكدس ألاف اللاجئين من دول الجوار ذات التوتر الأمني، لاسيما جنوب السودان وبوروندي، حيث قال وزير الدولة الأوغندي لإغاثة اللاجئين “لدينا القدرة لتلبية الاحتياجات الملحة لهؤلاء اللاجئين … لكن لدينا بالفعل أعدادًا كبيرة من اللاجئين في هذا البلد”، مما يشكل عبئاً كبيراً على الدولة أكبر من طاقتها، والتي تعاني بدورها من ارتفاع في معدلات الفقر، حيث تأوي أوغندا 173,747 من لاجئي جنوب السودان، الذين فروا من الحرب، التي تشن بين المؤيدين لرئيس البلاد سالفا كير، ونائب الرئيس رياك مشار، والآن تستوعب أوغندا حوالي 18,427 من اللاجئين البورونديين، الذين عبروا حدودها الجنوبية، طبقاً لوكالة اللاجئين للأمم المتحدة، حيث توفر أوغندا الحماية، والسلامة لأكثر من نصف مليون شخص، الذين فروا من بلادهم، والتي تعتبر ثالث أكبر بلد لاستضافة اللاجئين في أفريقيا بعد إثيوبيا، وكينيا 37.
ووفقاً للجنة الدولية للصليب الأحمر، تستقبل أوغندا ما يقرب من 400 لاجيء بوروندي جديد كل يوم، ويبلغ إجمالي عدد اللاجئين البورونديين على أراضيها نحو 8220 لاجئ، حيث شُكّل أوّل فريق معنيّ بتقديم خدمات إعادة الروابط العائلية لمساعدة الأسر في البحث عن أقاربهم، والاتصال بهم في مستوطنة “ناكيفيل” للاجئين. وجرى تيسير إجراء أكثر 895 مكالمة هاتفية بين أفراد الأسر، وتسجيل 59 طفلًا من غير المصحوبين بذويهم 38 .
على الصعيد الأخر يتهم الرئيس البوروندي نكورونزيزا الحزب الحاكم الأوغندي بتجنيد اللاجئين في البلدان المجاوران لشن حرب في بوجمبورا، على غرار ما تفعل رواندا كما يزعم؛ إلا أن الموقف الأوغندي اتسم في النهاية بالتصريحات الدبلوماسية، والسعي في إطار مبادرات لتسوية الأزمة في بوروندي، من خلال عقد اتفاقيات بين النظام والمعارضة لتسوية الأزمة، حتى لا يمتد الصراع إليها بشكل أكبر يؤثر على الوضع السياسي فيها، حيث أجريت العديد من الاتفاقيات برعاية الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني لتسوية الأزمة برعاية الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة.
5- مجموعة دول شرق أفريقيا
ذُكِر في المواقف الإقليمية لمجموعة دول شرق أفريقيا كيف أنها اتخذت مواقف في إطار الدبلوماسية لتسوية الأزمة في بوروندي، من خلال تفعيل جهود الوساطة بقيادة دول المنظمة، ويرجع ذلك لتأثير الأزمة بشكل كبير على تلك الدول فرادى، من خلال عمليات اللجوء، وتصاعد العنف عبر الحدود، يليها امتداد حركات المعارضة المسلحة، وهو الأمر الذي خشيت منه كثيراً في تصاعد عد الاستقرار الأمني والسياسي في تلك الدول، خاصة وأن أنظمتها شارفت على انتهاء مدتها الرئاسية. من ثم كان الحل الأوحد هو الوقوف مع الرئيس نكورونزيزا في ترشحه لولاية ثالثة، والذي احتوى المعارضة من خلال قمع التمرد، وعمليات نزع السلاح، والاعتقالات، باعتبار أن التدخل العسكري الإقليمي قد يؤدي إلى لجوء كل الأطراف إلى التشدد، والتسلّح، مما قد يحول الأمر إلى الحرب، التي تمتد أثارها إلى الدول المجاورة مع اتخاذه أبعادًا عرقية في المقام الأول، وهو ما لا تود مجموعة دول شرق أفريقيا أن تصل إليه.
يتضح من استعراض تداعيات الأزمة على دول الجوار الإقليمي أنها قد ألقت بظلالها السيئة، بل والمدمرة على الأوضاع الأمنية وكذلك السياسية، والاقتصادية، والذي عانى من تبعات اللجوء التي أدت إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وتزايد الأوضاع الإنسانية الكارثية، ناهيك عن التوترات السياسية في تلك الدول، التي تأثرت بالأزمة إلى حد كبير، هنا نجد أن الوضع السياسي المتوتر في بوروندي كان نتاج مشكلة التعديلات الدستورية، وهي القضية التي تم تعميمها في العديد من دول القارة الأفريقية، وهذا يوضح أن هذه الدول تعاني من أزمة انتشار الديمقراطية التوافقية، التي طالما حلمت بها الشعوب الأفريقية، وعانت كثيرًا من أجل الحصول عليها، ومازالت تعيش في خضامها، ولم تستطع أن تصل إلى نظام من شأنه يعزز المفهوم الديمقراطي، والمفعل بالشكل الذي ينهي تلك الصراعات، ويحجم من سيطرة الأنظمة الأفريقية على مقاليد السلطة والثروة أيضًا، في اتجاه يسعى لتعزيز حقوق الإنسان، وكرامته الإنسانية.
المطلب الثالث: تداعيات الأزمة على العلاقات مع الدول العربية
لم تلقي الأزمة تبعاتها، وأثارها على دول الجوار الإقليمي فقط، بل ألقت بظلالها السيئة على الدول العربية شمال أفريقيا، خاصة دول حوض النيل، حيث يرى العديد من المحللين أن سيناريو التظاهرات في الدولة، ماهي إلا انعكاس لثورات الوطن العربي، حيث تكررت تلك التظاهرات في العديد من الدول الأفريقية، خاصة التي عانت من أزمة التعديلات الدستورية، والتي انقسمت إلى نماذج نجحت فيها تلك التظاهرات في إزالة الأنظمة العاتية، وأخرى فشلت، وثالثة مازالت تتأرجح بين الاتجاهين.
من ثم كانت تلك التظاهرات، والرفض الشعبي أحد العوامل الهامة في تغيير المسارات السياسية، وكذلك الأمنية في تلك الدول، حيث كان النموذج المصري، وكذلك التونسي أحد أهم النماذج، التي رغبت العديد من الدول الأفريقية أن تحذو حذوه، والتي اتضحت جليًا في تظاهرات بوركينا فاسو عام 2014م، وغيرها لإزالة الأنظمة العاتية، وقد كانت أخرها تظاهرات بوروندي، بالتالي كانت المبادرات العربية في مصر وتونس والجزائر وموريتانيا والسودان في حل الأزمة قائمة على الوساطة لتفعيل الجهود لتسوية الأزمة. خاصة وأن تلك الدول لم تمثل الأزمة البوروندية لديهم موضوعًا خطيراً في ظل الأوضاع الداخلية لتلك الدول، لاسيما توتر الأوضاع في ليبيا، وامتدادها إلى دول الجوار.
فعلى الصعيد الموريتاني حاول الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يحتوي التوتر خوفًا من امتداد الحركات، والمليشيات المسلحة إلى بلاده، والرغبه في إظهار دوره عربياً، والذي كان ممثلاً عن منطقة الشمال الأفريقي في ظل غياب عربي نتيجة الأزمات السياسية المتصاعدة لديهم، حيث توجه في أعقاب الأزمة، إلى عاصمة بوروندي (بوجمبورا)، في إطار بعثة وساطة إفريقية تضم كلاً من الرئيس السنغالي ماكي سال، والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، والرئيس التشادي إدريس ديبي؛ لتسوية الأزمة 39 . والتي سارت في إطار التنديد بأعمال العنف، ثم التوسط من خلال مبادرات إحلال السلام، والتسوية السياسية.
بالتالي نخص في تأثير الأزمة على هذه الدول مصر والسودان، باعتبار أنهما من دول حوض النيل، وبالتالي تربطهم شراكات متعددة مع بوروندي، خاصة وأن الأخيرة كأحد دول المنابع لها دور فعال في أزمة مياه النيل، وتأثيرها على دولتي المصب، والتي تعتبر ورقة ضغط في سياستها الخارجية؛ بالتالي نستعرض تأثير الأزمة على كلاً من مصر والسودان.
أولاً: مصر
في أعقاب الأزمة، كان الدور المصري لا يختلف في الإطار الدبلوماسي عن باقي دول الجوار الأفريقي، أو حتى الدور الدولي، حيث أدانت مصر أعمال العنف، ودعت الحكومة البوروندية لضبط النفس، كما أدان السفير حمدي لوزا نائب وزير الخارجية في بيان، كافة أشكال العنف، ودعى مختلف الأطراف البوروندية إلى حوارٍ مبني على مرجعية “اتفاق أروشا للسلام” وصولاً إلى توافق وطني يحقق مصلحة، وطموحات الشعب البوروندي.
حيث ساهمت مصر في تنسيق زيارة وفد مجلس الأمن إلى بوجمبورا وأديس أبابا، خلال الفترة من 21 إلى 23 يناير 2016م للقاء المسئولين البورونديين، ومسئولي الاتحاد الأفريقي، ومجلس السلم والأمن الأفريقي للاطلاع على أبعاد الأزمة البوروندية، حيث شارك في الوفد مندوب مصر الدائم في الأمم المُتحدة 40 .
وبالرغم من تصويت مصر لصالح القرار رقم 2279، الذي اعتمده مجلس الأمن بالإجماع، والخاص بنشر عناصر من قوات حفظ السلام فى بوروندى، وذلك بالتنسيق بين الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقى، والتشاور مع حكومة بورندى، فإن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد على مواصلة مصر دعمها التنموى لتلك الدول من خلال برامج، وأنشطة الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وهو ما تم تفعيله من خلال زيارة الوفد البوروندي للقاهرة في أبريل 2016، والقائم على تفعيل التعاون على الصعيد السياسي، والاقتصادي.
جدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين مصر وبوروندي تتركز في أهم فرص التبادل التجارى فى المواد الغذائية بمختلف أنواعها، ومواد البناء، وبصفة خاصة الحديد، والأسمنت، والسيراميك (فى ضوء حركة إعادة الإعمار فى بوروندى حالياً) والأدوية، والأسمدة، والمنتجات البلاستيكية، والمستلزمات الكهربائية، والأثاث، فضلاً عن افتتاح مركز طبي مصري في قلب العاصمة البوروندية، بالإضافة إلي تقديم منح لتدريب الكوادر البوروندية في أكثر من مجال أهمها الدبلوماسية، والشرطة، والقضاء، بالإضافة إلي العلاقات في مجال الموارد المائية، والري، والزراعة، واستصلاح الأراضي، والكهرباء، والطاقة، والسياحة. حيث يبلغ حجم التبادل التجارى ما يقرب من مليون دولار سنوياً 41.
فضلاً عن عديد من الاتفاقيات، التي تم تفعيلها في المجالات الثقافية، والعلمية، هذه العلاقات لم تتأثر بالأزمة إلى حد كبير، خاصة وأن أعمال العنف، وعدم الاستقرار لم تستمر لفترات كبيرة، حتى تؤثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث تدارك الجانب البوروندي موقفه من الأزمة، ولا أدل على ذلك من الزيارات المتبادلة لمصر بعد الأزمة.
وفيما يتعلق بأزمة مياه النيل، أكد وزير خارجية بوروندي أن موقف بلاده حريص على التوصل إلى توافق إزاء الاتفاق الإطاري لدول حوض النيل، وهو موقف ثابت، ويتأسس على مبادئ عدم الإضرار، وتحقيق المصالح المشتركة لجميع دول الحوض. ربما تكون تلك الاتفاقية أحد المهام، التي من المحتمل أن تكون محفزاً على إكساب موقف مصري، وداعم أيضاً من قبل الجانب البوروندي، الذي أثبت موقفه في عدم إضراره بحصة مصر في مياه النيل. لكن لم تكن هناك اتفاقية محددة توضح الموقف البوروندي الصريح من أزمة مياه النيل خاصة، بعد توقيعه على اتفاقية تقاسم المياه، التي رفضتها كلاً من مصر والسودان، ووافقت عليها دول المنابع كافة.
على كل حال نجد أن الموقف المصري لم يتعدى التصريحات الرسمية في الدعوة إلى تسوية الأزمة من خلال الحوار، والوفاق الوطني، إلا أن تفعيل نشاطها بشأن الأزمة من خلال مشاركتها ضمن وفد مجلس الأمن يعطي دوراً أكثر درماتيكياً في التأثير في الوضع السياسي من خلال التسوية السلمية للنزاع، وهو ما أقره الرئيس نكورونزيزا في ثناءه على الدور المصري في تسوية الأزمة، لكن عدم اتخاذ أي إجراءات صارمة بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي، وعدم إظهار الدور المصري بالطريقة الأمثل في حل الأزمة باعتبارها فاعلاً إقليميًا، وأحد دول حوض النيل، أثر سلباً على دورها الإقليمي بشكل عام، خاصة مع تراجع دورها في مقابل التوغل الإيراني الإسرائيلي من ناحية، والأمريكي الفرنسي من ناحية أخرى، بل وابتعادها عن المحور الأفريقي، ما قد يؤثر سلباً على موقفها تجاه أزمة سد النهضة.
خاصة وأن بوروندي كانت أخر دولة وقعت على اتفاقية تقاسم مياه النيل، ما أثر سلباً على موقف مصر تجاه الحقوق المكتسبة، من ثم كان يجب على الدور المصري أن يكون أكثر محورية في تلك الأزمة بما يحقق مصالح الجانبين، ويكتسب طرفاً لصالح مصر في أزمة مياه النيل، خاصة بعد الزيارة الأخيرة للوفد البوروندي لمصر، والتي اتجهت في إطار دبلوماسي أكثر من كونه محايد، خاصة وأن موقفها تجاه أزمة مياه النيل لم يكن معلناً وصريحاً بشأن الوقوف إلى الجانب المصري، أو حتى التراجع عن الاتفاقية الأخيرة لتقاسم مياه النيل، التي وقعت عليها بوروندي بما يضمن نقطة رابحة لصالح الجانب المصري السوداني، خاصة وأن بوروندي أحد دول المنابع الهامة، التي تحوي نهر روفيرونزا جنوب خط الاستواء، وهو الحد الأقصى وأول نبع يغذي النيل، من ثم فإن الدور التنموي والسياسي، ومجابهة الأطماع الخارجية بالاستراتيجية الاقتصادية أولاً، والعسكرية، والمخابراتية، وكذلك الأيديولجية القائمة على دعم الوحدة الأفريقية، أحد أهم النقاط في اكتساب دعم أفريقي قوي، وهو الأمر الذي يتوقف على مدى اتجاه المحور والنفوذ المصري تجاه القارة.
ثانياً: السودان
في إطار العلاقات البوروندية السودانية، كان الدور السوداني تجاه الأزمة يسير في إطار الدبلوماسية، التي تشاركت فيها الدول على الصعيد الإقليمي والدولي، حيث قال وزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور ” استمعنا لشرحٍ مفصلٍ من وزير خارجية بوروندي حول الأوضاع، التي تشهدها بلاده، وجهود الحكومة لإحلال السلام، ومسيرة الديمقراطية، وأكدنا دعمنا الكامل لبوروندي في جهودها لتحقيق السلام، والأمن بين جيرانها الأفارقة”؛ حيث صرحت الحكومة السودانية بعدم دفعها بمبادرة لتسوية أزمة ناشبة بين بوروندي ورواند، من ثم كانت تصريحاتها في إطار الدبلوماسية، والمتمثلة في بذل الجهود لإحلال السلام في البلاد، من خلال التوسط بين بوروندي ورواندا، بعد أن فشلت قمة دول البحيرات العظمى بسبب اتهامات بوروندية لجارتها رواندا بدعم متمرديها في أعقاب التوتر الأخير نتيجة الأزمة 42 .
بالرغم من علاقات الشد والجذب بين الجانب المصري والسوداني على خلفية أزمة حلايب وشلاتين، وكذلك الموقف السوداني بعد الثلاثين من يونيو، والذي اتسم بالتراجع، إلا أن السودان عاودت الاتجاه لتوطيد العلاقات مع مصر عقب تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في البلاد، وذلك من خلال الزيارة، التي قام بها الرئيس السوداني عمر البشير للقاهرة يومي 18، 19 أكتوبر 2014م، من ثم كانت هناك أُطر للتعاون بين الجانبين، والتي تمثلت في العلاقات الاقتصادية، وزيادة التبادل التجاري، خاصةً في ضوء افتتاح ميناء “قسطل – أشكيت” البري بين البلدين، والذي يتيح تدفق المنتجات على جانبي الحدود، وبحث إمكانية إنشاء منطقة للتجارة الحرة بينهما 43 .
فبالرغم من تفعيل أطر التعاون السابقة بين الجانبين في إطار الزيارات المتبادلة بين مصر والسودان، إلا أن الموقف المصري السوداني لم يتخذ خطوة تعاونية فيما يتعلق بأزمة سد النهضة، والتي توافق عليه كافة دول المنابع، فلم يكن الجانب المصري والسوداني يد واحدة حتى يتم التأثير على الجانب البوروندي من ناحية، لإكساب طرف ثالث، خاصة وأن الجانب السوداني يتأرجح الأن بين الاتجاه إلى مصر، وإن كان أكثر ميولاً للاتجاه الإثيوبي نحو بناء السد باعتبار أن ذلك سيدعم التنمية في السودان أيضاً، وهو الأمر الذي يجعل مصر طرفاً وحيداً في تلك الأزمة.
من ثم لم تكن السودان بجانب مصر أحد الأطراف الفاعلة في استغلال الأزمة في بوروندي من خلال تقديم الدعم خاصة بعد تبادل الزيارات بين الدول الثلاث، والتي سارت في إطار دبلوماسي قائم على تفعيل التعاون دون تصديق على اتفاقيات مصيرية بشأن مياه النيل، أو أخذ أي خطوات فعالة تعزز من الشراكة في القضايا المصيرية خاصة أزمة سد النهضة. لتكون القوى الدولية أكثر فاعلية في التأثير في الوضع البوروندي، بل وأكثر من العربي.
هنا لم تكن السياسة الأمريكية بشكل خاص، والدولية بشكل عام، بعيدة عن التأثير في الأزمة، وكيفية استغلالها، كورقة ضغط على باقي دول الحوض، لاسيما مصر والسودان، لتعظيم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، حيث أن السياسة الأمريكية في منطقة البحيرات العظمى تركز على أداتين رئيسيتين هما، الأولى قائمة على دعم القادة الأفارقة الموالون، أو الذين يعملون على تحقيق المصالح الأمريكية مثل بول كاغيمي في رواندا؛ والثانية، والقائمة على مشروع القرن الأفريقي الكبير كما ذكرنا سابقاً، الذي يضم رواندا، وبورندي، وأوغندا، والكونغو الديمقراطية، وجنوب السودان، وذلك لإنشاء بنية أساسية لمصلحة شركات التعدين، والنفط الأميركية، فضلاً عن الوصول إلى مناطق التعدين، والثروة الطبيعية. ويدل على ذلك من التجارة غير المشروعة في الماس، والذهب، وتهريب السلاح، والتي يتورط فيها رجال أعمال، وشركات أوروبية، وأميركية، وإسرائيلية 44 .
وبالرغم من أن السياسة الأمريكية قائمة على دعم حكم الأقليات مثل بول كاغيمي في رواندا وموسيفني في اوغندا، واثيوبيا واريتريا وجنوب السودان، إلا أن السياسة الأمريكية مع التغير العالمي الجديد قد تعددت في اتجاهاتها، خاصة بعد ثورات الوطن العربي، والاتجاه إلى النظام الديمقراطي بما يؤمن المصالح الامريكية في ظل ثوران الشعوب الأفريقية على غرار الدول العربية، أو بعض الدول الأفريقية، التي نجحت فيها الثورات مثل النيجر، وبوركينا فاسو، فلم تعد السياسة الغربية مرهونة بتلك النظم الموالية طالما أنها اتجهت إلى معسكرات أخرى بعيدة عن قوى النفوذ التي كانت تتبعها، ولا أدل على ذلك من تخلي فرنسا عن رئيس النيجر بعد اتجاه للمعسكر الأمريكي. بالتالي كان دعم النظام في بوروندي على حساب الدور الفرنسي الذي كان يهدف لسقوطه، بالرغم من التهديدات العلنية، التي وجهتها الإدارة الأمريكية للحكومة البوروندية، لهو الاتجاه لنفس النمط من تلك السياسة الأمريكية في القارة، خاصة مع قوة نفوذ الرئيس البوروندي المدعم من دول الجوار إقليمياً، وهو ما أثبت استمراره في السلطة، بالرغم من التهديدات العلنية إقليمياً ودولياً.
على الجانب الأخر كان الدور الإسرائيلي في تعظيم نفوذه في منطقة البحيرات، وذلك بتقديم الامكانات المتعددة كالدعم المالي والعسكري لاستخدام نهر النيل كأحد أدوات الاستغلال الاسرائيلية لمحاولة الحصول على جزء من المياه، واستخدامها أيضاً كورقة ضغط في سياستها الخارجية على مصر، فلم تكن القوى الفاعلة في القارة بمنأة عن ذلك، من ثم نجحت إسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة في تأمين سيطرتها على بعض مشاريع الري في منطقة البحيرات العظمى، حيث تقوم بالدعم الفني، والتكنولوجي للشركات الاسرائيلية في مجال السدود المائية، مع الاهتمام بنهر كاجيرا، الذي يمثل الحدود مع رواندا وبورندي 45 .
من ثم يصبح التوغل الاسرائيلي في منطقة البحيرات أحد أهم العوامل في الضغط على مصر والسودان، إلا أن علاقتها مع بوروندي متمثلة في الدور الأمني والمخابراتي فقط، وهي ليست بالمقارنة مع العلاقات المصرية البوروندية التي تتخذ أبعادا كثيرة، ومن ثم لابد من استغلال الدور المصري البوروندي في التأثير في القضايا بالغة الأهمية كأزمة مياه النيل. وهذا يقتضي الحراك من الجانب المصري على مستوى القارة الأفريقية لاسيما دول حوض النيل، وهو يتطلب جهداً كبيراً على الصعيد الخارجي، والدبلوماسي، والسياسي لمواجهة التحدي الإسرائيلي في المنطقة، والتي تتخذ تلك الدول فيما يتعلق بأزمة مياه النيل، للتأثير والضغط على مصر، وسياستها الخارجية.
المطلب الرابع: تداعيات الأزمة على امتداد الإرهاب في المنطقة
مع بداية الأزمة حاول الرئيس رفع شعار الإرهاب لإنهاء المعارضة، واللعب على وتر دخول البلاد في عمليات إرهابية، وحركات مسلحة من شأنها تدمر الاستقرار الأمني، ومن ثم يصبح القضاء على المعارضة أمرًا مشروعًا.
حيث تجاهل الرئيس والحكومة الانقلاب الذي حدث، وتحدث فقط عن التهديد الذي تشكله حركة الشباب المجاهدين في الصومال، والتي هددت بتصعيد الهجمات ضد بوروندي، والدول التي تشارك في قوة الاتحاد الأفريقي في الصومال، حيث قال الرئيس البوروندي ” لقد اتخذنا إجراءات لمواجهة الشباب.. فنحن نأخذ هذه التهديدات على محمل الجد” 46.
بالتالي كان اتجاهه نحو إثارة دور “حركة الشباب المجاهدين في الصومال”، أمرًا حتميًا لضلوعها بأعمال عنف خارج الصومال، كما في كينيا، معتبرًا أنها قد توجّه نفس الضربات إلى بلاده، وذلك باعتبار أنها حركة إسلامية قد تستغل التوتر الأمني لتوجه ضرباتها إلى الدولة ذات الديانة المسيحية، خاصة وأن معظم أفراد القبيلتين، الهوتو والتوتسي في منطقة البحيرات الكبرى، ينتمون إلى الطائفتين المسيحيتين، الكاثوليك والبروتستانت. وهذا بدوره يؤدي إلى اتجاه الصراع إلى وجهة مغايرة أساسها القضاء على الإرهاب، المتمثل في ميليشيات المعارضة، التي يصدَّرها النظام لتوجيه الرأي العام في الدولة نحو الحرب على الإرهاب، ومن ثم تصبح الشرعية في القضاء علية أمرًا ضرورياً 47 .
وهو مانفته حركة الشباب في بيان لها مؤكده أن تصريح الرئيس نكورونزيزا يهدف إلى صرف الانتباه عن الأزمة السياسية في بلاده، حيث قال المتحدث باسم حركة الشباب شيخ علي محمود راجي في بيان لرويترز ” أن الحركة تعتقد أن ما قاله الرئيس البوروندي هو محاولة لتهدئة شعبه، الذي خرج للشوارع للتظاهر ضده، وضد حكمه، أو أنها محاولة لصرف انتباه العالم عنه في الوقت، الذي يستعد فيه على الأرجح لعمليات انتقام جماعية” 48 .
هنا يتبارد سؤال مؤداه هل سيؤثر هذا الاتجاه على توجه الإرهاب نحو الدولة البوروندية بالفعل، وهل سيكون هناك فرصة سانحة للجماعات الإرهابية أن تعقد صفقات مع الحركات المسلحة في الدولة سواء أكانت المعارضة من جهة، أو المليشيات التابعة للنظام من جهة أخرى لتحقيق كل جماعة مصالحها الذاتية، كما حدث مع العديد من الدول الأفريقية الأخرى؟
لا يمكن الإجابة على تلك التساؤلات بالصواب الكلي، أو الخطأ الكلي، فمع تصاعد نشاط حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وتوعدها بعمليات دموية في كينيا، وغيرها من دول شرق أفريقيا، ربما يرجح امتداد تلك التنظيمات إلى بعض دول شرق أفريقيا لاسيما بوروندي، فتصاعد العنف في بوروندي سيؤثر بشكل كبير على العمليات الإرهابية في المنطقة، وتزايدها، من ثم يتخوف الاتحاد الأفريقي من أن تنعكس الأزمة في بوروندى سلباً على دورها في مواجهة حركة الشباب في الصومال، حيث تتواجد فيها قوات بوروندية قوامها 4400 جندي كانت تعمل منذ عام 2011 في العاصمة مقديشيو، ومناطق أخرى في جنوب البلاد، ومن المحتمل أن تسحب قواتها لمواجهة المعارضة في بوروندي، باعتبارها مهمات أولي بهم من التواجد في الصومال في مرحلة تنذر بالحرب الأهلية. وهو ما يشكل خطراً في تصاعد العنف في البلاد.
من ناحية أخرى مع تعاظم جيش الرب في أوغندا والكونغو الديمقراطية ذات التقارب الجغرافي من بورورندي، والذي تٌعاظم من شأنه الولايات المتحدة في المنطقة للتطويق الصيني، فقد يؤثر ذلك، وبشكل كبير على المنطقة مع احتمالية تعاون مشترك بين الحركات المسلحة في بوروندي والحركات الارهابية في الدول المجاورة، الأمر الذي تستغله الولايات المتحدة وفرنسا لتعاظم مصالحها في شرق أفريقيا، وفي نفس الوقت ينذر بمزيد من التوتر، وعدم الاستقرار في المنطقة، نتيجة العمليات الإرهابية، والأوضاع الإنسانية جراء تلك العمليات المسلحة.
حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية في سبيل تعاظم نفوذها في المنطقة في نهاية عام 2011 بإرسال 100 خبير عسكري إلى أوغندا، لتقديم المشورة، والمساعدة لقوات الاتحاد الأفريقي المؤلفة من خمسة آلاف فرد، من أجل المشاركة في البحث عن “جوزيف كوني” زعيم “جيش الرب” ومقاتليه، وفي نهاية شهر مارس من العام 2014م قامت الولايات المتحدة بإرسال أربع طائرات من طراز “أوسبري سي في-22” إلى أوغندا من جيبوتي، بالإضافة إلى أربع طائرات لإعادة التزويد بالوقود، و150 من أفراد الدعم، للانضمام إلى قوات العمليات الخاصة الأميركية، والقوات الأفريقية الموجودة منذ نهاية العام 2011 في أوغندا، كل هذا لمقاتلة قوات جيش الرب، الذي قوامه لا يتجاوز أكثر من 400 جندي 49.
الأمر الذي يوضح أبعاد الاستراتيجية العسكرية في دول شرق أفريقيا، بالتالي لم تكن بوروندي، وما تعاني منه من عدم استقرار أمني ليس بمنأة عن تلك الاستراتيجية الأمريكية، التي تهدف إلى عسكرة المنطقة متحدية النفوذ الفرنسي والصيني والروسي، وكذلك الإيراني والتركي. وهو ما اتضح مع اتجاه النظام البوروندي إلى المعسكر الأمريكي على حساب الفرنسي.
حيث اهتمت الإدارة الأمريكية بدعم العلاقات الأمنية والعسكرية مع الدول الأفريقية في إطار ما يسمى (الحرب على الإرهاب). ففي يونيو عام 2003م أعلن الرئيس بوش عن مبادرة أمريكية قيمتها (100) مليون دولار لزيادة قدرة دول شرق أفريقيا على محاربة الارهاب، خاصة مع سهولة اختراق الحدود، وضعف مؤسسات فرض النظام، والقانون، وتعدد مناطق الصراع، فضلاً عن التجارة غير المشروعة في الألماس في مناطق حوض نهر مانو، ومنطقة البحيرات العظمى. ومن ثم يؤدي ذلك إلى تأمين مصالح الولايات المتحدة من النفط، والتي تمثل خُمس وارداتها، وتأمين أيضًا، وتعزيز فرص الاستثمار، والتجارة في المنطقة، وهو ما يؤكد عليه مبدأ التجارة بدلاً من المساعدات، والعمل على محاصرة النظم غير الموالية 50 .
ليس الجوار التنزاني ببعيد، حيث يرى العديد من المحليين أنه في ظل الفقر المدقع الذي يسود تنزانيا فإنه من المتوقع أن تستفيد الحركات الجهادية في المنطقة من عامل الفقر، والجغرافيا معًا، في تجنيد الفئات الشبابية من المجتمع التنزاني، ومن ثم القيام بتنفيذ هجمات إرهابية على تجمعات مسيحية بهدف إثارة صراع ديني بين المسلمين والمسيحيين، ما يهدد التعايش الديني، والاستقرار السياسي. لاسيما التحذيرات التي أطلقها الرئيس التنزاني حول هجمات إرهابية محتملة على بلاده تأتي في سياق ذلك، ( وسط تأكيدات عن اعتقال تنزانيين كانوا يعبرون الحدود الصومالية بهدف الانضمام إلى حركة الشباب في 33 مارس/آذار 2015م ) 51 .
هذا يوضح أن هناك تنافسًا حقيقياً في منطقة البحيرات العظمى بين كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا ولا أدل على ذلك الدور الفرنسي في دعم رواندا في فترة الحرب الأهلية في استرايجية جديدة تشمل دول القارة أجمع دون الاقتصار على مناطق النفوذ الفرنسي في الدول الفرانكفونية، ليأتي الدعم الأمريكي من ناحية أخرى لبوروندي ولا أدل على ذلك من تصريح نكورونزيزا بعد السيطرة على الأزمة، بأن السيطرة على البلاد من قبل النظام، وإجراء التعديلات الدستورية صفعة للدبلوماسية الفرنسية، خاصة وأن الدور الأمريكي في إعادة رسم خريطة التوازن الإقليمي بمنطقة البحيرات العظمى لا تتفق مع المصالح الفرنسية، وهذا ما اتضح في فترات الحرب الأهلية في دول شرق أفريقيا؛ من ثم تصبح السياسة الجديدة المتمثلة في انتشار الإرهاب، ومكافحته من خلال تعزيز الاستراتيجيات الأمنية، والدفاعية في المنطقة لمحاربة الإرهاب، أحد أهم السياسات الكبرى التي تقوم عليها القوى الدولية.
ليصبح السؤال مثاراً حول انتشار الجماعات الإرهابية في دول البحيرات العظمى، فهل اللاجئين البورونديين سيشكلون نواة لهذه الجماعات أم أنهم سيكونون ضحايا لتلك العمليات الإرهابية؟
وجود ألاف البورونديين اللاجئين في تنزانيا، وأوغندا، وورواندا، وكينيا، وكذلك الكونغو، يهدد بكارثة ليس على الصعيد الاجتماعي فقط، بل على الوضع الأمني المهدد من الإرهاب بالأساس، لذلك من المحتمل أن يتم تجنيد العديد من البورونديين في دول الجوار لاسيما الدول التي تعاني من انتشار الجماعات الإرهابية فيها كتنزانيا، وأوغندا، والكونغو، لصفوف حركة الشباب المجاهدين في الصومال، أوضمن جماعات جيش الرب في أوغندا، لتتسع الدائرة الإرهابية في المنطقة، مع الاحتمال الأقرب من انضمام بعضهم لحركات المعارضة المسلحة، والمتمردين خارج البلاد، ليشكلون قوة مؤثرة داخل بوروندي، وهذا لاينفي تعاونها مع الجماعات الإرهابية في المنطقة، سواء الحركتين الإرهابيتين السابقتين، أو جماعة بوكو حرام، الأكثر حراكً في القارة، وذلك لتبادل المصالح المتمثلة في الدعم العسكري، والمادي برعاية أمريكية، وغربية.
وهذا بدوره ينذر بمزيد من العمليات الإرهابية في المنطقة، والتي تلقى تبعاتها على الاستقرار الأمني، والاقتصادي السئ، الذي تعيشه العديد من دول القارة، خاصة في الدول التي تعاني من استمرار العنف، وعدم الاستقرار الأمني، نتيجة قضايا التعديلات الدستورية المثارة حاليًا، مع تفشي الجماعات الإرهابية لاسيما داعش ليبيا، الذي يستغل المناطق الضعيفة لمحاولة السيطرة عليها في ظل الضعف الأمني، والعسكري في القارة، وتعاظم الاستراتيجيات الغربية، التي تتهاون في القضاء على تلك الجماعات الإرهابية، رغبة منها في بقائها، ولا أدل على ذلك من حراك داعش في ليبيا، وحركة الشباب المجاهدين في الصومال، وبوكو حرام في نيجيريا، وجيش الرب في أوغندا، لتصبح بوروندي أحد الدول ذات التوتر الأمني، والتي ليست بمنأة عن ذلك الحراك الإرهابي، الذي يهدد الدول الغير مستقرة أمنياً، مع تصاعد جماعات المعارضة المسلحة، والميليشيات التابعة لها، أو الأخرى التابعة للنظام، لتنغمس شعوب المنطقة في دائرة مغلقة تشمل الجماعات الإرهابية من جانب، وجماعات المتمردين المسلحة من جانب أخر، وبطش الأنظمة الأفريقية، التي تستخدم كافة وسائل القوة من جهة ثالثة، والقوة العسكرية الدولية من جهة رابعة .
الهامش
1 Goran Tomasevic and Njuwa Maina, Burundi president fires defense chief after coup attempt, reuters, Mon May 18, 2015. الرابط
2 إيتيان ماشولي، وجوني كارسون، خطورة الأزمة السياسية في بوروندي، الحياة اللندنية، ٢٠ مايو/ أيار ٢٠١٥م. الرابط
3 عمر نتزيمبريري، مرجع سبق ذكره، نفسه.
4 Samuel Okiror, Briefing: What next for the Burundi peace process?, irin news, 4 January 2016. الرابط
5 Samuel Okiror, Loc.cit.
6 Reuters, Burundi agrees to United Nations police deployment, the east african, 4 April 2016 الرابط l
7 Idem.
8 شؤن الهيئات الرئاسية، مرجع سبق ذكره، ص 1-7 .
9 بوابة الفجر، تداعيات الأزمة السياسية في بوروندي على الإقتصاد، بوابة الفجر، لأربعاء 03/يونيو/2015 الرابط
10 (د. ب. أ)، انكماش اقتصاد بوروندي بسبب الأزمة السياسية، جريدة الوسط، 9 فبراير 2015م. الرابط
11 Deloitte , “Northeasterly bearing Economic Analysis of Burundi 2015” Deloitte Burundi S.A (Bujumbura: Deloitte Burundi S.A, 2015),p.p, 4-12.
12 World Bank Group, Ease of Doing Business in Burundi, Doing Business, 2016. الرابط
13 ليورا كلابر، دوجلاس راندال، أثر الإصلاحات في بيئة الأعمال على إنشاء شركات جديدة، مركز المشروعات الدولية الخاصة- غرفة التجارة الأمريكية، واشنطن، د.ت . الرابط
14 المرجع السابق ذكره، نفسه.
15 World Bank Group, Doing Business 2016- Measuring Regulatory Quality and Efficiency – Economy Profile 2016 in Burundi , World Bank Group Flag ship Report (Washington: World Bank Group, 2016), p.p, 4-8.
16 Idem.
17 تي مكورميك – فورين بوليسي، ترجمة: قراءات إفريقية، بوروندي تقترب من الحافة.. مع انتهاء مهلة نزع السلاح، قراءات إفريقية، 15نوفمبر 2015 الرابط
18 المرجع السابق، نفسه.
19 تي مكورميك، مرجع سبق ذكره، نفسه.
20 Goran Tomasevic and Njuwa Maina, Burundi president fires defense chief after coup attempt, Loc.cit.
21 أسماء عبد الفتاح، تدخل الاتحاد الإفريقي في بوروندي.. حفظ سلام أم احتلال؟، مرجع سبق ذكره، نفسه.
22 Security Council, Security Council, Unanimously Adopting Resolution 2279 (2016) , Requests Options for United Nations Police Deployment to Monitor Security Situation in Burundi, Loc.cit.
23 د. أيمن السيد شبانة، “الصراعات الإثنية في إفريقيا .. الخصائص – التداعيات – سبل المواجهة”، مرجع سبق ذكره، ص 94- 103.
24 أيمن شبانة، التدخل الإقليمي في الصراعات الداخلية الأفريقية.. الكونغو الديمقراطية نموذجاً (القاهرة: مركز البحوث الأفريقية، معهد البحوث والدراسات الأفريقية، 2006) ص 160-200.
25 Goran Tomasevic and Njuwa Maina, Loc.cit
See: Aljazeera, Key Burundi opposition politician urges fresh vote, Aljazeera, 25 Jul 2015. الرابط
26 Idem.
27 أ ش أ، الصراع في بوروندي يعوق التجارة عبر الحدود بشرق إفريقيا، البوابة نيوز، الثلاثاء 25-08-2015م. الرابط
28 Jill Craig, Relations Between Burundi, Rwanda Deteriorating, voice of America, October 14, 2015. الرابط
29 الجزيره نت، 5 آلاف جندي أفريقي لحفظ السلام ببوروندي، الجزيرو نت، 19-12-2015 . الرابط
30 بوابة فيتو، رواندا تعتزم طرد اللاجئين البورونديين رداً على اتهامات واشنطن، بوابة فيتو، الثلاثاء 16/فبراير/2016م. الرابط
31 سيدي أعمر شيخنا، مرجع سبق ذكره، نفسه.
32 عمر نتزيمبريري، مرجع سبق ذكره، نفسه.
33 عمر نتزيمبريري، مرجع سبق ذكره، نفسه.
34 نهى محمد مجاهد، بوروندى بين فكى الاضطرابات والإرهاب، الأهرام، 2015. الرابط
35 أسماء عبد الفتاح، 4 خطوات لتخفيف حدة أزمة بوروندي، موقع البديل، 31 مايو, 2015. الرابط
36 اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC ، بوروندي: مساعدة ضحايا اضطرابات ما قبل الانتخابات ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC ، 23 حزيران/يونيو 2015. الرابط
37 IRIN, Uganda feels the strain of the Burundi crisis, IRIN, 11 January 2016. الرابط
38 اللجنة الدولية للصليب الأحمر ICRC ، مرجع سبق ذكره، نفسه.
39 شبكة الإعلام العربية (محيط)، الرئيس الموريتاني يتوجه إلى بوروندي في محاولة لحل الأزمة بالبلاد، شبكة الإعلام العربية، الأربعاء، 24 فبراير 2016. الرابط
40 شبكة رؤية الإخبارية، لبحث الأزمة السياسية.. نائب وزير الخارجية يتوجه إلى بوروندي، شبكة رؤية الإخبارية، 2015م. الرابط
أنظر: حمادة الكحلي، مصر تؤيد قرار مجلس الأمن بشأن الأوضاع فى بوروندى، جريدة المبتدأ، 4-2016. الرابط
41 الهية العامة للاستعلامات، مصر وبوروندي، الثلاثاء, الهية العامة للاستعلامات، 12 أبريل 2016 الرابط
42 السودان وبوروندي يتفقان على تفعيل اللجنة الوزارية وتنشيط لجنة التشاور السياسي، اليوم التالي، 20 فبراير 2016 . الرابط
أنظر: الرابط
43 إيمان أحمد عبد الحليم، “أبعاد زيارة البشير للقارهة وتداعياتها”، المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 24 أكتوبر 2014)، ص 1-10.
44 د. حمدى عبد الرحمن حسن، صراع البحيرات العظمى.. صناعة محلية وخبرة أجنبية، الجزيرة نت، 3/10/2004 م . الرابط
45 عامر خليل أحمد عامر، السياسة الخارجية الإسرائيلية تجاه إفريقيا: السودان نموذجًا (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستراتيجيات، ط1، 2011)، ص27.
46 الجزيرة نت، رئيس بوروندي يتهم “الشباب” الصومالية بالتخطيط لمهاجمة بلاده، الجزيرة نت، 8/5/2015 م الرابط
47 بيار عقيقي، مرجع سبق ذكره، نفسه. الرابط
48 رويترز، الشباب الصومالية تنفي تصريح رئيس بوروندي بالتخطيط لشن هجوم على بلاده، وكالة أنباء رويترز، 17 مايو 2015م. الرابط
49 علي حسن الخولاني، الصراع الأمريكي- الصيني في منطقة البحيرات العظمى بوسط إفريقيا، الرأي برس، 2014/12/17 . الرابط
50 د. حمدي عبد الرحمن حسن، سياسات التنافس الدولي في إفريقيا، مجلة قراءات إفريقية – العدد الثاني – شعبان 1426هـ / سبتمبر 2013م. الرابط
51 علي جبريل الكتبي، تنزانيا في إفريقيا: نموذج للاستقرار السياسي والتعايش الديني، مركز الجزيرة للدراسات (الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات ، 13 أبريل/نيسان 2015)، ص 5-7.
52 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات