fbpx
دراساتخرائط قوىأسيا وافريقيا

القوي الإعلامية والفكرية في المجتمع الإيراني

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقدمة

يكتسب الإعلام الإيراني أهمية كبرى سواء لجهة نشر الرسائل وتعضيد السياسات، أو في العمل ضد الخطط التي تقوم بها بعض القوى الإقليمية والدولية، لاستهداف الدولة أو النظام في طهران، فالإعلام أحد أهم وسائل القوة الناعمة، وتمتلك إيران إمبراطورية إعلامية هي الأكبر على مستوى المنطقة وواحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقة آسيا- المحيط الهادئ والعالم(1 )

وتوجد هيئة رسمية يشرف عليها المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، هي التي تحدد وتراقب تنفيذ السياسات الإعلامية لجميع المحطات التليفزيونية وإذاعات الراديو في إيران، وفق السياسات العامة للدولة، وهي وكالة بث الجمهورية الإسلامية الإيرانية (IRIB ).

هذه الهيئة ترتبط بعدد من الوزارات والهيئات الحكومية الأخرى، وخصوصًا وزارة الخارجية، لتحقيق عدد من الأهداف، ومن بينها نقل وجهة النظر الرسمية للدولة في القضايا والأمور المختلفة، وخدمة الدبلوماسية العامة لإيران، وعلى رأس غاياتها بطبيعة الحال “نقل رسالة الثورة الإسلامية”.

ومن بين أدوات القوة الناعمة الإيرانية المهمة ضمن نشاط هذه الهيئة، ما يُعرف بالخدمة الدولية لـ(IRIB )؛ حيث تهدف إلى مخاطبة الرأي العام الخارجي، والترويج للتاريخ الإيراني والحضارة الإيرانية والثقافة الإيرانية، و”كل من هو مهتم بالحصول على نظرة واقعية عن إيران وغناها الحضاري عبر آلاف السنين”.

ويمكن تناول خريطة القوي الإعلامية والمراكز البحثية في إيران من خلال المحاور التالية:

المحور الأول: العوامل الحاكمة لبيئة الإعلام والبحث في إيران

المحور الثاني: خريطة القوى الإعلامية في إيران

المحور الثالث: خريطة المراكز البحثية في إيران

المحور الأول

العوامل الحاكمة لبيئة الإعلام الإيراني

يجسد الإعلام الإيراني تجربة مهمة من نماذج القوة الناعمة على مستوى الإقليم؛ حيث عمل بفعالية رغم واقع الحصار والعزل المتعدد المستويات، المفروض على طهران منذ ثورة 1979م، علاوة على أنها أتت من بلد تبنى خطابًا استثنائيًّا في السياسة والإعلام والثقافة، وغير مألوف بالإطلاق في المنطقة(2 )

وكما امتاز الإعلام الإيراني بالتنوع في الأدوات؛ امتاز كذلك بالانتشار؛ حيث خاطبت إيران مختلف اللغات والثقافات، ومن بين التجارب المهمة في هذا المجال، تليفزيون “برس تي. في” الذي يُبثُّ بالإنجليزية، وتليفزيون “هيسبان تي. في” الذي يبث بالإسبانية، بجانب الانتشار على شبكة المعلومات العالمية.

ولكن ثمَّة ملاحظة على هذه الأنشطة، وهي أنها تركز في الغالب على مخاطبة الأقليات الشيعية، وهو ما يضعف أثر الوسائط الأخرى التي تخاطب الجمهور العام. ارتبط بذلك أن وُصِف الإعلام الإيراني، على وجه الخصوص من بين مختلف وسائل القوة الناعمة الإيرانية، بالطائفية وتأجيج المذهبية، وهو ما فتَّ كثيرًا في عضد الفاعلية الإيرانية في هذا المجال، وخصوصًا داخل أوساط الحركات الإسلامية السياسية والدعوية الأخرى، ولاسيما في ظل ممارسات حلفاء طهران الإقليميين، كما في حالة العراق(3 )

إن الإعلام في إيران جزء لا يتجزأ من السياسة والحكم، لذلك هو دائماً مُقيد ومحكوم. وتخضع وسائل الإعلام لرقابة مشددة ومراجعة دورية، تجعلها دائماً تحت قيود وضغوطات بعضها مباشر بشكل رسمي وفقاً للقوانين الموضوعة، وبعضها غير مباشر من خلال الأجهزة الأمنية.

وقد ألقت التطورات التي اكتنفت عملية الإعلان عن نتائج انتخابات الدورة العاشرة لرئاسة الجمهورية التي أجريت في‏12‏ يونيو 2009، أضواء كثيفة علي دور الإعلام في تعبئة الجماهير والتجنيد السياسي والدعاية للمرشحين، لاسيما في ظل القيود الصارمة التي فرضتها السلطات علي حرية تداول المعلومات، لدرجة وصلت إلي تعطيل خدمة الرسائل القصيرة ‏SMS ، ووقف بعض المدونات الاجتماعية، وكذلك حجب بعض المواقع الإلكترونية الشهيرة مثل موقع‏ “فيس بوك”، لمنع المعترضين علي نتائج الانتخابات الرئاسية من ترتيب صفوفهم أو الدعوة لتنظيم المظاهرات للتنديد بفوز الرئيس محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية‏. ‏

أولاً: وظائف الإعلام الإيراني:

إن دور الإعلام في إيران لا يقف عند هذا الحد، بل إنه بالإضافة إلي ذلك، يقوم بأداء وظيفتين مهمتين‏:‏

الوظيفة الأولي: وضع حدود فاصلة بين القوي السياسية الإيرانية، التي تتسم تحالفاتها وائتلافاتها بنوع من السيولة والديناميكية الشديدة، لدرجة يصعب معها وضعها في إطار استقطاب سياسي جامد ما بين قوي إصلاحية وأخري محافظة، وبالتالي تصبح وسائل الإعلام التي تعبر عن هذه القوي وتنقل رؤاها وطروحاتها للشارع هي المعيار الأساسي لتصنيف هذه القوي وتقييم توجهاتها وموقعها داخل النظام السياسي الإيراني(4 )‏.

الوظيفة الثانية: تقوم بها بعض وسائل الإعلام المحسوبة علي الدولة، من خلال تقديم مؤشرات ورسم ملامح لمواقفها وسياساتها إزاء قضايا الداخل والخارج‏. ‏ وتبدو صحيفة‏ “كيهان” (‏الدنيا‏)‏ وقناة العالم الفضائية أبرز النماذج في هذا السياق، حيث تعتبر‏”كيهان”‏ متحدثة بلسان المرشد الأعلي للجمهورية علي خامنئي، الذي يمتلك سلطة تعيين ممثل له في الصحيفة (5 )‏. ‏

ثانياً: مراحل تطور الإعلام الإيراني بعد 1979:

شكلت وسائل الإعلام في إيران أداة أساسية استخدمتها السلطة الحاكمة في إيصال رؤاها وطروحاتها للشعب الإيراني قبل قيام الثورة الإسلامية الإيرانية بزعامة الإمام الخميني في عام‏1979‏ فقد اعتمد رجال الدين علي‏ “شرائط الكاسيت” كوسيلة أساسية في تعبئة الجماهير وتنظيم المظاهرات ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي‏.

وبعد قيام الثورة عام ‏1979، خضعت وسائل الإعلام لسيطرة التيار اليميني المتشدد، خصوصا بعد اختفاء الليبراليين من الساحة علي خلفية الصدام الذي حدث بين الثوريين والليبراليين وانتهي بطرح الثقة في أبو الحسن بني صدر أول رئيس للجمهورية في عام‏. 1980‏ وهنا لعبت صحف مثل “جمهوري اسلامي‏” (‏الجمهورية الإسلامية‏)-‏ التي صدرت في العام نفسه لتنطق بلسان التنظيم السياسي الوحيد الذي كان موجودا آنذاك وهو حزب الجمهورية الإسلامية‏،‏ و”‏كيهان” (‏الدنيا‏)‏ دورا مهما في ترسيخ دعائم النظام الإسلامي الجديد‏. ‏

لكن سرعان ما بدأت مرحلة جديدة اتسمت بتشابك العلاقات الداخلية والإقليمية والدولية، وبروز أشكال من التفاعلات الاقتصادية والسياسية العابرة للحدود أنتجت في النهاية أفكارا ورؤي متباينة بين الثوار، ووصل الخلاف إلي مستويات متعددة خصوصا حول حرية الاقتصاد وحرية السوق ودور الدولة في ذلك وقضية الديمقراطية والحريات العامة وتشكيل الأحزاب، والعلاقة بين الركنين الأساسين للنظام الإسلامي‏:‏ الجمهورية من ناحية والصبغة الإسلامية من ناحية إخري‏. ‏

وتزامن ذلك مع انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء حالة الاستقطاب الدولي وتقلص تأثير الخطاب الأيديولوجي علي الساحتين الدولية والداخلية، ثم جاءت وفاة الإمام الخميني عام ‏1989، وتولي هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية في إيران في الفترة من ‏1989‏ وحتي ‏1997، لتبدأ مرحلة التحول من حالة الثورة إلي حالة الدولة بما تعنيه من إقامة مؤسسات قوية تخضع لرقابة شعبية‏. ‏

وفي هذه اللحظة بدأ الحديث عن وسائل إعلام مختلفة التوجه في إيران، وقد دعم من ذلك موافقة رئيس الجمهورية آنذاك هاشمي رفسنجاني علي صدور صحيفة‏ “سلام‏” (‏السلام‏)‏ التي كانت توجه انتقادات حادة لأداء النظام ومنها سياسات الرئيس نفسه، واختياره محمد خاتمي ‏(‏رئيس الجمهورية فيما بعد‏)‏ صاحب الميول الانفتاحية لتولي وزارة الثقافة، حيث نجح في توسيع هامش الحرية المتاح أمام وسائل الإعلام، برغم العقبات التي وضعها المحافظون أمامه والتي أدت في النهاية إلي استقالته من منصبه‏. ‏

لكن التطور الحقيقي الذي أحدث طفرة في وسائل الإعلام الإيرانية، جاء مع فوز الإصلاحيين بقيادة الرئيس السابق محمد خاتمي في انتخابات الدورة السابعة لرئاسة الجمهورية التي أجريت في‏22‏ مايو عام‏1997، حيث وصل عدد الصحف والمجلات الصادرة باللغات الفارسية والكردية والإنجليزية والعربية إلي‏1280‏ منها‏25‏ صحيفة يومية، كما زاد عدد توزيع الصحف من مليون و‏200‏ ألف نسخة إلي‏2‏ مليون و‏730‏ ألف نسخة يوميا‏. ‏ لكن الأهم من التطور الكمي، هو ظهور كتابات للعديد من رموز الليبراليين مثل عبد الكريم سروش والدكتور هاشمي أغاجري دعا بعضها إلي محاسبة المرشد الأعلي للجمهورية وعدم وضعه في مكانة أعلي من الشعب، فضلا عن رفض احتكار تفسير الشريعة والدفاع عن الديمقراطية‏. ‏

هذه الطفرة تعرضت لمعوقات عديدة خلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس محمد خاتمي، حيث استطاع المحافظون تقييد مساحة الحرية الممنوحة للصحافة، وهو ما بدا جليا في إغلاق العديد من الصحف المقربة من الإصلاحيين مثل صحيفتي‏ “جامعة‏”‏ و”‏نشاط”، وإعدام مرتضي فيروزي رئيس تحرير صحيفة “إيران نيوز”، والحكم بالسجن علي أكبر كنجي مسئول صحيفة‏ “راه نو”، وكذا سعيد نوباري مدير صحيفة‏ “أخبار روز”، وتعرض العديد من المثقفين لمحاولات اغتيال مثل سعيد حجاريان مسئول صحيفة‏ “صبح أمروز”، فضلا عن تعطيل ‏16‏ صحيفة دفعة واحدة علي إثر الانتقادات التي وجهها المرشد الأعلي لدور الصحافة الإصلاحية التي اتهمها بخرق المبادئ الإسلامية وإثارة الشقاق في المجتمع وتهديد الأمن القومي الإيراني‏.

هذه الحالة وجدت نوعا من الدعم مع وصول الجناح الأصولي من التيار المحافظ إلي السلطة عام‏2004، إذ تبني نهجا متشددا في التعاطي مع وسائل الإعلام خصوصا المحسوبة علي الإصلاحيين، حيث شنت شرطة الآداب الإيرانية حملة قوية لجمع الأطباق اللاقطة للفضائيات من علي أسطح المنازل وذلك تنفيذا للائحة التي أصدرها رئيس السلطة القضائية السابق محمود هاشمي شاهرودي الذي اعتبر أن هذه الأطباق تستغل في بعض الأحيان في جرائم تستهدف أمن إيران عبر الاستفادة من الفضائيات والإنترنت، بالإضافة إلي اسطوانات الموسيقي المدمجة، والحفلات التي يختلط فيها الشباب من الجنسين، كما حظر المجلس الأعلي للثورة الثقافية جميع الأفلام الأجنبية‏ “العلمانية المروجة لحقوق المرأة ولليبرالية الأمريكية”(6 )‏. ‏

ثالثاً: الإعلام وتوازنات القوي السياسية:

إن وسائل الإعلام الإيرانية أصبحت مرآة عاكسة للقوي السياسية الإيرانية ومعادلة التوازن القائمة فيما بينها، لدرجة أصبح معها من المتعذر الحديث عن وجود استقطاب إعلامي جامد ما بين صحف ومواقع إصلاحية وأخري محافظة‏. ‏ فقد أسفرت التطورات السياسية التي شهدتها إيران في الفترة الأخيرة عن بروز اتجاهات مختلفة بين القوي السياسية الإيرانية، حتي داخل القوي التي تنتمي إلي تيار سياسي واحد‏. ‏

1ـ اعلام اتجاهات التيار الإصلاحي:

يمكن الحديث عن ثلاث اتجاهات إصلاحية فرعية، كل منها يمتلك وسائل إعلام مختلفة عن الآخر‏:‏

الاتجاه الأول: تمثله قوي اليسار الإصلاحي التي تسعي للإصلاح في إطار النظام القائم ويمثلها‏’‏ الإصلاحيون المتدينون‏’‏ الذين يعملون من داخل النظام، وهم جزء من طلائع الثورة الإسلامية، حيث أعلنوا تبعيتهم لزعامة النظام وبذلوا جهودا مضنية حتي لا ينحرف مسار الإصلاحات‏. ‏ ويمثل هذا الاتجاه كل من

مجمع روحانيون مبارز‏(‏ مجمع رجال الدين المناضلين‏)، وحزب اعتماد ملي‏(‏ الاعتماد الوطني‏)، الذي يصدر جريدة باسمه هي‏’‏ اعتماد ملي‏'(‏ الثقة الوطنية‏)، وتعتبر أحد أهم المتحدثين بلسان الإصلاحيين، وحزب التضامن الإسلامي الإيراني، ويصدر صحيفة هبمستكي‏(‏ التضامن‏). ‏

الاتجاه الثاني: قوي اليسار الليبرالي العلماني، التي تعرف الإصلاحات بأنها تغيير وتطوير واجب الحدوث في بنية النظام ومؤسساته، فالإصلاح بالنسبة لها هو تغيير قانوني لمؤسسات النظام، ونظرا لأن الدين يمثل جوهر النظام الإسلامي فإنها تنادي بفصل الدين عن الدولة‏. ‏ ويمثل هذا الاتجاه كل من‏:‏ جبهة المشاركة الإسلامية، ومنظمة مجاهدي الثورة الإسلامية، وجبهة الديمقراطية وحقوق الإنسان‏. ‏ وتعبر عنه صحف مثل “صبح امروز”‏ و”‏راه نو”‏ و”‏سلام‏”‏ وكلها تعرضت للإغلاق‏. ‏

الاتجاه الثالث: قوي المعارضة التي تسعي إلي إحداث تغيير في النظام الإسلامي ولكن بأساليب قانونية غير عنيفة، وتطلق علي نفسها مسمي المعارضة القانونية، وتضم هذه القوي‏:‏ حركة حرية إيران، والقوميون العلمانيون، وجبهة المفكرين الحرة‏. ‏ وتعبر العديد من الصحف عن فكر هذا الاتجاه مثل “إيران امروز” (‏إيران اليوم‏)، و”‏انقلاب إسلامي” (‏الثورة الإسلامية‏)‏ التي يصدرها الرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر‏. ‏

2ـ إعلام اتجاهات التيار المحافظ:

يمكن الحديث عن ثلاثة اتجاهات داخل التيار المحافظ لكل منها وسائل إعلام مختلفة‏:‏

الاتجاه الأول: يمثله الجناح التقليدي من التيار المحافظ المتحالف مع طبقة التجار‏(‏ البازار‏)‏ الذي يضم رموز الجيل الأول للثورة، وتعرض لهزائم سياسية عديدة ساهمت في انكماشه لصالح الجناح الأصولي، ويضم هذا الاتجاه قوي سياسية عديدة هي جمعية روحانيت مبارز‏(‏ جمعية علماء الدين المناضلين‏)، وجبهة‏’‏ المؤتلفة الإسلامية‏’، و”‏جمعية زينب‏”. ‏ وتعبر عنه صحف‏’‏ جمهوري اسلامي‏'(‏ الجمهورية الإسلامية‏)‏ و‏’‏ايران‏’‏ و‏’‏رسالت‏'(‏ الرسالة‏). ‏

الاتجاه الثاني: الجناح الأصولي من التيار المحافظ، الذي يسيطر حاليا علي معظم مؤسسات صنع القرار في إيران، لكنه يشهد حالة من الانقسام نتيجة التباين في التعاطي مع بعض القضايا لاسيما ذات الصلة بالملف الاقتصادي والسياسة الخارجية‏. ‏ ويضم هذا الاتجاه قوي متعددة هي‏:‏ ائتلاف ايثار كران‏(‏ أنصار الثورة‏)، وائتلاف آباد كران‏(‏ أنصار تعمير إيران‏)، وتنظيم حزب الله‏. ‏ وتعبر العديد من الصحف عن هذا الاتجاه مثل‏’‏ كيهان‏'(‏ الدنيا‏)‏ و‏’‏يالثارات‏’، بالإضافة إلي بعض المواقع الإليكترونية مثل‏’‏ وكالة أنباء فارس‏’، و”‏رجانيوز”. ‏

الاتجاه الثالث: تيار الوسط الذي يتزعمه رئيس مجلس الخبراء ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، ويريد إحداث نوع من التطوير داخل النظام وليس هدمه، ليتواكب مع التطورات التي تحيط بإيران في المنطقة والعالم بشكل يستطيع معه المحافظة علي ما يسميه ب”‏إنجازات‏” الثورة وتفويت الفرصة علي القوي المعادية والمتربصة بإيران للقضاء علي هذه‏ “الإنجازات”. ‏ وتعتبر صحف “شرق” (‏الشرق‏)‏ و”‏كاركوزاران” (‏كوادر البناء‏)‏ أهم المعبرين عن هذا الاتجاه الثالث‏. ‏ وقد تعرضتا للإغلاق أكثر من مرة بسبب بعض التوجهات التي لم تلق قبولا لدي السلطات الإيرانية‏. ‏

وأمام هذه الاعتبارات يمكن القول أن خريطة الإعلام الإيراني متشابكة ومعقدة، بما يعني أن الصراع في إيران ربما يتجاوز بدرجة كبيرة حدود الاستقطاب التقليدي بين المحافظين والإصلاحيين، إلي صراع علي عقل المواطن الإيراني، بين اتجاه يتبني نهجا مغلقا بدعوي حماية أمن ومصالح الدولة ضد المتربصين بها، وآخر يري أن الانفتاح علي الخارج والتطلع إلي التغيير بات ضرورة قصوي للتعامل مع تحديات الداخل وتهديدات الخارج‏(7 )‏. ‏

رابعاً: حدود حركة الإعلام الإيراني:

يشكل الإعلام أحد أهم أدوات النظام الإيراني لتحقيق أهدافه، وأكثرها فاعلية، فلقد واكب العمل الإعلامي، الثورة الإيرانية منذ مرحلة الميلاد الأولى، والتمهيد لها؛ حيث يمكن اعتبار الثورة الإيرانية ابنه الفعل الإعلامي بالدرجة الأولى؛ حيث كانت أشرطة وكتابات الخوميني وملالي قم وغيرهم من الشخصيات، هي أبرز عامل أدى إلى تحريك الشارع الإيراني في السبعينيات، ضد نظام شاه إيران الراحل، محمد رضا بهلوي،

ولذلك يمكن فهم الطريقة التي يدير بها نظام الملالي و”آيات الله” في طهران والحوزات العلمية، ملف الإعلام في إيران في الوقت الراهن، من خلال مجموعة من المتغيرات،

وأهمها:

1- ثوابت ومتغيرات الاستراتيجية الإيرانية في الداخل والخارج، وخصوصًا إزاء الإقليم، في العالم العربي والإسلامي، وخصوصًا في الخليج العربي، مع التأكيد على أهم ثابت، وهو الحفاظ على النظام الحالي ومصالحه التي تضمن بقائه، ومبدأ “تصدير الثورة”. ويحكم المتغيرات من بين هذه الامور، الواقع الداخلي، وكذلك التطورات الإقليمية والدولية، وخصوصًا في الأفنية الأمامية والخلفية للدولة الإيرانية، كما في العراق والمشرق العربي، وأفغانستان وآسيا الوسطى، على الجانب الآخر.

2- الباعث المذهبي، الذي يحكم سياسة النظام الحاكم في إيران، سواء في الداخل أو الخارج. ويشبِّه البعض الإعلام الإيراني بنموذج الإعلام في حقبة الرايخ الثالث، أو ألمانيا النازية، والذي كان يشرف عليه جوزيف جوبلز، وزير الدعاية السياسية في حكومة أدولف هتلر. كذلك يتشابه الإعلام الإيراني مع غيره من وسائل الإعلام في الدول الديكتاتورية الأخرى، وبالتالي تتشابه أهدافه، التي تشمل تسخير وتوظيف الإعلام للتأثير على الرأي العام والثقافة الجماهيرية.

3- أن الإعلام الإيراني في الغالب إعلام دعائي له أجندة سياسية، ولذلك هناك العديد من الأقسام الخاصة في وسائل الإعلام الحكومية، لتحقيق هذه المستهدفات، ورسم وتنفيذ السياسات المرتبطة بها، مثل قسم الدراسات والتحقيقات، وقسم ثقافة الناس في “مرکز التحقيقات والدراسات والأبحاث والتقييم البرمجي”، التابع “لهيئة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية”.

4- أنه مع اتساع رقعة اهتمامات وحركة السياسة الداخلية والخارجية للدولة الإيرانية؛ تتسع معها رقعة العمل الإعلامي، ويتحول إلى أدوات لممارسة العمل الاستخباري، وغيرها من المجالات التي تخدم السياسات العامة للدولة. ومن ذلك نفهم تمامًا تنوع اللغات التي تستخدمها وسائل الإعلام الإيرانية، والتي من خلال ملاحظتها، سوف نفهم تمامًا توصيف الإعلام الإيراني بأنه إعلام موجَّه؛ حيث إن هذه اللغات تستهدف الأقاليم والبلدان التي يتحرك فيها المشروع الإيراني، مثل التركية والأوردية، وبطبيعة الحال، اللغة العربية.

المحور الثاني

خريطة القوى الإعلامية في إيران

يعمل الإعلام الإيراني في إطار مؤسسي؛ حيث تنفذ وسائل الإعلام الإيرانية الخطة العامة للدولة، من دون شخصنة كبيرة. وتتنوع مجالات اهتمام الإعلام الإيراني، ما بين ما هو سياسي، وما هو اقتصادي، وما هو ديني، وغالبًا ما يكون باللغتَيْن، العربية والأوردية، من أجل نشر المذهب الشيعي. وحتى السينما والأطفال؛ فهناك عدد كبير من الصحف والقنوات الفضائية الإيرانية، التي تهتم بكل مجالات العمل الإعلامي تقريبًا.

وهناك رافد شديد الأهمية للإعلام الإيراني، يخدم عليه، وهو الرافد المذهبي؛ حيث إن وسائل الإعلام الأخرى التي تخص الطائفة الشيعية في الدول المجاورة، كما في العراق وسوريا ولبنان؛ تعمل في إطار نسق متكامل مع نظيرتها الرسمية أو غير الرسمية في إيران.

ويري البعض أن مصطلح وسيلة إعلام “غير رسمية” لا مجال له في طهران؛ حيث إن كل وسائل الإعلام هناك تعمل وفق نسق واحد، وفي إطار رسالة واحدة وسياسة واحدة.

وتمتلك الدولة الإيرانية عدة أذرع إعلامية رئيسية، وهي الصحف الورقية، والقنوات الفضائية، ووكالات الأنباء، ولكن أهم هذه الأذرع فيما يخص خدمة السياسة الخارجية للدولة، هي الفضائيات ووكالات الأنباء:

أولاً: الصحافة:

تمثل الصحافة الوسيلة الأبرز والأقوى في الإعلام الإيراني. ويلاحظ أن الخريطة الصحفية تتسم بالسيولة وتتغير ملامحها باستمرار، على غير المتوقع. وذلك تحديداً في العقدين الماضيين، مع بروز اتجاهات إصلاحية في بعض الدوائر السياسية وتغير التركيبة الديمغرافية باتساع نطاق شريحة الشباب في المجتمع. فكانت الصحافة هي مرآة تعكس تلك التحولات المجتمعية والسجالات السياسية.

فبمراجعة قائمة الصحف الإيرانية خلال السنوات القليلة الماضية، يمكن بسهولة ملاحظة عملية مستمرة لظهور صحف واختفاء أخرى. حيث يتراوح عدد الصحف في إيران من 3000 إلى 3500 صحيفة، والعدد غير ثابت نتيجة تعرض صحف للغلق وأخرى تُسحب تراخيصها ثم تصدر مرة أخرى بأسماء مختلفة. بل إن بعض الصحف تغير توجهاتها وأفكارها بشكل مثير للتساؤل. وإن كان هذا التحول الأخير يرتبط غالباً بنمط الملكية وتغير مواقف أصحاب رؤوس الأموال.

أما عمليات الغلق أو سحب الترخيص، فتجري وفقاً للقانون المنظم للصحافة، والذي صدر عام 1986، ثم أدخلت عليه تعديلات عام 2000. وهي التعديلات التي منحت السلطات مجالاً أوسع لملاحقة الصحافيين، وتقييد إجراءات إصدار الصحف والتشدد في تقييم ما تنشره.

ومن أبرز التعديلات، ضم الإصدارات الإلكترونية بحيث تخضع لذات القانون المنظم للعمل الصحفي تخضع لهذا القانون. كما أضيفت شروط جديدة تتعلق بشخص من يطلب إصدار صحيفة، حيث أصبحت ممارسة العمل الصحفي محرمة على الأفراد المنتمين أو المؤيدين للجماعات المعادية للثورة أو الجماعات غير الشرعية أو من صدر ضده حكم بممارسة أنشطة ضد الثورة أو الأمن الوطني. وكان هذا الحرمان في السابق مقصوراً على أصحاب المناصب القيادية قبل قيام الثورة أي في عصر الشاه (8) .

وتنقسم اتجاهات الصحف الإيرانية بين تيارين رئيسيين، الأول المحافظ الذي يؤيد توجهات الدولة بشكل عام. والثاني الإصلاحي الذي يتبنى أفكاراً إصلاحية تدعو إلى التطوير والتغيير ليس فقط للسياسات وإنما أيضاً للأفكار والرؤى. غير أن تلك الصحف المؤيدة للإصلاحيين، تتعرض لضغوط متنوعة ومتفاوتة حسب درجة جرأتها وحدود النقد الذي تباشره، خصوصاً تجاه المؤسسات والقيادات العليا.

ومن الملاحظات المهمة الجديرة بالانتباه فيما يتعلق بالصحافة الإيرانية:

الملاحظة الأولي: أن الصحافة الإيرانية أحياناً ترتبط بأشخاص وليس بتيار أو توجه معين. فداخل التيار المحافظ هناك صحف تعمل لحساب مؤسسات بعينها وتدافع عنها. وكذلك الأمر بالنسبة لقيادات ومسؤولين كبار. ووضح ذلك عندما وقع خلاف بين المرشد علي خامنئي والرئيس السابق أحمدي نجاد، حيث مالت بعض الصحف إلى تأييد المرشد وهاجمت نجاد بعنف. بينما انضمت صحف أخرى إلى مؤيدي نجاد ودافعت عن موقفه في مواجهة مؤسسة الإرشاد. وهو ما يشير إلى أن التباين والتنوع في الصحافة لا يقتصر على المحورين الكبيرين (محافظ / إصلاحي) لكن هناك مساحة للتنوع وبل والتناقض داخل كل منها.

الملاحظة الثانية: أن الصحافة الإيرانية (فارسية) بالأساس، بمعنى أن الغالبية العظمى منها تصدر باللغة الفارسية، عدا استثناءات لها طبعات باللغة الإنجليزية. بينما تغيب العربية عن صحافة إيران، باستثناء صحيفتي “الوفاق العربي” و”كيهان” فالأولى تصدر بالعربية منذ عام 1996، والثانية فارسية أصلاً لكن تصدر منها طبعتين بالإنجليزية والعربية. بينما تغيب بقية اللغات عن الصحافة الإيرانية المتداولة.

ثانياً: الإعلام المرئي والمسموع:

رغم الانتشار الواسع ونسبة المقروئية العالية للصحافة، إلا أن التلفزة الإيرانية لا تقل عنها شعبية ومتابعة من المواطنين. فأكثر من 80 % من الإيرانيين يتابعون التلفاز بانتظام.

وبالتوازي مع التطور التقني الهائل في وسائل الاتصال خصوصاً البث الفضائي والإلكتروني. اهتمت إيران بتطوير الأداء الإعلامي الرسمي، فقامت في العقد الأخير بتوسيع نطاق وزيادة عدد قنواتها التليفزيونية، واستحدثت عدد من القنوات الفضائية يشمل مختلف اهتمامات المشاهد. وكانت البداية باستهداف المشاهد متحدث الفارسية سواء في إيران أو خارجها، بإطلاق عدة قنوات متخصصة ناطقة بالفارسية، من أبرزها وأعلاها مشاهدة القناة الثالثة الحكومية (قناة الشباب) وعلى خلاف محدودية اهتمام الصحافة بمتحدثي العربية، بادرت الحكومة الإيرانية إلى إطلاق عدة قنوات بالعربية. بدأت بقناة (العالم) الإخبارية التي ظهرت في عام 2003. ثم قناة ( I Film ) للأفلام الإيرانية مدبلجة باللغة العربية. بالإضافة إلى عدد من القنوات الدينية التي تتبنى بث تعاليم المذهب الشيعي. والتفتت إيران إلى ضرورة مخاطبة العالم الخارجي خصوصاً في مجال نقل الأخبار والأحداث برؤية إيرانية، فدشنت عام 2007 قناة إخبارية باللغة الإنجليزية (Press TV ) بل وصل الاهتمام الإيراني بالبث الفضائي الموجه نحو مناطق وشعوب مختلفة من العالم، إلى إطلاق قناة باللغة الإسبانية (Hispan ) في عام 2012.

لكن مقابل هذا الاهتمام بمخاطبة العالم سواء العربي أو الأجنبي من خلال الفضائيات، هناك حرص حكومي على استمرار القيود المفروضة على استقبال البث الفضائي داخل إيران. حيث يوجد حظر رسمي منذ عام 1995 على امتلاك أجهزة الاستقبال الفضائي، وكان يطبق بصرامة حتى سنوات قليلة مضت. غير أن ذلك الحظر لم يمنع الإيرانيين من امتلاك الأطباق وأجهزة الاستقبال الفضائي، وكان ذلك يتم على نطاق محدود وبسرية في السنوات الأولى لفرض الحظر.

غير أن العقد الأخير شهد تزايداً في ظاهرة كسر الحظر حتى أصبح معتاداً وجود أطباق وأجهزة استقبال لدى معظم الإيرانيين. وتقوم السلطات الإيرانية من حين إلى آخر بمصادرة تلك المعدات، بل وأحياناً تدميرها في مكانها (9) .

لكن هذا التحرك لا يتم بما يكفي للقضاء على الظاهرة ومنع استقبال الفضائيات. ما يعكس إدراك مؤسسات الدولة صعوبة تنفي الحظر كاملاً كما كان في الماضي. أولاً لأسباب عملية تتعلق بانتشار وسائل الإعلام الحديثة ووصول تقنيات الاتصال إلى مختلف ارجاء العالم، بالإضافة إلى تناقض ذلك الحظر مع التوجهات الانفتاحية التي بدأت طهران تبديها مؤخراً تجاه الغرب. وتجسد ذلك التفهم الرسمي في تصريح وزير الثقافة الإيراني علي جنتي في شهر مايو 2015، بقوله إن “محاولات السيطرة على وسائل الإعلام ومراقبتها أصبحت الآن أمرا عديم الجدوى”(10) . والأكثر أهمية في تصريح جنتي، أنه جاء في لقاء له مع قيادات الشرطة. ما يشير إلى رغبة حكومية في تخفيف الملاحقة الأمنية والإجراءات التي تتبع في هذا الخصوص.

ثالثاً: الإعلام الإلكتروني:

كما هو الحال بالنسبة للفضائيات، تشهد إيران سباق مستمر ومناورات بين الدولة والمواطنين حول استخدام الفضاء الإلكتروني. فرغم أن إيران من أوائل الدول التي دخلتها شبكة المعلومات الدولية / الإنترنت (1992) إلا أنها لا تزال من أقل الدول في إطلاق حرية استخدامها والتعامل من خلالها. فتخضع المواقع الإلكترونية للرقابة، فتم حظر مواقع التواصل الشهيرة بل وبعض محركات البحث مثل جوجل. كما تجري ملاحقات مستمرة للمدونين والناشطين الإلكترونيين. بعد الدور المهم الذي لعبته الإنترنت في التواصل والتنسيق بين الناشطين أثناء التظاهرات الرافضة لنتائج انتخابات الرئاسة عام 2009، حيث تم بعدها مباشرة حظر موقع (فيس بوك)

لكن كل هذا لم يحُل دون تزايد عدد الإيرانيين الذين يستخدمون الفضاء الإلكتروني بأشكال ووسائل مختلفة، فقد وصل عدد مستخدمي الإنترنت من 250 ألف فقط عام 2000 (بنسبة 4% من عدد السكان)، إلى ما يقرب من 47 مليوناً أي بنسبة 57% من السكان في عام 2014 (11) . ولذا تعمل طهران -بالإضافة إلى حظر وسائل التواصل الاجتماعي الغربية- على تطوير بدائل ذاتية خاصة بها. منها موقع Aparat الذي يمثل النسخة الإيرانية من Youtube وكذلك تطوير محرك بحث Yooz كبديل لجوجل. ويتداول حالياً أن ثمة برنامج سيطلق قريباً لتبادل الرسائل اسمه Zoobi كمكافئ لبرنامج (12) Whatsapp .

إذن، تعمل السياسة الإيرانية في هذا المجال على مسارين متوازيين، التضييق بالنسبة للوسائل الإلكترونية العالمية الوافدة من الغرب. مع طرح وتطوير بدائل إيرانية لتخفيف حدة التطلعات الداخلية لاستخدام تقنيات الاتصال الحديثة في التواصل والتشبيك الاجتماعي. وأيضاً لاستباق المطالب الغربية المتوقعة برفع القيود عن استخدام تلك الوسائل، في ضوء الانفتاح المنتظر في كافة المجالات بما في ذلك اجتماعياً وثقافياً بين إيران والغرب، بعد إبرام الاتفاق النووي.

ومن الجدير بالملاحظة في هذا الخصوص، أنه رغم القيود المفروضة على استخدام الفضاء الإلكتروني خصوصاً مواقع التواصل، إلا أن الإيرانيين لا يعدمون وسيلة للتغلب على تلك القيود واستخدام وسائل التواصل العالمية ذاتها. وتشير التقديرات من خارج إيران إلى أن كثيراً من الإيرانيين يحتفظون بقدرتهم على استخدام اثنتين على الأقل من مواقع التواصل بالإضافة إلى (فيس بوك) وتشير التقديرات اذتها، إلى أن شريحة الشباب المتعلم هي الغالبة على مستخدمي (فيس بوك) حيث تصل نسبة الشريحة العمرية (30 – 39 عاماً)، إلى 38% من المستخدمين. وأن حوالي 38% منهم في مرحلة التعليم الجامعي، بينما 35% من حاملي الماجستير(13 ).

لكن ارتفاع نسبة مستخدمي الإنترنت في إيران يكشف عن مدلول مهم ربما يتجاوز كثيرا حدود الأزمة التي أنتجتها الانتخابات الرئاسية والقيود التي تفرضها الدولة علي وسائل الإعلام، وهو ارتفاع نسبة الشباب في المجتمع الإيراني، حيث يصل معدل من هم تحت سن الثلاثين عاما إلي حوالي‏60%‏ من السكان، بكل ما يعنيه ذلك من زيادة التطلع إلي التغيير والانفتاح علي العالم الخارجي وتحدي قيود الدولة، الأمر الذي يؤشر إلي أن إيران مقبلة علي مرحلة مفعمة بكثير من عوامل الاحتقان والتوتر التي ربما تنتج تداعيات سلبية تمس الأوضاع العامة القائمة في الوقت الحالي ما لم تستطع السلطات التعامل معها بقدر من المرونة والفعالية‏(14 )‏. ‏

رابعاً: وكالات الأنباء:

تُعتبر وكالات الأنباء الذراع الأهم لوسائل الإعلام الإيرانية، وللدولة الإيرانية بشكل عام، سواء على المستوى الإعلامي أو السياسي والاستخباري، ومن ثَمَّ؛ فإنه من الأهمية بمكان إلقاء نظرة تفصيلية عليها:

(1) وكالة “بارسينة”: وهي عبارة عن موقع إخباري يصدر بالفارسية، متعدد المحتوى، ولها مدونة، وأسسها بهمن هدايتي، ويضم الموقع مصادر أخبار مختلفة، وتغطي مجالات السياسة، والثقافة، والاقتصاد، والتاريخ، والتكنولوجيا، ونمط الحياة، والكوميديا​​، والأخبار المحلية.

(2) وكالة‌ أنباء الجمهورية الإسلامية: تُعرف اختصارًا بـ”إيرنا” (IRNA )، وهي وكالة الأنباء الرسمية في إيران، وهي المفوضة بإصدار الأخبار والتصريحات الرسمية، تشكلت في البداية في صورة دائرة باسم وكالة “بارس”، عام 1934م، في إطار وزارة الشئؤن الخارجية الإيرانية لجمع أخبار البلاد، وتزويد المواطنين والمطبوعات بها.

وكانت هذه الوكالة في بداية تشكيلها، تصدر نشرتَيْن، ًصباحية ومسائيةً، باللغتَيْن الفارسية والفرنسية، كانت ترسل الي المسئولين ووكالات الانباء الأجنبية والصحف. وبعد مرور ستة أعوام، تم تأسيس الدائرة العامة للإعلامً، وأصبحت وكالة “بارس”، تابعة لها. وبعد انتصار الثورة الإيرانية، تغير اسم وزارة الإعلام إلى وزارة الإعلام الوطني، بموجب قرار من مجلس الثورة، كما تغيَّر اسم وكالة أنباء “بارس”، إلى وكالة‌ أنباء الجمهورية الإسلامية، بموجب قرار صادق عليه مجلس الشوري الإسلامي.

(3) وكالة أنباء “الطلبة”: تُعرف اختصارًا باسم (إيسنا)، وهي وكالة أنباء إيرانية “مستقلة” تتم إدارتها من قبل طلبة الجامعات الإيرانية. وقد تأسست في الرابع من نوفمبر عام 1999م، لتغطية أخبار الجامعات الإيرانية، ويعتبرها البعض وسيلة إعلام رسمية، باعتبار أنها وسيلة الإعلام التابعة للذراع الطلابية للنظام الإيراني.

وتغطي حاليًا الأخبار المحلية والدولية، ولدى “إيسنا” مراسلون متطوعون يصل عددهم إلى ألف مراسل، وتعتبر من وجهة نظر الغرب أكثر وسائل الإعلام استقلالية وموضوعية في إيران. وبالإضافة إلى اللغة الفارسية، تبث “إيسنا” خدمتها الإخبارية باللغتَيْن الإنجليزية والعربية، ومن المقرر أن تبدأ بث خدمتها باللغات الفرنسية والألمانية والروسية قريبًا.

(4) وكالة أنباء “المرأة”: بدأت عملها في إيران عام 2005م، ترأست الوكالة صديقة قنادي، وهي وكالة أنباء خاصة لا نتبع أي حزب سياسي أو أية اتجاهات نسوية مُنظَّمة؛ حيث إن هدفها الأساسي هو التركيز على شئون المرأة ومحاولة تقييم مشكلاتها بشكل أفضل. ويقع مكتب الوكالة الرئيسي في مدينة “مشهد” شمال شرق إيران، ويعمل في الوكالة 50 صحفيًّا بشكل تطوعي دون الحصول على أجر بسبب مشكلات مالية.

(5) وكالة أنباء “فارس”: وكالة أنباء إيرانية شبه رسمية، ولكنها تعلن نفسها كوكالة مستقلة، وتقدم الوكالة الأخبار باللغات العربية والتركية والإنجليزية، وليس بالفارسية.

(6) وكالة الأنباء القرآنية: تُعرف اختصارًا باسم “إيكنا”، وتم افتتاحها عام 1994م، وهی أول وكالة أنباء قرآنية متخصصة في العالم الإسلامي، وتقوم بنقل وتحليل الأخبار والأحداث المختلفة في إيران والعالم، في مختلف المجالاتن السياسية، الثقافية، والاجتماعية، بالإضافة إلى المجال الديني، الذي هو أساسي لها.

(7) وكالة “القدس” للأنباء: تُعرف اختصارًا باسم “قدسنا”، وهي وكالة أنباء إيرانية مستقلة من الناحية الرسمية، ومتخصصة في الشئون الفلسطينية، والتطورات الحاصلة بشأن القضية الفلسطينية.

(8) وكالة “مهر” للأنباء: هي وكالة أنباء إيرانية، أنشئت في طهران في العام 2003م، ولديها 14 خدمة خبرية فعالة في أقسام الثقافة والأدب، الفن، الدين والفكر، الحوزة والجامعة، التقنيات الحديثة، الشئون الاجتماعية، الاقتصاد، السياسة، الشئون الدولية، الرياضة، الطاقة النووية، الدفاع المقدس، الصور والجرافيك.

ولدى وكالة مهر للأنباء 5 مكاتب إقليمية، و30 مكتبًا محليًّا نشطا في جميع أنحاء إيران، وأكثر من 300 مراسل ومحرر يعملون في هذه المكاتب. وتبث الوكالة خدمتها الإخبارية بسبع لغات رسمية، وهي: الإنجليزية والفارسية والعربية والأوردية والألمانية والتركية والروسية.

وقد عقدت وكالة مهر اتفاقيات تعاون مع 17 وكالة أجنبية، وهي شينخوا (الصين)، كيودو (اليابان)، “بي. تي. آي” (الهند)، برناما(ماليزيا)، يونهاب (كوريا الجنوبية)، “في. إن. آي” (فيتنام)، آفي (إسبانيا)، برنسا لاتينا (كوبا)، جيهان (تركيا)، آنتارا (إندونيسيا)، ترند (أذربيجان)، مونتسامه (منغوليا)، سانا (سوريا)، “آي. بي. بي” (باكستان)، “بي. إن. آي”، (الفلبين)، آوا (أفغانستان) وبيرولي (جورجيا). وانضمت وكالة مهر للأنباء إلى عضوية اتحاد وكالات أنباء آسيا والمحيط الهادئ (آوانا) في العام 2007م، أثناء انعقاد الاجتماع الثالث عشر للجمعية العامة للاتحاد في العاصمة الإندونيسية جاكرتا.

المحور الثالث

خريطة المراكز البحثية في إيران

تتمتع مراكز صنع القرار في إيران بأهمية كبيرة خاصة في ظل مشروعــات تمــدد وطموحــات تتصــف بالديمومة، ولا تتغير بتغير أنظمة الحكم والقائمين عليها، ففي عهد الشاه محمد رضا بهلوي (1941م-1979م): بنــى قــراره في مجــال الطاقــة النوويــة علــى دراســة سياســية نصحتــه بــأن ينــوع مصادر الطاقــة في بــلاده، بالرغــم مــن عــدم الحاجــة الإيرانيــة إلى الطاقــة الذريــة، واعتمادهــا بشــكل أســاسي علــى النفــط في الطاقــة اللازمــة للصناعــة، خاصــة أن إيــران كانــت قــد بــدأت بالفعــل في بنــاء عــدد مــن المصانــع الضخمــة المختصــة بالصناعــات الثقيلــة في أصفهــان وغيرهــا بخـبـرات روســية، ولم تكــن في حاجــة وقتيــة للطاقــة النوويــة. وبالفعل أنشــأ الشــاه مفاعلاتــه النوويــة التــي اســتقدمها مــن جهــات ثــلاث: الولايــات المتحــدة الأمريكيــة وألمانيــا الغربيــة وفرنســا.

وكان الشاه متابعاً باســتمرار للأحداث الجارية عــن قــرب، حيث كان يُزّود بالتقييــمات السياســية التــي يُعدها الخبراء السياســيون في الــوزارات والمؤسســات الأمريكيــة التــي تحصــل بدورهــا عــلى مكافــآت ماليــة مــن إيــران.

أولاً: تطور الاهتمام بالمراكز البحثية في إيران بعد 1979:

في عهد الخميني (1979م-1989) وهاشمي رفسنجاني(1989م-1997م) و محمد خاتمي(1997م 2005م)  وحسن روحاني: يمكن القول بالنسبة للخميني وعهده لم يبد اهتماماً كبيراً بمراكــز الأبحاث والدراسات في الوقــت الــذي كانت فيه الجماعة الدولية قــد بــدأ بالفعــل في الاهتــمام بتلك المراكز، كوسيلة من الصعوبة بمكان الاســتغناء عنهــا لفهم طبيعة التفاعلات التي تجري داخل الدولة والتفاعلات على المستوى الإقليمي والدولي والتــي عــلى ضوئها تتخذ الدولة قراراتها وفق مقتضيات مصالحها العليا.

أما هاشــمي رفســنجاني الذي يعد رابع رئيس لجمهورية إيران منذ قيام ثورتها في العام1979م، والذي استلم رئاستها في العام 1989م، ففي عهده أنشأ العديد من الجامعــات والاهتــمام بمراكز البحث العلمي والدراسات السياســيات كأحــد مباحــث العلــوم الاجتماعيــة والدراســات الإنســانية.

وقد بلغ الاهتمام بمراكز الأبحاث ذروته حينما استلم محمد خاتمي رئاسة الجمهورية في العام 1997م حيث نهج خاتمــي سياسة مغايرة لما اعتادت عليه مؤسســات الدولــة الإيرانية، متجــاوزاً العُرف في عملية صنع القرار التقليدي(15 ).

أما الرئيس السادس لجمهورية إيران حســن روحــاني والذي تقلد منصبه في أغسطس عام 2013م، ومنذ توليــه الرئاسة اصدر مجموعة قــرارات تبيّن أنهــا نتيجة تقديــرات موقــف وتوصيــات صادرة عن مراكز أبحاث ودراسات محسوبة على مؤسسات الحكم في إيــران بخصــوص الملف ذي الأولويــة الكبــرى في السياســة الخارجية الإيرانيــة وهــو: البرنامج النــووي الإيــراني، وإزاء هــذه الدراســات السياســية صــدر قــراران مفصليــان تجــاه الجماعة الدولية.

أولهما: تعيين السفير محمد جواد ظريف وزيراً للخارجية، ومرد هذا الإختيار تعود لخبرته في أروقة الأمم المتحدة، حيث كان سفيراً لإيران فيها ما بين(2002م-2007م). كما يرتبط بعلاقات حسنة مع الدول الغربية. وله علاقات جيدة مع المسؤولين في الإدارة الأمريكية، ومن ضمن ما هدف إليه هذا التعيين هو تبوأ دبلوماسي إيراني مقرب من الولايات المتحدة الأمريكية هرم العمل الدبلوماسي في إيران.

كرسالة ضمنية من الرئيس حسن روحاني على انفتاح إيران عليها في إطار برنامجه الإنتخابي الذي وعد من خلاله بالإصلاحات الاقتصادية التي من الممكن أن تأتي عبر إعادة العلاقات الأمريكية الإيرانية المقطوعة منذ قيام الثورة الإيرانية والتي أطاحت بحليفها في الشرق الأوسط محمد رضا بهلوي في العام 1979م.

ثانيهما: نـقل صلاحيــات التفــاوض النــووي مــن هيئــة الأمــن القومــي الإيــراني برئاســة ســعيد جليــي وإســناد الملــف البرنامج النــووي كليــاً إلى وزارة الخارجيــة، في رســالة إلى الدول الغــربية مفادهــا أن البرنامج أصبــح بالنســبة لطهــران في عهــد الرئيس حسن روحــاني ضمن المسار الدبلوماســي وليس الأمني.

ثانياً: مراكز الأبحاث وعملية صنع القرار في إيران

ترتبــط المراكز البحثية الرئيسية في إيران ارتباطــاً وثيقــاً بالمؤسسات الحكومية الإيرانية، وتنقسم هذه المراكز إلى قسمين الأول: مراكز تعمل الدولــة على إنشائها ومنهــا مــا يتبــع جامعــات حكوميــة، أما الثاني فهي مراكز غيــر رســمية تتخــذ صفــة الاســتقلالية، لكنهــا في الحقيقــة تخــدم المؤسســات الرســمية وتقــوم بــأدوار متعــددة؛ أهمها تقديــم تقديــرات مواقــف أو توقع سيناريوهات لحدث مــا قبــل وقوعــه ثــم الدعايــة السياســية للقــرار الســياسي بعــد أن يتــم صنعــه في مؤسســة المرشــد علي خامئني إذا كان قــراراً يتعلــق بالسياســات الخارجيــة، أو مؤسســة رئاســة الجمهوريــة إذا كان قــراراً يُنظّم علاقــة الرئاســة برجــال الديــن أو البــازار أو الأحــزاب السياســية أو حتــى قوانيــن تنظيــم الحيــاة اليوميــة للمواطنــين مثــل حظــر تركيــب الأطبــاق التــي تلتقــط إشــارات القنــوات الفضائيــة مــن الأقــمار الاصطناعيــة أو إغــلاق موقــع التواصــل الاجتماعي “فيســبوك” وموقــع التدوينــات القصـيـرة “تويــتر” وغيرهــا، أو توجيــه الرســائل الضمنيــة إلى الــدول أو الجماعــات المســتهدفة.

يعد المثال البارز على نزعة إنشاء الدولة الإيرانية مراكز أبحاث تحقق الأهداف الاستراتيجية لها وتمولها وتوفر لها البيئة البحثية المواتية، أربعة مراكز رئيسة تتشكل فيما بينها كمربع متساوي الأضلاع يمثل أجنحة صنع القرار السياسي في العاصمة الإيرانية طهران في القضايا الداخلية والخارجية، حتى وإن تباينت الأدوار بين الأضلاع الأربعة لكنها تبقى دائماً بمثابة أطراف صنع القرار السياسي للنظام.

1ـ مركز دراسات رئاسة الجمهورية:

يهتم المركز، الذي يشرف عليه مباشرة رئيس الجمهورية، بالدراســات والأبحــاث السياســية والاقتصاديــة وتقديــم المشــاريع والمقترحــات الاستراتيجية لصنــاع القــرار في رئاســة الجمهوريــة في مجــالات العلاقــات السياســية والاقتصاديــة والاجتماعيــة والثقافيــة والعســكرية والدوليــة الخارجيــة، وفقــاً للسياســات العامــة للدولــة الإيرانيــة.

وقد حددت رئاسة الجمهورية للمركز ثلاثة عشر هدفاً، منها:

تقديم أوراق بحثية علمية استراتيجة توافق السياسات العامة لجمهورية إيران

تقديم الدراسات الحديثة الآنية في مجال عمل أجهزة الدولة التنفيذية ذات الطبيعة الاستراتيجية المستقبلية مع كتابة توصيات استراتيجية تُمكن صناع القرار من اتخاذ القرار المناسب في القضايا ذات الصلة.

الاستفادة من المشاريع البحثية التي تنتجها معاهد البحوث المحلية والأجنبية ومراكز البحوث ذات الصلة في المجالات التي تتعلق بالاستراتيجيات الوطنية الإيرانية.

تحديد وتفسير اختصاصات صناع القرارات السياسية والاستراتيجة في المجالات الرئيسة التي تتعلق باستراتيجيات الأمن القومي الإيراني.

ويســتضيف المركــز خبــراء سياسيين خارجيــن مــن قــارات العــالم في مجــالات العلاقــات الدوليــة وشــؤون الــشرق الأوســط ويقيــم حلقــات نقــاش في الشــأن ذاتــه. ولعــل أبــرز مثــال علــى ذلــك اســتضافة مركــز رئاســة الجمهوريــة الإيرانيــة للدراســات والبحــوث البروفيسور إيمانويــل فالــر شــتاين في 1 مارس 2014م، وهو أحد أهــم الخبــراء السياسيين في العلاقــات الأمريكيــة -الدوليــة. ودار الحديث من خلال الحلقة النقاشية حول العلاقات الإيرانيــة -الأمريكيــة والســيطرة الأمريكيــة والنفــوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، فضلاً عن العلاقات الإيرانية الدائرة بين إيران والدول الكبرى.

2ـ مركز دراسات البرلمان:

تأسس في العام 1992م، وبدأ في إنتاج الأوراق السياسية بحلول العام 1995م، أي في عهد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، وتقوم مهمته الأساسية على تقديم أوراق بحثية سياسية وقانونية تُمكن النواب وصناع القرار من اتخاذ القرار السياسي السليم خاصة في مسائل التشريعات التي يصدرها مجلس الشورى”الاسلامي” والتي تبنى عليها بقية مؤسسات الدولة.

ويلاحــظ تركيــزه على القضايــا التنمويــة والثقافيــة والاقتصاديــة والقانونيــة الداخليــة. فضــلاً عــن تلــك القضايــا المتعلقــة بعلاقــات إيــران الخارجيــة. علــى ســبيل المثــال: وافــق مجلــس الشــورى الإيــراني بالإجــماع علــى دخــول المصريــين إلى إيــران مــن دون تأشــيرة وفقــاً لورقــة سياســات قُدمت إلى النــواب. ويمكن استعراض بعض آخر الموضوعات التي تطرق إليها مراكز دراسات مجلس الشورى الإيراني في النقاط التالية: دراسة وأحكام وتطوير مــشروع قانــون الموازنــة الريفيــة والقبلية. دراسات تخطيط استخدام الأراضي الإقليمية في إيران.

3ـ معهد دراسات وزراة الخارجية:

يشغل هذا المعهد مرتبة متقدمة في السياسة الإيرانية، لاسيما في أوقات الأزمات، ويتكــون المعهــد مــن تســعة قطاعــات أو وحــدات أو مراكــز بحثيــة تنطــوي عــلى الأولويــات الإيرانيــة الرســمية في دراســة القضايا الدوليــة، وتتشــكل فــرق أبحــاث هــذه المراكــز التســعة مــن خــبراء سياسيين يعملــون في وزارة الخارجيــة الإيرانيــة فضــلاً عــن الســفراء الســابقين ذوي الخبــرة في القضايا المنوطــة بهــم وكبــار دبلوماســيي وزارة الخارجيــة وباحثــن خارجيــن بالإضافــة إلى أعضــاء هيئــة التدريــس بالجامعــات الإيرانيــة.

ويعمل على تأليــف وترجمــة الكتــب المتعلقــة بالقضايــا الدوليــة المختلفــة. وينــشر المعهــد عــشرات الكتــب ســنوياً في الملفــات الملحــة منهــا أعــمال بحثيــة محكمــة لخـبـراء المعهــد والســفراء الســابقين، ودراسات وتحليلات دورية شهرية في المجالات التسعة المذكورة، لكن الدراسات المتعلقة بالشرق الأوسط هي الأكثر كثافة في إصداراتها المعهد في السنوات الأخيرة. يصدر المعهد دوريات ومجلات سياسية تخاطب الشعوب الخارجية.

4ـ مركز دراسات مجمع مصلحة تشخيص النظام:

يهتــم المركــز بالدراســات الاستراتيجية المنوطــة بوضع استراتيجيات مســتدامة لجمهوريــة إيــران في القضايــا الإقليمية والدولية وعلى مختلف المستويات. ويعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1990م، أي في عهــد الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني. أما فيما يتعلق بإصداراته العلمية فقد أنتج المركــز العديد مــن الدراسات الاستراتيجية في مجــالات الدراســات السياســية والاقتصاديــة والقانونيــة والثقافيــة والاجتماعيــة.

كما عني المركــز بالأنشــطة البحثيــة التــي تتعلــق بتنظيــم المؤتمــرات والحلقــات النقاشــية والدوائــر المســتديرة المنتجــة للدراســات ذات النزعــة الاستراتيجية لإعانتهم في اتخاذ القرار السياسي السليم. وينشر الجزء الآخر من أبحاثه ودراساته في شكل أوراق بحثية توزع على الكوادر الحكومية.

يشتمل المركز على 6 وحدات بحثية تتكون كل وحدة منها من عدد من الوحدات المصغرة، على سبيل المثال: وحدة أبحاث السياسة الخارجية، تتكون من دراسات الشرق الأوسط والخليج الفارسي، والدراسات الأوروبية والأمريكية.

ثالثاً: توجهات المراكز البحثية الخارجية

في كثــير مــن الأحيــان تتعــدى المراكــز الخاصــة دورهــا ويتصــدر باحثوهــا واجهــة المشــهد سياســياً ودبلوماســياً، ويروجــون لأفــكار النظــام عبــر وســائل الإعــلام باعتبارهــم محللـيـن سياسيين مستقلين، وكثيــراً مــا تســند لهــم الدولــة أدواراً تتعــدى أدوار أي محلــل ســياسي في أي نظــام ســياسي آخــر(16 ).

ومن الملاحظ أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تسير الجمهورية الإيرانية على خطى الدول المتقدمة في الاعتماد بشكل أو بآخر على التوصيات التي تصدرها مراكز الأبحاث والدراسات بشأن القضايا الإقليمية والدولية، والتي من شأنها أن تقدم المشورة لصانع القرار الإيراني، خدمة لمشروعها السياسي المبني على التوسع في مجالها الإقليمي ولاسيما في العالم العربي(17 ).

———————————-

الهامش

(1) على حسين باكير: اكتشاف القوة الناعمة الإيرانية.. القدرات وحدود التأثير، مصدر سابق.

(2). شاكر، حسام: القوة الإيرانية الناعمة ومعضلاتها، بوابة الدراسات، “الجزيرة.نت”، 17 أبريل 2013م، للمزيد طالع : الرابط

(3) على حسين باكير، اكتشاف القوة الناعمة الإيرانية.. القدرات وحدود التأثير، مصدر سابق.

(4) المثال الأبرز علي ذلك ما قامت به صحيفة “كاركوزاران” (‏كوادر البناء‏)‏ المحسوبة علي جناح المعتدلين والمقربة من رئيس مجلس الخبراء ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، في أواخر ديسمبر‏2008 (‏خلال الحرب الإسرائيلية علي قطاع غزة‏)‏ عندما نشرت مقالا يصف المقاومين الفلسطينيين بأنهم‏’‏ إرهابيون يتسببون بموت الأطفال والمدنيين عبر أنشاء بعض مقراتهم في دور الحضانة أو المستشفيات‏. هذا التطور رغم أنه أدي إلي إغلاق الصحيفة، إلا أنه أعطي انطباعا بأن قضايا السياسة الخارجية الإيرانية لا تحظي‏ بإجماع مختلف القوي السياسية الإيرانية ووسائل إعلامها‏

(5) محمد عباس ناجي، الإعلام الإيراني: تعدد الأصوات وتقييد الحريات، صحيفة “الأهرام” المصرية، العدد 44903، 14 نوفمبر 2009. الرابط

(6) محمد عباس ناجي، الإعلام الإيراني.. تعدد الأصوات وتقييد الحريات، مصدر سابق.

(7) محمد عباس ناجي، الإعلام الإيراني.. تعدد الأصوات وتقييد الحريات، مصدر سابق.

(8) أنظر الرابط:

(9) دبابات في جنوب إيران لتدمير أطباق الفضائيات، موقع “العربية نت”، 29 سبتمبر 2013. الرابط.

10 وزير الثقافة الإيراني: محاولات حجب وسائل الإعلام الأجنبية بلا جدوى، موقع “بي بي سي”، 10 مايو 2015. الرابط.

11 http://www.internetworldstats.com/stats5.htm

12 http://www.budde.com.au/Research/Iran-Telecoms-Mobile-and-Broadband.html?r=51

13 Liking Facebook in Tehran: Social Networking in Iran, Iran Media Program, Center for Global Communication Studies, University of Pennsylvania, p 10. link

(14) محمد عباس ناجي، الإعلام الإيراني.. تعدد الأصوات وتقييد الحريات، مصدر سابق.

(15) للتدليل على صحة ذلك يسوق أحد الباحثين المثل الآتي: نــزل الرئيــس الإيــراني محمــد خاتمــي مــن غرفتــه في فنــدق إقامتــه في العاصمة السويسرية جنيــف لاســتقبال الرئيــس المصــري الأسبق محمــد حســني مبــارك في العام 2003م. وقد بُني هذا التحرك الدبلوماسي على دراسة أعدها أحد الباحثين السياسيين الإيرانيين المتخصيين في الشؤون المصرية وكان من بين توصياتها ضرورة تجاوز المرحلة التاريخية من الخلافات في العلاقات الإيرانية المصرية والعمل الحثيث على بناء جسور الثقة والتقارب مع مصر. أنظر: د. معمر فيصل خولي، دور المراكز الأبحاث والدراسات في صنع القرار السياسي: إيران إنموذجاً، مركز الروابط والبحوث والدراسات الإستراتيجية، 4/9/2015، الرابط.

(16) لمزيد من التفاصيل، راجع:

ـ محمد محسن أبو النور، مراكز صنع القرار بإيران: المحددات والتوجهات، أوراق سياسية، مركز صناعة الفكر للدراسات والأبحاث، بيروت، الرابط

ـ مراكز صنع القرار الإيرانية: الأداة العلمية الثابتة لمشاريع التوسع والتمدد، الرابط

ـ أهم 3 مراكز بحثية في إيران، ينظر الرابط.

(17) أنظر: د. معمر فيصل خولي، دور المراكز الأبحاث والدراسات في صنع القرار السياسي: إيران إنموذجاً، مركز الروابط والبحوث والدراسات الإستراتيجية، 4/9/2015، الرابط.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close