fbpx
تقديراتاقتصاد

العسكر وتدمير اقتصاد مصر: الجزء الثاني

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تقديم:

شهد الاقتصاد المصري تحت حكم العسكر بعد انقلاب 3 يوليو 2013، العديد من الممارسات والسياسات الخاطئة، التي كان لها العديد من التداعيات الخطيرة ليس فقط على حاضر هذا الاقتصاد ولكن على مستقبله، وفي هذا الملف نرصد أهم ملامح هذه السياسات وتلك التداعيات:

أولاً: انهيار السياحة:

قديما  قال الحكماء تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، هذا القول المأثور يعكس حقيقة قطاع السياحي المصري، الذي يلعب أدورا مهمة للاقتصاد بما في ذلك المساهمة بنحو 11% من إجمالي الناتج المحلي.

ففي أبريل/نيسان 2015، قال وزير السياحة المصري السابق خالد رامي إن بلاده تستهدف زيادة إيرادات السياحة إلى 26 مليار دولار في عام 2020، مقابل 7.3 مليار دولار في 2014 ، وإلى نحو 9.5 مليار دولار خلال عام 2015.

وأضاف رامي أن مصر تستهدف زيادة عدد الليالي السياحية إلى 260 مليون ليلة في 2020 من 97 مليونا في 2014 ورفع زيادة إنفاق السائح في اليوم إلى 100 دولار من 77 دولارا، وجذب نحو 20 مليون سائح بحلول 2020.

وفي نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، قال وزير السياحة المصري الحالي هشام زعزوع إن قطاع السياحة في بلاده يتطلع للتعافي ويسعى لجذب ما يصل إلى 10 ملايين سائح بنهاية عام 2015 وتحقيق إيرادات بين 7.5 مليار و 8 مليارات دولار.

وكشف زعزوع أن عدد السائحين لمصر في الفترة بين يناير/ كانون ثان – وأغسطس/ آب 2015 ، بلغ 6.6 مليون سائح مقابل 6.3 مليون سائح خلال نفس الفترة من العام 2014، بزيادة 4.9 % وبلغت الإيرادات 4.592 مليار دولار مقارنة مع 4.509 مليار دولار.

وتوقع الوزير المصري أن تحقق بلاده إيرادات بين 7.5 و 8 مليارات دولار بنهاية 2015 وبين 9 و10 مليارات في 2016 مع زيادة النمو في عدد السائحين لأكثر من 10%.

هكذا كانت تبدو تطلعات المسؤولين المصريين بشأن قطاع السياحة الذي يمثل أحد مصادر النقد الاجنبي الوافدة  للبلاد، ولكن مصر كانت على موعد مهم له ما بعده من تداعيات، ربما تعجز عن تحملها بسبب ارتفاع قيمة الفاتورة في وقت تمر فيه مصر بأزمة ندرة الموارد الدولارية.

وفي صباح يوم 31 اكتوبر/ تشرين الأول 2015، استفاقت السلطة الحاكمة في مصر على نبأ إسقاط طائرة متروجيت الروسية في رحلتها رقم 9268 فوق سيناء ، ومصرع جميع الركاب وأفراد الطاقم الذين كانوا على متنها، وعددهم 224 شخصاً.

واعتبر مركز كارنيجي الأمريكي حادث إسقاط الطائرة الروسية، ضربة جديدة للمسؤولين المصريين الذين يحاولون إقناع العالم بأن مصر تنعم بالأمان وتؤمّن مناخاً مؤاتياً للأعمال والسياحة على السواء.

ولكون السياح الروس يشكلون ثلث السياح الوافدين لمصر، فقد تلقّى القطاع السياحي المصري   ضربة قاضية بعدما فرضت الحكومة الروسية حظراً شاملاً على جميع الرحلات بين روسيا ومصر في أعقاب تحطّم الطائرة، رغم دفء العلاقات بشكل لافت للنظر بين البلدين، بعد  الانقلاب العسكري الذي قاده الجيش ضد الرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز 2013.

وتوقع مركز كارنيجي حدوث مزيد من التراجع في عائدات مصر مع تهاوي القطاع السياحي في أعقاب كارثة الطائرة الروسية، وأن يجري تخفيض توقعات زعزوع بشأن تحقيق إيرادات تصل إلى عشرة مليارات دولار من القطاع السياحي في العام 2016.

وبعد مرور نحو 11 يوما من كارثة  إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء المصرية،  سارع وزير السياحة هشام زعزوع  إلى الإعلان أن بلاده ستخسر 2.2 مليار جنيه (281 مليون دولار) شهريا بسبب قرار بريطانيا وروسيا تعليق الرحلات الجوية إليها.

وعلقت بريطانيا الرحلات إلى مدينة شرم الشيخ المصرية بعد أربعة أيام من سقوط الطائرة الروسية .

وقال زعزوع إن السياح الروس والبريطانيين يشكلون ثلثي حركة السياحة في شرم الشيخ بينما يمثل الروس وحدهم نصف السياح في مدينة الغردقة، على البحر الأحمر.

وفي ظل كآبة المشهد السياحي، كشف زعزوع أنه يعتزم إطلاق حملة بقيمة 5 ملايين دولار للترويج للسياحة المصرية في بريطانيا وروسيا، ومع ذلك، تستبعد روسيا إلغاء قرارها بتعليق الرحلات السياحية إلى مصر قريبا، مؤكدين الأمر قد يستغرق شهورا على الأقل.

وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم ، قال زعزوع إن الحكومة ستسعى إلى تعويض خسارتها من السياحة العالمية من خلال تشجيع السياحة الداخلية والخليجية وتسهيل حصول السياح القادمين من شمال أفريقيا على تأشيرات الدخول.

ورغم فداحة الخسائر التي أصيب بها قطاع السياحة المصري بعد حادث الطائرة الروسية، إلا أن الأمر ليس جديدا بالنسبة إلى مصر.

ففي فبراير/ شباط 2014، جرى تفجير حافلة سياحية في سيناء، ما أسفر عن مقتل سائحَين من كوريا الجنوبية، وفي سبتمبر/ أيلول 2015، لقي ثمانية سياح مكسيكيين مصرعهم عندما أطلق الجيش المصري النار عن طريق الخطأ على موكبهم السياحي ظناً منه أنه يقلّ مقاتلين.

وعلى مدار السنوات الماضية، شهدت وجهات سياحية معروفة بمصر على غرار شرم الشيخ والأقصر، هجمات عدة، كما أن سلسلة الهجمات التي وقعت في القاهرة خلال العام 2015  منها اغتيال النائب العام المصري هشام بركات في يونيو/ حزيران  شكّلت تحدّياً للقوى الأمنية.

وفي ضوء أهمية قطاع السياحة لمصر، يؤدي التراجع فيه إلى التأثير بشكل كبير في التوظيف واحتياطي العملات الأجنبية، نظراً إلى المساهمة الكبيرة التي تقدّمها السياحة في هذين المجالين.

فواحد من أصل 8 عمّال في مصر يعمل بصورة مباشرة أو غير مباشرة في القطاع السياحي، وبما أن نسبة البطالة في مصر تتراوح عند حدود 13 % في العامَين الأخيرين، فمن شأن خسارة الوظائف المرتبطة بالقطاع السياحي أن تسدّد ضربة قوية للحكومة التي تعطي الأولوية لمعالجة مشكلة البطالة.

وفي السابع من كانون الأول/ديسمبر الجاري، استفاقت السلطات المصرية على ورطة أكبر عندما أعلنت شركة الطيران الروسية أنها ستطلب تعويضات من مصر.

ولكون الأرقام لا تتجمل ولا تكذب، فقد أظهرت البيانات الرسمية أن فترة تولي الرئيس محمد مرسي في العام المالي 2012/2013 هي الأفضل لقطاع السياحة خلال سنوات حيث بلغت الإيرادات 9.8 مليار دولار، ثم تدهورت بمعدّل النصف إلى 5.1 مليارات دولار في السنة المالية 2013-2014، إبان حكم الرئيس المؤقت عدلي منصور، وهي أول سنة مالية بعد الانقلاب العسكري، و7.4 مليار دولار خلال العام المالي الاول لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.

وبينما كانت تسعى مصر أن  يصل الإنفاق السياحي إلى 81 دولاراً في اليوم للسائح خلال عام 2015 مقابل 74 دولارا في عام 2014، أدى سياسة البنك المركزي المصري بخفض قيمة الجنيه أمام الدولار نحو 3 مرات ليصل إلى 7.83  جنيه بنهاية العام الماضي مقابل نحو 7.14 جنيه في مطلع العام نفسه، الامر الذي انخفاض إنفاق الأجانب بالدولار.

وعبر النظر إلى الخارج بحثاً عن أسواق جديدة، وإلى الداخل من أجل صقل الطاقات السياحية المصرية، من شأن الحكومة أن تلبّي أولويتين اقتصاديتين رئيستين: الوظائف والعملات الأجنبية.

وفي الوقت نفسه، يشكّل بسط الأمن في البلاد والعمل من أجل درء الأعمال الإرهابية عاملَين أساسيَّين للوقاية من التقلبات الحادة التي شهدها القطاع السياحي المصري

ثانياً: التمويل الخارجي ورهانات العسكر الخاسرة:

تراجع الوضع التنموي بمصر له شواهد كثيرة، وبخاصة خلال السنوات الأربع الماضية، فحسب تصريح وزير التخطيط المصري، أشرف العربي، فإن متوسط معدل النمو بالناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الأربع الماضية بلع 2% بينما متوسط معدل الزيادة السكانية بلغ 2.5%.

والمفترض في وضع تنموي سليم أن يبلغ معدل النمو ثلاثة أضعاف معدل الزيادة السكانية، أما أن يزيد معدل الزيادة السكانية عن معدل النمو، فهذه هي المعادلة المقلوبة، والتي تعكس مأزق التنمية في مصر.

وليست معنى ذلك أن التنمية في مصر قبل ثورة 25 يناير كانت على خير حال، ففي ضوء العلاقة السابقة بين معدل نمو الناتج المحلي ومعدل الزيادة السكانية، نجد أن معدل النمو بلغ نحو 3 أضعاف معدل الزيادة السكانية، ولكن تكملة الصورة، أن هذا الناتج كان يوزع بطريق تفتقد للعدالة، مما أدى إلى سوء توزع الثروة، من ناحية، ومن ناحية أخرى كرس لتهميش شريح كبيرة من المجتمع المصري، وتراكمت أعداد العاطلين، وكذلك أعداد الفقراء.

ومما أدى إلى تشوه نتائج التنمية قبل ثورة 25 يناير على الرغم من تحقيق معدلات عالية من النمو الاقتصادي، أن هذا النمو كان يتركز في قطاعات ريعية وغير انتاجية، مما أفقده القدرة على خلق وظائف تناسب الراغبين في الحصول على فرص العمل، وبخاصة الداخلين الجدد لسوق العمل من الشباب.

ويلاحظ أن السياسة التنموية في مصر منذ عقود ترى أن أزمة التمويل بمصر تحل من خلال الاعتماد على الخارج، عبر الاستثمار الأجنبي أو الدين.

وظلت هذه السياسة قائمة إلى الآن، وهو ما نلمسه بوضوح منذ الترويح لمؤتمر مستقبل مصر الذي عقد في مارس 2015، وقد نشرت مجلة الأيكونوميست منذ شهور أن مصر تحتاج إلى 60 مليار دولار حتى عام 2018 من أجل أن تحقق معدل نمو 5%، وهو ما يعني أن مصر بحاجة إلى تدفقات تمويلية من الخارج بنحو 20 مليار دولار سنويًا في المتوسط، وهو بلا شك تحد كبير بالنسبة لمصر في ظل ظروفها الحالية.

ولا يتوقف طموح الحكومة المصرية في تدبير التمويل اللازم للتنمية من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر، ولكن تتجه كذلك للاستدانة من الخارج، تحت زعم أن الدين الخارجي لمصر لازال في معدلات مقبولة، وأن معدل الفائدة على الاقتراض من الخارج أقل من الاقتراض من الداخل، وتبذل حكومة شريف إسماعيل جهود كبيرة من أجل الاقتراض الخارجي، حيث وقعت على اتفاقيات قروض بنحو 4.5 مليار دولار مع كل من البنك الدولي وبنك التنمية الافريقي.

وحسب هذه التوجهات التي ذكرناها للحكومة المصرية تجاه تمويل التنمية، فإن هناك مجموعة من المخاطر ترتبط بهذا التوجه، نشير إلى بعضها فيما يلي:

اتساع خيارات المستثمرين الأجانب

لا تضمن مصر أن المستثمر الأجنبي سيكون أمامه خيار وحيد وهو الاستثمار بمصر، أو في أفضل الأوضاع أن مصر تحتل مكانة متقدمة تنافسيًا بين بلدان المنطقة والعالم في مجال الاستثمارات الأجنبية، فالأوضاع الحالية للمنطقة تجعلها طاردة للاستثمارات، نظرًا لغياب الاستقرار السياسي والأمني، وحتى مصر نفسها تعتبر ضمن تلك الدول التي تفتقد للاستقرار السياسي والأمني.

وبالتالي سيكون خيار المستثمر الأجنبي اختيار بلدان أخرى تتمتع بمزايا أفضل في مجال الاستثمار، فالبلدان الأفريقية أصبحت مقصدًا للاستثمارات الأجنبية بشكل كبير، على مدار السنوات الماضية،  وبخاصة من قبل الدول الصاعدة مثل الصين وتركيا، مما أفقد مصر ميزة أنها عضو في اتفاقيات اقليمية يستفيد منها المستثمر الذي يقصد مصر ليحصل على اعفاءات ضريبية وجمركية، فهذه الدول الأفريقية أصبحت سوقًا مفتوحًا للاستثمار وليس للبضائع فقط.

اختلاف التوجهات

مما يؤسف له في مسألة الاعتماد على الخارج في تمويل التنمية، أن أهداف المستثمر الأجنبي تختلف عن أهداف البلد المضيف، فالمستثمر الأجنبي عينه على الربح بالدرجة الأولى، وبالتالي لا يعنيه الاستثمار في مشروعات تحتاجها التنمية بمصر، أو تمثل أولية نوعية وزمنية، فقد يتجه للمشروعات الريعية أو سريعة الربح، كما حدث من قبل الاستثمارات الخليجية على مدار السنوات الماضية، حيث أتت في مجالات العقارات والمشروعات السياحية، ومجال خدمات الاتصالات والمصارف.

بينما الاحتياج الشديد الآن لمصر، التوجه لمشروعات كثيفة استخدام العمل لامتصاص فائض البطالة، وكذلك ضخ أموال خارجية في مجال الاستثمار بقطاعات الصناعة والزراعة، وبخاصة تلك التي تعتمد على تحقيق قيمة مضافة عالية، وتستهدف سياسة الإحلال محل الواردات في السلع والخدمات، حتى يمكن ردم فجوة الموارد في هذا المضمار، والتي تقدر بنحو 20 مليار دولار سنويًا.

وبالنظر إلى تجارب مصر في مختلف مشاركتها بالمؤتمرات الدولية والاقليمية أنها تقدم قائمة طويلة من أفكار المشروعات، دون ترتيب أوليات احتياجاتها.

إن التفكير في استقدام التمويل للتنمية من الخارج عبر الاستثمار الأجنبي المباشر يستجلب المخاطر السابقة، فضلًا عن أن التجارب التنموية في العديد من النماذج الناجحة، في دول جنوب شرق آسيا، تفيد بأن النجاح تحقق عبر المدخرات المحلية، والتي لا يفكر فيها المخطط المصري للأسف، بالشكل المناسب.

إن الاستثمارات الأجنبية في تجارب الدول الأىسيوية، أتت لتساعد بعد نجاح المدخرات المحلية في تمويل الاستثمارات، وقبل المساعدة أتت الاستثمارات الأجنبية لتحصد ثمار تجارب ناجحة، ولتحصل على عوائد استثمارية تتسم بالاستدامة والمعدلات العالية من الربح مقارنة ببلدانها الأصلية.

التورط في الدين الخارجي

وإذا كان الدين الخارجي المصري في حدوده الآمنة، إلى أن الشق المكمل لهذه المعادلة أن الدين المحلي تجاوز كل الخطوط الحمراء، وأصبح أحد التحديات التي تؤرق صانع السياسة الاقتصادية والتنموية في مصر.

ومع ذلك فإن الاتجاه للتمويل من الخارج في الحالة المصرية يتضح منه أنه من أجل سد الفجوة التمويلية المتمثلة في تمويل عجز الموازنة، أو الحفاظ على معدلات آمنة من احتياطيات النقد الأجنبي.

إن أوضاع مصر الائتمانية ستفرض عليها أسعار فائدة عالية، وهذه قواعد سوق الائتمان الدولية، ومما يثير الكثير من المخاوف، أن التمويل المتاح بالسوق عادة ما يكون صالح للأجلين القصير والمتوسط الأجل في أحسن الأحوال، بينما تمويل التنمية يتطلب تمويلًا طويل الأجل، وهو ما لا يتوفر إلا عبر المؤسسات المالية الدولية أو الاتفاقيات الثنائية بين الدول.

وأيًا كانت وجهة التمويل عبر الاستدانة من الخارج، فهي ليست منحًا أو هبات، وإنما له تكلفة تؤثر في النهاية على أداء الموازنة العامة، وباقي أداء الاقتصاد القومي.

البديل المهجور

لازالت مصر تفكر في إطار بعيد عن الاستفادة من التمويل المحلي، فقبل التفكير في التمويل، لابد من إعادة النظر في أولويات التنمية، ثم تشجيع التمويل المحلي، وبخاصة غير الرسمي، الذي يقدره البعض بنحو تريليون جنيه مصر، وهو الأمر الذي يجعل هذا التمويل يبلغ نسبة تقترب من 85% من حجم الودائع المتاحة بالجهاز المصرفي المصري.

ولا يحرك هذه الأموال إلا أن تعطي نفس المزايا السخطية التي تقدم بها مصر عروضها للاستتثمار الأجنبي، كما أن مصر فشلت خلال الفترة الماضية في تسويق مشروعاتها التنموية، وبخاصة في مجالات البنية الأساسية من خلال آلية (B.O.T) أو الصكوك الإسلامية، بينما تجربة الدول الآسيوية أو تركيا تفيد أنها استفادت بشكل كبير من هاتين الآليتين.

ثالثاً: انهيار الجنيه المصرى فى عهد الانقلاب

اصبح من نافلة القول انه لايوجد فى مصر منهج علمى لتحليل اى مشكلة اقتصادية نعانى منها فى مصر، ورغم ان هناك العديد من الامراض والمشكلات التى يسهل على المختصين تشخيصها ووضع العلاج المناسب لها، حتى نستطيع الخروج من الازمات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى الا انه يبدو من الواضح ان هناك تعمد لترك المشاكل تتفاقم حتى تتأزم وتصبح من الصعوبة حلها بعد انتشار المرض فى كافة انحاء الجسم الاقتصادى كله، ويعجز الاطباء عن وصف اى دواء لما له من اثار جانبية على الاقتصاد.

وليس ادل على ذلك من تدهور قيمة الجنية المصرى على مدار 70 عاما، فالجنية المصرى بعد ان كان يقابل 4 دولارات قبل ثورة 1952 وبداية الحكم العسكرى لمصر فقد اصبح الدولار يقارب 8 جنيهات فى سوق الصرف الرسمية ومنذ الانقلاب العسكرى على اول تجربة ديمقراطية فى مصر وخلال العامين ونصف اخذت قيمة الجنية المصرى فى التدهور نتيجة تفاقم الازمات تلو الازمات.

فقد شهد عام 2015 تراجع قيمة صرف الجنية باكثر من 30 ٪ خلال فترة الانقلاب وهو ما أثر سلبيا على القدرة الشرائية للمصريين، وأدى لتزايد الضغوط التضخمية بما يرفع أسعار المواد الغذائية وكافة تكاليف المعيشة، وهروب المستثمرين.

و قد انخفض الجنيه في سوق الصرف الرسمي بنسبة 11% منذ مطلع عام 2015 ووصل سعر الدولار في السوق السوداء في الفترة الأخيرة إلى نحو 8.60 جنيهات مقابل 7.10 جنيهات في بداية العام المنصرم

وقد كان من مسببات هذا الانخفاض فى سعر الجنيه عوامل داخلية مرتبطة بعجز الحكومة عن الوفاء باى وعد قطعته على نفسها ومنها ماهو مرتبط بالسياسة النقدية للبنك المركزى واستمرار عجز الموازنة العامة للدولة الى مستويات غير مسبوقة والمتمثل أساسا في ارتفاع النفقات وتراجع الإيرادات.

والعامل الثانى والذى ادى الى مزيد من تدهور الجنيه فكان نتيجة عجز شركات البترول الحكومية عن دفع الديون المستحقة عليها لشركات التنقيب الاجنبية، فقد سعت الهيئة المصرية العامة للبترول لسد الديون التى عليها للشركات الاجنبية العاملة فى مصر وذلك عن طريق الاقتراض من البنوك لسداد المتأخرات للشركات الاجنبية، وكانت مجموعة من البنوك قد اقرضت الهيئة  3 مليار دولار فى ديسمبرعام 2014 مؤخرا فى ابريل من العام المنصرم.

اما العامل الثالث وهو الذى ارتبط بمزيد من الواردات الاستهلاكية من سلع كمالية وترفية واقل ماتوصف بانها استفزازية فقد كشفت احصاءات الواردات السلعية لعام 2014، أن مصر استوردت سكر خام 2.6 مليار دولار واستوردت تفاح ب 400 مليون دولار و استيراد ذرة ب 1.7 مليار دولار وطعاما للقطط والكلاب بقيمة 153 مليون دولار، و لعب أطفال بقيمة 55 مليون دولار، وجمبرى جامبو كافيار بقيمة 78 مليون دولار، وياميش رمضان بنحو 104 ملايين دولار، ولحوم طاووس وغزلان ونعام وما فى حكمها بنحو 95 مليون دولار، وشيكولاتة بقيمة 57 مليون دولار، وسيارات للسباق، وسيارات لملاعب الجولف، والباجى بيتش، وما فى حكمها بنحو 600 مليون دولار، اضافة لاستيراد ألعاب نارية ومفرقعات (شماريخ وما فى حكمها) بنحو 600 مليون دولار.

العامل الرابع والذى ارتبط بمزيد من دفع الاقساط للديون المستحقة على مصر وهذا البند مرشح للتزايد نظرا لتزايد حجم الدين الخارجى ليبلغ 46.2 مليار دولار.

العامل الخامس فاصبح متمثلا فى تلاعب كل من المستوردين والمصدرين فى مستندات الاستيراد حتى يستيطع تهريب الدولارات خارج البلاد وفتح حسابات خارجية للمستوردين والمصدرين بالدولار وذلك نتيجة عوامل عديدة اهمها الخوف من سلطات الانقلاب من مصادرة اموالهم خاصة الدولارية مثلما فعلت سلطات الانقلاب العسكرى باموال وجمعيات ومدارس الاخوان المسلمين، او اتهام رجل الأعمال حسن مالك بانه المتسبب فى ارتفاع الدولار، او فى حالة عجز البنوك عن توفير الدولار فبامكانهم تمويل استيرادهم من حساباتهم من الخارج، فضلا عن تحقق مكاسب راسمالية نتيجة حيازة الدولار والمضاربة عليه فى السوق السوداء.

أما العامل السادس فقد ارتبط بازدهار تجارة العملة خارج النطام المصرفى فالفارق الكبير بين السعر الرسمى وسعر السوق السوداء يغرى الجميع بالطلب على الدولار حتى يستطيع تحقيق مكاسب سريعة للغاية حيث بلغت 70 قرشا لكل دولار واحد على الاقل مما يجعل من الافضل للمواطنين اللجوء للسوق السوداء لصرف عوائدهم بالدولار من هذه السوق بدلا من اللجوء للبنوك وارتبط بهذا العامل عنصرا اشد خطورة وهو تواطؤ كل من المستوردين وشركات الصرافة على الحصول على تحويلات المصريين بالخارج خاصة من يعمل بدول الخليج نتيجة لفرق السعر بين البنوك وشركات الصرافة او مايطلق عليه السوق الموازية.

اذا لعب الانقلاب دورا مهمًا فى اثارة الخوف لدى كافة الكيانات الاقتصادية والذى ادى الى الذعر من السيطرة على النقد الاجنبى مما دفعهم الى التحوط والحذر والاحتفاظ بثرواتهم خارج البلاد اما العامل.

السابع فهو مرتبط بتجارة المخدرات وتشير الإحصائيات إلى تزايد حجم الإنفاق علي المخدرات بشكل يدعو إلى الصدمة، ففي عام 91-92 صرفت مصر حوالى مليارين من الجنيهات على المخدرات، وقفز مرة أخرى ليصل إلى  40ملياراً عام 1996، نظراً لضبط أكبر كمية من المخدرات في هذا العام، وبناءاً علي سلسلة البيانات من الإنفاق علي شراء المخدرات في سوق الإتجار أمكن تقدير الإنفاق علي المخدرات خلال السنوات العشر الماضية، حيث قدر حجم الإنفاق على شراء المخدرات عام 2014 ب 60 مليار جنيه على الاقل وفق تقديرات متوازنة من المختصين.

والحقيقة ان الطلب على المخدرات يتم فى اغلبه بالدولار الامريكى، ومن هنا فان الطلب على الدولار لتغطية الطلب على المخدرات لايقل عن 8 مليار دولار سنويا على اقل تقدير وهو مايؤدى حتما الى رفع سعر الدولار وتهاوى الجنية المصرى.

وهل الامن المصرى لايستطيع القضاء على تجارة المخدرات التى تترك عن عمد لاغراق الشعب المصرى فى مشاكل لاحد لها؟ فالأمن انصرف فقط بعد الانقلاب العسكري لتحقيق الأمن السياسي على حساب الجوانب الأخرى، وبخاصة ما يتعلق بالجرائم الجنائية. بل قد يلجأ الأمن إلى المجرمين الجنائيين للقضاء على معارضي الانقلاب.

ونتيجة لكل هذه العوامل فقد فشلت حكومة الانقلاب في السيطرة على أزمة الدولار وكبح جماح كبار التجار المضاربين ووقف السوق السوداء، واتجهت إلى جهات خارجية سواء بالاتفاق مع السعودية لتوفير البترول، أو الترتيب لطلب من صندوق النقد الدولى قرض لإيجاد حلول للسيطرة على سوق الصرف.

ولا يبدو فى الافق اى حل للازمة نتيجة السياسات الراهنة والتى تدفع الى الخوف من المستقبل من سياسات الانقلاب العسكرى الغاشم الذى يبغى السيطرة على كافة الموارد الاقتصادية دون دراسة او تخطيط، ولعل انهيار الجنيه يكون ذكرى وعبرة لاولى الابصار حتى يمكن ادراك ما يمكن ادراكه من بقايا الاقتصاد المصرى.

رابعاً: الأزمات المعيشية تحاصر المصريين في عهد الانقلاب

وبكرة تشوفوا مصر.. بهذه العبارة الشهيرة أطلق السيسي قائد الانقلاب العسكري، وعوده للشعب بالاستقرار وتحقيق الرفاهية الاقتصادية، وظن المصريون أن وطنهم سيشهد نهاية عصر الأزمات المعيشية، ولا سيما عندما أطاح الجيش يوم 3 يوليو عام 2013 بالرئيس المنتخب محمد مرسي.

ولكن ما حدث هو العكس حيث تفاقمت العديد من الأزمات المعيشية والتي تنوعت ما بين نقص الخدمات وتدني الأجور وزيادة البطالة وارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات، بعدما اتجهت الحكومة إلى تقليص دعم الوقود والسلع بهدف الحد من عجز الموازنة المتفاقم، بالإضافة إلى تلال أخرى من المشاكل، وفيما يلي نستعرض أبرز الأزمات المعيشية التي يعاني منها الشعب المصري في ظل حكم الانقلاب العسكري.

أسعار الوقود تشتعل: تطل علينا أزمات وقود من آن إلى آخر حيث قام النظام الحالي برفع أسعار الوقود أكثر من مرة وكان آخرها زيادة بنسبة وصلت إلى 78%، كما رفعت أسعار الغاز المنزلي أكثر من مرة، بعدما قلصت دعم الوقود خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من 134 مليار جنيه (الدولار = 7.83 جنيه) في موازنة العام قبل الماضي إلى 100.3 مليار جنيه بموازنة العام المالي الماضي، ثم إلى 60 مليار جنيه العام المالي الجاري، ومن المرتقب زيادة أسعار الوقود خلال الأسابيع المقبلة مرة أخرى، حسب تصريحات حكومية.

ويشار إلى أن أزمة الوقود كانت من أهم الأسباب التي أدت إلى خروج المصريين ضد مرسي في مظاهرات 30 يونيو، ولكن بعد الانقلاب تكررت الأزمة على فترات متقاربة، ما دفع الحكومات المتعاقبة في عهد الانقلاب إلى اللجوء إلى دول مجلس التعاون الخليجي لدعمها بالمواد النفطية، ورغم ذلك تفاقمت الأزمة وامتد آثارها إلى المصانع ولا سيما مصانع الحديد والإسمنت التي تعطلت الطاقة الإنتاجية لنحو 75% منها بسبب نقص الوقود، حسب إحصائيات لاتحاد الغرف الصناعية.

أزمة الكهرباء: كما واجه المصريون بعد الانقلاب، أزمة انقطاع الكهرباء المتكرر، رغم المساعدات البترولية السخية من دول الخليج لنظام السيسي، وأصبح التيار الكهربائي ينقطع شتاء وصيفاً، ليلاً ونهاراً ولا سيما خلال الفترة الأولى من الانقلاب قبل أن تتحسن خدمات الكهرباء قليلاً الفترة الأخيرة، إلا أنه في المقابل ارتفعت الفواتير بشكل جنوني بعد الزيادات المتتالية لأسعار الكهرباء.

وكشفت تقارير لوزارة الكهرباء عن أسباب عدة وراء هذه المشكلة، ومنها نقص الغاز وتهالك محطات توليد الكهرباء، واضطرت الحكومة إلى اللجوء للمازوت لتشغيلها، وهو ما يؤثر سلباً على قدرات المحطات.

وتعاني وزارة الكهرباء المصرية من ارتفاع مديونيتها المستحقة لوزارة البترول والتي تصل إلى نحو 60 مليار جنيه، حسب الإحصائيات الرسمية.

تدني الأجور: ومن أبرز المشاكل التي واجهت المصريين، هي تدني الأجور حيث تراجعت أول حكومة بعد الانقلاب برئاسة حازم الببلاوي عن تنفيذ وعود بتطبيق الحد الأدنى للأجور، وكان وزير القوى العاملة، كمال أبو عيطة الذي جاء من قلب تظاهرات 30 يونيو، وعد برفع الأجور وتطبيق الحد الأدنى خلال شهر، حسب تصريحات إعلامية له في شهر أغسطس/آب عام 2013 .

ومر الشهر تلو الآخر، ليكتشف العمال أن هذه الوعود كانت سراباً، ولا سيما بعد أن أكدت حكومة الببلاوي تطبيق الحد الأدنى في شهر يناير، ولكن سرعان ما تم التراجع عن هذه التأكيدات في ظل التدهور الاقتصادي الذي يقف حائلاً أمام رفع الاجور، وفشلت الحكومة الأولى للانقلاب وتمت إقالتها، لتأتي حكومتا إبراهيم محلب الأولى والثانية من دون تطبيق الحد الأدنى للأجور.

ورغم أن الموازنة شملت زيادة في بند الأجور خلال العامين الماليين الماضي والحالي إلا أن الأجور ما زالت كما هي بل وتهدّد الحكومة بخفض رواتب بعض الفئات بعد إعلانها عن قانون الخدمة المدنية الذي شهد احتجاجات عمالية كبيرة خلال الفترة الماضية.

وتواصلت الإضرابات العمالية والمهنية المطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية وزيادة الأجور لمواجهة أعباء الحياة المتزايدة والزيادة في الأسعار خلال العامين الماضين في ظل تدهور الاوضاع المعيشية رغم القمع الأمني المتزايد.

تفاقم البطالة: تفاقمت مشكلة البطالة في مصر مع استمرار الاضطرابات الأمنية وعدم استقرار الأوضاع، ما ادى إلى تدهور العديد من القطاعات وفي مقدمتها السياحة التي كانت تستوعب 4 ملايين عامل قبل أن تدهور الأوضاع بشكل كبير ولا سيما بعد إسقاط الطائرة الروسية في سيناء بعمل إرهابي، بالإضافة إلى إغلاق آلاف المصانع.

وتصل نسبة البطالة إلى نحو 13% من إجمالي قوة العمل البالغة نحو 26 مليون، حسب الإحصائيات الرسمية، أي ما يعادل 3 ملايين مواطن في حين تقدّر بعض مراكز الدراسات البطالة باكثر من 25%  .

شبح الغلاء: انكوى المصريون على مدار العامين الماضيين بأسعار السلع والخدمات، وتراوح معدل التضخم في أسعار المستهلكين، بين 11 و13% حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الحكومي.

ولحق ارتفاع الأسعار بمختلف الخدمات والسلع، فتعدت السلع الغذائية والاستهلاكية إلى العقارات وأجرة وسائل النقل وغيرها، وتشير التوقعات إلى ان ارتفاع الأسعار سيتواصل في ظل الإجراءات التقشفية التي تتخذها الحكومة الحالية بسبب تفاقم الأزمة المالية.

طوابير الخبز: استمرت رحلة معاناة المصريين مع رغيف الخبز المدعم، رغم المنظومة الجديدة التي أعلنتها الحكومة، والتي تعهدت بالقضاء تماماً على طوابير الخبز، إلا أنها لم تتوقف بل ازداد تعقيد الأزمة مع المنظومة الجديدة، التي خصصت خمسة أرغفة يومياً من خلال البطاقة الذكية، وخفضت زنة الرغيف المدعوم بنسبة 35% من 130 جراماً إلى 90 جراماً.

وكان وزير التموين الأسبق باسم عودة، الذي يواجه حالياً حكماً بالإعدام، أول من استخدم منظومة الخبز بفصل الإنتاج عن التوزيع عام 2013 في عهد مرسي، من دون تخفيض وزن الرغيف أو تحديد حد أقصى للفرد، حينها شهدت الأزمة انفراجة مبدئية في بعض المحافظات في عهده.

تهاوي الجنيه المصري: تعرضت العملة المحلية لضغوط كبيرة، نتيجة تراجع موارد مصر من النقد الأجنبي، وعلى رأسها الإيرادات السياحية وقناة السويس وتحويلات العاملين في الخارج والاستثمارات الأجنبية، عن مستوياتها قبل ثورة يناير، فضلاً عن الارتفاع المتراكم للواردات في مقابل الصادرات.

وحسب التقارير الدولية، ساهمت بعض المشروعات التي تبنتها الدولة مثل تفريعة قناة السويس في زيادة الطلب على العملة الصعبة.

وارتفع سعر الدولار خلال العام الماضي، من 7.15 جنيه إلى 7.83 جنيه رسمياً في حين وصل في السوق السوداء إلى أكثر من 8.60 جنيه، ما انعكس سلباً على المواطن المصري حيث ارتفعت الأسعار في ظل اعتماد مصر الاستيراد لمعظم السلع والمقدرة سنويا بنحو 70 مليار دولار، حسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. وانخفض الاحتياطي النقدي لمصر من 36 مليار دولار قبل الثورة عام 2011 إلى نحو 16,4 مليار دولار حالياً، رغم حصول مصر على مساعدات ومنح من دول الخليج تقدّر بأكثر من 40 مليار دولار خلال الفترة التي تلت الانقلاب عام 2013.

خامساً: تزايد حدة الفجوة الغذائية بمصر

تعتبر مصر من الدول المستوردة الصافية للغذاء ، حيث تعاني من فجوة غذائية في معظم السلع الغذائية وخاصة الاستراتيجية منها،  وقد أدى ذلك  إلى ارتفاع معدل التبعية الاقتصادية للخارج.

حجم الفجوة الغذائية في مصر

حجم الفجوة من القمح

تعاني مصر من فجوة غذائية في القمح حيث يتزايد الاستهلاك بمعدلات أكبر من الإنتاج وقد بلغ إنتاج القمح  نحو 8370 ، 8795 ، 9460 ألف طن  للسنوات 2011 ، 2012 ، 2013 على الترتيب ، بينما بلغ الاستهلاك نحو 18015 ، 15184 ، 12737 ألف طن  على الترتيب وللسنوات المذكورة مما ترتب عليه حدوث فجوة في سلعة القمح بنسبة 53.5 % ، 42.1 % ، 25.7 % على الترتيب ويلاحظ هنا زيادة الانتاج في عام 2013 عن عام 2012  بنحو665 ألف طن ، كما يتضح انخفاض الفجوة بنحو 16.4 %، وهو العام الذي أدار فيه الوزير باسم عودة ملف القمح بمصر في عهد أول رئيس مدني منتخب د. محمد مرسي.

حجم الفجوة من الذرة الشامية

كما تعاني مصر من فجوة غذائية في الذرة الشامية حيث  بلغ إنتاج الذرة الشامية نحو 6830، 6804، 6370 ألف طن  للسنوات 2011، 2012، 2013 على الترتيب، بينما بلغ الاستهلاك نحو 12696، 12009، 9454 ألف طن  على الترتيب وللسنوات المذكورة مما ترتب عليه حدوث فجوة في تلك السلعة بنسبة 54 %، 43%، 32.6% على الترتيب .

حجم الفجوة من السكر

بلغ إنتاج السكر في مصر  نحو 2057، 2057، 1892 ألف طن  للسنوات 2011، 2012، 2013 على الترتيب، بينما بلغ الاستهلاك نحو 2938، 3013، 2167 ألف طن  على الترتيب وللسنوات المذكورة مما ترتب عليه حدوث فجوة في تلك السلعة بنسبة 30 %، 31.7 %، 12.7% على الترتيب و يتضح انخفاض الفجوة  في عام 2013 بنحو 19 % عن العام السابق وانخفاضها  بشكل واضح عن الأعوام السابقة بشكل غير مسبوق رغم انخفاض الانتاج وانخفاض الاستهلاك أيضا، وقد يعزى ذلك لحسن إدارة المتاح للاستهلاك .

حجم الفجوة من الزيوت النباتية

تعد الزيوت النباتية من السلع الغذائية التي يرتفع فيها حجم الفجوة الغذائية  بشكل كبير حيث بلغت نحو  75.8 %، 81.2 %، 67 %  لنفس السنوات على الترتيب ويلاحظ أيضا انخفاض الفجوة بشكل ملحوظ  في عام 2013 عن عام 2012  وعن الأعوام السابق أيضا.

حجم الفجوة من جملة اللحوم :

كما تعاني مصر من فجوة غذائية في جملة اللحوم ( الحمراء والبيضاء ) حيث يتزايد الاستهلاك بمعدلات أكبر من الإنتاج وقد بلغ إنتاج جملة نحو 1582، 1672، 1655 ألف طن  للسنوات 2011، 2012، 2013 على الترتيب، بينما بلغ الاستهلاك نحو 1826، 2012، 2016 ألف طن  على الترتيب وللسنوات المذكورة مما ترتب عليه حدوث فجوة بنسبة 14.4%،16.9 %، 18,9% على الترتيب.

تزابد العجز الزراعي والغذائي

تظهر بيانات نقطة التجارة الدولية، التابعة لوزارة التجارة والصناعة، أن العجز في بين الصادرات والواردات الزراعية والغذائية خلال الفترة من 2011 – 2014 يتراوح ما بين 6.1 مليار دولار و7.7 مليار دولار، وفيما يلي نستعرض البيانات التفصيلية خلال هذه الفترة، لرصد مصادر الفجوة الغذائية في مصر.

صادرات وواردات مصر الزراعية والغذائية خلال الفترة 2011 – 2014 (بالمليار دولار)

 

المصدر: تم إعداد الجدول بواسطة الباحث من البيانات المنشورة على موقع نقطة التجارة الدولية، بوزارة التجارة والصناعة المصرية http://www.tpegypt.gov.eg/Statistics/egypt_sector.pdf

ويلاحظ تواضع الصادرات الزراعية المصرية، مقارنة بالواردات الزراعية، على مدار سنوات فترة المقارنة، وذلك بسبب اعتماد مصر على استيراد مجموعة من السلع الاستراتيجية، وعلى رأسها القمح والحبوب، فالواردات الزراعية تتراوح ما بين 7.5- 8.3 مليار دولار، بينما الصادرات الزراعية شديدة التواضع، ما بين 2.4 – 2.9 مليار دولار.

وفي إطار أزمة سد النهضة، واحتمالات تأثر حصة مصر من مياه النيل بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، فمن المرجح، أن يؤثر ذلك على أداء القطاع الزراعي المصري بصورة سلبية، وبالتالي هناك توقعات بزيادة واردات مصر الزراعية والغذائية، وذلك في ضوء محدد أخر لا يقل أهمية عن نقص المياه، وهو معدلات الزيادة السكانية العالية، والتي تساهم بشكل كبير في زيادة معدلات الاستهلاك.

وبالنظر لبيانات النصف الأول من عام 2015، ومقارنته بما عليه أداء الصادرات والواردات الزراعية لمصر، لنفس الفترة المناظرة من عام 2014، نجد أن هناك عجز بلغ نحو 2 مليار دولار، ولكن هنا لابد من الأخذ في الاعتبار أن البيانات النهائية قد تفضي إلى معدلات عجز تقترب من أداء السنوات الأربع الماضية.

وبلا شك أن أزمة الدولار التي تمر بها مصر، بسبب نقص مواردها من النقد الأجنبي، قد تلقي بظلالها على تقليص حجم الواردات من السلع الزراعية والغذائية مع نهاية عام 2015.

وثمة ملاحظة مهمة في هذا الشأن وهي ما يتعلق بعام 2013، الذي حكم فيه الرئيس مرسي مصر، وكانت استراتيجيته المعلنة أن تنتج مصر غذائها ودوائها وسلاحها، حيث تبين الأرقام الواردة في الجدول عاليه، وهي مستقاة من جهة حكومية، بأن الصادرات الزراعية والغذائية لمصر ارتفعت من 3.6 مليار دولار في عام 2012، إلى 4.1 مليار دولار في عام 2013، كما انخفضت الواردات الزراعية والغذائية من 11.3 مليار دولار في عام 2012 إلى 10.2 ملياردولار في عام 2013.

وانعكسات البيانات الإيجابية في عام 2013 على تقليل العجز بالتعاملات الخارجية لمصر في مجال المنتجات الزراعية والغذائية، فانخفض العجز الكلي في هذا القطاع من 7.7 مليار دولار في عام 2012، إلى 6.1 مليار دولار في عام 2013، وشهد العجز ارتفاعًا مرة أخرى في ظل الانقلاب العسكري في عام 2014، حيث ارتفع إلى 6.4 مليار دولار.

المخاطر المترتبة على استمرار الفجوة الغذائية

ثمة مجموعة من المخاطر تداهم المواطن المصري، في ظل غياب برنامج لسد الفجوة الغذائية التي تعاني منها مصر منذ سنوات، وذلك بسبب الاعتماد على الخارج، والذي يؤدي إلى مزيد من التبعية، والتعرض بشكل كبير لتقلبات الأسواق الدولية، وفيما يلي نستعرض بعض تلك المخاطر.

ارتفاع أسعار الغذاء: على الرغم من انخفاض الأأسعار في السوق العالمية خلال الفترة الماضية، إلا أن الوضع في مصر معكوس، بسبب أزمة الدولار، فيتحمل المواطن ثمن حصول المستوردين على الدولار من السوق السوداء، بدلًا من أن ينعم بانخفاض الأسعار في الأسواق العالمية.

زيادة التبعية للخارج، وجعل مصر تقع تحت وطأة ما تتعرض له الدول المصدرة للغذاء، من تقلبات مناخية، أو ظروف سياسية، تؤدي إلى قرارات سلبية في الاستمرار بتصدير الغذاء، وهو ما عانت منه مصر غير مرة مع روسيا، وغيرها من البلدان، ومالجأت إليه مصر نفسها من منعها تصدير الأرز لعدة سنوات، بسبب أزمة المياه.

عدم الاستقرار الداخلي اجتماعيًا وسياسيًا، إذ أن ندرة السلع، أو توفرها بأسعار مرتفعة له تأثيره المباشر على محدودي الدخل والفقراء الذين يزداد عددهم مع مرور الوقت في مصر، وبخاصة في ظل تردي الأداء الاقتصادي، تحت حكم الانقلاب العسكري.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close