المستشفيات الأهلية في مصر بعد 2013 أزمة مستشفى 57
فهرس الدراسة
تهدف الدراسة إلى محاولة إرساء سياسات الحكم الرشيد (المشاركة – سيادة القانون – الشفافية – الاستجابة – الفاعلية والكفاءة – الإنصاف – المساءلة – الرؤية الاستراتيجية) كخيار ناجح لهيكل صنع السياسات العامة في المجال الخيري الذي لم يعد مجرد سلوك مجتمعي بسيط بل تحول إلى سلوك مجتمع مدني منظم وترتبت عليه اقتصاديات التبرع التي تقدر بأكثر من 20 مليارا سنويا، كما تدق الدراسة ناقوس الخطر حول أهمية تدعيم مسار الحوكمة الرشيدة كخيار إلزامي ومسار إجباري لن تستطيع بدونه مؤسسة المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية ومن ضمنها مستشفى 57357 الاستمرار في الحصول على الدعم المجتمعي.
وقد أثارت أزمة مستشفى 57357 الإشكاليات المرتبطة بالشفافية في إعلان حجم الموازنة ومصادر التمويل وأوجه الإنفاق وكيفية التعامل مع الفوائض والوفورات المالية وحجم الودائع بالبنوك والممتلكات، والاحتياج المستقبلي، والإنفاق الزائد عن الحد في الإعلانات، والتنافس غير المدروس مع المؤسسات الخيرية للحصول على أكبر قدر من التبرعات، ومراجعة مفهوم العدالة والإنصاف وتكافؤ الفرص المرتبط بعدم قدرة بعض المؤسسات في الحصول على مساحة إعلانية مناسبة لعرض احتياجاتها على المجتمع مثلها مثل المؤسسات الغنية وعلى رأسها مؤسسة 57357 التي تمثل قمة هرم الإنفاق في مجال الإعلانات في مصر متفوقة على شركات المحمول الثلاث وفق تقرير شركة إيبسوس الذي سيتم التعرض له.
كما تأتي الدراسة بالتزامن مع تطور نوعي لتعامل النظام مع أزمة مستشفى 57357، فلأول مرة لا يتم الزج باسم المؤامرة وأصابع الإخوان واللجان الإلكترونية، وحروب الجيل الرابع، وكل تلك الادعاءات التي واجهتها مؤسسات أخرى مثل الجمعية الشرعية ورسالة وبيت الطعام، وتأتي الأزمة أيضا في ظل تغير في المشهد العام لخريطة العمل الخيري في مصر وصعود مؤسسات أخرى مملوكة للدولة مثل المعهد القومي للأورام وصندوق تحيا مصر وبيت الزكاة المصري التابع لإشراف شيخ الأزهر.
وهناك متغيرات جديدة ظهرت على ساحة العمل الخيري في مصر؛ أهمها دعوة عبد الفتاح السيسي لتلك المؤسسات لإدارة بعض المستشفيات الحكومية، وحدوث تحول في دور صندوق تحيا مصر للقيام بدور المحدد لسياسات العمل الخيري في مصر من خلال سعيه إلى توحيد جهود تلك المؤسسات وإدماجها في خدمة مشروعات الدولة وهوما ظهر من خلال ملف الأسمرات ومقاومة فيروس سي.
وتسعى الدراسة أيضا إلى تقييم الدور المجتمعي الذي تقوم به المؤسسات الخيرية الصحية الأكبر في مصر من خلال دراسة التكلفة والعائد أو العمل من خلال مؤشر الكفاءة والفاعلية، وبالتالي قياس تناسب العلاقة بين حجم التبرعات والفائدة التي تعود على المجتمع بتلبية احتياجه في هذا القطاع المهم، آخذا في الاعتبار الطبيعة المتخصصة لتلك المؤسسة، فهي ليست مستشفى عامة بها جميع التخصصات، لكنها تعمل بشكل متخصص في مجال واحد فقط وهو مجال مكافحة مرض السرطان، وبشكل نوعي متخصص في مجال سرطان الأطفال.
وتحاول هذه الورقة البحثية استكشاف طبيعة العلاقة بين مجلس أمناء مستشفى 57357 والنظام السياسي في مصر وتأثير هذه العلاقة على طبيعة عمل هذه المؤسسة والأليات التي تستخدمها.
وسوف يتم تقسيم الدراسة إلى عدة مداخل وهي:
المبحث الأول: الإشكاليات المثارة حول نشاط المؤسسة.
المبحث الثاني: استعراض مراحل الأزمة.
المبحث الثالث: مؤشرات السياق التفسيرية والتحليل.
المبحث الرابع: النتائج ومسارات المستقبل.
خاتمة الدراسة
المبحث الأول: الإشكاليات المثارة حول نشاط المستشفى
صاحب عمل مؤسسة 57357 تساؤلات كثيرة بشأن عدة أمور أهمها إشكالية الإعلانات وإشكالية الارتباط بالسلطة وإشكالية التراكمات المالية الكبيرة مع محدودية النشاط وعدم الإفصاح عن ميزانيتها، ونحن نحاول التعرض لتلك الإشكاليات كمحاولة لتحديد حجم تلك الإشكاليات ومدى تأثيرها على مستقبل التبرعات التي تتلقاها المؤسسة.
أولا: إشكالية حجم الإعلانات
يمثل تقرير شركة “إيبسوس” بخصوص حجم الإعلانات في رمضان عام 2017 المؤشر الموضوعي الذي من خلاله نستطيع أن نضع تصورا دقيقا حول حجم الأموال التي تنفقها المؤسسات الخيرية على الإعلانات كل عام، وتأتي موضوعية هذا التقرير نظرا لكون الشركة الفرنسية والتي تأسست عام 1975 تعتبر من كبريات الشركات العالمية العاملة في مجال بحوث الرأي والاستطلاع [1]، كما أنها تعمل بمصر منذ عام 2006، ولديها 84 مكتب على مستوى العالم، ولا تعمل وفق معايير سياسية، كما أن طبيعة نشاط الشركة لا يفرض عليها نشر تلك التقارير، بل تقوم بتسويقها للقنوات والشركات التي تدفع لها مقابل الحصول على التقرير للاستفادة منه وبالتالي فإن الربحية مرتبطة بمصداقية الشركة.
هذا وقد أشار التقرير إلى أن شركة فودافون أنفقت في الـ 10 أيام الأولى أكثر من 68 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناتها حوالي 4560 مرة (Ad Spot) بينما أنفقت أورنج أكثر من 42 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناتها حوالي 2139 مرة، أما اتصالات فقد أنفقت أكثر من 39 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناتها حوالي 2460 مرة[2].
احتلت مستشفى 57357 المركز الأول في حجم الأنفاق في القطاع الصحي، حيث يقدر حجم إنفاقها في الـ 10 أيام الأولى أكثر من 108 مليون جنيه تقريبًا (ما يمثل 43% من حجم انفاق القطاع الصحي كله) لتظهر إعلاناتها حوالي 3692 مرة (Ad Spot) بينما يقدر حجم انفاق مستشفى 500500 أكثر من 56 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناتها حوالي 3064 مرة (Ad Spot)، أما مؤسسة مجدي يعقوب فأكثر من 36 مليون جنيه تقريبًا لتظهر إعلاناتها حوالي 1997 مرة (Ad Spot)، ومستشفى بهية في المركز الرابع بأكثر من 21 مليون جنيه تقريبًا لتظهر اعلاناتها حوالي 1792 مرة (Ad Spot)[3].
من التقرير السابق يتضح أن مجموع ما أنفقته المؤسسات الصحية الأربع (221 مليون جنيه) في العشرة أيام الأولى من رمضان، في حين جاء مجموع ما أنفقته شركات المحمول الثلاث (149 مليون جنيها)، مع مراعاة أن شركات المحمول الثلاث هادفة للربح والمؤسسات الصحية الأربع غير هادفة للربح وقائمة على أموال التبرعات والزكاة.
كما كشف التقرير عن إنفاق 28 مؤسسة صحية أكثر من 250 مليون جنيه في 10 أيام فقط على الإعلانات الهادفة لجمع التبرعات[4]، وبذلك فإن إجمالي حجم إعلانات المؤسسات العاملة في القطاع الصحي قد وصل إلى 750 مليون جنيه تقريبا في رمضان 2017.
هذا وقد أتاح القانون لتلك المؤسسات أن تنفق من جملة التبرعات ما لا يزيد عن 20% من حجم التبرعات دون تحديد حد أقصى أو سقف للتبرعات، وهوما أتاح للمؤسسات التي تحصل على تبرعات كبيرة القيام بزيادة حجم التبرعات دون الخضوع إلى المساءلة القانونية. وحيث إن أموال التبرعات التي تحصل عليها المؤسسات الخيرية بشكل عام تدور حول ال 20 مليار جنيه سنويا، فإن إجمالي حجم التبرعات السنوي يتراوح ما بين مليارين إلى 4 مليارات جنيه سنويا على اعتبار أنه لا يقل عن 10% من حجم التبرعات ولا يتجاوز الـ 20%.
تعتبر ظاهرة الإعلانات هي الظاهرة الأكثر ملامسة لمشاعر المواطن لدفعه للتبرع لتلك المؤسسات، في ذات الوقت هي الظاهرة التي صاحبها نقد شديد لتلك المؤسسات واتهامها بأنها تهدر أموال التبرعات، وأنها تسعى إلى ملاحقة المواطن من أجل الحصول على تبرعات أكثر وتستغل المرضى في الإعلانات وهوما يتناقض مع حق المريض.
ثانيا: العلاقة مع السلطة
في يناير من العام الماضي 2018 قام مجلس أمناء المستشفى بتكريم أحمد فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق وافتتاح مبنى باسمه، يذكر أن سرور كان يشغل منصب رئيس مجلس إدارة المؤسسة حتى قيام ثورة يناير، وهو من تبرع بالأرض المقام عليها المستشفى، كما كانت سوزان مبارك تشغل رئيس مجلس إدارة المؤسسة وتم إقالتها في أبريل 2011، كما يشغل عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي الأسبق رئيس مجلس أمناء المؤسسة حاليا، فيما كانت هالة زايد وزيرة الصحة الحالية منتدبة للعمل بالمؤسسة كرئيس لأكاديمية 57357 المزمع إنشاؤها. بالإضافة إلى محمود التهامي رئس مجلس إدارة روز اليوسف الأسبق وصهر شريف أبو النجا، كذلك وجود رجال أعمال مثل المهندس لطفي البدراوي مدير شركة كابسي للدهانات والتي قامت برعاية وتحمل تكلفة إعلان مستشفى 57357 الذي ينتهي بتوجيه الشكر لشركة (كابسي للدهانات) حيث يتولى البدراوي رئاسة مجلس إدارة جمعية أصدقاء المبادرة القومية ضد السرطان[5].
وقد أثار هذا التداخل مع السلطة ورجال الأعمال والإعلام الممتد منذ التأسيس وحتى الآن تساؤلات كثيرة حول مدى استقلالية المستشفى عن الدولة.
ثالثا: التراكم المالي الكبير ومحدودية النشاط
من الإشكاليات المهمة التي تثير تساؤلات كبيرة حول مستشفى 57357 أنها تمتلك وفورات مالية كبيرة وتمتلك ودائع كبيرة بالبنوك لا تفصح عن حجمها وتدشن حملات إعلانية سنوية تتخطى حاجز الـ 100 مليون جنيه وربما وصلت إلى 200 مليون كحد أقصى مسموح به من حجم الميزانية الذي يزيد عن المليار جنيه، وبالرغم من ذلك فهي لا تتعامل سوى مع 3% فقط من مرضى السرطان بمصر، ولا تتعامل مع حالات الطوارئ التي تتطلب رعاية وإمكانيات واستعدادات وتجهيزات أكبر بكثير من المستشفيات العادية التي تتعامل مع الحالات العادية.
المبحث الثاني: استعراض مراحل الأزمة
تعتبر أزمه مستشفى 57357 التي حدثت في منتصف العام الماضي 2018 هي الأعنف في تاريخ المؤسسة، وذلك لعدة أسباب أهمها أن الحملة كانت قوية واستمرت لمدة خمسة أشهر، وأنها كانت متنوعة فلم تقتصر على جريدة واحدة وهي المصري اليوم المملوكة لرجل الأعمال صلاح دياب، والتي قامت بنشر مقالات السيناريست وحيد حامد ضد المؤسسة، ولكنها امتدت إلى موقع فيتو المملوك لرجل الأعمال نجيب ساويرس، ثم انتقل الهجوم على المؤسسة إلى قناة المحور المملوكة لرجل الأعمال حسن راتب وبالتحديد برنامج 90 دقيقة الذي يقدمه محمد الباز رئيس تحرير جريدة الدستور.
كما أن المؤسسة لم تستطع الزود عن نفسها ومناقشة وتفنيد الاتهامات بالحجج والأدلة الرقمية واعتبرت أن ميزانيتها خط أحمر لا يجب الإفصاح عنه أمام الرأي العام، كما أن تعرض تلك المؤسسات للنقد في حد ذاته يضعف مصداقيتها ويختصم من رصيدها لدى الممولين ويجعلهم ينصرفون بالتبرعات إلى مسارات أخرى أو مؤسسات أخرى عاملة في نفس المجال.
ونحن سنقوم بدراسة الأزمة من خلال ثلاث نقاط رئيسة وهي (استعراض الأزمة – مؤشرات السياق التفسيرية والتحليل – النتائج ومسارات المستقبل).
أولا: استعراض الأزمة
بداية الأزمة
بدأت الأزمة في يونيو2018 بمقال للكاتب والسيناريست وحيد حامد بمقال في جريدة المصري اليوم بعنوان “57357 مستشفى آل أبو النجا”، وذلك عقب تصريح لوزير الصحة السابق أحمد عماد الذي أكد فيه أن الدولة تعالج الآلاف من مرضى السرطان دون اللجوء إلى الإعلانات[6]، ثم أعقب وحيد حامد مقاله بعدة مقالات وهي (عش الدبابير – في مستشفى ٥٧٣٥٧ الرقص مع الذئاب – الفساد يحكم – عفوا أستاذ طارق – الأسئلة العشرة الحائرة في مستشفى الأطفال الحزين).
دخل الأستاذ أسامة داوود على الخط وقام بتوجيه عدة تحقيقات مهمة موجها تهم الفساد لإدارة المستشفى، لكن الغريب في الأمر أنه طالب بأن تكون المستشفى خاضعًة لرئاسة الجمهورية والأجهزة الرقابية، منتقدا خضوعها لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي قائلا: “لا إلى موظف داخل إدارة داخل مديرية تتبع وزارة التضامن سبق أن تم كشف تواطؤها وضلوعها في عملية تلاعب استهدفت إعطاء من لا يملك ما لا يستحق”[7].
ثم قدم الأستاذ محمد الباز عدة حلقات في برنامج 90 دقيقة المقدم على فضائية المحور منتقدا فيها إدارة المستشفى ومتضامنا مع ما قدمه وحيد حامد وأسامة داوود من نقد للمؤسسة.
شريف أبو النجا يرد في المصري اليوم من خلال مرتضى منصور المحامي بالنقض والإداري العليا بصفته وكيلا عن شيف أبو النجا[8]-لاحظ أن الرد بصفته موكلا ل شريف أبو النجا وليس لمؤسسة 57357- وبالتالي فإن الرد لن يتطرق للقضايا الأساسية الخاصة بسياسات المؤسسة ولكن بالاتهامات الموجهة لشخص مدير المستشفى.
ثم قام المجلس الأعلى للإعلان بوقف النشر في القضية، النائب العام يأمر بمثول مكرم محمد أحمد أمام أمن الدولة العليا ويحظر نشر التحقيق.
أهم الانتقادات
الحملات الإعلانية الكبيرة التي تتكلف مئات المليارات، استخدام الأطفال المرضى وتصويرهم في الإعلانات.
أن المستشفى لا يقبل الطفل الذي تم علاجه في مستشفى أخرى، وأنه لا يقبل إلا الطفل الذي مازال في بداية المرض.
هيمنة عائلة واحدة على إدارة المستشفى والحصول على رواتب عالية.
عدم الكشف عن ميزانية المستشفى وحجم التبرعات السنوي.
عدم الإعلان عن الفوائض والمدخرات
ثانيا: نهاية الأزمة وتحليل تقرير التضامن
انتهت الأزمة بعد خمسة أشهر من الصراع الإعلامي وذلك في ديسمبر 2018، عندما أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي تقريرها النهائي الخاص بالأزمة والغريب في الأزمة أنها كانت على صفحات الجرائد وأروقة السلطة التنفيذية ولم تصل إلى القضاء.
وما نود الإشارة إليه أن الأزمة انتهت كقضية مثارة أمام الرأي العام، لكن التساؤلات التي لم تحصل على إجابات ظلت مثارة وظلت تطارد إدارة المؤسسة، وأن تفجر الأوضاع بشأن المؤسسة قابل للحدوث في أي لحظة.
هذا وقد جاء تقرير التضامن متسقا مع النهج العام للمؤسسة في عدم الإجابة على الأسئلة الكبرى، ومع السياسات العامة للدولة التي تدعم توجه تلك المؤسسات في عدم الإفصاح عن ميزانياتها، واكتفى التقرير بالإشارة إلى المخالفات الإدارية ونفي ما أثير من أخبار اعتبرها غير حقيقية عن المؤسسة في وسائل الإعلام المختلفة، وفيما يلي أهم الملاحظات على تقرير التضامن:
- أكدت وزارة التضامن أن المستشفى تستقبل 3000 حالة سنويا بما يمثل 60% من إجمالي الأطفال المصابين بالسرطان في مصر، وأنها تجري 7500 عملية سنويا، ولا أعلم كيف يتم عمل عمليات بنسبة 250% من عدد الحالات التي يتم استقبالها!، وقد يقول البعض أن هذا ممكن في حال قام المريض الواحد بإجراء أكثر من عملية لكن بالرجوع إلى أرقام وزارة الصحة في عام 2017، فقد قال الدكتور خالد مجاهد المتحدث باسم وزارة الصحة: “إن عدد المرضى المترددين على مراكز وزارة الصحة وفقا لإحصاءات التردد في عام 2017 بلغ 557 ألفًا و736 مريض أورام تم استقبالهم بالعيادات الخارجية، وتم إجراء 11 ألفا و253 عملية جراحية في هذا العام[9]. والملاحظ في أرقام وزارة الصحة أنها أقل بكثير من أرقام المستشفى مما يشكك في مصداقية التقرير.
- أنه وفق معادلة بسيطة بين حجم الميزانية السنوية وعدد الأطفال فإن الطفل الواحد تبلغ تكلفته 400 ألف جنيه وهو رقم مبالغ فيه جدا، في حين أن الهيئة العامة للتأمين الصحي أعلنت في نفس العام أن تكلفة مريض السرطان تتراوح ما بين 25 إلى 35 ألف جنيه، وأن الهيئة تعالج نحو85 ألف مريض من مرضى الأورام، وأن تكلفة علاجهم الكيماوي فقط 500 مليون جنيه، فيما تبلغ إجمالي التكلفة الخاصة بالمرضى 2.5 مليار جنيه سنويا[10].
كما أكد مدير المعهد القومي للأورام في عام 2015 أن المعهد يستقبل 250 ألف حالة سنويا، وأنه يجري 2000 عملية في العام، وأن ميزانيته 50 مليون جنيه فقط، وأنه بحاجة إلى 200 مليون جنيه للعمل بكفاءة وفاعلية والقضاء على قوائم الانتظار.
- أشار التقرير إلى أن المؤسسة لم تقم بترخيص (أكاديمية 57357 للعلوم الصحية)، وبالتالي ألزم المؤسسة بالبدء في ترخيص الأكاديمية من الجهات المعنية[11]، وتأتي أهمية تلك الإشارة في التقرير إلى أن المؤسسة لم تكن تمتلك أكاديمية علمية أو مركزا بحثيا في مجال علوم السرطان وهومن الموضوعات الأساسية في حملاتها الترويجية التي تمكنها من أن تحصل على أموال التبرعات لدعم تلك المنظومة البحثية.
- الجدير بالذكر أن هالة زايد وزيرة الصحة الحالية تم ندبها من وزارة الصحة والسكان للعمل كرئيس تنفيذي لأكاديمية 57357 للعلوم الصحية، وأنها ظلت تعمل بالمؤسسة تحت هذا المسمى لمدة عامين إلى أن تم تكليفها في يونيو 2018 للعمل كوزيرة للصحة في حكومة مصطفى مدبولي، ثم جاء التقرير ليؤكد أن الأكاديمية لم تكن مرخصة أصلا، فكيف يتم ندب مسؤول حكومي رفيع المستوى بدرجة مساعد وزير للعمل في مؤسسة غير مرخصة؟ وكيف يستمر هذا التكليف لمدة عامين دون أي إجراء حيال ترخيص الأكاديمية؟، وهنا يكون السؤال كيف تمارس أكاديمية 57357 عملها وما الأنشطة التي تمارسها، وما مدى توافقها مع القانون المنظم لعمل الجامعات الخاصة؟، وما مصير الأموال التي تم إنفاقها على الأكاديمية في الفترة من 2012 وحتى الآن، والتي تقدر بمليار جنيه حسب الصحفي أسامة داوود الذي أعد تقريرا عن الأكاديمية تحت عنوان “أكاديمية الفنكوش[12]“، وما مدى مصداقية دبلومة الـ JCI برنامج الاعتماد الدولي لجودة الرعاية الصحية وسلامة المريض التي تمنحها الأكاديمية غير المرخصة والتي كانت قد تخرجت منها الدفعة الأولى في عام 2016.
- من النقاط المهمة ما أشار إليه التقرير من عدم وجود مستشارين بالمؤسسة سوى مستشار واحد فقط خاص بالأمن والسلامة والعلاقات الحكومية، ولم يذكر التقرير اسم هذا المستشار ولم يشر إلى أنه لواء سابق بالقوات المسلحة وهو اللواء ياسر عبد الله، كما أنه تجاوز ذكر وجود عسكريين آخرين يعملون بالمؤسسة، لكن السؤال المهم هنا هو حول مفهوم كلمة مستشار وهل هي مسمى وظيفي يطلق بدون ضوابط أم أنه توصيف وظيفي ذو طبيعة ومعايير فنية محددة، كما أن الوظيفة الاستشارية قد تتطلب العمل من الخارج ولا تستلزم التواجد بالمؤسسة بشكل دائم نظرا لطبيعته الاستشارية، وفي هذا الصدد نود الذكر أن التقرير لجأ إلى المسمى الوظيفي وليس الوصف الوظيفي للمهنة، فالسيد اللواء ياسر عبد الله مسؤول تنفيذي بالمؤسسة مكلف بإدارة أمن المؤسسة والعلاقات مع أجهزة الدولة وبالتالي عمله ليس استشاريا.
- تعمد التقرير التعميم وعدم الدخول في تفصيلات أو مناقشة القضايا بشكل موضوعي، فمثلا عند الحديث عن الإعلانات أنها تتراوح ما بين 6 إلى 10% فقط من حجم التبرعات في السنوات من 2013 إلى 2017، ولم تشر إلى حجم الإعلانات بالأرقام أن المؤسسة مثلا أنفقت في الخمس سنوات الماضية 400 مليون جنيها، بواقع 80 مليون جنيه سنويا، كما أنها لم تحدد حجم الودائع بالبنوك.
- من الأمور اللافتة للنظر في تقرير التضامن أنه تحدث عن نسبة الشفاء والتي تصل إلى 75% في المستشفى وقام بمقارنتها بنسب الشفاء في الولايات المتحدة والتي تصل إلى 82% وأرجع ذلك إلى معدلات التلوث المرتفعة في مصر عن الولايات المتحدة، وبذلك يكون التقرير قد تطرق لأمور وتقييمات فنية مرتبطة بمهنة الطب والاشتراطات الوقائية، وهي أمور خارج اختصاص وزارة التضامن المعنية بالمخالفات المالية والإدارية ومراقبة الميزانية، وكان حري بالتقرير أن يجيب على التساؤلات المرتبطة برفض المستشفى قبول الحالات التي سبق لها التعامل مع مستشفيات أخرى دون إبداء أسباب واضحة.
المبحث الثالث: مؤشرات السياقات التفسيرية والتحليل
هناك عدة مؤشرات تفسيرية مرتبطة بالسياق العام لطبيعة المؤسسة والسياق العام لعمل المؤسسات الأهلية في مصر ودور الدولة المتنامي في الهيمنة على ذلك القطاع، وهذه المؤشرات هي:
-
الطبيعة النوعية للأزمة
هناك اختلاف نوعي بين الأزمة التي تعرض لها مستشفى 57 والمؤسسات الأخرى التي أشرنا لها سابقا، فكل المؤسسات السابقة تم توجيه اتهامات لها بأنها تنتمي إلى جماعة محظورة وتدعم الإرهاب، وقامت كل المؤسسات بالتبرؤ من تلك الادعاءات واتباع سياسات اندماجية وداعمة للنظام الحالي، لكن الحال مختلف مع مستشفى 57 والتي حرص مديرها شريف أبو النجا على توجيه الدعم لصندوق تحيا مصر وإبراز زيارات العسكريين للمؤسسة في الإعلام بشكل كبير، ولم يشفع له قربه من السيسي والعمل كمستشار له من تعرض المؤسسة لحملة قوية من الأذرع الإعلامية المملوكة للدولة ومن شخصيات إعلامية محسوبة على النظام.
-
ثنائية الإعلام والإعلان
تعتمد المؤسسة في علاقتها بالمجتمع وفي استراتيجيتها الخاصة بالتمويل على مورد واحد رئيس وهو الدعاية الإعلانية بمختلف أشكالها، وهوما يجعل جمهورها المستهدف شرائح حاصلة على قدر من التعليم تستطيع التواصل بشكل غير مباشر والتبرع من خلال حسابات بنكية، وبالتالي فإن استهداف تلك الشرائح من خلال النقد الإعلامي للمؤسسة يؤثر بشكل كبير على سمعة المؤسسة وبالتالي يختصم من مواردها بشكل كبير.
-
ثنائية التبرع والتطوع
مهاجمة الإعلام لجمعيات مثل الجمعية الشرعية مثلا أو جمعية رسالة أوبنك الطعام، لا يكون مؤثرا بشكل كبير على حجم التبرعات، وذلك لعدة أسباب أهمها أن تلك المؤسسات تمتلك أجنحة شعبية وفروعا متعددة في كافة المدن والقرى بمختلف المحافظات وقد تتخطى فروعها الألف فرع في بعض الأحيان، وهوما يجعل مستهدفها المواطن البسيط الذي قد لا يكون له علاقة بالصحف والقراءة وتكون علاقته بالمؤسسة مرتبطة بثقته في الوسيط المحلي.
-
ظهور مؤسسات أخرى مملوكة للدولة
أشرنا إلى أن الدولة أصبح لديها مؤسسات غير حكومية من الناحية القانونية الشكلية ومن الناحية السياسية الفعلية مؤسسات حكومية تقبل التبرعات وتوجهها لخدمة مشاريع الدولة، ومن أهمها مؤسسة تحيا مصر والتي قامت بتنفيذ مشروع الأسمرات وتم نسبة نجاحه لرأس الدولة وأصبح من أهم إنجازات عبد الفتاح السيسي، وإذا أردنا أن نوسع الرؤية ونضيف إليه دور الصندوق الكبير في دعم برنامج العلاج من فيروس سي الذي أشرنا إليه في بحث سابق بعنوان: السياسات الصحية بعد 2013. فيروس سي نموذجا[13].
وبعد أن قمنا باستعراض بسيط لمراحل تطور الأزمة ثم عرضنا السياق التفسيري لها؛ نكون أمام سيناريو تحليلي محدد وهو أن الدولة منزعجة من حجم التبرعات التي تحصل عليها المؤسسة، وأنها تريد أن تعيد ترتيب مشهد التبرعات بسياسات دعائية من شانها تقليل حجم التبرعات للمؤسسة ليتم توجيهه إلى مؤسسات أخرى مملوكة للدولة وعلى رأسها مؤسسة 500500 التي تتولى إنشاء المعهد القومي للأورام الجديد بالشيخ زايد.
كما أن الدولة حريصة على استمرار مؤسسة 57357 وهو ما جعلها توازن بين الرغبة في الاستمرار والرغبة في تقليل التبرعات وذلك بتطويل مدة لجنة وزارة التضامن والتي استمرت لأكثر من خمسة أشهر تركت سمعة المؤسسة تستنزف إعلاميا، ثم خرجت بنتائج غامضة تضمن استمرار المؤسسة، وبالتالي كانت الرسالة أن المؤسسة محمية من الدولة وفي ذات الوقت من الممكن فتح الملف في أي وقت في حال تمدد نشاطها خارج السياق الذي تم رسمه لها، ويمكن تفسير ذلك في إطار تراجع حجم الإعلانات بشكل ملحوظ في الأشهر الماضية التي أعقبت الأزمة.
نتائج الأزمة ومسارات المستقبل
من العرض السابق للأزمة، وفي إطار مؤشرات السياق السابقة يمكن الوصول إلى عدة نتائج مهمة مترتبة على الأزمة، كذلك يمكن استشراف مستقبل المؤسسة في ظل الضغوط التي تعرضت لها وصعود بعض المؤسسات الأخرى المنافسة لها، وظهور أخرى مملوكة للدولة بشكل مباشر.
نتائج الأزمة:
-
تراجع حجم إعلانات المؤسسة
اللافت للنظر أن المؤسسة تراجعت تماما ولم تعد موجودة على خريطة الإعلانات السنوية، في حين تزايدت المساحة الإعلانية لمؤسستي بهية والمعهد القومي للأورام الجديد، لكن الصورة ستتضح أكثر خلال رمضان الحالي حيث أنه الموسم الدعائي الأكبر على مدار السنة والذي يحظى بأكثر من نصف الإعلانات الموزعة على مدار السنة
-
تراجع المصداقية
تراجعت مصداقية المؤسسة لدى قطاع عريض من داعميها نظرا لعدم قدرة المؤسسة على إدارة الأزمة بشكل صحيح والإجابة على الأسئلة التي تبحث عن إجابات، واللجوء إلى شخصيات غير مرحب بها اجتماعيا مثل مرتضى منصور ونشوى الحوفي وخالد صلاح للدفاع عن المؤسسة.
-
فتح ملف حوكمة أموال التبرعات
من النتائج المهمة والإيجابية للأزمة هي فتح ملف الحوكمة والإدارة الرشيدة لمورد مجتمعي مهم؛ وهو أموال التبرعات وكيفية إدارتها بشكل تشاركي مع المجتمع وإرساء قواعد المساءلة والرقابة المجتمعية لتلك الأموال وإجبار المؤسسات على اتباع مؤشرات الشفافية في الحصول على التبرعات وآليات الإنفاق.
-
تراجع حجم التبرعات
تعتبر هذه النتيجة؛ نتيجة بديهية لكل العوامل السابقة، كذلك لوجود عامل آخر موضوعي وهو مزاحمة مستشفى بهية ومؤسسة 500500 ومستشفى شفاء الأورمان بالصعيد لعلاج السرطان والتي تؤكد في موادها الإعلانية اهتمامها الخاص بسرطان الأطفال وتخصيص المرحلة الثالثة لقسم أطفال السرطان من خلال مبادرة صعيد بلا سرطان للمؤسسة في مجال التبرعات وإنهاء احتكارها للتبرعات الموجهة لمحاربة مرض السرطان، وفي ظل استمرار سياسة عدم الشفافية من قبل مجلس إدارة المؤسسة فمن الصعب تقدير حجم التراجع في معدل التبرعات وليس هناك سوى إشارة من مصطفى بكري إلى أن حجم التبرعات تراجع بنسبة 40% وهو ما لم تنفه المؤسسة[14].
مسارات المستقبل:
يعتقد الباحث أن مؤسسة 57357 لن تعد قادرة على تصدر مشهد الحصول على النصيب الأكبر من التبرعات لعدة اعتبارات وهي:
-
أولويات النظام الحاكم
بالرغم من قرب إدارة 57 من رأس النظام، وسعي إدارتها على إرساء رسالة داعمة للقوات المسلحة والشرطة؛ إلا أنها لا تدرك المتغيرات في نسق توازن المصالح والدور الوظيفي الذي ينظر من خلاله النظام إلى تلك المؤسسات، وبالتالي دوره في صعود وهبوط أو السيطرة على نشاط تلك المؤسسات.
وبناء على ذلك فإن المؤسسة لا تقوم بالدور المتنوع الذي تقوم به مؤسسات أخرى مثل مصر الخير أو الأورمان أو بيت الزكاة، وهو ما جعل الدولة ترفع الدعم عن المؤسسة وتركتها عرضة لحملة كبيرة ووقفت موقفا محايدا تعلم من خلاله أن المؤسسة هي الخاسر الأكبر من تلك الحملة الإعلامية المكثفة.
-
تأثير الحملة على حجم التبرعات
مما لا شك فيه أن الحملة التي قادها السيناريست وحيد حامد ومعه قناة المحور وموقع فيتو قد نالت بشكل كبير من حجم التبرعات التي يتلقاها المستشفى، وأن تقرير وزارة التضامن لم يكن مقنعا، بل زاد من حجم الشكوك والريبة حول المؤسسة ومستوى شفافيتها في التعامل مع أموال التبرعات.
-
محدودية النشاط
تعمل المؤسسة من خلال نشاط محدود لا يتخطى تعاملها مع 3000 حالة سنويا من إجمالي 5000 طفل مصري مصاب سنويا، وهوما يعني أن سقف تطور المؤسسة لن يكون كبيرا، وهوما يفسر لجوء المؤسسة إلى التنوع من خلال تقديم نفسها على أنها مؤسسة بحثية علمية وهوما جعلها ترفع شعار (رحلة علم هدفها الحياة)، وبالتالي فإن استمرارها في الحصول على هذا الكم الهائل من التبرعات سيواجه بموجات متتالية من النقد والضغط.
-
الطابع النوعي لنشاط المؤسسة
من العوامل المهمة التي ستؤثر في قدرة المستشفى على الاستمرار؛ هي الطبيعة النوعية لنشاط المؤسسة فهي مركز طبي متخصص في علاج سرطان الأطفال فقط وليس السرطان بشكل عام، وليست المركز الوحيد الذي يحتكر علاج الأطفال فهناك مراكز حكومية متعددة تابعة للمستشفيات الجامعية ووزارة الصحة تؤدي نفس المهمة، تقول الإحصاءات أن نسبة إصابة الأطفال بالسرطان لا تتخطى 5% من حجم الإصابة السنوي، وإذا كانت المؤشرات تؤكد أن مصر تستقبل 100 ألف مريض سرطان سنويا، فإن المؤسسة لا تستقبل سوى 3% فقط من حجم الإصابات السنوية، وبالتالي فإن مستقبل التبرعات سيتجه إلى المعهد القومي للأورام المنوط بعلاج أكثر من 250 ألف حالة سنويا (مرضى جدد ومرضى مترددين من السنوات السابقة).
المبحث الرابع: الخاتمة والتوصيات
من العرض السابق الذي حاولنا من خلاله فك الاشتباك الدائر حول أزمة مستشفى 57357 نكون أمام عدة مؤشرات مرتبطة بإفساد منظومة المجتمع المدني في مصر بشكل عام، نظرا لدعم الدولة تكريس مفهوم عدم الشفافية لدى جميع المؤسسات، واعتبار الدولة نفسها الرقيب الوحيد على تلك المؤسسات بعيدا عن رقابة المجتمع مما ساهم في تشكيل شبكة من العلاقات والمصالح المشتركة بين تلك المؤسسات والدولة، وقد ساهم ذلك بالإضافة إلى السياسات الداخلية إلى ضعف مؤشرات الشفافية لدى مستشفى مؤسسة 57357، ويمكن أن نجمل تلك المؤشرات في النقاط التالية:
- العلاقات المتشابكة مع الدولة.
- الاستقواء بالدولة في إدارة الأزمة وليس اللجوء إلى المجتمع.
- عدم التواصل الجيد مع الإعلام ورفض الحديث والرد على الاتهامات.
- عدم شفافية تقرير وزارة التضامن حول المستشفى وهشاشة المحتوى والانتقائية في التعامل مع الاتهامات الموجهة للمؤسسة.
- استمرار المؤسسة في سياسة رفض الإفصاح عن حجم الميزانية والودائع بالبنوك والنفقات وحجم الإعلانات.
وبناءً على تلك المؤشرات يمكن الوصول إلى النتائج التالية:
-
افتعال الأزمة
لم تكن الأزمة بعيدة عن أعين الدولة وكانت تدار داخل أجنحتها الإعلامية ووفرت الدولة الدعم الكافي لتسهيل تكثيف الحملة في وسائل الإعلام المتنوعة، وهو ما يمثل ضررا بالغا بالنسبة للمؤسسة التي تعتمد على تلك الوسائل وتنفق عشرات الملايين سنويا على تلك المنابر الإعلامية للحفاظ على الصورة الذهنية الجيدة لدى المواطن.
-
احتواء الأزمة
قررت الدولة احتواء الأزمة بعد ان استنزفت المؤسسة إعلاميا على مدار خمسة أشهر، وذلك من خلال تقرير التضامن الذي أشرنا إليه، وبناء على هذا التقرير تم إنهاء الأزمة وجفت الأقلام عن الحديث عن فساد مستشفى 57357.
وقد كان الهدف من تلك الحملة هو تراجع حجم التبرعات التي تحصل عليها المؤسسة وبالتالي تراجع حجم الإعلانات نظرا لأنها مرتبطة بحجم التبرعات مما يتيح الفرصة لكيانات أخرى مملوكة للدولة مثل 500500 للحصول على قدر أعلى من التبرعات، كذلك سعي النظام للترويج إلى تبنيه سياسات قائمة على احترامه حقوق المرأة وخصوصا حقها في الحصول على الرعاية الصحية الكاملة يجعله يسعى إلى الترويج أكثر لمستشفى بهية التي تحملت عبء الكشف المبكر على سرطان الثدي والتكفل بالعلاج وهو ما فشلت فيه الدولة على مدار السنوات السابقة.
-
غموض مستقبل المؤسسة
ظلت مؤسسة مستشفى 57357 لعدة سنوات رائدة العمل الخيري في مجال الحصول على أكبر قدر من التبرعات لعدة أسباب؛ أهمها أنها كانت المؤسسة الأولى التي خاضت تجربة الحصول على التبرعات من خلال الإعلانات وتبعتها في ذلك باقي المؤسسات التي ظهرت بعد ذلك، كما أنها استطاعت الحفاظ على صورتها المتماسكة أمام المجتمع لسنوات طويلة، لكنها لم تستطع وبفعل المتغيرات التي حدثت في السنوات الخمس الماضية الاستمرار في ريادة الحصول على التبرعات، كما أن استمرار الإدارة الحالية بقيادة شريف أبو النجا التي جعلت المؤسسة أكثر انغلاقا وبعدا عن المجتمع بالإضافة إلى الفشل في إدارة الأزمة التي مرت بها لمؤسسة، وهو ما يجعل مستقبل استدامة التبرعات أمرا غامضا.
التوصيات:
-
تقليل الاعتماد على الإعلانات.
أثارت المبالغة في الإنفاق على الإعلانات حفيظة المجتمع المصري بأسره وهناك إشارات كثيرة من مؤسسات مجتمع مدني أخرى إلى رفض تلك السياسة على أساس أنها منافية لطبيعة العمل التطوعي ومن تلك المؤسسات مؤسسة بيت الزكاة المصري، ومؤسسة رسالة والجمعية الشرعية، كما أن وزير الصحة السابق أحمد عماد قد أشار في تصريحات سبق وأشرنا إليها إلى رفض تلك السياسات.
ومن الإشكاليات المهمة المرتبطة بظاهرة الإعلانات هي إشكالية العدالة والإنصاف وإتاحة الفرص، فقرار وزارة التضامن يتيح لكل مؤسسة أن تنفق نسبة من التبرعات تصل إلى 20% من حجم التبرعات وهذا من شانه أن يقلل من فرص المؤسسات الصغيرة من المنافسة والحصول على مساحة مناسبة لعرض احتياجاتها على المجتمع، كما أن زيادة حجم ظاهرة الإعلانات ستتحول إلى عامل سلبي نظرا لما أصبح يتردد حولها من إهدار لأموال التبرعات، وأنها تمول الأعمال الدرامية وليس الأعمال الخيرية.
-
بدائل جديدة لزيادة التمويل Fundraising.
من الضروري أن تبحث المؤسسة عن مصادر جديدة ومتنوعة بخلاف الإعلانات وعوائد ودائع البنوك، ومن تلك المصادر التواصل الخبري والمعلوماتي من خلال وسائل الإعلام الأكثر مشاهدة، والتواصل التفاعلي المباشر مع المتبرع من خلال آليات الإقناع المتمثلة في المواد الإعلامية وليس المواد الإعلانية، ومخاطبة العقل وليس السطو على العاطفة، كذلك تكوين فريق كبير من طلاب الجامعات أو حديثي التخرج للعمل كمتطوعين بالمستشفى وحلقة وصل ميدانية مع المواطنين، وهذه المقترحات قليلة التكلفة بالنسبة للمواد الإعلانية باهظة التكاليف إذا ما أديرت وفق قواعد الشفافية والتواصل المجتمعي الفعال.
-
الكفاءة والفاعلية
ينبغي أن تسفر عملية إدارة أموال المتبرعين عن نتائج تلبي الاحتياجات مع تحقيق أفضل استخدام للموارد المتاحة، وهوما تعاني منه مؤسسات المجتمع المدني المصري خصوصا العاملة في المجال الصحي والتي أصبحت ميزانياتها بالمليارات سنويا وتنفقها على علاج عدد قليل من المرضى، فمن غير المعقول أن تنفق مؤسسة 57357 مليارا و200 مليون جنيه سنويا في علاج 3000 حالة في حين ميزانية المعهد القومي للأورام لا تتجاوز 50 مليون جنيه ويتردد عليه 250 ألف مريض سنويا.
-
تغيير مجلس الأمناء الحالي
جزء من مشاكل مؤسسة 57357 الطريقة التي يدير بها المجلس الحالي المؤسسة والتي أصبحت وكأنك أمام مستشفى خاص يمتلكه شريف أبو النجا ويديره بمعاونة أقاربه وأصدقائه، وبالتالي فإن تفكيك تلك الظاهرة العائلية في الإدارة وضخ دماء جديدة وأفكار جديدة تستوعب المتغيرات وتؤمن بدور المجتمع في الرقابة وحقه في المعرفة بصفته المالك الحقيقي للمؤسسة، وتدعم مبادئ الحوكمة الرشيدة سيساعد في استعادة المؤسسة لثقة المجتمع.
وفي النهاية، من المهم أن نؤكد أن دراسة هذا النموذج يعد تعبيرا ومؤشرا واضحا حول ما يمكن تسميته “القدرة الإفسادية للدولة” في إطار تحالفات مصلحية يمكن أن تصيب المجتمع المدني والأهلي في مقتل. فالقاعدة الأساسية ضمن تأسيس مجتمعات مدنية فاعلة بما فيها المستشفيات الأهلية أن تملك حالة من الاستقلالية الواجبة التي تسهم في فاعلية العمل من دون النيل من فكرة المساءلة والشفافية والمحاسبة والتي تحدث التوازن المطلوب في العمل الأهلي، بحيث لا تكون الدولة غطاءً لعلميات فساد في إدارة تلك المؤسسات وأموالها، وهو أمر زاد وضوحا في تلك المعالجة البحثية لأزمة مستشفى 57357. [15]
الهامش
[1]– marketing charts،October 6، 2017 ، link
[2]– اعلانجي، 9 يونيو 2017، فودافون تنفق أكثر من 68 مليون جنيه على إعلاناتها في أول 10 أيام من رمضان، تاريخ الاسترداد 2019و الرابط
[3]– اعلانجي، 12 يونيو 2017، 108 مليون جنيه: الحجم التقديري لإعلانات مستشفى 57357 في أول 10 من رمضان، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط
[4]– خالد الطواب، 7يوليو 2017، سبوبة إعلانات الشحاتة.. الخير وسيلة لجني الأموال.. إنفاق مئات الملايين على الفضائيات. القطاع الصحي في الصدارة والرقابة عليها “زيرو”. وخبراء: وصمة عار وأكبر إساءة لسمعة مصر، تاريخ الاسترداد 2019، من البوابة نيوز، الرابط
[5]– زينب البقري، إعلانات التبرعات بمصر.. أن تغطي فشل الدولة ولا تعالجه، تاريخ الاسترداد 2019، من ميدان الجزيرة، الرابط
[6]– ريهام سعيد، 5 يونيو 2018، وزير الصحة: لا نريد تبرعات ولكن عايزين الناس تعرف أن الدولة تعالج مرضي السرطان، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة فيتو، الرابط
[7]– أسامة داوود، 2 يونيو 2016، داود يفتح الملف المسكوت عنه: مستشفى 57357 رحلة وهم هدفها جباية المال.. التبرعات مليار جنيه.. 160 مليونا فقط للعلاج.. عائلة واحدة تتحكم في معظم المواقع القيادية، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة فيتو، الرابط
[8]– المصري اليوم، 29 يونيو2018، د. شريف أبو النجا مدير «57357» يرد على وحيد حامد، تاريخ الاسترداد 2019، من المصري اليوم، الرابط
[9]– ريهام سعيد، 12 سبتمبر 2018، شفاء على «نفقة الدولة».. 14 مركزا للأورام تستقبل نصف مليون مريض بالسرطان سنويًا. رفض الحالات ممنوع.. وسامي رمزي: العلاج متاح وإنشاء 15 مركزا جديدا بمستشفى 15 مايو، التاريخ الاسترداد 2018، من بوابة فيتو، الرابط
[10]– أحمد جمعة، 29 أكتوبر 2018، التأمين الصحي: تكلفة علاج مريض الأورام 35 ألف جنيه، تاريخ الاسترداد 2019، من مصراوي، الرابط
[11]– أميرة هشام، 3 ديسمبر 2018، التضامن تصدر بيانا حول حقيقة مخالفات مستشفى 57357، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة الأهرام ، الرابط
[12] – أسامة داوود، 4 سبتمبر 2018، أكاديمية الفنكوش في “57357”، تاريخ الاسترداد 2019، من بوابة فيتو الرابط
[14] – فيديو، مصطفى بكري يطالب بزيادة التبرعات لمستشفى 57357، تاريخ الاسترداد 2019، الرابط
[15] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.