fbpx
الشرق الأوسطتقارير

العلاقات المصرية التركية بعد انقلاب 2013

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

تدهورت العلاقات المصرية التركية بعد الانقلاب العسكري في مصر عام 2013 الذي قاده وزير دفاع حكومة الرئيس محمد مرسي عبد الفتاح السيسي، لتتحول العلاقات التركية المصرية منذ ذلك التاريخ إلى الآن لعلاقة يحكمها الصراع بعدما كانت مشروع لتحالف استراتيجي ومحور إقليمي في مواجهة القوى الإقليمية والدولية والذي عرف بمحور الديمقراطية. حيث خسرت تركيا بعد الانقلاب العسكري حليفاً إقليمياً، كان يحمل أهمية كبيرة في السياسة الخارجية التركية وعلى النقيض تبنت تركيا سياسات معادية للانقلاب العسكري أدت إلى تدهور العلاقات بشكل كبير بين الدولتين وظهور تحالفات إقليمية جديدة. حيث كان السؤال المطروح أمام صانعي القرار في تركيا هو: هل تعترف تركيا بالنظام الجديد في مصر وإقامة علاقات معه؟ أم أنها تستمر في رفض هذا النظام ومحاربته دوليا والوقوف بجانب المعارضة المصرية ضده؟في هذا التقرير نتناول طبيعة العلاقات المصرية التركية بعد الانقلاب العسكري في مصر 2013، حتى نهاية 2018، وكيف أجابت تركيا على هذه الأسئلة المطروحة حتى الآن؟

موقف تركيا من الانقلاب العسكري

ظهر موقف تركيا من الانقلاب العسكري قبل وقوع الانقلاب وذلك يتضح من زيارة رئيس المخابرات التركية هاكان فيدال قبل وقوع الانقلاب بأسابيع قليلة، وذلك بطلب من رئيس الوزراء وقتها رجب طيب أردوغان. التقي هاكان فيدال خلال الزيارة بالرئيس محمد مرسي وأكد وقتها على دعم تركيا للديمقراطية المصرية. وأثارت هذه الزيارة غضب معارضي حكم الإخوان المسلمين في مصر، واتُهمت تركيا حينها بالتدخل في الشأن الداخلي المصري[1].

هذه الزيارة تحمل دلالات كبيرة وواضحة منها على سبيل المثال: اطلاع تركيا المسبق وعلمها بما يخطط له من انقلاب عسكري على وشك الحدوث، والجهود التركية في محاولة منع وقوع الانقلاب العسكري وذلك على أقل تقدير بتنبيه القيادة المصرية المتمثلة بالرئيس محمد مرسي، وأيضا تأكيد الدعم التركي للنظام المصري وقتها ومحاولة المحافظة على ذلك التحالف المهم جدا والمؤثر في المنطقة. يتضح هذا في تصريح لوزير الخارجية داوود أغلو حيث قال أن “رئيس وزراءنا قبل ٣٠ تموز، أي قبل بدء التظاهرات بأسابيع قليلة، قام بإرسال أحد أصدقاءنا بمهمة خاصة إلى مصر، وهناك أجريت لقاءات مع السيد الرئيس محمد مرسي ومسؤولين أمنيين آخرين، وكنت أفكر في الذهاب أيضا إلا أن الأزمة كانت تبدو كبيرة جدا”[2].

30 يونيو كان يوما فاصلا في تاريخ مصر الحديث، حيث أنه كان بداية عودة تدخل الجيش في السياسة المصرية بعد الانتخابات الرئاسية وفوز الرئيس مرسي بالانتخابات. سبق هذا التدخل مظاهرات كبيرة نظمها معارضي حكم جماعة الإخوان المسلمين، وفي المقابل نظمت جماعة الإخوان المسلمين مظاهرات داعمة لشرعية الرئيس محمد مرسي. وفي هذا اليوم أصدر الجيش المصري بيانا يدعو فيه حكومة الرئيس مرسي إلى التقارب مع المعارضة، وأعطى الجيش مهلة 48 ساعة لحل الأمر. وبالفعل بعد الموعد النهائي المحدد من قبل الجيش، ظهر وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي على شاشة التلفزيون الرسمي وأعلن أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة تولى السلطة تمهيدا لانتخابات رئاسية جديدة.

وضع الانقلاب العسكري نقطة فاصلة في العلاقات المصرية التركية، لتنتهي مرحلة من التعاون الاستراتيجي بين الدولتين الكبيرتين، وتبدأ مرحلة جديدة من القطيعة وفي كثير من الأحيان العداء، وكان موقف أردوغان واضحاً وصريحاً وقوياً تجاه الانقلاب العسكري في مصر منذ بداية الأحداث، حيث رفض بشدة تدخل الجيش المصري في العملية السياسية واعتبر هذا التدخل بأنه قتل للعملية الديمقراطية التي هي أحد مكتسبات ثورة 25 يناير 2011. ووجه أردوغان خطابه للاتحاد الأوروبي، وألقى اللوم على دول الاتحاد الأوروبي باعتبارها غضت الطرف عن تدخل الجيش في العملية السياسية المصرية والإطاحة بأول رئيس منتخب في مصر ما بعد الثورة.[3] وقال أيضا إن لديه وثائق تبين أن لإسرائيل يد في أحداث الانقلاب العسكري في مصر[4].

وتمثل رد الفعل المصري برفض التصريحات الرسمية التركية واعتبارها تدخلاً في الشأن الداخلي المصري، حيث اعتبر المستشار الإعلامي للرئيس المؤقت عدلي منصور، أن تصريحات تركيا غير مناسبة وتعتبر تدخلاً في الشأن الداخلي المصري[5]. وفي المقابل أكد أردوغان على أنه رفض طلباً من محمد البرادعي نائب عدلي منصور بمحادثته هاتفيا، واعتبره لا يتمتع بالشرعية ليتحدث معه[6].

وقررت الخارجية المصرية في نوفمبر 2013 اعتبار السفير التركي لدى مصر شخصاً غير مرغوب فيه، وقررت تخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى القائم بالأعمال، وقد بررت الخارجية المصرية ذلك الموقف بأنه ردا على التصريحات التركية المعادية للحكومة المصرية الحالية[7]. واعتبر وزير الخارجية داوود أوغلو أن هذا السلوك منافي للياقة الدبلوماسية حيث أن مصر أعلنت طرد السفير التركي قبل أن تبلغه بذلك، وردت تركيا بالمثل واعتبرت السفير المصري لدى تركيا شخصا غير مرغوب فيه[8].

الموقف الاقليمي تجاه الانقلاب

كي نفهم وضع تركيا من هذه التغيرات الجديدة، فمن الضروري إلقاء الضوء على عاملين: أولهما شكل السياسة الخارجية التركية مع دول الجوار، ثانيا الموقف الاقليمي من الانقلاب. فيما يتعلق بالسياسة الخارجية التركية مع دول الجوار، فقد اعتمدت تركيا سياسة خارجية تدعى Zero Problems صفر مشاكل مع الجيران، وكانت تركيا تهدف من هذه السياسة إلى تعظيم التعاون التجاري وبناء مصالح مشتركة مع دول الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وقد تحسنت علاقات تركيا مع كلا من سوريا، إيران، روسيا، وإقليم كردستان العراق. ولكن تسارع الاحداث في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا أحداث الربيع العربي، أجبر تركيا على اتخاذ مواقف ضد بعض الأنظمة، وهذا بالطبع أنشأ عداءات كثيرة وجديدة لتركيا. العامل الثاني هو موقف بعض الدول العربية من الانقلاب العسكري في مصر، حيث رحبت العديد من الدول العربية بالانقلاب منها السعودية والامارات والأردن، نظرا لمواقف هذه الأنظمة من الجماعات الاسلامية والاسلام السياسي[9].

فإذا كانت تركيا تدعم النظام المصري الذي يقوده الرئيس محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، فهذا بالطبع يضع تركيا في خانة عداء القوى الإقليمية المعادية للإسلام السياسي خصوصا وأن جذور حزب العدالة والتنمية التركي والذي يقوده رجب طيب أردوغان هي جذور إسلامية. وتنظر الدول الإقليمية العربية خصوصا السعودية والإمارات إلى الاسلام السياسي على أنه مهدد حقيقي لوجودها على رأس السلطة ولذلك كان سعيها بالدرجة الأولى هو إضعاف الجماعات الإسلامية ومحاولة التخلص من الأنظمة الإسلامية التي جاءت بعد ثورات الربيع العربي.

هذا الوضع الجديد وضع تركيا في حالة من العزلة مع دول الشرق الأوسط، وأنشأ بالطبع عداءات لتركيا لم تكن تريدها، بل وجعلها هدفا تسعى الدول الإقليمية لإضعافها ومحاولة التخلص من النظام السياسي القائم بها. الأمر الذي دعا بعض الاكاديميين الاتراك للتفكير في العودة لسياسة صفر مشاكل وأخذ مواقف محايدة من الأحداث في الشرق الأوسط[10].

غاز المتوسط والأزمة المتصاعدة

أصبحت اكتشافات الغاز في شرق المتوسط تمثل عاملا جديدا في التأثير على تطور العلاقات المصرية التركية خصوصا ما بعد الانقلاب العسكري، حيث مثل التقارب المصري القبرصي ومعهم اليونان، في عملية استخراج واستغلال حقول الغاز المستكشفة حديثة في شرق المتوسط، تهديدا لمصالح تركيا في المتوسط. تركيا لا تعترف باتفاقيات ترسيم الحدود التي أبرمتها قبرص اليونانية من طرفها على أنها الممثل الوحيد للجزيرة القبرصية متجاهلة بذلك قبرص التركية. لذلك فإن تركيا ترفض أي اتفاقيات أبرمت من طرف قبرص اليونانية. ويشير بعض المحللين إلى أن الاكتشافات الجديدة في شرق المتوسط تمثل ثروة كبيرة للدول المستفيدة منها ولكنها في نفس الوقت تمثل خطرا كبيرا وساحة جديدة للصراع المتنامي يوما بعد يوم بين دول شرق المتوسط.

بعد الانقلاب العسكري تبنت مصر سياسة تقاربية مع قبرص اليونانية واليونان، وقامت الدول الثلاثة بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود المائية بينهم، متجاهلين الموقف التركي من القضية القبرصية. قام عبد الفتاح السيسي في نوفمبر 2014 بالموافقة على اتفاقية إطارية بشأن التعاون في تنمية حقول الغاز في مياه البحر الأبيض المتوسط، الاتفاقية التي تم توقيعها أواخر عام 2013 كانت تهدف إلى استغلال المصادر الطبيعية للغاز الممتدة عبر المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل من مصر وقبرص[11]، ومحاولة تحقيق التعاون المشترك بين البلدين في استغلال هذه المصادر. وبسبب التوتر التركي المصري بعد الانقلاب العسكري وموقف تركيا من القضية القبرصية تم تجاهل الوجود التركي من حيث إشراكه في اتفاقيات ترسيم الحدود، الأمر الذي دعا تركيا لرفض هذه الاتفاقيات وزاد من حدة تأزم الموقف بين الدولتين.

بعدما كانت تركيا تطمح لتكوين محور جديد في شرق المتوسط بالشراكة الاستراتيجية مع مصر، تواجه تركيا الآن أزمة كبيرة تتعلق بطبيعة علاقات دول شرق المتوسط وموقفها المعادي لتركيا، فالشراكة المصرية القبرصية اليونانية وصفقات استخراج واستغلال مناجم الغاز الموجودة على حدود الدولتين وكذلك موقف اسرائيل الداعم لقبرص يضع كل هذا تركيا في عزلة من جيرانها في شرق المتوسط. غير أن المناورات البحرية التي تقوم بها مصر بالشراكة مع اليونان قد تؤدي إلى تصاعد حدة الأزمة، حيث أجرت مصر بالشراكة مع اليونان عدد من المناورات البحرية والجوية منها مناورات جزيرة رودوس التي اشتركت فيها مصر مع اليونان والتي اعتبرتها الخارجية التركية بأنها إخلالا بمعاهدة باريس للسلام عام 1947 التي تمنع التدريبات العسكرية في جزيرة رودوس[12].

تخفيض حدة الخطاب

اتسم الموقف التركي من الانقلاب العسكري في مصر بالحدة والوضوح منذ اليوم الأول وذلك برفض الانقلاب ومحاربته في المجتمع الدولي والمطالبة بعودة المسار الديمقراطي. إلا أن الموقف التركي من العلاقات المصرية أخذ بالتراجع فبعدما كانت المطالبات بإزاحة الانقلاب العسكري والعودة إلى الشرعية أصبح الحديث الآن عن مطالبات بالإفراج عن الرئيس مرسي وبعض المعتقلين. وقال الرئيس أردوغان في مقابلة مع الصحفي جمال خاشقجي على قناة خليجية أن تركيا ترفض الانقلاب العسكري في مصر ومن الضروري فتح المجال للديمقراطية، واضاف الرئيس أردوغان أنه إذا قامت السلطات المصرية بالإفراج عن الرئيس محمد مرسي ورفقائه فإن ذلك يعني بدأ مرحلة جديده من تطبيع العلاقات مع مصر، وأكد الرئيس أردوغان في اللقاء أنه ليست هناك أي مشكلة بين الشعبين ومن الضروري تطبيع العلاقات التجارية بين البلدين. واضاف أنه ليس هناك مانع لدى تركيا بإقامة علاقات تجارية وعلاقات ثنائية على مستوى الوزراء ولكن على المستوى الرئاسي فإنه يرفض أن يكون هناك أي علاقات ويعتبر هذا الأمر بأنه غير أخلاقي[13]. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في تصريح له 21 اغسطس 2016 أن أنقرة ترغب في تطوير علاقاتها مع مصر خصوصا فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي ورغم ذلك أكد يلدريم على رفض بلاده سلطة الانقلاب العسكري[14].

فيما يتعلق بالجانب المصري فأنه اتسم ايضا بتخفيض حدة الخطاب واظهار النية للتقارب مع تركيا ولكن إذا تخلت تركيا عن موقفها تجاه النظام الحاكم في مصر. وفي تصريح للرئيس السيسي 23 أغسطس 2016 قال إنه لا يوجد سبب للعداء بين الشعبين وأضاف أن مصر تعطي تركيا الوقت الكافي لإعادة النظر في موقفها تجاه السلطة المصرية. وفي تصريح لوزير الخارجية المصري سامح شكري قال إن مصر تأمل في عودة العلاقات مع تركيا رغم عدم تغير الموقف التركي. ووصف شكري أن هناك الكثير من العلاقات التاريخية التي تربط الشعبين[15].

من الواضح من التصريحات أن كلا البلدين في حاجه للأخرى وأن هناك نية لتجاوز الأزمة، فتركيا بحاجة إلى تحسين علاقاتها مع مصر خصوصا في ملف غاز المتوسط، والنظام المصري يحتاج أن يحسن علاقاته مع تركيا وينهي بذلك آخر صوت معارض للنظام المصري في الساحة الدولية، ويحاول أيضا أن يصل لتقارب مع الجانب التركي لأنهاء وجود قنوات المعارضة المصرية على الأراضي التركية.

وفي سياق تخفيض حدة الخطاب قامت تركيا بتنكيس العلم حدادا على ضحايا هجوم مسجد الروضة في سيناء نوفمبر 2017، وقال رئيس الوزراء التركي آنذاك بن علي يلدريم إن”80 مليون تركي يتشاركون الآلام مع الشعب المصري”، مؤكدا تضامن بلاده مع ضحايا الهجوم الإرهابي[16]. كما قدم وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، تعازيه لنظيره المصري سامح شكري عبر اتصال هاتفي[17]، و قال متحدث الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن “تركيا تشاطر بإخلاص الشعب المصري الصديق والشقيق معاناته الناجمة عن الهجوم البشع”[18].

كما سبق لوزير الخارجية المصري سامح شكري زيارة تركيا برئاسة الوفد المصري ضمن قمة منظمة التعاون الاسلامي الذي عقد في تركيا باعتبار أن مصر الرئيس السابق لها. وقد القى سامح شكري كلمته متجنبا مصافحة الرئيس التركي واكتفى بإلقاء الكلمة والانصراف[19]. واحتضنت مدينة إسطنبول التركية الجمعة 18 مايو 2018 قمة إسلامية استثنائية دعا إليها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حول تطوّرات مسيرات ذكرى العودة الفلسطينية، باعتباره رئيس الدورة 13 لمؤتمر منظمة التعاون الإسلامي، وكانت الملاحظة الأبرز في هذه القمة الاستثنائية حجم التمثيل الدبلوماسي المتواضع لعدد من الدول العربية وخصوصا مصر[20].

الصحف المصرية ومحاولة الانقلاب في تركيا

تناول الاعلام المصري المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا بشكل يعكس طبيعة العلاقة العدائية بين النظام المصري وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حيث كانت عناوين الصحف المصرية الكبيرة الحكومية والخاصة تبشر بالتخلص من حكم الرئيس أردوغان في اليوم التالي للمحاولة الانقلابية. وصفت معظم الصحف المصرية في عناوينها بأن ” الجيش التركي يطيح بأردوغان” وقد تناول هذا المانشيت عدد من الصحف لمصرية منها جريدة الأهرام القومية وهيا جريدة حكومية مما يعكس موقف النظام المصري من الحزب الحاكم في تركيا. وهناك أيضا عدد من الصحف الخاصة التي ظهرت بنفس العناوين المبشرة بالانقلاب العسكري في تركيا منها جريدة الوطن والمصري اليوم كما يظهر في الصورة التالية:

الصورة رقم 1 [21]:

فيما يتعلق بالصحف الخاصة فبعد الانقلاب العسكري صارت الصحف ووسائل الاعلام المصرية تعبر عن آراء السلطة الحاكمة في مصر. وقال السيد ممدوح الوالي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق ونقيب الصحفيين الأسبق أنه لم يستغرب تناول الإعلام المصري للمحاولة الانقلابية وقال “المهمة التي تقوم بها تلك الوسائل ليست إعلامية أو مهنية، وإنما أداء وظيفي لإرضاء السلطات الرسمية وتبرير مواقفها والنيل ممن يخالفونها بأي شكل”[22].

وقد عكست عناوين الصحف المصرية الحالة العدائية المصرية لتركيا في هذه المرحلة بشكل كبير، هذه الحالة التي تعكس ايضا اختلاف الدولتين في العديد من الملفات البينية والإقليمية. ومن وجهة نظر السلطة المصرية فأن التخلص من النظام الحاكم في تركيا يعد حلا للعديد من القضايا العالقة بين الدولتين منها اعتراف تركيا بالسلطة الحاكمة في مصر بأنها سلطة شرعية، التخلص من الفنوات الفضائية المعارضة التي تبث برامجها من الأراضي التركية، موقف تركيا من استضافة رموز المعارضة المصرية على أراضيها، موقف تركيا أيضا من القضية الفلسطينية وحركة حماس، وموقف تركيا الداعم لقطر ضد حصار دول الخليج لها بالتعاون مع مصر.

العلاقات الاقتصادية

لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين الدولتين بعد الانقلاب العسكري بقدر ما تأثرت العلاقات السياسية، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين الدولتين قبل الانقلاب كان متوقع لها أن تنمو بشكل كبير. مثل حجم التبادل التجاري بين الدولتين قبل الانقلاب 5 مليار دولار، وحدث بعض التراجع في هذا الرقم بعد الانقلاب إلا أن هذا التراجع يعود بشكل كبير إلى الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مصر بعد الانقلاب العسكري.

في الجدول التالي حجم التبادل التجاري بين الدولتين بعد الانقلاب العسكري:

جدول 1 : حجم التبادل التجاري بين تركيا ومصر (الارقام بالمليار دولار)[23]
2012 2013 2014 2015 2016
الواردات 1.342 1.629 1.400 1.215 1.310
الصادرات 3.679 3.201 3.312 3.164 2.483
حجم التبادل التجاري 5.021 4.830 4.712 4.379 3.793

يتضح من الجدول السابق أن عام 2012 بعد الثمرة كان عاما ذهبيا في حجم التبادل التجاري بين الدولتين، وكان متوقع زيادة حجم التبادل التجاري بعد توقيع العديد من اتفاقيات التفاهم بين الدولتين في العديد من المجالات الاقتصادية والتنموية. بعد الانقلاب العسكري عام 2013 وعام 2014 هبط حجم التبادل التجاري بمقدار بسيط إلا أنه عاد في لصعود مرة أخرى عام 2016، مما يعني أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تتأثر بشكل كبير بعد الانقلاب ولكنها أيضا لم تنمو بالشكل المتوقع بعد الثورة.

خاتمة

لا شك أن الانقلاب العسكري 2013 في مصر أثر بشكل كبير على العلاقات المصرية التركية بشكل عام، فبعدما كان المتوقع للعلاقة بين الدولتين بأن تكون علاقة استراتيجية ومحورا جديدا في المنطقة، تم تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين لدولتين إلى حد القائم بالأعمال، إلا أن العلاقات الاقتصادية استمرت بين الدولتين، أما فيما يتعلق بالقرار التركي فيما يخص الاعتراف بالسلطة المصرية والتعاطي معها، فمن الواضح أن الحكومة التركية استقرت على أن يكون هناك علاقات سياسية بين الدولتين على مستوى الوزراء وليس على مستوى الرئاسة، ومن المستبعد تعامل السلطة المصرية مع تركيا في حالة استمرار، ما تعتبره هذه السلطة تصريحات معادية لها ([24]).


الهامش

[1] Telci، I. (2013). Türk Dış Politikası. Seta. P.187- 208.

[2] “Bakan Davutoğlu: Mursi için gizli diplomasi”، Akşam، 21 Ağustos 2013. Link.

[3] Turkish PM criticizes West over situation in Egypt. JULY 5، 2013. Link.

[4] Ayhan Simsek. Support for Muslim Brotherhood isolates Turkey. Deutsche Welle. 2013. Link.

[5] أردوغان رفض محادثة البرادعي، الجزيرة نت، 18/7/2013. تاريخ الدخول 25/12/2018 .

[6] المرجع السابق.

[7] مصر تطرد السفير التركي وتخفض علاقاتها مع أنقرة. Deutsche Welle. 23/11/2011. تاريخ الدخول 25/12/2018. الرابط.

[8] أزمة بين مصر وتركيا وأردوغان يلوح بإشارة رابعة. الجزيرة دوت نت. 23/11/2013. تاريخ الدخول 25/12/2018. الرابط.

[9] أنوار بوخرص، ناثان براون، ميشيل دنّ، رافاييل لوفيفر، مروان المعشّر، فريدريك ويري، كاثرين ويلكنز، سكوت وليامسون، تأثيرات الحدث المصري: توتّرات متصاعدة وتحالفات متبدّلة. مركز كارنيجي للشرق الأوسط. 13 فبراير 2014. تاريخ الدخول 25/12/2018 . الرابط.

[10] Ayhan Simsek. Support for Muslim Brotherhood isolates Turkey. Deutsche Welle. 2013. Link.

[11] السيسي يقر اتفاق تعاون مع قبرص في حقول الغاز. الجزيرة دوت نت. 11/9/2014 . تاريخ الدخول 11/1/2019 . الرابط

[12] تركيا تندد بمناورات يونانية ومصرية بجزيرة رودوس. الجزيرة دوت نت. 3/11/2017 . تاريخ الدخول 14/1/2019 . الرابط

[13] لقاء الرئيس أردوغان مع الإعلامي جمال خاشقجي. تاريخ النشر 2/10/2016. تاريخ الدخول 14/1/2016. رابط المقابلة

[14] مصر تعلن رغبتها استعادة العلاقات مع تركيا.. ما الذي يمنع؟. عربي 21 . 23/12/2017. تاريخ الدخول 14/1/2019. الرابط

[15] المرجع السابق.

[16] تركيا تنكس أعلامها حدادا على ضحايا العريش. أر تي عربي. 27/11/2017. تاريخ الدخول 14/1/2019. الرابط .

[17] جاويش أوغلو يعزي نظيره المصري في هجوم سيناء. وكالة الاناضول. 24/11/2017. تاريخ الدخول 16/1/2019. الرابط.

[18] تعازي من تركيا إلى الشعب المصري الشقيق. وكالة الأناضول. 24/11/2017. تاريخ الدخول 16/1/2019. الرابط.

[19] شكري يتجنب تسليم أردوغان رئاسة التعاون الإسلامي. 14/4/2016. تاريخ الدخول 14/1/2019. الرابط.

[20] إسماعيل عزام. قمة إسلامية وسط سبات عربي.. القدس ترفع أسهم أردوغان وروحاني.DW. 18/5/2018. تاريخ الدخول 14/1/2019. الرابط.

[21] انقلاب تركيا.. سقطة جديدة للإعلام المصري. الجزيرة دوت نت. 16/7/2016 . تاريخ الدخول 16/1/2019 . الرابط

[22] المرجع السابق.

[23] Numan Telci I. 2016. Turkiye Dis Politikasi 2016. Seta. P. 223 – 246.

[24] الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close