fbpx
دراسات

القوة الذكية ـ المفهوم والأبعاد: دراسة تأصيلية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

مفهوم القوة هو أحد أهم المفاهيم في العلاقات الدولية والمفسر الأساسي الذي يمكن الاعتماد عليه في فهم التفاعلات الدولية والمواقف التي تتخذها الفواعل المختلفة. وتظهر أهميته كذلك في فهم الصراعات الدولية وكيفية تجاوب الأطراف فيها بناءًا على قوتها المادية والمعنوية. تطور مفهوم القوة وتعددت اتجاهاته على مر التاريخ فيما بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة على الاقناع والتأثير حتى العصر الحديث وبزوغ التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على مفهوم القوة سواء كانت المادية أو المعنوية.

كان المفهوم التقليدي للقوة هو مفهوم القوة الصلبة بما يشمل القوة العسكرية والقوة الاقتصادية بالأساس والذي تبنته المدرسة الواقعية وتم فهم التفاعلات الدولية من خلاله لفترات طويلة. ويعتمد بالأساس على مقدرات الدولة المادية وقدرتها على توظيفها لإجبار خصومها على اتباع ما تنشده وبالتالي تحقيق أهدافها ومصالحها.

وعلى الصعيد الآخر،  تبنى آخرون مفهوم القوة الناعمة على أنه المقوم الأهم من مقومات القوة. تعتبر القوة الناعمة أحد أهم مكونات القوة التي تستند عليها الفواعل الدولية المختلفة. ولعب مفهوم القوة الناعمة1 منذ تقديم جوزيف ناي له دورا هاما في السياسة الخارجية الأمريكية. ولكنه بعد ذلك توسع المفهوم بشكل كبير واعتمدت عليه الدول بشكل أكبر وأصبحت ركنا من أركان القوة لكثير من الدول التي تسعى لخلق مكان لها على الساحة الدولية فمنها الصين والهند وتركيا واسرائيل وغيرها من الدول. مع الأخذ في الاعتبار استمرار القوة الصلبة2 كعنصر أساسي للقوة بل إن امتلاك القوة الناعمة يلي القوة الصلبة (القوة العسكرية والاقتصادية) حيث أن القوة الناعمة تعتمد على جاذبية الدولة ولا يمكن لدولة ضعيفة أو متهالكة اقتصاديًا أن يكون لها جاذبية وتأثير على غيرها من الدول.

أهمية الدراسة:

يعد مفهوم القوة الذكية من المفاهيم الحديثة نسبيا في العلاقات الدولية وهو يمثل محور مهم من محاور دراسة القوة حيث أنه من جانب تعد القوة الناعمة هي المقياس الجديد لأي قوة صاعدة عقب امتلاكها للقوة الصلبة المتمثلة في الجانب العسكري والاقتصادي بالأساس.

ويوفر هذا للحقل الأكاديمي مزيدًا من التركيز على القوة الذكية ودراستها كوسيلة لإدارة الأزمات سلميًا دون الوقوع في نزاعات مسلحة بالاعتماد على القوة الناعمة وادراك أهمية القوة الصلبة كعنصر أساسي للقوة دون إهمال أحدهما، بالإضافة إلى إدراك التحول في طبيعة الهيمنة السياسية للدول الكبري مؤخرا حيث تحولت من الاستعمار أو حتى التدخل العسكري وفترات حروب الوكالة إلى هيمنة ناعمة ثقافية أو اقتصادية … إلخ دون الحاجة إلى تكبد الخسائر الكبيرة التي يسببها التدخل العسكري. وذلك باستخدام الدمج بينهما للوصول للمنتج الأكثر منفعة والأقل تكلفة(Cost-Benefit).

كما يساهم في التركيز على دور الفواعل غير الدولية وربما غير الرسمية في التأثير على المخرجات السياسية على الساحة الدولية والتأثير على مجريات الأمور في النظام السياسي. كما أنها تزيد من التراكم العلمي في مجال القوة الذكية ولاسيما مع قلة الدراسات حول القوة الذكية باللغة العربية وقلة الدراسات حول الأزمة الأوكرانية ولاسيما تناولها من منظور القوة الذكية بالتحديد وتناول عنصر القوة الناعمة فيها.

الإطار النظري:

تعد القوة من أقدم المفاهيم التي تناولها الباحثون منذ القدم والتي كانت غالبا ما يتم فهمها في إطار المعنى التقليدي للقوة لكن مع تطور البيئة السياسية الدولية وتعاظم آثارها السلبية وزيادة تكلفة استخدام القوة العسكرية والتي كانت في السابق مقبولة مع الأخذ في الاعتبار أن الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول في الفترات السابقة كان أقل بكثير. لذا كان هذا بمثابة الدافع الذي أدي للتحول في مفهوم القوة وظهور مصطلح القوة الناعمة علي يد جوزيف ناي عام 1990 والذي قدمه في مقالته “Soft Power ” ؛ كي يتلائم مع طبيعة البيئة الجديدة للعلاقات الدولية التي يتزايد فيها التبادل الاقتصادي وخطورة أي محاولة لاستخدام القوة الصلبة على تدفق المنافع الاقتصادية.3 و من هذه التحولات كذلك التحول من التعددية القطبية وبعدها الثنائية القطبية إلى أحادية القطبية التي أصبحت تتميز بصعود قوة أحادية تسيطر على المشهد الدولي وتحتاج للمحافظة على مكانتها أن تسيطر على هذه البيئة دون التورط في حروب هنا وهناك. ومن هذا المنطلق قدم ناي مفهومه مستهدفا به القوة الأمريكية بالأساس وكيفية تعاملها مع المجتمع الدولي في هذه الحقبة الجديدة.

وتعتبر القوة الناعمة، في نظر ناي،  بنفس مستوى أهمية القوة الصلبة كل منهم يدعم الآخر ففي حين أن القوة الصلبة تعد أساسا للقوة الناعمة حيث أنها تزيد من جاذبية الدولة وكذلك قدرتها على التأثير واستخدام مصادر القوة الناعمة وتوجهيها في الإتجاه المناسب ؛ فإن القوة الناعمة هي الأخري توفر للقوة الصلبة غطاء الشرعية في عيون الأخرين وبالتالي تقابل مقاومة أقل لطموحاتها.4

لذا فإن الدراسة تسعى لتناول مفهوم القوة الذكية الذي قدمه ناي في عام 2003 والذي يدمج بين نوعي القوة ومن خلال الإطار الذي وضعه ناي يمكن فيما يلي تناول المفاهيم المتعلقة بالقوة بشكل عام والقوة الذكية والقوة الناعمة والصلبة كل على حدة.

أولًا: مفاهيم الدراسة:

1ـ مفهوم القوة الذكية:

يعتبر مفهوم القوة الذكية ليس مفهومًا جديدا أو مبتكرًا وإنما هو نتاج الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة معًا ولكن وفقا لاستراتيجية محددة تجمع بينهم. ويعرف ارنست ويلسون القوة الذكية على أنها قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق الأهداف الفاعل بكفاءة وفعالية. ويحدد هذا التعريف مجموعة من الشروط الإضافية التي يجب توافراها لتحقيق القوة الذكية5 :

  • الهدف من ممارسة القوة فالقوة لا يمكن أن تكون ذكية دون أن يعرف ممارسوها الهدف من استخدامها والشعوب والمناطق المستهدفة من هذه القوة.
  • الإدراك والفهم الذاتي للأهداف بالاتساق مع القدرات  الإمكانيات المتاحة فلا يمكن للقوة الكية أن تعتمد على الأهداف دون تحديد عنصري الإرادة والقدرة على تحقيقها.
  • السياق الإقليمي والدولي الذي سيتم في نطاقه تحقيق الأهداف.
  • الأدوات التي سيتم استخدامها بالاضافة إلى وقت وكيفية توظيفها منفصلة أو مع غيرها.

فالفاعل بحاجة إلى إدراك مخزون الدولة من الأدوات والإمكانات ونقاط القوة ونقاط الضعف  القيود على مقدرات القوة. فالقوة الذكية ليس فقط امتلاك المصادر الناعمة والصلبة والمزج بينهما بل القدرة على تحديد وقت استخدامها وأي نوعي القوة يفضل استخدامه في الموقف والقدرة على تحديد متى يتم الدمج بينهما وكيف يتم الدمج. فالاتجاه المركب لتفسير القوة من خلال القوة الذكية يعنى التعامل مع عناصر القوة الناعمة والصلبة ليس على أساس كونهم منفصلين بل على التعامل معهم ككل والتعامل مع التداخل القائم بينهما.6

2ـ مفهوم القوة الصلبة:

يشير مفهوم القوة الصلبة إلى المفهوم التقليدي للقوة والذي يعرف القوة على أنها القدرة على فرض السيطرة على الآخرين عن طريق الإكراه أو الحوافز المادية. وتعتبر المصادر الأساسية للقوة الصلبة هي القوة العسكرية والقوة الاقتصادية.7

لذا فإن القوة يمكن ممارستها وفقا لناي باتباع طريقة من ثلاثة إما بتهديدات الإكراه (العصا) أو التحفيز (الجزرة) أو عن طريق الجذب.فالطريقتان الأولتان يصنفان تحت مصطلح القوة الصلبة والأخيرة هي القوة الناعمة.

مفهوم القوة الناعمة:

يشير مفهوم القوة بشكل عام إلى القدرة على فرض السيطرة على الآخرين وجعلهم يفعلون ما قد لا يريدونه. ولأن القدرة على السيطرة ترتبط بامتلاك موارد معينة تتناول بشكل عام السكان والأرض والموارد الطبيعية وحجم الاقتصاد والقوات المسلحة والاستقرار السياسي.و لعل الاختبار التقليدي للقوة كان يتمثل في قوتها على تحقيق الانتصار في الحروب.8 ولكن هذا المفهوم تغير اليوم بشكل كبير ولم يصبح يركز على القوة العسكرية والقدرة على الغزو والاحتلال كما كان في الفترات السابقة وانتقل التركيز لمصادرالقوة الحديثة كالتكنولوجيا والتعليم والنمو الاقتصادي والتي اعتبرت جوهرية في تقدير القوة الدولية.

يشير مفهوم القوة الناعمة كما عرفه ناي إلى انه اتجاه أكثر جاذبية لفرض القوة يختلف عن الوسائل التقليدية. فالدولة تستطيع تحقيق الأهداف التي تسعى إليها في السياسة الدولية لأن غيرها من الدول ترغب في أن تتبعها أو لأنها ارتضت وضع معين يصنع مجموعة من النتائج المترتبة والتي تستهدفها الدولة التي تمارس قوتها. وهذا يحدث عندما تستطيع الدولة جعل غيرها من الدول يرغب في ما ترغبه هي “to want what it wants” . وترتبط القدرة على التأثير على الاخرين وتوجيه رغباتهم وتحديدها بمصادر معنوية أو غير مادية للقوة كالثقافة والايدلوجية والمؤسسات.9

وتعرف القوة الناعمة كذلك بالـ “Co-optive power” والتي تعني قدرة الدولة على خلق وضع يفرض على الدول الأخرى أن تحدد تفضيلاتها ومصالحها بشكل يتفق مع هذا الإطار الذي تم وضعه أو بمعنى أخر أن تقوم هي بوضع أولويات الأجندة الداخلية لغيرها من الدول. 10 وأكد ناي كذلك على عنصر الجاذبية الذي تعتمد عليه القوة الناعمة فالقوة الناعمة تعنى لديه القدرة على تحقيق أهداف معينة عن طريق الترغيب والجاذبية لا الترهيب والإكراه. 11 وتعتمد القوة الناعمة على عنصريين أساسيين هما المصداقية والشرعية كقاعدة لها.12

ويوجد تعريف آخر لجين لي “Geun Lee” بحيث يشير أن القوة الناعمة هي القدرة على خلق التفضيلات والصورالذهنية للذات عن طريق المصادر الرمزية والفكرية والتي تؤدي إلى تغيرات سلوكية في أفعال الأخرين.13 لذا يمكن القول أن هذا التعريف للقوة الناعمة يعتمد على مصادرها.

ثانيا: منهج الدراسة:

وبالاعتماد على نظرية جوزيف ناي وتعريفه للقوة الذكية ودورها ووضعها في إطار مفهوم القوة ككل ومع الأخذ بالاعتبار النظريات التى تعاملت مع القوة الذكية والقوة الناعمة بعد ناي فإن نموذج المصادر الناعمة للقوة وتحولها إلى القوة الناعمة يتضمن ثلاثة مراحل هم كالآتي: استخدام المصادر الناعمة للقوة،  العملية الإدراكية للمستقبلين للقوة الناعمة،  انتاج القوة الناعمة وتحقيق أهدافها. 14يمكن اختيار منهج للدراسة وفقا لعملية التحول تلك بالنسبة للقوتين الناعمة والصلبة كل على حد سواء لتقييم طبيعة القوة المستخدمة في الأزمة الأوكرانية من قبل المعسكر الروسي والمعسكر الغربي والوقوف على أبعاد القوة الذكية لكل منهما تجاه الأزمة الأوكرانية.

وبناءًا على هذا يمكن تناول الدراسة من خلال اقتراب أو طريقة توصل إليها الباحثين في مؤسسة RAND البحثية الأمريكيةو التى تدرس عملية التحول لموارد الدولة إلى قوة فهي لا تركز على قوة الدولة على مطلقها ولكن كيف تمكنت الدولة من خلق هذه القوة التى تحقق أهدافها في سياساتها الخارجية.15 ويمكن تسمية هذه الطريقة بـ منهج دراسة قوة الدولة بتحقيق أهداف السياسة الخارجية.

وهذه المراحل هي16 :

المرحلة الأولى: الموارد والإكانات المتاحة ” Power In-Being” :

وهذه المرحلة تتعلق بالموارد التى تملكها الدولة سواء كانت موارد ناعمة أو صلبة. موارد ناعمة كالثقافة والأيدولوجية والصورة الذهنية للدولة والتعليم وانعكاس صورة سياسات الدولة أمام الأخرين. أما الموارد الصلبة فهي كالقوة العسكرية متمثلة في القوات المسلحة وحجم الاقتصاد وقوته والسكان كمورد بشري والموارد الطبيعية. فهذه المرحلة تدرس مدي توافر هذه الموارد والإمكانات التي توفر للدول الأرضية اللازمة لبناء القوة بنوعيها الناعمة والصلبة.

المرحلة الثانية: عملية تحويل الدولة لتلك الموارد إلى عناصر قوة ملموسة على أرض الواقع “Conversion Process” :

تتناول هذه المرحلة دراسة قوة الدولة الصلبة (العسكرية والاقتصادية) والناعمة (الثقافية ورأس المال الاجتماعي) مع الوضع بالاعتبار الضغوط الخارجية على الدولة وكيف تمكنت من خلق هذه القوة باستغلال مواردها.

المرحلة الثالثة: مخرجات عملية استخدام القوة :”The Outcomes”

والتي تدرس إلى أي مدى كان نجاح أو فشل هذه المخرجات في تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدولة وفاعليتها في دعم قوة الدولة وهذه المرحلة هي محور تركيز صانع القرار. فتركز هذه المرحلة على أثر استخدام القوة وهل كانت ذات تأثير إيجابي في موضعها أم العكس.

تقسيم الدراسة:

  • المبحث الأول: تطور مفهوم القوة في العلاقات الدولية.
  • المبحث الثاني: مفهوم القوة الذكية في العلاقات الدولية.

المبحث الأول

تطور مفهوم القوة في العلاقات الدولية

يعد مفهوم القوة أحد المفاهيم المركزية في العلاقات الدولية منذ القدم بالرغم من تطوره من فترة زمنية لأخرى وفقا للسياق المحيط والعوامل الدولية المؤثرة على طبيعته. وتعرف القوة على أنها القدرة على تحقيق الأهداف والنتائج المرجوة. ويعرفها روبرت داهال (Dahl) بأنها القدرة على جعل الأخرين يفعلون ما لم ينووا القيام به. ويقف ناي عند هذا التعريف ويشير إلى أنه إذا أردنا إدراك مفهوم القوة وقياسه وفقا لهذا التعريف فإننا بحاجة لمعرفة تفضيلات الأخرين وكذلك سلوكهم إذا لم تمارس عليهم القوة وهو ما لا يمكن التوصل إليه في حقيقة الأمر.و من هذا المنطلق اعتبر القادة السياسين أن مثل هذا التعريف غير عملي وأصبح التعريف التقليدي للقوة هو امتلاك المصادر والتي تشمل السكان،  الأرض،  الموارد الطبيعية،  حجم الاقتصاد،  القوات العسكرية،  الاستقرار السياسي. فهذا التعريف بالنسبة لهم واقعي ومحدد يمكن به قياس القوة وتحديدها. ولكن أصبحت الجدلية هي أي المصادر تكون أولى بالاستخدام وفقاً للظروف والسياق والموقف التي تستخدم فيه. 17

تتجلى هنا مشكلة أساسية وهي عملية تحويل القوة (power conversion) كما أشار لها ناي وتعني كيفية تحويل المصادر إلى قوة فعلية وقدرة الفواعل الدولية على ذلك وأن التفوق في القوة يعتمد على القدرة على تحويل هذه الموارد وليس فقط امتلاكها وبذلك أصبح محدد القوة هو امتلاك الموارد والقدرة على تحويلها إلى قوة فعلية.و يجدر الإشارة إلى أنه مع تطورالتكنولوجيا الصناعية وبالتالي تغير طبيعة القوة العسكرية ولاسيما في الحروب أصبحت القوة النووية مصدر جديد للقوة يتسم بالأهمية ولكنه سرعان ما تلاشى عندما أصبح استخدامها غير منطقي ولا تلجأ الدول إليه في إطار حروبها.18

ويقدم جيفري هارت ثلاثة توجهات لقياس القوة أحدهم هو ذلك الاتجاه الذي سبق ذكره وهو السيطرة على الموارد،  وثانيهم السيطرة على الفواعل،  وثالثهم السيطرة على الأحداث والمخرجات. 19

1ـ القوة كقدرة على التحكم في الموارد:

يركز هذا الاتجاه لقياس القوة على الموارد وامتلاكها وتوظيفها لانتاج القوة. فهي تركز على حجم النفقات العسكرية وحجم القوات المسلحة وحجم الانتاج القومي والسكان وما يتبعها من موارد تمتلكها الدول وتعتبر مؤشرات لقوة الدولة تستخدم في الدراسات الإمبريقية وذلك لأنها تمكن الدارسين من ترتيب الدول بشكل مقبول وعل أساس مؤشرات وعوامل محددة.

ولذلك يمكن القول أن أصحاب هذا الاتجاه يفترضون أن التحكم في الموارد يُفضي بالضرورة إلى تحويلها لمصادر للقوة الفعلية التى تتحكم في الفواعل والأحداث. مع الأخذ بالاعتبار أنه يمكن تضمين المصادر المعنوية غير الملموسة كالمهارات العسكرية والقيادة وتشكيل القوات العسكرية إلى هذه المصادرو هذا يعطي صورة أشمل لقوة الدولة حيث أن دراسة رد فعل الدولة في إطار نوعي المصادر يعطي تصور أفضل لعملية التحويل لتلك المصادر وكيفية توجيهها.

وينتقد هارت هذا الاتجاه حيث أنه لا يمكن الاقرار بقدرة الدولة على استخدام الموارد التي تقع تحت سيطرتها. كما أنه لا يمكن استخدامه في فهم علاقات القوة في التحالفات والعمل الجماعي فلا يمكن توصيف قوتهم بأنها تساوي مجموع المصادر الخاصة بالفواعل الداخلة في تكوينه. فاختلف أراء المنظرين ما بين أنها أكثر من مجموع قوة الفواعل أو أقل منها.

2ـ القوة كقدرة في التحكم في الفواعل:

يتمثل محور هذا الاتجاه في الفواعل وكيقية التحكم فيها وفقا لتعريف داهال وهو قدرة الفاعل (أ) للتحكم في الفاعل (ب) وجعله يتصرف كما يريد. وبالرغم من إمكانية تضمين الفواعل من غير الدول (non-state actors) في هذا الاتجاه إلا أنه لا يسهل وفقا لهذا الاتجاه أن يفسر مدى استقلالية هذه الفواعل عن الحكومات القومية في ممارستها للقوة.

وكذلك ينتقد هارت هذا الاتجاه لقصوره عن التعامل مع العمل الجماعي أو التحالفات وإلا يقسمها لمكوناتها الثنائية كوسيلة لدراستها أو يتعامل مع التحالفات وكأنها فواعل حكومية وذلك لأن هذا الاتجاه يركز على القوة ثنائية القطبين كمحور لدراسته. وهذا يتناقض مع طبيعة الوضع في الساحة الدولية والتي تميل بشكل كبير نحو التحالفات والعمل الجماعي.

3ـ القوة كقدرة على التحكم في الأحداث والمخرجات20 :

يعتمد هذا الاتجاه على نظرية الاختيار العقلاني لتفسير القوة (rational choice theory of power) والتي تجعل من السيطرة على الموارد والسيطرة على الفواعل ما هي إلا سبل للوصول إلى مخرج معين. والمخرجات هي نتاج الفعل الفردي أو الجماعي بشكل منفصل غير متداخل. ولكن كان الربط بين اللأفعال والمخرجات يتم عن طريق خط وسيط بينهما. فكل فعل يؤدي إلى حدث وكل حدث يفضي بالضرورة لمخرج واحد على الأقل والمخرجات تؤثر على المنفعة العامة.

فالمنطق وراء هذا الاتجاه هو أنه لا يمكن فقط الاعتماد على المصادر كوسيلة لقياس القوة فقد تتوافر المصادر ولا تستخدم ولا يمكن قياسها فقط بالقدرة على السيطرة على الفواعل فقط حيث أنها قد تكون سيطرة لا تزيد من المنفعة. ولكن هذا لا يعنى الاستغناء عن الاتجاهين السابقين ولكن تضمنيهم كخطوات ثانوية تأتي فى إطار أشمل وهو التحكم في المخرجاتو الوصول للمخرجات المطلوبة.

لذا نستخدم في هذه الدراسة من خلال الاقتراب الذي سبق توضيحه في خطة الدراسة الثلاث اتجاهات معا بحيث ندرس المصادر المتاحة للفواعل المختلفة ثم الانتقال للسياسات (الأفعال) التي قامت بها الفواعل ثم تقييم أثرهم على المخرجات والنتائج.

أولاً: القوة الصلبة في العلاقات الدولية:

تعتبر القوة الصلبة المفهوم التقليدي للقوة والذي يعتمد على الاكراه والاجبار وذلك في نظر الواقعيين وتعريفهم للنظام الدولي بكونه غير مستقر وفوضوي وأن الفواعل الدولية بحاجة ملحة ودائمة لامتلاك القوة لحماية مصالحها وتحقيق أهدافها. ولقد ظل مفهوم القوة الصلبة متمركزا حول القوة العسكرية كأساس لها بالاضافة للقوة الاقتصادية والسكان والموارد الطبيعية وكلها عوامل للقوة الصلبة. فالقوة الصلبة تركز بالأساس على الجوانب المادية للقوة وكيفية توظيفها من قبل الفواعل الدولية لتعظيم منفعتها.

ولقد بزغت القوة الصلبة دون غيرها في القرن التاسع عشر والقرن العشرين حيث الحرب العالمية الأولى والثانية وما تبعهم من حرب باردة بين القويتين العظميتين. وتتمثل القوة العسكرية في الامكانات والمقدرات العسكرية للدولة كحجم القوات المسلحة ومدي تفوق أسلحتها وتقدمها التكنولوجي والقوة الاقتصادية تشمل حجم الاقتصاد وحجم الدخل القومي وإجمالي الناتج القومي للدولة.

وبفعل العولمة وانفتاح العالم بهذا الشكل المتصاعد وتطور التكنولوجيا مؤخرا لم تصبح القوة العسكرية حكرا على الدول القومية وحكوماتها بل أصبحت في متناول أيدي الفواعل غير الدولية والتي تحولت لتصبح بدورها تهديدًا للدول القومية والنظام الدولي. 21

بل إن القوة العسكرية لم تعد تقتصر فقط على الصورة التقليدية كما في الحروب والنزاعات بين الدول ولكن ظهر مفهوم جديد عرف بدبلوماسية الاكراه (coercive diplomacy) وهي حالة دفاعية تستخد القوة العسكرية كقوة ردع أو تهديد في حالة حدوث ضرر أو تهديد للفاعل الدولي فهي تستخدم القوة العسكرية بشكل محدد ومقنن بغرض ردع المعتدي أو اقناعه بعدم التعدي وقد تستخدم أحيانا كوسيلة لحماية مصالح الدولة والتأكيد على قدرتها على استخدام القوة العسكرية.22

ولكن بالرغم من أهمية القوة العسكرية إلا أن العديد من الباحثين قد أشاروا في كتاباتهم لتراجع القوة العسكرية كأداة من أدوات القوة في النظام الدولي وذلك لعدة أسباب:

1ـ تغير مفهوم الأمن القومي:

في السابق اعتمد مفوم الأمن القومي على القوة العسكرية وقدرتها في حماية الدولة ولكن تغير هذا المفهوم بشكل كبير في الأونة الأخيرة حيث أصبح ما يؤثر على أمن الدولة مختلف نظرا لتغير البيئة الدولية. فهناك قضايا داخلية لها مردود دولي وقضايا دولية لها مردود داخلي وبالتالي صعب التمييز بين الداخل والخارج. وفي هذا السياق أصبح قصر مفهوم الأمن القومي على القوة العسكرية غير مقبول فهناك العديد من القضايا التي تؤثر على الأمن القومي للدولة منها ما هو سياسي وثقافي واقتصادي وبيئي. 23

زيادة التكلفة الاقتصادية والبشرية الناتجة عن استخدام القوة العسكرية:

في عصرنا الحالى وبعد تزايد القوة التدميرية للأسلحة عالية التكنولوجية بل وتزايد خطر الأسلحة الكيماوية والنووية وزيادة أثارها السلبية دفع ذلك الدول لتجنب استخدام القوة العسكرية لحل النزاعات وأصبحت ملجأ أخير للدول. ليس هذا فحسب بل إن زيادة نفقات القوة العسكرية وتكلفتها المادية على عاتق الدول قلل من اعتماد الدول  عليها. بالإضافة إلى أن الرأي العام أصبح يرفض بشدة استخدام القوة العسكرية وأصبح الحصول على موافقة الشعب والتأييد الجماهيري صعب المنال ويرجع هذا التوجه للرأي العام إلى التكلفة البشرية التي يتكبدها هؤلاء جراء استخدام القوة العسكرية بالإضافة للخسائر الاقتصادية التي تؤثر على حياتهم اليومية.

كما أن الاعتماد المتبادل بين الدول في شئون الاقتصاد والتجارة جعل من الصعب على الدول أن تلجأ للحروب التي تؤثر عليها اقتصاديا ولعل هذا من أحد أهم الأسباب التي تفسر التوجه الأوروبي والأمريكي تجاه الأزمة الأوكرانية والذي سيأتي تفصيله فيما بعد. علاوة على ذلك لم تصبح الهيمنة الدولية في عصر العولمة هو احتلال إقليم بالاعتماد على القوة العسكرية وإنما احتلاله بالسيطرة على سياساته المالية والتجارية والاقتصادية والهيمنة الثقافية والفكرية وخلق التبعية الفكرية لا الإقليمية. 24

2ـ تغير مصادر القوة:

يشير جوزيف ناي لتغير مصادر القوة حيث أصبحت التكنولوجيا والعلوم والتعليم مصادر جديدة للقوة. بالإضافة إلا أن القوة الاقتصادية والدبلوماسية للدولة أصبحت ذات أهمية كبيرة لتحديد قوة الدولة وقدرتها على التأثير في الساحة الدولية. بل إن الاعتماد على هذه المصادر الجديدة أصبح أقل تكلفة من الاعتماد على القوة العسكرية من عدة نواحي كما سبق ذكرها. وكنتيجة لذلك تغيرت الاستراتيجيات الدولية وحسابات كل دولة فتحول الوضع من رغبة كل دولة في زيادة قوتها على حساب غيرها إلى التعاون مع غيرها لزيادة قوتها وتعظيم منفعتها والاستفادة من هذا التعاون في التغلب على التحديات التي تواجهها والتي لا تستطيع أن تواجهها منفردة. 25

3ـ تغير الفواعل في السياسة العالمية:

فظهرت فواعل جديدة إلى جانب الدولة القومية وهي (Non-state actors) والتي أصبح لها قوة اقتصادية وسياسية وثقافية بل وأحيانا عسكرية كذلك. وأصبحت هذه الفواعل لها القدرة على التأثير على الحكومات وعلى السياسة الدولية بشكل عام فهي تمارس ضغطا على الحكومات سواء اقتصاديا فقد سحبت البساط من الدولة القومية وأصبح لها الكلمة العليا في تحديد مجريات الأمور في الشئون الاقتصادية والمالية والتجارية بل إنها استطاعت أن تلعب دورا كبيرا في الضغط على الحكومات والبرلمانات القومية لتمرير سياسات معينة تخدم مصالحها. ولعل ما استدل به مانفريد ستيجر للإشارة بأن هذه الفواعل أصبحت لها القدرة على منافسة الدولة القومية بشدة في الشئون الاقتصادية والسياسية أكبر هو أنه بالنظر لأكبر مائة (GDP) إجمالي ناتج قومي أو ربح تحققه الفواعل من غير الدول نجد أن 42 من المائة هم فواعل غير دولية من سركات متعددة الجنسيات أو مؤسسات فوق قومية (MNCs & TNCs) . 26

ولم يقتصر هذا على البعدين الاقتصادي والسياسي بل شمل البعد الثقافي وكان للإعلام العالمي أثره الكبير في ذلك واستطاع أن يغير موازين القوي في العديد من الأمور. فهؤلاء الذين يتحكمون في مجريات الأمور بالنسبة للإعلام العالمى هم فواعل من غير الدول.27

وامتد كذلك هذا التأثير للجماعات المسلحة التي امتلكت القوة العسكرية هي الأخرى وأقرب مثال على هذا تنامي دور ما عرف بداعش أو (الدولة الاسلامية في العراق والشام) وما سبقها من تنظيم القاعدة وغيرها من المنظمات التي امتكلت القوة العسكرية.

وبالطبع أدي هذا كله إلى التأثير على دور القوة العسكرية للدول كمحدد لقوتها وتأثيرها الدولي وأبرز مثال على ذلك هو صعود قوي كبري لم تكن عسكرية بالأساس كاليابان وأمانيا والصين فكان اعتمادها بالأساس على الصعود لمصاف الدول الكبري على الجانب الاقتصادي.28

ولكن بالرغم من كل هذه العوامل التي أدت إلى تراجع دور القوة العسكرية إلا أنه لا يمكن القول بأن القوة العسكرية تلاشي دورها ولم يصبح هناك فائدة منها كمحدد للقوة. فما زالت القوة العسكرية حتى يومنا هذا أحد أهم محددات القوي الدولية ولكن كل ما في الأمر هو أنها لم تصبح هي المصدر الوحيد للقوة كما كان الأمر في السابق بل تحولت إلى أحد العناصر والمصادر المهمة للقوة. فلا يمكن أن تعمل الدول شكل جيد اقتصاديا وسياسيا دون توفير بيئة أمنية مستقرة. ولكنها تحتاج إلى المزج بينها وبين المصادر الجديدة للقوة وهذا ينقلنا للحديث عن مفهوم القوة الناعمة الذي أشار إل هذه المصادر المتغيرة للقوة كبديل للقوة الصلبة المتمثلة بالأساس في القوة العسكرية.

ثانياً: القوة الناعمة في العلاقات الدولية:

يشير مفهوم القوة الناعمة كما عرفه ناي إلى انه اتجاه أكثر جاذبية لفرض القوة يختلف عن الوسائل التقليدية. فالدولة تستطيع تحقيق الأهداف التي تسعى إليها في السياسة الدولية لأن غيرها من الدول ترغب في أن تتبعها أو لأنها ارتضت وضع معين يصنع مجموعة من النتائج المترتبة والتي تستهدفها الدولة التي تمارس قوتها. وهذا يحدث عندما تستطيع الدولة جعل غيرها من الدول يرغب في ما ترغبه هي”to want what it wants “. وترتبط القدرة على التأثير على الاخرين وتوجيه رغباتهم وتحديدها بمصادر معنوية أو غير مادية للقوة كالثقافة والايدلوجية والمؤسسات.29

وتعرف القوة الناعمة كذلك بالـ”Co-optive power ” والتي تعني قدرة الدولة على خلق وضع يفرض على الدول الأخرى أن تحدد تفضيلاتها ومصالحها بشكل يتفق مع هذا الإطار الذي تم وضعه أو بمعنى أخر أن تقوم هي بوضع أولويات الأجندة الداخلية لغيرها من الدول.30 وأكد ناي كذلك على عنصر الجاذبية الذي تعتمد عليه القوة الناعمة فالقوة الناعمة تعنى لديه القدرة على تحقيق أهداف معينة عن طريق الترغيب والجاذبية لا الترهيب والإكراه. 31  وتعتمد القوة الناعمة على عنصريين أساسيين هما المصداقية والشرعية كقاعدة لها. 32

ويوجد تعريف آخر لجين لي “Geun Lee ” بحيث يشير أن القوة الناعمة هي القدرة على خلق التفضيلات والصورالذهنية للذات عن طريق المصادر الرمزية والفكرية والتي تؤدي إلى تغيرات سلوكية في أفعال الأخرين.33 لذا يمكن القول أن هذا التعريف للقوة الناعمة يعتمد على مصادرها.

أنواع القوة الناعمة:

يقدم جين لي في نظريته للقوة الناعمة تقسيمًا للقوة الناعمة وعملية تحويلها لقوة فعلية يعتمد على الهدف المنشود من استخدام هذه القوة والغرض من ورائها. لذا يقدم جين لى خمس فئات للقوة الناعمة كلها تشترك في عنصر الجاذبية أو وجودها ولكن تختلف من حيث كونها أيجابية أو سلبية (active or passive) . يمتد التقسيم على هيئة متصل من القوة الناعمة يبدأ بالجاذبية السلبية وينتهي بالجاذبية النشطة أو الايجابية. ومفهوم الجاذبية له جانبين فلا يقتصر أن تكون الجاذبية من وجهة نظرالدولة التي تمارس القوة بل من المستقبل لهذه القوة أو الواقع عليه تأثيرها. ولعل هذا التقسيم يساعدنا في فهم ممارسة الدول للقوة الناعمة ولاسيما بعيدا عن تركيز ناي للقوة الناعمة للولايات المتحدة الأمريكية والتي تخلف كثيرًا عن غيرها من الدول التي لا يمكن تصنيفها على أنها دول قائدة في النظام الدولي.34

وتبدأ القوة الناعمة القائمة على الجاذبية السلبية والتي تقوم على خلق الصورة الجاذبة للدول (creating) بينما تعتمد الجاذبية النشطة على توجيه هذه الجاذبية واستخدامها (projecting)   وليس فقط الاقتصار على خلقها. ويمكن الإشارة لهذه الأنواع فيما يلي35 :

فئات القوة الناعمة السلبية

  • القوة الناعمة لتحسين بيئة الأمن الخارجية وخلق مناخ مستقر للدولة وذلك بخلق صورة جذابة وسلمية للدولة ويعتمد هذا على مزيج من ادوات القوة الناعمة المتمثلة في الشعارات القومية والخطط والسياسات والدبلوماسية الشعبية.
  • القوة الناعمة لخلق وحدة مجتمعية أو وحدة بين مجتمع من الدول تمكنهم من العمل معاً لتحقيق أهداف وسياسات مشتركة أي خلق قيادة مؤثرة تعمل على توجيه الأحداث وتوجيه مسار السياسات على المستوى الدولي وقد يعتمد هذا على أدوات كاللغة المشتركة أو خلق وتقديم تقاليد وأساليب مشتركة.

فئات القوة الناعمة النشطة

  • القوة الناعمة لخلق الدعم على المستوى الداخلى أي تدعيم القيادة والحصول على تأييد شعبي داخلي لسياسات الدولة والقيادة.
  • القوة الناعمة لخلق الدعم الخارجي للدولة بمعنى أن يكون هناك حلقة داعمة للدولة وهذا يحتاج لقيادة مؤثرة تستطيع أن تحقق مثل هذا الدعم ولكنها قد تكون فعالة في تقليل تكلفة استخدام القوة الصلبة.
  • استخدام القوة الناعمة لتغيير تفضيلات وطريقة تفكير الدول الأخرى وتوجهاتهاو ذلك بتفعيل الأفكار الجذابة والقيم والصور الجاذبة

لكن لابد من الاشارة أن الاعتماد على هذه التقسيم قد يسبب صعوبة لدارسي العلاقات الدولية لعدم القدرة على تصنيف الدول في استخدامها للقوة الناعمة وفقا لهذه التقسيمات.

القوة الناعمة وعلاقتها بالقوة الصلبة:

القوة الناعة لا تستطيع أن تعمل وحدها فهي بحاجة دائمة لوجود القوة الصلبة فلا يمكن التسليم بأن هناك فواصل جامدة بينهم بل يتداخلان بشدة ولعل هذا يتضح من خلال الاتجاهين القائمين بتفسير القوة الناعمة

الاتجاه الأول “اتجاه السلوك أو المخرجات”:

يعد ناي أهم منظري هذا الاتجاه والذي يشير إلى أن القوة الناعمة هي القوة التي تعتمد على الجاذبية والإقناع أيًا كانت المصادر التي تعتمد عليها فقد تكون المصادر ملموسة أو غير ملموسة فمصادر ملموسة كالقوة العسكرية والقوة الاقتصادية قد تستخدم كعامل جذب وعلى الجانب الآخر مصادر غير ملموسة كالشعارات الوطنية والأخلاق والشرعية قد تسهم في تدعيم القوة الصلبة القائمة على الاكراه والإجبار وزيادة القوة العسكرية.

فيرى أصحاب هذا الاتجاه ضرورة التفرقة بين مصادر القوة وسلوك القوة وأن القوة الناعمة تتحدد بسلوك القوة من حيث كونها قوة جذب وإقناع وقد يستخدم في هذا مصادر ملموسة صلبة أو غير ملموسة.36

الاتجاه الثاني “اتجاه المصادر”:

ومن أهم منظري هذا الاتجاه هو Geun Lee والتي تفسر القوة الناعمة وفقا للمصادر الداخلة في خلق هذه القوة (resource-based theory of soft power) وتقوم هذه النظرية على أن القوة الناعمة قد تكون قوة جذب وإقناع أو قوة إكراه وإجبار ولكن لابد لها أن تعتمد على مصادر غير ملموسة أو مصادر ناعمة للقوة فامتلاك القوة الناعمة يقوم على امتلاك هذه المصادر الناعمة للقوة والقدرة على توظيفها وتحويلها لقوة فعلية أي كان هيئتها جذب أو اكراه.37

نخلص من كل هذا أن القوة الناعمة والقوة الصلبة لا يمكن الفصل بينهم بشكل تام فالقوة الناعمة لا تستطيع أن تتواجد وتزدهر دون وجود القوة الصلبة ومقدراتها التي تضمن لها الازدهار والقدرة على التأثير. لذلك كان هذا مقدمة لظهور مفهوم جديد للقوة يدمج بين كلا المفهومين القوة الصلبة والقوة الناعمة ويستفيد من كل منهما في خلق قوة حقيقية فعلية للدولة تستطيع أن تحدث أثرا على الصعيد الدولي. ولذلك سنقدم تفصيلا لهذا المفهوم وهو مفهوم القوة الذكية في المبحث التالي.

المبحث الثاني

مفهوم القوة الذكية في العلاقات الدولية

قدم جوزيف ناي مفهوم القوة الذكية في 2003 كرد فعل على المغالطة بشأن الفكرة السائدة أن القوة الناعمة يمكن ان تعمل وحدها لتحقيق أهداف السياسة الخارجية وضرورة الانتقال للمعنى الأوسع والأشمل للاستراتيجية وتطويرها لتشمل القوة الناعمة والقوة الصلبة معًا وذلك ليكون أكثر مواكبة للسياق والتطورات الدولية المختلفة بحيث لا يمكن الاستغناء عن أي ن نوعي القوة.

ولعل من أهم هذه العوامل التي دفعت للتوجه لمفهوم القوة الذكية تراجع القوة العسكرية كما سبق أن أشرنا من قبل. بالإضافة إلا أن الفصل بين القوة الناعمة والصلبة لم يصبح مقبولًا في السياق الدولي الحالي. علاوة على ظهور الفواعل غير الدولية التي استطاعت أن تدمج بين القوتين الناعمة والصلبة. كما أن عصر العولمة أصبح يفرض قيودا على طبيعة استخدام القوة والاستراتيجية التي يجب اتباعها لتحقيق المصالح والأهاف المنشودة في السياسة الدولية.

وذلك بسبب تغير طبيعة النظام الدولي وقضاياه وموضوعاته وليس فقط النظام الدولي بل تغير طبيعة السكان والشعوب والحاجة إلى استهدافهم بما يتناسب مع هذا التغير.كما أن كثافة المعلومات وسرعتها أصبح يخلق مناخًا مختلفًا من العلاقات الدولية بحيث أبحت المعلومات هي القوة فمن يملكها ويوظفها هو القادر على أن يفرض سيطرته فظهر لنا ما عرف بحرب الشبكات والحروب الإلكترونية كنتيجة لذلك.38

كما أنه يمكن القول هناك تحول كبيرقد حدث لدول الثمانية العظمي من تحول في اقتصادها من اقتصاد صناعي إلى اقتصاد ما بعد صناعي أى أنها أصبحت تعتمد في قوتها على قدرة الدولة على خلق وتسخير المعرفة والمعلومات لزيادة قوتها. فقدرة الدول على أن يكون لها الابداع والابتكار قد تزيد من قوة الدولة بما يفوق ما قد تسببه زيادة القوات المسلحة. فالبرغم من أن القوة العسكرية ما زالت لها اهميتها ولكن تغير أهميتها النسبية من حيث كيفية استخدمها ودمجها مع الأصول غير العسكرية. لذا فهناك نقلة نوعية وتغير في طبيعة التأثير بين دول العالم.39

أولا: مفهوم القوة الذكية وشروطها:

مفهوم القوة الذكية ليس مفهومًا جديدا أو مبتكرًا وإنما هو نتاج الجمع بين القوة الصلبة والقوة الناعمة معًا ولكن وفقا لاستراتيجية محددة تجمع بينهم. ويعرف ارنست ويلسون القوة الذكية على أنها قدرة الفاعل الدولي على مزج عناصر القوة الصلبة والقوة الناعمة بطريقة تضمن تدعيم تحقيق أهداف الفاعل الدولي بكفاءة وفعالية. ويحدد هذا التعريف مجموعة من الشروط الإضافية التي يجب توافراها لتحقيق القوة الذكية40 :

1ـ الهدف من ممارسة القوة فالقوة لا يمكن أن تكون ذكية دون أن يعرف ممارسوها الهدف من استخدامها والشعوب والمناطق المستهدفة من هذه القوة.

2ـ الإدراك والفهم الذاتي للأهداف بالاتساق مع القدرات  الإمكانيات المتاحة فلا يمكن للقوة الكية أن تعتمد على الأهداف دون تحديد عنصري الإرادة والقدرة على تحقيقها.

3ـ السياق الإقليمي والدولي الذي سيتم في نطاقه تحقيق الأهداف.

4ـ الأدوات التي سيتم استخدامها بالاضافة إلى وقت وكيفية توظيفها منفصلة أو مع غيرها.

فالفاعل بحاجة إلى إدراك مخزون الدولة من الأدوات والإمكانات ونقاط القوة ونقاط الضعف  القيود على مقدرات القوة. فالقوة الذكية ليس فقط امتلاك المصادر الناعمة والصلبة والمزج بينهما بل القدرة على تحديد وقت استخدامها وأي نوعي القوة يفضل استخدامه في الموقف والقدرة على تحديد متى يتم الدمج بينهما وكيف يتم الدمج. فالاتجاه المركب لتفسير القوة من خلال القوة الذكية يعنى التعامل مع عناصر القوة الناعمة والصلبة ليس على أساس كونهم منفصلين بل على التعامل معهم ككل والتعامل مع التداخل القائم بينهما.41

فليس هناك وصفة سحرية لتطبيق القوة الذكية ولم يحدد ناي استراتيجية محددة لخلق القوة الذكية وإنما وفقا للشروط السابقة يستطيع كل فاعل أن يحدداستراتيجيته ويرسم خطوطها الأساسية طبقا لثلاثية الأهداف والوسائل والسياق التي تحدد ما أسماه ناي (Grand Strategy) أو استراتيجية كبري تجمع بين أدوات القوة الناعمة والصلبة وتمثل القيادة السياسية والموقف الشعبي.

ثانيا: تحديات استخدام القوة الذكية:

يقدم أرنست ويلسون في دراسته عن القوة الذكية مجموعة من التحديات التي تقف في وجه استخدام القوة الذكية والقدرة على إنجاحها. وتنقسم هذه التحديات إلى تحديين (يمكن إضافتهم لتحدي الفهم الصحيح لما تعنيه القوة الذكية) التحدي الأول هو التحدي المؤسسي والتحدي الثاني هو التحدي السياسي.

1ـ التحدي المؤسسي:

يتمركز التحدي المؤسسي للقوة الذكية في الفجوة القائمة بين مؤسسات القوة الصلبة المتمثلة في المؤسسة العسكرية أو الجيش ومؤسسات الأمن التي تعتمد على استخدام الإكراه والإجبار وبين مؤسسات القوة الناعمة التي قد تدخل ضمن ميزانية الدولة في صورة مهملة او بدون إعطائها وزنها الحقيقي. فحجم مؤسسات القوة الصلبة أكبر بكثير من نظرائها للقوة الناعمة من حيث الحجم المؤسسي والرسوخ والثبات ناهيك عن ميزانية الدولة في كل منهما. فالتباين المؤسسي بين القوتين ينتج تعقيدات تتعلق بحجم المؤسسات ومكانتها وثقافتها المؤسسية وكل هذا بالطبع يؤثر في أدائها وبالتالي أداء القوة الذكية.

فهذا يعني بشكل أو بأخر أن مؤسسات القوة الناعمة تكون خاضعة إلى حد ما لمؤسسات القوة الصلبة كالمؤسسة العسكرية والمخابرات التي قد تحدد ما يفعل او ما لا يفعل على صعيد القوة الناعمة. كما أن الرسوخ والثقافة المؤسسية للمؤسسات الأمنية بشكل عام قد تمثل معوقا لأي تعاون قد يحدث بين مؤسسات طرفي القوة وهو ما يؤثر سلبيا وبشدة على تحقيق القوة الذكية بشكل مثمر.

لذا يمكن القول أن القدرة على إيجاد ترتيبات مؤسسية متوازنة يعتمد على رغبة القيادة السياسية للدولة على فهم مثل هذه التعقيدات ومحاولة التنسيق والموازنة بينهم بجانب تأييد من التجمعات السياسية لمثل هذا التوجه من القوة الذكية. 42

2ـ التحدي السياسي:

القوة الذكية لا تحتاج فقط إلا مؤسسات تدعمها وحسب بل تحتاج إلى قوة سياسية وإرادة من القيادة لتحقيقها. فالجانب المؤسسي يعتمد في إصلاحه بالأساس على مثل هذه القيادة الراغبة (willingness) . فغياب التوازن السياسي بين القوة الناعمة والقوة الصلبة تحدي أخر من تحديات القوة الذكية. فأنصار القوة الصلبة ومؤيديها أكثر قوة وحجمًا وتمثيلًا من أنصار القوة الناعمة وهذا لا يقتصر على النخبة السياسية للدولة بل يمتد لدوائر الجماهير والتأييد الشعبي لها. فالناخبون السياسيون عندما يختارون ممثل لهم فهم يفضلون التوجه الذي يعتمد على القوة الصلبة المرئية والملموسة التي يأخذها هؤلاء في الاعتبار ويعتبرونها رمزًا لقوة الدلة وتأثيرها ومقدرة على حماية مصالحها. فأنصار القوة الناعمة بين فئات المواطنين أقل بكثير من هؤلاء المؤيدين للقوة الصلبة وتقتصر التأييد والدعوة لهذا التوجه على فئات الأكاديمين والدبلوماسيين السابقيين فلا يوجد قوة شعبية توازن تلك التي تمتلكها القوة الصلبة.43

خلاصة:

إن تحقيق قوة ذكية ناجحة يتطلب أولا إدراك أن القوة الصلبة ضرورية ولكن تعظيم تحقيق المصلحة القومية قد يحتاج إلى المزج بين القوتين الصلبة والناعمة. بمعنى آخر، لكي يمكن تحقيق القوة الذكية فعذا يعنى أن نضع التحديات المفاهيمية والمؤسسية والسياسية نصب أعيننا بنظرة شاملة تمكننا من التقدم نحو خطوات حقيقية لانجاز القوة الذكية.

———————————-

الهامش

1 مفهوم القوة الناعمة الذي قدمه جوزيف ناي عام 1990 في مقالته بعنوان (soft power) وعرفها بأنها “ممارسة القوة بطريقة جذابة مختلفة عن الطرق التقليدية لفرض القوة، وهو قدرة الدولة على جعل غيرها يريد ما تريده بمعنى أن تشكل رغبات الاخرين وتضع الأجندة لهم ; فهي تستطيع أن تصل إلى طموحاتها بجعل الدول الأخري راغبة في اتباعها وذلك بوسائل مختلفة عن القوة الصلبة القائمة على القوة العسكرية بالأساس وهذا ما يعرف بالقوة التعاونية “co-optive power” أو القوة الناعمة “soft power” .

Joseph S. Nye, “Soft Power”, Foreign Policy, No. 80, Twentieth Anniversary (Autumn, 1990), pp. 153-171, Published by: Washingtonpost.Newsweek Interactive, LLC,  Article DOI: 10.2307/1148580, Article Stable URL: Link

وتطور المفهوم بعد ذلك وتناوله عدد من الباحثين وقدموا له تعريفات أخري وطوروا من نظرية القوة الناعمة. وسيتم تناول المفهوم بالتفصيل فيما بعد في الإطار النظري للدراسة.

2 ( ) مفهوم القوة الصلبة هو المفهوم التقليدي لقوة الدولة والذي يعرف القوة بالعناصر المادية للدولة كالقوة العسكرية والاقتصادية ويميل إلى الاعتماد على عنصر الإكراه بدلا من الجاذبية كما الحال في القوة الناعمة.

3 Joseph S. Nye, J, “Soft Power”, Foreign Policy, No. 80, Twentieth Anniversary (Autumn, 1990), pp. 153-171, Published by: Washingtonpost.Newsweek Interactive, LLC, Article DOI: 10.2307/1148580, Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/1148580

4 المرجع السابق، ص.167.

5 Ernest J. Wilson, III, “Hard Power, Soft Power, Smart Power”, Annals of the American Academy of Political and Social Science, Vol. 616, Public Diplomacy in a Changing World (Mar., 2008), pp. 110-124, Published by: Sage Publications, Inc. in association with the American Academy of Political and Social Science, Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/25097997, p. 112-114.

6 Ibid, p. 116.

7    جوزيف ناي، مرجع سابق، ص.74

8  المرجع السابق، ص. 154.

9 المرجع السابق، ص.166-167.

10 المرجع السابق، ص. 168.

(11) Public Diplomacy and Soft Power” . Joseph S. Nye, Jr Annals of the American Academy of Political and Social Science, Vol. 616, Public Diplomacy in a Changing World (Mar., 2008), Published by: Sage Publications, Inc. in association with the American Academy of Political and Social Science Article Stable URL: link  pp. 94-109.

(12) Joseph S. Nye Jr., “The Velvet Hegemon “,

Foreign Policy, No. 136 (May – Jun., 2003), Published by: Washingtonpost.Newsweek Interactive, LLC, Article DOI: 10.2307/3183627, pp. 74-75.

Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/3183627

(13) Simona Vasilevskyte, “Discussing Soft Power theory after Nye: the case of Geun Lee’s theoretical approach”, Available on: http://vddb.library.lt/fedora/get/LT-eLABa-0001:J.04~2013~ISSN_2029-2074.N_7.PG_145-157/DS.002.1.01.ARTIC

(14)Simona Vasilevskyte, ibid p.148

(15) Gregory F. Treverton and Seth G. Jones, “Measuring National power”, USA, RAND Corporation, 2005, pp. 1-5

(16) سماح عبد الصبور، “القوة الذكية في السياسة الخارجية: دراسة في أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه لبنان منذ 2005”، رسالة مقدمة لنيل درجة الماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2013.

17 Joseph S. Nye, Jr . , “The Changing Nature of World Power”, Political Science Quarterly, Vol. 105, No. 2 (Summer, 1990), pp. 177-192, Published by: The Academy of Political Science, Stable URL: http://www.jstor.org/stable/2151022, P. 177-178.

18 Ibid, p.178- 179.

19 Jeffery Hart, “Three Approaches to the Measurement of power in International Relations”, International Organization, Vol: 30, No: 2, Spring 1976, p: 290-296.

20 (20) أول من طور هذا الاتجاه هو جيمس كولمان في كتابه (The Mathematic of Collective Action)  ووضع فيه الأسس التي يمكن من خلالها تقسير القوة في الفعل الجماعي. كانت نظريته تعتمد على علاقات رياضية توصف كيفية ممارسة القوة للحصول على المخرجات المطلوبة ولتعظيم المنفعة.    (لمزيد من الشرح يمكن الرجوع للمرجع السابق)

21 Moises Naim, “The Five Wars of Globalization”, article 13

22 سماح عبد الصبور، مرجع سابق ص.43

23 المرجع السابق ، ص.44.

24 Joseph S. Nye, Jr., “The Changing Nature of World Power”, Political Science Quarterly, Vol. 105, No. 2 (Summer, 1990), pp. 177-192, Published by: The Academy of Political Science, Stable URL: http://www.jstor.org/stable/2151022, P. 177-180.

25 Ibid, p. 179-180.

26  Manferd Steger, ” Globalization: A very short introduction”, Oxford University Press, 2009, p. 49-53.

27  Ibid, p. 78-79.

28 سماح عبد الصبور, مرجع سابق، ص. 44.

29 Joseph S. Nye, J, “Soft Power”, p.166-167.

30  Ibid, p.168.

31 Joseph S. Nye, J, “Public Diplomacy and Soft Power”, p.94-95.

32 Joseph S. Nye, J, “The velvet hegemon”, p.74.

33 Simona Vasilevskyte, “Discussing Soft Power theory after Nye: the case of Geun Lee’s theoretical approach”, p.147.

34 Simona Vasilevskyte, p. 149-150.

35 Simona Vasilevskyte, p. 151-152.

36 سماح عبد الصبور, مرجع سابق، ص. 63-64.

37 المرجع السابق، ص.65.

38 سماح عبد الصبور، مرجع سابق،ص. 74-79.

39 Ernest J. Wilson, III, “Hard Power, Soft Power, Smart Power”, Annals of the American Academy of Political and Social Science, Vol. 616, Public Diplomacy in a Changing World (Mar., 2008), pp. 110-124, Published by: Sage Publications, Inc. in association with the American Academy of Political and Social Science, Article Stable URL: http://www.jstor.org/stable/25097997, p. 112-114.

40 Ibid, p. 115

41 Ibid, p. 116.

42 Ibid, p. 116-118.

43 Ibid,p. 118-120.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close