fbpx
اقتصادقلم وميدان

الطريق المسدود: تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي (2)

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

ذكر الجنرال السيسي في حديثه أمام مؤتمر الشباب، ومن خلاله إلى الرأي العام، بأن العاصمة الإدارية لم نأخذ جنيها واحدا من الموازنة العامة للدولة لصالح هذا المشروع، وأقسم بأغلظ الأيمان، بأن هذا لا يحدث، بل على العكس نحن نقدم للخزانة العامة.

والحقيقة ان هذا الكلام يحمل مغالطات بعدد حروفه لعدة أسباب هي :

1-أن التجهيز اللوجيستي للموقع الذى يزيد مساحته مع تجمع الشيخ محمد بن زايد على 166645 فدانا كما ورد في القرار الجمهوري بقانون رقم (57) لسنة 2016 (أى ما يعادل 700 مليون متر)، تتولاه هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة مع جهات أخرى سوف نذكرها بعد قليل، وهذه الهيئة الاقتصادية هي هيئة حكومية، تعامل مثلها مثل 50 هيئة اقتصادية أخرى منذ عام 1980/1981 بطريقة خاصة، نظمها القانون رقم (11) لسنة 1979، المعدل لقانون الموازنة العامة للدولة، بحيث تكون هذه الهيئات باعتبارها مستقلة عن الموازنة، وتظل علاقتها بالموازنة العامة، قائمة على تحويل الفائض المتاح لديها، أو في حالة العجز تحصل على تمويل من الموازنة لتغطية هذا العجز، وقد حدد قانون هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة رقم (59) لسنة 1979 وتعديلاته اللاحقة موارد هذه الهيئة في أربعة مصادر هي:

-ما تحصل عليه من اعتمادات مالية من الموازنة العامة للدولة سنويا، وهى مبالغ تقدر بعدة مليارات من الجنيهات.

– مبيعات الأراضي التي تقوم ببيعها سنويا، وهى أيضا عدة مليارت من الجنيهات بصرف النظر عن الفساد الذى ظل ملازما لهذه الهيئة ومعها هيئة التعمير والتنمية الزراعية التابعة لوزارة الزراعة.

– التبرعات والهبات التي تحصل عليها الهيئة .

– غيرها من الموارد .

ومنذ ذلك التاريخ تقوم هذه الهيئة بتحويل جزء كبير من مواردها وفوائضها إلى حسابات وصناديق خاصة، لم تكن تخضع أبدا  للرقابة والمحاسبة الجادة والحقيقية، وخصوصا في ظل وزراء الإسكان محمد إبراهيم سليمان وأحمد المغربي، وإبراهيم محلب، ومصطفى مدبولي، وهذه الهيئة لديها موارد مالية ولا تحولها إلى الخزانة العامة  فتحرم الموازنة العامة من إيرادات وموارد كبيرة، وبالتالي فقول الجنرال السيسي أنه لا يأخذ مليما واحدا من الموازنة العامة للدولة لمشروعه المسمى العاصمة الإدارية الجديدة هو قول خاطئ ومضلل للرأي العام .

2-من ناحية أخرى فإن القرار الجمهوري رقم (57) لسنة 2016، قد قضى بعملية تحويل ونهب أموال الدولة من خلال وضع اليد على 700 مليون متر، وضمها إلى هيئة أراضي القوات المسلحة، على أن تكون هذه الأراضي بعد تقييمها بمثابة حصة هذه الهيئة في الشركة المساهمة التي أنشأوها – ويتولاها  أحد اللواءات  – ومعه هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة كغطاء للموقف، وتتولى هذه الشركة عمليات تقسيم الأراضي والبناء للشقق والفيلات والقصور، وبيعها، على أن تورد إيراداتها وأرباحها إلى حسابات هذه الشركة، فإذا قدرنا أن ما سوف يستخدم من هذه المساحة لن يزيد على الربع فقط (25%)، فإن لدينا حوالى 175 مليون متر مربع حصلت عليها هذه الشركة الجديدة دون أن تدفع مليما واحدا ثمنا للأرض لحسابات الدولة والخزينة العامة، وإذا قدرنا أن قيمة المتر المربع هو ألف جنيه فقط لا غير، فإن هذه الشركة قد حصلت على ما قيمته 175 مليار جنيه بلا مقابل، وإذا كانت هذه الشركة تبيع الشقق الأن بسعر 11 ألف جنيه للمتر المربع،  والفيلات والقصور بسعر للمتر يتراوح بين 28 ألف جنيه إلى 35 ألف جنيه، فلكم أن تتصوروا حجم الأرباح الهائلة التي تحققها هذه الشركة، دون أن تسدد قيمة الأرض التي حصلت عليها مجانا ..!!! كما أننا لا نعرف على وجه الدقة كيف ستحاسب هذه الشركة ضريبيا …!!! 

3-وعندما يقول الجنرال السيسي أنه بهذا المشروع قد أضاف للدولة واقتصادها أصولا بقيمة تريليون جنيه، فهو قول خادع ومضلل، ذلك أن هذه الأصول العقارية تدور رحاها بين الأفراد وشركات المقاولات والسماسرة والمضاربين، دون أن يدخل منها جنيه واحد للخزانة العامة للدولة، وبالتالي لم يستفد بها الشعب المصرى، خصوصا الفقراء والطبقة الوسطى، الذين يبحثون عن نظام تعليمي جيد ونظام صحى مناسب وبيئة نظيفة دون أن يجدوها في جمهورية الجنرال السيسي.

مغالطات الجنرال السيسي حول الاحتياطي النقدي في البنك المركزي 

يفاخر الجنرال السيسي ووسائل إعلامه منذ العام ( 2018) وحتى اليوم بموضوع زيادة الاحتياطي النقدي المتاح لدى البنك المركزي المصرى من أقل من 18.0 مليار دولار عام 2016، إلى 44.0 مليار دولار عام 2018 

والحقيقة التي ينبغي أن نعرفها، أن ما ذكره الرجل هو خديعة نقدية واقتصادية أضافية، ومغالطة من الرجل، ذلك أن العبرة في بناء الاحتياطي النقدي للدول، هو ما تملكه فعلا، ويكون في ملكية خاصة للدولة لا يشاركها فيه أحدا، وإذا تأملنا مكونات الاحتياطي النقدي الذى ذكره الجنرال السيسي فسوف نكتشف أن 70% منه لا تملكه مصر، وإنما هي ودائع لفترة من الزمن  مقابل فوائد كبيرة، قد يستردها أصحابها في أى وقت، هي بهذا المعنى أقرب للديون لأطراف دولية .

ويتوزع الاحتياطي النقدي  حتى يونيه 2018 على النحو التالى:

  • ودائع خليجية  لدى البنك المركزي المصرى قدرها 12.0 مليار دولار مقابل فوائد سنوية.
  • دين صندوق النقد الدولي وقدره 8.0 مليار دولار، ويبقى 4.0 مليار دولار لم تحصل عليها مصر بعد، وسوف تبدأ في سدادها على أقساط بداية من عام 2023 .
  • دين لصالح البنك الدولي قدره 3.0 مليار دولار، وسوف يبدأ السداد بعد عام 2022 .
  • دين لصالح البنك الأفريقي للتنمية وقدره 1.5 مليار دولار.
  • دين لصالح البنك الأوروبى لإعادة الإعمار وقدره 1.5 مليار دولار.
  • سندات دولية مستحقة على وزارة المالية المصرية قدرها 6.0 مليار دولار. 

أى أن مجموع الديون والودائع المملوكة لأطراف دولية وعربية تزيد على 30.0 مليار دولار، فأين هو الاحتياطي النقدي لمصر، علما بأن بداية مرحلة السداد سوف تبدأ من عام 2022، أما الودائع الخليجية فهي تجعل نظام الجنرال السيسي تحت رحمة المملكة السعودية والإمارات والكويت.

كتالوج مبارك .. والسيسي 

إذا تأملنا من جانب آخر، أداء الرئيس المخلوع حسنى مبارك في بداية عهده (1981-1991) نكتشف تكراراً يكاد يكون مفزعاً لنفس الأسلوب والممارسات، والتي يمكن أن نطلق عليها “كتالوج مبارك”، الذى يتحدد في الآتي:

1-في بداية عهده قام الرئيس حسنى مبارك بعمل قضيتين كبيرتين ضد الفساد أهمها قضية عصمت السادات وأبنائه، ورشاد عثمان حوت الإسكندرية والميناء، وتحدثت الصحف ووسائل الإعلام كما تحدث هو عن طهارة الحكم ومحاربة الفساد، بينما كان الرجل منغمساً في عمولات تجارة سلاح منذ عام 1972، وفي تشكيل عصابي دولي لتجارة السلاح غير المشروعة ومعه حسين سالم وشخصيات عسكرية كبيرة وعملاء للمخابرات المركزية الأمريكية، ومنهم ” تيودور شيكللى”  Theodore J. Shachley و” توماس كلينز ” Tomas Clines، وأدوين ويلسون Edwin Wilson، و ريتشارد سيكورد Richard Secord، و” ريتشارد بيرسون ” و آخرون.

23- قام الرئيس الجديد بتدجين وخداع كافة القوى السياسية، بما فيها قادة حزب التجمع اليساري، وكرر أمامهم أن اتفاقية كامب ديفيد قد ماتت، وأخذ هؤلاء القادة  اليساريين والقوميون في ترديد هذه العبارة في اجتماعاتهم الحزبية الضيقة وكوادرهم الوسطى، وبعد أقل من 10 سنوات كان مبارك قد نجح في جرجرة كل الحكام العرب تقريباً إلى حظيرة كامب ديفيد ولقاء الإسرائيليين.

3ـ ادعى الرئيس مبارك وقتها أنه سيقوم بدعم شركات القطاع العام، وخدع الجميع بزيارات متكررة تغطيها وسائل الإعلام المصرية للمصانع وشركات القطاع العام، والحقيقة أنه كان يقوم بمعاينة البضاعة قبل البيع لمعرفة حصته وأنجاله والمقربين منه من عمولات الخصخصة وبيع الشركات العامة، وبعد عشر سنوات من حكمه بدأت أكبر عملية نهب منظمة للأصول والممتلكات العامة.

4ـ قام الرئيس مبارك بزيارات كثيرة ومتعددة لدول العالم شرقاً وغرباً – بما فيها الاتحاد السوفيتي والصين – وبعد أقل من ثلاث سنوات كان قد أصبح العمود الفقري للسياسات الأمريكية في المنطقة والعالم، وبعد عشر سنوات  أخرى كان قد أصبح الكنز الاستراتيجي لإسرائيل.

5ـ كان مبارك حريصاً على أن يأتي بوزرائه ومساعديه، من بين الموظفين والتكنوقراط والسواقط من أساتذة الجامعات، حتى يكونوا مجرد منفذين لأوامره وتعليماته، واستمر على هذا الحال حتى جاء نجله جمال مبارك  ليختار من عينة رجال المال والأعمال مَنْ سيدير الدولة معه.

6ـ مبارك كان يردد دائماً مقولة محدودي الدخل وضرورة حمايتهم، وفي الوقت نفسه كان يتحالف بشراسة وفُجر مع طبقة رجال المال والأعمال، ويقدم لهم كافة التنازلات الضريبية والسياسية والتشريعية. 

7ـ  دعا  الرئيس الجديد وقتئذ – حسنى مبارك – إلى  عقد مؤتمر اقتصادي عام 1982 حضرته كل القوى الوطنية – آنذاك – ومنهم أقطاب اليسار مثل الدكتور  فؤاد مرسى، دكتور ميلاد حنا، ودكتور إسماعيل صبري عبد الله  وغيرهم، ليبدو وكأنه يعد روشتة وطنية لعلاج آثار الانفتاح…وكله كان أوهاماً، وكسب مزيدٍ من الوقت لتثبيت أركان حكمه، ثم انطلق بعدها في تطبيق واستكمال سياسات السوق وآليات العرض والطلب ضارباً عرض الحائط بكل الرؤى والدراسات، التي قدمها المفكرون وأساتذة التخطيط والتنمية.

8ـ قام بزيارات متكررة ودائمة لدول الخليج والسعودية والوعود باكتشافات بترولية ضخمة، وأننا سنكون من الدول البترولية الكبرى.

وهناك الكثير الذى يرسم كتالوج مبارك في حكم مصر، والذى يسير عليه بالضبط دون أى تغيير أو إبداع الرئيس الجديد..!

السياسات الخبيثة في خصخصة الخدمات

السياسات الخبيثة في خصخصة الخدمات الأساسية للشعب المصرى في عهد الجنرال السيسي،  فتقوم السياسات الجديدة  ببيع الشركات العامة وخصخصة الخدمات الأساسية للشعب المصرى مثل مياه الشرب والكهرباء والصرف الصحي والتعليم والصحة، وتطبيقا لمقولة الجنرال السيسي وقت أن كان وزيرا للدفاع، والتي تسربت وهى مقولة (والله لو بيدي لدفع المصريين ثمن كل خدمة تقدم إليهم) على النحو التالي :

ـ تحويل الهيئات العامة للشرب والصرف الصحي إلى شركات كمرحلة أولى .

ـ قيام تلك الشركات بتعديل أسعار فواتير استهلاك المياه والصرف الصحي تدريجيا وبصورة سريعة وبمعدلات كبيرة جدا، حتى تتهيأ تلك الشركات للبيع في مرحلة لاحقة، إما بيعا جزئيا أو بيعا كليا . 

ـ عندما تتسلم الشركات الخاصة، مصرية كانت أو عربية أو أجنبية، تلك الخدمات، لا تصطدم بالجمهور في مراحلها الأولى، لأن الأسعار التي فرضت على المستهلكين في الفترة ما قبل البيع تكون كبيرة ومجزية لأصحاب تلك الشركات الخاصة .

ـ بالنسبة للمدارس، التوسع في إنشاء المدارس بمصروفات مثل مدارس مصر ومدارس النيل والمدارس اليابانية (التي رفضت اليابان تسلمها وفقا لهذه الشروط وطالبت بمجانيتها فجرى إغلاقها برغم بناء الكثير منها في بعض المحافظات بما فيها تلك التي افتتحها الجنرال السيسي نفسه في مدينة الشروق في أكتوبر عام 2017) فظلت أصول معطلة، وفضل أن تكون كذلك بدلا من فتحها لتلاميذ الشروق وفي بقية المحافظات التي تعاني مدارسها من تكدس فظيع، حتى توصلوا لاتفاق مع الجانب الياباني وفُرضت مصروفات كبيرة تسدد من أولياء الأمور .

ـوكذلك بالنسبة للجامعات، فيجري التوسع في إنشاء والتصديق على إنشاء جامعات ومعاهد خاصة بمصروفات، عملا بفكرة الجنرال السيسي  التي نطق بها أخيرا، بأن المصريين لديهم فلوس كتير قوي، بدلا من مقولة ”إحنا بلد فقير .. وفقير قوي كمان ”

ـ أما المستشفيات العامة والوحدات الصحية بما فيها مستشفيات التكامل  والتي تزيد  وفقا لبيانات عام 2011، على 1373 مستشفى  ووحدة صحية، فسوف يجرى خصخصة بعضها كلما سمحت الظروف بذلك وخصوصا مستشفيات التكامل، مقابل التوسع في الموافقات على بناء المستشفيات الخاصة والاستثمارية، وبهذا تتخلص الحكومة ودولة الجنرال من العبء المالي تدريجيا.

الحفاظ على ركائز دولة الفساد 

لم يكن كبار قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية بعيدين تماماً عن الفساد المنظم والمقنن، الذى استشرى في البلاد مع بداية تطبيق الرئيس السادات سياساته المسماة “الانفتاح الاقتصادي” عام 1974، والذي استمر بسرعات أعلى وعمق أكبر في عهد الرئيس الذي خلفه في منصبه بعد اغتيال السادات في السادس من أكتوبر عام 1981.

وقد انخرطت المؤسسة العسكرية وقياداتها العُليا في ممارسات الفساد عبر مسارين خُطط لهما بعناية، سواء من جانب الرئيسين (أنور السادات ومن بعده حسني مبارك)، أو من جانب قيادات تلك المؤسسات العسكرية والأمنية وهما:

الأول: السيطرة على الإدارة المحلية بمحافظات البلاد المختلفة، حيث ظلت الغالبية الساحقة من مناصب ومواقع الإدارة المحلية في يد القيادات العسكرية المحالة للتقاعد، بدءاً من منصب المحافظين، مرورا برؤساء المدن، انتهاءً برؤساء الأحياء والمراكز، ويشاركهم بحصة أقل كل من قيادات الشرطة المتقاعدة وبعض القضاة؛ وقد استندت المؤسسة العسكرية في تولى هذه المناصب والمواقع المدنية إلى نص المادة (15) من دستور عام 1971، الذي يمنح الأولوية في شغل الوظائف المدنية لما يُسمى “المحاربون القدماء”

الثاني: الأنشطة الاقتصادية التي بدأت بإصدار الرئيس السادات القرار الجمهوري رقم (32) لسنة 1979 بإنشاء ما يُسمى “جهاز الخدمة المدنية” التابع للقيادة العُليا للقوات المسلحة، بزعم المساعدة في إنجاز بعض المشروعات الاقتصادية، وخصوصاً في مشروعات البنية الأساسية كالطرق والكباري وشبكات الاتصالات والسنترالات، ومشروعات الأمن الغذائي وغيرها، ثم توسع هذا النطاق للأعمال ليشمل قطاعات واسعة، دون أن يكون هناك رقابة أو معرفة من أية مؤسسة رقابية أو تشريعية في الدولة على نشاطات هذا الجهاز ومستوى أرباحه، ومدى قانونية توزيعات الأرباح تلك، خصوصاً وأن مشروعات جهاز الخدمة الوطنية، لا تخضع للأنظمة الضريبية في الدولة المصرية، كما أن العاملين فيها من المجندين وضباط الاحتياط يكاد لا يحصلون على أجور عادلة ومناسبة لحجم هذه المشروعات، أو معدلات أرباحها، كما أن هذه المؤسسة العسكرية تكاد تضع يديها على أكثر من ثلث الأراضي المترامية الأطراف في الدولة المصرية بدءاً من السواحل الشمالية والشرقية، انتهاءً بالأراضي الصحراوية وداخل المدن المصرية بحجة مقتضيات الأمن القومي.

وقد أدى ذلك إلى تحول القوات المسلحة وقياداتها العُليا إلى قوة اقتصادية هائلة، تتشابك مصالحها أحياناً مع بعض الأطراف المحلية أو الدولية، وتتعارض مع بعض تلك الأطراف في أحيان أخرى، وهو ما حدا بأحد قيادات هذه المؤسسة في غمار النقاش الحاد الذي انتشر في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، إلى التصريح بحدة وعنف إلى الصحافة المصرية قائلاً: (هذا هو عرق الجيش ولن نسمح لأحد بالاقتراب منه).

وإذا أضفنا إلى ذلك أن كثيراً من أبناء كبار قيادات المؤسسة العسكرية والأمنية كانوا متورطين في أنشطة اقتصادية ومالية يشوبها الكثير من الفساد وبرعاية نجلي الرئيس المخلوع حسنى مبارك، مثل أبناء المشير طنطاوي (شريف وعمرو وعلاء الألفي) وكثيرين غيرهم، أصبح من المفهوم والمبرر ألا يقترب المجلس العسكري من ركائز دولة الفساد، وكذلك حكوماته المدنية (عصام شرف – كمال الجنزوري). فلم تجر عمليات تصحيح للعوار القائم في المنظومة القانونية الاقتصادية، التي تحمي الفساد والفاسدين وتسهل لهم أعمالهم، بل على العكس تعززت تلك الممارسات الفاسدة، وإصدار مراسيم بقوانين للمصالحة مع الفاسدين (مرسوم بقانون رقم (4) لسنة 2012، والمرسوم بقانون رقم (97) لسنة 2015).

كما منحت مزيداً من المزايا لرجال المال والأعمال تمثلت في إجراء تعديلات قانونية جديدة لقوانين الاستثمار والمناقصات والمزايدات وغيرهما، وكل ما قام به المجلس العسكري وحكوماته المدنية هو تقديم بعض الرموز الفاضحة للفساد في عهد الرئيس مبارك من أمثال علاء مبارك وشقيقه جمال مبارك، والمهندس أحمد عز، وزكريا عزمي وصفوت الشريف، وأنس الفقي ورشيد محمد رشيد ويوسف بطرس غالي وآخرين، بهدف احتواء الحالة الثورية الغاضبة في الشوارع والميادين والمدن المصرية، ولم تسفر تلك المحاكمات عن أحكام تتناسب مع حجم الجرائم، التي ارتكبت في ذلك العهد.

وسواء أكانت حكومة الدكتور عصام شرف أم الدكتور كمال الجنزوري، وتحت راية المجلس العسكري الأول (طنطاوي – عنان)، فلم يقدم أياً منهما على تخليص الاقتصاد المصرى من الأعباء الثقيلة، التي نتجت عن سياسات أربعة عقود من فوضى السوق وفساده، ولعل موقف كل منهما من عودة شركات القطاع العام التي حكمت محاكم القضاء الإداري بعودتها إلى كنف الدولة بعدما تبين للمحاكم والقضاة المصريين مقدار الفساد ونهب الأصول الحكومية اللذين صاحبا عمليات البيع والخصخصة طوال العقدين السابقين، ورفضهما تنفيذ هذه الأحكام، وتشغيل شركات القطاع العام، ما يظهر بوضوح أنهما لم يكونا سوى امتداد ماسخ لنفس سياسات الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومن قبله الرئيس المغدور أنور السادات. 

كما لم يقترب أى منهما من الظاهرة المالية الشاذة، التي نمت وترعرعت في ظل حكمي الرئيسين المشار إليهما، إلا وهي ظاهرة الصناديق والحسابات الخاصة، التي تحولت على مدى ثلاثين عاماً، إلى ركيزة من ركائز دولة الفساد المقنن والمنظم في العهد ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير عام2011.

والغريب والمثير للتساؤلات ذلك الموقف الخجول سواء من جانب المجلس العسكري الحاكم، أو حكومتي عصام شرف وكمال الجنزوري من قضية استرداد الموال المنهوبة والمهربة من جانب رموز وأقطاب نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، فلم تتخذ أية خطوات جادة وحقيقية نحو استعادة هذه الأموال، أو حتى وضع تصور وإستراتيجية لإدارة هذه المعركة السياسية والقانونية ضد مراكز وكهوف التهريب تلك.

اختلالات الاقتصاد المصري

يعانى الاقتصاد المصري من اختلالات هيكلية عميقة، لن تفلح معها المسكنات من ناحية، ولا الإنفاق على مشروعات كبيرة في مجال الإنشاء والبناء والبنية الأساسية  بهذه الطريقة التي يدير بها الجنرال السيسي الاقتصاد والموارد المصرية، ومن أبرز تلك الاختلالات الهيكلية الآتي:

1-اختلالات هيكلية في قطاعات الانتاج السلعي (الزراعة والصناعة والكهرباء والطاقة، مقابل قطاعات الخدمات والتجارة والتوزيع).

2- اختلالات في الهيكل المالي (الموازنة العامة للدولة والنظم الضريبية)

3- اختلالات في السياسة النقدية و المصرفية

4- اختلالات في السياسات الأجرية

5- دولة فساد مقنن ومنظم

6-انهيار قطاعات الخدمات الاستراتيجية (التعليم – الصحة – البحث العلمي– الإسكان – العدالة والقضاء)

7- حجم بطالة من أعلى المعدلات في العالم (20% إلى 24% من القوى العاملة)

8- فوضى الأسواق والقوى الاحتكارية

9- قدرات اقتصادية كامنة ومهدرة

 10-معدلات للتضخم وارتفاع الأسعار.

ومفتاح  الفهم والتفسير للمشكلات  ينطلق مما يسمى ” تحليل فلسفة السياسة الاقتصادية ” وبالتالي ” فلسفة السياسة المالية ” المتبعة منذ عام 1974. بيد أن هذه الصعوبات لم تحظ بتفكير عميق من الرجل  برغم إقراره بطبيعة الظروف الصعبة التي  يمر بها الاقتصاد والمجتمع المصرى، وإن كان قد ركز على البعد الأمني وأعمال إرهاب،  وكذا تضعضع البنية الأساسية، والرغبة في جذب المستثمرين والاستثمار. وفي معرض تقديمه لسجل إنجازاته في نهاية العهدة الرئاسية الأولى (2014-2018)،  في مؤتمر ” حكاية وطن ” وأمام جمع كبير من الشباب في يناير عام 2018، أشار إلى أنه قد نجح في إقامة  11 ألف مشروع خلال أربعة سنوات من حكمه (وذكر الرجل بعض الأمثلة لتلك المشروعات)، أنفق خلالها 2 تريليون جنيه، مع التأكيد بأنه لا يصح أن يسأله أحدا من أين جاء بهذه الأموال، وهى مقولة غير مسبوقة في تاريخ النظم السياسية الحديثة شرقا وغربا. والحقيقة برغم عدم دقة الأرقام التي ذكرها الجنرال السيسي في مؤتمراته من حيث:

1-إن إنجازه لأحدى عشرة ألف مشروع – سواء أنجزت فعلا أو تحت التنفيذ أو مجرد مخطط على الورق – يعنى أننا بصدد تحقيق 7.54 مشروع كل يوم دون توقف، ودون إجازات للعاملين، وهذا فوق طاقة المنطق والعقل المجرد.

2-لم يحدد الرجل ما جرى إنفاقه فعلا خلال السنوات الأربعة من حكمه، وما هو مرصود على حساب مشروعات تحت التنفيذ، أو التي مازالت على الورق وتنتظر البدء فيها، فرقم الأحد عشرة  ألف مشروع ليس هي ما تم تنفيذه فعلا، بل هي ما يتصور أن يطول به العمر لتنفيذها.

3-لم ينشر الرجل قائمة بتلك المشروعات ومدى أولوية تنفيذها، التي منها رصف أرصفة في  شوارع القاهرة وبعض المدن الأخرى، وبوابة مدينة العلمين، وكافيتريا في الحديقة الدولية، وطلاء مباني وسط القاهرة، ومناطق أخرى كثيرة، والقائمة تطول ربما تتجاوز عدة مئات من عينة تلك المشروعات، فليس كلها مشروعات حيوية وإستراتيجية مثل محطات الكهرباء، أو محطات المياه والصرف الصحي، أو التعليم والصحة، وبالتالي تغيب عنه ما يسمى في علم التخطيط الاقتصادي (بالأولويات)

4-تناسى الرجل، أو ربما لم يصل إلى علمه أنه خلال الفترة  الممتدة من عام 1975 حتى عام 2011، أنفقت الحكومات المصرية في عهدي الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك حوالى 440 مليار جنيه على مشروعات البنية الأساسية  مثل الطرق والكباري والمستشفيات والمدارس ومحطات الكهرباء ومحطات المياه والصرف الصحي، وسنترالات الاتصالات  وغيرها، من أجل جذب الاستثمار والمستثمرين، أى أننا بلد لديه بنية أساسية ضخمة، قد تكون قليلة الكفاءة في بعض قطاعاتها، أو تحتاج إلى الصيانة والتجديد والإصلاح .

5-ومن بين هذه البنية الأساسية القائمة فعلا، تمهيد ورصف حوالى  25 ألف كيلو طرق بصرف النظر عما شابه الكثير منها  من فساد وعدم صيانة  بسبب الرشى والعمولات.

6-وفقا لمفهوم المقاول، فإذا حصل على مقاولة في مشروع كوبرى أو جزء من طريق، ثم حصل على جزء أخر من الطريق أو الكوبرى فإنه يحتسب ذلك بأنه مشروعين وليس مشروع واحد، حتى لو تكرر الأمر لعشرة مشروعات على طريق واحد، أو كوبرى أو مبنى أو غيره،  وهو ما يعرف في قانون المناقصات والمزايدات الحكومية  الذى عدل ثمان مرات من أجل إرضاء المقاولين وأصحاب التوريدات وغيرهم، باسم “امتداد العقد”، ويستفيد المقاول من ذلك لثلاثة أسباب هي: 

الأولى: لإظهار حجم أعماله أكبر من اللازم حتى توضع في سيرة أعماله لحين التقدم في مناقصات أخرى لدى الحكومة أو الجهات الأجنبية. 

الثانية: لتقليل الاستقطاع الضريبي والحصول على مزايا ضريبة. 

الثالثة: لتقوية مظهره ومظهر شركته في مواجهة المنافسين له.

ومما لا شك فيه أن الجنرال السيسي في فترة ولايته الأولى (2014-2018 )، قد أنفق الكثير من الأموال على كثير من المشروعات – بصرف النظر عن العدد الذى أشار إليه  ومضمون تلك المشروعات – وما نفذ منها وما هو جارى التنفيذ، وما هو مازال على الورق، ولكن من جانب أخر ينبغي الإشارة إلى الحقائق والأسس التي تفرضها علوم التنمية والتخطيط الاقتصادي وهى: 

1-لا شك أن هناك ضرورات لكثير من تلك المشروعات التي أشار إليها الرجل، سواء الطرق والكباري، أو مزلقانات السكة الحديد، أو مشروعات الكهرباء والطاقة، أو حتى مشروعات الإسكان التي عرضت بتكاليف عالية جدا على الفقراء وأبناء الطبقة الوسطى؛  ويبقى السؤالان الحيويان اللذان يعلمنا إياها علم التخطيط والتنمية وهما: ما هي ترتيبات الأولويات في دولة ومجتمع بظروف مصر؟ وما هي جدواها وتكاليفها الاقتصادية الراهنة؟ 

2-فلنتأمل معا في علم التخطيط والأولويات، صحيح أن الكهرباء لها أولوية في التنمية والتصنيع، ولكن مع غياب خطة للتصنيع وانسحاب الدولة عن ذلك وترك الاقتصاد ومستقبله في أيدى رجال المال والأعمال والمستثمرين المحليين والأجانب، تصبح المراهنة خاسرة تماما، وهو ما أثبتته تجربة الانفتاح الاقتصادي منذ عام 1974، والتي انطلقت من فلسفة “قيادة القطاع الخاص للتنمية” فأوصلتنا إلى ما نحن فيه الأن من أعلى معدل للبطالة (تزيد على 22% من القوى العاملة وليس كما تصرح البيانات الحكومية)،  وعجز مزمن في الموازنة العامة للدولة، وعجز مؤلم في ميزان المدفوعات وخصوصا الميزان التجاري، وحالة من نهب الثروة الوطنية، وأعلى معدل لتهريب الأموال، والتهرب الضريبي، وبيع الشركات العامة بأبخس الأثمان التي تحولت إلى أراضي فضاء وعقارات لصالح سمسارة  ومضاربين، وفساد غير مسبوق، وبالتالي فأن الأولويات تشير بأن التوسع في مشروعات الكهرباء التي أنفق عليها عشرات المليارات من الجنيهات، كان من الممكن في ظل وجود خطة حقيقية للتصنيع والاحتياجات المقدرة من الطاقة خلال سنوات الخطة الخمسية أن يكون الإنفاق على مشروعات الكهرباء متوازنا مع الاحتياج الفعلي من الطاقة وليس إنتاج فائض من الكهرباء نبحث له عن مصادر لتصدير هذا الفائض من الكهرباء الأن دون جدوى ( في أكتوبر عام 2021 جرى توقيع أتفاق مع قبرص واليونان للربط الكهربائي وبيع المتاح لدى مصر ) . 

3-ومن جهة أخرى فإن الأولويات كانت تستدعي أن يكون هناك ترتيب للبيت من حيث ترتيب التعليم والصحة و معها قطاع الصناعة والزراعة والكهرباء في المقدمة، فمجتمع يهمل التعليم لا تصلح معه طرق وكباري ومساكن وغيرها، وقد بدا من حديث الجنرال طوال الأيام الثلاثة من مؤتمر “حكاية وطن”، أن التعليم والصحة  ليس في أولويات أجندته السياسية، وكل ما يعنيه هو الطوب والأسمنت والطرق والكباري والمساكن، بحيث أصبحت المدن المصرية مقلوبة رأسا على عقب سواء لمد طريق، أو توسيع طريق، أو تشييد كباري، تجاوز عددها في السنوات الخمس الأولى من حكمه 770 كوبري، وفقا لبعض المصادر، التي لم تحدد بدقة هل هي في العاصمة المصرية وحدها أم أنها تشمل بقية المحافظات المصرية؟

4-وبالمقابل فإن نتائج التعداد العام للسكان والمنشأت الذى صدر في نهاية عام 2017 قد أورد رقما خطيرا لم يتوقف عنده الجنرال وحاشيته من الجنرالات والبورصجية، وهى وجود 12.5 مليون وحدة سكنية فارغة ومغلقة، والكثير منها منذ سنوات بعيدة، أى أن المجتمع المصرى لديه فائض من وحدات الإسكان، التي تكلفت حوالى  600 مليار جنيه (بافتراض تكاليف الوحدة 50 ألف جنيه فقط)،  أو 1.2 تريليون جنيه ( بافتراض تكلفة للوحدة مائة ألف جنيه )،وبالتالي فإن التحدي الذى كان يواجه السلطة السياسية الوطنية هو كيف نستفيد من هذا الكم الهائل، عبر إدارة حوار مجتمعي راق، واتخاذ عدة إجراءات، ومن بين تلك الإجراءات فرض ضريبة على الوحدات الفارغة سنويا، فنجبر أصحابها على تأجيرها، فيتحقق هدفان في وقت واحد، الأول هو تخفيف حدة المشكلة السكنية من ناحية،  والثاني رفع هذا العبء المالي عن الدولة ببناء وحدات جديدة قيل في المؤتمر إنها تكلفت 60 مليار جنيه (لبناء 600 ألف وحدة سكنية متنوعة المستويات بمتوسط 100 ألف جنيه للوحدة)، وهنا سوف يوجهنا أنصار البقرة المقدسة المسماة “اقتصاد السوق”، وعدم التدخل في سوق العقارات وهو ترف لا تتحمله ظروفنا الاقتصادية والاجتماعية، خاصة أننا لن ننزع الوحدات السكنية من أصحابها وإنما “الناس مستخلفون في المال”، وفقا للقاعدة الفقهية  والشرعية .

5-نأتي الآن إلى التكاليف الباهظة التي تحملها الاقتصاد المصرى من جراء هذه السياسة، حيث حصلت مصر في  العامين الأولين من تولي الجنرال السيسي على حوالى 128 مليار جنيه في صورة منح لا ترد من السعودية والإمارات وبعض الدول العربية والأجنبية، علاوة على زيادة الاقتراض الأجنبي من 46 مليار دولار في يونيه عام 2014 إلى 83 مليار دولار في فبراير 2018 (بعد طرح 4 مليار دولار سندات دين في السوق الدولية)، ثم قفزت إلى 137.0 مليار دولار في سبتمبر عام 2021، هذا علاوة على القرض الروسى (25 مليار دولار ) لبناء محطة الضبعة  الذى لم تُنشر تفاصيله وطريقة سداده بعد، وبالتالي لم نضمه إلى الدين الخارجي، وهذه الديون الضخمة ينوء بحملها الاقتصاد المصرى، خصوصا أن الدين الداخلى قد زاد بدوره من 1.8 تريليون جنيه حينما تولى الرجل الحكم  في يونيه 2014، إلى 3.5 تريليون جنيه في فبراير عام 2018،  ثم إلى 4.7 تريليون جنيه في سبتمبر عام 2021، فأصبح الحمل ضخما حيث زادت تكاليف خدمة الديون الأجنبية والمحلية لتبتلع حوالى 45% تقريبا من الموازنة العامة للدولة، ولم يتبق شيء للتعليم والصحة وغيرها. 

لقد حصل الجنرال السيسي خلال السنوات الأربعة  الأولى (يونيه 2014-يناير 2018) على التمويل التالي: 

– 128.0 مليار جنيه في صورة منح لا ترد من السعودية والإمارات وبعض الدول الأخرى ومؤسسات تمويل ومساعدات . 

– كما حصل على قروض قدرها 36 مليار دولار، ووفقا لسعر الصرف السائد في تلك السنوات (8.88 جنيه للدولار إلى 18.0 جنيه للدولار أى بمتوسط 13.5 جنيه للدولار) فتصبح قيمة هذه القروض 486.0 مليار جنيه مصري). 

– كما حصل على قروض داخلية قدرها  1.7 تريليون جنيه (3.5 تريليون – 1.8 تريليون) . 

– صحيح أن معظم هذه القروض قد ذهبت لتمويل العجز في الموازنة العامة للدولة أو العجز في الميزان التجاري، بيد أن الكثير منها وجهت إلى بعض تلك المشروعات .

– كما حصل الرجل على أموال تبرعات لمصريين في صندوق تحيا مصر، سواء من الجيش أو من مؤسسات عامة أو خاصة او أفراد تقدر قيمتها بأكثر من 20 مليار جنيه أخرى . 

– ويضاف إلى ذلك الحصة التي تستقطعها وزارة المالية من إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة، والتي تقدر بحوالي 5.0 مليارات جنيه  إلى 7.5 مليار جنيه أخرى مقابل الصمت على تلك الظاهرة الشاذة.

– أموال الصناديق والحسابات الخاصة من بعض الهيئات الاقتصادية مثل هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، وهيئة التعمير والتنمية الزراعية، والتي تقدر بعشرات المليارات خلال تلك السنوات، هذا بخلاف جهات أخرى وهيئات أخرى، التي زادت من 26.2 مليار جنيه عام 2016/2017 إلى أن بلغت عام 2020/2021 حوالى 48.4 مليار جنيه .

– ووفقا لما قاله أحد قادة المجلس الأعلى لأحدى الجهات الأمنية في تصريحه العلني أمام عدد من الشخصيات العامة بعد تقاعده في عام 2012 قال ( بأن الصناديق الخاصة في تلك المؤسسة كانت تمتلك لحظة تقاعده على 100 مليار جنيه، بالإضافة إلى 28 مليار دولار في حسابات وصناديق خاصة لا يعلم عنها الشعب المصرى شيئا.

وفي دراسة معلوماتية رائدة أعدها الأستاذ جمال غطاس الباحث المتخصص  في الشئون المعلوماتية والرقمية حول القروض  والمنح التي حصلت عليها مصر طوال 66 عاما ( 1964-2016)، تبين خلالها ارتفاع معدل تدفق القروض والمنح في عهد  الجنرال السيسي بصورة غير مسبوقة، حيث وصل عدد القروض في أول عامين من حكمه 35 قرضاً، قيمتها31 مليار و529 ألفا و223 دولارا، أما المنح فوصل عددها إلى 26 منحة تصل قيمتها إلى 10 مليارات و 242 مليونا و 255 ألفا و 250 دولارا، وبالتالي وصل عدد القروض والمنح معا إلى (61 ) قرضا ومنحة، ليصبح إجمالي قيمة القروض والمنح معا 41.7  مليار دولار تجاوزت كثيراً القروض في عهود الرؤساء السابقين جميعهم.

وكشف «غطاس» أن  الجنرال السيسي حصل على 16 قرضاً في 2014، بقيمة 2 مليار و728 مليون و 391 ألف دولار،، كما حصل في عام 2015 على 19 قرضاً، بقيمة 28 مليار و800 مليون و832 ألف دولار، فيصبح إجمالي  قيمة القروض التي حصل عليها السيسي حتى نهاية 2015 حوالى 31 مليار و529 مليون و223 ألف دولار، كما حصل على 26 منحة خلال أعوام 2014-2015-2016، قيمتها 10 مليار و242 مليون و 255 ألفا و250 دولارا، فيصبح قيمة القروض والمنح التي حصل عليها حتى الآن 41 مليار و 771 مليون و 478 ألفا و  250 دولارا.

أما القروض  التي حصل عليها الرئيس السابق عدلي منصور خلال السنة التي قضاها في الحكم (يوليو 2013 – يونيه 2014)، فقد بلغ عددها  15 قرضا بقيمة 7 مليار و130 مليون و 288 ألفا و900 دولاراً، فيما بلغ عدد المنح التي حصلت عليها مصر في عهد «منصور»، 6 منح بقيمة 7 مليار و 154 مليون و196 ألفاً، و 120 دولاراً.

وبالتالي فإن حجم القروض والمنح التي حصلت عليها مصر بعد الإطاحة بحكم “الأخوان المسلمين” في يوليو 2013 حتى نهاية عام 2016  فقط، قد بلغت حوالي 56 مليار دولار. وبالنظر إلى عدد السنوات التي قضاها كل رئيس في حكم  مصر فإن إجمالي قيمة القروض والمنح التي حصل عليها الجنرال السيسي هي الأشد كثافة، والأكثر اندفاعا في طلب الديون والقروض، وعلى الرغم من أن السيسي لا يزال في بداية عامه الثالث للحكم – وقت إجراء هذه الدراسة كما يشير جمال غطاس –  فإنه خلال سنتين فقط حصل على قروض ومنح تعادل ثلث مما حصل عليها مبارك في 30 سنة، ونحو 2.7 ضعف ما حصل عليه السادات في 11 عاما، ونحو 70.6 ضعف ما حصل عليه جمال عبد الناصر في 17 سنة، وثلاثة أضعاف ما حصل عليه عدلي منصور، وعشرة أضعاف ما حصل عليه المجلس العسكري الأول ( طنطاوي – عنان ) خلال سنة.

وقد تنوعت المساعدات المادية لمصر، وتراوحت أرقامها، وإن كانت الشكوك تحوم دوماً حول مدى جدواها للاقتصاد المصري، وقد بلغت المساعدات الخليجية من السعودية والإمارات والكويت في العامين الأولين، أكثر من 30.0 مليار دولار؛ ففي 2013 وصلت المساعدات من السعودية والكويت والإمارات  حوالي 9 مليارات دولار، بينما وصلت في 2014، إلى 21.03 مليار دولار،، قبل أن ترتفع مجدداً بزيادة 4 مليارات دولار في 2016، تمت زيادتها على هيئة منح نفطية، وذلك لسد احتياجات مصر من منتجات بترولية تشمل السولار، والبنزين، والبوتاجاز، والمازوت، بسبب الأزمة الطاحنة التي تعانيها مصر في الوقود بين الحين والآخر. كما قدمت السعودية والإمارات والكويت، نحو 12.9 مليار دولار، كمساعدات نقدية، وتمويل لمشروعات تنموية في مصر، ووصلت المساعدات النفطية لمصر من السعودية، والإمارات، والكويت، خلال العام المالي 2013/2014، إلى 7.13 مليار دولار.

وإذا حسبنا نسبة الدين العام المصرى (المحلى والأجنبي) إلى الناتج المحلى الإجمالي  GDP في سبتمبر من عام 2019 نجده قد تجاوز 135% إلى 140% من الناتج المحلى الإجمالي، بعكس ما تعلن عنه المصادر الحكومية الرسمية بأنه لم يتجاوز 95% (حيث يجرى التلاعب في احتساب الناتج المحلى كل عام بالزيادة وفقا للأسعار الجارية) . وقد لجأت الحكومات المصرية، بدءا من حكومة أحمد نظيف (2004- يناير 2011) إلى أساليب جديدة ومخاتلة محاسبية، في حساب مصفوفة الناتج المحلى الإجمالي GDP Matrix، تؤدى عمليا إلى إظهار الناتج المحلى الإجمالي بأكبر من قيمته الحقيقية، سواء بإدخال عناصر في حساب الناتج لم تكن تحسب من قبل في المصفوفة، من قبيل استثمارات شركات البترول الأجنبية، واستثمارات البورصة وتدفقاتها السريعة والساخنة، وكذا احتساب حصة الشريك الأجنبي من البترول والغاز كجزء من الناتج المحلى الإجمالي، وكذا حساب الناتج المحلى محملا بمعدلات التضخم وارتفاع الأسعار المبالغ فيها والمرتفعة وغيرها من العناصر، مما قفز بالناتج المحلى الإجمالي المصرى بصورة غير طبيعية، فالناتج  المحلى الإجمالي المصرى الذى لم يكن يزيد عام 65/1966 على 2.5 مليار جنيه، وفي عام 1974 ما يقارب 4.0 مليار جنيه، ظل ينمو بصورة طبيعية في حدود 3.5% سنويا في المتوسط طوال عقدي الثمانينات والتسعينات حتى بلغ قيمته عام 82/1983 حوالى 21.1 مليار جنيه، ثم إلى 450.0 مليار جنيه عام 2004/2005، ثم شهد قفزة غير مبررة، وبنصيحة من موظفي صندوق النقد الدولي، وبالتواطؤ مع وزير المالية الهارب يوسف بطرس غالى، ورئيس وزرائه أحمد نظيف، بهدف إبراز نجاحات ليست لها في الحقيقة وجود، وهو ما كان يرضى الرئيس حسنى مبارك والمجموعة المحيطة به، حيث قفز الرقم المسجل للناتج المحلى الإجمالي إلى 745.0 مليار جنيه عام 2006/2007، واستمر في قفزات كالغزال إلى 896.0 مليار في العام التالى، ثم إلى 1.2 تريليون جنيه في عام 2009/2010 (18)، ولذلك روجت المؤسسات التمويلية الغربية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي أكذوبة معدل النمو في الناتج المصرى بأكثر من 7% في السنوات الخمس التي تولى فيها شلة رجال المال والأعمال المسئوليات الوزارية في مصر في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس حسنى مبارك ونجله جمال مبارك، وقد سار على نفس النهج الجنرال عبد الفتاح السيسي ومجموعة البورصجية المحيطون به. ففي  عهد الجنرال السيسي قفز  الرقم المسجل للناتج المحلى الإجمالي المصرى، برشاقة الأرنب من 3.4 تريليون جنيه عام 2016/2017 ليقارب عام 2020/2021 حوالى 6.8 تريليون جنيه.

هذه هي الموارد المتاحة التي تصرف وفقا لها الجنرال السيسي طوال الأربعة أعوام من حكمه (2014-2018) تتراوح بين 2.6 تريليون جنيه إلى 3.0 تريليون جنيه، وقد زادت في السنوات الثلاثة اللاحقة (2019-2021)، زيادة كبيرة، سواء بالاستغراق في مزيد من الديون الخارجية والداخلية، أو بفرض مزيد من الضرائب والرسوم الهائلة على كافة الخدمات والاحتياجات التي يحتاج إليها الشعب المصرى في مناحي حياته المختلفة. فهل كانت هناك بدائل تنموية أفضل من شأنها دفع الاقتصاد والمجتمع المصرى خطوات كبيرة للأمام، وتنير الضوء في نهاية النفق؟ نعم .. كانت ولكنها ذهبت تحت ركام أسمنت الكباري وتوسعات الطرق، والاختيارات الخطأ. 

الخلاصة والاستنتاج

ويكشف تحليل المضمون لأحاديث الجنرال السيسي هذا عن حقائق جوهرية هي: 

الأولى: أننا بصدد عقل مولع بفكرة الإنشاءات كتعبير عن الإنجاز بصرف النظر عن أولوياتها وجدواها الاقتصادية. 

الثانية: أن هذا العقل بقدر ما يفتقر للخبرة الاقتصادية التنموية الطابع، والتعامل بأساليب أقرب إلى الصفقات التجارية، فإنه ناجح في تحقيق أعلى معدل للأرباح والتشغيل لدى المؤسسة الاقتصادية للجيش. 

الثالثة: أن الرجل غير مشغول وفقاً لواجباته الدستورية، بإعادة بناء وتشغيل قطاعات الإنتاج المدنية، التي تدهور أدائها وطالها الفساد طوال الأربعين عاماً السابقة على حكمه، ومنها شركات قطاع الأعمال العام والقطاع العام، والوزارات المرتبطة بالخدمات الحيوية للمصريين مثل وزارة التموين، بقدر اهتمامه بسيطرة الجيش على كافة القطاعات الاقتصادية وتحقيق الأرباح. 

الرابعة: أن الرجل يفتقر تماماً لأى منظور تنموي وتخطيطي حقيقي لإعادة بناء الاقتصاد المصرى ومعالجة اختلالاته الهيكلية خصوصاً في قطاعات الإنتاج السلعي كالزراعة والصناعة، وكذلك رؤية لمحاربة الفساد وتفكيك ركائزه،  بدليل عدم  ذكره أو اتخاذه أى إجراءات بشأن ما تفجر عام 2015،من فضيحة دولية تُسمى “أوراق بنما” التي ورد فيها أسماء شخصيات مصرية كبيرة، وكذلك غياب مفهوم إقامة دولة عدالة اجتماعية ودولة قانون بحق، ناهيك عن غياب فكرة الديموقراطية أصلاً من خطابه ومن مدركاته السياسية.  

الخامسة: في اختيارات الجنرال السيسي للمشروعات  نكتشف حقيقة غامضة، تعتمد على مفهوم فرعوني قائم على فكرة الضخامة، فيحلو للرجل وصف مشروعاته ومبانيه بأنها الأضخم في  مصر، فهنا المسجد الأضخم بالعاصمة الإدارية  الجديدة، وفيها الكنيسة الأكبر، والمباني الأفخم، والبرج الأعلى في العالم، وهذا الولع بالضخامة من حيث الشكل، بقدر تكاليفها المبالغ فيها وغير الضرورية في معظم الحالات، فهي تعكس حالة من الغرور والغطرسة، وليس بالجدوى الاقتصادية وبالمثل فإن قول الرجل في مؤتمر ما يسمى “حكاية وطن” في يناير 2018، بأننا أنفقنا 2 تريليون جنيه في تلك المشروعات، والتي لا نعرف على وجه الدقة أين ومتى وكيف؟ فمن أين حصل الرجل على تلك الأموال؟ سوى بالديون وتحميل الأجيال القادمة عبئا يفوق القدرة على التحمل.

السادسة والأخيرة: لم يتطرق الرجل ولم يضع بارقة أمل لملايين الأسر المصرية بشأن نظام التعليم المصرى الفاسد والمنهار منذ سنوات طويلة، وكذلك المنظومة الصحية، بما يعكس غياباً شبه كامل لهذه القضية من جدول أولوياته. 

الخلاصة التي نستنتجها من أداء الرجل طوال السبع سنوات من حكمه هي أننا أقرب إلى مقاول حفر وردم، مولع بالمشروعات الإنشائية مستوحياً تجارب الفراعنة المصريين في المعابد الكبرى، دون النظر إلى عوائدها على الشعب المصرى.

هذا المقال جزء من كتاب الدكتور عبد الخالق فاروق، الطريق المسدود ـ تقييم السياسات الاقتصادية للجنرال السيسي.

وسيكون نشره علي عده أجزاء

الجزء الأول

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close