قلم وميدان

المتحدث الإعلامي المهام والمهارات

لا يستطيع الفرد العيش دون الاتصال بمن حوله، فنحن نتصل بالآخرين لإشباع احتياجات مختلفة ومتنوعة. فالاتصال مكون رئيسي في حياتنا يتم بواسطة مجموعة من الإشارات والرموز المشتركة بين الأفراد لتبادل المعاني والأفكار والآراء والمشاعر والأحاسيس، كذلك التأثير في الآخرين أحيانا.

وقد تتطور الاتصال في السنوات القليلة الماضية بشكل لافت للنظر وأخذ مكانه الحقيقي في المؤسسات الكبرى والدول المهتمة بالحفاظ على مكانتها بين دول العالم.

فقد أدرك قادة المؤسسات والدول أهمية توظيف الاتصال بالفاعلية المطلوبة لتحقيق أقصي المكاسب المتمثلة عموما في الحفاظ على صورتها الإيجابية لدى الجمهور ووسائل الإعلام ومحو أي انطباع سلبي قد يظهر.

وقد جاءت مهنة المتحدث الرسمي معبرة بشكل تام عن هذه الاحتياجات. فالمتحدث الرسمي ليست شخصية تلقي الخطب والبيانات الرسمية على الجمهور ووسائل الإعلام فحسب بل إنها العقل الإعلامي الذي يمتلك المهارات المتنوعة والموهبة الفطرية ما يؤهلها لتحقيق الأهداف بشكل يرضي المسؤولين.

وعليه أصبح التعرف على أدوار ووظائف المتحدث الرسمي مهما لأبعد الحدود خصوصا في ظل شراسة المنافسة بين الأطراف المتعددة، التي يسعى كل منها إلى كسب صف الآخرين معه.

وهنا سنقدم دراسة تفصيلية لمهنة المتحدث الرسمي وطبيعة الأدوار التي يقوم بها، في ظل غياب الدراسات العربية عن تناولها لهذا المهنة. في الوقت الذي وضع المتحدث الرسمي بصمته في المؤسسات والدول بسبب النجاحات التي تحققت على يديه.

أولاً: تعريف المتحدث الإعلامي:

تشتمل عملية الاتصال على 5 عناصر رئيسة هي:

أ. المرسل: وهو مصدر الرسالة أو النقطة التي تبدأ عندها عملية الاتصال.

ب. الرسالة: تتضمن الأفكار والآراء والمعلومات. المراد إيصالها أو الهدف ويجب أن تكون دقيقة وواضحة للحصول على الإجابات الصحيحة والدقيقة. ويتم عادة التعبير عنها بالرموز اللغوية أو اللفظية أو غير اللفظية أو بهما معاً. وتتطلب الرسالة الوضوح والدقة والاختصار في المعلومات.

ج. وسيلة الاتصال: هي القناة التي تنتقل بها الرسالة من المرسل إلى المستقبل، وجها لوجه أو الهاتف أو بواسطة وسائل الإعلام المختلفة، بمعنى آخر فهي المسار الذي تتبعه الرسالة في المرسل إلى المستقبل. وفي هذه الحالة اختيار الوسيلة المناسبة أحد أهم أسباب نجاح الاتصال، فمن غير المقبول على سبيل المثال مخاطبة الجمهور من كبار السن عبر وسائل الاتصال الحديثة مثل شبكة الإنترنت وعليه يجب إيجاد الوسيلة الأخرى للوصول إلى الجمهور المستهدف.

د. المستقبل: وهو الجهة أو الشخص الذي توجه له الرسالة ويستقبلها بحواسه المختلفة ثم يقوم بتفسير رموز ويحاول إدراك معانيها. وتختلف خصائص الجمهور باختلاف خصائصه الديموجرافية واحتياجاته الاجتماعية والنفسية.

هـ. الاستجابة وتمثل ردود الفعل الناتجة عن استقبال وتفسير وفهم الرسالة من جانب مستقبلها. ويسعى مصدر الرسالة إلى معرفة تأثير الرسالة في الجمهور المستهدف. ذلك للوقوف على الثغرات ونقاط الضعف فيها ومحاولة تعديلها بحيث تتناسب مع الهدف الذي من أجله صممت.

ويتم عادة الاتصال بواسطة الوسائل والأساليب الكتابية مثل المراسلات والأجهزة الاتصالية المستخدمة كأنظمة الاتصال عبر الهاتف وأجهزة التسجيل ووحدات الكمبيوتر والأنشطة المتعلقة بالتواصل مع الأفراد بشكل مباشر مثل عقد اللقاءات والتوجيه والتشاور بين العاملين.

كذلك الأشكال الاتصالية الأخرى مثل الاتصال غير اللفظي الذي يتضمن الإيماءات وتعبيرات الوجه التي تساعد بدرجة كبيرة في العملية الاتصالية. والاتصال في هذه الحالة يهتم بالدراسات المتخصصة في مجال الاتصال الإنساني كالاتصال الشخصي والاتصال بمجموعات صغيرة من الأفراد والاتصال الجماهيري والاتصال غير اللفظي لتحقيق أهداف المؤسسة.

وإذا كنا نتحدث عن أهمية دور الاتصال الداخلي بين العاملين في المؤسسة لتحقيق الكفاءة الإدارية المطلوبة وإنجاز الأهداف. فإن الاتصال الخارجي بين المؤسسة والجمهور المستهدف لبناء جسر من التواصل بين المنشأة والجمهور المستهدف يعتبر من النقاط المهمة في نجاح أهداف المؤسسة. ومن ثم فأي منظمة أو مؤسسة عليها أن تقوم بعملية تنشئة أو تطبيع للأفراد المعنيين، للقيام بالأدوار المختلفة، حتى يعرفوا أدوارهم والأنماط التي سيسيرون على هداها. 

وهنا يأتي دور المتحدث الإعلامي الناطق باسم المؤسسة التي يعمل بها في تحقيق الأهداف المنشودة بإعلام الآخرين بوجهة نظر المؤسسة إلى الجمهور المستهدف وإقناعهم والتأثير فيهم في بعض الأحيان.

ولا تنصب مهمة المتحدث الإعلامي فقط في الحديث إلى العامة ولكن تصل إلى إعداد وتجهيز المعلومات الأساسية الصحيحة. كما أن موهبته تساعده في تحقيق الأهداف المرجوة عن طريق إبداء وجهة نظر المؤسسة التي يعمل بها ومحاولة إقناع الآخرين بها والتأثير عليهم.

ومن ثم فالمتحدث الإعلامي عليه أن يمتلك المهارات الأساسية لكتابة المعلومات بطريقة إقناعية، وتنظيم ذلك بطريقة صحيحة لإبراز الفكرة الأساسية مستعينا بقدر الإمكان بالعديد من الحقائق لتدعيم ما يريد الإشارة إليه مع استبعاد أي تناقض قد يظهر في الأفكار المطروحة والأكاذيب، لذلك يجب على المتحدث الإعلامي التأكد من دقة المعلومات التي حصل عليها. فكلما تم صياغة الأفكار بطريقة إقناعية، أصبح المتحدث أكثر خبرة في إقناع الآخرين بوجهة نظره.

ويتم اختيار المتحدث الإعلامي الرسمي الناطق باسم المؤسسة للتحدث بالنيابة عنها. وتتجه المؤسسات والهيئات في الوقت الحالي بتوظيف متحدثين إعلاميين محترفين ممن حصلوا على دورات معتمدة في مجال الصحافة والاتصال والعلاقات العامة، ذلك لضمان أن النشرات العامة التي وضعها هؤلاء المتحدثون أكثر ملائمة للجمهور المستهدف.

مع الاهتمام في ذات الوقت بقدرة الرسالة الإعلامية في الوصول إلى القنوات الاتصالية الملائمة لإحداث مستوى أفضل من التأثير في الجمهور المستهدف وتقليل أي أثر سلبي محتمل قد تتركه هذه الرسائل عليهم.

يعمل المتحدث الإعلامي أيضا في بعض الأحيان كمستشار إعلامي للمؤسسة حيث يقوم بإعداد نشرات صحفية لإلقاء الضوء على إنجازات المؤسسة. ففي مجال السياسة يصمم المستشارون الإعلاميون حملات إعلامية لوضع صورة مرغوبة في عقول الناخبين.

كما أن المستشار الإعلامي قد يتم التعاقد معه لإبراز أداء المؤسسة أو الشركة المتعاقدة معه. فعلي سبيل المثال عندما تسعي المؤسسة إلى وضع برامجها للجمهور. ففي تلك الحالة تحتاج إلى خبرة المستشارين الإعلاميين للمساعدة في هذه العملية.

وقد انتشر مفهوم المتحدث الإعلام Spokesman في عصرنا الحديث بشكل واسع وقد قامت المؤسسات الإعلانية باستغلال فكرة المتحدث الإعلامي أو الناطق باسمها للترويج للمنتج أو الخدمة التي تقدمها وإقناع الجمهور بها.

وعلى خلاف من يقوم بالإدلاء بشهادات شخصية عن المؤسسة أو الهيئة أو الدولة، فإن وظيفة المتحدث الإعلامي تعتمد في الأساس على تمثيل وإبراز وضع المؤسسة بشكل لائق.

وتختار بعض المؤسسات والشركات بعناية فائقة متحدثين إعلاميين يمتلكون الخبرة الكاملة والدراية التامة بأهداف المؤسسة لتدعيمها وتطويرها.

وقد وظفت بعض الدول المتحدث الإعلامي بشكل أفادها في تحقيق الأهداف التي سعت إليها، بينما لم تستطع دول أخرى الاستفادة الكاملة بدور المتحدث الإعلامي وتوظيفه بالشكل المطلوب.

ثانياً: وظائف وأدوار المتحدث الإعلامي

ينبغي على المسؤول الصحفي كي يكون متحدثا فعالا، أن تكون لديه علاقة وثيقة، مبنية على الاحترام المتبادل، مع المسؤول الحكومي، سواء كان رئيسا للوزراء أو رئيسا أو وزيرا أو رئيس وكالة حكومية أخرى.

ويتعين على المتحدث الرسمي أن يكون ملما بمعتقدات المسؤول وأن يتوفر له الاتصال المباشر به. كما يجب أن يكون المتحدث الرسمي قادرا على الدخول إلى الاجتماعات ومقاطعة المسؤول لإيصال الأنباء العاجلة إليه دون المرور بالمسؤول عن جدولة مواعيده أو بمساعد آخر. ومع أن هذه المرونة قد تشوش الجدول المنظم للمسؤول، فإنها تؤدي إلى حكومة تستطيع أن تستجيب بسرعة للإعلام.

كما يتعين أن يكون للمتحدث الإعلامي دور في اتخاذ القرارات. وإذا لم يشارك المسؤول الصحفي، كمتحدث رسمي في وضع السياسة فسيواجه صعوبة في فهم سياق السياسات وتوضيحها لوسائل الإعلام.

من المهم جدا أن يكون المتحدث جزءا من الفريق الاستراتيجي. فإذا كان هناك مسؤول حكومي يعتزم أن يتخذ إجراءً فإنه بحاجة إلى معرفة كيف سيفهم الناس هذا الإجراء.

ومن الأفضل أن يكون المتحدث الإعلامي موجودا على طاولة الاجتماع، وأن يساهم في المناقشة في مراحل الصياغة الأولية بدلا من محاولة تدارك الأمر فيما بعد أو مواجهة ردود فعل شعبية سلبية.

وتتمثل أهم الأنشطة التي يقوم بها المتحدث الإعلامي في الآتي:

  • العمل كمتحدث رسمي يعقد جلسات إعلامية منتظمة أو خاصة.
  • إدارة النشاطات اليومية للمكتب الصحفي.
  • الإسهام في وضع السياسات ووضع الإستراتيجيات لنقلها إلى وسائل لإعلام والجمهور.
  • التعامل مع الاستفسارات الصحفية.
  • ترتيب المقابلات والجلسات الإعلامية للصحفيين مع المسؤولين الحكوميين.
  • تخطيط وإدارة الحملات الإعلامية لتوجيه رسالة ثابتة وطويلة الأمد.
  • إطلاع المسؤولين على العلاقات الصحفية وردود الفعل الإعلامية المحتملة للسياسات المقترحة.
  • الإشراف على كتابة الخطب، أو مراجعة الخطب ورسائلها على الأقل.
  • الإعداد للأحداث events كالمؤتمرات الصحفية.
  • إعداد البيانات الصحفية ونشرات الحقائق وغيرها من المواد.
  • الإشراف على مطبوعات المؤسسة داخليا وخارجيا.
  • التقييم بعد وقوع الحدث، إذا لم يكن الحدث قد حقق مفعوله وتقرير كيفية تحسين الأداء في المرة المقبلة.

ثالثاً: خصائص المتحدث الإعلامي

وتتمثل أهم هذه الخصائص في الآتي:

  1. تؤثر مصداقية المتحدث الإعلامي في علاقته بالجمهور المستهدف من الرسالة. فالمتحدث الإعلامي عليه أن يتمتع بالمصداقية لأنها ميزة من أهم المميزات.
  2. عدم اللجوء إلى الأجوبة المضللة. فاذا ثبت أنه يعطي إجابات غير صحيحة فلن يتم تصديقه مرة أخرى. إن الجهود الإعلامية للحكومة لا تنجح عندما تفقد وسائل الإعلام ثقتها بالمتحدث الرسمي. إذن فالتعامل بصدق وعدم الكذب مع الآخرين من أهم الصفات التي يجب توافرها في المتحدث الإعلامي، وعليه فهناك بعض الأشياء التي يجب الاهتمام بها عند التعامل مع وسائل الإعلام وهي:

أ. الصدق، والدقة لأنها تؤثر على مصداقيتك.

ب. الاعتراف بعدم وجود إجابة مناسبة للأسئلة التي طرحت عليك في حالة عدم وجود إجابة لديك ومحاولة الحصول على المعلومات التي يريدها الصحفيون حتى لو تطلب ذلك جهدا إضافيا، ومن ثم فلا ترتجل ولا تخمن. فالإعلاميون الجيدون يتحرون الحقائق.

ج. تصحيح الأخطاء عند اكتشافها، ففي ذلك الحالة قم بالاتصال بالإعلاميين وأوضح بلطف الخطأ الذي وقع وادعمه بالأدلة.

د. الصراحة والوضوح عند التعامل مع الصحفيين والإعلاميين قدر الإمكان. إذا تم نقل كلامك بطريقة مغلوطة في خبر أو إذا قدمت معلومات خاطئة أو مضللة، اتصل على الفور بالصحفي وقدم حقائق وقم بتصحيح الخبر.

ه. عند التعامل مع الأنباء السيئة لا تتستر على الموضوع. إذا كذبت أو قمت بالتستر فسوف تفقد مصداقيتك.

  • المعرفة التامة وتخصص المتحدث الإعلامي من الأشياء المهمة. ويظهر ذلك في اللجوء إلى استخدام المتخصصين والخبراء في المجال، كما يلزم ذلك إجادة اللغتين الإنجليزية والعربية، ووجود مهارات اتصال عالية، وأن يكون المتحدث الرسمي مسؤولا مسؤولية تامة عن كل ما يتحدث به أمام وسائل الإعلام، ومتمكناً من تفاصيل اللغة الإعلامية المتخصصة التي يتكلم بها.

لذلك يتوجب أن تكون البداية باختيار متخصصين في هذا المجال وتأهيلهم حتى يتمكنوا من القيام بدورهم على أكمل وجه، وأن تمنح المؤسسات والدوائر الحكومية المتحدثين الرسميين باسمها صلاحيات مخاطبة مديري الإدارات التابعة لها ووكلائها بمختلف الشؤون المعنيين بها والحصول منهم على أجوبة وتوضيحات للوسائل الإعلامية حول الإشكالات والملاحظات المختلفة، من أجل توضيح الصورة الحقيقية للمؤسسة، والدور الذي قامت به بالنسبة إلى القضايا التي يتم طرحها.

4. جاذبية المتحدث الإعلامي المتمثلة في الجاذبية الحسية أو الجمال الجسدي وإحساس الآخرين بالألفة تجاهه من العناصر التي تضيف للرسالة الإعلامية، كما يشمل أيضا وجود روج الدعابة لديه. فهذه العوامل تؤدي إلى زيادة تأثير الرسالة الإعلامية وزيادة قدرتها على الاقناع. فالمتحدث الإعلامي يجب أن يحافظ على روح الدعابة وقدر كبير من الصبر وقابلية للتحدث والكتابة بسرعة.

5. يتعين على المتحدث الإعلامي أن يكون قادرا على التعامل مع غير المتوقع، وأن يتدبر عدة مهام في وقت واحد، وأن يكون قادرا على التجاوب بسرعة.

6. يتعين على المتحدث الإعلامي أن يكون غير متحيز في تفاعله مع الصحفيين، أي لا يفضل البعض على الآخر. وفوق كل شيء يتعين على المتحدث الرسمي أن يكون شخصا يتمتع بمزايا أخلاقية عالية وبالنزاهة [1].


[1] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى