الكونجرس الأمريكي واعتبار الإخوان جماعة ارهابية
تمهيد
إن عملية توقع لمستقبل السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية (خاصة تجاه سلطة النظام العسكري وجماعة الإخوان المسلمين في مصر) تخضع لعدة إعتبارات وخصوصاً خلال المدة الباقية لحكم الرئيس أوباما الديمقراطى أى خلال عامى 2015 و 2016 وحتى موعد الإنتخابات الرئاسية والتى سيكون معها إنتخابات التجديد النصفى لنصف أعضاء الكونجرس وإنتخابات حكام بعض الولايات، وخصوصاً بعد سيطرة الجمهورين على الكونجرس الأمريكى بمجلسيه النواب والشيوخ في انتخابات نوفمبر 2014، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية مع وجود مشروع داخل الكونجرس لاعتبار جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.
وهنا يأتي هذا التقدير على مستويين، الأول يتناول الاعتبارات الحاكمة للتغيير في هذه المرحلة، والثاني، الموقف من جماعة الإخوان المسلمين:
المستوى الأول: الاعتبارات الحاكمة للتغيير بعد انتخابات الكونجرس:
أولاً: الإعتبارات الخارجية:
أو ما يسمى بالتهديد الآتى – على حد تفكير الإدارة الديمقراطية – من إنتشار نفوذ الدولة الإسلامية والملف النووى الإيرانى وغيرها، فهذه الأمور ستستمر كما هى تراوح مكانها وهو أسلوب يتبعه كل الحكام الديمقراطيين فى معالجتهم للأزمات الخارجية. ومع هذا فإذا تم الدفع بأى قرار من الكونجرس للتنفيذ فإن الرئيس يمكنه أن يقدم (فيتو) أى إعتراض على أى قرار قد يضر بالنهج المتبع لدى الديمقراطيين فى حكم أمريكا.
وبالتالى فمن المرجح أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية خلال عامى 2015 و 2016 سوف تكون كما هى ولن يتمكن الكونجرس من فرض أى تغيير فى السياسة الخارجية للرئيس الديمقراطى باراك أوباما، وسيتم التوافق على هذه السياسة وخصوصاً مع ضعف الإقتصاد الأمريكى الذى تسلمه باراك أوباما وهو على حافة الإنهيار بسبب إنهيار سوق العقارات صيف عام 2008.
ثانياً: الإعتبارات الداخلية التى ستتغير بوصول الأغلبية الجمهورية للكونجرس:
يجب أن نتعرف على المشاكل الداخلية محل الخلاف بين الحزبين الرئيسيين:
1ـ المشاكل الداخلية محل الخلاف بين الحزبين الرئيسيين:
هناك مشكلتان رئيسيتان ظهرتا على السطح منذ 2008 عندما تولى الرئيس باراك أوباما سدة الحكم. وهما مشكله التأمين الصحى ومشكلة الهجرة غير الشرعية وكيفية تقنينها. فبالرغم من ان إدارة الرئيس جورج بوش هي من بدأت فى طرح حلول لمشكلة الهجرة غير الشرعية إلا أنه ومع تولى الرئيس باراك أوباما سدة الحكم فى 2008 تم تعقيد التوصل لحلول عملية لهذه المشكلة وكان الأعضاء الجمهوريين هم من يقف حجر عثرة فى سبيل تمرير القانون بعد أن تمت مناقشته عام 2012 وحتى اليوم لم يتمكن الديمقراطيون من التوصل لإتفاق مع الجمهوريين حول هذا القانون.
كما أن موضوع التامين الصحى الشامل الذى بدأ في عرضه الرئيس الديمقراطى (جيمى كارتر) عام 1978 وهو يراوح مكانه، ولكن تمكن الرئيس أوباما من فرضه فى عام 2013 على الكونجرس وتم إقرار القانون على أن يتم التنفيذ على مراحل وهذا القانون لم يكن على هوى أو قناعة الجمهوريين.
2ـ الأعضاء الجدد:
فيما يلي أسماء الأعضاء الجدد فى الكونجرس من الحزب الجمهورى والولايات التى يتبعونها كى نستخلص توجهاتهم وهمومهم داخل ولاياتهم وبالتالى يمكننا أن نتعرف على ما يمكن أن يضيفوه للمجموعة الجمهورية بالكونجرس خلال الفترة القادمة.
- (Shelley Capitio ) وهى سيدة من ولاية فرجينيا الغربية. وهى من الولايات الزراعية.
- (Joni Erinst ) وهى سيده من ولاية أيوا. وهى من الولايات الزراعية.
- (Thom Tillis ) وهو رجل من ولاية كارولينا الشمالية. وهى من الولايات الزراعية.
- (Mike Rounds ) وهو رجل من ولاية داكوتا الجنوبية. وهى من الولايات الزراعية.
- (Steve Daines ) وهو رجل من ولاية مونتانا. وهى من الولايات الزراعية.
- (James Lankford ) وهو رجل من ولاية اوكلاهوما. وهى من الولايات الزراعية.
- (Tom Cotton ) وهو رجل من ولاية اركنساس. وهى من الولايات الزراعية.
- (David Perdue ) وهو رجل من ولاية جورجيا. وهى من الولايات الزراعية.
- (Cary Gardner ) وهو رجل من ولاية كولورادو. وهى من الولايات الزراعية.
- (Ben Sasse ) وهو رجل من ولاية نبراسكا. وهى من الولايات الزراعية.
إذا ما نظرنا إلى الولايات التى يتعبها هؤلاء الأعضاء الجدد فى الكونجرس المنتمين إلى الحزب الجمهورى فإنهم ينتمون جميعاً إلى الولايات التى يعتبر النشاط الزراعى هو الغالب فى إقتصادها. وبالتالى فإن توجهاتهم داخل حزبهم أو داخل الكونجرس سوف تصب فى مصلحة ولاياتهم كما هو متبع.
ولما كانت مصلحة الولايات الزراعية تصب فى تقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين بسبب إحتياج هذه الولايات إلى اليد العاملة وخصوصاً من أمريكا اللاتينية الذين يفضلون العمل فى الولايات الزراعية بسبب معوقات اللغة والخبرة لدى هؤلاء المهاجرين.
وأيضاً موضوع التامين الصحى الذى سيصب فى مصلحة الفقراء ولما كانت الولايات الزراعية تعتبر فقيرة نسبياً بالمقارنه بينها وبين الولايات على الساحل الغربى والشرقى، وبالتالى فإن الأعضاء الجدد سيكون همهم الأول هو إقرار هذه القوانين بغض النظر عن رؤية حزبهم لهذه القضية وقد صرح السيناتور عن ولاية كولورادو (جارى جاردنر) بعد فوزه مباشرة بصراحة بأن همه الأول هو تقنين وضع المهاجرين غير الشرعيين والتخفيف عن الفقراء بإقرار التامين الصحى الشامل لكل الأمريكيين.
وبالتالى يمكن القول أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكة لن تشهد أى تغيير خلال فترة حكم الرئيس باراك أوباما. أما بالنسبة للوضع الداخلى فإن الكونجرس سيعمل على إقرار القوانين محل الخلاف، ويمكن أن يتم إصدار قانون تقنين الهجرة غير الشرعية خلال الربع الأول من العام 2015 لأن الفائزين الجدد سيتولون مقاعدهم يوم 3 يناير 2015 وسيبدأون فوراً فى مناقشة الأمور العالقة. وبالنسبة لقانون التامين الصحى فسوف يتم إقرار الخطوة الثانية منه لأنه سوف يغطى كذلك شريحة من متوسطى الدخل ولأنه كذلك سيصب فى مصلحة الفقراء وهى الفئة التى سوف ينطبق عليها قانون تنظيم الهجرة غير الشرعية التى تقدرها الحكومة بحوالى 12 مليون مهاجر غير شرعى سوف يتم إدماجهم فى المجتمع الأمريكى خلال 2015 و 2016 بشكل رسمى، وسيكون هم هؤلاء الأعضاء هو التصدى للمعوقات التى تمنع صدور هذه القوانين.
المستوي الثاني: مشروع قانون لاعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا:
(هذا الجزء من التقرير نقلاً كاملاً مع الاختصار عن تقرير بعنوان هل ستنجح ضغوط الكونجرس في تسمية جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًّا“، للباحث عمرو عبد العاطي، منشور على موقع المركز الإقليمي للدراسات، بتاريخ 4 نوفمبر 2014):
هذا الجزء في 24 يوليو 2014، قبل إجازة الكونجرس الصيفية، قدمت العضو الجمهوري بمجلس النواب “ميشيل باكمان” من ولاية مينيسوتا مشروع قانون إلى المجلس لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًّا”، ويدعو المشروع لفرض عقوبات ضد الأشخاص الذين يقدمون عن علم دعمًا ماديًّا أو موارد لجماعة الإخوان المسلمين أو التابعين لها أو المرتبطين بها، أو وكلائها، ومع عودة الكونجرس من إجازته وبداية جلساته سيتصدر هذا القانونُ ضمن العديد من مشروعات القوانين الأخرى النقاشَ داخل أورقة الكونجرس الأمريكي بمجلسيه (الشيوخ والنواب).
ويدعم مشروع القانون (H.R 5194) الذي قدمته العضو الجمهوري “ميشيل باكمان” بمجلس النواب الأمريكي، سبعة نواب بالمجلس، هم: “بيتر روسكام” ممثل الحزب الجمهوري لولاية إلينوي، و”ترينت فرانكس” ممثل الحزب الجمهوري لولاية أريزونا، و”سينثيا لوميس” ممثلة الحزب الجمهوري لولاية وايومنج، و”كيفين برادي” ممثل الحزب الجمهوري لولاية تكساس، و”ستيف سوثرلاند” ممثل الحزب الجمهوري لولاية فلوريدا، و”لوي جوميرت” ممثل الحزب الجمهوري لولاية تكساس، و”دوج لامالفا” ممثل الحزب الجمهوري لولاية كاليفورنيا.
ويسعى مشروع القانون “قانون التسمية الإرهابية للإخوان المسلمين لعام 2014 Muslim Brotherhood Terrorist Designation Act of 2014” والمكون من تسع عشرة صفحة إلى تصنيف جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًّا” لكونها “مستمرة في دعم وتمويل الجهاد، وتشجيع نشر نسخة متطرفة من الإسلام عبر العالم”، وأن “قادة الجماعة كانوا دائمًا مساهمين أساسيين في التنسيق لهجمات حول العالم بواسطة جماعات وسيطة”. ولذا يدعو المشرعون الإدارةَ الأمريكية إلى فرض عقوبات على أي شخص يُقدّم أي نوع من الدعم للجماعة أو قياداتها أو المنظمات التابعة لها، وكذا رفض إصدار تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة لأي شخص له علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وإغلاق أي منظمة تابعة للجماعة داخل الولايات المتحدة.
وقد استند مشروع القرار في حيثياته لتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًّا” إلى كتابات مؤسس الجماعة “حسن البنا” التي تحث على “الجهاد”، وقد أفرد لها مشروع القانون جزءًا كبيرًا، ونقل تصريحات لـ”البنا” تدعو إلى “الجهاد”، إلى جانب بعض تصريحات عدد من المسئولين الأمريكيين عن ملف الإرهاب والتنظيمات الإرهابية المسلحة الذين عملوا بالإدارات الأمريكية، وشهاداتهم أمام الكونجرس الأمريكي التي تشير إلى أن جماعة الإخوان المسلمين كانت وراء العديد من العمليات الإرهابية(2 ).
وأشار المشروع إلى سوابق أمريكية لتسمية عدد من التنظيمات والقيادات الإسلامية التي خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين على أنها جماعات إرهابية(3 ). ويطالب مشروع القانون بوضع عددٍ من المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة التي تقدم الدعم لجماعة الإخوان المسلمين وتدافع عنها داخل الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية(4 ).
ويكشف مشروع القانون عن تيارين مركزيين داخل الولايات المتحدة حول الموقف الأمريكي من اعتبار الجماعة “منظمة إرهابية خارجية Foreign Terrorist Organization (FTO)” ، هما:
التيار الأول: المؤيد لاعتبار الإخوان جماعة إرهباية:
ينطلق في تعامله مع جماعة الإخوان المسلمين من تحيز أيديولوجي وسياسي ضد الدين الإسلامي بوجه عام، وتيار الإسلام السياسي على وجه الخصوص. وأنصار هذا التيار من اليمين الأمريكي الذي بدأ ينشط مجددًا داخل الكونجرس الأمريكي بعد ما حقق أنصاره مكاسب في انتخابات الكونجرس عام 2012( 5).
ويأتي حديث أنصار هذا التيار في إطار انتقادهم للسياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، وما يرونه من دعم للتنظيمات الإسلامية في المنطقة، وفي مصر خاصة، وأن السياسات الأمريكية أسهمت في تصاعد نفوذ التنظيمات الإسلامية والإرهابية التي تهدد الحلفاء والمصالح والنفوذ الأمريكي في المنطقة، ويستند أنصار هذا التيار إلى تقارير وتصريحات لمسئولين أمريكيين تتحدث عن أن جماعة الإخوان المسلمين ضالعة في تمويل وتدعيم منظمات إرهابية، وأن كافة التنظيمات الإرهابية التي تنشط حاليًّا خارجة من عباءة الجماعة، وأن قيادات وأعضاء تلك التنظيمات الإرهابية كانوا أعضاء في السابق بجماعة الإخوان المسلمين.
التيار الثاني: الرافض لاعتبار جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًّا”:
وهو التيار السائد في أغلب مراكز الفكر والرأي الأمريكي والأوساط البحثية والأكاديمية، وهو التوجه الذي تتبناه الإدارة الأمريكية حتى وقتنا هذا. ويدعو أنصار هذا التيار إلى إبقاء الإدارة الأمريكية خطوط الاتصال مع قيادات الجماعة؛ لأن تهميش الجماعة، من وجهة نظرهم، وقمعهم بدون فتح أفق العمل السياسي والمدني أمامهم سيقود إلى الفوضى في مصر، الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، والأمر الذي سيجعل الاستقرار السياسي المصري حلمًا بعيد المنال في وقت تموج فيه المنطقة بحالة من عدم الاستقرار، مع تنامي نفوذ التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم “داعش”، وهو ما قد يُنتج تهديدات للأمن القومي الأمريكي ومصالحها في المنطقة(6 ).
ويذهب عدد من أنصار هذا التيار إلى أن الضربة القوية التي لحقت بالجماعة بعد سقوط الرئيس السابق “محمد مرسي” جعلت الجماعة لا تشكل تهديدًا استراتيجيًّا، وبالتالي فإن التركيز على جماعة الإخوان سيصرف الاهتمام عن خطر أكبر ظهر مؤخرًا في سوريا والعراق، حيث تسيطر تنظيمات إرهابية في مقدمتها “داعش” على مناطق شاسعة من أراضي دول المنطقة.
وفي إطار هذين التيارين، يريى أحد الباحثين( 7)، أنه من المستبعد أن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين “تنظيمًا إرهابيًّا”( 8)؛ وذلك لعدة اعتبارات:
- كون الجماعة تمثل تيارًا شعبيًّا وسياسيًّا مهمًّا في كثير من الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية (تونس، الأردن، الكويت).
- أن الولايات المتحدة لم تسمِّ الجماعة تنظيمًا إرهابيًّا عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والحرب الأمريكية على الإرهاب، بل حافظت حينذاك على التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها ممثلة لتيار الإسلام السياسي المعتدل.
- خوف الولايات المتحدة من تكرار خطئها في إيران عام 1979 بإهمالها التواصل مع حركة “الخميني” في مدينة قم الإيرانية لتفاجأ بالثورة الإيرانية الإسلامية في عام 1979 ستستمر الولايات المتحدة الأمريكية في التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين في إطار تواصلها مع تيار الإسلام السياسي الذي زادت قوته وفاعليته بعد ثورة 25 يناير.
- إن إدارة “باراك أوباما” رغم الضغوط التي تمارس عليها من قبل العديد من السياسيين والمشرعين الأمريكيين لتسمية جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا، لن تُسميَ جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا إلا في حال تبني الجماعة العنف كمنهج رسمي لها، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
- انفتاح “أوباما” منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض على الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة في إطار مساعيه لإصلاح العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي بعد تدهورها خلال فترتي حكم الرئيس بوش الابن، وانطلاق الإدارة الأمريكية من قناعة أن التواصل مع الإسلام السياسي المعتدل في المنطقة يساعد الولايات المتحدة في حربها ضد الإسلام المتشدد الذي نشط مجددًا في المنطقة باعتمادها على الأول لمواجهة الثاني، والعمل على تقويضه، وأن تكون الغلبة للإسلام السياسي المعتدل الذي يصب في التحليل الأخير في الحفاظ على أمن واستقرار حلفاء الولايات المتحدة، ومصالحها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط .
خلاصات تنفيذية
استناداً للاعتبارات السابقة، يمكن التأكيد على عدة أمور مهمة:
أولاً: أن التغيير في تركيبة الكونجرس يمكن أن يؤثر على إقرار القانون، في ظل التوجهات اليمينية التي تهيمن على الحزب الجمهوري منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن، ولكن هذا الإقرار، قد لا يجد طريقه للتنفيذ من جانب الإدارة الأمريكية، على الأقل خلال الفترة المتبقية من إدارة أوباما، تحت دواعي الأمن القومي، وهو إجراء سبق واتخذته العديد من الإدارات الأمريكية في تعاطيها مع العديد من القضايا والدول، ومنها مثلاً المملكة العربية السعودية بعد أحداث سبتمبر 2001، ووجود 28 صفحة تم حذفها من تقرير التحقيق كانت تدين المملكة.
ثانياً: حدود الاستجابة من جانب الإدارة الأمريكية لضغوط تفرضها دول حليفة للولايات المتحدة مثل اسرائيل والسعودية والامارات، وحتى ايران التي تقاربت مؤخرا مع استراتيجيات أمريكا في المنطقه، للقبول بهذا الأمر، ترتبط بالاستراتيجيات الأمريكية والملفات المفتوحة التي تحتاج لتسوية وحاجة الولايات المتحدة لهذه الدول ابتداءً، في تسوية هذه الملفات، ودرجة أولوية هذه الملفات، ولكن من غير المتوقع الاستجابة لمثل هذه الضغوط واتخاذ إجراء حاسم فيما يتعلق باعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وإنما ستتم المماطلة والمراوحة في هذا الملف لإطالة أمد الأزمة حتى تتضح المواقف في مصر داخلياً، وفي مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية خارجياً، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية حرص الولايات المتحدة على استخدام ورقة الإخوان المسلمين كفزاعة جديدة في مواجهة دول الخليج العربية، كما استخدمت إيران كفزاعة بين 1980 و2013، ثم استخدامها فزاعة تنظيم الدولة 2013/2014.
ثالثا: أن استجابة الإدارة الأمريكية لضغوط اللوبي الصهيوني وحدوث مزايدات وخاصة والولايات المتحدة على أعتاب عملية طويلة لانتخاب رئيس أمريكي جديد، غير واردة خلال العامين القادمين، لأن مثل هذا القرار (اعتبار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية) في مثل هذا التوقيت (مع تصاعد المد الثورى الداخلي في مصر، والعمليات ضد تنظيم الدولة، والتوتر المتصاعد في ليبيا واليمن) سيفتح جبهة جديدة من الصراعات والأزمات، الولايات المتحدة في غني عنها الآن، ويمكن تأجيلها، وخاصة أن الإخوان لا تشكل تهديداً إستراتيجياً للمصالح الأمريكية في المنطقة، ولا تتبني نهجاً تصادمياً في مواجهة إسرائيل.
وبناء على ذلك تأتي أهمية التأكيد على استمرار فتح قنوات التواصل مع أعضاء الكونجرس الأمريكي ومراكز البحث والدراسات المؤثرة في عملية صنع القرارات داخل الكونجرس، وكذلك المؤثرة في توجهات الإدارة الأمريكية، بالإضافة إلى فتح قنوات اتصال مع الإدارة الأمريكية نفسها إذا تيسر الأمر حتى يكون الوجود المعبر عن الثورة المصرية حاضرا باستمرار في المشهد الأمريكي، وعدم ترك المجال خالياً للقوى الضاغطة في الاتجاه الداعم للانقلاب العسكري بمفردها، بما يدعم التوقعات الواردة في هذه الورقة، و ذلك خلال المدى القصير والمتوسط على الأقل.
———————————-
الهامش
(1) عمرو عبد العاطي، هل ستنجح ضغوط الكونجرس في تسمية جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا”؟، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 4/11/2014. الرابط
(2) أشار مشروع القانون إلى شهادة “ريتشارد كلارك”، المسئول عن ملف الأمن ومكافحة الإرهاب بإدارتي كل من الرئيس “بيل كلينتون” والرئيس “جورج بوش” الابن، أمام مجلس الشيوخ الأمريكي في أكتوبر 2003، حيث ذكر أن “كل المنظمات الإرهابية في العالم (حماس، الجهاد الإسلامي، القاعدة) تستقي قواعد عضويتها ومصدر إلهامها من واقع أيديولوجيا جماعة الإخوان المسلمين”، وكذا شهادة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي “روبرت مولر” في فبراير 2011 أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي التي قال فيها إن “عناصر من جماعة الإخوان المسلمين، سواء هنا أو في الخارج، يدعمون الإرهاب”.
(3)فقد صنف “بيل كلينتون” في 23 يناير 1995 حركة حماس كمنظمة إرهابية بموجب الأمر التنفيذي 12947، وصنفتها وزيرة الخارجية السابقة “مادلين أولبرايت” في 7 أكتوبر 1997 كمنظمة إرهابية، وأيضًا لجنة الدعوة الإسلامية الكويتية من قبل الرئيس جورج دبليو بوش في 23 سبتمبر عام 2001، بموجب الأمر التنفيذي 13224
(4) من تلك المنظمات: “الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية ” (ISNA) و”مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية ” (CAIR) و”الوقف الإسلامي لأمريكا الشمالية ” (NAIT).
(5)من أنصار هذا التيار النائبة الجمهورية في مجلس النواب “ميشيل باكمان” مقدمة قانون تسمية جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وتعرف “باكمان” داخل الأوساط الأمريكية بعلاقاتها الوثيقة بالدوائر المعادية للإسلام والمسلمين داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ففي مقال لها في السابع والعشرين من ديسمبر 2013 بصحيفة “ديلي نيوز” المصرية بعنوان “الإخوان المسلمون: تاريخ من الإرهاب” كتبت “باكمان”: “إذا أصدرت الحكومة المصرية المؤقتة قرارًا بأن جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية سيكون لزامًا على الولايات المتحدة أن تحذو حذوها، لتاريخ الجماعة الطويل من الإرهاب الذي تم تجاهله لمدة طويلة”. وخلال زيارة لها لمصر في سبتمبر 2013 وصفت “باكمان” الجماعة بأنها “العدو المشترك للولايات المتحدة ومصر.
ومن أهم أنصار هذا التيار أيضاً، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق “ديك تشيني” الذي تحدث أمام معهد أمريكان إنتربرايز -أحد أهم مراكز الفكر الأمريكية الداعمة لأفكار المحافظين الجدد- قبل يوم واحد من الذكرى الثالثة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر قائلا: “ينبغي أن ندرك أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر مصدر أغلب الإرهابيين الإسلاميين في العالم الآن؛ ولذا علينا أن نعتبرها منظمة إرهابية، فهي كذلك، وعلينا أن نقدم كل الدعم والمساندة للدول التي تواجه الجماعة في منطقة الشرق الأوسط”.
(6) أوصى خطابٌ لمجموعة العمل بشأن مصر، الصادر في 29 يناير 2014، الحكومةَ الأمريكية بضرورة الضغط على النظام المصري لإدماج جماعة الإخوان المسلمين في العملية السياسية، وإيصال رسالة أمريكية إلى جماعة الإخوان بأن العنف والإرهاب غير مقبول أمريكيًّا. كما قدم عددٌ من المسئولين السابقين والباحثين المرموقين داخل الولايات المتحدة الأمريكية جملةً من التوصيات للإدارة الأمريكية التي تُطالبها بإبقاء خطوط الحوار مع المفكرين الإسلاميين وقادة الإخوان من الرافضين للعنف والراغبين في المشاركة السياسية. وأن تؤكد الولايات المتحدة للنظام المصري أنها لا ترى جميع الإسلاميين إرهابيين، وتضغط على النظام المصري الجديد ليكون الإخوان جزءًا من المشهد السياسي المصري
(7) عمرو عبد العاطي، هل ستنجح ضغوط الكونجرس في تسمية جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا”؟، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، 4/11/2014.
(8) تعاملت إدارة “باراك أوباما” بحذر شديد مع اعتبار الحكومة الانتقالية المصرية جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، حيث أعلنت على لسان الناطقة باسم الخارجية الأمريكية في مارس 2014 أن “الولايات المتحدة الأمريكية ستحافظ على اتصالاتها مع جماعة الإخوان المسلمين دون أن يعني ذلك توافقًا أمريكيًّا مع الجماعة في كل القضايا، ولكن لأن تلك الاتصالات تعد ضرورية في سياق التواصل الأمريكي مع جميع القوى السياسية، بما يدفع مصر للخروج من المأزق الراهن الذي تمر به منذ الثلاثين من يونيو”. وعبر وزير الخارجية الأمريكية “جون كيري” في اتصال مع نظيره المصري -في ذلك الوقت- “نبيل فهمي” عن القلق الأمريكي من قرار الحكومة المصرية باعتبار جماعة الإخوان المسلمين تنظيمًا إرهابيًّا. والخشية من أن تؤدي سياسة إقصاء الجماعة التي يتبناها نظام الثلاثين من يونيو، والقمع ضد قياداتها وأعضائها، وإغلاق المنافذ السياسية والمدنية أمامها؛ إلى أن تتبنى الجماعة العنف وسياسات متطرفة، سواء على مستوى الجماعة ذاتها، أو تيارات قد تنشق عنها، وهو الأمر الذي يهدد مستقبل الأمن القومي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص الأمن الإسرائيلي الذي يعد مصلحة أمريكية؛ ولذا تدعو الإدارة الأمريكية “عبد الفتاح السيسي” بضرورة إدماج كافة القوى السياسية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، في السلطة، وعدم إقصائهم من العملية السياسية”.