fbpx
ترجمات

المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو 2022: ترجمة وتعليق

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

في قمة مدريد التي انعقدت في 29 يونيو 2022، اعتمد قادة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وثيقة المفهوم الاستراتيجي الجديد للحلف، حيث حددت الوثيقة أولويات حلف شمال الأطلسي ومهامه الأساسية ومقارباته للعقد المقبل. ويُقدم المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو 2022 توصيفاً واضحاً للبيئة الأمنية التي تواجه الحلف، ويعيد التأكيد على قيمه، ويوضح الغرض الرئيسي لحلف الناتو المتمثل في ضمان الدفاع الجماعي لحلفائه. كما تحدد الوثيقة المهام الأساسية الثلاث لحلف الناتو وهي: الردع والدفاع؛ منع الأزمات وإدارتها؛ والأمن التعاوني.

المفهوم الاستراتيجي للحلف تجري مراجعته بشكل منتظم، ويتم تحديثه كل عشر سنوات تقريباً منذ نهاية الحرب الباردة، لمجاراة التغييرات في بيئة الأمن العالمي، والتأكد من قدرة واستعداد الحلف للتعامل معها. ويُعتبر المفهوم الاستراتيجي للناتو بمنزلة الإطار الرسمي لعقيدته الأمنية، حيث يحدد المفهوم الاستراتيجي التحديات الأمنية التي تواجه الحلف، كما يحدد المهام السياسية والعسكرية التي سينفذها الناتو، ويقود عملية التكيف الاستراتيجي للحلف وتطوره السياسي والعسكري في المستقبل.

لذلك تحظى وثيقة المفهوم الاستراتيجي باهتمام كبير من الحلف والدول المتفاعلة معه أو تلك التي تقف ضده، حيث تُعد الوثيقة بمثابة بوصلة توجّه قدرات التحالف وتحدد كيفية التعامل مع التحديات الأمنية القائمة والمستجدة بشكل جماعي ومؤسسي.

وقد جاءت الوثيقة على النحو التالي:

تمهيد:

اجتمعنا نحن، رؤساء دول وحكومات حلفاء الناتو، في مدريد في وقت حرج لأمننا، من أجل ضمان السلام والاستقرار الدوليين. واليوم، نصادق على مفهوم استراتيجي جديد لضمان بقاء تحالفنا قادراً ويحوز الموارد اللازمة للمستقبل.

فعلى مدى أكثر من سبعين عاماً (تم تأسيس الحلف عام 1949)، كَفل حلف الناتو حرية وأمن الحلفاء، ويعود نجاحنا لخدمة وتضحية رجال ونساء قواتنا المسلحة، ولذلك فنحن ندين لهم ولعائلاتهم بعظيم الامتنان.

ولدينا عزم ثابت على حماية مواطنينا الذين يبلغ عددهم مليار مواطن والدفاع عن أراضينا وحماية حريتنا وديمقراطيتنا. وسوف نعزّز وحدتنا وتماسكنا وتضامننا، والبناء في ذلك على الروابط الدائمة بين دولنا عبر الأطلسي وقوة قيمنا الديمقراطية المشتركة. ونؤكد التزامنا الراسخ بحلف شمال الأطلسي والدفاع عن بعضنا البعض ضد جميع التهديدات، بغض النظر عن مصدرها.

وسنواصل العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل ودائم وسنظل حصناً للنظام الدولي القائم على القواعد. وسنحتفظ بمنظور عالمي لحل ما يعترضنا من معضلات وسنعمل بشكل وثيق مع شركائنا والبلدان الأخرى والمنظمات الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، للمساهمة في السلم والأمن الدوليين.

فالنزاعات تسود عالمنا ولا يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث به. وقد أدت الحرب العدوانية التي شنتها روسيا على أوكرانيا إلى زعزعة السلام وتغيير بيئتنا الأمنية بشكل خطير. وقد تسبب غزوها الوحشي وغير القانوني وانتهاكاتها المتكررة للقانون الإنساني الدولي وهجماتها الشنيعة والفظائع التي ارتكبتها في معاناة ودمار لا يمكن وصفهما.

إن بقاء دولة أوكرانيا قوية مستقلة أمر حيوي لاستقرار المنطقة الأوروبية الأطلسية. ويعكس سلوك موسكو نمطاً من الإجراءات العدوانية التي دأبت روسيا على ممارستها ضد جيرانها والمجتمع الأوسع عبر الأطلسي.

كما نواجه التهديد المستمر الذي يمثله الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره. حيث يمثل الوضع السائد من عدم الاستقرار، والمنافسة الاستراتيجية المتزايدة، وتقدم الاستبداد، تحدياً لمصالح وقيم الحلف.

ويؤكد مفهومنا الاستراتيجي الجديد على أن الهدف الرئيسي لحلف الناتو هو ضمان دفاعنا الجماعي، استناداً إلى نهج شامل متكامل. وهو يحدد المهام الأساسية الثلاث للحلف، وهي: الردع والدفاع. منع الأزمات وإدارتها؛ والأمن التعاوني. ونؤكد على الحاجة إلى تعزيز ردعنا ودفاعنا بشكل كبير باعتباره العمود الفقري لالتزامنا بموجب المادة الخامسة للدفاع عن بعضنا البعض.

ويُعتبر الهدف الأساسي لقدرة الناتو النووية هو الحفاظ على السلام ومنع الإكراه وردع العدوان. وما دامت الأسلحة النووية موجودة، فسيظل الناتو تحالفاً نووياً. وهدف الناتو هو الحفاظ على عالم أكثر أماناً للجميع؛ حيث نسعى لخلق بيئة أمنية لعالم خالٍ من الأسلحة النووية.

ويؤكد المفهوم الاستراتيجي للحلف على أن ضمان قدراتنا ومرونتنا الوطنية والجماعية أمر بالغ الأهمية لتحقيق جميع مهامنا الأساسية وهو يدعم جهودنا لحماية دولنا ومجتمعاتنا وقيمنا المشتركة. كما يؤكد المفهوم الجديد على الأهمية الشاملة للاستثمار في الابتكار التكنولوجي ودمج تغير المناخ والأمن البشري وأجندة المرأة والسلام والأمن في جميع مهامنا الأساسية.

رؤيتنا واضحة، وهي أننا: نريد أن نعيش في عالم تُحترم فيه السيادة والسلامة الإقليمية وحقوق الإنسان والقانون الدولي، حيث يمكن لكل بلد أن يختار طريقه الخاص، خالٍ من العدوان أو الإكراه أو التخريب. نحن نعمل مع جميع الذين يشاركوننا هذه الأهداف. نقف معاً، كحلفاء، للدفاع عن حريتنا والمساهمة في بناء عالم أكثر سلاماً.

أولاً: المقاصد والمبادئ

1- حلف شمال الأطلسي عازم على حماية حرية وأمن الحلفاء. ومقصده الرئيسي وأكبر مسؤولياته هو ضمان دفاعنا الجماعي، ضد جميع التهديدات، من جميع الاتجاهات. فنحن تحالف دفاعي.

2- الروابط عبر الأطلسي بين بلادنا لا غنى عنها لأمننا. فنحن تربطنا معاً قيم مشتركة تتمثل في: الحرية الفردية وحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون. وما زلنا ملتزمين التزاماً راسخاً بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

3- حلف الناتو هو المنتدى عبر الأطلسي الفريد والأساسي والذي لا غنى عنه للتشاور والتنسيق والعمل في جميع الأمور المتعلقة بأمننا الفردي والجماعي. وسنعزز تحالفنا على أساس أمننا غير القابل للتجزئة، وعبر تضامننا والتزامنا الصارم بالدفاع عن بعضنا البعض، كما هو منصوص عليه في المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي. وقدرتنا على الردع والدفاع هي العمود الفقري لهذا الالتزام.

4- سيستمر حلف الناتو في إنجاز ثلاث مهام أساسية هي: الردع والدفاع، منع الأزمات وإدارتها؛ والأمن التعاوني. حيث تتكامل هذه العناصر لضمان الدفاع الجماعي والأمن لجميع الحلفاء.

5- سنعزز مرونتنا وقدرتنا على الصمود فردياً وجماعياً وعلى تفوقنا التكنولوجي. حيث تُعد هذه الجهود ضرورية لتحقيق المهام الأساسية للحلف. وسنعمل على تعزيز الحكم الرشيد ودمج تغير المناخ والأمن البشري وأجندة المرأة والسلام والأمن في جميع مهامنا. وسنواصل تعزيز المساواة بين الجنسين كانعكاس لقيمنا.

ثانياً: البيئة الإستراتيجية

6- المنطقة الأوروبية الأطلسية ليست في سلام الآن. فقد انتهك الاتحاد الروسي القواعد والمبادئ التي ساهمت في قيام نظام أمني أوروبي مستقر، يمكن التنبؤ به. ولا يمكننا استبعاد احتمال شن هجوم على سيادة الحلفاء وسلامتهم الإقليمية. ولذلك تحدد المنافسة الاستراتيجية وعدم الاستقرار السائد والصدمات المتكررة بيئتنا الأمنية الأوسع. فالتهديدات التي نواجهها عالمية ومترابطة.

7- تتحدى الجهات الاستبدادية الفاعلة مصالحنا وقيمنا ونمط حياتنا الديمقراطية. فهم يستثمرون في القدرات التقليدية والنووية والصاروخية المتطورة، مع قليل من الشفافية أو مراعاة المعايير والالتزامات الدولية. ويختبر المنافسون الاستراتيجيون قدرتنا على الصمود ويسعون لاستغلال الانفتاح والترابط والرقمنة لدولنا. وهم يتدخلون في عملياتنا ومؤسساتنا الديمقراطية ويستهدفون أمن مواطنينا من خلال تكتيكات مختلطة، سواء بشكل مباشر أو من خلال وكلاء. وهم أيضاً يقومون بأنشطة ضارة في الفضاء الإلكتروني والفضاء، ويعززون حملات التضليل، ويستغلون الهجرة، ويتلاعبون بإمدادات الطاقة، ويستخدمون الإكراه الاقتصادي. وهذه الجهات الفاعلة تقف أيضاً في طليعة الجهود المتعمدة لتقويض المعايير والمؤسسات المتعددة الأطراف وتعزيز النماذج الاستبدادية للحكم.

8- تُمثل روسيا أهم وأكبر تهديد مباشر لأمن الحلفاء والسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية. حيث تسعى إلى إقامة مناطق نفوذ وسيطرة مباشرة من خلال الإكراه والتخريب والعدوان وضم الأراضي. وهي تستخدم وسائل تقليدية وسيبرانية ومختلطة ضدنا وضد شركائنا. ويقوض موقفها العسكري القسري وخطابها واستعدادها الأكيد لاستخدام القوة من أجل تحقيق أهدافها السياسية، النظام الدولي القائم على القواعد. وتقوم روسيا بتحديث قواتها النووية وتوسيع أنظمة الإيصال الجديدة والمدمرة ذات القدرة المزدوجة، مع استخدام الإشارات النووية القسرية. إنه يهدف إلى زعزعة استقرار دول شرقنا وجنوبنا. في أقصى الشمال، تشكل قدرتها على تعطيل تعزيزات الحلفاء وحرية الملاحة عبر شمال الأطلسي تحدياً استراتيجياً للحلف. إن الحشد العسكري لموسكو، بما في ذلك في مناطق البلطيق والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب تكاملها العسكري مع بيلاروسيا، يتحدى أمننا ومصالحنا.

9- لا يسعى حلف الناتو إلى المواجهة مع روسيا ولا يُشكل أي تهديد عليها. وسنواصل الرد على التهديدات والأعمال العدائية الروسية بطريقة موحّدة ومسؤولة. وسنُعزز بشكل كبير قدرات الردع والدفاع لجميع الحلفاء، وسنُعزز قدرتنا على الصمود ضد العنف الذي تمارسه روسيا وندعم شركاءنا لمواجهة هذا التدخل العدواني الخبيث. وفي ضوء سياساتها وأعمالها العدائية، لا يمكننا اعتبار روسيا شريكاً لنا. ومع ذلك، فما زلنا مستعدين للحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع موسكو لإدارة المخاطر وتخفيفها، ومنع التصعيد وزيادة الشفافية. ونسعى إلى الاستقرار والقدرة على التنبُّؤ في المنطقة الأوروبية الأطلسية وكذلك بين حلف الناتو والاتحاد الروسي. ولكن أي تغيير في علاقتنا يعتمد على وقف روسيا لسلوكها العدواني والامتثال الكامل للقانون الدولي.

10- يُعد الإرهاب، بجميع أشكاله ومظاهره، أخطر تهديد مباشر غير متكافئ لأمن مواطنينا وللسلام والازدهار الدوليين. حيث تسعى المنظمات الإرهابية إلى مهاجمة الحلفاء أو دفعهم لشن هجمات عليهم. وقد وسعوا شبكاتهم وعززوا قدراتهم واستثمروا في تقنيات جديدة لتحسين وصولهم وقدرتهم الفتاكة. وتواصل الجماعات المسلحة من غير الدول، بما في ذلك الشبكات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية والجهات الفاعلة المدعومة من الدول، استغلال الصراع والحوكمة الضعيفة لتجنيد وتعبئة وتوسيع موطئ قدم لها.

11- ويؤثر الصراع والهشاشة وعدم الاستقرار في أفريقيا والشرق الأوسط بشكل مباشر على أمننا وأمن شركائنا. ويواجه الجوار الجنوبي لحلف الناتو، ولا سيما مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والساحل، تحديات أمنية وديموجرافية واقتصادية وسياسية مترابطة. حيث تتفاقم هذه المشاكل بسبب تأثير تغير المناخ، وهشاشة المؤسسات، وحالات الطوارئ الصحية وانعدام الأمن الغذائي. ويوفر هذا الوضع أرضاً خصبة لانتشار الجماعات المسلحة من غير الدول، بما في ذلك المنظمات الإرهابية. كما أنه يمكّن من التدخل المزعزع للاستقرار والقسر من قبل المنافسين الاستراتيجيين.

12- ويؤدي الانتشار الواسع لحالة عدم الاستقرار إلى ممارسة العنف ضد المدنيين، بما في ذلك العنف الجنسي المرتبط بالنزاع، فضلاً عن الهجوم على الممتلكات الثقافية والأضرار البيئية. و يساهم عدم الاستقرار في النزوح القسري، ويؤجج الاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية. وتشكل هذه الاتجاهات تحديات إنسانية عابرة للحدود. وهي تقوض أمن الإنسان والدولة ولها تأثير غير متناسب على النساء والأطفال والأقليات.

13- وتمثل الطموحات المعلنة لجمهورية الصين الشعبية وسياساتها القسرية تحدياً لمصالحنا وأمننا وقيمنا. حيث تستخدم الصين مجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة تواجدها العالمي وتقوية مشروعها، بينما تظل غامضة بشأن استراتيجيتها ونواياها وحشدها العسكري. وتستهدف العمليات الهجينة والسيبرانية الخبيثة التي تمارسها الصين وخطاب المواجهة والمعلومات المضللة الحلفاء وتضر بأمن الحلف. وتسعى الصين إلى التحكم في القطاعات التكنولوجية والصناعية الرئيسية والبنية التحتية الحيوية والمواد الإستراتيجية وسلاسل التوريد. وتستخدم نفوذها الاقتصادي لخلق التبعيات الاستراتيجية وتعزيز نفوذها. وتسعى جاهدة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد، بما في ذلك المجالات الفضائية والإلكترونية والبحرية. ويتعارض تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الصين وروسيا ومحاولاتهما المتعاضدة لتقويض النظام الدولي القائم على القواعد مع قيمنا ومصالحنا.

14- وما زلنا منفتحين على المشاركة البناءة مع الصين، بما في ذلك بناء الشفافية المتبادلة، بهدف حماية المصالح الأمنية للحلف. وسنعمل معاً بشكل مسؤول، كحلفاء، لمواجهة التحديات النُظمية التي تفرضها الصين على الأمن الأوروبي الأطلسي وضمان قدرة حلف الأطلسي الدائمة على ضمان دفاع وأمن الحلفاء. وسنعمل على تعزيز وعينا المشترك، وتعزيز قدرتنا على الصمود والجاهزية، والحماية من التكتيكات القسرية لجمهورية الصين الشعبية والجهود التي تبذلها لتقسيم التحالف. وسندافع عن قيمنا المشتركة والنظام الدولي القائم على القواعد، بما في ذلك حرية الملاحة.

15- هناك تنازع على الفضاء السيبراني في جميع الأوقات. حيث تسعى الجهات الخبيثة إلى إضعاف بنيتنا التحتية الحيوية، والتدخل في خدماتنا الحكومية، واستخراج المعلومات الاستخباراتية، وسرقة الملكية الفكرية، وإعاقة أنشطتنا العسكرية.

16- ويستثمر المنافسون الاستراتيجيون لنا والخصوم المحتملون في التقنيات التي يمكن أن تقيد وصولنا وحريتنا في العمل في الفضاء، وتقوض قدراتنا الفضائية، وتستهدف بنيتنا التحتية المدنية والعسكرية، وتضعف دفاعنا وتضر بأمننا.

17- تجلب التقنيات الناشئة والمخلة بالأنظمة الفرص والمخاطر على حد سواء. وهم يغيّرون طبيعة الصراع، ويكتسبون أهمية استراتيجية أكبر ويصبحون ساحات رئيسية للمنافسة العالمية. وتؤثر الأسبقية التكنولوجية بشكل متزايد على النجاح في ساحة المعركة.

18- لقد أثّر تآكل هيكل الحد من التسلح ونزع والحد من انتشار السلاح سلباً على الاستقرار الاستراتيجي. وساهمت الانتهاكات التي ارتكبتها روسيا والتنفيذ الانتقائي لواجباتها والتزاماتها المتعلقة بتحديد الأسلحة في تدهور المشهد الأمني الأوسع. لا يزال الاستخدام المحتمل للمواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية أو الأسلحة ضد الناتو من قبل جهات معادية وغير حكومية يمثل تهديداً لأمننا. وتواصل إيران وكوريا الشمالية تطوير برامجها النووية والصاروخية. ولجأت سوريا وكوريا الشمالية وروسيا، بالإضافة إلى جهات فاعلة غير حكومية، إلى استخدام الأسلحة الكيميائية. وتعمل الصين الشعبية على توسيع ترسانتها النووية بسرعة وتقوم بتطوير أنظمة إطلاق متطورة بشكل متزايد، دون رفع معدل الشفافية أو الدخول بحسن نيّة في جهود الحدّ من الأسلحة أو الحدّ من المخاطر.

19- ويُعتبر تغير المناخ هو التحدي الحاسم في عصرنا، وله تأثيره العميق على أمن الحلفاء. ولذلك فهو يشكل أزمة وتهديداً مضاعَفاً. ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم الصراع والهشاشة والمنافسة الجيوسياسية. ويتسبب ارتفاع درجات الحرارة في ارتفاع مستوى سطح البحر، وحرائق الغابات، والمزيد من الظواهر الجوية المتطرفة والمتكررة، مما يعوق مجتمعاتنا، ويقوض أمننا ويهدد حياة مواطنينا وسبل عيشهم. ويؤثر تغير المناخ أيضاً على طريقة عمل قواتنا المسلحة. حيث بنيتنا التحتية وأصولنا وقواعدنا معرضة للتأثيرات المترتبة عليه. حيث تحتاج قواتنا إلى العمل في ظروف مناخية أكثر قسوة ويتم استدعاء جيوشنا بشكل متكرر للمساعدة في الإغاثة في حالات الكوارث.

ثالثاً: المهام الأساسية لحلف الناتو

الردع والدفاع

20- وفي حين أن الناتو هو حلف دفاعي، فلا ينبغي لأحد أن يشك في قوتنا وعزمنا على الدفاع عن كل شبر من أراضي الحلفاء، والحفاظ على سيادة جميع الحلفاء وسلامتهم الإقليمية والانتصار ضد أي معتدٍ. وفي مجال المنافسة الاستراتيجية، سنعمل على تعزيز وعينا العالمي والوصول إلى الردع والدفاع والمنافسة والرفض في جميع المجالات والاتجاهات، بما يتماشى مع نهجنا الشامل. ويعتمد موقف الردع والدفاع لحلف شمال الأطلسي على مزيج مناسب من القدرات الدفاعية النووية والتقليدية والصاروخية، تكمّلها القدرات الفضائية والإلكترونية. فهو حلف دفاعي ومتناسب ومتوافق تماماً مع التزاماتنا الدولية. وسنستخدم الأدوات العسكرية وغير العسكرية بطريقة متناسبة ومتماسكة ومتكاملة للرد على جميع التهديدات لأمننا بالطريقة والتوقيت المناسبين وفي المجال الذي نختاره.

21- وسنقوم بتعزيز موقفنا الرادع والدفاعي بشكل كبير لحرمان أي خصم محتمل من أي فرص محتملة للعدوان. ولتحقيق هذه الغاية، سنضمن وجودا كبيرا ومستمرا على الأرض والبحر والجو، بما في ذلك من خلال تعزيز الدفاع الجوي والصاروخي المتكامل. وسنستمر قُدماً في الردع والدفاع بقوات قوية ومتعددة المجالات وذات جاهزية كبيرة للقتال، وترتيبات قيادة وتحكم معززة، وذخيرة ومعدات مسبقة، وقدرة وبنية تحتية مُحسَّنة لتعزيز أي حليف بشكل سريع، بما في ذلك في وقت قصير أو بدون إشعار. وسنقوم بتعديل التوازن بين القوات الموجودة في الموقع والتعزيزات لتقوية الردع وقدرة الحلف على الدفاع. وبما يتناسب مع التهديدات التي نواجهها، سنضمن بقاء موقفنا الدفاعي والردع موثوقاً ومرناً ومناسباُ للظروف ومستداماً.

22- وسنواصل تعزيز الجاهزية الجماعية، ومستوى الاستجابة، وقابلية الانتشار، والتكامل، وقابلية التشغيل البيني لقواتنا. وسنقدم بشكل فردي وجماعي النطاق الكامل للقوات والقدرات والخطط والموارد والأصول والبنية التحتية اللازمة للردع والدفاع، بما في ذلك القتال متعدد المجالات وعالي الكثافة ضد المنافسين المسلحين نووياً. وسنعمل على ضمان وجود هيكل قيادة قوي ومرن ومتكامل، وزيادة المواءمة بين الخطط الدفاعية الوطنية وخطط الدفاع لحلف شمال الأطلسي وتعزيز وتحديث هيكل قوة الناتو. وسنعزز التدريب والممارسة، ونتكيف حسب الظروف ونبسّط عمليات صنع القرار لدينا، ونعزّز تخطيطنا ونحسّن فعالية نظامنا للاستجابة للأزمات.

23- يُعتبر الأمن البحري هو مفتاح سلامنا وازدهارنا. ولذلك سنعزز موقفنا وتقديرنا للحالة العسكرية لردع ومواجهة جميع التهديدات في المجال البحري، ودعم حرية الملاحة، وتأمين طرق التجارة البحرية وحماية خطوط اتصالاتنا الرئيسية.

24- وسنعمل على تسريع التحول الرقمي لدينا، وتكييف هيكل قيادة حلف الناتو مع عصر المعلومات وتعزيز دفاعاتنا الإلكترونية وشبكاتنا وبنيتنا التحتية. وسنعمل على تعزيز الابتكار وزيادة استثماراتنا في التقنيات الناشئة والمعطلة للاحتفاظ بقابلية التشغيل البيني والميزة العسكرية لدينا. وسنعمل معاً من أجل اعتماد التقنيات الجديدة ودمجها، والتعاون مع القطاع الخاص، وحماية النظم البيئية للابتكار لدينا، وتشكيل المعايير والالتزام بمبادئ الاستخدام المسؤول التي تعكس قيمنا الديمقراطية وحقوق الإنسان.

25- يُعتبر الحفاظ على الاستخدام الآمن للفضاء والفضاء الإلكتروني والوصول غير المقيد إليه من العوامل الرئيسية للردع والدفاع الفعالين. وسنعمل على تعزيز قدرتنا على العمل بفعالية في الفضاء والفضاء الإلكتروني لمنع واكتشاف ومقاومة والاستجابة لمجموعة كاملة من التهديدات، باستخدام جميع الأدوات المتاحة. فمجموعة واحدة أو سلسلة تراكمية من الأنشطة السيبرانية الضارة؛ أو العمليات العدائية إلى الفضاء أو منه أو داخله؛ يمكن أن تصل إلى مستوى الهجوم المسلح ويمكن أن تدفع مجلس حلف شمال الأطلسي إلى العمل بمقتضى المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي. ونحن ندرك قابلية تطبيق القانون الدولي وسنعزز السلوك المسؤول في الفضاء السيبراني والفضاء. وسنعمل أيضاً على تعزيز صمود ومرونة القدرات الفضائية والإلكترونية التي نعتمد عليها في دفاعنا الجماعي وأمننا.

26 – وسننتهج نهجا أكثر قوة وتكاملا واتساقاً لبناء المرونة الوطنية وعلى نطاق التحالف ضد التهديدات والتحديات العسكرية وغير العسكرية لأمننا، كمسؤولية وطنية والتزام جماعي متجذر في المادة الثالثة من معاهدة شمال الأطلسي. وسنعمل على تحديد نقاط الضعف والتبعيات الاستراتيجية والتخفيف من حدتها، بما في ذلك ما يتعلق بالبنية التحتية الحيوية وسلاسل التوريد والأنظمة الصحية. وسنعزز أمن الطاقة لدينا ونستثمر في إمدادات الطاقة والموردين والمصادر المستقرة والموثوقة. وسوف نضمن الاستعداد المدني لتوفير استمرارية الحكومة، وتقديم الخدمات الأساسية لسكاننا والدعم المدني لقواتنا المسلحة. وسنعزز قدرتنا على الاستعداد للصدمات والاضطرابات الاستراتيجية ومقاومتها والرد عليها والتعافي منها بسرعة، وضمان استمرارية أنشطة التحالف.

27- وسوف نستثمر في تعزيز قدرتنا على الاستعداد والردع والدفاع ضد الاستخدام القسري للتكتيكات السياسية والاقتصادية والطاقة والمعلوماتية وغيرها من التكتيكات الهجينة من قبل الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية. فالعمليات الهجينة ضد الحلفاء قد تصل إلى مستوى الهجوم المسلح ويمكن أن تؤدي بمجلس شمال الأطلسي إلى تفعيل المادة الخامسة من معاهدة شمال الأطلسي. سنستمر في دعم شركائنا لمواجهة التحديات المختلطة والسعي لتحقيق أقصى قدر من التآزر مع الجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، مثل الاتحاد الأوروبي.

28- ويتمثل الهدف الأساسي لقدرة حلف الناتو النووية في الحفاظ على السلام ومنع الإكراه وردع العدوان. والأسلحة النووية فريدة من نوعها. والظروف التي قد يضطر فيها الحلف إلى استخدام الأسلحة النووية بعيدة للغاية. إن أي استخدام للأسلحة النووية ضد حلف الناتو من شأنه أن يغير طبيعة النزاع بشكل جذري. ويتمتع الحلف بالقدرات والعزم على فرض تكاليف لا يمكن تحملها على الخصم وتفوق بكثير الفوائد التي قد يأمل أي خصم في تحقيقها.

29- إن القوات النووية الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي، ولا سيما قوات الولايات المتحدة، هي الضمان الأعلى لأمن الحلف. وتلعب القوات النووية الإستراتيجية المستقلة للمملكة المتحدة وفرنسا دوراً رادعاً خاصاً بها وتساهم بشكل كبير في الأمن العام للحلف. وتساهم مراكز صنع القرار المنفصلة التابعة للحلفاء في الردع من خلال تعقيد حسابات الخصوم المحتملين. ويعتمد موقف الردع النووي لحلف الناتو أيضاً على انتشار الأسلحة النووية للولايات المتحدة في أوروبا وإسهامات الحلفاء المعنيين. ولا تزال المساهمات الوطنية للطائرات ذات القدرة المزدوجة في مهمة الردع النووي لحلف الناتو أساسية في هذه الجهود.

30- وسيتخذ حلف الناتو جميع الخطوات اللازمة لضمان مصداقية مهمة الردع النووي وفعاليتها وأمنها وأمانها. ويلتزم الحلف بضمان تكامل وتماسك أكبر للقدرات والأنشطة عبر جميع المجالات وطيف الصراع، مع إعادة التأكيد على الدور الفريد والمتميز للردع النووي. وسيستمر حلف الناتو في الحفاظ على قوة الردع الموثوقة، وتعزيز اتصالاته الاستراتيجية، وتعزيز فعالية تدريباته وتقليل المخاطر الإستراتيجية.

31- سنواصل الاستثمار في دفاعنا ضد التهديدات الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. وسنعزز سياساتنا وخططنا وتدريباتنا وتماريننا ونقيم قدراتنا لضمان دمج هذه المتطلبات في موقف الردع والدفاع لدينا.

32- ويظل الاستقرار الاستراتيجي، الذي يتحقق من خلال الردع والدفاع الفعالين، والحد من انتشار الأسلحة ونزع السلاح، والحوار السياسي الهادف والمتبادل، أساسيا لأمننا. ويساهم الحد من التسلح ونزع السلاح وعدم الانتشار بقوة في أهداف الحلف. تهدف جهود الحلفاء بشأن الحد من التسلح ونزع السلاح وعدم الانتشار إلى تقليل المخاطر وتعزيز الأمن والشفافية والتحقق والامتثال. وسوف نتابع جميع عناصر الحد من المخاطر الاستراتيجية، بما في ذلك تعزيز بناء الثقة والقدرة على التنبؤ من خلال الحوار، وزيادة التفاهم، وإنشاء أدوات فعّالة لإدارة الأزمات وسبل الوقاية منها. وستأخذ هذه الجهود في الاعتبار البيئة الأمنية السائدة وأمن جميع الحلفاء وتُكمّل موقف الردع والدفاع للحلف. وسوف نستفيد من حلف الناتو كمنصة للمناقشات المتعمقة والمشاورات الوثيقة حول جهود الحد من التسلح.

33- إن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية هي الحصن الأساسي ضد انتشار الأسلحة النووية، وما زلنا ملتزمين بقوة بتنفيذها بالكامل، بما في ذلك المادة السادسة. ويتمثل هدف حلف الناتو في خلق بيئة أمنية لعالم خالٍ من الأسلحة النووية، بما يتوافق مع أهداف معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.

34- وتُعتبر مكافحة الإرهاب أمراً أساسياً لدفاعنا الجماعي. ويساهم الدور الذي يقوم به حلف الناتو في مكافحة الإرهاب في جميع المهام الأساسية الثلاث، وهو جزء لا يتجزأ من نهج الحلف الشامل للردع والدفاع. فالمنظمات الإرهابية تهدد أمن سكاننا وقواتنا وأراضينا. وسنواصل مواجهة التهديدات والتحديات التي تشكلها الجماعات الإرهابية وردعها والدفاع عنها والرد عليها، على أساس مجموعة من تدابير المنع والحماية والرفض. وسنعزز التعاون مع المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لمعالجة الظروف المؤدية إلى انتشار الإرهاب.

منع الأزمات وإدارتها

36- سنكفل توفر الموارد والقدرات والتدريب وترتيبات القيادة والسيطرة لنشر ومواصلة إدارة الأزمات العسكرية والمدنية وعمليات الاستقرار ومكافحة الإرهاب، بما في ذلك المسافة الاستراتيجية. وبناءً على الدروس المستفادة مما حدث خلال العقود الثلاثة الماضية، بما في ذلك من خلال عملياتنا في أفغانستان، فإننا سنواصل تحسين جاهزيتنا وقدراتنا العسكرية والمدنية والتخطيط والتنسيق المدني-العسكري. وسنعمل على تطوير قدرة الحلف على دعم إدارة الأزمات المدنية وعمليات الإغاثة والاستعدادات لمواجهة آثار تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي وحالات الطوارئ الصحية على أمن الحلفاء. وسيسمح لنا هذا بالرد على أي حدث طارئ في وقت قصير.

37- يقدم الشركاء مساهمة مهمة في إدارة الأزمات بقيادة الناتو. وسنواصل ضمان المشاركة السياسية المستدامة وقابلية التشغيل العسكري البيني مع الشركاء الذين يعربون عن اهتمامهم بالمساهمة في مهامنا وعملياتنا.

38- وسنضاعف جهودنا لتوقع الأزمات والصراعات ومنعها. فالوقاية هي الطريقة المستدامة للمساهمة في الاستقرار وأمن الحلفاء. وسنعزز الدعم لشركائنا، بما في ذلك المساعدة في بناء قدراتهم على مكافحة الإرهاب والتصدي للتحديات الأمنية المشتركة. وسنعمل على زيادة حجم ونطاق مساعدتنا الأمنية وبناء القدرات للشركاء المعرضين للخطر في منطقتنا وخارجها، لتعزيز جاهزيتهم ومقدرتهم على الصمود وتعزيز قدراتهم لمواجهة أت تدخل خبيث، ومنع زعزعة الاستقرار ومكافحة العدوان.

39- يُعدّ الأمن البشري، بما في ذلك حماية المدنيين وتخفيف الأضرار التي تلحق بالمدنيين، أمراً محورياً في نهجنا لمنع الأزمات وإدارتها. وسنعمل مع الجهات الدولية الفاعلة الأخرى لمعالجة الظروف الأوسع التي تؤجج الأزمات وتفشي عدم الاستقرار والمساهمة في الاستقرار وإعادة الإعمار. وسنعزز تنسيقنا وتعاوننا مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك مع المنظمات الإقليمية الأخرى مثل منظمة الأمن والتعاون في أوروبا والاتحاد الأفريقي.

الأمن التعاوني

40- كان توسع الناتو نجاحاً تاريخياً. فقد عزّز تحالفنا وضمن أمن الملايين من المواطنين الأوروبيين وساهم في السلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية. ونعيد التأكيد على سياسة الباب المفتوح التي نتبعها، بما يتفق مع المادة العاشرة من معاهدة شمال الأطلسي، كتعبير عن قيمنا الأساسية ومصلحتنا الاستراتيجية في السلام والاستقرار الأوروبي الأطلسي. ولا يزال بابنا مفتوحاً لجميع الديمقراطيات الأوروبية التي تشارك قيم تحالفنا، والتي لديها الرغبة والقدرة على تحمل مسؤوليات والتزامات العضوية، والتي تساهم عضويتها في تعزيز أمننا المشترك. ويتخذ حلفاء الناتو وحدهم قرارات العضوية ولا يكون لأي طرف ثالث رأي في هذه العملية.

41- يُعدّ أمن الدول التي تطمح إلى أن تصبح أعضاء في الحلف متشابكاً مع أمننا. فنحن نؤيد بقوة استقلالها وسيادتها وسلامتها الإقليمية. وسنعزز الحوار السياسي والتعاون مع أولئك الذين يهدفون إلى الانضمام إلى الحلف، وسنساعد في تعزيز قدرتهم على الصمود ضد أي تدخل خبيث، وبناء قدراتهم، وتعزيز دعمنا العملي لتعزيز تطلعاتهم الأوروبية-الأطلسية. وسنواصل تطوير شراكاتنا مع البوسنة والهرسك وجورجيا وأوكرانيا لتعزيز مصلحتنا المشتركة في السلام والاستقرار والأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية. ونعيد تأكيد القرار الذي اتخذناه في قمة بوخارست عام 2008 وجميع القرارات اللاحقة فيما يتعلق بجورجيا وأوكرانيا.

42- يساهم الحوار السياسي والتعاون العملي مع الشركاء، على أساس الاحترام المتبادل والمنفعة، في الاستقرار خارج حدودنا، ويعززان أمننا في الداخل، ويدعمان المهام الأساسية لحلف الناتو. فالشراكات ضرورية لحماية المصالح العالمية المشتركة، وتعزيز قدرتنا على الصمود ودعم النظام الدولي القائم على القواعد.

43-يُعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً فريداً وأساسياً لمنظمة حلف شمال الأطلسي. فحلفاء الناتو يشاركون أعضاء الاتحاد الأوروبي في نفس القيم. ويلعب حلف الناتو والاتحاد الأوروبي أدواراً متكاملة ومتماسكة ومتعاضدة في دعم السلام والأمن الدوليين. وعلى أساس تعاوننا طويل الأمد، سنعمل على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الناتو والاتحاد الأوروبي، وتعزيز المشاورات السياسية وزيادة التعاون بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل التعبئة العسكرية، والمرونة والصمود، وتأثيرات تغير المناخ على الأمن، والتقنيات الناشئة والمدمرة، والأمن البشري، وأجندة المرأة والسلام والأمن، فضلاً عن مواجهة التهديدات الإلكترونية والهجينة والتصدي للتحديات النُظمية التي تفرضها الصين على الأمن الأوروبي الأطلسي. ومن أجل تطوير الشراكة الإستراتيجية بين الناتو والاتحاد الأوروبي، فإن المشاركة الكاملة للحلفاء من خارج الاتحاد الأوروبي في الجهود الدفاعية للاتحاد الأوروبي أمر ضروري. ويدرك حلف الناتو قيمة الدفاع الأوروبي الأقوى والأكثر قدرة والذي يساهم بشكل إيجابي في الأمن عبر الأطلسي والعالمي ويكون مكملاً لحلف شمال الأطلسي وقابلاً للتشغيل المتبادل معه. وتُعدّ المبادرات التي تهدف إلى زيادة الإنفاق الدفاعي وتطوير قدرات متماسكة ومتعاضدة، مع تجنب الازدواجية غير الضرورية، هي مفتاح جهودنا المشتركة لجعل المنطقة الأوروبية الأطلسية أكثر أماناً.

44- وسنعزز علاقاتنا مع شركائنا الذين يشاركون الحلف قيمه واهتمامه بدعم النظام الدولي القائم على القواعد. وسنعزز الحوار والتعاون للدفاع عن هذا النظام ودعم قيمنا وحماية الأنظمة والمعايير والتقنيات التي تعتمد عليها. وسنعمل على زيادة التواصل مع الدول في جوارنا الأوسع وفي جميع أنحاء العالم وسنظل منفتحين على المشاركة مع أي دولة أو منظمة، عندما يؤدي ذلك إلى تعزيز أمننا المتبادل. وسيظل نهجنا مدفوعاً بالاهتمامات ومرناً ومركّزاً على معالجة التهديدات والتحديات المشتركة وقادراً على التكيف مع الحقائق الجيوسياسية المتغيرة.

45- ويتسم غرب البلقان ومنطقة البحر الأسود بأهمية استراتيجية بالنسبة لتحالف الناتو. وسنواصل دعم التطلعات الأوروبية-الأطلسية للدول ذات الاهتمام في تلك المناطق. وسنعمل على تعزيز الجهود لتقوية قدراتهم على التصدي للتهديدات والتحديات البارزة التي يواجهونها وتعزيز قدرتهم على الصمود ضد تدخل خبيث وإكراه من أي طرف ثالث. وسنعمل مع شركائنا على معالجة التهديدات والتحديات الأمنية المشتركة في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية للحلف، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومنطقة الساحل. وتُعتبر منطقة المحيطين الهندي والهادي مناطق مهمة لحلف شمال الأطلسي، بالنظر إلى أن التطورات في تلك المنطقة يمكن أن تؤثر بشكل مباشر على الأمن الأوروبي الأطلسي. لذا سنعزز الحوار والتعاون مع الشركاء الجدد والحاليين في منطقة المحيطين الهندي والهادي لمواجهة التحديات الإقليمية والمصالح الأمنية المشتركة.

46- وعندما يتعلق الأمر بفهم تأثيرات تغير المناخ على الأمن وضرورة التكيف معها، فينبغي أن يصبح الناتو المنظمة الدولية الرائدة بهذا الخصوص. فسيقود الحلف الجهود لتقييم تأثير تغير المناخ على الدفاع والأمن والتصدي لتلك التحديات. وسنساهم في مكافحة تغير المناخ من خلال الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، والعمل على تحسين كفاءة الطاقة، والاستثمار في الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة والاستفادة من التقنيات الخضراء، مع ضمان الفعالية العسكرية والموقف الدفاعي والردع الموثوق به.

ضمان استمرار نجاح التحالف

47- إن الاستثمار في حلف الناتو هو أفضل طريقة لضمان الرابطة الدائمة بين الحلفاء في أوروبا وأمريكا الشمالية، مع المساهمة في السلام والاستقرار العالميين. وسنواصل تعزيز وحدتنا السياسية وتضامننا وتوسيع وتعميق مشاوراتنا لمعالجة جميع الأمور التي تمس أمننا. ونلتزم بتعزيز المشاورات بيننا عندما يتعرض أمن واستقرار حليف للتهديد أو عندما تكون قيمنا ومبادؤنا الأساسية في خطر.

48- سنتقاسم المسؤوليات والمخاطر بشكل عادل فيما يتعلق بالدفاع والأمن. وسنوفر جميع الموارد والبنية التحتية والقدرات والقوات اللازمة لتنفيذ مهامنا الأساسية وتنفيذ قراراتنا بشكل كامل. وسنضمن أن تفي دولنا بالتزاماتها بموجب تعهد الاستثمار الدفاعي، في مجمله، لتوفير النطاق الكامل للقدرات المطلوبة. وسنبني على التقدم الذي تم إحرازه لضمان أن تتناسب زيادة نفقات الدفاع الوطني والتمويل المشترك لحلف الناتو مع تحديات نظام أمني أكثر إثارة للجدل.

49- إن منظمة حلف شمال الأطلسي هي عنصر لا غنى عنه للأمن الأوروبي الأطلسي. إنه يضمن سلامنا وحريتنا وازدهارنا. وكحلفاء، سنواصل الوقوف معاً للدفاع عن أمننا وقيمنا وطريقة الحياة الديمقراطية.

تعليق على التقرير

شهدت العاصمة الإسبانية مدريد أعمال القمة الثانية والثلاثين لحلف شمال الأطلنطي (ناتو) خلال الفترة من 29 يونيو إلى 1 يوليو 2022، وسط تحولات وتحديات سياسية شديدة الأهمية تشهدها دول الحلف على خلفية تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا التي بدأت فعلياً في الرابع والعشرين من فبراير 2022.

وجاءت قمة مدريد التي شارك فيها مسؤولي 41 دولة، وما ناقشته من ملفات وما صدر عنها من قرارات لتسلط الضوء مجدداً ليس فقط على أهمية ومركزية الدور الذي يمثله حلف شمال الأطلنطي في العلاقات الدولية والتوزانات الاستراتيجية خلال المرحلة الراهنة، بصفة خاصة، ولكن لتسلط الضوء كذلك على أهمية ومركزية الأحلاف العسكرية بصفة عامة.

تعود فكرة إنشاء حلف شمال الأطلسي، المعروف اختصاراً باسم الناتو (NATO) إلى عام 1949، عندما قامت كل من المملكة المتحدة وفرنسا بتوقيع “معاهدة دونكيرك” باعتبارها اتفاقا لتحالف مشترك ضد أي هجوم محتمل من ألمانيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم شاركت الدولتان مع (10) دول أخرى، في التوقيع على اتفاقية واشنطن المؤسسة للحلف (الولايات المتحدة، بلجيكا، كندا، الدنمارك، أيسلندا، إيطاليا، لوكسمبورج، هولندا، النرويج، البرتغال)، ويتخذ الحلف من العاصمة البلجيكية بروكسل مقرا لقيادته، وتأسّس الحلف لتحقيق ثلاثة أهداف أساسية هي: مواجهة نفوذ وتمدد الاتحاد السوفيتي، والقضاء على الصراع العسكري الذي كان بين الدول الأوروبية، بعد الحرب العالمية الثانية، من خلال حضور أكبر للولايات المتحدة في القارة، وكذلك العمل على تشجيع الأوروبيين على اندماج سياسي أكبر.

وتوالى انضمام الدول إلى الحلف، حيث انضمت تركيا واليونان (1952) وألمانيا الغربية (1955) وإسبانيا (1982) ومع انهيار الاتحاد السوفيتي 1991، شهد الحلف العديد من التحولات الاستراتيجية، وبدلاً من تراجع الدور بناء على أن الخطر الأكبر الذي تأسس الحلف من أجله قد انهار (الاتحاد السوفيتي)، حدث العكس واتجه الحلف على تطوير وتحديث توجهاته الاستراتيجية، فقام في عام 1994، بالإعلان عن مبادرة “الشراكة من أجل السلام” تحت مسمى دعم العلاقة مع البلدان التي تقع على أطراف الحلف الأطلسي، مثل البوسنة وصربيا والجبل الأسود، والتعاون معها.

وتمثلت أهداف المبادرة في: الوضوح في تخطيط الدفاع الوطني والميزانيات العسكرية، وتأكيد السيطرة المدنية على القوات المسلحة، والمساهمة في الأعمال التي تجرى بموافقة الأمم المتحدة، أو مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، وتطوير علاقات التعاون بين الدول المشاركة، وحلف شمال الأطلسي، بهدف التخطيط المشترك، والتدريبات الرامية إلى القيام بمهام حفظ السلام، والعمليات الإنسانية الأخرى التي يجرى الاتفاق عليها، وتطوير وتأهيل القوات على المدى البعيد، لتكون قادرة على العمل مع قوات الحلف، والتشاور مع الحلف، للمشاركة الفعالة لمواجهة التهديدات المباشرة، للوحدة الإقليمية، أو الاستقلال السياسي، أو الأمن الوطني لهذه الدول.

وفي عام 1997 تم التوقيع على اتفاق تأسيسي تحت مسمى (الناتو ـ روسيا) وبموجبه تم منح روسيا دوراً استشارياً، في مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، إلا أن هذا الاتفاق لم يمنع انضمام عدد من دول شرق أوربا، بل وجمهوريات الاتحاد السابق من الانضمام للحلف، ففي عام 1999 انضمت جمهوريات التشيك والمجر وبولندا، وبدلاً من أن يكون انضمام بولندا تحديداً مصدراً لأزمة بين روسيا والغرب، على اعتبار أن بولندا كانت مقر حلف وارسو، حدث العكس، وتناول الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إمكانية انضمام روسيا إلى حلف الناتو، في اتصال مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، الذي رد بقوله: “ليس لدي اعتراض”.

لكن قادة الحلف تحفظوا على هذا الطلب، واستندوا في قرارهم إلى عدد من الاعتبارات الأساسية، من بينها: أن روسيا دولة غير مستقرة ولا تنطبق عليها شروط الانضمام في المدى المنظور، وأنها دولة كبيرة، وضمها إلى الحلف يؤدى إلى تغييرات جوهرية ويمنحها حق “فيتو” على قرارات الحلف، كما أن ضمها يعنى مد الضمانات الأمنية للحلف، وفق المادة الخامسة من اتفاقية واشنطن، إلى حدود الصين ومنغوليا، وكذلك القول بإن ضم روسيا، يؤدى إلى فقدان الحلف لسمته الدفاعية، وتحويله إلى منظمة للأمن الجماعي على غرار الأمم المتحدة. وهو غاية ما تهدف إليه موسكو منذ المراحل الأولى لظهور الحلف، إذ أنها طلبت دخول الحلف عام 1954 ودعت إلى معاهدة للأمن الأوروبي، قبل أن تقوم بتأسيس حلف وارسو عام 1955.

وفي عام 2002، ومع بداية الصراع في كوسوفو، تم تفعيل مجلس “الناتو ـ روسيا” بشكل رسمي ليبدأ بعدها الحلف في ضم المزيد من دول شرق أوربا إلى عضويته، فانضمت كل من بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا بين عامي 2004 و2008، كما أعلن الحلف في عام 2008، قبوله طلبات انضمام كل من أوكرانيا وجورجيا والبوسنة والهرسك للحلف (تحت مسمى فئة الدول الطامحة للانضمام للحلف)، بعد استكمال الإجراءات المطلوبة، وفي يناير/كانون الثاني 2009 انضمت كل من كرواتيا وألبانيا إلى الحلف ليصبح عدد أعضائه 28 عضواً، حتى كان انضمام الجبل الأسود في يونيو/ حزيران 2017، ومقدونيا الشمالية في مارس 2020، ليصبح عدد أعضاء الحلف 30 عضواً.

في نوفمبر 2010، تم إعلان الرؤية الاستراتيجية للحلف تحت عنوان (المفهوم الاستراتيجي للدفاع والأمن للدول الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي: انخراط نشط ونظام دفاعي حديث)، والتي تضمنت الركائز الأساسية للتوجهات المستقبلية للحزب، والتي من بينها:

1ـ الحفاظ على حرية وأمن كل مواطني الدول الاعضاء عبر وسائل سياسية وعسكرية.

2ـ الالتزام بشكل راسخ بغايات ومبادئ ميثاق الامم المتحدة وبمعاهدة واشنطن، التي تؤكد على أن مهمة مجلس الامن الدولي الرئيسية تكمن في الحفاظ على الامن والسلم الدوليين.

3ـ التأكيد على أن أمن الدول الاعضاء في الناتو على ضفتي الاطلسي غير قابل للتجزئة، وسيتم الدفاع عنها على أساس التضامن والاهداف المشتركة وفق تقاسم عادل للأعباء.

4ـ ان المناخ الامني الراهن يحتوي على طيف واسع من التحديات المتجددة لأمن منطقة حلف شمال الأطلسي وشعب دوله الاعضاء. ولضمان الأمن فينبغي على التحالف الاستمرار في الوفاء بفاعلية بثلاث مهام جوهرية، تسهم جميعها في حماية أعضاء التحالف دائما وفقا للقانون الدولي:

(أ) الدفاع المشترك: سيساعد أعضاء ناتو على الدوام بعضهم البعض في التصدي للهجمات، استنادا الى البند الخامس لمعاهدة واشنطن، ويظل هذا الالتزام راسخا وملزماً، في حال استهدفت جوهر أمن الدول الاعضاء بصفة منفردة أو التحالف ككل.

(ب) إدارة الازمات: سيوظف الحلف بشكل نشط مزيجا من الآليات السياسية والعسكرية المناسبة للمساعدة على ادارة الازمات التي بوسعها التأثير على أمن التحالف؛ قبل بلوغها مرحلة التصعيد والتطور الى صراعات؛ وكذلك إيقاف أية صراعات جارية من شأنها التأثير على أمن التحالف، أو المساعدة في تعزيز الاستقرار في مراحل ما بعد الصراعات بغية الاسهام في ضمان الامن الاورو-أطلسي.

(ج) التعاون الأمني: سوف ينخرط التحالف بشكل نشط للارتقاء بالأمن الدولي عبر شراكات مع الدول ذات الصلة وغيرها من المنظمات الدولية، وبالإسهام بشكل نشط في الحد من التسلح وعدم الانتشار ونزع السلاح وبالإبقاء على باب العضوية في شمال الاطلسي مفتوحا أمام الديمقراطيات الاوروبية التي تستوفي المعايير المعتمدة لدى الناتو.

وفي إطار هذه الركائز كانت هناك بنود شديدة الأهمية تناولتها الاستراتيجية فيما يتعلق بروسيا، من ناحية والدول الراغبة في الانضمام من ناحية ثانية، وذلك في البنود (33 ـ 34 ـ 35) والتي نصت على:

مادة (33): “يكتسب تعاون الناتو ـ روسيا أهمية استراتيجية لأنه يسهم في خلق منطقة سلام وأمن واستقرار مشتركة، فالحلف لا يشكل تهديداً لروسياً، بل نريد أن نرى شراكة استراتيجية حقيقية بين ناتو وروسيا، وعلى هذا الأساس، سنعمل وفق مفهوم المعاملة بالمثل”.

مادة (34): “إن العلاقات بين روسيا والناتو ترتكز على أهداف ومبادئ والتزامات القانون التأسيسي لمجلس شمال الأطلسي ـ روسيا (1997)، وكذلك على إعلان روما، وخاصة فيما يتعلق باحترام مبادئ الديمقراطية وسيادة واستقلال ووحدة أراضي كل الدول في المنطقة الأورو ـ أطلسية. وبالرغم من وجود خلافات حول قضايا محددة، نبقى على قناعة بتشابك أمن شمال الأطلسي وروسيا وبأن شراكة قوية وبناءة مبنية على الثقة المتبادلة والشفافية وقابلية التنبؤ بوسعها خدمة أمننا بشكل أفضل”.

مادة (35): “إن مجلس الشراكة الأورو ـ أطلسي والشراكة من أجل السلام هما في صلب رؤيتنا لأوروبا متكاملة حرة وتعيش بسلام. نحن ملتزمون بقوة على تطوير علاقات الصداقة والتعاون مع كافة بلدان المتوسط ولدينا النية في الارتقاء بالحوار المتوسطي خلال السنوات القادمة، ولذلك نولي أهمية كبيرة للسلام والاستقرار في منطقة الخليج ولدينا النية لتقوية تعاوننا ضمن إطار مبادرة إستانبول للتعاون، وسنعمل على: مواصلة وتعزيز الشراكة مع أوكرانيا وجورجيا في إطار لجنتي (الناتو ـ أوكرانيا) و(الناتو ـ جورجيا)، على أساس قرار الناتو خلال قمة بخارست 2008، مع الأخذ بعين الاعتبار التوجهات الأوروأطلسية وآمال كلا البلدين، مع تسهيل الاندماج الأوروبي ـ الأطلسي لدول غرب البلقان من أجل تأمين السلام الدائم والاستقرار المستند إلى قيم الديمقراطية والتعاون الإقليمي وعلاقات حسن الجوار).

يقوم الهيكل التنظيمي للحلف على “مجلس شمال الأطلسي”، الذي يُشكل الهيئة الرئيسية لاتخاذ القرارات السياسية في الحلف، ويرأسه الأمين العام للحلف، كما يضم الحلف شبكة من اللجان تتولى التعامل مع جميع الموضوعات المدرجة في جدول أعمالها، وعند تنفيذ قرارات سياسية لها اعتبارات عسكرية، تكون الجهات الفاعلة الرئيسية المشاركة هي اللجنة العسكرية وهيكل القيادة العسكرية، ويمتلك الحلف قوات دائمة محدودة تحت تصرفه، وعند موافقته على عملية عسكرية، تشارك الدول الأعضاء بقواتها على أساس تطوعي.

ويبلغ مجموع الجنود في الدول الأعضاء نحو 3.5 ملايين جندي، منها حوالي مليون و200 ألف جندي من الولايات المتحدة، ينتشر 20% منهم في الخارج، والعدد الأكبر منهم في اليابان (55 ألفاً)، وتتركز خرائط انتشار قوات الناتو في دول البلطيق بدرجة أساسية بالقرب من الحدود الروسية، حيث يتوزع 7 آلاف جندي في كل من إستونيا (800 جندي) ولاتفيا (1200 جندي) وليتوانيا (1200 جندي) وبولندا (4 آلاف جندي)، بجانب وجود قواعد عسكرية أميركية في بولندا، وقاعدة في رومانيا، كما تنتشر فرقة من البحرية الأميركية قوامها 300 جندي في النرويج لمراقبة الدائرة القطبية الشمالية، التي تتشارك فيها الحدود مع روسيا، ويبلغ مجموع النفقات العسكرية لدول الحلف نحو 1.3 تريليون دولار، منها 900 مليار نصيب الولايات المتحدة، تليها المملكة المتحدة (72 مليار دولار) ثم ألمانيا (64 مليار دولار) قبل أن تقرر رفعها إلى 100 مليار على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022.

وقد نصت الفقرة الخامسة من المادة الخامسة لميثاق تأسيس الحلف على: “تتفق الأطراف على أن أي هجوم مسلح ضد أي عضو أو أكثر في الحلف سواء في أوروبا أو أمريكا الشمالية، يعد هجوما ضد جميع أعضاء الحلف. وعلى إثر ذلك، يتفق الأعضاء في الحلف على أنه في حالة وقوع هجوم مسلح يحق لجميع الأعضاء ممارسة حق الدفاع عن النفس بشكل أحادي أو جماعي بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة لمساعدة العضو أو الأعضاء الذين تعرضوا لهجوم بكافة الوسائل الممكنة فورا سواء بشكل أحادي أو جماعي بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن في منطقة شمال الأطلسي والحفاظ عليه”. وقد تم تفعيل هذه المادة، قبل الحرب الروسية ـ الأوكرانية 2022، مرة واحدة من قبل الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول عام 2001، ثم تم الإعلان عن تفعليها من جانب دول البلطيق وبولندا مع تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية.

وبناء على ما سبق، يمكن القول إن تمدد حلف الناتو، وتطوير استراتيجياته وأدواته وخرائط انتشاره، كانت من بين أهم الأسباب الدافعة للعدوان الروسي على جورجيا 2008، ثم على أوكرانيا، سواء عام 2014 عندما احتل شبه جزيرة القرم، أو عندما قام بحربه الشاملة على أراضيها فبراير 2022، وكذلك في تهديد روسيا بالهجوم على كل من فنلندا والسويد إذا قامتا بتفعيل طلبات الانضمام للحلف، لأن هذا التمدد وذلك الانتشار جعل قوات الناتو وقواعده العسكرية على الحدود المباشرة لروسيا الاتحادية، وما يعنيه ذلك من تفاقم التهديدات لأمنها القومي، من ناحية ووأد لاستراتيجية استعادة الإمبراطورية التي يتبناها بوتين، من ناحية ثانية، وانضمت فنلندا بالفعل للحلف، وما زال طلب السويد معلقاً على موافقة تركيا عليه.

ومع الصعود الصيني الكبير على الساحة الاقتصادية الدولية، وتنامي العلاقات الاستراتيجية بين الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وسعي الصين نحو فرض هيمنتها الاقتصادية على النظام الدولي الراهن، تبنت الولايات المتحدة سياسة احتواء جديدة في مواجهة الصعود الصيني والتمدد الروسي، وفي إطار هذه السياسة كانت الأحلاف العسكرية حاضرة بقوة، باعتبارها من أهم أدوات الردع الاستراتيحي التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في المواجهة.

وكانت البداية للدفعة الجديدة من هذه الأحلاف مع “تحالف الحوار الأمني الرباعي” المعروف اختصاراً باسم (كواد ـ Quad) ويضم كل الولايات المتحدة واليابان واستراليا والهند، والذي تأسس عام 2007، لتعزيز أمن واستقرار الدول الأعضاء في الحلف في مواجهة التهديدات الصينية والروسية وخاصة مع انشغال الولايات المتحدة آنذاك بالتدخل العسكري في كل من أفغانستان والعراق. ومن بين الأهداف الأساسية للحلف كذلك احتواء أي تطورات في مضيق تايوان.

ومع تولي الرئيس الأميركي بايدن الإدارة في الولايات المتحدة اتجه إلى تعزيز قدرات التحالف، فعقد قمة رباعية ضمت رؤساء وزراء الدول الأعضاء في واشنطن في سبتمبر 2021، ثم عقد الحلف قمة في مدينة طوكيو اليابانية في الرابع والعشرين من مايو 2022، حذر فيها قادة الدول الأعضاء من أي محاولة لتغيير الوضع لقائم بالقوة في لمنطقة، في إشارة مباشرة إلى تحركات الصين نحو تايوان.

وبالتوازي مع الأدوار والمهام التي يقوم بها تحالف كواد، جاء تأسيس “تحالف العيون الخمس” بين كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا واستراليا ونيوزيلندا، ويرتبط بعلاقات تنسيقية مع كل من الدانمرك وفرنسا وهولندا والنرويج، ويرتكز نشاطه بدرجة أساسية على التعاون الاستخباراتي والمعلوماتي بين الدول الأعضاء، وفي مايو 2020، وافق التحالف على توسيع دوره من التعاون الأمني والاستخباراتي إلى تناول قضايا حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية، وذلك بهدف تقديم الدعم لكل من هونج كونج وتركستان الشرقية في مواجهة السياسات الصينية.

وبجانب التحالفين الرباعي والخماسي الغربيين يعمل تحالف ثلاثي آخر، يضم كل من استراليا وبريطانيا والولايات المتحدة، يعرف باسم (أوكوس ـ AUKUS) وذلك بهدف احتواء الصين في جنوب وجنوب شرق آسيا في مجالات الذكاء الاصطناعي والحرب الالكترونية والأنظمة تحت الماء وقدرات الضربات بعيدة المدى، وتطوير البنية التحتية للدفاعات النووية.

وتأسس الحلف في سبتمبر 2021، بتوجيه من الرئيس الأميركي جو بايدن، وعقد الحلف قمة في أبريل 2022، في إطار تنسيق الجهود لمواجهة تداعيات الأزمة الأوكرانية، والتهديدات التي يمكن أن تنجم عنها على المنظومات الغربية.

وفي نفس السياق، تعددت التقارير والتصريحات الرسمية عن دعوات لتأسيس ناتو الشرق الأوسط، الذي يمكن أن يضم عدداً من حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، مثل إسرائيل والأرد ومصر وبعض دول الخليج العربية، والهدف المعلن مواجهة التهديدات الأمنية التي يمكن أن تتعرض لها هذه الدول من جانب إيران، وكذلك احتواء التمدد الروسي والصعود الصيني في المنظومة الدولية.

وإن كانت مؤشرات نجاح التحالفات الثلاثية والرباعية والخماسية التي ترعاها الولايات المتحدة خارج منطقة الشرق الأوسط كبيرة، وتتزايد في ظل التوافقات السياسية الكبيرة بين أعضائها ووضوح أهدافها، فإن العكس هو الصحيح عندما يتم الحديث عن تحالفات عسكرية في منطقة الشرق الأوسط في ظل تضارب المصالح وتعارض الأهداف بين النظم السياسية المستهدفة بالعضوية في هذه التحالفات، وخاصة مع وضوح الرغبة الأميركية بأن الهدف المركزي هو إدماج إسرائيل في المنظومات الأمنية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة، وليس بنفس الدرجة مواجهة التهديدات التي تعاني منها نظم باقي الدول.

ومن استعراض خرائط التحالفات العسكرية، وخاصة الغربية والتي تقف خلفها الولايات المتحدة الأميركية، نجد أن هناك تداخلاً كبيراً في هذه الخرائط، مع وجود نفس الأطراف في عدد من التحالفات، وهذا منطقي لأن المحرك الأول لبناء واستمرار واستقرار هذه التحالفات هو الولايات المتحدة، لذلك يكون الهدف واحد والرؤية محل اتفاق بين الحلفاء، والفارق بينها هو في توزيع المهام والأدوار على النشاطات والنطاقات والأقاليم السياسية والاقتصادية والجغرافية.

ومع هذا التعدد والتداخل والتوافق، تأتي أهمية التأكيد على محورية ومركزية الأدوار التي تقوم بها الأحلاف العسكرية في إدارة العلاقات الدولية، بأنماطها التعاونية والصراعية، رغم حديث البعض في مرحلة من المراحل عن تراجع هذه الأدوار بعد نهاية الحرب الباردة 1991، ولعل التمدد الروسي والصعود الصيني، يشكلان عاملين دافعين لتعاظم هذه الأدوار، وخاصة مع قيام روسيا الاتحادية بتأسيس تحالفات عسكرية موالية لها أبرزها تحالف “معاهدة الأمن الجماعي” التي تأسست عام 2002، وتضم كل من روسيا الاتحادية وبيلاروسيا وأرمينيا وكازاخستان وفرغيزستان وطاجيكستان، ويتم النظر إليها على أنها “ناتو مصغر” بقيادة روسيا لمواجهة التهديدات الأميركية في آسيا الوسطى وجمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close