سياسةقلم وميدان

اللاجئون في مصر: التجارة بالأعضاء

 

حذرت وزارة الصحة النيجيرية رعاياها الذين يعتزمون السفر إلى مصر للعلاج من تزايد معدلات تهريب وسرقة الكلى فى مصر، بحسب صحيفة “ديلي بيست” النيجيرية بتاريخ 17 اكتوبر 2017 وأصدرت الوزارة مذكرة للجمعية الطبية النيجيرية تحذرها من ارتفاع معدلات سرقة وتهريب الكُلي في مصر، لتبينه للنيجيريين الذين يعتزمون السفر إلى مصر للحصول على الرعاية الطبية . وأشار مدير خدمات المستشفيات بنيجيريا إلى محاكمة 41 مشتبها من مهربي الكلى غير الشرعيين في مصر. ( 1)

وجاء هذا مشيرا الى واقعة حدثت فى شهر ديسمبر 2016 حيث تمكنت هيئة الرقابة الادارية من مداهمة 10 مراكز وتحاليل طبية، وضبط أكبر شبكة دولية للاتجار بالاعضاء البشرية للمصريين بمشاركة مواطنين وعرب، تورط فيها 40 متهما من بينهم أساتذة جامعات، وأطباء مشهورون، ومصادرة حصيلة عملياتها وتقدر بالملايين من الدولارات، فضلا عن سبائك ذهبية .واضافت صحيفة «الاهرام» ان الشبكة تضم نحو 14 طبيبا فى تخصصات مختلفة من بينهم وأساتذة جامعات، وأطباء مشهورين، الى جانب أعضاء هيئة تمريض وأصحاب مراكز طبية ووسطاء سماسرة، استحلوا دماء الفقراء لتحقيق ثروات طائلة، وضبط بحوزتهم ملايين الدولارات والجنيهات . (2 )

وكان لهذه الواقعة وتداعياتها صدى كبيرا داخل مصر وقتها وطالب كثيرون بسرعة تعديل قانون رقم 5 لسنة 2010، بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية ( 3) ؛ ونشرت الجريدة الرسمية، في عددها الصادر بتاريخ الـ22 من يوليو2017، قانون رقم (142) لسنة 2017، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 5 لسنة 2010،وتغليظ عقوبة الاتجار بالأعضاء البشرية فى كل من القضايا التى تم ضبطها منذ ذلك التاريخ وحتى تاريخه (4 )

.ولكن يبدو ان العقوبة وان كانت مهمة الا ان الاهم منها هو الرقابة الصارمة والمتابعة الصحية المستمرة لجميع المنشآت الطبية العامة والخاصة. لأنه بعدها مباشرة وفى شهر اغسطس 2017 ؛ قام قطاع الامن الوطنى بضبط مستشفى خاص يتم فيه ممارسة الجريمة فى غياب تام للرقابة من وزارة الصحة (5 ) .

وجاء التقرير الاستقصائى المصور للصحفى الألمانى عن مافيا تجارة الاعضاء البشرية فى مصر؛ صادما للكثيرين حول مدى انتشار تلك الجريمة الانسانية بين المصريين ويفضح اطرافها المتعددة من سماسرة ووسطاء ومستشفيات وهيئات طبية ومراكز ابحاث ومرضى يطلبون الشفاء وأصحاء يتم تمزيق اجسادهم ونزع الصحة والعافية من حياتهم، وملايين الدولارات تتداول بين ايدى مافيا دولية واقليمية ومحلية عبر قوانين معطلة واجراءات رسمية تحمى الجريمة وتنتهك حرمة البشر .

ومن ناحية أخرى جاء التقرير ليكشف عن الضحايا من اللاجئين الافارقة خاصة السودانيين منهم الذين تناول الموضوع ظروفهم المعيشية فى مناطق العشوائيات حول القاهرة، ومحاولاتهم الاختفاء عن أعين السلطات، وعن اساليب استغلال اجسادهم فى تلك التجارة الغير آدمية . (6 )

وترجع أهمية تجريم الاتجار في الأعضاء البشرية إلى أن محل الجريمة هو استغلال أعضاء جسم الإنسان باعتبارها سلعة تباع وتشترى؛ وهو ما يُشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وبصفة خاصة حق الإنسان في الحياة وسلامة جسمه .وقد كشفت العديد من الدراسات التى قامت بها منظمة الصحة العالمية ( who) ،عن أن مصر اصبحت مركزاً اقليمياً لتوفير الأعضاء البشرية وصنفت مصر ضمن اكثر خمس دول حول العالم فى تصدير الإعضاء البشرية،وهم( الصين،والفلبين،وباكستان،وكولومبيا)،وتصدرت مصر المركز الأول على مستوى الشرق الأوسط . ومتوقع أن تستمر تجارة الأعضاء البشرية، في ظل غياب تطبيق القانون، واستشراء الفساد في المستشفيات، وزيادة نسبة الفقر بين المصريين، وعدم وجود قانون ينظم نقل أعضاء الموتى.

إن وجود مثل تلك التجارة غير الشرعية إلى “مجموعة من الظروف الاقتصادية والاجتماعية والدينية والقانونية، نتيجة اختلال المنظومات المتعددة في مصر بشكل كلي، أضف إلى ذلك عدم وجود رقابة صحية صارمة، واستشراء الفساد في أجهزة الدولة لان “ذلك كله يشكل بيئة خصبة لنمو مثل هذه الشبكات الإجرامية ”.

وقد تعددت اسباب ازدهار تجارة الاعضاء البشرية داخل مصر لتشمل :

أولاً : الوسطاء القائمين على هذه التجارة يعتمدون على. القانون لحمايتهم حال وقوعهم فى أيدى السلطة، من خلال ثغرات كثيرة يتم استغلالها لتمرير الجريمة .

ثانياً : تدنى الحالة الإقتصادية للمصريين بلد يعيش فيه 27.8 بالمائة من السكان تحت خط الفقر،( وفق إحصاءات رسمية صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والاحصاء المصرى 2016) .

ثالثاً : اعتماد التجار على الوسائل الإجرامية مثل خطف المواطنين وخاصة الاطفال،والقيام بسرقة اعضائهم تحت التخدير.

رابعاً : وجود العديد من المهاجريين الأفارقة فى مصر بصورة غير شرعية،حيث يلجئون. إلى مصر لأنها البوابة الأكثر اماناً لقارة اوروبا، ومع عدم توافر الاموال اللازمة للهجرة الغير شريعة، تتحول اجساد الافارقة الى سلع تباع وتشترى ونادراً ما يتقدم احدهم بشكوى لإرتفاع نسبة الامية بينهم، ومن مقارنة بين ماورد بالتقريرالاستقصائى للصحفى الالمانى، وما ورد بتقرير صدر عن المعهد المصرى للدراسات السياسية والاستراتيجية بتاريخ 24 ديسمبر 2016، تحت عنوان ” السيسى وأوروبا وفزاعة الهجرة غير الشرعية (7 ) يمكننا ايضاح اسباب التضارب فى اعداد اللاجئين فى مصر بين حديث السيسى فى الامم والمتحدة وبين الاحصائيات الدولية.

حيث جاء فى كلمة السيسى بالامم المتحدة بتاريخ 19 سبتمبر 2016 الآتى : ” تتحمل مصر انطلاقاً من التزامها الدائم بمسؤولياتها منذ تفجر قضية اللجوء أعباء استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين والمهاجرين من مختلف الجنسيات بلغ عددهم ما يقرب من 5 ملايين لاجئ ما بين مسجلين وغير مسجلين، ونعمل على توفير سبل المعيشة الكريمة لهم دون عزلهم في معسكرات أو ملاجئ إيواء”.

وقد أثارت هذه الكلمات العديد من ردود الافعال ، حيث شملت كلمات السيسى موضوعين أساسيين : أولهما: حصر بأعداد اللاجئين في مصر، وثانيهما: إشارة للمعاملة التي يلقاها هؤلاء اللاجئون، فما حقيقة هذه الأرقام؟ وهل من مصلحة مصر أن تتجاهل تسجيل ملايين اللاجئين لدى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بمصر؟، وماهى هى علاقة تلك الارقام بما تشير اليه البيانات الصادرة عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للامم المتحدة بوجود نحو 250 ألف لاجئ وطالب لجوء في مصر؛ وفق إحصاءات عام 2015 وليس خمسة ملايين كما ذكر السيسى؟ وكيف تعامل النظام الحالي مع اللاجئين الافارقة؟ خاصة وأن الحكومة المصرية أبدت تحفظها على أربعة من بنود الفصل الرابع الخمسة من الاتفاقية الخاصة بأوضاع اللاجئين للعام 1951، ما يعرف ببنود ‘الرعاية’، ولا يحق للاجئين المقيمين في مصر الاستفادة من التوزيع المقنن “للمنتجات غير المتوافرة بالقدر الكافي” (المادة 20) أو التعليم الرسمي (المادة 22)، أو “الإسعاف العام” (المادة 23) والوصول إلى سوق العمل والضمان الاجتماعي (المادة 24) ويزيد من تفاقم هذه الآثار الغياب المستمر لأية أحكام،. كذلك، فإن على اللاجئين التعامل مع المشاعر المعادية للأجانب والتي يمكن أن تتحول بسرعة كبيرة إلى عنصرية عنيفة كما هي حال اللاجئين الأفارقة من ذوي البشرة الداكنة بصورة خاصة. عند النظر إلى هذه العوامل كاملة، لا يبدو أن للاجئين في القاهرة أي أمل فعليا في الاندماج.

كما أن القانون المصري لم ينظم تسليم السلطات للأجانب أو اللاجئين بطاقات هوية وإنما طبقا للاتفاقية بين الحكومة المصرية ومكتب الأمم المتحدة لشئون اللاجئين تقوم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالقاهرة إصدار ” بطاقة صفراء ” تحمل موافقة الحكومة المصرية وتعتبر بمثابة الدليل علي أن حاملها تقدم بطلب للحصول علي وضع اللاجئ الي المفوضية.

ومن ناحية أخرى فقد تم غلق المفوضية السامية للاجئين بالقاهرة يوم الجمعة 29 يوليو 2016، المكتب الرئيسي لها بمصر “مؤقتاً”، عقب وفاة سيدة إثيوبية متأثرة بجراحها، نتيجة إقدامها على إحراق نفسها، في احتجاجات وقعت أمام مقر المفوضية قبلها بأسبوع .، وبحسب بيان نشرته، قالت المفوضية: “نظرًا للأحداث الأخيرة أمام مكتب المفوضية في مدينة السادس من أكتوبر (غربي القاهرة) اضطررنا للأسف إلى إغلاق المكتب حتى إشعار آخر (لم تحدده)”. وأوضحت أن “المفوضية تدرك ما يشعر به ملتمسوا اللجوء واللاجئون من إحباط وقلق بسبب طول مدة الإجراءات؛

ومن هنا يتضح ان رقم الخمسة ملايين لاجىء الذى ذكرهم السيسى ليسوا هم المسجلين لدى المفوضية الدولية لشئون اللاجئين بمصر ( 250الف لاجىء فقط ) ويتم معاملتهم حسب القوانين الدولية المنظمة لحقوق اللاجئين، ولكنهم مواطنون من دول اخرى ومعظمهم افارقه (خاصة من السودان ) موجودون بمصر تحت سمع وبصر السلطة العسكرية الحاكمة ( بدليل اعلان عددهم دوليا )، ولكن لم يتم اتخاذ اية اجراءات قانونية بشأن تسجيلهم الرسمى وضمان حقوقهم الانسانية، وعلى النقيض من مما أعلنه السيسى ( رسميا امام الأمم المتحدة وكرره عدة مرات بعد ذلك فى لقائه مع المستشارة الألمانية ومع وفد البرلمان الاوربى فى المؤتمر البرلمانى بشرم الشيخ، وايضا فى حواره مع التلفزيون البلغارى ) ،

وهؤلاء الملايين الخمسة من اللاجئين قد تعرضوا – بقصد او باهمال – لأن يكونوا فريسة مافيا تجارة الاعضاء البشرية وغيرها من الجرائم خارج اطار القانون فى اطار منظومة الفساد الادارى والمالى والمجتمعى والانفلات الأمنى الذى انتشر فى مصر حالياً( (8 )).

———————-

الهامش

(1 ) – نيجيريا تحذر رعاياها من تجارة الاعضاء بمصر (مصر)

( 2) – الرقابة الادارية تضبط اكبر شبكة دولية لتجارة الاعضاء 7/12/2016( الاهرام )

( 3) – قانون تنظيم زراعة الاعضاء البشرية ( Pdf )

( 4) – جريمة واحدة والعقاب مختلف (اليوم السابع )

(5 ) – قطاع الامن الوطنى يضبط وكر لتجارة الاعضاء 23/8/2017(الوفد)

(6 ) – تجارة الدم (فيمو)

(7 ) -السيسى واوروبا وفزاعة الهجرة غير الشرعية (المعهد المصرى)

(8 ) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى