المقاومة الفلسطينية: استراتيجيات القتال
تقديم
رغم سنوات الحصار الخانق وضعف الإمكانات، إلا أن المُقاوَمَة نجحت في تطوير البنية العسكرية لقواتها لتصبح نظامًا متكاملًا من حيث القيادة والسيطرة والأدوات والتنظيمات العملياتية واللوجستية الداعمة، ومن حيث البنى التحتية اللوجستية والدفاعية والهجومية؛ لا سيّما بناء شبكة الأَنْفاق، إضافة لبناء أنظمة دفاعية استخبارية وأنظمة اتصال وتكنولوجيا معلومات
نحن أمام نظام عسكري أكثر من نظام مقاومة، نظام متمايز بمكوناته كلها، نظام قيادة وسيطرة، أداء عملياتي، إدارة عمليات، كل مكونات العمليات المساندة موجودة، الدعم اللوجستي، الالكتروني، الاستخبارات، كانت حاضرة ومؤدية دورها بشكل أو بآخر في الأداء العام للمقاومة، مما يجعل أداء المُقاوَمَة أداءً متميزًا، وثبت ذلك من خلال النتائج التي أظهرتها العمليات خلال حرب غَزَّة 2014م. (صالح، 2015م :نت)1
والواضح من خلال تتبع عمل المُقاوَمَة الفلسطينية أنها جهزت وأعدت مقاتليها ودربتهم لمواجهة النخبة من جيش الاحْتِلال الإِسْرائيليّ، والاعتماد على عدد من الاستراتيجيات العسكرية التي كانت من أسباب الأداء المتميز في مواجهة القوات الإِسْرائيليّة، حيث استطاعت من خلال هذه الاستراتيجيات أن تدير حروبها وعلى وجه الخصوص حرب 2014م بطريقة جديدة لم تعهدها قوات الاحْتِلال الإِسْرائيليّ على مدار الحروب التي خاضتها، وقد رأى الباحث من خلال متابعته لمجريات المعارك التي خاضتها المقاومة الفلسطينية بغزة بحرب الفرقان، حرب حجارة السجيل، حرب العصف المأكول أن الاستراتيجيات التي اتبعتها المُقاوَمَة الفلسطينية هي:
1- استِراتيجِيَّة حرب العصابات
حرب العصابات، تقنية عسكرية – سياسية من تقنيات الحرب الثورية، يستخدمها الطرف الأضعف مادياً للتغلب على خصم قوي، عندما يجد أن المجابهة النظامية ليست من مصلحته، وأن انتصاره على الخصم يتطلب: اللجوء إلى الحيلة، والخداع، والمرونة، والحركة، ومناعة الأرض والعمل السياسي، وتعاون السكان، ومعرفة مسرح العمليات بشكل جيد (الأيوبي،1981-أ: 723).
استخدمت حرب العصابات عبر العصور، وخاضتها مختلف الشعوب ضد الغزاة الخارجين أو الطغاة الداخليين، ورغم تباين التكتيكات المستخدمة في حرب العصابات، فإن جميع حروب العصابات في التاريخ تتسم بسمة واحدة، هي قيام الطرف الأضعف بالصراع ضد الطرف الأقوى، وهو يأمل بالنصر رغم اختلال ميزان القوى بشكل كبير.
تعتبر حرب العصابات، من الناحية الاستراتيجية جزءاً مكملاً لحرب الحركة أو الحرب النظامية ضمن إطار الحرب الثورية، وتتركز استراتيجية حرب العصابات (وهي في جوهرها استراتيجية دفاعية ذات طابع هجومي) على النقاط التالية (الأيوبي،1981-أ: 724):
- إنهاك العدو بضربات مستمرة وطويلة.
- الصراع بأسلوب الضعيف ضد القوي.
- العمل على مؤخرة العدو.
- إقامة القواعد الآمنة.
- توسيع مناطق الحرب باستمرار لإجبار العدو على التبعثر وجعله ضعيفاً في كل مكان.
- عدم التمسك بالأرض والحفاظ على القوة الذاتية وتنميتها وتحطيم قوة العدو مادياً ومعنوياً.
- الاستمرار في الضرب في الزمان والمكان لخلق حالة انعدام الأمن.
- التلاحم مع السكان والتحول بالتدرج من حرب عصابات إلى حرب حركة.
ويتطلب تنفيذ هذه الاستراتيجية الشروط التالية:
- الاحتفاظ بالمبادرة.
- تطبيق اليقظة الثورية.
- إقامة القواعد الآمنة.
- إدارة العمليات بحيث تكمل عمليات القوات شبه النظامية.
- تفهم العلاقة بين الهجوم والدفاع.
- تطوير العمليات المتحركة.
- القيادة السليمة.
- طرح الفكرة السياسية التي تستقطب السكان.
وعلى الرغم من أن استراتيجية حرب العصابات استراتيجية دفاعية، إلا أن تكتيك هذه الحرب تكتيك هجومي، ورغم اختلال ميزان القوى ضد مصلحة العصابات على المستوى الاستراتيجي، فإنها تسعى إلى تأمين التفوق على المستوى التكتيكي، ولتحقيق ذلك تطبق العصابات تكتيكات هجومية الطابع: كالإغارة، والدوريات والهجمات على المواقع المنعزلة، والكمائن، والاغتيالات وحرب الألغام والمتفجرات، وقصف المواقع، والحرب السرية (الأيوبي،1981-أ: 724).
في حرب العصابات يتم القتال في ظروف صعبة وعلى أرض واسعة وتكون وسائط الاتصال المتوفرة لديها محدودة، ولذلك فإن مسألة المركزية واللامركزية تحتل مكاناً مهما في حرب العصابات، وليس هناك قاعدة جامدة تحدد هذه المسألة المرتبطة بالوضع، ولكن هناك قاعدة يمكن اعتبارها دليلاً في هذا المجال، وتقول هذه القاعدة: إن الاستراتيجية والتوجيه السياسي العام في العصابات مركزيان، في حين أن التكتيك القتالي غير مركزي. ولهذا يُعد قادة العصابات بشكل يرفع مستوى بداهتهم وقدرتهم على اتخاذ القرارات في حالة عملهم بمعزل عن رؤسائهم، ومن المؤكد أن على هؤلاء القادة أن يهتدوا بالخط الاستراتيجي العام وبتوجيهات المركز السياسية، وأن يعودوا في أمور التكتيك إلى القيادة المركزية إذا كانت الظروف والإمكانات تسمح بذلك، وأن يستخدموا بداهتهم في التوجيه السياسي لمقاتليهم وفي رسم الخطط التكتيكية إذا وجدوا أن العودة إلى القيادة المركزية متعذرة أو انها تضيع وقتاً ثميناً (تابر،2010: 21).
وقد اعتمدت المقاومة في قطاع غزة في مواجهتها مع “إسرائيل” حرب العصابات، والعمل من تحت الأرض، كي تواجه بما لديّها من إمكانيات متواضعة، القوة العسكرية الإسرائيلية الهائلة، فالعدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة، يتطلب من المقاومة انتهاج أساليب بإمكانها أن تحقق عملية توازن الردع، وعلى رأسها أسلوب حرب العصابات، وهو التكتيك الأصوب؛ لأنه يتناسب مع إمكانيات المقاومة في قطاع غزة، فضلاً عن طبيعة الأرض المكشوفة والسهلية على الحدود، التي تتمركز فيها القوات الإسرائيلية (عريقات، 10/11/2015: مقابلة).
إنّ حرب العصابات تعتمد على سياسة اضرب واهرب، وتنفيذ خطط عسكرية في مقدمتها الكمائن والأفخاخ والإغارة، وتعد الأكثر انسجاماً مع واقع وخبرات المقاومة في غزة؛ والاعتماد على أسلوب المباغتة، إذ إنّ المقاومة لم تتكبد الكثير من الخسائر في صفوفها في حرب غزة 2014، بسبب تغييرها لقواعد اللعبة، وتطويرها للأداء الميداني والعسكري، إنّ حرب العصابات باتت استراتيجية لدى المقاومة في غزة، فالضرب من أسفل، وتنفيذ الهجمات من تحت الأرض، يسجل الكثير من النقاط والأهداف لصالح ميزان المقاومة (عريقات،10/11/2015: مقابلة).
وفي حرب غزة 2014، استخدمت المقاومة الفلسطينية في قتالها استراتيجية حرب العصابات بشكل متقدم ومتطور جداً، أدخل فيه مختلف التكتيكات القتالية الحديثة، واتسم تكتيك المقاومة بالمميزات التالية (يوسف،2014:نت)2 :
- استخدام تكتيك ضرب الصواريخ القريبة والبعيدة، ومفاجأة الجيش الإسرائيلي، والتمويه الجيد لمنصات الصواريخ داخل الأرض وتخزينها وإطلاقها في كل الأوقات، رغم ظروف الحرب الدائرة ليلاً ونهاراً وفي كل الأوقات.
- استخدام المقاومة تكتيك القتال خلف خطوط القتال كما حدث في معركة صوفا ومعركة ايرز والمعركة البحرية في قاعدة زكيم.
- استخدمت المقاومة تكتيك القتال في خطوط متعاقبة كالتالي :
الخط الأول: كل فصيل كان له في خطوط التماس مهمة قتالية هجومية ودفاعية مخصصة له، والمقاتلين في الخط الأول من أصحاب التخصصات والخبرات في القتال والمدربين جيداً ومجهزين بمختلف الأسلحة المتوفرة، ويمتد هذا الخط على طول الجبهات في القطاع لمجابهة العدو في تقدمه البري، وهو يعتمد على الأنفاق والخنادق المحصنة جيداً، والمموهة جيداً لنصب الكمائن والإغارة على العدو المتقدم ومقاتلة العدو من الخلف كما حصل في معركة الججاعية وحي التفاح وشرق خانيونس .
الخط الثاني: وهو خط الكمائن وهو تكتيك يعتمد على الدمج في القتال الثابت والمتحرك واستخدام الدراجات السريعة والمفخخة بالعبوات الناسفة وقاذفات الصواريخ المضادة للدبابات أيضاً.
الخط الثالث: مجهز بالصواريخ قصيرة المدى مثل صواريخ الكاتيوشا والهاونات 120ملم و 82 ملم و60 ملم .
الخط الرابع: وهو أكبر خط مقاتل وهو خط المباني والشوارع داخل المخيمات والمدن ولم تدخل المقاومة في القتال داخل الشوارع وفي العمق لأن الجيش الإسرائيلي بقي في الحرب البرية يقف ويراوح في المناطق والتي لا يزيد عمقها عن 800 متر داخل قطاع غزة.
- تنفيذ قتال والتحام مباشر مع قوات الجيش الإسرائيلي على كافة المحاور المختلفة لتقدم العدو بهدف إصابتها بأكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية .
- شن غارات ونصب الكمائن على الخطوط الخلفية للقوات الإسرائيلية وإيقاع الخسائر في صفوفها ونقل المعركة .
ويرى الباحث أهمية استراتيجية حرب العصابات خلال المعارك التي خاضتها المقاومة، في إدارة العمليات الهجومية والدفاعية، بما تحققه من كلفة مادية وبشرية ومعنوية للخصم، وكلما زاد اتساع عمقها، ازدادت نتائجها في الضغط على القيادة العسكرية وإعادة تفكيره في أسلوب إدارة الحرب، وإذا طالت الأهداف الاستراتيجية الحيوية بشكل مؤثر، تعاظمت نتائجها في الضغط على القيادة السياسية للعدو، لإعادة تفكيره حول الاستمرار في الحرب من عدمه، وقد استخدمت المقاومة الفلسطينية استراتيجية حرب العصابات لإرهاق الاحتلال الإسرائيلي.
2- استراتيجية التصنيع الذاتية
مع اشتداد الحصار الإسرائيلي البري والبحري على الأراضي الفلسطينية، واقتصار الدعم العربي والإسلامي على الشعارات دون العمل على إمداد فصائل المقاومة بالأسلحة وعلى رأسها الصواريخ، توجهت فصائل المقاومة الفلسطينية إلى البحث عن البدائل المتاحة للحصول على السلاح، فكان أن قامت بتهريب المواد الأولية لصناعة الصواريخ إلى قطاع غزة وتصنيع ما تيسر تصنيعه من مكونات الصواريخ محلياً.
وقد بدأت صناعة السلاح في قطاع غزة مع بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، ولم تفهم دولة الاحتلال الموقف، وبدأت المقاومة الفلسطينية منذ عام 2002 تطور منظومتها العسكرية وخصوصاً منظومة الصواريخ. وبدأت كاجتهادات فردية إلى أن تبنتها التنظيمات، وكانت عملية صناعة المتفجرات والصواريخ عملية بدائية وذهب ضحيتها كثيرون وفقد البعض أطرافهم بسببها.
إن صراع الأدمغة بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية لم يتوقف، وكلما حاولت قوات الاحتلال الإسرائيلي تشديد قبضـتها، عملت المقاومة على البحث عن البديل دون كلل أو ملل مـن أجـل إبقاء شعلة المقاومة مستمرة، ووسائلهم من أجـل ذلك في تطـور مسـتمر، والبحث عن الجديد مهمة لا تتوقف، وتجارب الواقع تثبت أن كل يوم يأتي يكون لدى المقاومين ما هو جديد؛ حيث ظهرت صواريخ قسام 1، وصـواريخ قسام 2، وصواريخ قسام 3، وغيرها البنا 1 و البنا 2، و البتار وقذائف الياسين المضادة للدروع والتي سميت بهذا الاسم تكريماً للشيخ أحمد ياسين، والتي تشبه قذائف الآر بي جي روسية الصنع، والأسماء كثيرة وجميعها أدوات قتالية صنعت بغزة (المركز الفلسطيني للاعلام،2014:نت)(3)
وتهدف كافة الأسلحة التي ابتكرها المقاومون الفلسطينيون إلى كسر الطوق الذي تفرضه قوات الاحتلال الصهيوني على وصول الأسلحة والمواد إلى أيدي المقاومين من خلال فرض حصار مشدد على المنافذ المختلفة، حتى إن قوات الاحتلال الصهيوني قامت بمنع إدخال معظم المواد الكيماوية ذات الاستخدامات المنزلية بحجة أن حولها شكوكاً بإمكانية قيام المقاومين باستخدامها بعد معالجتها في تصنيع المواد المتفجرة . (الجزيرة نت، 2015)
وبدأت المراحل الأولى لإنتاج الصواريخ بالبحث عن الوسائل والمواد المتفجرة المستخدمة في الصواريخ، وقد واجهت خلالها المقاومة الفلسطينية الكثير من العقبات والصعوبات؛ تمثلت في عدم توفر المواد اللازمة في الأراضي المحتلة، مما حدا بوحدات الهندسة والتطوير التابعة للقسام للاعتماد على الذات في صناعة المواد اللازمة لصنع الصاروخ (القاسم، 2015: 8).
حاول الاحتلال الإسرائيلي منع وصول الأسلحة والمواد اللازمة إلى أيدي المقاومين، من خلال فرض حصار مشدد على قطاع غزة، حتى إن قوات الاحتلال قامت بمنع معظم المواد الأولية التي تدخل في بعض الصناعات الفلسطينية، وأهمها مواد التنظيف التي قد تحتوي على مركبات لها استخدام مزدوج، وتستخدم في الزراعة، وأهمها مادة اليوريا التي تعتقد قوات الاحتلال أنها العنصر الرئيس في تصنيع العبوات الناسفة. لقد أثر ذلك على إنتاج المواد المتفجرة الخاصة بالصواريخ وغيرها من الصناعات القتالية؛ إلا أن هذا التضييق لم يوقف التفكير في استحداث طرق محلية لتخطي ذلك؛ حيث تؤكد مصادر في كتائب القسام أنهم لجأوا إلى رَوْث البهائم لاستخراج بعض الغازات والمواد الكيماوية التي يمكن استخدامها في تصنيع المتفجرات وقد نجحوا في ذلك (القاسم، 2015: 9).
بدأت الصناعة الذاتية مع المقاومة، من خلال فريق تطوير الأسلحة في كتائب القسام، وكان الشيخ صلاح شحادة، أبرز مؤسسي الجناح العسكري يشرف بشكل شخصي على الصناعات العسكرية، ويوفر للقائمين عليها كل الإمكانيات المادية والتقنية، وقد ضم الفريق عدنان الغول، الذي كان من كبار المهندسين العسكريين في كتائب القسام، ومن مهندسي التصنيع أيضاً يحي عياش، وياسر طه، وزاهر نصار بالإضافة إلى آخرين. ومنذ أصبح محمد الضيف القائد العام لكتائب القسام، فهو يشرف إشرافاً مباشراً على وحدة التصنيع والتطوير (القاسم، 2015: 10).
ويمكن رصد أبرز الصناعات العسكرية حتى عام 2007م بالآتي:
- صاروخ قسام: لدى كتائب القسام عدة أجيال من صواريخ القسام؛ فهناك “قسام1” الذي يبلغ قطره 60ملم، ويحمل رأساً متفجراً يزن 0.5 كغ، ويبلغ أقصى مدى له 3كم، أما “قسام2” فكان نسخة مطورة عن صاروخ “قسام1″، حيث حاولت جهة التصنيع تجاوز عيوب الصاروخ الأول، ويبلغ قطره 150ملم، ويزن رأسه المتفجر بين 5-7كغ، ويبلغ طوله 180سم بينما يبلغ مداه 8كم. أما الجيل الثالث فهو صاروخ “قسام3” الذي يبلغ قطره 170ملم، ويحتوي على رأس متفجر يزن 10كغ، ويبلغ مداه بين 10-12كم، وقد نجح هذا الأخير بالوصول إلى عسقلان في شهر تموز/يوليو 2006 (فلسطين للحوار،2014:نت)(4).
- قنابل يدوية محلية الصنع: فقد تمكن مهندسو القسام من تصنيع قنابل يدوية من أنواع خاصة من البلاستيك والحديد، وتتميز بكون شدة انفجارها أقوى من قنابل “الملز” و”اف 1″. بينما جرى تطوير قاذف لهذه القنابل، مستوحى من قاذف القنابل المسيلة للدموع، بما يجعل مدى القنبلة المقذوفة تصل إلى 150 متراً على الأقل (فلسطين للحوار،2014: نت).
- العبوات الناسفة : طورت المقاومة عبواتها ناسفة أطلق عليها بـ “عبوة الخرق القسامية” حيث فجر القسام بهذه العبوة دبابة ميركافا إسرائيلية يوم السبت الموافق 15/2/2003، مما أدى إلى تدمير الدبابة واشتعال النار فيها ومن ثم احتراق من بداخلها من الجنود، والجديد في الأمر أنه كان يتطلب تفجير دبابة إسرائيلية بعبوة جانبية مثلاً كمية كبيرة من المتفجرات قد تصل إلى 100 كغم وتجهز من قبل فنيين مختصين، فتم تطوير العبوة لتكون أكثر فاعلية باستخدام أقل كمية ممكنة من المتفجرات لا تزيد عن 25 كغم، حيث كان إنتاج مهندسي المقاومة لعبوة الخرق ذات الحشوة الجوفاء، وتصميم العبوة بالشكل المخروطي الذي يزيد من فعالية العبوة ويؤدي إلى عملية خرق للدبابة من أسفلها (فلسطين للحوار،2014:نت)(5)
- صاروخ “البتار”: صاروخ محلي الصنع مضاد للدروع من تطوير كتائب القسام، وأطلق أول صاروخ في يناير / كانون الثاني 2003 ، ولا يحتاج الصاروخ لوجود العنصر البشري في مكان إطلاقه، وينطلق على هيئة صواريخ (أرض-أرض) ولكن بارتفاع يوازي الآليات، وينصب على الأرض ويطلق بواسطة جهاز تحكم عن بعد عند اقتراب الهدف، وهو عبارة عن ماسورة طولها متر، وقطرها 6 إنشات، وبداخلها مقذوف صاروخي يشبه الـ”آر. بي. جيه”، ويزود الصاروخ بقناص ونيشان، ويصيب الهدف بدقة (الرسالة نت،2014).
- قذيفة الياسين: بتاريخ 3/8/2004م أعلنت كتائب القسام أن عقول مهندسيها تمكنت من تطوير قذيفة جديدة مضادة للدروع، وقررت القسام إطلاق اسم “الياسين” على القذيفة المبتكرة. (فلسطين للحوار،2014:نت)(6)
لقد شكّل الأداء النوعي للمقاومة في غزة، والتطور اللافت في أسلحتها وتنوع تكتيكاتها أحد الملامح المهمة لعام 2014، تجلت بشكل بارز خلال حرب العصف المأكول، التي كشفت الفشل الصهيوني في تحقيق أي من الأهداف، مقابل ثبات وصمود أسطوري، رسخ انتصار المقاومة وقدرتها على أخذ زمام المبادرة، إن أداء المقاومة وتطورها شكل علامة لافتة خلال عام 2014، تجلت في الحرب الأخيرة على غزة، من خلال انتهاج استراتيجية التصنيع الذاتية (احطيط، 16/11/2017م: مقابلة)
ويرصد الخبراء والمتابعون لتطور المقاومة، كيف نجحت المقاومة الفلسطينية في تصنيع صاروخ صغير الحجم، وبمدى وقدرة تفجيرية محدودة بداية انتفاضة الأقصى، وكيف جرى تطويره على مراحل ظهرت من حرب الفرقان وحجارة السجيل، وصولاً إلى حرب العصف المأكول، حيث بات لدينا أجيال من الصواريخ وبمسميات عديدة تحمل أسماء قادة الشهداء، ومدى يصل إلى 160 كم، وهو الصاروخ الذي استخدمته المقاومة في قصف مدينة حيفا المحتلة (المركز الفلسطيني للإعلام،2015:نت)(7).
وتنوعت عمليات التطوير على أداء المقاومة رأسياً وأفقياً، سواء على صعيد صناعة السلاح، بدءًا من الصواريخ، مررواً بالمقذوفات وقذائف الهاون والعبوات الناسفة بأنواعها المختلفة، وفقاً للمهمات العسكرية المنوطة بها، فضلاً عن تصنيع المواد المتفجرة بقدرة تفجيرية هائلة من إمكانيات محلية، وصولاً إلى أسلحة القنص، كما ظهر في قناصة الغول كبيرة الحجم وقوية الأداء، فضلاً عن التطور المتعلق بالتدريب والتأهيل والتكتيكات العسكرية . (المركز الفلسطيني للإعلام، 2015:نت)(8)
وشملت عملية التطوير لأول مرة طائرات بدون طيار متعددة الأغراض العسكرية، وكانت كتائب القسام كشفت لأول مرة رسمياً خلال الحرب على غزة، عن تمكن مهندسيها من تصنيع طائرات بدون طيار، تحمل اسم “أبابيل1″، وأنها أنتجت منها ثلاثة نماذج، هي طائرة A1A ، وهي ذات مهام استطلاعية، وطائرة A1B وهي ذات مهام هجومية – إلقاء، وطائرة A1C وهي ذات مهام هجومية – تفجيرية، ونجحت بالفعل في استخدامها في تنفيذ طلعات في سماء عمق الأراضي المحتلة منذ عام 1948 ) الرسالة نت،2015).
كما شملت عملية التصنيع بندقية الغول التي تحمل اسم القائد القسامي عدنان الغول الذي اغتالته قوات الاحتلال عام 2004، وتتمتع هذه البندقية بمدى قاتل يصل إلى كيلو مترين، وهي من عيار 14.5 ملم، مقارنة ببندقية “دراغونوف” الروسية من عيار 7.62 ، وبندقية القنص النمساوية “شتاير” من عيار 12.7.
هذا الأداء واستمرار القدرة العسكرية وتطور عمليات التصنيع، وذلك من خلال استمرار تجارب الصواريخ، وبعض رسائل المقاومة عبر القنص والتصدي هنا وهناك؛ “كلها رسائل واضحة للاحتلال بجهوزية المقاومة، وأن هناك عملاً ليلاً ونهاراً؛ وأن هناك ثمناً ينبغي أن يدفعه الاحتلال (موقع القسام،2014: نت).
يرى الباحث أن المقاومة الفلسطينية اعتمدت في تسليحها على جهد ذاتي، فغالبية أسلحتها وعتادها وصواريخها تصنيع ذاتي مبني على استراتيجية مدروسة في بناء القوة العسكرية وتطويرها في مواجهة قوة وترسانة العدو الكبيرة وغير القابلة للمقارنة، لكن حاجة المقاومة لوسائل قتالية تمكنها من إزعاج العدو والتأثير فيه تجعلها في سباق دائم نحو الإبداع والتطوير في ظل انسداد الامداد الخارجي لهاـ والحصار المشدد المفروض على القطاع، يجعل من التصنيع الذاتي في أولويات جهدها وعملها لمواجهة أي عدوان عليها.
3- استراتيجية الصد والمنع (الدفاع الثابت)
الدفاع عبارة عن كل إجراء عملي ينفذ عبر استثمار كافة الوسائل والإمكانات الموجودة، بهدف التصدي للعدو، والحيلولة دون استمراره في تقدمه، وتدمير قواته المهاجمة، وهو نوع من الأعمال القتالية الرئيسة يتم اللجوء إليه للاحتفاظ بالأرض، وصد العدو وإيقاع أكبر خسائر ممكنة به وتهيئة الشروط الملائمة للانتقال إلى الهجوم (تكتيك،2012: 1).
الصد والمنع نوع من أنواع العمليات الدفاعية، يتم فيه استخدام الجهد الأقصى لعناصر النار والمناورة، بهدف الاحتفاظ بأرض معينة، وفي هذا النوع من الدفاع يأخذ القائد بالحسبان تنفيذ اشتباك حاسم أمام منطقة الحرب (تكتيك،2012: 9).
وهو أحد صور الدفاع، الذي يهدف إلى التمسك بالهيئات الحيوية في النطاق/ القطاع الدفاعي، ويُجهز هندسياً بغرض صد وتدمير القوات المهاجمة، أمام الحد الأمامي للدفاعات، ومنعه من الاختراق بكافة النيران والوسائل المتيسرة، وفي حال حدوث أي اختراق، يوقف ويُحاصر العدو ثم يدمر بالهجمات والضربات المضادة (موسوعة المقاتل،2015:نت)(9)
الصد والمنع في المناطق السكنية ومكتظة كقطاع غزة مناسبة لمكونات هذه البيئة الفريدة هو –الدفاع عن منطقة- كعملية دفاعية، الدفاع عن غزة يتركز على منع قوات الاحتلال المهاجمة من الوصول الى أماكن معينة لمدة معينة بدلاً من تدميرها فوراً، على الرغم من أن عملية الدفاع عن المدن والمناطق السكنية لا تسعى الى تدمير القوات المهاجمة بطريقة مباشرة أو هزيمة القوات المهاجمة، لكنها كهدف فهى تسعى الى تكبيد خسائر لهجوم العدو، الصد والمنع عن مناطق سكانية فى كثير من الأحيان يعمل بشكل فعال لاستنفاد موارد القوات المهاجمة، وظروف الانتقال إلى العمليات الهجومية (الشرقاوي،11/11/2015م : مقابلة) .
ويمكن حصر الهدف والغاية من استراتيجية الصد والمنع بالآتي:
- تدمير قوات العدو أو الإيقاع بها.
- منع العدو من الدخول إلى منطقة حيوية في قطاع غزة.
- تقليل قدرات وإمكانات العدو الهجومية.
- إيجاد الظروف المناسبة للعمليات الهجومية.
- الاقتصاد بالقوى في منطقة ما، بغية استخدام قوات كافية في مكان آخر (تكتيك،2012: 1).
وتبرز مزايا الصد والمنع في الدفاع عن قطاع غزة في أوقات الحرب والمواجهة من خلال الآتي:
- إمكانية المدافع اختيار الأرض الصالحة للدفاع واستغلال حسناتها وتحسينها وتجهيزها هندسياً.
- القدرة على الرماية.
- مشاهدة ومعرفة ميدان المعركة.
- قدرة المدافع على تحريك قواته من اتجاه لآخر.
- قدرة المدافع على استخدام قواته ومعداته بكفاءة.
- القدرة على خداع العدو بإجراءات الخفاء والتمويه.
- معرفة / فهم العدو.
- الحشد في الأماكن والأوقات الحرجة (تكتيك،2012: 2).
وبرزت هذه الاستراتيجية خلال الحروب الثلاثة التي شنتها “إسرائيل” على قطاع غزة، فكان على المقاومة الفلسطينية بما امتلكت من سلطة قرار في قطاع غزة، وما حشدت من مقاتلين، كان عليها أن تحدد أهداف الدفاع ومقوماته لتفويت الفرصة على الجيش الإسرائيلي والحؤول دون تحقيق شيء من أهدافه، وإجباره على وقف الهجوم بعد أن يدرك استحالة النجاح، ولا يكون ذلك في الحالة التي فرضها العدوان إلا عبر تحقيق الأهداف العسكرية الدفاعية التالية التي وضعتها المقاومة نصب أعينها في حروب “إسرائيل” الأخيرة عليها (احطيط، 16/11/2017م : مقابلة):
- الاحتفاظ بالسلطة في قطاع غزة بيد المقاومة وهو هدف اعتمد رداً على محاولة الاقتلاع.
- المحافظة على بنية المقاومة، وتنظيماتها وقدراتها العسكرية بالحد اللازم الممكن للقيام بعمليات عسكرية ميدانية ضد الجيش الإسرائيلي: ويعني هذا الهدف أربعة أمور، وهي: الإصرار على التمسك بإرادة القتال، والاحتفاظ بالمقاومين المدربين الذين يواجهون القوات الاسرائيلية في الميدان، والاحتفاظ بقدر من السلاح والذخيرة بما يلزم لعمليات المواجهة، والأمر الأخير يتمثل باستمرار الدعم الشعبي والالتفاف الجماهيري حول المقاومة بقدر يناسب نموها وسريتها.
- الاحتفاظ بالقدرة المناسبة لإنتاج الخوف والأذى في المجتمع الإسرائيلي عبر إدامة إطلاق الصواريخ، ومن هنا تبرز الوظيفة الدفاعية المهمة لمنظومة صواريخ المقاومة، والتي كان على المقاومة أن تحتفظ بالحجم المناسب منها، فلا تهدره في وقت قصير، ولا تعرض مخازنه للتدمير أو تمكن الخصم من ذلك.
- منع الجيش الاسرائيلي من الاستقرار في أي من المناطق التي يتقدم لها، وتحويلها الى مناطق خطر واشتباك، وحرمانه من الشعور بالأمن في المناطق التي يحتلها، فذلك يعد إفساد لنجاحات الجيش الاسرائيلي المؤقتة في الميدان وحرمانه من استثمار الاحتلال ليبني عليه بشكل تراكمي يوصله الى النصر.
نظمت المقاومة الفلسطينية في غزة معركة الدفاع عن القطاع بتنفيذ أنماط القتال وتكتيكاتها في عمليات الصد والمنع، وتميزت عمليات الصد والمنع بعنصرين أساسيين؛ الأول الثبات في المعركة والصمود الواعي العقلاني في الميدان، والثاني تجنب عمليات التهلكة من غير رؤية واضحة، لقد كانت أهداف “إسرائيل” واضحة في ذهن قيادة المقاومة، وبمقتضى هذا الوضوح حددت المقاومة أهدافها في الميدان واعتمدت الأساليب التي تحقق ذلك، ونسجل من هذه الأساليب ما يلي (احطيط، 16/11/2017م: مقابلة):
- الألغام والفخاخ التي من شأنها قطع الطرق، أو تدمير آليات أو مجموعات راجلة للعدو، وقد نفذت في محاور التقدم في بيت حانون والشجاعية وجحر الديك وشرق خانيونس ورفح، وقد تكبد العدو فيها خسائر كبيرة في صفوف جنوده وآلياته.
- الكمائن الخفيفة والثقيلة: وقد نفذت هذه العمليات في بيت حانون والشجاعية وشرق خانيونس ورفح بشكل واسع، وكان لها مع الألغام الدور المهم وبالغ الأثر في إفهام العدو بأن اقتحامه للأماكن المبنية سيكون باهظ الثمن، الأمر الذي جعله يتوقف عن اندفاعه والتراجع لخلف الحدود.
- الإغارات: وتنوعت بين الإغارة بالمجموعة الصغرى، مقاتلين أو ثلاثة، حيث تنتخب هدفاً منعزلاً ضعيفاً، والإغارة بالمجموعة الكبرى من 5-15 مقاتلاً، التي تهاجم أهدافاً متعددة في مكان واحد.
- المراوغة الميدانية وعمليات الاستدراج إلى مناطق التقتيل، ثم المهاجمة وقد نجحت المقاومة في تنفيذ أكثر من عملية استدراج للعدو إلى بعض المنازل المفخخة، التي تفجر فور دخول العدو إليها في معرض ما كان يظنه ملاحقة أو تعقب للمقاومين دون أن ينتبه إلى أنه استدراج، ويسجل للمقاومة تمكنها في هذه العمليات من أسر عدد من الجنود في الشجاعية وشرق رفح.
- العمل ضد الدروع بنظام جيد من الأسلحة والقذائف الصاروخية المطورة، فقد تمكنت المقاومة من مواجهة آليات العدو، وشكلت تهديداً جدياً لها.
- القنص من مسافات بعيدة: وكانت هذه العمليات مربكة للعدو، وقد أوقعت في صفوفه عدداً من القتلى والجرحى.
- قصف تجمعات العدو ومحاور تقدمه وحركته بقذائف الهاون وبالقذائف الصاروخية، فأثرت على خططه بالتقدم، وحرمته من الثبات وأوقعت في صفوفه القتلى والإصابات.
ويرى الباحث أن مسألة الدفاع عن قطاع غزة في وجه عدو يحاول الاجتياح والقتل والتدمير، ويفرض حصاراً خانقاً والذي هو بحد ذاته وجه من أوجه الحرب، وحيث تطمح المقاومة إلى منعه من احتلال الأرض، والحد من التدمير والقتل الذي يستهدف الشعب، فإن الأمر بغزة أمر ممكن إدراجه في الأهداف العسكرية لأنه فوق طاقتها أصلاً، فلا يمكن لمقاومة أن تمنع الاحتلال ولكن لها أن تمنع استقراره، ولا يمكنها منع القتل بل الرد عليه بعمليات تؤذيه، وبالنظرة نفسها نقول إن تدمير العدو أو إحداث الخسائر الجسيمة في صفوفه لا يعد من الأهداف الأساسية للمقاومة، بل تجتهد المقاومة إلى إلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر لدى العدو دون أن يكون ذلك هدفها الرئيس من الحرب أو معيار نجاحها وثباتها في العملية الدفاعية، لذلك نرى أن عمليات المقاومة جاءت لتخدم الأهداف الرئيسة للمعركة الدفاعية التي ذكرناها.
ونرى أن المقاومة الفلسطينية، تمكنت من منع الجيش الإسرائيلي من تحقيق أي من أهدافه، وألزمته باتخاذ قرار بوقف إطلاق النار، وهذا يتطابق تماماً مع التعريف المعتمد للنصر إذا كان المقاتل في حال الدفاع، حيث إن المدافع ينتصر إذا اتخذ في الميدان من التدابير ما يجعل المهاجم يقتنع بأن هجومه بات مكلفاً أو نصره فيه مستحيلاً، ويكون من الأفضل له أن يتوقف عن المتابعة في عملياته، وهذا هو الذي حصل في حرب غزة 2014 حيث اتخذت “إسرائيل” قراراً بوقف عدوانها عندما تبين لها أن تحقيق أهدافها يدور بين الاستحالة أو دفع الثمن الباهظ جداً بمقدار يفوق احتمالها فتوقفت، و”إسرائيل” لم توقف عدوانها نتيجة يقظة ضمير أو كرم أخلاق، بل أوقفت عدوانها لأنها وجدت المقاومة اتخذت من التدابير ما يمنعها من تحقيق أهدافها، وهنا يسجل للمقاومة القدرة على الصد والمنع وحسن الأداء في القيادة والميدان على السواء.
4- استِراتيجِيَّة الأَنْفاق:
لم تكن حرب الأَنْفاق ابتكارًا جديدًا في المعارك، فهي استِراتيجِيَّة قديمة، ومن أشهر الاستراتيجيات الحربية التي عرفها التاريخ، استخدمتها قوى المُقاوَمَة في كثير من المناطق بعد استعصاء التقدم على الجبهات، نتيجة للقوة النارية الكبيرة التي يستخدمها الخصم في كبح أي محاولة تقدم فوق الأرض، أو لتحقيق ضربات قوية ومباغتة، فقد سجلت نجاحًا مهمًا في الثورة الفيتنامية، والعراق وأفغانستان والمُقاوَمَة اللبنانية.
مثلت أَنْفاق المُقاوَمَة في غَزَّة، أداءً استثنائيًا للمقاومة، فعجز الجانب الإِسْرائيليّ بكل منظومته العسكرية والاستخباراتية والتكنولوجية الوصول لشبكة أَنْفاق المُقاوَمَة وتدميرها (أبو اسماعيل، 25/8/2015م: مقابلة).
كانت هذه من أهم الاستراتيجيات التي أسهمت في هزيمة قوات النخبة الإِسْرائيليّة على جبهات القتال المتعددة من قطاع غَزَّة، ومكنت مقاتلي المُقاوَمَة من ضربهم في مقتل، ويقول الخبير الجيولوجي “يوسي لنغوستكي”، عقيد في الاحتياط وعنصر سابق في الاستخبارات العسكرية، “الأَنْفاق تشكل تهديدًا استراتيجيًا على “إسرائيل”، وينبغي الأخذ بالحسبان أسوأ السيناريوهات التي تتمثل في قيام عناصر من حماس بالتسلل لإحدى البلدات بالقرب من الحدود، والقيام بخطف العشرات من سكان هذه البلدة وأخذهم لغَزَّة “(وكالة سما الاخبارية، 2013م: نت)(10).
قدمت الأَنْفاقُ نموذجًا استثنائيًا في بنائها وطرق الحفاظ على سرية وجودها، وتأمينها وحمايتها، وفي كيفية تنظيم الحياة بداخلها بما يتضمنه ذلك من طرق للتهوية والإعاشة والاتصال، وخاضت المُقاوَمَة خلال خمس سنوات سابقة حربين استطاعت القوات الإِسْرائيليّة فيها قتل عدد كبير من المقاومين نتيجة عدم استطاعتهم العمل بتخفٍ كامل في عمليات إطلاق الصواريخ وغيرها من الأعمال العسكرية الأخرى، وتقدمت القوات البرية الإِسْرائيليّة بشكل كبير داخل المناطق الحدودية لقطاع غَزَّة دون رادع، وهذا الأمر اختلف في حرب 2014م، فقد استطاعت المُقاوَمَة حفر شبكة من الأَنْفاق مجهزة بمختلف الإمكانيات اللوجستية، وتمديد شبكة كهرباء وتهوية وغرف، وهذه الأَنْفاقُ متنوعةٌ، منها الهجومي والدفاعي، ومنها للإمداد والاتصال، وأخرى للحماية.
فالأَنْفاق الهجومية استخدمت في التسلل خلف خطوط العدو، وتنفيذ عمليات هجوم على مواقع إِسْرائيليّة مثل عملية (نحال عوز وإيرز وأبو مطيبق)، وغيرها من العمليات التي كانت من أكبر وأجرأ العمليات في تاريخ المُقاوَمَة الفلسطينية.
واستخدمت الأَنْفاق لإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون، حيث تمّ إعدادها كمنصات للإطلاق، ونتيجة لعدم قدرة المُقاوَمَة على التحرك وإطلاق الصواريخ من فوق الأرض، وتمكن طائرات العدو من رصد كل ما هو متحرك على الأرض، وهذا كان له الأثر الكبير في استمرارية إطلاق الصواريخ حتى آخر يوم في الحرب.
أما الأَنْفاق الدفاعية فقد تم إعدادها لضرب القوات المتقدمة داخل قطاع غَزَّة، ونتج عنه تكبيد قوات العدو البرية المتقدمة الكثير من الخسائر، من خلال خروج المقاتلين من مسافة صفر لقوات العدو، مما يؤدي لإرباكهم وقتل العديد منهم، وهذا النوع من الأَنْفاقِ تمَّ استخدامه في معظم المناطق التي تقدمت فيها قوات العدو، في مناطق الشجاعية، والتفاح، وبيت حانون، وخزاعة ومنطقة رفح، حيث وقعت خسائر فادحة في الجيش الإِسْرائيليّ.
ختاماً:
نجحت المُقاوَمَة في تطوير قدراتها التصنيعية العسكرية لتصبح منتجة لمنظومات الصواريخ بمديات مختلفة قريبة واستِراتيجِيَّة، وأسلحة فردية وأنظمة إلكترونية لخداع أنظمة الدفاع الجوي الإِسْرائيليّ والطائرات المسيّرة، والتي حلقت أثناء الحرب، والأهم من كل ذلك حالة الإعـــداد النفسي والمعنوي للمقاتلين وللشعب، ما انعكس إيمانًا بالقضية وعقيدة قتالية راسخة، وكذلك حالة التنسيق والتواصل الميداني والعملياتي والإعلامي والاجتماعي البَيْني بين مقاتلي المُقاوَمَة وبين المُقاوَمَة والشَّعْب، كما ظــهــرت خــلال المعارك الأخــيــرة حــالــةٌ مــن صـــراع الإرادات والــتــحــدي المتبادل بين قيادة المُقاوَمَة والقيادة الإِسْرائيليّة، فقد ظهر بوضوح ســواء من حيث تطور العمليات الميدانية أو أعمال إطــلاق الصواريخ وأثبتت المُقاوَمَة أنها تعمل بــإدارة وتخطيط موقوت بعيدًا عن الارتجال أو الانفعال، حيث حــافــظــت عــلــى ثــبــات أدائـــهـــا (11).
المراجع:
- الأيوبي، هـ. (محرر) (1981): الموسوعة العسكرية، ط1، ج1-2، بيروت، المؤسسة العربة للدراسات والنشر.
- قاسم، جلال (2015): صواريخ المقاومة في غزة سلاح الردع الفلسطيني، بيروت، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
- أكاديمية فلسطين العسكرية (2011): تكتيك عسكري1، غزة.
- أكاديمية فلسطين العسكرية (2012): تكتيك عسكري2، غزة.
- ريان، محمود (2014): التكتيك العسكري، غزة، وزارة الداخلية والأمن الوطني.
- مركز الجزيرة للدراسات (2014): حرب غَزَّة الثالثة: حدود القوة الإِسْرائيليّة وأفق المُقاوَمَة، مركز الجزيرة للدراسات، 24 يوليو.
- النعامي، صالح (2014): توازن الرعب: مألات الحرب الثالثة على غَزَّة، قناة الجزيرة 22يوليو.
- أمين احطيط خبير استراتيجي وعسكري، مقابلة اجراها الباحث عبر الهاتف بتاريخ 16/11/2017م
- أبو اسماعيل قائد عسكري في سرايا القدس لواء الوسطى، مقابلة اجراها الباحث بتاريخ 25/8/2015م.
- يوسف الشرقاوي خبير عسكري، مقابلة اجراها الباحث عبر الهاتف بتاريخ 16/5/2015.
————-
الهامش
(1) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (20/2/2018م)
(2) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (12/1/2018)
(3) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (12/2/2018)
(4) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (12/11/2017)
(5) نفس المرجع السابق
(6) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (12/11/2017)
(7) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (12/11/2017)
(8) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (12/12/2017)
(9) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (13/11/2017)
(10) الرابط تمت الزيارة بتاريخ (20/12/2017م)
(11) الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات