اعتمدت دراسة العلاقات التركية السعودية منهج النسق الإقليمي، وكان الشرق الأوسط هو النسق الإقليمي باعتباره إطاراً جغرافياً يجمع السعودية وتركيا معاً. وحاولت الدراسة معالجة الإشكالية الرئيسية المتعلقة بمدى تأثير هذا النسق الشرق أوسطي بمكوناته على العلاقات التركية السعودية في الفترة من 2011 حتى 2019.
وفي سياق معالجة هذه الإشكالية، انقسمت الدراسة لأربعة مطالب رئيسية، تضمنت تأثير مكونات نسق الشرق الأوسط الأربعة على هذه العلاقات:
الأول تأثير الوحدات الدولية.
الثاني تأثير البنيان الإقليمي، وما يتضمنه من هيكل لتوزيع القوى، بناءً على المقدرات الحيوية والمعنوية، ومنظومات القيم والاتجاهات الفكرية والسياسية التي تؤثر في تشكيل التحالفات ومن ثم بنية النسق.
الثالث تأثير المؤسسات الواقعة في نطاق الشرق الأوسط، بشقيها التنظيمي والقانوني.
الرابع تأثير التفاعلات الإقليمية، بشقيها الصراعي والتعاوني.
وتوصلت الدراسة في النهاية لعدد من النتائج، أهمها أن الشرق الأوسط كنسق إقليمي أثر بشكل كبير على العلاقات التركية السعودية في الفترة من 2011 وحتى 2019. وبينما كان له أحياناً تأثير إيجابي، حيث دفع الطرفين نحو تحسين أواصر العلاقات والتعاون البيني في الإقليم، فإن الغلبة كانت لجانب التأثير السلبي، حيث دفعهما في أغلب فترات المرحلة محل الدراسة لمزيد من التصعيد والصراع البيني في الإقليم. وبينما لم تصل علاقاتهما البينية لمستوى التحالف الإستراتيجي، فإن الطرفين حرصا على استمرار الحد الأدنى من العلاقات والتواصل السياسي البيني حتى في ظل تأزم العلاقات.
وأوصت الدراسة بضرورة تجاوز الأزمات، انطلاقاً من العمل على حل الأزمة الخليجية، بل ومحاولة عقد مصالحة داخلية مصرية، بما يساعد في النهاية على ديمومة التحسن في العلاقات التركية. وعلى تركيا تجاوز أزمة خاشقجي في ظل ضعف فرص نجاعة المسارات السياسية والقانونية التي سلكتها، في مقابل تنازلات سعودية في هذا الجانب، كتقديم بعض المسؤولين المقربين من ولي العهد والمتهمين من قبل تركيا للمحاكمة. كما على تركيا محاولة تبديد المخاوف السعودية بشأن تواجدها العسكري في قطر. وكذلك في المقابل على تركيا حماية تحالفها الاستراتيجي مع قطر بعيداً عن أي أزمات، ومحالة نسج تحالفات أخرى شبيهة مع الكويت وعمان.
مقدمة
تتناول الدراسة العلاقات التركية السعودية في الفترة من عام 2011 وحتى عام 2019، في إطار نسق إقليمي، وهو الشرق الأوسط بمكوناته المختلفة وتفاعلاته المتعددة. ومن ثم يطرح هذا الموضوع ثلاثة متغيرات مركزية. المتغير الأول، تركيا والسعودية، كقوتين إقليميتين فاعلتين في منطقة الشرق الأوسط، وما تمتلكه كل منهما من مقدرات وإمكانيات حيوية ومعنوية، تؤهلهما للإضطلاع بأدوار إقليمية فاعلة في المنطقة.
المتغير الثاني، الفترة الزمنية منذ عام 2011 وحتى عام 2019، وهي تعبر عن مرحلة محورية في تاريخ المنطقة؛ لما شهدته من تغييرات سياسية بنيوية وجيوسياسية وديموغرافية داخل بعض دول الإقليم، وهو ما انعكس عليه تغييرات بنيوية في نسق الإقليم ذاته. بالأخص ما يتعلق بموجة الثورات العربية منذ 2011، ونجاح بعضها، وفشل البعض الآخر، فضلاً عن تأزم البعض الآخر، وتحولها لحرب أهلية في إطار صراع إقليمي ودولي. وهو ما انعكس في النهاية على الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا والسعودية، باعتبارهما دولتين مركزيتين، خاصةً مع تراجع أدوار عدد من الفاعلين الآخرين.
المتغير الثالث وهو منطقة الشرق الأوسط، أحد أهم المناطق الجغرافية في العالم حساسية من الناحية الجيواستراتيجية. سواء لعاملي النفط والغاز، أو للوجود الإسرائيلي، أو الممرات المائية الاستراتيجية، أو حتى بروز التنظيمات الجهادية مؤخراً كتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. ومن هنا تأتي أهمية دراسة موضوع العلاقات التركية السعودية، في تلك الفترة بكل تغيراتها، وفي إطار هذا النسق الإقليمي.
إشكالية الدراسة
تتمثل الإشكالية الأساسية في البحث عن مدى تأثير النسق الإقليمي الشرق أوسطي على العلاقات التركية السعودية في الفترة المحددة. ويتفرع من هذه الإشكالية أربعة أسئلة رئيسية:
1- ما تأثير الوحدات الدولية في نسق الشرق الأوسط على العلاقات التركية السعودية؟
2- ما تأثير بنيان نسق الشرق الأوسط وهيكلية توزيع القوى فيه على العلاقات التركية السعودية؟
3- ما تأثير المؤسسات بشقيها التنظيمي والقانوني على العلاقات التركية السعودية؟
4- ما تأثير التفاعلات الإقليمية على العلاقات التركية السعودية؟
فرضية الدراسة:
ثمة علاقة طردية بين طبيعة النسق الإقليمي الشرق أوسطي وتطورات العلاقات التركية ـ السعودية من 2011 إلى 2019.
منهجية الدراسة:
اعتمدت الدراسة على منهج النسق الإقليمي. ويشير المنهج أو الاقتراب النسقي إلى أن السياسة الدولية تنشأ وتتطور في إطار نسق دولي معين، كما أنها تنطلق من عناصره الرئيسية، ومن ثم فإن فهم السياسة الدولية في مرحلة تاريخية معينة يتطلب التعرف على ماهية هذه العناصر وكيفية تفاعلها، ويتكون النسق من أربعة عناصر رئيسية، الوحدات والبنيان والمؤسسات والعمليات “التفاعلات”[1].
ويقصد بالوحدات؛ (الفاعلون الدوليون) بأشكالهم المختلفة، من دول ومنظمات وشركات وحركات وأفراد. فيما يقصد بالبنيان تراتبية الوحدات وتوزيع القوى داخل النسق، استناداً لعاملي توزيع المقدرات بينهم، وقياسها بمعايير معينة للقوة، وطبيعة القيم والتوجهات، وما ترتبه من تحالفات تشكل بنية النسق. أما المؤسسات فتنصرف للقواعد والأطر القانونية التي تؤطر داخل هذا النسق، وذلك بشقيها التنظيمي “منظمات” والقانوني “اتفاقيات ومعاهدات”. أخيراً العمليات، وتنصرف للتفاعلات بين الوحدات وبعضها البعض، وما تنتجه من أنماط للسياسات سواء تعاونية أو صراعية. وستُمثل هذه العناصر المطالب الأربعة للدراسة.
وبما أن ما يجمع تركيا والسعودية نسق إقليمي متمثل في الشرق الأوسط، فإن الدراسة ستعتمد عليه. أي مدى وكيف أثرت مكونات هذا النسق في هذه العلاقات في تلك الفترة. وستعتمد الدراسة مصطلح الشرق الأوسط الذي يضم الدول العربية الـ22 بجانب تركيا وإيران وإسرائيل[2] كمفهوم إجرائي.
وفي إطار الدراسة، سيتم التركيز في فصل الوحدات الدولية على الدول فقط ممثلةً في “إيران وإسرائيل ومصر والإمارات وقطر”. أما البنيان، فسيتناول هيكلية توزيع القوى، من خلال عرض للقوى الإقليمية الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط بناء على معايير معينة للقياس، ثم نمط التوجهات والقيم التي تحكم كل من تركيا والسعودية، وما تفرضه هذه التوجهات من تحالفات، تؤثر في النهاية على البنيان. أما المؤسسات فستشمل الشق التنظيمي كالمنظمات الإقليمية الدولية داخل منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الشق القانوني، متمثلاً في المعاهدات والاتفاقيات، سواء تلك التي تمت بين تركيا والسعودية، أو التي جمعت إحدى الدولتين مع دولة أخرى. أخيراً العمليات أو التفاعلات، بشقيها الصراعي والتعاوني، وشملت الأزمات التي شهدتها المنطقة في تلك الفترة، بجانب بعض الملفات الأخرى، التي تمثل مجالا لممارسة القوى الفاعلة نفوذها فيها.
حدود الدراسة:
- الحدود الزمنية: الفترة من 2011 حتى 2019. وجاء اختيار بداية الفترة عام 2011، حيث شهد الإقليم منذ هذا العام تغييرات بنيوية داخل بعض دول المنطقة، وداخل بنية إقليم الشرق الأوسط ذاته. حيث تراجعت أدوار بعض القوى لصالح أخرى على رأسهم تركيا والسعودية.
- الحدود الموضوعية: العلاقات البينية التركية السعودية، السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، بشقيها الصراعي والتعاوني.
- الحدود المكانية، وتتمثل في منطقة الشرق الأوسط.
مفاهيم الدراسة:
يعد مفهوم “العلاقات الدولية” مفهوماً مركزياً في إطار هذه الدراسة. وستعتمد الدراسة المفهوم الإجرائي االذي يعرف العلاقات الدولية بأنها تعبر عن أنماط التفاعلات سواء الصراعية أو التعاونية، بين الفواعل الدولية المختلفة، عبر العديد من مستويات التفاعل، سواء الإقليمية أو الدولية، والرسمية أو غير الرسمية، والسياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو الاجتماعية، وسواء تفاعلات ثنائية أو متعدة الأطراف[3].
ومن ثم فهي تختلف عن مفهوم “السياسة الخارجية”، والتي تنصرف لبرنامج العمل العلني الذي يختاره الممثلون الرسميون للوحدة الدولية، من بين مجموعة من البدائل البرنامجية المتاحة، من أجل تحقيق أهداف محددة في المحيط الخارجي[4].
أي أن السياسة الخارجية تعبر فقط عن سياسة وحدة دولية واحدة تعلنها في مواجهة الوحدات الأخرى. أما العلاقات الدولية هي نتيجة تفاعل عدد من السياسات الخارجية لعدد من الوحدات الدولية في المحيط الإقليمي أو الدولي.
تقسيم الدراسة:
المطلب الأول: الوحدات الإقليمية وتأثيراتها على العلاقات التركية ـ السعودية
المطلب الثاني: البنيان الإقليمي وتأثيراته على العلاقات التركية ـ السعودية
المطلب الثالث: المؤسسات الإقليمية وتأثيراتها على العلاقات التركية السعودية.
المطلب
الرابع: التفاعلات البينية الإقليمية وتأثيراتها على
العلاقات التركية ـ السعودية
لقرأة الدراسة كاملة برجاء الاطلاع علي ملف الـ PDF
[1] محمد السيد سليم، تطور السياسة الدولية في القرنين التاسع عشر والعشرين، دار الفجر للنشر والتوزيع، طبعة أولى، 2002، ص 11.
[2] عصام عبد الشافي، محاضرة “مدخل السياسات الإقليمية في العلاقات الدولية”، دبلوم السياسات الإقليمية، أكاديمية العلاقات الدولية، 15/11/2019، رابط
[3] عصام عبد الشافي، مدخل العلاقات الدولية، دبلوم العلاقات الدولية، أكاديمية العلاقات الدولية، 2019، ص 16.
[4] محمد السيد سليم، تحليل السياسة الخارجية، مصر، مكتبة النهضة المصرية، الطبعة الثانية، 1998، ص ص 10_12.