fbpx
قلم وميدان

الطريق المسدود: تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي (1)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تولى الجنرال عبد الفتاح السيسي منصب رئاسة الدولة فى مصر رسمياً فى الثلاثين من يوليو عام 2014، وأي تقييم موضوعي لسياسات الرجل، ينبغي أن تنطلق من زوايا متعددة، يتداخل فيها ما هو اقتصادي بما هو سياسي واجتماعي، وما هو داخلي ومحلى بما هو إقليمي ودولي، ولهذا سوف يتحدد فى عدة مسارات هي:

نوع الخطاب والوعود التي قطعها الرجل على نفسه أمام الشعب المصري

سبق تولي الجنرال عبد الفتاح السيسي لمنصبه الرئاسي فى يوليه عام 2014، حملة منظمة ولغة مستخدمة من جانبه موجهة إلى الشعب المصرى، بدأت بالمقولة الشهيرة الواردة فى بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة: “إن هذا الشعب لم يجد مَنْ يحنو عليه”، ثم عاد وتكرر هذا المعنى فى أكثر من خطاب للرجل، فى خضم هذا الصراع، موجهاً حديثه إلى المصريين بتاريخ  9/ 11/ 2013 حينما قال: “أنتم  مش عارفين إنكم نور عينينا ولا أيه”.

وهنا داعب الرجل حلم المصريين باستعادة دورهم على المستوى الحضاري دولياً وإقليمياً، حينما كرر أكثر من مرة بأن “مصر ستعود أم الدنيا.. وقد الدنيا”.

وقامت الشئون المعنوية للقوات المسلحة وكثير من القنوات الفضائية المملوكة لرجال المال والأعمال، بتنظيم حملة دعاية شديدة الذكاء والفاعلية، ترمى إلى نشر صورة إنسانية وذهنية لدى المصريين عن الجنرال السيسي القائد العام للقوات المسلحة، وتوزيع صوره بمئات الآلاف من النسخ فى الميادين والشوارع العامة بكافة المدن المصرية، باعتباره الصنو والوجه الآخر للزعيم جمال عبد الناصر من جهة، وللرئيس الأسبق محمد أنور السادات من جهة أخرى، لمداعبة ومغازلة أنصار ومؤيدي هذا الرئيس أو ذاك، برغم التباين الشاسع بين الرجلين فى التوجهات والانحيازات الاجتماعية والمدركات السياسية. 

وفى حديثه ولقائه التليفزيوني الأول – بعد أن أبدى رغبته فى الترشح للمنصب الرئاسي – مع الإعلاميين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي، بتاريخ 5/ 5/2014،  و 6/5/2014، فى إطار ما يمكن أن يطلق عليه تجاوزاً “الحملة الانتخابية”، لم يقدم الرجل رؤية سياسية أو اقتصادية، بقدر حرصه على أن يبدو الرجل القوى القادر على محاربة الإرهاب، كما حرص على أن يقدم للمصريين صورة الرجل العارف عن ظهر قلب بكل مشاكل مصر، ولديه حلول لها.

ثم حدث التحول الدرامي فى خطاب الرجل، فانتقل من الخطاب الترويجي لمدة عام كامل إلى الخطاب التبريري، فبدا أكثر عصبية، وأكثر غروراً، حينما خاطب المصريين بشدة قائلاً: “لا تصدقوا ولا تسمعوا كلام أحد غيرى”، ثم بدأ لغة بدت لدى المصريين فيها من المبالغة وعدم الحقيقة بأكثر مما ينبغي، حينما خاطبهم قائلا: “أنا ثلاجتي والله العظيم ظلت عشر سنوات ليس بها سوى الماء”، وانتقل بعدها إلى الكلام والخطاب الخشن حينما ردد أكثر من مرة “أنا أجيب لكم منين” و ”أنا – يقصد كدولة – كمان غلبان قوى”، وزاد عليها القول “أيوه أحنا بلد فقير.. وفقير قوى كمان”، وهكذا يكاد يكون الرجل قد قطع حبل المودة والتعاطف الشعبي التى كانت له فى الشهور القليلة السابقة، ويضاف إليها أنه قد كشف دون أن يقصد أنه لا يمتلك حلولاً حقيقية للمشكلات والأزمات الاقتصادية، التى تحياها البلاد منذ سنوات طويلة، والتى ادعى فى بواكير ظهوره على المسرح السياسي أنه يمتلك حلولاً جاهزة لها. 

وفى غمرة الحديث المتكرر منه ومن وسائل الإعلام التي جرى احتواؤها والسيطرة عليها تماماً، حول المشروعات العملاقة، فنقرأ مثلا فى الصحف (السيسي يتعهد بمشروعات تعوض الشعب) ونقرأ فى يوم آخر (39 مشروعاً جديداً افتتحها السيسي)(2)، فإذا بنا نراجع هذه المشروعات فنجد الكثير منها بلا معنى  جوهري مثل:

  • تطوير بوابات تحصيل الرسوم بطريق القاهرة – الإسكندرية. 
  • إنشاء بوابة لمدينة العلمين. 
  • إنشاء بوابة لمدينة 6 أكتوبر.
  • رفع كفاءة طريق الإسكندرية مطروح.
  • كوبرى العباسة العلوم بمحافظة الشرقية.
  • افتتاح تطوير حديقة الأسرة وإنشاء فندق ومجمع مطاعم، ومركز تجارى شمال الحديقة بالقاهرة الجديدة. 
  • تطوير مركز شباب الجزيرة بمنطقة الزمالك.
  • تطوير وتوسعة طريق القاهرة – السويس الصحراوي من الطريق الدائري وحتى الطريق الدائري الإقليمي. 

وهكذا فى معظم المشروعات التى أعلن عنها خلال العام الأول من حكمه، وبقية السنوات الثلاثة اللاحقة، رجل يبحث عن مشروعات لافتتاحها حتى لو كانت قليلة الأهمية، ولا تليق بمقام رئيس الجمهورية، أو مشروعات كان يجرى العمل فيها قبل أن يتبوأ منصبه بسنوات! وحتى مشروع تفريعة قناة السويس الجديدة (37 كيلو متراً)، والتى كانت فى الأصل مشروعاً مخططاً له لدى هيئة قناة السويس، على أن تتم خلال ثلاث سنوات، فإن التكليف الرئاسي بضرورة إنجازها فى سنة واحدة، حتى لو كلف الأمر أن تتضاعف التكاليف ثلاثة أضعاف وتؤثر سلباً على المتاح من النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصرى، ومن الفائض المحول من حسابات هيئة قناة السويس لصالح الخزانة العامة، فقد كانت مدفوعة بتثبيت دعائم حكمه بإنجاز من نوع ما، حتى لو كانت جدواه الاقتصادية لا تتطلب ذلك.

وإذا تأملنا من جانب آخر مضمون الخطابات الرئيسة للفريق عبد الفتاح السيسي، سواء قبل توليه الرئاسة مباشرة، أو بعدها بشهور قليلة نكتشف الآتي:

أولاً: لقاؤه التليفزيوني الأول  بتاريخ 5/5/2014، على قناة سي بي سي  مع الإعلاميين إبراهيم عيسى ولميس الحديدي.

خلال هذا اللقاء الذى انتظره المصريون بشوق، وتابعوه بشغف، واستمر لمدة ساعتين تقريباً، تحددت أفكار الرجل على النحو التالى: 

1-فى مجال التعليم تحدث الرجل عن حاجتنا إلى بناء 20 ألف مدرسة وتعيين 200 ألف مدرس، بما يحتاج فى المتوسط إلى 500 مليار جنيه، ولكنه لم يقدم خطة أو تصوراً لإعادة بناء تلك المنظومة، التى ضاعت وتاهت معها مصر لثلاثة أو أربعة عقود سابقة، فجاء الخطاب بمثابة عذر تعجيزي من ناحية، وخلواً من أى تصور لاقتحام تلك المشكلة، التى يتوقف عليها مستقبل البلاد كلها.

2-وبالمقابل تحدث عن أن الموارد المتاحة لا تسمح بتحسين ظروف المعلم الآن، بما يؤكد مرة ثانية بأن الرجل لا يمتلك رؤية، ولم يطلع على الأفكار والدراسات، التى تناولت وسائل إنقاذ التعليم فى مصر فى ضوء رد الاعتبار لمجانية التعليم وعودة المدرسة العامة لتكون قيادة فى النظام التعليمي بدلاً من تركه نهباً لمفهوم الربح والتجارة والقطاع الخاص.

 3-لم يقترب الجنرال السيسي من موضوع كيفية تعظيم الموارد وبناء سياسات ضريبية عادلة، بل إنه ناشد فى صيغة مكررة ومبتذلة رجال المال والأعمال بالتبرع بالمال، دون أن يرنو بالبصر إلى تجارب الدول الكبرى فى إعادة بناء نظامها الضريبي ليوازن بين الأرباح الهائلة لفئة من الناس والأعباء الضريبية الكفيلة بإعادة بناء الدولة.

4-ولم يتطرق الرجل إلى مهمة إعادة بناء قطاعات الإنتاج المهملة مثل قطاع الثروة المعدنية وشركات القطاع العام وقطاع الأعمال العام، وكذلك مراجعة نظم العمل والتشغيل فى قطاع البترول والغاز الحافل بالفساد ونهب الموارد العامة (3). 

5-وبالمثل لم يتطرق أبداً لموضوع الصناديق والحسابات الخاصة، التى ظلت لسنوات طويلة ركيزة من ركائز دولة الفساد فى عهد حسنى مبارك، بل المصيبة أن الرجل قد بدأ عهده بإنشاء صندوق وحساب خاص تحت مسمى “صندوق تحيا مصر”.

6-لم يتطرق الجنرال السيسي فى هذا اللقاء المهم إلى موضوع استرداد الأموال المنهوبة والمهربة من أركان نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، ومن أموال أسرة حسنى مبارك.

7-وصف الرجل الملك السعودي “عبد الله بن عبد العزيز” بأنه “كبير العرب” و “حكيم العرب”، وبصرف النظر عن مضمون ومعنى هذا التبجيل للملك السعودي، وما يعكسه من تقزيم دور مصر، فلم يسبق لرئيس مصري أن وصف ملكاً سعودياً أبداً بأنه “كبير العرب”، فإنه يتجاهل الدور المدمر الذى قام به هذا الملك وبقية أفراد الأسرة المالكة السعودية فى تفتيت وتدمير المنطقة، سواء فى العراق أو سوريا، أو الحرب المدمرة فى اليمن، وتسليح العصابات التكفيرية المجرمة فى هذه البلدان، والجميع يعلم أن الجماعات التكفيرية بدءاً من القاعدة ومن بعدها داعش، والفصائل المرتبطة بهما فى ساحات القتل والترويع وقطع الرؤوس فى سوريا والعراق واليمن هم على صلات وثيقة بالمخابرات السعودية، وهم أدواتها منذ سنوات طويلة فى سياساتها الخارجية  الإقليمية والدولية.

8-عندما تحدث الجنرال السيسي عن آليات السيطرة على الأسعار والأسواق، قال كلاماً ساذجاً لا يصلح فى إدارة دولة، حيث أشار إلى أنه سوف يوفر- بالتعاون مع القوات المسلحة – ألف سيارة تجوب شوارع المدن المصرية لبيع السلع بأسعار أقل من مثيلتها لدى التجار، وبصرف النظر عن تحويل جزء من الجيش إلى تجار فى الأسواق، فإن هذا الحديث يعكس جهلاً فاضحاً بأسس إدارة الاقتصاد، وفى القلب منها السيطرة على الأسواق عبر حزمة من السياسات المتكاملة، تأتى فى مؤخرتها منافذ التوزيع.

9-انتقل الرجل للحديث حول إعادة التقسيم الإداري للمحافظات بشكل أفقي بحيث يكون لكل محافظة منفذ على البحر، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على هذا لم يتقدم خطوة واحدة فى هذا الاتجاه. 

10-ثم انتقل إلى خطته لاستزراع واستصلاح أربعة ملايين فدان – هبط بها بعد عدة شهور إلى 1.5 مليون فدان فقط – وبرغم أن هذا الهدف مفيد من الناحية الاستراتيجية، إلا أنه يفتقر إلى الأسس العلمية المرتبطة بالمخزون المائي المتاح لدى مصر، خصوصاً بعد شروع أثيوبيا فى بناء سد النهضة ومجموعة سدود أخرى على النيل الأزرق، مما سيحرم مصر من جريان مائي مناسب، إن لم يحرمها من حصتها المائية فى النهر، يضاف إلى ذلك فقر الدراسات الجادة بشأن المخزون المائي الجوفي. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من حكم الرجل لم يتقدم سوى بضعة آلاف من الفدادين فى مناطق واحة الفرافرة ومناطق أخرى لم تزد كلها عن 50 ألفاً إلى 100 ألف فدان.

11-وعند حديثه عن الطاقة، أكد على أن الطاقة الشمسية هي الأساس، وعدم اللجوء إلى محطات توليد الكهرباء بالوقود التقليدي، وسوف يعمل على توفير 4 آلاف ميجاوات مع الاستخدام المكثف للمبات الموفرة. 

12-والأهم أن الجنرال السيسي لم يأتِ على ذكر وجود خطة لتعبئة الموارد والفوائض المالية المتاحة لدى المصريين فى الداخل والخارج، وإنما اعتمد على المناشدات والرجاء.

ثانيا: الانتقال إلى خطابات التخويف 

أما خطاب الجنرال السيسي بتاريخ 24/2/2016، وبعد مرور أكثر من 19 شهراً على توليه المنصب الرئاسي، فقد اتسم بطابع جديد منها:

  • بدأه بخطاب التخويف والحديث حول التآمر على مصر، وهى نفس اللغة التى سبق واستخدمها سلفه الرئيس أنور السادات بعد زيارته للقدس المحتلة فى نوفمبر عام 1977، وتزايد المعارضة الداخلية والخارجية لحكمه، بهدف دفع المصريين لتأييده والالتفاف حول سلطته وتبرير إجراءاته القمعية ضد المتظاهرين من الشباب والمعارضين لحكمه، وتعمد الخلط بين المجموعات الإرهابية وبين معارضيه من التيارات السياسية المدنية الأخرى.
  • ثم كرر الحديث الذى سبقه إليه الرئيس المخلوع حسنى مبارك عام 1982، بالقول بأن البنية الأساسية لمصر محطمة، وهو يتولى الآن إعادة بنائها، سواء فى مجال الطرق ومحطات الكهرباء وغيرها، وهو كلام مردود عليه. 
  • كرر الرجل الحديث حول أنه يعرف مصر ومشاكلها تماماً كما يرى مشاهديه، والتنبيه على الشعب بألا يسمع من آخرين، والقول بلغة غير مسبوقة فى الخطاب السياسي لرؤساء مصر من قبل “أنا فاهم باقول أيه”. 
  • ثم عاد الرجل  بتاريخ 3/6/2016، وبعناد وكبر غير معهود – إلا فى خطابات الرئيس الأسبق أنور السادات – بالحديث  حول تضخم الجهاز الإداري المصرى، وشموله على حوالى سبعة ملايين موظف، وأنه يستطيع إدارته بمليون موظف فقط..!!،

كما برز فى هذا الحديث استخدامه للغة التهديد لخصومه.

أ- كما تجنب الرجل الحديث أو التطرق على الإطلاق إلى الموضوعات الحيوية فى إدارة الشأن الاقتصادي، بما يعكس نمط تحيزاته واتجاهات مدركاته السياسية ومنها:

ب- تجاهل شركات القطاع العام وشركات قطاع الأعمال العام، وموقفه من إعادة تشغيلها. 

ت- لم يتطرق أبداً إلى ضرورة بناء نظام ضريبي عادل بهدف تعظيم الإيرادات من ضرائب أرباح الشركات ودخول وثروات الأغنياء، والتى يقدرها الخبراء بأكثر من 150 مليار جنيه إلى 300 مليار جنيه إضافية.

ج-  لم يتطرق أبداً إلى قضية استرداد الأموال المنهوبة من مصر من رموز نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بما يؤكد أنها ليست فى أولوياته ولا اهتماماته، خصوصاً وأن بعض أقرب المقربين إليه سوف تمسها إجراءات التحقيق، والكشف عن ثرواتها خصوصاً من قيادات الجيش.

د- لم يتطرق أبداً إلى رؤيته لتفكيك ركائز دولة الفساد المستشري فى البلاد، وكل ما فعله – هو تماماً ما فعله من قبله الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى مطلع حكمه عام 1982 – بالقبض على بعض الفاسدين من شاغلي مناصب وزارية محدودة العدد جداً.

ه – لم يتطرق أبداً لما يُسمى “إستراتيجية مصر 2030”، التى وضعتها وزارة التخطيط ووزيرها أشرف العربي، كإطار أكاديمي لتوفير مظلة نظرية لنظام الحكم الجديد، دون أن يكون هناك مقومات لنجاحها، نظراً لغياب النسق السياسي والاختيارات الاجتماعية، التى تحكم أية خطة طويلة المدى، وبالنظر لكونها ليست من بنات أفكاره، ولا تتفق مع قناعاته وتحيزاته الاجتماعية الحقيقية.

و- لم يشتمل حديثه أبداً – سواء فى هذه المرة أو فى غيرها – على الأبعاد والرؤية الإستراتيجية لسياسة مصر الإقليمية والدولية، مثل تورطنا فى تأييد الحرب العدوانية للسعودية والإمارات على  شعب اليمن، ولا الموقف السياسي الواضح من المأساة السورية، ولا الوضع فى العراق، وترك لوزراء الخارجية التصرف وفقاً لما تمليه ظروف اللحظة ووقائعها، دون رؤية إستراتيجية واضحة، مما ورط نظامه فى مواقف فاضحة ومثيرة للشفقة فى مجلس الأمن الدولي.

ز- وانطلق الخطاب إلى الحديث المغلوط حول الدعم فقال إنه فى عامين ونصف العام استهلكت مصر وقوداً بالأسعار العالمية قدره 533 مليار جنيه، وبالأسعار المحلية 384 مليار جنيه، وأن أشقاءنا فى الخليج أسهموا معنا ب 151 مليار جنيه (أى 20 مليار دولار بسعر الصرف السائد وقتئذ وقبل تغريق الجنيه المصرى فى 3 نوفمبر عام 2016). وعلاوة على كون هذا الحديث مغلوطاً اقتصادياً – وهو ما سنتعرض إليه بعد قليل – فإنه يقدم نفس الخطاب التبريري الذى كان يقدمه نظام حسنى مبارك ومسئولوه حول موضوع الدعم.

ح – ووعد الرجل ببناء مليون وحدة سكنية تتكلف 165 مليار جنيه (أى بتكلفة للوحدة قدره 165 ألف جنيه)، دون أن يحدد مَنْ يستطيع أن يدفع تكاليفها بالتقسيط أو نقداً.

وفى لقائه بتاريخ 3/6/2016، أفصح الرجل عن نمط اهتماماته وأولوياته، فركز على العاصمة الإدارية الجديدة، مقابل إهمال مقصود لقضية التعليم، حينما أشار إلى أن قضية التعليم تحتاج إلى جهد كبير وثلاثة عشر عاماً ومئات المليارات من الجنيهات لإصلاحها، وبهذا أكد على أنها ليست فى جدول اهتماماته، على الأقل فى الفترة الرئاسية الأولى، وربما ما بعدها.

وبعد ستة شهور من هذا الحديث أطل الرجل مرة أخرى فى حديث مطول بتاريخ 23/8/2016 لصحيفة الأهرام وبقية الصحف الحكومية الثلاثة (أهرام – أخبار – جمهورية)، فركز فيه على إنجازاته منذ تولى الحكم فى العامين الماضيين فذكر:

  • تطرق إلى إنجاز الطرق فذكر أنها سبعة آلاف كيلو متر، بينما كان أصل المشروع ثلاثة آلاف كيلو متر، وكذلك بناء 200 كوبرى، وتصل قيمة هذه المشروعات 100 مليار جنيه حتى منتصف يونيه 2017. وإذا علمنا أن تكلفة بناء كيلو متر واحد من الطرق يتكلف 10 ملايين جنيه، فنحن فعلياً بصدد 70.0 مليار جنيه للطرق وحدها.
  • محطات الكهرباء سوف ينفق عليها 400 مليار جنيه (أى 20 مليار دولار بأسعار صرف بعد تغريق الجنيه فى نوفمبر 2016).
  • وفى سابقة  فريدة تذكرنا بمقولة الرئيس الأسبق أنور السادات حينما دلل للمذيعة التليفزيونية (همت مصطفى) التى تحدثه عن الرخاء الذى وعد به المصريين عام 1980 قال السادات: “نحن فعلا دخلنا الرخاء يا همت يا بنتي.. متر الأرض كان بملاليم والآن أصبح ب 500 جنيه وأكثر”، هنا كررها الجنرال السيسي بطريقة مدهشة، حينما ذكر أنه قد أضاف أصولاً جديدة للدولة تصل إلى 1.2 تريليون جنيه، من خلال العاصمة الإدارية الجديدة المزمع إنشاؤها من خلال احتساب مساحة الأراضي المخصصة لها مضروبة فى سعر بيع المتر المربع (1.2مليار متر مربع × ألف جنيه للمتر المربع الواحد)، هذا وكأن هذه الأراضي سوف يدخل ريع بيعها إلى الخزانة العامة، وليس إلى جيوب السماسرة وشركات المقاولات  وشركات الجيش التى لا تسدد ضرائب..!
  • ثم عاد وكرر مقولة ضرورة تخفيض عدد الموظفين فى الدولة، وأضاف الرجل فى حديثه أن هناك ألفى شركة بناء وتشييد تعمل فى تلك المشروعات تحت إشراف الجيش، دون أن يذكر أنه مقابل هذا الإشراف تحصل القوات المسلحة وجهاز الخدمة الوطنية، والإدارة الهندسية فيها على حصة إشراف تصل أحياناً إلى 20% من قيمة المشروع، مما يحمل هذه المشروعات بتكاليف إضافية يتحملها الاقتصاد المصرى دون مبرر موضوعي، سوى الرغبة فى تحقيق أرباح وإيرادات ضخمة للجيش.
  • كما ذكر الرجل فى حديثه أن القوات المسلحة تستورد اللحوم وغيرها من السلع دون وسطاء، وبرغم أن هذا هو دور وزارة التموين وهيئة السلع التموينية فيها، فان المفترض أن استيراد هذه السلع دون وسطاء من شأنه تخفيض أسعارها بصورة كبيرة وملحوظة فى السوق المصرية، ولكن ما بدا من التجربة أن ما تطرحه سيارات القوات المسلحة لبيع تلك السلع لا تقل كثيراً عن تلك الأسعار، التى يبيع بها التجار والمحتكرون فى السوق المصرية، وكأننا نضيف إلى المحتكرين من القطاع الخاص، محتكراً جديداً هو الجيش، دون فائدة حقيقية تعود على المستهلكين المصريين الفقراء ومحدودي الدخل.
  • وفى محاولة للدفاع عن القوات المسلحة ذكر الرجل أن كل اعتماداتها لا تزيد عن 2.5% من الناتج القومي، وهى نسبة ضئيلة، وذلك دون أن يتطرق على الإطلاق إلى الصناديق والحسابات الخاصة التابعة للجيش، والتى لا يعرف أحد عنها شيئاً، سواء من حيث الحجم أو طريقة التصرف فيها، ودون أن تسدد عنها أية مستحقات ضريبية، ودون أن يتقاضى الجنود والضباط العاملون فى قطاعاتها مرتبات تتناسب مع تلك الأرباح الهائلة المتوارية عن الأنظار والأجهزة الرقابية ومجلس النواب ( راجع تصريحات اللواء حسن الروبي عن حسابات الجيش). 
  • وكوسيلة دفاعية قال الرجل أرقاماً ومعلومات غير صحيحة، فذكر أن دعم الكهرباء رفع فقط على مَنْ يزيد استهلاكه شهرياً عن ألف كيلو وات،  كما ذكر أن مَنْ يستهلك 50 كيلو وات شهرياً يحصل على دعم قدره 28 جنيهاً، وبصرف النظر عن الطريقة الخاطئة التى اعتمدها وتعتمدها الحكومات المصرية منذ عام 2005 فى احتساب ما يُسمى دعم المنتجات البترولية عموماً والكهرباء خصوصاً، فإن الحقيقة المنشورة فى كافة المصادر الرسمية تؤكد أن الكهرباء قد زادت أسعارها منذ أن تولى حتى لحظة كتابة هذه السطور (سبتمبر 2021) خمس مرات، بدأت من استهلاك شهري 50 كيلو وات فأكثر وبصورة كبيرة وملحوظة ومرهقة للأسر المصرية.

السيسي و استخدام خطاب المغالطات و المعلومات الخاطئة عمدا !!

فى حديث الجنرال السيسي أمام مؤتمر الشباب السادس المختارين بعناية مساء يوم السبت الموافق 28/7/2018،   ذكر الرجل مجموعة من المعلومات  والأرقام المغلوطة التى  قد يكون من المناسب  مناقشتها وتفنيدها أمام الرأي العام وهى: 

1-أن تكلفة زيادة أجور المدرسين بقيمة ألف جنيه فقط شهريا، سوف تكلف الخزانة العامة 15 مليار جنيه سنويا، وأننا غير قادرين على ذلك، برغم رغبتنا فى تحقيقها، وأحد أسباب ذلك هو أن بقية الفئات الوظيفية سوف تطالب بالزيادة أيضا. والحقيقة أن هذا الكلام يعكس مغالطة وسوء إدارة للموارد معا، فمن ناحية تعتبر وزارة التربية والتعليم فى مصر هي أكبر مشغل للعاملين حيث يعمل بها حوالى 1.7 مليون موظف، منهم 1.3 مليون مدرس وإدارة مدرسية، وهؤلاء يحصلون على أدنى الدخول الوظيفية فى البلاد وربما فى العالم أجمع، حيث يحصلون على مرتبهم الوظيفي والأجور المكملة لا تزيد على 1200 جنيه كحد أدنى إلى 3500 جنيه للمدرسين الذين قاربوا على سن الستين، بالمقابل فإن الجنرال السيسي قد قام بزيادة أجور وحوافز فئات وظيفية أخرى بصورة كبيرة جدا خلال سنوات حكمه مثل ضباط الجيش والشرطة وأفراد الشرطة، والقضاة والعاملين فى السلك القضائي، و العاملون فى السلك الدبلوماسي والقنصلي، وأعضاء مجلس النواب والوزراء والعاملين فى أجهزة الاستخبارات بكافة فروعها، بحيث أن حصة العاملين فى وزارة التربية والتعليم وبقية العاملين فى المحافظات ( وعددهم يزيد على 3.5 مليون موظف ) لا يزيد على 40% من كعكعة الأجور والمرتبات الواردة فى الموازنة العامة، بينما العاملون فى وزارات القوى والجهاز الإداري ( وعددهم لا يزيد على 1.3 مليون موظف منهم 830 ألف فى الشرطة ) يحصلون على 55% من كعكعة الأجور والمرتبات. وهنا جوهر الخلل فى إدارة الموارد المالية  والتحيز لصالح فئات معينة بسبب حاجة النظام والحكم إلى ولاءها وطاعتها مثل القضاء والشرطة والجيش والوزراء وأعضاء مجلس النواب، على حساب الفئات الوظيفية الأضعف التى ينظر إليها الجنرال السيسي  ونظامه بازدراء واستهانة كما قال بالنسبة للمدرسين.

2-وبالنسبة للمدرسين أيضا، فإن إعادة تنظيم موارد وزارة التربية والتعليم من شأنها زيادة دخلهم الشهري بحوالي 750 جنيها شهريا إلى 1000 جنيه شهريا لكل مدرس من خلال إعادة النظر فى طريقة صرف بعض المخصصات المالية مثل مكافاة الامتحانات التى تصرف فى نهاية العام الدراسي، وبمتوسط 3500 جنيها إلى 5000 جنيه للمدرس أو العامل فى قطاع التربية والتعليم، بينما يظل المدرس طوال العام يحصل على أدنى المرتبات والدخول، فإذا أعادنا توزيع المخصص المالي لمكافآت الامتحانات على مدار العام، يزيد دخل المدرس فى المتوسط بين 750 جنيها شهريا إلى ألف جنيه شهريا دون أن تحتاج إلى تعزيزات مالية أضافية، ومن شأن ذلك تخفيف حدة العوز والحاجة للمدرسين الذى يدفعهم دفعا إلى تعاطى جريمة الدروس الخصوصية. 

3-من شأن وقف الإسراف فى كثير من الجوانب الحكومية مثل مكاتب الوزراء والمسئولين  وبناء القصور الفاخرة والاستراحات والمباني الحكومية فى مدينة العلمين وغيرها،  ووقف الهدر فى بعض أبواب الموازنة العامة للدولة مثل المجموعة الخامس من الباب السادس (الاستثمارات) وخصوصا مخصصات الدراسات المتعلقة بالمشروعات التى يحصل عليها غالبا مكاتب استشارية لوزراء سابقين ولاحقين وأبناءهم، وأقرباءهم ومنهم محمود محيى الدين وشريكه زياد بهاء الدين وغيرها من المكاتب الاستشارية والتى تكلف الموازنة العامة ما بين 8.0 مليار جنيه إلى 13.0مليار جنيه سنويا،  خصوصا فى السنوات السبع الأخيرة، وغيرها من النفقات غير الضرورية التى تعرضت لها فى الكثير من كتبي وأبحاثي، أن توفر جزء من المبلغ المطلوب.

4-بالنسبة للمغالطات فى موضوع الدعم فقد ذكر الرجل فى هذا المؤتمر السادس وأمام جمع كبير من الشباب المختارين أمنيا ومن خلالهم إلى بقية الشعب المصرى، أن تكلفة الدعم الوارد فى موازنة هذا العام (2018/2019) هي 330 مليار جنيه … هكذا وترك الرقم يمرح بين الناس دون توضيح حقيقته، تماما كما الآية الكريمة ” ولا تقربوا الصلاة.. ” فلم يستكمل النص القرأني صحيحا كما ورد فى القرآن. 

والحقيقة التى نرغب فى عرضها على الرأي العام هي: 

1-أن هذا الرقم (330 مليار جنيه)، ورد فى باب واسع فى الموازنة العام للدولة لعام 2018/2019 تحت مسمى ” الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ”، وهى مكونات أكبر من  مجرد مصطلح ” الدعم ” الذى يتبادر إلى الذهن مباشرة لدى المصريين. 

2-أن مكونات هذا الباب  تتوزع على عناصر وبنود كثيرة هي: 

(أ)ما يسمى الدعم بقيمة 213.7 مليار جنيه، وهى تشمل بنود متعددة منها ( دعم السلع التموينية – دعم المواد البترولية –دعم تنشيط الصادرات – دعم الكهرباء – دعم التأمين الصحي – دعم المزارعين – دعم فوائد الإسكان والقروض الميسرة – دعم تنمية الصعيد )، وهذه الأرقام تحمل مضامين بعضها  يمثل تلاعب محاسبي ومالي بدأ منذ عام 2005/2006 كما عرضنا فى عدة مقالات ودراسات وكتب  خصوصا ما يسمى  دعم المشتقات البترولية والغاز والكهرباء .

(ب)المنح وقدرها 7.7 مليار جنيه وتشمل المنح لجهات الحكومة العامة وللحكومات الأجنبية ومنح أخرى. 

(ج)مزايا اجتماعية وقدرها 93.6 مليار جنيه وهى تشمل معاش الضمان الاجتماعي ( 17.5 مليار جنيه ) ومساهمات فى صناديق المعاشات (69.0 مليار جنيه )، وهى فى الحقيقة مستحقات أصحاب المعاشات الذين أحيلوا للتقاعد بعد خدمتهم لسنوات طويلة، وبالتالي فهي أموال أصحاب المعاشات التى استولت عليها الحكومة المصرية منذ عام 2005/2006  من خلال تلاعب مالي قامت به حكومة أحمد نظيف ووزير ماليته الهارب يوسف بطرس غالى، أى أنها فى معظمها ديون مستحقة على الحكومة المصرية، لم تكن لتدرج فى الموازنة العامة أو تتحملها الموازنة العامة أصلا، لولا هذا الاستيلاء المسبق للحكومة المصرية على أموال صندوقي التأمينات والمعاشات منذ عام 2005/2006،  وهو بالتالي ليس دعما بالمعنى العلمي الدقيق بقدر ما هو تسديد لدين على الحكومة المصرية ووزارة المالية لصالح صندوقي التأمينات والمعاشات، وفى المحصلة فهي نتيجة لسوء إدارة الموارد المالية للدولة وتصرفاتها الشاذة. 

كما أن هذه المساهمات فى صناديق المعاشات، تتفاوت بين الفئات الوظيفية المختلفة، فمعاشات فئات مثل القضاة وضباط الجيش والشرطة، تلتهم جزءا كبيرا من هذا الباب المالي، بينما الفئات الوظيفية الضعيفة والكادر العام لا يحصلون من هذه المساهمات على معاشات تليق بالبشر والإنسان المصرى.

(د) وهناك مبلغ مالي مدرج تحت مسمى احتياطيات عامة للدعم والمنح وقدره 16.8 مليار جنيه، أى انه مجرد احتياطيات عامة قد لا يصرف أصلا، وغالبا ما تسترجعه الموازنة العامة للدولة فى ختام السنة المالية، أللهم ألا حدثت كارثة كبرى كالزلازل والبراكين، ومصائب القطارات والطرق.. الخ، وبالتالي فغالبا هذا المبلغ سيرد إلى الخزانة العامة ويصبح رقم هذا الباب ككل أقل كثيرا  من 330.0 مليار جنيه بقيمته، كما ورد فى حديث الجنرال السيسي  

أما بالنسبة للدعم الوارد فى موازنة عام 2018/2019 والبالغ حجمه 213.7 مليار جنيه فهو موزع كالتالي: 

1-دعم السلع التموينية وقدره  86.2 مليار جنيه، بعد أن كان 47.5 مليار جنيه فى موازنة عام 2016/2017، والزيادة طبعا بسبب احتسابه بسعر صرف الدولار الجديد بعد تغريق الجنيه المصرى فى نوفمبر عام 2016، فقز سعر الدولار من 8.9 جنيه للدولار إلى حوالى 18.0 جنيه للدولار حاليا، أى بسبب سياساته الفاشلة واتفاقه مع صندوق النقد الدولي وبطانة السماسرة والبورصجية المحيطين به ويديرون السياسة الاقتصادية المدمرة للشعب المصرى ومقدراته. 

2-دعم ما يسمى المواد البترولية وقدره 89.0 مليار جنيه بعد أن كان فى عام 2016/2017 حوالى 115.0 مليار جنيه، وهذا الرقم يتضمن مغالطة محاسبية كبرى سبق وشرحتها عدة مرات وفى أكثر من وسيلة إعلامية، فالحقيقة أنهم يرغبون فى بيع المنتجات البترولية بما يماثلها فى السوق الغربية وتحديدا الأمريكية  بينما تكاليف إنتاجها محليا تقل بحوالي الثلث عن مثيلتها فى الغرب، لأن قطاع البترول  والطاقة والكهرباء قد أصبح يسيطر عليه منذ مطلع الألفية الثالثة القطاع الخاص والمستثمرين العرب والأجانب الذين ما فتأوا يضغطون على متخذ القرار فى مصر لزيادة أسعار بيع المنتجات البترولية لتقارب نظيرتها فى الأسواق الغربية.  

3-دعم تنمية الصادرات وقدره 4.0 مليار جنيه، وهى دعم مخصص للمصدرين من رجال المال والأعمال الكبار، فبدلا من أن يوفر هؤلاء مصدر إضافي للدخل المصرى من العملات الأجنبية، يحصلون على دعم مالي من الموازنة العامة بحجة تخفيض تكاليف إنتاجهم حتى يتاح لهم مجالا للتنافس الخارجي، ومن ثم أصبحوا عبئا على الموازنة العامة للدولة وقد زاد هذا الدعم إلى 7.0 مليارات جنيه فى موازنة عام 2020/2021.

4-دعم المزارعين وقدره 1.0 مليار جنيه فقط،  وقارنوا بين هذا الدعم المخصص غالبا للفلاحين المزارعين للقمح وبعض المحاصيل الزراعية، وما يمنح كدعم للمصدرين من أمثال جلال الزوربا  وأحمد خميس، وأحمد عرفة ومجدى طلبه زوج وزيرة الاستثمار الحالية سحر نصر، وغيرهم من كبار رجال المال والأعمال.

 5-دعم الكهرباء وقدره 16.0 مليار جنيه، وكان فى السنوات السابقة حوالى 23.6 مليار جنيه عام 2014/2015 وبعدها 28.5 مليار جنيه فى عام 2015/2016، وبعدها 27.6 مليار جنيه فى عام 2016/2017 وبعدها 30.0 مليار جنيه فى عام 2017/2018، وهنا نلاحظ أن خفض قيمة ما يسمى الدعم للكهرباء قد انخفض من 30.0 مليار إلى 16.0 مليار فى العام 2018/2019، أى أن المواطنين المصريين الفقراء والطبقة الوسطى غالبا قد تحملوا حوالى  14.0 مليار جنيه هذا  العام فى فواتير الكهرباء، وهناك خلل بنيوي أخر سبق وتعرضت إليه من قبل حول أكذوبة وتحايل احتساب دعم الكهرباء، بسبب التلاعب المحاسبي الذى جرى منذ عام 2005/2006، وبناء عليه أصبح احتساب تكلفة إنتاج الكيلو وات ساعة تتم وفقا لطريقة احتساب مستلزمات تشغيل محطات الكهرباء بالسعر العالمي ( سولار – مازوت – غاز طبيعي ). 

6-دعم نقل الركاب وقدره 1850 مليون جنيه، وهى نفس القيمة تقريبا التى كانت قائمة منذ  خمس سنوات  سابقة، وهى أيضا ناتجة عن تشوهات فى حساب ما يسمى الدعم، وحساب تكاليف مستلزمات التشغيل لمرافق النقل وفقا للأسعار العالمية لمنتجات الطاقة مثل السولار والكهرباء وغيرها، وسوف يلاحظ القارئ المصرى المتابع أن كثير من حسابات ومخصصات دعم بعض المرافق الأخرى هي ناتجة عن الخطأ الأصلي فى احتساب منتجات البترول على أساس الأسعار فى السوق الدولية، وهى اللعبة المحاسبية التى أشرنا إليها من قبل ومنذ عدة سنوات، ومن شأن تصحيح الخطأ الأصلي، أن تعتدل حسابات القطاعات الأخرى. 

7-دعم التأمين الصحي والأدوية وبلغ فى موازنة 2018/2019 حوالى 3.3 مليار جنيه،  بينما كان فى عام 2014/2015 حوالى 840 مليون جنيه فقط، وجزء من هذه الزيادة فى دعم التأمين الصحي، ليس بسبب الرغبة فى تحسين هذا المرفق الحيوي، وأنما بسبب الزيادة الهائلة التى جرت فى السنتين الأخيرتين فى أسعار الأدوية، والسبب أيضا هو ما جرى من سياسة تغريق ( تحرير ) الجنيه المصرى، مما أدى لهذا الارتفاع الكبير فى المخصصات المالية لدعم التامين الصحي والأدوية.

8-أما دعم الإنتاج الصناعي فهو صفر جنيه، بينما كان حوالى 1400 مليون جنيه فى عام 2017/2018، وقبلها كان 640 مليون جنيه،  أى أن الجنرال السيسي  لا يهتم مطلقا بالقطاع الصناعي، بل يركز كل قوته على المقاولات والبناء والتشييد والتربح من وراءها، مما يجعلنا نذهب إلى أن سياسات هذا الرجل تخريبا لمصر واقتصادها. 

9-دعم تنمية الصعيد  لم تزد على 200 مليون جنيه فقط لا غير، وقبلها كان 200 مليون جنيه أيضا، وقبلها كان صفرا، وبالتالي فكل الادعاء بتنمية الصعيد دعاوى ليست صحيحة على الإطلاق. 

10-أما دعم إسكان محدودي الدخل فقد بلغت صفر جنيه فى تلك الموازنة، أكررها مرة أخرى صفر جنيه، بينما يتشدق فى كل إجتماع أو خطاب بأنه يبنى للفقراء ويدعم الاسكان الاجتماعي لمحدودي الدخل.

11-أخرى فقد بلغت 10.6 مليار جنيه فى موازنة عام 2018/2019، وهكذا تضاعفت قيمتها عن عام 2014/2015 التى كانت 5.1 مليار جنيه، وهذه الأخرى قد تذهب إلى قطاعات غير معلومة الأن، أو لبعض مؤسسات القوى فى البلد ( الجيش والشرطة والقضاء والمخابرات بأنواعها ).

وإذا قارنا ذلك الوضع عام 2018/2019، بما جرى فى مشروع موازنة عام 2020/2021، نكتشف استمرار هذا التلاعب وسياسة تضليل الرأي العام فى مصر، فعلى سبيل المثال بلغ المبلغ المخصص لما يسمى ” الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية ” حوالى 326.3 مليار جنيه (بينما كان فى العام السابق 327.7 مليار جنيه والعام 2017/2018 حوالى 329.4 مليار جنيه )، فيبدو الأمر لغير المتخصصين، أن مخصص هذا الباب مازال كبيرا جدا، بينما فى الحقيقة هناك انخفاض كبير جدا فى مخصص الدعم الذى يستفيد منه المواطنون محدودي الدخل، فما يسمى دعم المشتقات البترولية أنخفض من 52.9 مليار جنيه عام 2019/2020 إلى 28.2 مليار جنيه عام 2020/2021، وكذلك أنخفض دعم الكهرباء من 4.0 مليارات جنيه إلى صفر جنيه، وبالمقابل زاد دعم المصدرين من رجال المال والأعمال من 3.6 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 7.0 مليار جنيه عام 2020/2021، أما المساهمات فى صناديق المعاشات فقد قفزت من 48.5 مليار جنيه عام 2018/2019 إلى 130.0 مليار جنيه عام 2020/2021، بسبب زيادة القسط الذى تسدده وزارة المالية لصالح صندوقي التأمينات والمعاشات اللتين استولت على أموالهما منذ عام 2005/2006 

وسوف نلاحظ أن خطيئة إبليس الأصلية تبدأ من سياسات وقرارات اتخذها الجنرال السيسي والطاقم المعاون له  بداية من تغريق الجنيه، مرورا بزيادة أسعار المنتجات البترولية والطاقة، انتهاءا بالتحيز المطلق للأغنياء ورجال المال والأعمال والسماسرة ومنحهم المزيد من المزايا الضريبية والجمركية وتخفيض الضرائب، على حساب سياسات عادلة فى تحمل أعباء الأزمة، هذا ناهيك عن سياسات المقاولات التى يتبعها ويحقق هو وبعض من هم وراءه فى مؤسسات القوى أرباحا هائلة، واستنزاف ونهب الأراضي التى أضاعت على الدولة مئات المليارات من الجنيهات مثلما هو الحال فى العاصمة الإدارية الجديدة.

هذا المقال جزء من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق، الطريق المسدود ـ تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي.
وسيكون نشره علي عده أجزاء

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close