أسيا وافريقيادراسات

العدالة الجزائية الانتقالية في أفريقيا: الدروس والتجارب

تبحث هذه الدراسة في تجربتي العدالة الجزائية retributive justice في رواندا “المحكمة الجنائية الدولية في رواندا عام 1994، والمحكمة الخاصة في سيراليون “كانون الثاني/ يناير 2002″، من زاوية تأثير هذه العدالة كأحد أدوات العدالة الانتقالية Transition Justiceعلى عملية الانتقال الديمقراطي والمساهمة في بناء السلام وإنهاء ملف الحرب الأهلية والاستبداد السياسي في بلدين استمرت الحرب الأهلية في كل منهما قرابة عقد من الزمان، وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف، ما استدعي تدخلا دوليا منفردا للمرة الأولى في القارة الأفريقية في تجربة رواندا، وطلبا داخليا بتدخل مشترك في حالة سيراليون، لتصبح بذلك الحالة الأولى لفكرة المحكمة الهجين Hybrid Court في القارة. وهل يمكن للعدالة الجزائية بمفردها تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي، أم أن الأمر يتطلب الأخذ بوسائل أخرى للعدالة الانتقالية كالعدالة التصالحيةRestorative justice وغيرها.

وقد تم اختيار هذين النموذجين “رواندا وسيراليون” ليس على سبيل المقارنة بالأساس وإن كان هذا لا يمنع من الإشارة لنقاط التشابه والاختلاف إن وجدت، ولكن باعتبار أن الأولى تعد سابقة في تدخل القضاء الدولي في صراع داخلي “حرب أهلية” حيث كانت التدخلات السابقة في صراعات دولية كمحاكمات طوكيو ونورمبرج بعد الحرب العالمية الثانية، ومحاكة قادة الحرب في يوغوسلافيا السابقة، في حين أن الثانية تعد النموذج الأول إفريقيا وعالميا للتدخل المختلط في صراع داخلي. أي أن الزاوية هي البحث في سياق وأثر الاهتمام الدولي على عملية الانتقال الديمقراطي في كلا البلدين

والسؤال الرئيس التي تحاول هذه الدراسة الإجابة عليه، هو هل العدالة الجزائية وحدها قادرة على تحقيق الانتقال الديمقراطي في كلتا الحالتين

وينبثق عن هذا السؤال الرئيس عدة أسئلة فرعية: ما هي السياقات الداخلية والخارجية “الإقليمية والدولية”، التي دفعت في اتجاه تبني العدالة الجزائية الانتقالية في البلدين؟ ما هي المؤسسات التي أوكلت إليها مهام العدالة الجزائية ما هي الأسانيد القانونية لهذه الآلية “قرار مجلس أمن، اتفاق وطني/دولي”؟ ما هي أبرز مخرجاتها، ومدى تنسيقها أو عدم تنسيقها مع الآليات الأخرى المحلية بشقها المؤسسي القضائي، والتقليدي “العرفي”؟ هل ساهمت العدالة الجزائية في عملية الانتقال الديمقراطي وبناء السلام؟ كيف يمكن الاستفادة من هاتين التجربتين في الحالات العربية بعد الربيع العربي؟

وفي هذه الإطار ستقسم الدراسة لأربعة مطالب أساسية وخاتمة، المطلب الأول: الإطار المفاهيمي. العدالة الانتقالية وعلاقاتها بمفاهيم العدالة الجزائية والتصالحية والانتقال الديمقراطي. المطلب الثاني: السياق الداخلي والخارجي لنشأة كل محكمة، وإطارها القانوني. المطلب الثالث: أبرز المخرجات، المطلب الرابع: تقييم تجربتي المحكمتين ودورهما في عملية الانتقال الديمقراطي

المطلب الأول: الإطار المفاهيمي

تتعدد تعريفات مفهوم العدالة الانتقالية بحسب الزاوية التي ينظر إليه منها، ومن أبرز هذه التعريفات تعريف الأمم المتحدة الذي سطره آنذاك كوفي عنان الأمين العام للمنظمة عام 2004، حيث عّرفها بأنها “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة من تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة. وقد تشمل هذه الآليات القضائية وغير القضائية على السواء، مع تفاوت مستويات المشاركة الدولية أو عدم وجودها مطلقا ومحاكمات الأفراد، والتعويض، وتقصي الحقائق، والإصلاح الدستوري، وفحص السجل الشخصي للكشف عن التجاوزات، والفصل أو اقترانهما معاً”[1].

ويلاحظ أن هذا التعريف يشير إلى وجود أزمة إنسانية وانتهاك لحقوق الإنسان في بلد ما، لم يوضح أسبابها، ساهمت في جعل تركة الماضي مثقلة، ما يستدعي العمل على تجاوزها عبر مجموعة من الآليات “القانونية وغيرها”، تم الحديث عنها إجمالا عبر الإشارة إلى أهدافها “المساءلة والعدالة، تحقيق المصالحة”.

وربما كان تعريف المركز الدولي للعدالة الانتقالية أكثر وضوحا في الحديث عن هذا الماضي الذي أشار إليه عنان في تعريفه، حيث عرفها بأنها “الاستجابة للانتهاكات المنهجية أو الواسعة النطاق لحقوق الإنسان لتحقيق الاعتراف الواجب بما كابده الضحايا من انتهاكات وتعزيز إمكانيات تحقيق السلام والمصالحة والديمقراطية”.[2]

أما على الصعيد العربي فقد عرفها بعض المفكرين بأنها “الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح الى حالة السلم، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حالة حكم ديمقراطي، أو التحرر من احتلال أجنبي باستعادة أو تأسيس حكم محلي.. وكل هذه المراحل تواكبها بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية وسعي لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات الخطيرة”[3]

وهذا التعريف يشير إلى السياق الداخلي وطبيعة نظام الحكم “تسلطي سواء أكان وطنيا مدنيا أم عسكريا”، أم أجنبيا “احتلال” المستلزم لضرورة تطبيق العدالة الانتقالية. وإن كان نمط الاحتلال بالمعنى التقليدي لم يعد معروفا الآن.

وبناء على هذا التعريفات وغيرها، يمكن للباحث تعريف العدالة الانتقالية بأنها “مجموعة من التدابير والآليات القضائية وغير القضائية التي تتخذ في مرحلة الانتقال الديمقراطي لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان خلال فترة زمنية معينة “نزاع مسلح، حكم تسلطي”، بهدف جبر الضرر وتعويض الضحايا والقصاص لمنع الإفلات من العقاب، ولتحقيق المصالحة الوطنية والاستقرار السياسي وإصلاح مؤسسات الدولة التي تعد أحد الشروط الهامة لعملية الانتقال الديمقراطي”

ووفق هذا التعريف يرتبط مفهوم العدالة الانتقالية إلى حد كبير مع مفهوم الانتقال الديمقراطي Democratic Transition والذي يشير في أوسع معانيه إلى العمليات والتفاعلات المرتبطة بالانتقال أو التحول من صيغة نظام حكم غير ديمقراطي إلى صيغة نظام حكم ديمقراطي [4]، وذلك عبر إعلاء سيادة القانون ومنع الإفلات من العقاب.

وغالبا ما ترتبط آلية العدالة الانتقالية المختارة بالسياق السياسي من ناحية ونمط الانتقال الديمقراطي من ناحية ثانية، حيث لدينا 5 أنماط أساسية في عملية الانتقال الديمقراطي، أربعة منها داخلية هي الانتقال من أعلى حيث رأس النظام، أو الانتقال من أسفل “ثورة شعبية”، أو الانتقال عبر تسوية سياسية، أو عبر تدخل المؤسسة العسكرية، في حين النمط الخامس يكون عبر التدخل الخارجي[5].

فإذا كان التغيير من أعلى، فغالبا ما سيكون شكليا، وسيتم استبعاد العدالة الجزائية لأن النظام هو المتورط فيها، وسيلجأ في المقابل للآليات التصالحية “كحالة المغرب”[6]، وفي حالة التغيير عبر اتفاق سياسي، فقد يتم اللجوء أيضا لأليات العدالة التصالحية دون الجزائية وتغليب فكرة العفو كما حدث في اتفاق لومي الخاص بسيراليون، أما في حالة التغيير من أسفل عبر ثورة شاملة تطيح برأس النظام وأدواته “الدولة العميقة”، فتبرز مشكلة تحقيق التوازن بين العدالة والسلام.. حيث تبرز 3 اتجاهات أساسية في هذا الشأن:

الأول يرى ضرورة القصاص “العنيف” للثورة من النظام القديم كحالتي ألمانيا الديمقراطية وتشيكوسلوفاكيا رغم ما قد يترتب على ذلك من إمكانية سعي النظام المنهار للعودة من جديد، لأن فكرة العدالة الجزائية معناها محاكمة أركان النظام السابق حتى لا يساهموا في تقويض النظام الانتقالي الجديد، كما أنه لا يجوز التغاضي عن إقرار العدالة والاكتفاء بالتسويات السياسية في الجرائم الدولية التي تخالف القواعد الآمرة في القانون الدولي والتي لا تسقط بالتقادم.[7] وبمعنى آخر تقديم مبدأ العدالة على مبدأ السلام باعتبار أن الأولى هي الشرط الرئيس لتحقق الثاني.

أما الاتجاه الثاني فيرى ضرورة العفو “الكلي” وعدم المعاقبة ولو لفترة طالت أم قصرت، حيث يتم تقديم خيار السلام على العدالة بالنظر لوجود قضايا أكثر أهمية، وللخشية من رفض أركان النظام القديم تسليم السلطة كحالة الأرجنتين، حيث تراجعت حكومة راؤول ألفونسين عن مسار الملاحقة القضائية لكبار قادة الانقلاب الذين يتحملون مسؤولية الإخفاء القسري لقرابة ثلاثين ألف مواطن في فترة الانقلاب العسكري لخورخي فيديلا من 1976-1983 بسبب انتشار الأعمال الإرهابية والتفجيرات التي كان يقف وراءها العسكر خشية اندلاع حرب أهلية في البلاد. وعندما أدخلت الحكومة المدنية تعديلا على قانون العدل العسكري كمقدمة لمحاكمة المسؤولين في الدولة، وجهت بتمرد من جانب القادة العسكريين وبالتعطيل المتعمد للمحاكم العسكرية، وحدث نفس الأمر حين تم تحويلها للمحاكم المدنية. [8]

وهناك اتجاه ثالث يقوم على فكرة المزج بين الاثنين “فكرة العدالة والسلام” أو العدالة التدريجية، عبر تطبيق إجراءات العدالة الجزائية على عدد محدود من المسؤولين عن الانتهاكات أو الاقتصار على بعض الجرائم الكبرى التي لا تسقط بالتقادم دون غيرها، “أي عفو جزئي” مع تبني باقي آليات العدالة الانتقالية الأخرى القائمة على كشف الحقيقة وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي والتعويض وتخليد الذكرى والمصالحة، وهي تعد مدخلا للمصالحة الوطنية والانتقال الديمقراطي[9].وربما حالة سيراليون تصب في هذا الاتجاه.

ومما يعضد فكرة السياق السياسي وما يرتبط بها من فكرة العفو الكلي أو الجزئي، واختيار آلية العدالة الانتقالية سواء الجزائية أو التصالحية أو الاثنين معا، ما توصلت إليه إحدى الدراسات لقوانين العفو بعد الحرب العالمية الثانية، حيث أشارت لتزايد تدابير العفو التي تصدر من قبل السلطة التنفيذية أو التشريعية، والتي تستثني بعض أو كل الجرائم المنصوص عليها في القانون الدولي، ففي الفترة من 1945- 2010 صدر 520 قانون عفو نصفها متعلق بتسوية نزاعات، أو نتيجة اتفاقات سلام، وفي دراسة أخرى لاتفاقات السلام بين 1980-2006 تبين أن نصيب المحاكمات الجنائية والجزائية، ولجان تقصي الحقائق في مسارات العدالة الانتقالية أو في اتفاقات السلام في مجتمعات ما بعد النزاع أقل مقارنة بقوانين العفو. [10]

واستنادا للتعريف السابق للعدالة الانتقالية، يمكن القول بوجود مجموعة من الآليات لهذه العدالة، وفق التجارب المتباينة، منها على سبيل المثال لا الحصر: [11]

1- الدعاوي الجنائية “الجزائية، حيث يتم التحقيق مع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان خاصة القيادات على المستويات المحلية، أو الإقليمية، أو الدولية، كما يمكن الجمع بينها. وتعتبر من أهم تدابير وآليات العدالة الانتقالية

2 – لجان كشف الحقيقة، وهي لجان رسمية غير قضائية، تقوم الدولة بتعيينها لمدة محددة للتحقيق في وقائع بعينها حدثت في فترة زمنية معينة، ويمكن أن تتفق عليها المعارضة والدولة بموجب اتفاق سلام، وتقدم تقرير عن عملها للمعنيين يتضمن بعض التوصيات.

وتختلف هذه اللجان عن العدالة الجزائية كونها غير قضائية، وبالتالي ليس لها سلطات إصدار أحكام بالسجن أو إجبار أحد على المثول أمامها، لكن تحقيقاتها هامة ويمكن البناء عليها في المحاكمات التي تتم في إطار العدالة الجزائية. [12]

3- التعويض وجبر الضرر للضحايا وذويهم، وقد يتضمن التعويض المادي بأشكاله المختلفة “أموال، خدمات مجانية صحية واجتماعية وغيرها”، أو تعويض معنوي” تقديم اعتذار رسمي من الدولة للضحايا وهو لا يغني عن برامج التنمية المختلفة”.

4- إصلاح المؤسسات التي ساهمت في حدوث النزاع أو تأجيجه، خاصة المؤسسات الأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية.

5- المصالحة الوطنية بين الخصوم السياسيين السابقين وهي أحد أركان التسوية السياسية.

6- حفظ الذاكرة عن طريق إقامة نصب تذكاري أو إحياء سنوي لذكرى معينة، بهدف التضامن المعنوي مع الضحايا من ناحية، ولمنع تكرار مثل هذه الحوادث مستقبلا، لما قد تجره على البلاد من وبال.

وما يعنينا في هذا المقام، ولظروف المساحة، الآلية الأولى المتعلقة بالعدالة الجزائية أو الجنائية رغم وجود فروق بينهما

فالعدالة الجنائية Criminal justice هي المتعلقة بالقضاء الوطني، وتركز على حق الدولة باعتبار أن وقوع الجريمة يضر بها كونها حامية للمجتمع بالأساس، ودورها القصاص للضحايا عبر مقاضاة الجاني وبالتالي لا يجوز للضحية التنازل عن المحاكمة حال عرض القضية على المحكمة أو التراضي بشأنها بين الطرفين.[13]

أما العدالة الجزائية retributive justice فتتعلق بمعاقبة القادة السياسيين والعسكريين الذين يتحملون مسؤولية جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية عبر المحاكم الدولية لمنع الإفلات من العقاب.[14]

ورغم أن المجتمع الدولي لم يفرق بينهما، عند تأسيس المحكمة الجنائية الدولية 2002 لتحقيق العدالة الجزائية، إلا أنه يمكن القول بأن العدالة الجنائية هي الصورة المحلية/الوطنية، للعدالة الجزائية. فكلتاهما أداتان قضائيتان، تهتمان بمعاقبة الجناة وعدم الإفلات من العقاب. لكن الأولى يمكن اعتبارها بمثابة القضاء التقليدي الوطني الذي ربما يعتريه البطء والفساد إلى ما غير ذلك، في حين أن الثانية تتضمن محاكم خاصة بطرق معينة ووفق نظم ربما ليست بالضرورة وطنية، فأحيانا تكون نظما مختلطة نتيجة اتفاق سياسي “حالة سيراليون” أو نظما أجنبية جراء تدخل دولي “حالة رواندا” كما سنرى.

أما باقي أدوات العدالة الانتقالية الأخرى، فهي تدرج تحت اسم العدالة التصالحية التي تسعى لجبر الضرر وتعديل السلوك الناتج عن الجريمة، ومنع تكرارها وتعويض الضحايا، عبر الالتقاء بين جميع الأطراف “الجناة والضحايا والمجتمع”. وقد ظهرت على مدى السنوات منذ انتهاء الحرب الباردة أوائل تسعينات القرن الماضي كبديل متزايد التأثير على نطاق العالم للعدالة الجنائية. [15]

أي هي تهتم بالمصالحة بمفهومها الشامل السياسي والاجتماعي، وبالضحية والجاني في آن واحد، وهدفها بناء المجتمع الذي دمرته الحرب أو الحكم السلطوي على أسس جديدة “بناء السلام”.

المطلب الثاني: السياق الداخلي والخارجي لنشأة المحكمتين وإطارهما القانوني

يركز هذا المطلب على جزئيتين أساسيتين، الأولى تتعلق بالسياق الداخلي والخارجي لنشأة كل محكمة، والثانية خاصة بإطارها القانوني

أولا: السياق الخاص بنشأة المحكمتين

ا- المحكمة الجنائية الدولية في رواندا

اندلعت شرارة الحرب الأهلية في رواندا عام 1991، بعد الهجمات التي شنتها الجبهة الرواندية المعارضة بزعامة الرئيس الحالي بول كاجامي والمنتمية لأقلية التوتسي من المناطق الحدودية مع أوغندا، ضد حكومة الهوتو والرئيس هابياريمانا الذي أدى مقتله في حادث طائرة عام 1994 لاشتعال هذه الحرب ووقوع أكبر عملية إبادة في أفريقيا قامت بها قوات الهوتو ضد التوتسي. [16]

وقد ساهمت مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية، في اتجاه تدويل الأزمة صوب إنشاء المحكمة الجنائية الدولية.

فداخليا، تجمعت أسباب عدة، منها حجم المأساة “مقتل 800 ألف إلى مليون من التوتسي، مقابل 30 ألف من الهوتو وفق منظمة هيومان رايتس ووتش”، فضلا عن فرار مئات الآلاف إلى دول الجوار التي باتت هي الأخرى تأن من هؤلاء، علاوة على رغبة الرئيس كاجامي وحكومته الجديدة في القصاص من خصومه الهوتو، وتقديمه طلبا رسميا لمجلس الأمن، مع الزيادة الكبيرة في عدد المتهمين في هذه الجرائم بصورة أو أخرى، وعدم قدرة المحاكم الوطنية على استيعاب كل هذا الكم الهائل من القضايا، لا سيما بعد مقتل مئات القضاة والمحامين، وفرار آخرين إلى الخارج. [17].

أما إقليميا، فقد تزامن اندلاع الحرب مع تشكيل آلية منظمة الوحدة الأفريقية لمنع وإدارة وتسوية الصراع التي تم إقرارها عام 1993، أي قبل الحرب بعام واحد في إطار الرغبة ليس فقط في تسوية الصراعات، ولكن منع حدوثها قبل وقوعها، وقد تصادف هذا الاهتمام الأفريقي مع اهتمام دولي صب في هذا الاتجاه أيضا، لا سيما بعد تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة لمجلس الأمن والذي أشار لوجود قائمة من 55 من كبار المسؤولين متورطين في عملية الإبادة الجماعية، وهو نفس ما جاء في تقرير الأمين العام للمجلس في تشرين الأول/ أكتوبر1994 والذي طالب بإنشاء محكمة دولية وفق البند السابع من الميثاق [18]، يضاف إلى ذلك إخفاق الأمم المتحدة التي كانت تشرف على اتفاق أروشا للسلام 1993، في منع وقوع الإبادة الجماعية، ما دفعها إلى التصميم على المحاكمة الجنائية للمتورطين بالحرب الأهلية.

2- المحكمة الخاصة بسيراليون

اندلعت الحرب الأهلية في سيراليون والمعروفة بحرب الماس في آذار/ مارس عام 1991، مع دخول قوات الجبهة الثورية المتحدة بزعامة فوداي سنكوح شرق البلاد انطلاقا من ليبيريا المجاورة للإطاحة بنظام الرئيس جوزيف موموه، إلا أن عدم كفاءة النظام في المواجهة أدى لوقوع انقلاب عسكري ضده بقيادة فالنتين ستراسر[19].

وقد استمرت حالة عدم الاستقرار في البلاد حتى إجراء أول انتخابات رئاسية في البلاد في 15 آذار/ مارس 1996 أسفرت عن فوز الرئيس “أحمد تيجان كاباه، الذي أعلن عن رغبته في التوصل لاتفاق سلام مع المعارضة، لكن لم يمض على فوزه سوى أربعة أشهر حتى دبّر بعض القادة العسكريين، بالتحالف مع سنكوح، انقلابا ضده وتشكيل المجلس الثوري للقوات المسلحة وتنصيب بول كروما رئيسا له وتعيين سنكوح نائبا له، وهو ما أدى إلى فرار كاباه لغينيا التي قامت هي ونيجيريا، من خلال قوات الإيكوموج التابعة للجماعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “إيكواس”، بالتدخل العسكري ضد قادة الانقلاب [20].

ونظرًا لتفوق الإيكواس التسليحى فقد تمكنت من إعادة كاباه ثانية للسلطة، والقبض على سنكوح وأعداد كبيرة من الجنود التابعين له وصدور حكم بإعدامه، لكن الجبهة أعادت تنظيم نفسها على يد زعيمها الجديد سام بوكاري، ما كان دافعاً هاماً لضرورة الوصول لاتفاق سلام بين الجانبين [21] ، لا سيما في ظل تزايد أعداد القتلى الذي بلغ قرابة 70 ألفا، فضلا عن نزوح أكثر من 2.6 مليون، أي أكثر من نصف السكان.[22]

وبالفعل تم التوصل لاتفاق لومي في 7 تموز/ يوليو 1999 بإشراف أممي وإقليمي من أبرز بنوده صدور عفو عام عن جميع المتمردين بما فيهم سنكوح، مع إعادة دمجهم في الجيش، وتجريدهم من أسلحتهم، وتشكيل حكومة وحدة وطنية يحصل فيها سنكوح على منصب نائب الرئيس.[23]

إلا أن النقطة الأهم في الاتفاق هي المتعلقة بإنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة كأحد آليات العدالة الانتقالية خلال 90 يوما. [24]

لكن يبدو أن مجموعة من الظروف الداخلية الإقليمية والدولية ساعدت في الدفع باتجاه البحث عن آليات أخرى ومنها الآلية الجزائية..

فداخليا استمر انتهاك الجبهة الثورية اتفاق لومي، فضلا عن قيام إحدى الفصائل المنشقة عن قوات المجلس الثوري في أيار/ مايو 2000 بأسر 500 من القوات الدولية والبريطانية التي حلت محل قوات الإيكوموج، ما حدا بكاباه لاعتقال سنكوح بعد تعالي الأصوات المنادية بمحاكمته دوليا، بالتزامن مع اتهام منظمات حقوقية دولية للجنة المصالحة بعدم قدرتها على إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب. [25]

أما دوليا، فقد قوبل طلب كاباه بتأييد دولي لاسيما من قبل الأمم المتحدة، فالممثل الخاص للأمين العام الذي شهد توقيع اتفاق لومي، ذيل توقيعه على الاتفاق ببيان يؤكد فيه أن أحكام العفو الواردة في الاتفاق لا تنطبق على جرائم الإبادة الجماعية والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وسائر الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي المرتكبة على الصعيد الدولي، ومؤكدا أيضا على أن الأوضاع في سيراليون تهدد السلم والأمن الدوليين”.[26]

ومعنى هذا أن الأمم المتحدة أيدت فكرة العدالة الجزائية وإقامة المحكمة لرغبتها في إنهاء الصراع وتقليل التكلفة المادية الضخمة المترتبة على زيادة عدد قواتها وتحويل المهام من حفظ السلام إلى فرض السلام، وبالنسبة لبريطانيا فزاد اهتمامها بعد أسر بعض جنودها العاملين ضمن القوات الدولية، أما واشنطن فأرادات إظهار تأييدها لفكرة العدالة بعد رفضها التصديق على اتفاقية روما 1998 المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية. [27]

ثانيا: السند القانوني واختصاصات المحكمتين

1-محكمة رواندا

اتبعت رواندا مسارا يجمع بين الآليات التصالحية والآليات الجنائية والجزائية، حيث كانت هناك آليتان جنائيتان هما المحاكم الوطنية، ومحاكم الجاكاكا المحلية” التقليدية ·، وآلية جزائية واحدة هي المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، [28]، التي نشـأت بموجب قرار مجلس الأمن رقم 955 لعام 1994، واستنادا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة باعتبار أن ما يحدث في رواندا من أعمال إبادة جماعية يشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين، وبعد تلقي المجلس طلبا من حكومة رواندا[29]، على أن تكون مدينة أروشا التنزانية مقرا لها.

وبموجب المادة الأولى والسابعة والثامنة من القانون التأسيسي، اقتصر نطاقها الزماني على عام 1994 فقط كونه شهد عملية الإبادة الجماعية، كما حددت ذات المادة الاختصاص المكاني، ليشمل المجرمين سواء المقيمين في رواندا أو دول الجوار. وتعد هذه ميرز إضافية لمنع الإفلات من العقاب وأحد المزايا التي لم توجد في محكمة سيراليون بعدها. وربما حداثة التجربة الأفريقية، وحجم المأساة، والتأييد الدولي للمحكمة، ساهم في ذلك.

ووفق القانون التأسيسي للمحكمة، فإنها بحسب البنود من 2- 4، تنظر في ثلاث جرائم أساسية يندرج تحتها مجموعة من المؤشرات الدالة عليها، وهي جرائم الإبادة الجماعية “مادة 2″، والجرائم ضد الإنسانية “مادة 3″، جرائم الحرب بموجب اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني “مادة 4”. والتي تتماشى مع القانون الدولي الإنساني، والاتفاقيات الدولية بغض النظر عن القانون الوطني في البلاد.

ومع ذلك فقد كان هناك اختصاص مشترك بين المحكمة والمحاكم الوطنية، مع إعطاء الأولوية للمحكمة الدولية “المادة الثامنة فقرة 1، 2”.

2-حالة سيراليون

اعتمدت سيراليون أيضا على آليات تجمع بين العدالة التصالحية والعدالة الجنائية والجزائية.. ففي الشق الأول كانت هناك لجنة الحقيقة والمصالحة التي نشأت بموجب اتفاق لومي، في حين اقتصر الشق الجنائي على المحاكم الوطنية، والجزائي على المحكمة الخاصة لسيراليون والتي تأسست بناء على طلب من الرئيس كاباه لمجلس الأمن “12 حزيران/ يونيو 2000”[30]، ما حدا بالمجلس لإصدار قراره رقم 1315بتاريخ 14 آب/ أغسطس 2000، بإنشاء محكمة خاصة مستقلة لمحاكمة الأشخاص الذين يتحملون أكبر قدر من المسؤولية عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني والقانون السيراليوني والمرتكبة خلال الحرب. [31]

ووفق الفقرة الأولى من القرار، فإن المحكمة تنشأ بموجب اتفاق بين الطرفين “الحكومة والأمين العام”، وبالتالي لا تعد فرعا للأمم المتحدة عكس محكمتي يوغسلافيا 1993 ورواندا 1994.

ويلاحظ أن التفويض الممنوح لها لم يكن وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة عكس حالة رواندا، ما يعني صعوبة القبض على المتهمين الموجودين في الخارج على اعتبار أن اختصاصها المكاني قاصر فقط على الأشخاص الموجودين في سيراليون.

ولقد حرصت الأمم المتحدة على عدم وجود تعارض بين عمل هذه المحكمة ولجنة المصالحة. ففي تقرير الأمين العام كوفي عنان لمجلس الأمن عام 2000، قال إنه: «ينبغي الحرص على أنّ المحكمة الخاصّة لسيراليون ولجنة الحقيقة والمصالحة ستعملان بشكلٍ مكمّلٍ وداعمٍ لبعضهما البعض، في ظلّ الاحترام الكامل للوظائف المختلفة وذات الصلة في آنٍ لكلٍّ منهما».[32]

وفيما يتعلق باختصاصها الزماني، فتم الاتفاق بين أطراف التفاوض على أن يكون قرابة خمس سنوات تبدأ من اتفاق أبيدجان 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 1996 باعتباره أول اتفاق سلام يتم توقيعه بين الجانبين [33]، وانتهاء باتفاق أبوجا “مايو 2001” الذي أنهى رسميا الحرب في البلاد.

ويلاحظ أن اختصاصها الزماني كان أطول نسبيا مقارنة برواندا، وربما السبب في ذلك يرجع إلى أن الحرب في رواندا تركزت في عام واحد فقط، في حين استمر في سيراليون وإن بصورة متقطعة قرابة عشر سنوات.

أما اختصاصها المكاني، فقد اقتصر على سيراليون “مقر المحكمة” بموجب المادة 9، “عكس محكمة رواندا”. وهو ما يجعل هناك إمكانية للجناة للهروب من البلاد وطلب اللجوء، وعدم القدرة على استدعائهم من هذه الدول حال عدم وجود اتفاق تسليم المتهمين، ما يعني في المحصلة النهائية إمكانية الإفلات من العقاب.

بينما تضمن اختصاصها الموضوعي النظر في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، وجرائم الحرب التي تشكل انتهاكا للمادة ٣ المشتركة بين اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الثاني، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي، والجرائم الخاضعة لقانون سيراليون ذي الصلة والمرتكبة ضمن أراضي سيراليون “فقرة 2”.

ويلاحظ أنه تم استبعاد فكرة الإبادة الجماعية عكس محكمة رواند لعدم وجود أدلة على وقوعها، حيث لم يدرج مجلس الأمن جريمة الإبادة الجماعية ضمن توصياته، حيث رأى الأمين العام أنه من غير الملائم إدراج هذه الجريمة في قائمة الجرائم الدولية الخاضعة لاختصاص المحكمة.[34]، لكن ربما الجديد هو إضافة القانون الجنائي في سيراليون كمرجع قانوني، كون المحكمة مختلطة.

أما الاختصاص الشخصي فاقتصر فقط بموجب الفقرة الثالثة من القرار، على الأشخاص الذين يتحملون القسط الأكبر من المسؤولية عن ارتكاب الجرائم المشار إليها سابقا[35]، سواء عبر التخطيط أو التحريض أو الأمر بالتنفيذ، أو الارتكاب، أو المساعدة والتشجيع بأي وسيلة أخرى. [36]

وقد اعتبرت هذه المحددات معيارا للمدعي العام للمحكمة يسترشد به عند اعتماد استراتيجية الملاحقة القضائية واتخاذ القرارات. [37]

ويلاحظ أن هذا التقييد الشخصي في المحكمة لم يكن موجودا في محكمة رواندا، ربما لاعتبارين أولهما، وجود قدر كبير من الأطفال الذين تم تجنيدهم في حرب سيراليون، وبالتالي فرغم كونهم جناة، إلا أنهم ضحايا، وتم التعامل معهم بهذه الصفة في لجنة المصالحة، وليس في المحكمة، حرصا على تماسك المجتمع، وثانيهما حالة عدم الاستقرار التي كانت تشهدها البلاد حينها، فضلا عن استفادة المحكمة من تجربة رواندا ذاتها، حيث إن الكثرة العددية للجناة في الأخيرة ساهمت في وجود أعباء مادية ولوجستية، علاوة على بطء إجراءات التقاضي، وبروز فكرة عدالة المنتصر.

المطلب الثالث: آليات العمل، وأهم المخرجات

أولا: آليات ومخرجات المحكمة الخاصة في رواندا

حدد قرار مجلس الأمن 1503 لعام 2003، الاستراتيجية الواجب اتباعها للمحكمة، وهي مقسمة لمراحل بجداول زمنية، وتقضي بالتعاون وتوزيع المهام بين المحكمة والمحاكم الوطنية لاعتبارات تتعلق بعدم الإثقال وتقليل التكلفة. هذه الاستراتيجية تقوم على انتهاء المحكمة من جميع التحقيقات عام 2004، وجميع أنشطة المحاكم الابتدائية نهاية 2008، وجميع أعمالها عام 2010، مع حثها على إحالة قضايا المتهمين من المستوى الأدنى والمتوسط إلى المحاكم الوطنية المختصة حسب الاقتضاء.[38]

واعتبارا من كانون الأول/ ديسمبر 2007، أنهت المحكمة الابتدائية النظر في 35 قضية، بينما أحالت 30 قضية أخرى للمحاكم الوطنية التي ألغت عقوبة الإعدام من قوانينها عام 2007 لتتماشى مع منهاج المحكمة الدولية، لكن لوحظ أن عبء العمل في دائرة الاستئناف قد لا يؤدي لإنجاز المهام في الوقت المحدد[39]، لذا تم تمديد عمل المحكمة الابتدائية حتى نهاية حزيران/ يونيو 2012. والاستئناف بحلول 2014.

ووفق بيانات الأمم المتحدة، فإنه وبحلول كانون الأول/ ديسمبر 2011، أكملت المحكمة محاكمة 80 متهما من أصل 92، أبرزهم جان كامباندا رئيس الوزراء أثناء الإبادة الجماعية الذي حكم عليه بالمؤبد عام 1998، وهي المرة الأولى التي يُدان فيها رئيس حكومة بتهمة ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية بعد محاكمة نورمبرج[40]، وكذلك حكم بالسجن على كل من رئيس أركان الجيش السابق، ووزير الدفاع.[41]

وهنا يلاحظ أن آلية العدالة الجزائية لم تكن الوحيدة في البلاد، حيث كانت هناك المحاكم الوطنية التي أجرت حوالي 2500 محاكمة أصدرت أحكاما بالخدمة المدنية لحوالي 900 متهم، وهو أمر استهجنه أهالي الناجين من الإبادة الجماعية.[42]

وبالنسبة لمحاكم الجاكاكا Gacaca، فكان عليها العبء الأكبر، حيث قامت منذ دخولها حيز التشغيل الكامل في 2005، بالبت في مليون ومئتي ألف قضية من خلال 12 محكمة وحوالي مئة ألف قاضي[43]، وتمت إدانة حوالي 65٪ من الجناة وحُكم عليهم بالسجن لفترات طويلة [44]، بينما حصل 25% من القضايا على براءة، وفي حالات عديدة أخرى تم تحويل العديد من أحكام السجن إلى خدمة مجتمعية، مما يسهل إعادة دمج المحتجزين في المجتمع[45]

ثانيا: آليات ومخرجات محكمة سيراليون

نظرت المحكمة في بداية عملها عام 2002 وحتى إنهاء مهامها نهاية 2013، في تسع قضايا فقط لـ 13 قيادة من القوى السياسية المختلفة، تم القبض على 11 منهم أبرزهم؛ فوداي سنكوح وعيسى سيساي قائد ونائب الجبهة الثورية الموحدة، سام هينغا نورمان، قائد ميلشيا الدفاع المدني “الكاماجور” الموالية للحكومة، ونائب وزير الدفاع، ووزير الداخلية، قيادات من قوات المجلس الثوري للقوات المسلحة، فضلا عن القائد السابق للمجلس العسكري جوني بول كوروما، بينما توفي سنكوح ونورمان بالسجن[46]، بوكاري وكروما خارجه.

ولقد عملت المحكمة على إعادة دمج للقضايا التسع لتصبح أربعا فقط، منها القضية الخاصة بالرئيس الليبيري تشارلز تايلور كونه أحد داعمي الجبهة، وأخرى خاصة بمحاكمة 3 من القادة السابقين لقوات “الكاماجور”، وثالثة خاصة بمحاكمة 5 من قادة الجبهة، ورابعة خاصة بمحاكمة 4 من المجلس الثوري، حيث تم تقسيم القضايا الأربع على دائرتي المحكمة، بحيث تتولي الأولى قضية الكاماجور والجبهة الثورية، والدائرة الثانية قضية المجلس الثوري وتشارلز تايلور.[47]

وفي القضية الأولى الخاصة بالكاماجور صدر حكم على فوفانا ب 15 عاما وكونديوا ب 20 عاما، وفي القضية الثانية، حكم على ثلاثة بأحكام تتراوح بين 25 عاما، 52 عاما “عيسى سيساي”، أما المحكمة الثالثة فقد صدرت أحكاما على بالسجن 50 عاما لثلاثة متهمين. [48]

ورغم أن هدف المحكمة وغيرها، منع الإفلات من العقاب ورفض فكرة العفو التي نص عليها اتفاق لومي، إلا أن حصر الاتهامات في الأشخاص الذين يتحملون القدر الأكبر من المسؤولية أدى لتقليل عدد المتهمين، وهو وإن كان قلص عدد القضايا المعروضة عليها وتقليل التكلفة إلى حد ما، إلا أن بعض المنظمات كالعفو الدولية اتهمتها بأنها أداة للإفلات من العقاب. [49]

المطلب الرابع: تقييم عمل المحكمتين ودورهما في عملية الانتقال الديمقراطي

في هذا المطلب نحاول تقييم عمل كلتا المحكمتين في ضوء المهام الموكولة لهما، وكذلك دورهما في عملية الانتقال الديمقراطي. وهل كان لهما الدور الرئيس في تحقيق الانتقال الديمقراطي، أم أن ثمة عناصر أخرى لا تقل عنهما أهمية في هذا الشأن

أولا: تقييم ودور محكمة رواندا في عملية الانتقال الديمقراطي

تقييم دور المحكمة

لعبت المحكمة دورا لا يمكن إغفاله في منع عملية الإفلات من العقاب تجاه خصوم نظام كاجامي، حيث عاقبت 80 متهما أبرزهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع، ورئيس الأركان، وغيرهم، لكنها في المقابل لم تتمكن من التحقيق مع قادة الجبهة الوطنية الرواندية الحاكمة فيما ارتكبوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لعدم رغبة الحكومة في التعاون معها، ففي عام 2002 رفضت الحكومة نقل الشهود من رواندا إلى مقر المحكمة أو تزويدها بالمستندات المطلوبة، ولم يمثل أمامها من التوتسي سوى 40 جنديا من الرتب الأقل دون القيادات.[50] .

ولقد كان واضحا من البداية رغبة نظام كاجامي في إطار نمط الانتقال الديمقراطي من أسفل، في تطبيق العدالة الجزائية في محاكمة خصومه فقط، لذا تعمد تعطيل عمل لجنة الحقيقة والمصالحة التي وافق برلمان البلاد على تأسيسها عام 1993، لمدة ست سنوات، حتى تكون تالية لعمل المحكمة الجنائية.[51] .

ولقد ساعد المحكمة على أداء عملها عاملان هامان، الأول يتمثل في التعاون بينها وبين القضاء الوطني، حيث قامت عام 2011 بنقل بعض القضايا المنظورة أمامها للمحاكم الوطنية.[52]، أما العامل الثاني فيتمثل في التعاون القاري وليس الإقليمي فقط معها باعتبارها النموذج الأول من نوعه في القارة، حيث قامت دول مثل الكاميرون وكينيا وتوغو ومالي وتنزانيا وبنين وأنغولا والكونغو وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا وزامبيا وكوت ديفوار وأوغندا وغابون والسنغال وناميبيا، بتسلميها المتهمين الموجودين على أراضيها.[53]

لكن في المقابل يؤخذ علي المحكمة أمران، الأول بطء إجراءات التقاضي بسبب بيروقراطية الأمم المتحدة، ورفضها عقوبة الإعدام، ارتفاع تكلفة تشغيلها، ووجودها خارج رواندا، ما جعل شعور الروانديين بها ضعيفا جدا. والثاني اشتراطها حضور المتهمين، وعدم إصدار أحكام غيابية، ما جعل البعض ينتقدها باعتبارها لا تطبق مبدأ الإفلات على العقاب على كبار الجناة الذين فروا خارج البلاد.[54]

دور محكمة رواندا في عملية الانتقال الديمقراطي

يمكن القول بأن المحكمة، فضلا عن آليات العدالة الأخرى سواء الجنائية المحلية والتقليدية، أو الآليات التصالحية، ساهمت في تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي في رواندا على نحو ما يلي:

  • بالنسبة للآليات الجنائية الوطنية مثل المحاكم الوطنية ومحاكم الجاكاكا، ففي ظل صعوبة قيام المحكمة الدولية بمفردها بمحاكمة كل المتهمين، فضلا عن ارتفاع تكلفة تشغيلها وبطء إجراءات التقاضي، لذا كانت هناك حاجة للتنسيق بينها وبين هذه الآليات خاصة القضاء الوطني فيما يتعلق بعملية عدم الإفلات من العقاب، كما اضطلعت الجاكاكا بالعبء الأكبر. وكما سبق القول فقد مثل أمام المحكمة الجنائية 80 شخصا، مقابل 2500 أمام القضاء الوطني، ومليون ومئتا ألف أمام الجاكاكا.
  • الآليات التصالحية الأخرى وأهمها لجنة المصالحة الرواندية.. فرغم تعمد النظام تأخير تشكيلها، إلا أنها حققت العديد من النجاحات فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية وتهيئة عملية الانتقال السياسي السلمي في البلاد، ومن أبرز نجاحاتها عقدها جلسات حفظ الذاكرة، حيث استمعت لـ 8 آلاف حالة من الضحايا والجناة، فضلا عن إقامة نصب تذكاري عند مقابر الضحايا، وإقرار المتهمين أمامها بالذنب، مقابل قبول الضحايا العفو والصفح. وقد لعب شيوخ القبائل والمشايخ التقليدين دورا هاما في هذا الشأن. ناهيك عن مجموعة أخرى من النجاحات أبرزها ما يلي:
  • صدور قانون لمناهضة القمع والتمييز والطائفية، وكذلك إلغاء خانة التصنيف الاثني في بطاقات الهوية
  • اعتبار الكفاءة الأساس في عملية التعليم والتوظيف
  • تجريم نشر الأفكار الانفصالية أو تعزيز الخلافات الإثنية بموجب دستور 2003..
  • مشاركة النساء بنسبة لا تقل عن 30% في البرلمان لضمان مشاركة الفئات المهمشة في عملية الانتقال الديمقراطي.[55]
  • التعاطي الإيجابي إلى حد كبير مع مخرجات آليات العدالة الانتقالية بشقيها الجزائي والجنائي والتصالحي سواء من قبل النظام السياسي والمعارضة والقوى الشعبية، فضلا عن الدعم الخارجي لها.
  • فنظام كاجامي كما سبق القول كان حريصا على عقد المحاكمة مستغلا انتصاره على خصومه، الذين اضطروا في المقابل لقبول مخرجاتها خشية أن يؤدي الرفض إلى تنكيل النظام بهم لاسيما بعد تراجع الدعم الإقليمي لهم، ومما ساهم في ذلك أيضا حالة الرفض المجتمعي الشديد لتجدد العنف، فضلا عن شيوع ثقافة الطاعة والإذعان منذ الاحتلال البلجيكي للبلاد.
  • أما بالنسبة لآليات العدالة التصالحية الأخرى، فقد برزت فكرة التكاتف الداخلي والتجاوب الحكومي والشعبي مع المبادرات التصالحية وبرامج بناء السلام وأهمها برنامج نزع السلاح وتسريح القوات وإعادة دمجها، فضلا عن مجموعة من البرامج واللجان التي تهتم بالعدالة بأبعادها المختلفة “المواطنة وتعزيز حقوق الإنسان والاجتماعية والثقافية غيرها”، مع ترسيخ هذه المفاهيم من خلال برامج تعليمية موجهة لطلاب المدارس، حيث يتم تدريس الاعتماد على الذات والقومية والقيم الأخلاقية، كما بذلت الحكومة جهودا كبيرة لمقاومة الأفكار الانفصالية ومروجيها. [56]
  • ودوليا اكتسبت العدالة الانتقالية وعملية الانتقال الديمقراطي وبناء السلام، زخما كبيرا بعد تدخل الأمم المتحدة، وتبنيها مشروع نزع السلام والتسريح وإعادة الدمج على مستوى الإقليم، حيث بلغت نسبة المخصصات لرواندا 57 مليون دولار. ونتيجة لذلك تمت عمليات نزع السلاح والدمج لقرابة 54 ألف مقاتل[57]. وهي نسبة كبيرة ساهمت في نجاح عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد.

ثانيا: تقييم محكمة سيراليون ودورها في عملية الانتقال الديمقراطي

تقييم دور المحكمة

  • لعبت المحكمة دورا لا يمكن إغفاله في منع عملية الإفلات من العقاب تجاه خصوم ومؤيدي النظام على حد سواء، مما يصعب وصفها بأنها ذات بعد انتقائي عكس محكمة رواندا. ومما ساعدها على ذلك كونها محكمة مستقلة وذات بعد دولي، ولا تخضع لهيمنة النظام الداخلي على عكس لجنة الحقيقة التي وجهت لها اتهامات بتبعيتها للنظام الحاكم، هذا البعد الدولي جعلها تتمتع بالحياد، فضلا عن الشفافية حيث كانت تقدم تقريرا سنويا بأعمالها لكل من الأمم المتحدة وحكومة سيراليون، ما ساهم في زيادة المصداقية الداخلية بها في ظل معاناة النظام القضائي بسبب ظروف الحرب.[58]

وهناك نقطة إيجابية أخرى خاصة بطبيعة عملها وجمعها بين النظام الدولي والوطني واستفادتها من التجارب السابقة لمحكمتي رواندا ويوغوسلافيا، ما جعلها نموذجا يحتذى به عالميا في قضايا أخرى مثل لبنان في قضية مقتل الحريري 2006، وكمبوديا لمحاكمة كبار قادة الخمير الحمر، وتيمور الشرقية.[59]

ومع ذلك فقد كانت أبرز الانتقادات الموجهة لها تتعلق بضآلة مخرجاتها “محاكمة 9 أشخاص خلال 11 عاما”، ناهيك عن ارتفاع تكلفة التمويل التي قدرت في البداية بـ 114 مليون دولار قابلة للزيادة “89 مليون لمحاكمات القيادات الوطنية، 24 مليون دولار لمحاكمة تايلور”، لكن هذا التمديد جعل هناك مشكلة في عملية التمويل التي كانت أحد إشكاليتها خاصة الأزمة المالية التي عانت منها عام 2009 بسبب تراجع المانحين عن الوفاء بالتزاماتهم.[60]

دور المحكمة في عملية الانتقال الديمقراطي

  • يمكن القول بأن المحكمة، فضلا عن آليات العدالة الأخرى سواء الجنائية الوطنية، أو الآليات التصالحية، ساهمت في تحقيق عملية الانتقال الديمقراطي في سيراليون على نحو ما يلي:
  • المحاكم الوطنية. والتي لعبت دورا هاما في تطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ومما ساعدها على ذلك، التعاون الوثيق بينها وبين المحكمة الخاصة، لاسيما في أن الأخيرة كانت تأخذ ببعض القوانين الوطنية جنبا إلى جنب مع القوانين الدولية، فضلا عن اقتصار المحكمة الخاصة على محاكمة فئة محددة “كبار المسؤولين”، ما جعل المحاكم الوطنية تتطلع بالمستويات الأقل.
  • الآليات التصالحية الأخرى وأهمها لجنة المصالحة التي كان لها دور هام في الانتقال الديمقراطي وبناء السلام وتحقيق المصالحة جنبا إلى جنب مع المحكمة الخاصة.
  • فقد تضمن تقرير اللجنة الختامي أسماء المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت إبان الحرب، وهو ما يعد نهجا هاما في حفظ الذاكرة، لا سيما مع ارتباطه بتوصية تخليد الذكرى عبر إقامة النصب التذكاري ودفن الرفاة والاحتفالات، كذلك توصياتها بضرورة الإصلاح المؤسسي بما في ذلك القضاء، وتقديم تدريبات متنوعة لإكساب المهارات للمقاتلين السابقين، بالتزامن مع إجراءات التسريح وتسليم الأسلحة، والتوصية بتوظيف هؤلاء الشباب في الخدمات المجتمعية في المستشفيات وغيرها، وتقديم تعويضات في مجال السكن والتعليم والدعم الزراعي[61].
  • التعاطي الإيجابي إلى حد كبير مع مخرجات آليات العدالة الانتقالية بشقيها الجزائي والجنائي والتصالحي سواء من قبل النظام السياسي والمعارضة والقوى الشعبية، فضلا عن الدعم الخارجي لها.
  • فنظام كاباه كان حريصا في البداية على إجراء المحاكمة لتحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد، فضلا عن التعاطي الإيجابي مع مخرجات المحاكمة والتي تضمنت بعض مؤيديه مثل قيادات الكاماجور، ونفس الأمر بالنسبة لخصومه، لاسيما أنه لم يعمد الى اتباع سياسة الإقصاء والتهميش، حيث شاركت القوى المسلحة السابقة في إطار حزب سياسي في انتخابات 2002 والتي تمت تحت إشراف دولي، مما أكسبها قدرا من النزاهة.
  • أما بالنسبة لآليات العدالة التصالحية الأخرى، فقد برزت فكرة التكاتف الداخلي والتجاوب الحكومي والشعبي، وكذلك الدولي مع مخرجات المصالحة والي لعبت دورا هاما في الانتقال الديمقراطي وبناء السلام، حيث شكلت الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة مشروعا لمدة عام عرف باسم اللجنة الوطنية للعمل المجتمعي لتنفيذ التوصيات المتعلقة بالتعويضات، كما أنشأت الحكومة صندوقا ائتمانيا للضحايا عام 2009 وقبلها أقر البرلمان قانون تأسيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان لتكون الجهة المسؤولة عن تنفيذ توصيات اللجنة [62].
  • ومما شجع أيضا على عملية الانتقال الديمقراطي وبناء السلام، تبني الحكومة وبمساندة وتمويل دولي برنامج نزع السلاح وتسريح الجنود وإعادة دمجهم مرة أخرى في المجتمع، حيث تم نزع سلاح وتسريح 70 ألف شخص، في حين كانت تشير التقديرات الأولية الى 45 ألفا فقط [63]، وهو ما ساهم في منع تجدد العنف في البلاد والتمهيد لإجراء أول انتخابات حرة بإشراف قوات الأمم المتحدة باعتبارها وسيطا محايدا عام 2002، والتي تعهدت بعدها بالقيام بمهام بناء السلام. وبالفعل حققت نجاحات هامة في هذا الشأن، ما دفع مجلس الأمن، استنادا إلى تقرير الأمين العام عن الحالة في سيراليون، إلى الإعلان في تموز/ يوليو 2005 عن انتهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في سيراليون بنهاية 2005 [64] بعد استتباب الأوضاع في البلاد.

الخاتمة

من العرض السابق يمكن استخلاص بعض النتائج، فضلا عن استخلاص بعض الدروس المستفادة عربيا من نموذجي رواندا وسيراليون:

أولا: أبرز النتائج الخاصة بالدراسة

خلصت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أبرزها ما يلي:

  • أن العوامل الداخلية وكذلك الخارجية تلعب دورا هاما في تحديد آليات العدالة الانتقالية بصفة عامة، والجزائية بصفة خاصة. ففي البداية كان هناك ميل عام في اتفاق أروشا 1993 الخاص برواندا، ولومي 1999 الخاص بسيراليون لتطبيق آلية العدالة التصالحية عبر لجان الحقيقة والمصالحة، لكن مع تفاقم الأمور في البلدين، ورغبة نظام كاجامي بعد اندلاع الحرب الأهلية 1994 في الانتقام من خصومه، والتي صادفت تأييدا دوليا بسبب فشل الأمم المتحدة في وقف المذابح بموجب اتفاق أروشا، وفي المقابل رغبة نظام كاباه في محاكمة خصومه لعدم وفائهم باتفاق لومي الذي أعطاهم عفوا عاما، كذلك رغبتها أيضا في محاكمة متورطي الحرب في سيراليون، ما ساهم في إنشاء المحكمتين.
  • أن هناك صعوبة في القول بأن العدالة الجزائية هي السبب الرئيس في تحقيق الانتقال الديمقراطي في الحالتين، بل إن نجاحها يتطلب تأييدا داخليا متمثلا في دعم وتأييد الفواعل السياسية الرئيسية “النظام، المعارضة سواء السياسية أو المسلحة، المجتمع المدني، الشعب”، فضلا عن التأييد والدعم الخارجي لمخرجاتها”. وأن هذا الدعم هام جدا لها وللآليات الأخرى في تحقيق الانتقال الديمقراطي.
  • إن عملية الانتقال الديمقراطي شاملة ومعقدة، وتشمل جوانب مختلفة سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية، وقضائية، لذا كانت هناك صعوبة في الحالتين في الاعتماد على آلية العدالة الجزائية بمفردها، حيث كانت هناك حاجة للاعتماد على الآليات التصالحية المختلفة، مع السعي للتنسيق بينها حتى يحدث التكامل وليس التضاد. ففي حالة رواندا وجدنا أن النظام سعى لتأخير الآليات التصالحية رغم صدور القرار بإنشائها قبل تشكيل المحكمة، أما في حالة سيراليون فقد كان قرار المحكمة لاحقا على قرار تشكيل لجنة المصالحة. وبالتالي فإن كل حالة تأخذ وترتب آليات العدالة بحسب ظروفها.
  • فالعدالة الجزائية وإن كانت هامة لتطبيق مبدأ عدم الإفلات من العقاب، إلا أنها لا تساهم في رصد أسباب الصراع الداخلية والخارجية وتوثيقها باعتبارها مقدمة لعملية الانتقال الديمقراطي وبناء السلام. وربما يرجع هذا لطبيعة التسويات القانونية بصفة عامة والتي ربما تصلح للفصل في نزاع حول أمر معين مثل قضية حدودية، ولا تصلح في الأغلب لتسوية صراعات معقدة بين البشر تتداخل فيها عوامل كثيرة. وهنا تأتي أهمية الآليات التصالحية كمكمل أساسي لها، وفي النموذج الأفريقي قد يكون هذا النموذج هو الأقرب للحدوث، مع مزجه بآليات العدالة الوطنية والمحلية “التقليدية”، لتحقيق قدر أكبر من المشروعية. ولتحقيق الانتقال الديمقراطي.
  • أن تجربتي رواندا وسيراليون، ربما تكونا الأخيرتين فيما يتعلقان بتشكيل محاكم خاصة للعدالة الجزائية، سواء أكانت هذه المحكمة دولية أو هجين بعد نشأة المحكمة الجنائية الدولية بموجب اتفاق روما 1998 والتي دخلت حيز النفاذ عام 2002 وهو ذات العام الذي أقرت فيه محكمة سيراليون. وربما السبب في ذلك يرجع إلى أن المحكمة الدولية أنيط بها عمليات المحاكمة للمتهمين في جرائم الحرب والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وهي ذات الجرائم التي تناط للمحاكم الخاصة، فضلا عن كونها دائمة وليست مؤقتة، ما قد يجعل هناك صعوبات في بروز محاكم أخرى، اللهم إلا إذا كانت أحداثها سابقة على نشأة المحكمة التي لا تنظر قضاياها بالتقادم.

ثانيا: أبرز الدروس المستفادة عربيا

لا توجد آلية واحدة لتحقيق العدالة الانتقالية، تماما كما أنه لا توجد وسيلة واحدة لتحقيق التغيير والانتقال الديمقراطي. ومع ذلك يمكن القول:

  • إنه كلما كانت هناك تسوية سياسية حقيقية في بلد عربي ما، كلما كان هذا أدعى لتطبيق آليات العدالة الانتقالية غير الجزائية، خاصة إذا كان عدد الضحايا قليل، على غرار حالة سيراليون، اللهم إلا إذا اتفق الطرفان على تفعيل العدالة الجزائية بصورة عادلة وليست إقصائية تخضع لعدالة المنتصر.
  • في حالة الثورات التي لم يستتب لها الأمر لوجود عقبة رأس النظام والدولة العميقة، قد يكون من المفيد أيضا منح النظام العفو مقابل الرحيل “حالة الرئيس اليمني السابق عبد الله صالح وفق المبادرة الخليجية”، وتأجيل قيام المحاكم الثورية لحين استتباب باقي الأمور على غرار تجربة الأرجنتين، لا سيما في حالة عدم وجود دعم خارجي للثورة، أو عدم توحد القوى الثورية، كما قد تكون لجان الحقيقة التي تتشكل من شخصيات مستقلة، وسيلة مناسبة لكشف الحقيقة، وجبر الضرر وتعويض الضحايا، ومنع النسيان عبر إقامة احتفالات سنوية، وتماثيل رمزية وغيرها. وهنا سنكون أمام معضلة ثلاثية العدالة والديمقراطية والسلام، وأيهما يتم تغليبه.
  • لذا فالعمل على تحقيق هذه الثلاثية في مجتمعات ما بعد الصراع “الهشة”، يتطلب تخطيطا استراتيجيا للأنشطة وتكاملا حريصا بينها وترتيبا حكيما لها.[65]
  • كما يتطلب حوارا مجتمعيا كبيرا بشأن أفضل الآليات المناسبة للحالة، لأنه في بعض الحالات كشيلي والأرجنتين في ثمانينات وأوائل تسعينات القرن الماضي، ترتب على تطبيق الآليات الجزائية في بدايات التحول الديمقراطي مشكلات كبيرة، كادت أن تؤدي لحدوث انتكاسة ورده للوراء. [66]
  • الحذر من سياسة الإقصاء السياسي على أسس أيدولوجية، دون الاستناد لأسس جنائية، أو ما يعرف بالعزل السياسي في المراحل الأولى للثورات، لا سيما إذا لم يتم تطهير المؤسسة القضائية من أتباع النظام القديم، لأن هذا العزل يضع جميع هؤلاء الذين ينتمون للنظام القديم، في سلة واحدة، سواء من كانوا في القيادة أو في المراكز الوسيطة، أو الدنيا، وهو ما قد يتنافى مع فكرة العدالة، أو فكرة المصالحة. وقد يؤدي تطبيقه كما حدث في ليبيا، أو كاد يحدث مصر إلى استمرار حالة عدم الاستقرار[67]، إذ قد يدفع ذلك هؤلاء للتفكير في الانتقام، أو دخول البلاد في مشاكل قانونية، لاسيما إذا كانت المؤسسة القضائية لا زالت خاضعة للدولة العميقة.
  • إن هناك صعوبة في تحقيق العدالة الانتقالية في البلاد العربية في الظرف الراهن بسبب استبداد معظم نظمها، والتي ربما تطبق نمط العدالة الجنائية الانتقامية ضد خصومها، كحالة مصر بعد أحداث يوليو 2013، واستغلال النظام المؤسسة القضائية في إصدار أحكام بالجملة وصلت للإعدام على معارضيه خاصة من التيار الإسلامي، وفي المقابل رفضه تشكيل لجنة تقصي حقائق في الأحداث الكبيرة التي شهدتها البلاد وفي مقدمتها رابعة والنهضة وغيرها، أو تقديم أحد من قيادات وزارة الداخلية للمحاكمة، بل كان حريصا على إظهار دعمه لهم.
  • يرتبط بذلك أيضا صعوبة الحديث عن العدالة الجزائية عبر محكمة دولية خاصة أو هجين، أو حتى المحكمة الجنائية الدولية، لعدة أسباب منها عدم توافر الإرادة السياسية للنظم الحاكمة، كونها ستكون هي وأجهزتها أول المدانين، كما أن معظم هذه الدول غير موقعة أو مصادقة على قانون روما المنشئ للمحكمة، وفي المقابل هناك عدم رغبة دولية في تحريك الآليات الجنائية الدولية بسبب الانقسام الدولي ما بين مؤيد ومعارض لهذا النظام أو ذاك، وربما الحالة السورية خير مثال على ذلك.
  • أن نمط العدالة الانتقالية الذي يمكن تحقيقه في الظرف الراهن هو الذي يكون بمثابة منحة من الحاكم، ويقتصر على أدوات العقاب غير الجزائية ومنها جبر الضرر والتعويض عما لحق بالضحايا من انتهاكات قامت بها المؤسسة الأمنية تحديدا كتجربة لجنة المصالحة والإنصاف المغربية [68].
  • للإطلاع على ملف الPDF إضغط هنا

الهامش

[1] – الأمم المتحدة، مجلس الأمن، تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن عن سيادة القانون والعدالة الانتقالية في مجتمعات الصراع ومجتمعات ما بعد الصراع، S/2004/ 661 نيويورك: 23 آب/ أغسطس 2004، ص 6

[2] – نيويورك، المركز الدولي للعدالة الانتقالية، ما هي العدالة الانتقالية، شوهد في 19/9/2019 /،في

http://ictj.org/sites/default/files/ICTJ-Global-Transitional%20Justice-2009-Arabic.pdf

[3] – عبد الحسين شعبان، العدالة الانتقالية وذاكرة الضحايا، الحوار المتمدن،26-1-2008، شوهد في 4/4/2019 http://www.m.ahewar.org/s.asp?aid=122262&r=0

[4] – د. حسنين توفيق إبراهيم، الانتقال الديمقراطي: إطار نظري، مركز الجزيرة للدراسات، 14 شباط/ فبراير 2013، شوهد في 29/9/2019

[5] – حول هذه الأنماط أنظر: عبدالفتاح ماضي، كيف تنتقل نظم الحكم إلي الديمقراطية، مجلة الديمقراطية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، شوهد في 25/9/2019

[6] – كانت العدالة الانتقالية في المغرب بمثابة منحة من الحاكم، واقتصرت على الآليات التصالحية كجبر الضرر والتعويض عما لحق بالضحايا من انتهاكات قامت بها المؤسسة الأمنية تحديدا كتجربة لجنة المصالحة والإنصاف المغربية، حيث أسست بموجب مرسوم ملكي 2002، وقصرت عملها على قضايا الاعتقالات والاختفاء القسري فقط، وعلى النظر في الشكاوى التي تقدم إليها فقط، وكانت هذه أحد أبرز الانتقادات التي وجهت لها. حيث ذكرت منظمة العفو الدولية بأن احتمال استمرار الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في الماضي، مقرونا باستمرار الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في الحاضر يشكل باعث قلق كبير لديها”. حول هذه الانتقادات وغيرها أنظر، عبد الكريم عبد اللاوي، تجربة العدالة الانتقالية في المغرب القاهرة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، 2013 ص 182-183

[7]– محمد غسان الشبوط، المصالحة بين الدولة والمجتمع في ضوء تجارب العدالة الانتقالية الأفريقية، رواندا نموذجا، في المصطفى بوجعبوط” محرر”، العدالة الانتقالية في أفريقيا . مظاهر تفكيك الأنظمة السلطوية. دراسة في تجارب لجان الحقيقة .. مكتسبات وتحديات، ط 1، برلين: المركز الديمقراطي العربي، 2018،، ص ص 268-274

[8] – أحمد شوقي بنيوب، العدالة الانتقالية، المفهوم والنشأة والتجارب، حلقة نقاشية حول العدالة الانتقالية، المستقبل العربي، عدد 413 بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، تموز/ يوليو 2013، ص ص 137-138

[9]– د. هالة أحمد الأطرش، تناقضات بين القواعد القانونية الدولية والتدابير السياسية في مسارات العدالة الانتقالية، المجلة الليبية العالمية، عدد 15 بنغازي: كلية التربية،، آذار/ مارس 2017، ص 17

[10]– المرجع السابق، ص ص 18-19

[11] – حول هذه الآليات “بتصرف” أنظر إياد يونس وعامر حادي” العدالة الانتقالية: دراسة قانونية”، مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية بالعراق، ص ص 239-241، شوهد في 28/9/2019.

[12] – رضوان زيادة، العدالة الانتقالية كمدخل لتأسيس شرعية الدول العربية، المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، شوهد في 26/9/2019.

[13] – Caelin King, “Truth, Justice, and Reconciliation: A Comparison of the South African Truth and Reconciliation Commission and the Rwandan Gacaca Court System”, A Thesis Submitted in Partial Fulfillment of the Requirements for the Degree of Master of Arts, University of British Columbia, Vancouver,2007, pp.59-60

[14] – Gerhard Anders and Olaf Zenker, Transition and Justice: An Introduction, in: Gerhard Anders and Olaf Zenker, eds., Transition and Justice Negotiating the Terms of New Beginnings in Africa New Jersey: Blackwell Publishing Ltd,2015 p.11

[15] – New York, Center for Reconciliation and Justice Tutorial: Introduction to Restorative Justice, accessed on 15/9/2019, at

http://restorativejustice.org/restorative-justice/about-restorative-justice/tutorial-intro-to-restorative-justice/#sthash.6OAdLOH5.dpbs

[16] – Will Jones and Sally Murray, consolidating peace and legitimacy in Rwanda: The LSE-Oxford Commission on State Fragility, Growth and Development, April 2018, p.1, accessed on 15/9/2019, at;

https://www.theigc.org/wp-content/uploads/2018/04/Rwanda-report.pdf

[17] – Min Reuchamps, What Justice for Rwanda? Gacaca versus Truth Commission? Working Papers in African Studies, no. 259, 2008, pp.6-7

[18] – مباركة رحلي، “الحرب الأهلية في رواندا 1994 والمواقف الدولية منها”، مذكرة مكملة لنيل شهادة الماجستير في تخصص التاريخ المعاصر، كلیة العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خیضر، بسكرة، الجزائر، 2014-2015، ص ص 90-99

[19] – أحمد إبراهيم محمود، “الحرب الأهلية في سيراليون” في: إبراهيم نصر الدينمحرر، الصراعات والحروب الأهلية في إفريقيا القاهرة: معهد البحوث الإفريقية، 1999 ص 477.

[20]– Pierre, Englbert, “Mauritania: Recent History “in, Africa South of The Sahara 2001, no. 30, 2001, P.122

[21] – بدر حسن شافعي، “تسوية الصراعات في إفريقيا.. نموذج الإيكواس”، ط 1 القاهرة: دار النشر للجامعات، 2009 ص ص238- 239

[22] – Marry Kaldor &James Vincet, Sierra Leone. Case study New York: United Nation Development Programme pp.4-6

[23] – Adekye Adebajo, Building Peace in West Africa: Liberia – Sierra Leone and Guinea Bissau USA & London: Lynne Rienner Publisher, 2002. P. 99.

[24] – William, A. Schabas, “A Synergistic Relationship: The Sierra Leone Truth and Reconciliation Commission and the Special Court for Sierra Leone”, in, William, A. Schabas & Shane Darcy eds., Truth Commissions and Court: The Tension Between Criminal Justice and The Search for Truth, Netherlands: Kluwer Academic Publishers,2004 p.7

[25]-Amnesty International, “Sierra Leone: Renewed Commitment to End Impunity,” AI index: AFR 51/007/2001, UK: 24September, 2001. p.p.3-4

[26] – الأمــم المتحـدة، مجلس الأمن، قرار رقم 1315، S/RES/1315 نيويورك: 14 آب / أغسطس 2000 ، الديباجة

[27]– سمر أبو السعود، دور المحكمة الخاصة لسيراليون، ط1 القاهرة، المكتب العربي للمعارف، 2015، ص ص 140-141

  • مصطلح “Gacaca” مأخوذ من اللغة الوطنية لرواندا، كينيا رواندا، وتعني بالإنجليزية قص وتنظيف وقطع العشب، في إشارة إلى السعي لحل الخلافات، وهي محاكم “عرفية” لحل النزاعات حول قضايا مثل السرقة والقضايا الزوجية والأرض الحقوق، والأضرار التي لحقت بالممتلكات ويرأسها كبار السن، ويحق لأي مواطن في القرية طلب الحديث أمامها، لمزيد من التفاصيل انظر

Herbert Rubasha and Isaac Bizumuremyi, “Lessons from Rwanda’s National and International Transitional Justice :The Case to Improve Regional and International Perspectives of Justice”, A Paper Presented at the Regional Forum on International and Transitional Justice organized by Avocats Sans Frontières-Uganda Mission and the Uganda Coalition of the International Criminal Court on 30th July, 2012, Entebbe, p.p 1-2

[28]-Pietro Sullom, “Punishing Mass Atrocities : Penological Developments in The Aftermath of The Rwandan Genocide”, in: Ageta Fjalkowski& Raluca Grosescu eds., Transitional Criminal Justice in Post-Dictatorial and Post –Conflict Societies, uk :Cambridge Publications,2015 p.p.218-220, accessed on 15/9/2019, at;

http://www.nyulawglobal.org/Globalex/Africa_Truth_Commissions1.html

[29] – الأمم المتحدة: مجلس الأمن، قرار رقم 955، 8 تشرين الثاني /نوفمبر 1994 s/res/955 والقانون التأسيسي للمحكمة المنشئ لها المرفق بذات القرار

[30] – United Nations: Security Council, Letter dated 9 August 2000 from the Permanent Representative of Sierra Leone to the United Nations addressed to the President of the Security Council, S/2000/786, 10 August 2000

[31] – الأمــم المتحـدة: مجلس الأمن، قرار رقم 1315، 14 آب/ أغسطس 2000، S/RES/1315، الفقرة الأولى

[32]-UN Doc. S/2001/40, para. 9

[33]– الأمم المتحدة، مجلس الأمن، تقرير الأمين العام عن إنشاء محكمة خاصة لسيراليون، S/2000/915 نيويورك،، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2000، ص ص 6-8

[34] – الأمم المتحدة، مجلس الأمن، تقرير الأمين العام عن إنشاء محكمة خاصة لسيراليون، مرجع سابق،ص 4

[35] -الأمــم المتحـدة، مجلس الأمن، قرار رقم 1315، S/RES/1315 نيويورك: 14 آب / أغسطس 2000

[36] – القانون التأسيسي للمحكمة، مرجع سابق، مادة 6/1

[37] – الأمم المتحدة، مجلس الأمن، تقرير الأمين العام، مرجع سابق، ص ص 8-9

[38]– الأمم المتحدة، مجلس الأمن، قرار رقم 1503 بخصوص رواندا، S RES/1503 نيويورك 28 أغسطس 2003.

[39]– Charles Manga Fombad, Transitional Justice in Africa: The Experience with Truth Commissions, feb.2017, accessed on 20/9/2019

[40]-The Justice and Reconciliation Process in Rwanda, Rwanda genocide and the united nation, Background Note, march 2012, accessed on 4/4/2019

and see also

Hassan Jallow and Fatou Bensouda .”International criminal law in an African context”, in,Max Du Plessis ed., African Guide to International Criminal Justice, Pretoria :Institute for Security Studies,2008, p.36

[41]– Fombad, Ibid

[42]– Rubasha, Ibid, p.p8-9

[43] -The Justice and Reconciliation Process in Rwanda, ibid

[44] – Emily B. Mawhinney, Restoring Justice: Lessons from Truth and Reconciliation in South Africa and Rwanda, Journal of Public Law and Policy, USA: Hamline University’s School of Law’s, vol,36, no. 2, 2015, p.45

[45]-herbert Rubasha and Isaac Bizumuremyi, “Lessons from Rwanda’s National and International Transitional Justice:The Case to Improve Regional and International Perspectives of Justice”, A Paper Presented at the Regional Forum on International and Transitional Justice organized by Avocats Sans Frontières-Uganda Mission and the Uganda Coalition of the International Criminal Court on 30th July, 2012 at Imperial Botanical Beach Hotel, Entebbe, p.p8-9

[46] – لوك هويسه، مارك سولتر محرران، العدالة والمصالحة التقليديتان بعد الصراعات العنيفة: التعلم من التجارب الأفريقية

استكوهولم، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات،2017 ، ص 130

[47] – أبو السعود، مرجع سابق، 195-197

[48] – Anders, Transitional Justice, Ibid, p.149

[49] – Ibid, p.150

[50]– Nigel Eltringham, “When we Walk Out, What was it all About?’: Views on New Beginnings from within the International Criminal Tribunal for Rwanda “,in: Anders, Gerhard and Zenker, Olaf eds. Transition and justice: negotiating the terms of new beginnings in Africa. Oxford: Wiley Blackwell : 2014,p.153

[51] -. Mawhinney, ibid, p.44

[52]– Human Rights Watch: Rwanda: Justice After Genocide: 20-year 0n 28 March 2014, P.8

[53]– Jallow, ibid, p.36

[54] – سعاد خوجة، “العدالة الانتقالية دراسة نظرية تطبيقية”، مذكرة مقدمة لنيل درجة دكتوراه علوم في القانون العام، كلية الحقوق، جامعة الإخوة منتوري بقسنطينة، الجزائر، 2016-2017، ص 42

[55] – هايدي ص ص 149-150

[56]– Rubasha, ibid, p.p.6-7

[57] – هايدي الطيب، العدالة الانتقالية في أفريقيا، ط1 القاهرة، المكتب العربي للمعارف، 2016، ص ص، 163-165

[58] – Theresa m. Clark, “Assessing the Special Court’s Contribution to Achieving Transitional Justic”, in Charles Chernor Jalloh, The Sierra Leone Special Court and Its Legacy UK: Cambridge University Press,2014 pp 756-757

[59] – أبو السعود، مرجع سابق، ص 277

[60] – Jessica Lincoln, “Transitional Justice : Peace, and Accountability .. Outreach and The Role of International Court After Conflict” USA: Taylor & Francis Group,2011 pp.141-145

[61] – الطيب، مرجع سابق، ص ص 135-136

[62] – نفس المرجع السابق، نفس الصفحة

[63] – المرجع السابق، ص ص 159-160

[64] – شافعي، تسوية الصراعات في إفريقيا، مرجع سابق، ص ص 239-240

[65] – الأمم المتحدة، مجلس الأمن، تقرير الأمين العام للأمم المتحدة لمجلس الأمن عن سيادة القانون، مرجع سابق، ص 2

[66] – Cori Wielenga, Peacebuilding and transitional justice, The African Centre for the Constructive Resolution of Disputes ACCORD, 16 JUL 2015, accessed on 16/9/2019

https://www.accord.org.za/blog/peacebuilding-and-transitional-justice/

[67]-عائشة سالمي، “الأمن المجتمعي وإدارة التنوع في دول ما بعد النزاعات: مقاربة العدالة الانتقالية ـ دراسة لبعض الدول الأفريقية”، في المصطفى بوجعبوط” محرر”، مرجع سابق ص ص119-120

  • حالة حكم المحكمة الدستورية المصرية في 15 حزيران/ يونيو 2012 أي قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية بين الرئيس المعزول محمد مرسي ورئيس الوزراء السابق أحمد شفيق ببطلان قانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية، والمعروف بقانون العزل الذي كان يستهدف منع شفيق من الترشح كونه كان آخر رئيس وزراء في حكومة مبارك”، كما قضت ببطلان ثلث أعضاء مجلس الشعب، ما أدخل البلاد في أزمة قانونية لعدم وجود مجلس شعب، واستمرت الحال هكذا حتى عزل مرسي في 3 تموز/ يوليو 2013. لمزيد من التفاصيل أنظر: المحكمة الدستورية تقضى بعدم دستورية قانون العزل السياسي.. وبطلان ثلث أعضاء مجلس الشعب، جريدة الأهرام المصرية، 14 حزيران/ يونيو 2012 .

[68] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى