fbpx
تحليلات

القوى الثورية وإدارة العلاقات الدولية

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

كشفت تحولات المشهد الثوري العربي عامة، والمصري خاصة، خلال السنوات السبع الماضية (2011 ـ 2018) عن وجود العديد من التحديات، أو بشكل أكثر دقة الثغرات والاختلالات من جانب القوى الثورية في إدارة هذا المشهد، ثغرات من شأن العمل على مواجهتها تحقيق معدلات أعلى من الفاعلية في تحقيق الاهداف التي تسعى إليها هذه القوى، وتعزيز القدرات التي تتمتع بها، بل وتعزيز فرصها في إدارة هذا المشهد، ومن بين هذه الثغرات دور القوى الثورية في إدارة العلاقات الدولية.
هذه الإدارة التي تتطلب وضوحاً في الرؤي والتوجهات، وبناء الخطط والسياسات، وكذلك تحديد المراحل والخطوات، والإجراءات والآليات، التي يتم عبرها أو من خلالها تنفيذ هذه الخطط وتلك السياسات، وهو ما يمكن تناوله عبر عدة محاور أساسية:

أولاً: القوى الثورية ومفهوم العلاقات الدولية

عانت القوى الثورية من عدم وضوح رؤيتها لمفهوم العلاقات الدولية، حيث ربطت هذا المفهوم بوجود اتصالات سياسية فقط، مع الدول والحكومات، وبالتالي إذا توقفت هذه الاتصالات، انقطعت العلاقات وهذا غير دقيق ويحتاج الى بيان ما يلي:
1- أن العلاقات الدولية هي أنماط تفاعلية، تعاونية أو صراعية، بين الفواعل الدولية، وبالتالي يمكن أن تُدار هذه العلاقة بآليات معينة على المستوى الصراعي، تختلف عن الآليات التي تُدار بها على المستوى التعاوني.
2- أن العلاقات الدولية ليست سياسية فقط ولا يجب تسييس ما هو غير سياسي منها أيضاً، فهي تشمل العلاقات الاقتصادية، الأمنية، العسكرية، الثقافية، الفنية، الرياضية.. إلخ، وإذا توقفت أو توترت العلاقات السياسية، لا يجب أن ينعكس هذا التوقف أو التوتر سلباً على باقي أشكال هذه العلاقات، بل يجب العمل على استمرارها لأنها بمثابة الركائز الثابتة للعلاقات أو التفاعلات بين الدول والشعوب، وإذا انهارت ستكون النتيجة الطبيعية، هو تنامي النزعات العدائية وترسخها في وجدان الشعوب، وتنتقل العلاقات بينها من وضع الأزمات الطارئة إلى وضع الصراعات الممتدة التي سرعان ما تنفجر حال نشوب أية أزمة.
3-أن القوى الثورية ارتبطت في الجانب الأعظم من إدارتها لعلاقاتها الدولية بالنظم السياسية، وتجاهلت أن هذه النظم ماهي الا فاعل واحد أو طرف واحد من أطراف العلاقات الدولية التي تشمل العديد من الفواعل والمكونات.

ثانياً: القوى الثورية وأطراف العلاقات الدولية:

1- الدول:

أيا كان حجمها أو نفوذها أو طبيعة نظامها السياسي، أو أيديولوجيتها، أو عدد سكانها، أو قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وتُشكل الدول مصدراً للاعتراف بالشرعية القانونية، واعطاء صفة رسمية وكذلك توفير الحواضن السياسية الرسمية للقوى الثورية.

2- المنظمات:

وتتوزع أنواعها وفقاً لتنوع المعايير التي يتم الاعتماد عليها في التصنيف، حيث توجد:
(أ) المنظمات الدولية الحكومية: مثل الأمم المتحدة وفروعها وهيئاتها ووكالاتها، والاتحاد الأوربي، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية.. إلخ، وتكون عضويتها قاصرة على الدول والحكومات، وبالتالي من الأهمية إدارة التفاعلات معها بما يتوافق وخريطة التحالفات السياسية، والعمل على بناء تكتلات كبرى داخل هذه المنظمات التي تعتمد آلية التصويت لاتخاذ القرارات، وعدم التقليل من حجم الدول ونفوذها لأنها في النهاية تتساوى في تصويتها، والدليل ما حدث من تصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح اعتبار فلسطين عضواً مراقباً في المنظمة.
(ب) المنظمات الدولية غير الحكومية: مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، والتي تقوم على إدارة قضايا وملفات تخصصية، ومن الأهمية بمكان التشبيك معها، وتزويدها بالبيانات والمعلومات والوثائق والمستندات التي تدعم ملفاتها، مع تنويع آليات وأشكال التفاعل والتشبيك معها، وهو ما يتطلب رصد خريطة هذه المنظمات وخرائط اهتماماتها وعدم الاقتصار على واحدة دون الأخرى، لأن لكل منها مناطق نفوذ ذو اهتمام وتأثير، ويمكن أن تساهم في خلق البيئة الداعمة لقضايا الثورات الشعبية والتحولات الديمقراطية وملفاتها الأساسية.
(ج) منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والتعليمية والبحثية والاعلامية في مختلف دول العالم والتي تُشكل ما يعرف بالقطاع الثالث، بجانب القطاعين العام والخاص، وتعبر عن أكبر قطاع من المواطنين وبالتالي يمكن أن تُستخدم كمنصات أساسية لخلق رأي عام محلي وعالمي داعم للثورات الشعبية والتحولات الديمقراطية، وهو ما يتطلب وجود قواعد معلومات أساسية وخرائط رصدية وتحليلية لهذه المنظمات في مختلف دول العالم وخاصة في الدول محل الاهتمام أو ذات الأولوية في حركة القوى الثورية المصرية أو العربية.

3- الشركات الدولية:

وهي من أهم الفواعل والأطراف في بنية العلاقات الدولية، وتتوزع أيضاً بين الشركات متعددة الجنسيات (في العضويةـ أو الإدارة أو التمويل) والشركات متعددة الفروع عبر الدول والشركات عابرة النشاط، وإدارة العلاقات معها يمكن أن يكون تعاونياً بما يعزز من القدرات المالية والاستثمارية والتفاوضية للقوى الثورية، ويمكن أن يكون صراعياً من خلال استهداف الشركات الداعمة أو المحسوبة أو المملوكة للأطراف المضادة للثورات والداعمة لنظم الاستبداد والتسلط والفساد العربي.

4- الحركات الدولية:

يقصد بها التيارات السياسية أو الحركات الاجتماعية وجماعات الضغط المختلفة التي تنشأ بعيداً عن الأطراف التقليدية للأحزاب أو النقابات وتضم قطاعات واسعة من المواطنين في مختلف دول العالم وتشكل حواضن أساسية لحركات التغيير في هذه الدول، وبالتالي تأتي أهمية التفاعل معها وتعزيز شبكة العلاقات مع مختلف مكوناتها عبر دول العالم ولعل في المقدمة منها بناء شبكة علاقات مع التيارات السياسية والحركات الاجتماعية في دول الثورات العربية والتي كانت المحرك الأساسي لهذه الثورات ووقودها الدائم سعياً منها نحو بناء تيار ثوري عابر للحدود والقوميات والتوجهات والانتماءات الذاتية او الوطنية.

5- الأفراد الدوليون:

يقصد بالفرد الدولي، أي شخص يمارس نشاطاً دولياً، دون أن يكون ممثلاً لأي من الفواعل الدولية السابقة (الدول، المنظمات، الحركات، الشركات) وتنبع أهمية الأفراد من أهمية الدور الذي يقومون به من ناحية، ومكانتهم الرمزية، وحجم جمهور المتابعين لهم، وخاصة في مرحلة وصلت فيها المتابعات لعشرات الملايين على وسائل التواصل الاجتماعي، وبالتالي يستطيع أي فرد من ذوي المكانة والشهرة والتأثير، أن يكون نقطة انطلاق أساسية في إدارة عدد من الملفات التي تهم حركات التغيير السياسي والاجتماعي.

ضوابط الحركة:

مع هذا الوضوح في خريطة الفواعل الدولية، التي تمثل أطراف العلاقات الدولية، تأتي أهمية التأكيد على عدد من الاعتبارات الأساسية، في وضح خريطة الحركة نحو إدارة التفاعلات معها:
1ـ عدم التقليل من قيمة أي جهد أو دور أو فاعل، مهما كان وزنه، لأنه يمكن أن يشكل في مرحلة ما من مراحل التحول والانتقال، داعم مهم حتى لو كان جزئياً، وقد كشفت الثورات العربية على أن الحفاظ على حياة شخص واحد هي من الأهمية بمكان للجميع، ويمكن أن يكون الفاعل الدولي، الذي لا نعطه وزناً، له دور في ذلك في مرحلة من المراحل.
2ـ أنه مع أهمية الاعتبارات والمحددات الداخلية، في أي دولة من دول الثورات العربية، وأن الرهان الأساسي على القوى الوطنية الفاعلة على الأرض، فإن ذلك لا يعني تجاهل البيئة الإقليمية والدولية وتأثيرها، سلباً وإيجاباً في مسار عمليات التغيير، في ظل التداخل اللامحدود بين الداخل والخارج، وتعدد الأطراف الداخلية التي لها امتدادات خارجية، يعزز ذلك الآن أن الفواعل الإقليمية والدولية هي التي تتحكم في إدارة المشاهد الثورية في كل دول الثورات، في تونس، ليبيا، مصر، اليمن، سوريا.
3ـ أن التركيز على الفواعل الدولية، في دول الجوار الجغرافي العربي، لا يعني تجاهل الفواعل الدولية في أقاليم مثل أميركا اللاتينية أو جنوب وجنوب شرق آسيا، لأن هذه الدول قد تكون ضغوط قوى الثورة المضادة عليها أخف وطأة من تلك التي تمارسها على دول الجغرافي العربي، ولعل ما تعرضت له قطر وتركيا والسودان والجزائر، من ضغوط نتيجة مواقفها من الثورات في الدول التي تجاورها خير شاهد.
4ـ أن الأولوية في النهوض بإدارة العلاقات الدولية للقوى الثورية تقع على كاهل قوى المعارضة السياسية المدافعة عن الثورات في الخارج، لأنها تمتلك من الإمكانيات والقدرات ما تستطيع به التحرك بشكل أكثر حركية من تلك القوى الموجودة في الداخل، شريطة أن لا ترهن قوى المعارضة في الخارج إرادتها لإرادات الدول التي تنطلق منها أو التي تقيم فيها، وتعمل على تعزيز حرية حركتها، تنسيقاً لا توجيهاً مع هذه الدول.
5ـ أن ضعف الإمكانيات المادية أو الخبرات البشرية أو الضغوط السياسية التي تتعرض لها بعض القوى الثورية في الخارج ليست مبررات لعدم الحركة في ملف إدارة العلاقات الدولية، عملاً بقاعدة “ما لا يدرك كله لا يترك كله”، حتى لو وقف الأمر عن الرصد والمتابعة وإدارة حملات الكترونية، وبناء شبكة علاقات وإعداد قواعد بيانات حول الفواعل الدولية وكيفية التعاطي معها.
6ـ أهمية الدور الذي تقوم به الجاليات المنتمية لدول الثورات، في مختلف دول العالم، سواء في تنظيم الفعاليات، وفق الضوابط القانونية في الدول التي تقيم بها، أو في نقل الخبرات في التعامل مع مكونات وفواعل هذه المجتمعات.
7ـ أهمية الدور الذي يمكن أن تقوم به المراكز البحثية والمؤسسات العلمية، ليس فقط كدائرة من دوائر الرصد والتوصيف والتحليل والتفسير والتنبؤ والاستشراف، ولكن أيضاً كمنصات أو مظلات لإدارة العديد من التفاعلات بين الفواعل ذات الصلة بقضايا الثورات العربية وتحولاتها الأساسية.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. كنت محتاج لمقالة أو دراسة مثل هذه لأتعلم منها كم تأثير العلاقات الدولية علي الواقع الذي نعيشه
    واريد ان اقرأ شيئاً مختصراً عن مدى تبعية حكوماتنا للدول التي كانت مسيطرة علينا قبل الاستقلال المزعوم وهل نحن فعلاً تحت الوصاية وما مدى سيطرتها علينا داخلياً وخارجياً

  2. مشكلة القوى الثورية تكمن في عدم قدرتها على التحرر من الهوى السياسي وهو ما يبقيها مقيدة وتحت نير العبودية. وعليه حتى تحقق هذه القوى مبتغاها يجب أن تمتلك مقومات ذاتية تعرف نفسها من خلالها فلا يجرفها اي تيار من فواعل العلاقات الدولية وانما تكون في ذات المستوى معه من التفاوض.

  3. هناك حاجه لملخص تنفيذى للبحث حيث أن العمق الأكاديمى لا يستوعبه الكثيرون ود\عصام بحكم متابعتى له فى الميديا له قدره على التبسيط والإيجاز غير المخل وبذلك تصل الرساله الى عموم الناس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close