fbpx
تقديرات

القوى الثورية المصرية وإدارة العلاقات مع تركيا

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة(1 ):

قبل ثورات الربيع العربي اختارت تركيا في ظل قيادة حزب “العدالة والتنمية”، والذي تولي مقاليد الأمور في البلاد بعد انتخابات 2002،  التوجّه لعمقها الاستراتيجي التاريخي، الشرق الأوسط، وتحديداً الجنوبي لها، وعزّزت تركيا علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول العربية والإسلامية، وتعاملت مع أنظمة الحكم القائمة، بعيدا عن التدخل في شؤون الدول وخصوصياتها.

وحين تفجّرت ثورات الربيع العربي وفاجأت الجميع بشكلها وتوقيتها، وجدت تركيا نفسها أمام تحد قاس واختبار صعب، في الاختيار بين الحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية التي نسجتها مع الأنظمة الحاكمة، وبين التزامها الأخلاقي باحترام قيم الديمقراطية ومناصرة الشعوب في سعيها للحرية والكرامة والنهوض بالواقع الذي تعيش في ظله.

وقررت حكومة “العدالة والتنمية” الرهان على المستقبل، والانحياز لقيمها وأخلاقياتها، والتكيف مع الواقع الجديد بتعقيداته وتحدياته، مع الحرص في ذات الوقت على تحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية، وعلى استثمار ما يتيحه التحوّل الجديد من فرص وما يفتحه من آفاق.

وبعد مرور عامين من تحولات الربيع العربي، اعتبر كثير من المحللين تركيا طرفا رابحا من هذه التحوّلات التي شهدتها المنطقة، لكنها مع انسداد الأفق الميداني والسياسي للثورة في سوريا، وانقلاب العسكر على الديمقراطية الوليدة في مصر، واضطراب الأوضاع في العراق وليبيا واليمن وتونس، باتت تواجه معادلات سياسية صعبة وتحديات حقيقية، تستدعي تبني مقاربات سياسية حكيمة، تمكّنها من مواجهة الأزمات، وتقليل التكلفة والخسائر، وتوسيع مساحات التحرك وهوامش المناورة، في التعامل مع بيئة سياسية مضطربة، وحالة سيولة وفوضى واسعة، نتجت عن  تدخلات إقليمية ودولية لإفشال ثورات الربيع العربي.

وهنا يأتي السؤال عن كيفية إدارة العلاقات مع تركيا من جانب القوى الثورية المصرية، خلال المرحلتين الراهنة والقادمة، بما يخدم أهداف الثورة المصرية، على المديين القريب والبعيد؟.

وللإجابة على هذا السؤال تم تقسيم هذه الورقة الى عدة محاورعلى النحو التالي:

  • المحور الأول: السياسة التركية: المبادئ والأهداف
  • المحور الثاني: تركيا وتداعيات الربيع العربي
  • المحور الثالث: مستقبل العلاقات التركية: التوقعات والفرص
  • المحور الرابع: السياسة التركية ومتطلبات إدارة المرحلة
  • المحور الخامس: القوى الثورية وإدارة العلاقات مع تركيا (على المستوى العاجل فقط و ليس على المستوى الاستراتيجي الذي يجري اعداده في ورقة منفصلة)

المحور الأول: السياسة التركية: المبادئ والأهداف:

اعتمدت الدبلوماسية التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم، سياسة بناء الشراكات، وتبادل المصالح وتنويع العلاقات، واحتفظت بهدوئها وحساباتها الواقعية، وتجنّبت الانفعال رغم تسارع المتغيرات إقليميا ودوليا، كانت محكومة في ذلك بعدد من المحددات والمبادئ والأهداف:

أولاً: محددات السياسة التركية في المنطقة:

هناك عدة عوامل أسهمت في وجود دور تركي فاعل، منها:

  • النظر إلى تركيا كدولة جوار جغرافي مهمة وكعمق استراتيجي للأقطار العربية.
  • مشتركات دينية وطائفية وثقافية، وعلاقات تاريخية مميزة.
  • وجود حالة فراغ سياسي في المنطقة في ظل انهيار النظام العربي.
  • الحاجة لدور تركي فاعل في المنطقة يوازن الدور الإيراني الذي ينحو منحى سلبيا ويتبنى مشروعا للهيمنة وبسط مساحات النفوذ، وينطلق من منطلقات طائفية.
  • النظرة الإيجابية لدى الشعوب العربية إزاء التجربة الناجحة لحزب العدالة والتنمية في إدارة الدولة وفي تحقيق نهضة شاملة شكّلت نموذجا ومصدر إلهام.

ثانياً: مبادئ السياسة التركية:

تنطلق السياسة الخارجية التركية من عدة مبادئ أساسية، منها:

1-  التوازن بين الأمن والديمقراطية.

2- تصفير المشكلات مع دول الجوار.

3- دبلوماسية سلام استباقية وقائية تحقق الأمن للجميع والاندماج الاقتصادي وتعايش الثقافات المتعددة.

4- الالتزام بسياسة خارجية متعددة الأبعاد، على قاعدة التكاملية لا التنافسية.

5- دبلوماسية متناغمة لتحقيق دور أكثر فاعلية لتركيا في العلاقات الدولية عبر التزام فاعل في المنظمات الإقليمية والدولية.

هذه المبادئ التي اعتمدتها الدبلوماسية التركية لفترة تزيد على عقد من الزمن (2002 – 2014)، حققت لتركيا نجاحات مهمة وحضوراً فاعلاً على المستويين الإقليمي والعالمي، ووضعتها في مقدمة الدولة المؤثرة في شؤون المنطقة سياسياً واقتصادياً واستراتيجياً.

فمنذ وصوله إلى السلطة عام 2002، عمل حزب العدالة والتنمية على تصحيح الخطأ، وسعى لتحقيق التوازن المطلوب، وانطلق من قناعة بأن الانضمام للاتحاد الأوربي والتحالف مع الولايات المتحدة وما يترتب على ذلك من توجهات، لا يتعارض بالضرورة مع الهوية الثقافية والتاريخية لتركيا.

وحرص “العدالة والتنمية” على تحقيق استقلالية القرار السياسي، وانطلق في توجهه لتعزيز العلاقات مع المنطقة العربية من رؤية واضحة لمكانة تركيا ودورها السياسي، أخذت بالحسبان محددات التاريخ والجغرافيا والمصالح الاستراتيجية العليا للدولة التركية.

وفي رؤية “العدالة والتنمية”، فإن الموقع الجيواستراتيجي الذي تتمتع به تركيا كجسر يربط قارتي أسيا وأوروبا ويطلّ على البلقان والعالم العربي والبحر الأسود والبحر المتوسط، والعمق التاريخي لتركيا الذي ارتبط بالإرث الثقافي والحضاري، يؤهلها لتجاوز حالة التبعية والأدوار الهامشية، ويتيح لها لعب دور قيادي محوري كقوة إقليمية عظمى، بل إن طموحات “العدالة والتنمية” تجاوزت البعد الإقليمي و”الدولة المركز”، وتطلّعت إلى أن تتحول تركيا إلى قوة عالمية مهمة.

وترجمت تركيا رؤيتها الجديدة للمنطقة بالسعي لتحقيق نموذج من التكامل الإقليمي، وعملت على إنشاء روابط قوية مع سورية وإيران والعراق وليبيا، وتولت قيادة المؤتمر الإسلامي، وشاركت كطرف مراقب في اجتماعات جامعة الدول العربية، وساهمت في قوات الأمم المتحدة في لبنان، وتوسطت في الصراع السوري الإسرائيلي وفي الملف النووي الإيراني،  كما قدمت نفسها كوسيط حضاري بين الغرب وبين الإسلام السياسي والعالم العربي، وطرحت نفسها كقوة ديمقراطية تستند إلى الإرث الإسلامي. ومن الناحية الاقتصادية انفتحت تركيا على المنطقة العربية، وزاد إجمالي التجارة بينها وبين دول المنطقة من 4.4 مليار دولار عام 2002 إلى ما يقارب 26 مليار دولار في العام 2012 .

ثالثاً: أهداف السياسة التركية في المنطقة:

حرصت تركيا على نسج علاقات جيدة مع الحكومات والشعوب في آن واحد، وأظهرت اهتماما واضحا بأن تحظى سياساتها بالقبول، وحرصت على تأكيد رغبتها بالشراكة، وكان واضحا أن السياسة التركية تسعى لتحقيق جملة أهداف رئيسة في المنطقة، من أبرزها:

1ـ تأكيد حضور تركيا وتكريس مكانتها الإقليمية، كقوة مركزية تسهم في تحقيق الاستقرار، وكطرف فاعل في معالجة الأزمات والصراعات في المنطقة.

2ـ تحقيق شراكة استراتيجية مع دول المنطقة.

3ـ تحقيق مصالح تركيا الاقتصادية وتعزيز التبادل التجاري مع دول المنطقة.

4ـ الإسهام في مشروع التحوّل والتغيير الديمقراطي في المنطقة، وتقديم نموذج ديمقراطي حداثي معتدل.

5ـ كسر حدّة التطرف الديني والقومي داخل الحدود وفي الإقليم.

6ـ معالجة مشكلة الأقليات القومية والحدّ من الانقسامات العرقية والطائفية.

المحور الثاني: تركيا وتداعيات الربيع العربي:

مع أن الثورات الشعبية في العالم العربي كانت مرغوبة، لكنها لم تكن متوقعة بالنسبة للسياسة الخارجية التركية التي شكّل لها الربيع العربي تحديا حقيقيًا وفتح أمامها في ذات الوقت نافذة فرص، وأتاح لها تقديم نفسها كنموذج لديمقراطية إسلامية ناجحة.

ترددت الحكومة التركية بداية الأمر في حسم طريقة الاستجابة للثورات الشعبية، بخاصة حين انتقلت الثورات من تونس ومصر إلى ليبيا وسوريا، لكنها أكدت منذ اللحظة الأولى وقوفها إلى جانب المطالب الشعبية المشروعة، واختارت كدولة ديمقراطية الانحياز لدعم مسار التحوّل الديمقراطي، وأكدت قناعتها بأنه لا مفرّ من التغيير في المنطقة صوب التعبير عن إرادة الشعوب.

موقف تركيا المنسجم مع تطلعات الشعوب ومع توقها للنهوض والحرية والكرامة، اصطدم بمواقف الأنظمة المتضررة من الربيع العربي والتي وقفت موقفا سلبيا من التغيير الديمقراطي وأظهرت فيما بعد موقفا مساندا للانقلاب على إرادة الشعوب، واصطدم كذلك بموقف أطراف إقليمية ودولية انحازت لمصالحها وهواجسها، وأغمضت العين عن الممارسات غير الديمقراطية، وعن الانقلاب على شرعية صناديق الاقتراع، ووفّرت الضوء الأخضر للانقلاب على خيارات الديمقراطيات الوليدة.

وثمة من يرى أن ردود الفعل المتواطئة مع الانقلابات أو الصامتة عنها، كانت تستهدف في ذات الوقت تطلعات تركيا وطموحاتها في الإقليم.

أولاً: انعكاسات الربيع العربي على تركيا:

يمكن الوقوف على جملة من الانعكاسات للربيع العربي على تركيا، البعض منها كان إيجابيا، لا سيما خلال الفترة الأولى من ثورات الشعوب، والبعض الآخر منها كان سلبيا، خاصة بعد الانقلاب العسكري في مصر منتصف العام 2013 ، ومن أبرز هذه الانعكاسات:

1ـ شكّل الربيع العربي فرصة لتركيا لقيادة مسار التغيير والتحوّل الديمقراطي في المنطقة، وتحوّلت التجربة التركية في مجال التنمية والديمقراطية والنهضة الشاملة والانفتاح الفكري والسياسي، إلى نموذج يحتذى في المنطقة.

2ـ عزّز تأييد تركيا لثورات الربيع العربي وانحيازها للتطلعات الشعبية، من صورتها الإيجابية في وجدان الشعوب العربية، وباتت تحتل مكانة مرموقة وتقديرا واحتراما مميزين.

3ـ زادت فاعلية تركيا في المنطقة، وتعاظم دورها السياسي الإقليمي في العامين 2011 و 2012 وحتى منتصف العام 2013، لكن الانقلاب العسكري في مصر في يوليو 2013، أثّر بصورة سلبية في فاعلية هذا الدور، ووضع تركيا أمام تحديات صعبة.

4ـ عززت علاقات تركيا المميزة مع القوى السياسية الفاعلة، بخاصة الإسلامية المعتدلة، من قدرة تركيا على لعب أدوار ووساطات في العديد من قضايا المنطقة، وزادت من حاجة الأطراف الدولية لدور سياسي تركي نشط في الإقليم. 

5ـ موقف تركيا من الربيع العربي وانحيازها لخيارات الشعوب أدى إلى إعادة النظر في سياسة “صفر مشاكل”، حيث اضطرت لاتخاذ مواقف إزاء الأحداث الساخنة التي شهدتها المنطقة.

6ـ أدّى الاضطراب السياسي في المنطقة إلى زيادة الخلاف بين الأطراف الإقليمية، ومهّد الطريق لعداء استراتيجي معلن بين الأطراف الفاعلة (تركيا، إيران، السعودية، مصر). وكانت تركيا سعت حثيثًا في السنوات التي سبقت الربيع العربي للقضاء على الخصومات الإقليمية ولبناء بيئة سياسية إقليمية أكثر استقرارا.

7ـ أثّر موقف تركيا الداعم لثورات الشعوب العربية سلبا في علاقاتها السياسية والاقتصادية مع الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول العربية، وجعلها عرضة لحملة تحريض واستهداف من دول محور الثورة المضادة التي انقلبت على الربيع العربي. وقد لجأت بعض الدول الخليجية إلى الأدوات الاقتصادية للضغط على تركيا، فضلا عن الأدوات السياسية المتاحة عبر العلاقة مع الإدارة الأمريكية و(إسرائيل)، والعبث في الساحة الداخلية في أزمة ميدان جيزي وفي العلاقة مع جماعة فتح الله غولن ومحاولات التأثير في نتائج الانتخابات.

8ـ انخفض حجم الصادرات التركية إلى عدد من دول الربيع العربي، غير أن ذلك لم يؤثر في قوة الاقتصاد التركي الذي استطاع تعويض الخسائر وزيادة الصادرات إلى دول أخرى في المنطقة.

ثانياً: الربيع العربي والانعكاسات على الوضع التركي الداخلي:

انعكست تطورات الربيع العربي بصورة مباشرة على الوضع الداخلي:

1ـ موقف الحكومة من الأزمة السورية، وعلاقاتها المتوترة مع النظام الانقلابي في مصر، وتوتر العلاقات مع العراق، وتدهورها مع (إسرائيل)، فتح المجال لأحزاب المعارضة لتوجيه انتقاداتها لحكومة “العدالة والتنمية” على ما اعتبرته إخفاقات للسياسة الخارجية . واتهمت المعارضة الدبلوماسية التركية بعدم القدرة على العمل بشكل فعّال، وبأن خياراتها السياسية استندت إلى اعتبارات أيديولوجية لا اعتبارات سياسية مصلحية، وبأنها فقدت نتيجة ذلك مرونتها السياسية وعزلت نفسها إقليميا وألحقت الضرر بمصالح تركيا وعلاقاتها مع كثير من الأطراف الإقليمية والدولية.

2ـ انعكست الانقسامات الدينية والطائفية والعرقية في سوريا والعراق، بصورة مباشرة على الوضع الاجتماعي داخل تركيا، نتيجة امتدادات المجموعات العرقية والطائفية عبر الحدود، ومحاولات بعض الأطراف الخارجية اللعب على ورقة التناقضات الاجتماعية فيما يتعلق بالعلويين والأكراد، ما شكّل تحديا لسلامة الوضع المجتمعي.

3ـ ترتّب على انقلاب محور الثورة المضادة على الربيع العربي جملة تحديات أمنية، أهمها: اضطراب أمني وغياب للاستقرار عن المنطقة ودخولها حالة من الفوضى والسيولة الشديدة، وتوترات على الحدود التركية مع سوريا والعراق، وتدفق اللاجئين السوريين واللاجئين الأكراد من العراق، هذا بجانب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مناطق واسعة في العراق وسوريا بينها مناطق حدودية أو قريبة من الحدود كما حدث في عين العرب (كوباني).

ثالثا: العلاقات التركية المصرية بعد ثورة يناير:

سارعت تركيا إلى دعم الثورة المصرية، ودعت الرئيس المخلوع حسني مبارك منذ اليوم السادس للاحتجاجات الشعبية إلى الاستجابة لإرادة الشعب المصري، ووقّعت بعد الثورة العديد من الاتفاقات التجارية لتبلغ الاستثمارات التركية مع مصر ما يقارب ملياري دولار، ورأت في مصر ما بعد الثورة حليفا استراتيجيا يمكن الرهان عليه للتقدم نحو مستقبل أفضل للمنطقة.

غير أن الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 ألحق أضرارا فادحة بالعلاقات المصرية التركية، حيث عبّرت تركيا صراحة عن دعمها للشرعية الديمقراطية، ورفضت الاعتراف بسلطات الانقلاب، وتم تبني شعار رابعة ، وشهدت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين توترا واضحا انتهى بسحب السفراء وقطع العلاقات الدبلوماسية.

كما انعكس موقف تركيا الداعم للشرعية في مصر والمعارض للانقلاب، بصورة سلبية على علاقات تركيا بأطراف إقليمية ودولية عديدة في مقدمتها السعودية والإمارات و(إسرائيل) وإلى حد ما مع الولايات المتحدة، كذلك عملت مصر على إلغاء اتفاقية (الرورو) لنقل البضائع الى الخليج العربي والتي تقدر قيمتها بـنحو 15 مليون دولار، وانعكست حالة التوتر على ملف استخراج الغاز في البحر المتوسط، إذ عملت مصر على التحالف مع القبارصة اليونان ومع اليونان لدعم مطالبهم باستخراج الغاز من المناطق المتنازع عليها.

كما أن الاستثمارات التركية في مصر تعرضت للتهديد بفعل التوتر في العلاقات بين البلدين. يذكر أن حجم الاستثمارات يقدّر ما بين ثلاثة مليارات دولار إلى خمسة مليارات، كما أن هناك 250 شركة تركية عاملة في مصر. وكانت تركيا تطمح قبل الانقلاب إلى رفع حجم التبادل التجاري مع مصر من خمسة إلى عشرة مليارات دولار، غير أن هذه المشاريع تعطلت بالكامل.

المحور الثالث: مستقبل العلاقات التركية: التوقعات والفرص

يمكن في إطار هذا المحور التمييز بين ثلاث مستويات أساسية:

المستوى الأول: التوقعات المستقبلية للعلاقات التركية:

1ـ من المتوقع استمرار حاجة الأطراف الدولية لدور تركيا وعلاقاتها مع القوى المؤثرة في المنطقة، بل إن الحاجة لهذا الدور تتزايد في ظل التحديات التي تواجهها الأطراف الدولية في إدارة الملفات الإقليمية الشائكة، ما يعزّز فرص تركيا في المحافظة على دور إقليمي مؤثر برغم التحديات التي تواجهها وعمليات الاستهداف التي تتعرض لها.

2ـ من المتوقع أن تحافظ تركيا على صورتها الإيجابية لدى الشعوب، وأن يستمر النموذج التركي والتجربة الناجحة في مجال الاقتصاد والتنمية والحرية، مصدر إلهام لشعوب المنطقة، ما يؤهل تركيا لمواصلة دورها في قيادة مشروع التغيير الديمقراطي الذي يواجه كثيرا من المعوقات في الوقت الحالي، لكن من المتوقع أن يحقق نجاحات مهمة على المديين المتوسط والبعيد، ما يدعو إلى مزيد من الصبر وعدم التعجّل.

3ـ من المتوقع أن تبقى أنقرة محط اهتمام المعارضة السورية ومركز الثقل الأساسي، ما يعزّز احتفاظ تركيا بأوراق مهمة في الأزمة السورية. ولا يتوقع أن يحدث تغير جوهري في الموقف التركي تجاه الأزمة السورية، بل من المتوقع أن تسعى للعب دور أكثر فاعلية.

4ـ من غير المتوقع انفراج العلاقات الإسرائيلية التركية في المدى القريب، ومن المتوقع أن يستمر الفتور والتوتر نتيجة التوجهات المتشددة للحكومة الإسرائيلية اليمينية وانحياز (إسرائيل) لمحور الثورة المضادة الذي يناصب تركيا الخصومة.

5ـ من المتوقع أن تواصل دول محور الثورة المضادة (السعودية، الإمارات، الكويت، الأردن، إسرائيل) مساعيها لإلحاق الضرر بتركيا سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وأن تستمر في حملات التحريض الإعلامي ضد حكومة العدالة والتنمية، في ظل عدم حصول تغيرات جوهرية في توجهات تلك الدول إزاء الأوضاع في المنطقة، وفي ظل استمرار حالة القطيعة مع تركيا.

6ـ رغم ما تتعرض له الحركات الإسلامية المعتدلة من استهداف على أكثر من صعيد نتيجة قلق بعض الأطراف الإقليمية من قوة حضورها وتأثيرها في المنطقة، من المتوقع أن تتمكن تركيا من تجاوز كثير من التحديات التي تواجهها، كما من المتوقع أن تستمر العلاقات إيجابية بين تلك الحركات وبين تركيا التي لا تقصر علاقاتها على الحركات الإسلامية المعتدلة، بل تنفتح على مختلف القوى الديمقراطية التي تؤمن بالحرية والكرامة والتغيير للأفضل.

7ـ من المتوقع أن يستمر التجاذب بين القوى الإقليمية المؤثرة في المنطقة، وأن تستمر أطراف المحور الإيراني ومحور الثورة المضادة في العمل ضمن تكتلات وأحلاف سياسية لتحقيق أهدافها وإنجاح توجهاتها، وأن تواصل استهداف تركيا وقطر والحركات الإسلامية ومعاملتها كمحور وكتلة سياسية واحدة، بغض النظر عن حقيقة وجود محور يجمع هذه الأطراف من عدمه.

8ـ من المتوقع أن تتواصل حالة الجمود في الأزمة السورية دون حل عسكري أو سياسي وشيك، نتيجة غياب الإرادة الإقليمية والدولية بإيجاد حلّ للصراع المحتدم، ما يجعل تركيا عرضة لاستمرار التأثيرات الأمنية والاجتماعية المترتبة على الأزمة.

9ـ من غير المتوقع حصول تغيير جوهري في مسار الأحداث في مصر، كما لا  يتوقع حصول تغيير جوهري على طبيعة العلاقات التركية المصرية في ظل تمسك تركيا “العدالة والتنمية” بموقفها المبدئي الرافض للانقلابات العسكرية، واستمرار النظام المصري في مواقفه السلبية تجاه تركيا.

10ـ من المتوقع حصول مزيد من التقارب في العلاقات التركية العراقية في ظل التحسن النسبي الذي حصل مؤخرا، وفي ظل حاجة العراق لدور تركي إيجابي في مواجهة الأزمة مع تنظيم الدولة ومع العرب السنّة.

11ـ من المتوقع أن تواصل إيران التعامل مع تركيا كمنافس سياسي قوي على النفوذ في المنطقة، وأن تسعى لتحجيم دورها الإقليمي، وأن تسعى في ذات الوقت لتهدئة التوتر معها بسبب الحاجة لدورها في العراق.

12ـ من المتوقع أن تستمر حالة الاستقطاب الطائفي والعرقي في المنطقة، لكن من المتوقع أن يتراجع حجم التأثيرات السلبية للأبعاد الطائفية والعرقية على الوضع الداخلي التركي، بفعل التعاطي الحكومي الهادئ والقدرة على استيعاب الانعكاسات السلبية للأزمات عبر الحدود. كما من المتوقع تراجع قدرة الأطراف الخارجية على العبث بالساحة السياسية الداخلية، بفعل اليقظة والتنبه للمؤامرات الخارجية وغياب عامل المفاجأة، واستمرار نجاحات الحكومة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. 

المستوي الثاني: الفرص المتاحة أمام تركيا في تفاعلاتها الخارجية:

1ـ التأكيد على دور تركيا كضامن للاستقرار في المنطقة، وطرح مبادرة إقليمية من أجل:

  • إنهاء حالة الفوضى والارتباك التي تسود المنطقة.
  • معالجة بؤر التوتر، ومواجهة الأخطار التي تهدد الاستقرار الإقليمي.
  • مكافحة التشدد والتطرف و”الإرهاب”، وتعزيز التوجهات المعتدلة في الإقليم.
  • مواجهة الاستقطابات والانقسامات الطائفية والعرقية، وتعزيز الوحدة المجتمعية.

2ـ بناء تحالف إقليمي بقيادة تركيا يضم دولا وحركات سياسية ديمقراطية تلتقي مع التوجهات التركية في السعي للنهوض بواقع الأمة.

3ـ طرح مشاريع اقتصادية إقليمية عابرة للحدود، تكون مدخلا لتبادل المصالح وتعزيز العلاقات السياسية وتعزيز التعاون الإقليمي.

4ـ طرح مبادرة لمواجهة الانقسامات الطائفية والعرقية ومواجهة أخطارها على استقرار المنطقة وعلى وحدة مجتمعاتها.

5ـ استثمار التصعيد الحالي في مدينة القدس والمسجد الأقصى، والمبادرة للدعوة إلى قمة إسلامية لحماية المدينة والمسجد وللتصدي للمخططات الإسرائيلية.

6ـ بلورة مبادرة للوصول إلى مقاربة (فكرية، سياسية، أمنية، عسكرية) على المستوى الإقليمي والدولي لمواجهة ظاهرة التطرف والتشدّد وتعزيز الفكر المعتدل.

7ـ الاستفادة من التقارب السعودي المصري مع روسيا، والذي يثير المخاوف الامريكية والاضطراب في صفوف التحالف الغربي في ظل الصراع الاوكراني، لتعزيز مكانة تركيا لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

8ـ استثمار علاقات تركيا مع الحركات الإسلامية لتسويق قدرة تركيا على “عقلنة” التيار الإسلامي، وعلى مواجهة الفكر المتطرف.

المستوى الثالث: الخيارات والبدائل المتاحة للحركة:

عند النظر في واقع التحالفات والتوازنات الإقليمية، يلاحظ ما يلي:

1ـ تتمتع تركيا بأوراق قوة مهمة، وتمتلك أدوات سياسية واقتصادية مؤثرة. وفضلا عن طبيعة النظام الديمقراطي، فإن حالة الاستقرار السياسي الجيدة تتيح لها إدارة علاقاتها الخارجية بكفاءة.

2ـ تعتمد إيران في سياستها الخارجية وفي تعزيز حضورها الإقليمي على أدوات طائفية وعسكرية، فيما تعتمد دول الخليج على أدوات مالية يعزّزها التحالف مع (إسرائيل) التي تملك نفوذا مهما في الولايات المتحدة وأوروبا عبر اللوبي الصهيوني.

3ـ يعاني الحلف الخليجي من أزمة الحكم في دول الخليج وهرم العديد من القادة، والاعتماد على الأداة المالية فقط كأداة تأثير.

4ـ تعاني (إسرائيل) من التطرف والعزلة وموجة احتجاجات قوية في القدس والضفة الغربية والمناطق المحتلة عام 1948 ، فضلا عن تعطّل ماكنتها العسكرية وتراجع قوة ردعها.

5ـ تسعى روسيا إلى دعم التحالف الإيراني، وإلى التقارب مع مصر، غير أنها عاجزة حتى اللحظة عن الوصول إلى حل سياسي في سوريا بعيدا عن إيران، ما يجعل دورها في سوريا أقرب للوسيط في التعامل مع إيران ومع دول الخليج التي أبدت رغبة في الآونة الأخيرة بزيادة الانفتاح على روسيا، وهو ما يثير حفيظة الولايات المتحدة إزاء التوجهات السعودية والمصرية.

6ـ اعتماد التحالف الإيراني السوري على الأداة الطائفية في سوريا ولبنان واليمن والعراق، يجعل قدرته على التمدد والتوسّع محدودة وفي حالة استنزاف وتصارع دائم، كما أنه يعتمد على القوة العسكرية ويفتقد إلى أدوات اقتصادية فعّالة، ويعاني من عزلة دولية وإقليمية.

7ـ تسعى روسيا للعب دور داعم لإيران في ملفها النووي وفي مواجهة العقوبات الاقتصادية، وهي بذلك تعقّد الحسابات الأمريكية وترفع الكلف وتجعل من تركيا خيارا لا يمكن الاستغناء عنه غربيا لمواجهة التحولات والتقلبات في الموقف الإيراني والعربي. وتستطيع تركيا أن تعزز دورها في حال تعثّر التحالف الإيراني وتعقّدت الحسابات الأمريكية.

8ـ التحدي الأساسي يكمن في مدى قدرة تركيا على تفعيل أدواتها وجعلها أكثر تأثيرا في إدارة الملفات السياسية الخارجية.

وفي إطار هذه الاعتبارات تقف السياسة الخارجية التركية أمام ثلاثة خيارات رئيسة لإدارة المرحلة القادمة:

الخيار الأول: العودة إلى سياسة “تصفير المشاكل”.

الأهداف والدوافع:

  • تخفيف الاحتقانات مع القوى الإقليمية والدولية، وتحسين العلاقات المتوترة مع العديد من الأطراف.
  • تقليل الخسائر السياسية والاقتصادية والتخفيف من الأعباء الأمنية.
  • وقف الاستهداف والتحريض ومحاولات الاستنزاف والعبث الخارجي في الساحة الداخلية.

التوجهات:

  • الانكماش والتراجع عن لعب أدورا فاعلة ومباشرة في أزمات المنطقة.
  • التراجع عن دعم مسار التغيير الديمقراطي وعن إسناد الثورات الشعبية.
  • اتخاذ موقف محايد من الانقلابات العسكرية.
  • تجميد الخلافات والتناقضات مع محور الثورة المضادة.
  • تحسين العلاقات مع إيران وتجاوز نقاط الخلاف والتباين معها.
  • تقليص الدعم للشعب الفلسطيني، وتبريد التوتر مع (إسرائيل)، والسعي لتحسين العلاقات، بما يمكّن من لعب دور الوسيط في الصراع العربي الإسرائيلي.
  • تغيير الموقف من الثورة السورية، وإعلان موقف محايد إزاءها.
  • التخفّف من عبء العلاقة مع الحركات الإسلامية المعتدلة.

مدى واقعية هذا الخيار:

  • إذا كانت سياسة “تصفير المشاكل” نجحت وأثبتت كفاءتها في فترات سابقة في ظل عدم وجود مواقف سلبية وتحفظات مسبقة لدى الأطراف الإقليمية تجاه دور تركي فاعل، فإن الأمر اختلف بصورة كبيرة بعد مواقف تركيا المعلنة تجاه ثورات الربيع العربي، بحيث يبدو الحديث عن العودة إلى خيار “تصفير المشاكل” غير واقعي.
  • حتى لو ابتعدت تركيا ونأت بنفسها عن أزمات المنطقة ومشكلاتها واختارت العودة من خطوط الهجوم إلى الدفاع، فإن ذلك لن يعفيها من تحمّل تداعيات تلك الأزمات وارتداداتها، بل إنه قد يعرّضها لمخاطر أكبر حين تتحول من طرف فاعل قادر على توجيه الأحداث والتأثير في مسارها، إلى طرف سلبي متأثر وغير مؤثر.
  • قد يخفف هذا الخيار من درجة التوتر في علاقات تركيا مع بعض الأطراف الإقليمية، غير أن المرجّح عدم تأثيره بصورة جوهرية على محاولات تلك الأطراف لاستهداف تركيا وإضعافها ومحاصرتها. ومن المتوقع أن تفسّر تلك الأطراف الموقف الجديد لتركيا كمظهر من مظاهر الضعف يغري بمزيد من الابتزاز.
  • يؤثر هذا الخيار سلبا على علاقة تركيا بشعوب المنطقة، ويفقدها أوراق قوة مهمة لحماية مصالحها وتعزيز حضورها.
  • هذا الخيار يمكن أن يؤدي إلى مغادرة تركيا لموقعها الإقليمي، وتحجيم قدرتها على التأثير والمناورة، وغيابها كلاعب إقليمي، لتتحوّل إلى لاعب هامشي يتحرك في إطار الدور المرسوم له أمريكيا وإقليميا، بشكل يفقدها استقلاليتها السياسية والاقتصادية، على الرغم من أنه قد يحقّق لها مكاسب اقتصادية وسياسية آنية سرعان ما تتبخر.

الخيار الثاني: الحفاظ على التوجهات والسياسات الحالية:

وذلك بالاستمرار في الموقف الأخلاقي الداعم للمسار الديمقراطي والرافض للانقلاب على إرادة الشعوب.

الأهداف والدوافع:

  • المحافظة على دور تركيا الفاعل والمؤثر في مجريات الأحداث في المنطقة، وعدم السماح بتهميش دورها أو تجاهل مصالحها لدى رسم المعادلات السياسية المستقبلية.
  • المحافظة على صورة تركيا الإيجابية وتميّزها الأخلاقي في نظر شعوب المنطقة.
  • الاحتفاظ بأوراق قوة مهمة في إدارة السياسة الخارجية تتمثل في علاقاتها المميزة مع القوى السياسية المهمة في المنطقة.

التوجهات:

  • مواصلة دعم مسار التغيير الديمقراطي، والاستمرار في إسناد الثورات الشعبية وفي اتخاذ موقف معارض للانقلابات العسكرية.
  • عدم التصعيد مع محور الثورة المضادة، وفي ذات الوقت عدم تقديم تنازلات.
  • الاستمرار في العلاقات الحالية مع إيران، ومحاولة تجاوز أزمة العلاقات معها.
  • مواصلة الموقف الحالي في العلاقة مع (إسرائيل)، والاستمرار في دعم الشعب الفلسطيني وفي رفض العدوان والحصار.
  • الاستمرار في الموقف الحالي من الثورة السورية، والتمسك بدور مؤثر في مسارها.
  • المحافظة على العلاقات مع القوى الديمقراطية في المنطقة وفي مقدمتها الحركات الإسلامية المعتدلة.

مدى واقعية الخيار:

  • لا يترتب على هذا الخيار تغيير جوهري في توجهات السياسة الخارجية الحالية، ما من المتوقع استمرار المعطيات الراهنة في علاقات تركيا مع الأطراف المختلفة.
  • يتيح لتركيا الاحتفاظ بأوراق قوتها الحالية، وفي ذات الوقت يفرض عليها مواجهة التحديات القائمة.
  • لا ينطوي على قدر كبير من المغامرة، لكنه لا يفتح نافذة فرص جديدة، ولا يعزّز القدرة على التعامل مع التحديات بكفاءة أكبر، حيث ستواصل تركيا مواجهة عملية الاستهداف ومحاولات الاستنزاف والإشغال من قبل المحاور الإقليمية الأخرى بصورة فردية وبذات الأدوات الحالية.
  • ارتفاع التكلفة الاقتصادية والسياسية والأمنية على تركيا، ونشوء تكتلات جديدة تستهدفها كالتكتل المصري اليوناني، أو التكتل السعودي الروسي، أو الأمريكي الإيراني.

الخيار الثالث: المبادرة والتقدّم إلى الأمام:

والخروج من حالة الارتباك ومغادرة مساحات التردد، وتجميع جهود الشركاء الاستراتيجيين في مواجهة التحديات.

الأهداف والدوافع:

  • الإمساك بزمام المبادرة، والخروج من مساحة ردود الأفعال.
  • زيادة تأثير تركيا وفاعليتها في مجريات الأحداث في المنطقة.
  • الخروج من الأجواء الضاغطة والمربكة التي تشكل استنزافا مؤذيا، ومغادرة موقع الدفاع والتحفّظ والتصدي للهجمات، إلى حالة الهجوم والاشتباك السياسي الإيجابي.
  • إنهاء حالة تبعثر الجهود والإدارة الفردية للملفات السياسية، والانتقال إلى حالة قوية من التنسيق وتكامل الأدوار.
  • هيمنة سياسة المحاور على الوضع السياسي في المنطقة، وعدم تردّد الأطراف الأخرى عن استهداف تركيا والمتوافقين مع توجهاتها السياسية بصورة جماعية اعتمادا على قوة المجموع وتنويع الخيارات وتنسيق الهجوم، ما يجعل استمرار حالة تبعثر الجهود والإدارة الفردية للملفات السياسية أمرا مؤذيا لتركيا وأصدقائها، ولا يحقّق مواجهة  كفؤة للتحديات، ولا يمكّن من استثمار أفضل للفرص المتاحة.
  • التأييد الشعبي والرغبة القوية بتحقيق هذا الإنجاز كمدخل مهم لتعزيز المسار الديمقراطي في المنطقة.

السياسات والتوجهات:

  • بناء تحالف إقليمي سياسي فاعل، يعمل ضمن رؤية مشتركة ويتحرك بقوة المجموع.
  •    تنويع العلاقات والانفتاح على الأطراف الإقليمية والدولية على قاعدة الندية  والاحترام والمصالح المتبادلة، والسعي لبناء شراكات وتحالفات سياسية واقتصادية.
  • تبادل المنافع بين أطراف التحالف، وتوظيف نقاط القوة ضمن عملية مهدّفة لتكامل الأدوار لصالح الجميع.
  • تعزيز الدعم للثورات الشعبية في مصر وسوريا وليبيا واليمن.
  • بلورة استراتيجية مشتركة لإدارة المرحلة بما يحقق المصالح العليا للأمة، ويسهم في إنجاح مسار التغيير الديمقراطي والثورة الشعبية.
  • استثمار تركيا لعلاقاتها الإيجابية مع القوى الشعبية والحركات السياسية المعتدلة، من أجل تعزيز دورها كوسيط إقليمي فاعل في العديد من القضايا والأزمات العالقة،وكطرف مؤهل لمواجهة تهديد التشدد والتطرف والعنف في الإقليم.

مدى واقعية الخيار:

  • توفّر شركاء متحمسين للتحالف ولتكامل الأدوار، يتمتعون بثقل جيد ويملكون أوراق قوة مهمة يمكن توظيفها بصورة أفضل في سياق عمل تحالفي، وعدم وجود تحفظ لدى هؤلاء الشركاء على قيادة تركيا لهذا الجهد، بل يرّحبون بذلك. 
  • الخشية من بعض السلبيات التي يمكن أن تترتب على تشكيل التحالف، يقابلها سلبيات أكبر بكثير تنجم على استمرار الوضع القائم، حيث تصر الأطراف الأخرى على معاملة تركيا وأصدقائها كتحالف صلب، وتنطلق في مواقفها من هذه القناعة.

الترجيح بين هذه الخيارات:

الخيار الثالث هو الأقوى ترجيحا، والأكثر فاعلية، والأقرب إلى رؤية تركيا الاستراتيجية ومصالحها العليا. لأن التفكير بالخيار الأول يقترب من أن يكون نوعا من الانتحار السياسي. حيث تمرّ المنطقة بمرحلة إعادة بناء وتشكّل وتنافس على النفوذ والأدوار، والتوجّه للخروج من المعادلة مبكرا أو الوقوف في مساحات الحياد أو الثبات في ذات المكان، من شأنه أن يسمح للآخرين الظفر بالتمدد في نفوذهم حتى حدود تركيا، كما أنه لا يساعد على مواجهة الأزمات واغتنام الفرص وإدارة الأداء السياسي بأعلى درجة ممكنة من الكفاءة والفاعلية والانكماش بشروط القوى الإقليمية والدولية لن يوقف محاولاتها لتحجيم دور تركيا الإقليمي عند حدود. 

الا أنه من المتوقع أن تستمر تركيا في تبني الخيار الثاني على الأقل حتى الانتخابات البرلمانية القادمة في يونيو 2015، و سوف تتوقف قدرة تركيا على تبني الخيار الثالث على عدة عوامل، منها نتائج الانتخابات البرلمانية و مدى قدرة حزب العدالة و التنمية على التحكم في مسارات السياسة الخارجية التركية طبقا لتلك النتائج، و منها تطورات المواقف في بلدان الربيع العربي، و تطورات الموقف على الساحة الاقليمية و الدولية، و أخيرا قدرة الأطراف الأخرى في التحالف المرغوب على اقناع تركيا بجدارتها بالشراكة الاستراتيجية معها.

المحور الرابع: السياسة التركية ومتطلبات إدارة المرحلة:

إن الإدارة التركية الفاعلة للتطورات الراهنة يتطلب التأكيد على عدد من المتطلبات الأساسية، وذلك على النحو التالي:

  • تعزيز حضور تركيا ودورها كفاعل إقليمي رئيس في قضايا المنطقة، ومواجهة  محاولات تهميشها ومحاصرة تأثيرها وتقزيم دورها، واستعادة زمام المبادرة، والخروج من حالة الارتباك الناجمة عن عمليات الاستهداف الإقليمي والدولي وعن حالة الفوضى والسيولة التي تشهدها المنطقة، والعمل على تعزيز الصورة الإيجابية لتركيا لدى شعوب المنطقة، واستثمار العلاقات الجيدة مع القوى السياسية الفاعلة.
  • العمل على زيادة الجهود من أجل إنجاح مسار التغيير الديمقراطي في المنطقة وإفشال محاولات  الانقلاب على الإرادة الشعبية، والسعي في هذا الإطار نحو بناء تحالف إقليمي بقيادة تركيا يضم دولا وحركات سياسية ديمقراطية تلتقي مع التوجهات التركية في النهوض بواقع الأمة، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية وتنويعها، وتفكيك تحالفات الخصوم، ومعالجة اختلال ميزان القوى في ظل هيمنة سياسة الاستقطابات والمحاور الإقليمية، وتحقيق المزيد من الانفتاح على القوى المؤثرة إقليميا ودوليا، والبحث عن تقاطعات المصالح والقواسم المشتركة.
  • معالجة الانعكاسات السلبية للخلافات السياسية مع العديد من الأطراف الإقليمية على العلاقات الاقتصادية مع تركيا، وامتلاك المزيد من المرونة السياسية، وتوسيع هوامش التحرك والمناورة، واعتماد خطاب سياسي هادئ، والابتعاد عن التشنج واستفزاز الخصوم، بحيث يكون شعار المرحلة القادمة “سياسات أكثر تأثيرا وأقلّ استفزازا وإثارة للصخب والضجيج”، تبديد التخوفات، وتوجيه رسائل الطمأنة، وتهدئة المتوجسين من التوجهات التركية، دون التخلي عن المصالح التركية العليا والدور الإقليمي الفاعل، وتعزيز العلاقة مع قطر، وتطويرها من الصداقة إلى التحالف.
  • مواجهة النزعات الانفصالية وخطر التقسيم، وطمأنة الأقليات الدينية والطائفية والعرقية ومعالجة تخوفاتها، والحيلولة دون استغلالها في تعزيز حالة الفوضى وتعطيل مسار التغيير الديمقراطي.
  • الحفاظ على علاقة قوية مع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا باعتبارهما اللاعبين الأساسيين اللذين تسعى مختلف الأطراف لاستمالتهما إلى جانبها، بحيث يصعب إقصاؤها أو استهدافها وعزلها بالكامل، لحاجة روسيا لتركيا اقتصاديا وسياسيا في القوقاز، ولحاجة أمريكا لها في موازنة النفوذ الإيراني ومواجهة الأزمة السورية التي يصعب إدارتها بفاعلية بدون تركيا، وكذلك الحال بالنسبة لأزمة التحالف الدولي في مواجهة المجموعات المتشددة. 
  • الانفتاح اقتصاديا على روسيا وإيران، والاستفادة من العقوبات الغربية لتعويض خسائر تركيا في مناطق أخرى، والعمل على تشكيل مؤسسة تركية عربية مشتركة تعنى بالتفاعل والتواصل الحضاري مع النخب الفكرية والسياسية المؤثرة في العالم.

المحور الخامس: القوى الثورية وإدارة العلاقات مع تركيا:

إن استمرار العوامل الأخرى الضاغطة على السياسة التركية وخاصة في ظل الحرب التي يشنها التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية من ناحية، وتطورات الأوضاع في العراق وسوريا، وكذلك في الداخل التركي، من ناحية ثانية، بجانب التحولات والضغوط التي تمارسها بعض الدول الخليجية ضد تركيا من ناحية ثالثة، مصحوبا بعدم التعاطي الجدي من جانب القوى المناهضة للانقلاب بالخارج مع مقتضيات العلاقة الايجابية مع تركيا، كل هذه الاعتبارات من شأنها أن تُضيع فرصا هامة يمكن أن تشكل اضافة جيدة للثورة المصرية، وقد يؤدي في النهاية لخسارة حليف استراتيجي مؤثر لا يوجد سواه، بنفس القوة والامكانيات، على الأقل فى الوقت الحالي.

وعلى الجانب الآخر، تأتي أهمية التأكيد على أنه من الممكن، اذا أٌحسنت ادارة الملف، توجيه العلاقة بين تركيا والقوى الثورية المصرية، بما يخدم الثورة المصرية بشكل استراتيجي، ويؤسس لمرحلة جديدة على طريق تحقيق أهداف الربيع العربي.

وفي اطار المستجدات الراهنة، يجب أن يكون هناك ادراك لدى الجانب المعارض للانقلاب أن معركته طويلة ومستمرة، وتحتاج إلى نفس طويل، وبالتالي يجب ان يتم توزيع الأدوار بين من يركّز على رسم الخطط الآنيّة للتعامل مع الوضع الحالي، ومن يركز على المستوى الاستراتيجي، ومن هنا تجب التفرقة بين ما هو عاجل نحتاج البدء فيه على الفور، وبين ما هو استراتيجي يتعلق بالعلاقات طويلة المدى.

أولاً: الإجراءات العاجلة:

1ـ الشروع الفوري في تطوير دراسة استراتيجية متكاملة للتعامل مع الجانب التركي تتضمن تحديد المساحات المشتركة بين الطرفين، وما يمكن لكل طرف تقديمه للاخر، ودراسة امكانية تطوير العلاقة من تعاون الى شراكة وتحالف استراتيجي طويل المدى، يمكن أن يمتد ليشمل القوى المناضلة في اطار الربيع العربي اقليميا مع ضم أطراف أخرى ليمكنها من مواجهة الحلف الاقليمي والدولي للثورة المضادة. 

وللقيام بهذه الدراسة ينبغي تشارك مراكز الدراسات والفكر المصرية في ورش عمل مكثفة، بالاضافة الى التفاعل مع عدد من أهم مراكز الفكر والدراسات في تركيا، وكذلك المراكز الأخرى المنتمية لدول الربيع العربي.

2ـ الشروع الفوري في حوارات متعددة المحاور مع الجانب التركي الرسمي (سواء على مستوى الحكومة أو حزب العدالة والتنمية) على المستويات السياسية والأمنية والمعلوماتية والاجتماعية، يتم من خلالها التطوير المشترك للاستراتيجية المذكورة، بالاضافة الى تبادل المعلومات والتشاور في الخطوات المختلفة. و يراعى اعداد الخطاب المناسب و الرسائل الملائمة لكل مستوى يتم الحديث معه.

3ـ تبني رؤية واضحة لتحسين الصورة الذهنية لقوى الثورة المصرية واظهارها بشكل أكثر احترافية وقدرة على التعامل مع سياسات الانقلاب، (وهو ما يحتاج دراسة قائمة بذاتها)(2 )، وذلك بهدف المساهمة في استعادة الثقة فيها مما يشجع على اتخاذ مواقف أكثر ايجابية في دعم الثورة المصرية.

4ـ ضرورة ان يكون هناك وعي بمعطيات الجانب التركي فيما يتعلق بحسابات الربح والخسارة والحرص، وأن لا يُحمِّل الجانب المناهض للانقلاب تركيا أعباءً (اقتصادية او سياسية او امنية او اجتماعية) قد تسلّح الآخرين بأدوات لزيادة الضغط على أنقرة وترجيح جانب الخسارة لديها.

5ـ التخفيف من ضغوط التيار الداخلي التركي عبر اثبات أن الاخوان خاصة و الاسلاميين عامة قادرون على الانفتاح على شرائح اخرى من المجتمع التركي وانهم يؤمنون بهذا الانفتاح، مع ما يتطلبه ذلك من تجديد الخطاب بعيدا عن لغة التخندق او التشدد أو حتى التدين، وأن يراعى ذلك في الفعاليات الاحتجاجية والعامة التي ينظمها المصريون في تركيا.

6ـ تأهيل الكفاءات القادرة على القيادة، وذلك بالاستفادة من وجود عدد كبير من مناهضي الانقلاب في تركيا، وتنظيم عدد من الدورات التدريبية والبرامج التأهيلية للراغبين منهم وخاصة من الشباب، في مختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والإدارية والتنظيمية والإعلامية، مع التركيز على تخريج الكفاءات المتخصصة والمحترفة في هذه المجالات، ويمكن أن يشكل هذا مجالا جيدا للتفاعل والتعاون مع الجانب التركي.

7ـ تعزيز الشراكات مع الكيانات الرسمية وغير الرسمية في الداخل التركي، وفق ضوابط وآليات ومسارات تضمن مشروعية التحرك في الداخل التركي وتعزيز حرية الحركة المتاحة. ويمكن في هذا الإطار إجراء رصد لأهم المراكز البحثية والفكرية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية والأحزاب السياسية، وخريطة الجماعات والأقليات العرقية والدينية، وكذلك خريطة التيارات السياسية، وخريطة الفاعلين في المؤسسات الرسمية.

8ـ وضع آلية واضحة ومحددة ومستمرة للتواصل عالي المستوي مع المسؤولين الأتراك، بشكل دوري والتنسيق معهم في سياسات التحرك في مقاومة الانقلاب والتعاطي معهم باعتبارهم شركاء في القضية، مع الاستفادة من الوجوه والشخصيات المقبولة في تركياً و التجديد في هذه الوجوه، لتعزيز التواصل بين الحكومة التركية والقوي الثورية.

9ـ التصدي للضغوط التي تتعرض لها تركيا ووضع رؤية وخطة واضحة لمواجهة هجوم الآلة الإعلامية الانقلابية وداعميها المضادة لتركيا، من خلال رصد وتفكيك مسارات الهجوم الإعلامي المؤيد للانقلاب ضد تركيا، ووضع مضامين إعلامية دقيقة ومنطقية وواقعية يلتزم بها المتحدثون الإعلاميون سواء للتحالف الوطني لدعم الشرعية أو المجلس الثوري المصري، ونشر عدد من بيانات الحقائق بشكل شبه دوري عن معدلات النمو والتطور في تركيا، ومظاهر الدعم التركي للقضايا الإسلامية و الإنسانية في مختلف المحافل.

10ـ تقنين الوجود الرسمي للكيانات والمؤسسات المصرية العاملة في تركيا (المجلس الثوري، القنوات الإعلامية، المؤسسات البحثية، الشخصيات والقيادات المصرية، اللاجئين والمقيمين المصريين الذين استقروا في تركيا بعد الانقلاب) والتأكيد على ضرورة الالتزام بالقوانين والضوابط التركية وما تفرضه آليات التواصل في هذا السياق تجنباً لما يمكن أن يحدث من أزمات.

11ـ توقيع عدد من الاتفاقيات مع المؤسسات البحثية والفكرية السياسية والاقتصادية والإعلامية، للتدريب والاستشارات وتأهيل الكوادر وتبادل الخبرات لمعارضي الانقلاب المتواجدين في تركيا.

12ـ القيام برصد أعداد المصريين الذين استقروا في تركيا في أعقاب الانقلاب العسكري، وإجراء دراسة تحليلية عن أوضاعهم الأمنية والاجتماعية، والعمل على تسوية الملفات العالقة الخاصة بالإقامة والعمل والإعاشة للمتعثرين منهم.

13ـ رصد خريطة العمل الإعلامي الرافض للانقلاب في تركيا، سواء الوسائل التركية أو المصرية التي تتخذ من تركيا مقراً لهاـ، ووضع خطة استراتيجية للتنسيق فيما بينها، وفق ضوابط واضحة ومحددة ومضامين متفق عليها بشكل يتفق عليه الجميع ويلتزم باحترامه(3 ).

————————

الهامش

( 1 ) استند هذا التقدير في كثير من محاور على ما انتهت اليه  مجموعة التفكير الاستراتيجي، في تقدير أعدته، نوفمبر 2014.

(2) جار بالفعل القيام عليها، من جانب المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية

(3) جاءت هذه التوصيات ضمن ورقة تحليل سياسات، أعدها المعهد المصري في 5 أكتوبر 2014.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close