fbpx
سياسةتقارير

الموقف المصري عقب الذكري التاسعة لثورة يناير

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

جاءت الذكري التاسعة لثورة يناير 2011م، في أعقاب عدة شهور من تحريك الموقف بشكل نسبي، في أجواء مختلفة هذه المرة وفي خضم دعوات لتظاهرات جديدة، ربما لم تكن متواجدة بمثل هذا الشكل خلال السنوات الخمس الماضية منذ حراك 2015م. ومن أبرز دلالات أحداث الشهور الماضية انتهاءً بــ 25 يناير 2020، والتي تم التوصل إليها من خلال عدد من ورش العمل والمناقشات ما يلي:

1- استعادة حالة شبه ثورية مرة أخري للشارع المصري في 20 سبتمبر 2019م بعد توقف الحراك الثوري في الشارع المصري لقرابة ثلاث سنوات تقريباً، وتحديداً منذ “الدعوة الي ما يسمي بثورة الغلابة نوفمبر 2016م”؛ وقد جاء حراك 20 سبتمبر نتيجة التفاعل مع دعوة الفنان والمقاول محمد علي خلال شهر سبتمبر 2019م، واستمر محمد علي واستثمر تلك الحالة الثورية بالتنسيق مع أطراف مختلفة، ودعا لحراك شعبي في 25 يناير 2020م.

 2- دل الحراك الذي شهدته مصر في العديد من المحافظات يوم 20 سبتمبر 2019م على كسر حاجز الخوف بشكل نسبي، والذي كان متواجداً داخل نفوس المصريين، بسبب حالة القمع غير المسبوقة الذي عمل عليها نظام السيسي خلال السنوات السبع الماضية، وظهر أن الناس نزلت للشارع لعدة أسباب منها طبيعة الخطاب الجديد من شخص مثل محمد علي، ووجود دلائل على إمكانية التغيير إذا وقف جانب من النظام وراء دعوة النزول، فضلاً عن علامات التراخي الأمني في هذا اليوم. ولكن بالرغم من كسر حاجز الخوف الذي أظهرته تظاهرات 20 سبتمبر 2019م، كان التفاعل مع الحراك من قبل المتظاهرين بترقب وحذر من ردة فعل النظام الأمني، فبعد يوم 20 سبتمبر 2019م بثلاثة أيام، وتحديداً عقب مقابلة ترامب للسيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أعرب فيها ترامب بوضوح عن دعمة للسيسي، جاء رد فعل النظام سريعاً واعتقل الآلاف من المتظاهرين وأغلق الميادين ونشر أفراد الأمن في الشوارع لبث روح الخوف مرة أخري في قلوب الراغبين في النزول لدعوات 27 سبتمبر 2019م، وربما كان هذا أحد عوامل عدم التفاعل والنزول يوم 27 سبتمبر، وكذلك أيضاً عدم التفاعل والتظاهر في الذكري التاسعة لثورة يناير. ما زالت حالة القمع التي يمارسها السيسي حاضرة في الأذهان، وربما من يريد التغيير لا يريد أن يشارك مشاركة فعلية قوية من غير وجود ضمانات حقيقة لحدوث التغيير، حتى لا يدفع كُلفة عالية ويقع عليه ضرر بالغ بدون تحقيق أي مكسب.

3- بمتابعة تفاعل المصريين على وسائل التواصل الاجتماعي بعد حراك 20 سبتمبر2019م، وقبيل دعوات التظاهر يوم 25 يناير 2020م، لوحظ ازدياد وتيرة التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير عن السنوات الماضية، ومدي استعداد جماهير المصريين للنزول إذا وجدت قيادة فعالة موثوقة تقود الحراك، وتوقعت أن يؤدي نزولها إلى إحداث تغيير.

4-من أهم أسباب فشل حراك 25 يناير 2020م، في التبلور عدم وجود قيادة على الأرض تنظم الحراك وتوجهه مثلما كان الحال أثناء ثورة يناير 2011م.

5-ظهر حالياً أن نموذج ثورة اليوم الواحد الذي أصبح الكثير من أفراد الشعب يتمنونه ويتبنونه، كما تَمثل في دعوة محمد علي، لا يمكن أن يشكل أساساً ناجحاً يعتمد عليه، إذ أن الفعل الثوري هو فعل تراكمي ومستمر ويتطلب مشاركة فئات واسعة من الشعب وتضحيات كثيرة وآليات تجبر النظم الحاكمة على الامتثال للإرادة الشعبية.

6- أظهر حراك 20 سبتمبر 2019م أيضاً، وكذلك دعوات التظاهر التي أعقبته، عاملاً هاماً، وهو تأثير الخطاب الشعبوي بشكل إيجابي في التأثير على الجماهير، فالخطاب الذي قدمه محمد علي، أثّر بشكل كبير على المجتمع المصري من الداخل وفي طبقات ومستويات مختلفة، حيث كان خطاب محمد علي خطاباً شعبوياً بسيطاً، بعيداً عن الخطاب السياسي المعهود الذي يستخدمه السياسيون المصريون المعارضون، وربما هذا ليس بغريب، لأن الحالة المجتمعية والتعليمية والشبابية داخل المجتمع المصري أصبحت مختلفة عما كانت عليه في الماضي. ومن الظاهر أن الخطاب الشعبوي أصبح يلقي قبولاً جماهيرياً ليس في مصر فقط، بل داخل المجتمعات الغربية أيضاً بشكل عام، فالرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب كان يستخدم الخطاب الشعبوي في حملته الانتخابية، وكذلك رئيس الوزراء البريطاني الحالي، بوريس جونسون، الذي يعتبر آخر زعيم أوروبي يلحق بقطار الشعبوية الذي يجتاح عالم السياسة في أيامنا، بعد نماذج أخري مثل إيطاليا والمجر. كما تجدر الإشارة أيضاً الي أن حالة الفراغ السياسي الموجودة هي التي ساعدت على ظهور شخص مثل محمد علي يطلب الزعامة.

7- من دلالات الحراك هذه المرة أن أغلبية من شارك في تظاهرات 20 سبتمبر2019م، وأيضاً ممن كان متفاعلاً مع حراك 25 يناير 2020م، حتى ولو كان على مواقع التواصل الاجتماعي فقط، “سواء أفراداً أو بعض القوي المعارضة”، كان يعلم أنه يوجد تدافع دائر “أو حتى مجرد مناوشات” داخل المؤسسات السيادية بين طرفين لكل منهما قوي وإمكانيات، وأن الثورة الحقيقية ليست لها قوي وإمكانيات تمكنها ان تكون طرفاً ثالثاً للدخول في مثل ذلك الحراك. وكانت الرغبة في الاشتباك مع هذه الحالة هو تحقيق أهداف تكتيكية مرحلية من خلال ذلك الصراع في حالة نجاح الطرف المناوئ للسيسي داخل المؤسسات السيادية في حسم ذلك الصراع؛ ومن أهم تلك الأهداف المرحلية خروج المعتقلين وخروج السيسي من المشهد، كخطوة أولي من خطوات التغيير والتحول الديمقراطي في مصر استكمالاً لأهداف ثورة يناير، وإعادة الاصطفاف مرة أخري والتقاط الأنفاس. هذا الوعي والفهم لم يكن متواجداً من قبل وهذا عامل إيجابي في الحراك الماضي ويدل على الوعي الذي اكتسبه الشعب واكتسبته القوي المعارضة خلال السنوات الماضية، طبقاً لمفهوم وضع الأهداف بناء على الإمكانيات والقدرات.

8- من الإيجابيات التي شهدتها الحالة السياسية في مصر بالتزامن مع الذكرى التاسعة لثورة يناير، التوصل إلى وثيقة متوافق عليها بين القوي المعارضة المختلفة في التوجهات والأيديولوجيات، وتوافقت عليها أغلب القوي المعارضة، وهذا ما لم يتوافر خلال السنوات الماضية، بما يمثل تقدماً ولو بسيطاً على طريق التنسيق بين قوي المعارضة، وتجاوزاً لعقبة استمرت لسنوات عديدة منذ الانقلاب.

9- ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة أيضاً، ان خطاب المعارضة كان يحمل نفَساً ثورياً “النزول للخلاص من النظام في يوم واحد” عندما أغلقت المسارات السياسية وبما يتناقض مع الأهداف المرحلية السابق ذكرها. فالمعارضة لا تمتلك أدوات الخيار الثوري وبالتالي فليس من المناسب السير فيه في المرحلة الحالية دون امتلاك أدواته. ويجب على القوي المعارضة أن تضع في اعتبارها أن العمل السياسي ليس معناه الانهزام، ولكن العمل السياسي يكون من أجل الإعداد للتغيير وما بعده.

10- ما كشفت عنه الأحداث الأخيرة هو استمرار النظام الدولي والإقليمي في دعم السيسي، وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وتصريح ترامب أثناء لقائه بالسيسي بعد حراك 20 سبتمبر 2019م بأيام دليل على هذا؛ فرسالة ترامب كانت موجهه سواء للقوات المسلحة المصرية أو لكل الأطراف المعارضة للنظام بأن السيسي ما زال يحظى بدعم الإدارة الأمريكية، كما أن الظروف الحالية من الدفع بصفقة القرن والتدخلات في ليبيا تُقوي من الحاجة للدور المصري، وهو ما يُقوي موقف السيسي في الحكم بشكل كبير في الوقت الراهن. ولكن في المقابل يلاحظ استيعاب المجتمع الدولي غير الرسمي للقضية المصرية بشكل لا بأس به، على الرغم من أنه لا توجد وسيلة لاستثمار هذا الفهم في إحداث اختراق حقيقي لدور الخارج الرسمي في دعم السيسي. وقد كان من الملحوظ الاهتمام الإعلامي الدولي الواسع الذي لاقته ظاهرة محمد علي، مما يدل على أن المجتمع الدولي من الممكن أن يهتم ويتفاعل إذا ظهرت له أن هناك فرصة حقيقية للتغيير في مصر.

11- كشفت الأحداث الأخيرة أن المجتمع المصري بشكل عام أصبح ساخطاً على النظام الحالي لأمرين مهمين هما:

– تدهور الحالة الاقتصادية، مما أثر على حياة أغلب أفراد الشعب المعيشية.

– الانتهاكات وحالة القمع غير المسبوقة التي يشهدها المجتمع المصري.

وهنا يجب الإشارة الي أنه من خلال قراءة بعض تجارب التحول الديمقراطي مثل تجارب الأرجنتين وتشيلي وإندونيسيا يتضح ان أهم العوامل التي أدت الي سقوط الانقلابات العسكرية في تلك البلدان ثلاثة أمور:

الأمر الأول: تراجع الدعم الدولي للنظم العسكرية في تلك البلدان، سواءً بفقدانها لإمكانية القيام بالدور الوظيفي الهام، أو للتجاوزات الحقوقية الكبيرة وإغلاق المجال السياسي بشكل كامل، بما يحرج المجتمع الدولي بالاستمرار في تأييد هذه النظم.

الأمر الثاني: تدهور الأوضاع الاقتصادية بشكل كبير مما أدي الي ضجر الشعوب وتيقن المؤسسة العسكرية ان الضرر سيلحق بالمؤسسة العسكرية ككل في حال استمرار النظام العسكري في السيطرة على الحياة السياسية.

الأمر الثالث: الملف الحقوقي، والانتهاكات التي مارستها تلك النظم العسكرية في حق الشعوب الثلاث، وعمومية هذه الانتهاكات إلى حد خارج نطاق تحمل الشعوب.

وهناك بالفعل تواجد لكلا الأمرين الثاني والثالث في الحالة المصرية، أما الأول فمصيره الى حدوث كما تدل الخبرات التاريخية المختلفة.

ولذلك فعلى المعارضة المصرية أن تستثمر تلك العوامل، التي يمكن أن تؤدي الي تحرك الموقف المصري إذا أُحسن استثمارها.

12- من إيجابيات خطاب المعارضة فيما تواكب مع الذكري التاسعة لثورة يناير أيضاً، هو عدم تبني خطاب معاداة الجيش المصري بالمطلق، وتحديد من يستهدفهم الحراك، وهم السيسي والمجموعة التي يرتكز عليها في حكمه، وهذه رسالة إيجابية لضباط الجيش، حيث تُحاول قيادات الجيش إقناعهم في الندوات التثقيفية بأن الحراك يستهدف المؤسسة العسكرية بالمطلق، ويستهدف هدم الجيش وهدم الدولة، ولكن هتافات المتظاهرين في 20 سبتمبر 2019م على سبيل المثال، لم تكن معادية للجيش ولكنها هتفت بإسقاط السيسي فقط، وكذلك خطاب أغلب رموز المعارضة خلال الشهور الماضية كان متمسكاً بالحفاظ على الدولة والدفاع عنها وهذه رسالة هامة جداً.

جدير بالذكر هنا أنه بعد 03 يوليو تواجد بداخل المؤسسة العسكرية مجموعات حاولت أن تقوم بتغيير الوضع من الداخل وعملت على إزاحة السيسي باستخدام عدة وسائل، منها وسائل دستورية وقانونية كالتي حاول أن يستخدمها الفريق سامي عنان والفريق أحمد شفيق والعقيد أحمد قنصوه عن طريق منافسة السيسي في انتخابات الرئاسة في 2018م، أو عن طريق وسائل أخري خشنة. وعلى الرغم من أنه كان لتلك المجموعات الراغبة في التغيير داخل المؤسسة العسكرية أهداف مختلفة عن الأهداف التي ترغب الثورة في تحقيقها والتي من أهمها إبعاد المؤسسة العسكرية عن التدخل في الشأن السياسي، إلا أنه لتحقيق أهداف مرحلية تكتيكية أدركت المعارضة، ومعها قطاع كبير من الشعب، أنه يجب الاشتباك مع مثل تلك المجموعات بناء عن خطة مدروسة محكمة من قبل قوي المعارضة المصرية، ويجب أن تعمل قوي المعارضة على إيجاد خطاب سياسي لاستمالة عدد أكبر من تلك المجموعات لكي تصبح في الصف المعارض والمناوئ للسيسي وحكمه، ولكي تقتنع بخطورة التدخل الصارخ للجيش في الحياة المدنية وأثره السلبي على المؤسسة العسكرية نفسها، وعلى المصالح العليا للوطن بشكل عام.

وجدير بالذكر هنا أنه عند قراءة تجارب التحول الديمقراطي في كل من الأرجنتين وتشيلي وإند ونسيا يتضح أنه لولا وقوف قطاع رافض لسياسات الحكم من داخل المؤسسة العسكرية في تلك الدول مع الداعين للتغيير لم يكن للنظام العسكري ان يسقط.. وقضايا تهديد الأمن القومي ربما تكون عاملاً وهدفاً مشتركاً بين القوي المدنية الراغبة في التغيير والأطراف الراغبة في التغيير من داخل المؤسسة العسكرية والمؤسسات السيادية المختلفة تمكنهم من التنسيق فيما بينهم، وأن يقفوا في خندق واحد، مثال على ذلك قضايا “سد النهضة، غاز شرق المتوسط، التنازل عن تيران وصنافير التي رفضها قطاع عريض داخل المؤسسة العسكرية وعبّر بعض القيادات عن ذلك الرفض على صفحاتهم الرسمية ومنهم الفريق عنان والفريق حتاته والفريق شفيق ولمح لها العقيد أحمد قنصوه في بيان إعلان نية ترشحه في انتخابات الرئاسة 2018م. ومن القضايا التي تعتبر أيضاً عاملاً مشتركاً بين الطرفين تعامل نظام السيسي مع الأوضاع في سيناء التي تركز على التعامل الأمني فقط والتي يرفضها قطاع داخل المؤسسة العسكرية، سواء بسبب وحشية الممارسات أو بسبب الخسائر الكبيرة التي يتعرض لها الجيش، مع ضياع هيبته، والتي قتل بسببها العديد من الضباط مثل أحمد منسي ورامي حسنين وخالد مغربي وغيرهم؛ وكذلك أيضاً ما يطلق عليه صفقة القرن التي يمكن استغلالها أيضاً في توحيد جموع الشعب ومؤسسات الدولة الوطنية مرة أخري، لكون القضية الفلسطينية عند مختلف الأطراف هي قضية مجمعة، ولأثرها البالغ على الأمن القومي المصري.

13- من التطورات التي حدثت أيضاً قبل الذكري التاسعة لثورة يناير بشهور، هي وفاة الرئيس الدكتور محمد مرسي. فالسيسي كان يستخدم فزاعة الشرعية لإخماد أي صوت معارض داخل المؤسسة العسكرية، فعندما كانت تتعالى أصوات تنادي بالتغيير، كان الرد أن هذا يفتح باباً لعودة الرئيس مرسي مرة أخرى، وهذا ما لم يُرحب به قطاع عريض داخل المؤسسة العسكرية، فكان نظام السيسي يستخدم ذلك فزاعة أنه بذهاب النظام سيكون البديل هو الرئيس مرسي؛ ولكن بوفاة الرئيس محمد مرسي انتهت صلاحية استخدام تلك الفزاعة، ورجعت الشرعية مرة أخري للشارع المصري، وهذا ما أكدت عليه جماعة الإخوان المسلمين في إطار دعوة محمد علي لتظاهرات 25 يناير، وهو ما فتح الباب أيضاً لتوافق أوسع بين أطراف المعارضة المختلفة، وهذا أمر هام.

14- ظهر أيضاً منذ حراك سبتمبر 2019م، حتى الآن التطور الكبير الذي شهدته الأجهزة الأمنية من الناحية الفنية في رصد واختراق، والتعامل مع جميع الفئات المعارضة، من خلال استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل كبير بجانب القوة.

15-بالرغم من بعض السقطات الإعلامية التي وقع فيها الإعلام المناهض للنظام، إلا أنه استمر القوة الأساسية المؤثرة والموجعة للنظام، مما يستوجب الاستمرار في دعمه ومساندته وتقويته وتوجيهه سياسياً، وعدم الاستسلام لدعاوى الهدم التي يمكن أن تؤثر سلبياً في مساره مما يفقد المعارضة قوة رئيسية لا يستهان بها.

16- بعد 20 سبتمبر 2019م، كان نظام السيسي في حالة إرباك، لأن الدعوة للحراك جاءت من طرف جديد غير محسوب على حركات الإسلام السياسي، أو المعارضة التقليدية، بل جاء من شخص يعتبر من دولاب عمل المؤسسة العسكرية وكان من ضمن المنظومة التي تعتمد عليها تلك المؤسسة في العديد من أعمالها الإنشائية، وعمل داخل تلك المنظومة لسنوات ليست بالقليلة، وهو ما استدعى أن يقوم السيسي بالعمل  على احتواء الموقف قبيل دعوات التظاهر في 25 يناير2020م؛ فقد أصبح السيسي بعد 20 سبتمبر 2019م مختلفاً تماماً عن السيسي خلال الفترة من 03 يوليو 2013مـ إلى 20 سبتمبر 2019م،فيما يتعلق بالتعامل مع القوى الداخلية في النظام،  فالسيسي أيقن الخطر ويقوم الآن بإعادة رسم خارطة جديدة لحكمه، وبدأ يحاول احتواء المعارضين داخل المؤسسات السيادية، الذين يرى أنهم قد يشكلون تهديداً حقيقياً عليه وعلى نظامه، واستغلوا ما فعله محمد علي من حراك كي يحققوا أهدافهم، لذلك فإنه يقوم الآن بمحاولة إعادة رسم شكل جديد لنظام حكمه كي يستمر لسنوات عديدة، فيتبع حالياً أسلوباً جديداً ومختلفاً عن طريقة إدارته السابقة. فأزمة السيسي الحقيقية تكمن داخل الجيش وباقي مؤسسات الدولة السيادية، ولا علاقة لها مطلقاً من منظور السيسي بالمعارضة السياسية، فالسيسي تعلم الدرس مما حدث مع حسني مبارك وعاقبة التعنت الذي كان يصر عليه في توريث الحكم لجمال مبارك وعدم سماع صوت الجيش، مما تسبب بالإطاحة به في نهاية المطاف. والدليل على هذا حركة الجيش التي اعتمدها السيسي في شهر ديسمبر 2019م، وكذلك إعادة هيكلة جهاز المخابرات، والإفراج عن الفريق سامي عنان الذي ربما كان يقود الطرف المناوئ لإدارة عبد الفتاح السيسي. وإبعاد شخصيات مقربه للسيسي من مناصب هامة كاللواء مصطفي الشريف من رئاسة الديوان.[1]

ربما حالة الاسترضاء التي عمل السيسي عليها قبيل الذكري التاسعة لثورة يناير، وبعد حراك 20 سبتمبر  2019م، لم تكن نهاية المطاف، لأن السيسي يعمل على تحويل منظومة الحكم منذ بداية حكمه من حكم المؤسسة العسكرية إلي حكم الفرد العسكري المسيطر والمهيمن على جميع مفاصل الدولة، والمؤشر لذلك أن السيسي في منتصف 2018م، بعد إزاحة الفريق أول صدقي صبحي من منصبه كوزير  للدفاع، عمل السيسي على إرضاء قيادات الجيش الذين نكل بهم من خلال قانون معاملة كبار القادة، والذي يعطي لقيادات المجلس العسكري منذ يناير 2011م وإلى وقتنا هذا امتيازات غير مسبوقة، وبالرغم من هذا لم تر  تلك القيادات إلا مزيداً من التنكيل ولم يتوقفوا هم عن استغلال الفرص التي قد تصنع التغيير، وبالتالي من غير الواضح ما إذا كان ما قام به السيسي من إجراءات لاستيعاب الأصوات المعارضة داخل المنظومة، هو من قبل الاستيعاب المؤقت ثم يعود الي حالته الإقصائية مرة أخري عندما تستقر له الأمور، أم أن السياسات التي سيتبعها في الفترة القادمة ستظل سائدة في مسار الاستيعاب.

وستوضح الأيام والشهور القادمة العديد من الأمور، وسيتم الإجابة على السؤال الملح حالياً: هل ما تم هو بالفعل انقلاب ناعم رغماً عن عبد الفتاح السيسي كما يقول البعض بسبب إمكانيات وقدرات الأطراف المعارضة له داخل المؤسسة العسكرية وداخل جهاز المخابرات العامة، التي تضاعفت بعد حراك 20 سبتمبر 2019م؟ أم ما زال السيسي لديه من الإمكانيات والقدرات ما تمكنه لفرض المزيد من السيطرة والهيمنة؟ وهل قوة السيسي تلك جعلته يتراجع بذلك الشكل من تلقاء نفسه وليس فرضاً من المجموعات المناوئة له داخل المؤسسات السيادية، حتى يحتوي الموقف ليس إلا؟ ستحدد الإجابة عن هذه التساؤلات مآل التغييرات الأخيرة في إدارة شئون البلاد.

فرجال الحرس القديم كانت لديهم خلافات مع السيسي في العديد من الملفات، كالتفريط في جزيرتي تيران وصنافير، على سبيل المثال، فهل سنشهد تغييراً في الموقف المصري من هذا التنازل؟ وهل سنرى الفريق سامي عنان يعود مرة أخرى للعمل السياسي؟ أم سيظل تحت الإقامة الجبرية كجزء من صفقة الإفراج عنه كما فعل مع الفريق أحمد شفيق؟ وهل نري بعض الانفتاح السياسي كما كانت الأجندة التي يدعو لها الفريق سامي عنان في حملته الانتخابية؟ وهل سيستغل السيسي الانتخابات القادمة لمجلس النواب في الدفع ببعض الانفتاح السياسي، ولو شكلياً، أم ستظل حالة الانغلاق السياسي التام قائمة؟

وهل سنرى معاملة مختلفة للنظام المصري في مواجهة التمرد المسلح الذي تشهده محافظة شمال سيناء؟ وهل سيتم الإفراج عن بعض الضباط المعتقلين خلال الفترة القادمة، أمثال العقيد أحمد قنصوه وغيره؟، والذي يطالب البعض داخل المؤسسة العسكرية بالإفراج عنهم؟ وماذا عن بعض الشخصيات البارزة الأخرى الداعمة لعنان، أمثال المستشار هشام جنينه و د. حازم حسني وغيرهما؟ وهل سيحاول السيسي القيام ببعض الخطوات التجميلية، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين على غرار الــ 135 معتقلاً الذي تم الإفراج عنهم مؤخراً، وإتاحة مجال العمل السياسي الجزئي للقوى السياسية التي تحت السيطرة؟ الشهور القادمة ستوضح أمورا كثيرة، يمكن في إطارها التنبؤ بمسار الأحداث في الفترة القادمة.

خلاصة:

لا يبدو أن هناك أُفقاً حقيقياً لما كانت تعول عليه المعارضة وقطاع عريض من الشعب لأن ينحاز قطاع من منظومة الحكم ضد السيسي بما يُحدث تغييراً ولو مرحلياً يحدث بعض الانفراج، كما أن مقومات كلاً من الفعل الثوري، أو الفعل السياسي المعارض تحت سقف النظام غير موجودة، مما يستوجب خيالاً سياسياً واسعاً للتعامل في ظل الحالة القمعية.

وتجدر الإشارة الي أنه على الرغم من حالة الانغلاق التام حالياً أمام مسار الإصلاح والتغيير في مصر، فإنه يستحيل تصور استمرار الوضع الحالي لفترات طويلة، فحالة الاحتقان الشعبي في تصاعد، والوضع الإقليمي ينذر بالانفجار، مما يستوجب مع السعي والإعداد للتغيير، وضع تصورات جادة وعميقة لطبيعة التغيير المنشود والمسار الذي يجب سلوكه للخروج بمصر من أزماتها ووضعها على مسار الدول الناهضة مرة أخرى.


[1] عنان وحركة ديسمبر: الأسباب والتداعيات، المعهد المصري للدراسات، محمود جمال، الرابط

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close