تقارير

الوساطة المؤسساتية التجارب العربية والإفريقية

تمهيد

أصبح موضوع الوساطة يستأثر باهتمام العديد من الباحثين والمهتمين بالعالم الغربي والعربي، إذ توجهت مجموعة من بلدان الوطن العربي والافريقي إلى تبني نظام الأمبودسمان ذو السبق الإجرائي بالدول الغربية، والتركيز عليه لما أثبته من نجاح في عدة مجالات لاسيما تلك التي تهم منظومة حماية حقوق الإنسان.

وسيرا على هذا النهج، غذت بعض البلدان العربية والافريقية تحدو حدو الدول المتقدمة في العمل بهذه التجارب، والتي عملت على تكييفها وفق ما يخدم خصوصياتها المحلية من حيث طبيعة البنية المؤسساتية والوظيفية، وتبني وسائل مماثلة تتلاءم مع واقعها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقانوني، وما يتناغم مع المؤهلات المتاحة لدى كل مؤسسة وساطية عربية دون أي وجود للاقتباس الآلي أو الحرفي في ذلك.

وتأسيسا عليه، فقد استلهم المغرب -الدولة العربية والافريقية- كذلك من مختلف التجارب الرائدة في المجال الوساطي لمواصلة التحولات التي عرفتها الساحة الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومواكبة جهوده لتعزيز الإطار القانوني والمؤسساتي للمنظومة الحقوقية، والذي انطلق منذ تسعينيات القرن الماضي في ظل التحولات التي عرفتها الدولة المغربية آنذاك، من أجل تسريع وتيرة الإصلاحات والقيام بتعديلات دستورية تمخض عنها سن قوانين جديدة ودسترة مؤسسات وطنية، استجابة للمعايير الدولية لحماية حقوق الأفراد والجماعات وصيانة حرياتهم.

وعلى هذا الأساس، يمكننا أن نطرح الإشكالية التالية: إلى أي حد يمكن التسليم بوجود وساطة مؤسساتية بالبلدان العربية والافريقية؟ وأين تكمن أهمية النظام الوساطة بها؟

وللإجابة عن هذه الاشكالية، سنحاول مناقشة بعض تجارب الوساطة ببعض الدول العربية والإفريقية-جنوب الصحراء؛ ونقصد القول: تجربة مصالح الموفق الإداري بتونس والتي تسعى إلى تبني إصلاح شمولي للمنظومة الإدارية والوساطية في فترة سابقة ولاحقة ما بعد ثورات الربيع العربي (المحور الأول)، ونتطرق إلى تجربة ديوان المظالم بالمملكة الأردنية (المحور الثاني) على أن نناقش النموذج الإفريقي لكونه ما فتئ يلعب أدوارا طلائعية في المجال الوساطي بغية تطوير منظومة حقوق الإنسان وتحديث الأداء الإداري داخل إداراتها. وقد وقع اختيارنا على تجربة وسيط الجمهورية بالسنغال (المحور الثالث) لكونها تتقاسم هم تحقيق الضمانات اللازمة لحماية المصالح والحقوق الفردية والجماعية للمواطن عامة والمرتفق على وجه التحديد.

المحور الأول: التجربة التونسية: مصالح الموفق الإداري

أبانت التحولات السياسية التي عرفتها تونس في مرحلة ما بعد الربيع العربي عن أهمية النهوض بحقوق مواطنيها وحمايتها؛ وما يقتضي ذلك من ترسيخ حقيقي لمستلزمات العدل والإنصاف عبر إعادة النظر في مؤسساتها وخدماتها اتجاه المواطن، مما استدعى معه تقدير أدوار مصالح الموفق الإداري كهيئة حقوقية ومستقلة عن أي سلطة عمومية والتي تم إلحاقها برئيس الجمهورية، من خلال تمكينها من السلطة التقديرية في مباشرة اختصاصاتها سواء على المستوى الوطني أو الجهوي لتعميم خدمات مؤسسة الموفق الإداري على جميع ولايات الجمهورية وتيسير انخراط الأجهزة الإدارية، ومسايرة متطلبات المتغيرات الدولية والوطنية خصوصا في فترة ما بعد الثورة وما أحدثتها من قلب للموازين، من أجل امتصاص حجم الاحتقان لدى المواطن وطمأنته والمساهمة في تجويد الأداء الإداري لتحسين المردودية والاستجابة لمتطلبات العمل التنموي والحقوقي.

ورغم أن مؤسسة الموفق الإداري لم يتم الارتقاء بها إلى مرتبة الدسترة (أولا) لافتقارها إلى آليات اجرائية وعملية، والوسائل الضغطية المستقلة التي من شأنها أن تمارسها على مختلف الأجهزة الإدارية بتونس، أو تؤهلها كقوة اقتراحية للدفاع عن حقوق الإنسان وصيانة كرامة المواطن، إلا أنها تسعى إلى الإسهام في تطوير المنظومة الوساطية المؤسساتية بكل أبعادها ومواكبة شروط الحداثة وترسيخ مقومات الحكامة الرشيدة استنادا إلى ما تم التنصيص عليه في القوانين المنظمة له (ثانيا).

أولا: التوفيق أو الموفق الإداري

تعد مؤسسة التوفيق الإداري بتونس مؤسسة غير قضائية، تسعى إلى التدخل كطرف ثالث في حل النزاع بعيدا عن تعقيدات الطرق المسطرية وطول آجالها من جهة، والعمل على تقييم الأداء الخدماتي للمرافق العمومية، لمواكبة العمل الإداري والإطار التشريعي وبالتالي رصد الفعل السلوكي الإداري.

ويجد هذا التقييم مرجعيته الأساسية في الرصيد الكمي والنوعي للشكايات والتظلمات المحالة على المؤسسة من قبل المواطنين، والهادفة إلى إرساء العلاقة الثلاثية الأطراف وتقريب وجهات نظرهم عبر تكريس سيادة القانون وحماية الحقوق الفردية والجماعية وصيانة كرامتها من أي تعسف أو جور، للإسهام في تسوية النزاعات القائمة وتغيير الصورة النمطية المتجسدة في تمثلات المرتفق في مواجهة السلوكات الإدارية اللامشروعة، للانفتاح عن المحيط الداخلي والخارجي في إطار يطبعه التأثير والتأثر، نحو إصلاح شمولي يسعى إلى التواصل البناء بين الإدارة والمواطن، والوصول إلى أفضل النتائج التوفيقية، على اعتبار أن مؤسسة التوفيق أو الموفق، هي في حد ذاتها جهاز أساسي للرصد والتنقيب والمراقبة عن مختلف التجاوزات المحتمل وقوعها.

وحيث أن توطئة الدستور التونسي1 أقرت صراحة بضمان الدولة لسمو القانون واحترام الحريات وحقوق الإنسان، وأيضا استقلالية القضاء والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين والمواطنات، وبتمسك الشعب بالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية2 ، فقد بادر الموفق الإداري إلى تبني هذا النهج الحقوقي الديمقراطي الحداثي الذي ما لبثت الجمهورية التونسية أن تسير على خطاه، متجاوزة بذلك تأثيرات الثورة وما أحدثته من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية، كلبنة أساسية في تحقيق التنمية السوسيو-اقتصادية الشاملة، والتي ستساهم في تعزيز المناخ العلائقي النمطي المجتمعي السائد بعد الثورة، تحت نطاق سيادة القانون وتعزيز مبادئ الإنصاف والعدل وإعادة الاعتبار للمواطن.

ثانيا: القانون المحدث لمؤسسة الموفق الإداري

تمت تسمية هذه المؤسسة باسم “الموفق الإداري” وفق الأمر عدد 2143 لسنة 1992 المؤرخ في 02 ديسمبر 19923 ، الذي عمل على تنظيم كل المصالح المتعلقة بآليات اشتغاله فيما يخدم علاقة الإدارة بالمواطن على المستوى المركزي الجهوي4 ، لإيجاد الحلول للنزاعات القائمة بينهما.

هذا، وتسعى مصالح الموفق الإداري بالأساس إلى تحقيق الوساطة بين الإدارة والمواطنين وخلق المصالحة بينهما، بحيث أكدت مقتضيات فصول هذا القانون على أن المشرع التونسي لم يعمل على إعطاء تعريف للمؤسسة، بل اكتفى بالإشارة إلى طبيعتها القانونية ووضعيتها المالية، ومن تم إطلاق اسم “مصالح الموفق الإداري” والتي يوجد مقرها بتونس العاصمة5 ، لتصبح بعد ذلك مؤسسة عمومية ذات صبغة إدارية، تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي، بحيث تعمل باستقلالية تامة ولا تتلقى توجيهات من أية سلطة عمومية أثناء الممارسة العملية لاختصاصاتها، وذلك من أجل تيسير مهامها ومنحها صلاحيات واسعة لفائدة المواطنين في مواجهة الإدارة والمؤسسات العمومية وكل الهياكل المكلفة بمهمة تسيير مرفق عمومي، لذلك تم تكليفها مهمة النظر في الشكاوى الفردية الصادرة عن الأشخاص الماديين التي لها علاقة مباشرة بمصلحته الشخصية، والتي ترجع بالنظر لمصالح الدولة والجمعيات العمومية المحلية، والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية، والمنشآت العمومية وغيرها من الهياكل المكلفة بمهمة تسيير مرفق عمومي6 .

إن مؤسسة الموفق الإداري لا تملك سلطة القرار وليس لها أن تأمر الإدارة، وإنما يقتصر دورها بالقيام بالمساعي لتجاوز الإشكال ومحاولة إقناع الإدارة بالتنفيذ7 ، كما يتدخل الموفق الإداري في كل ما خوله له القانون من إبداء الرأي حول الآثار المترتبة عن تطبيق النصوص القانونية، مقترحا إعادة النظر فيها، إذا تبين أن تلك الآثار لا تتماشى مع متطلبات الإنصاف بما يلحق حيفا على مستوى التطبيق في بعض الحالات، وملتزما بمبدأ الحياد بين طرفي النزاع دون إغفال الجانب الإنساني لمساعيه.

علاوة على ذلك، فهو يستثني النزاعات التي تنشأ بين الخواص، والنزاعات المتعلقة بالحياة المهنية التي تطرأ بين الهياكل الإدارية العمومية وأعوانها، كما أن هذا الاستثناء يعتبر ملغيا عند انقطاعهم عن الوظيفة أو حال عدم تنفيذ حكم قضائي صادر لفائدتهم وكذلك القضايا المنشورة أمام المحاكم، التي لا يجوز للموفق الإداري أن يتدخل فيها ولا أن يعيد النظر في الأحكام الصادرة في شأنها.

وتكريسا لاستقلالية السلطات المكونة للدولة، فإنه يحظر وجوبا على الموفق الإداري التدخل في القضايا المعروضة على القضاء، أو النظر في قضية سبق للقضاء الحسم فيها، مع أحقية المؤسسة في رفع توصياته في حالة امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي في مواجهة الإدارة، وكذا فيما يتعلق بالاقتراحات في شأن التظلمات موضوع التعسفات الإدارية8 ، ورفعها بذلك إلى رئيس الجمهورية لتحسين أداء الإدارة.

المحور الثاني: تجربة ديوان المظالم بالأردن

يعتبر ديوان المظالم بالمملكة الأردنية الهاشمية، إحدى تجليات منظومة النزاهة والشفافية المقرونين بمبادئ العدل والإنصاف في سير عمل الإدارة العمومية الأردنية، إذ تعتبر مؤسسة وطنية مستقلة تهدف إلى صيانة وحماية حقوق المرتفقين، وفي أحقية استفادتهم من كل الحقوق وفق ما تقتضيه مبادئ المساواة والإنصاف والتكافؤ.

وقد أنشئ الديوان ليباشر عمله الفعلي في مطلع فبراير 2009 كآلية بديلة لحل النزاعات القائمة بين الإدارة العمومية والمرتفق، والتي تندرج في تقصير الإدارة في تقديم خدماتها للمواطن أو إحساسه بالتعسف أو التمييز في حقوقه المكفولة له دستوريا، وهذا ما سنناقشه من خلال إبراز السياق العام لإحداث ديوان المظالم الأردني (أولا) على أن ندرس بعدها تجربة الديوان في مجال النهوض بالمجال الوساطي (ثانيا).

أولا: ديوان المظالم الأردني: السياق العام

يتجلى التكريس القانوني لديوان المظالم الأردني بمقتضى “القانون رقم 11 الصادر سنة 2008”9 بموجب المادة الواحدة بعد الثلاثين والسادسة والسابعة عشر10 من الدستور11 بحيث تكفل الدولة بموجب المادة -السادسة – في شقها الثاني، الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين، وكذا في المادة السابعة عشر على أن للأردنيين الحق في مخاطبة السلطات العامة، فيما ينوبهم من أمور شخصية أو فيما له صلة بالشؤون العامة بالكيفية والشروط التي يعينها القانون.

وقد كرس الديوان مجهوداته في إنجاح المهام المسندة إليه، بالتوظيف الأمثل لمجموعة من الخاصيات المتمثلة بالأساس في السعي وراء ايجاد حلول بديلة وودية وحيادية بين طرفي النزاع، مع ضرورة اتباع المشتكي لكل الإجراءات المتبعة الشكلية منها والموضوعية.

وبذلك تكون مؤسسة ديوان المظالم بالأردن مؤسسة وطنية مستقلة؛ تهدف إلى حماية حقوق المتعاملين مع الإدارة العامة، وتضمن لهم تحقيق المساواة والإنصاف، تنظر في الشكاوى المرفوعة لها على الإدارة العامة، وتتدخل بحيادية بين الجهة الشاكية والمشكو منها، بعد التحقق باستخدام الطرق التي تراها مناسبة12 .

ثانيا: تجربة ديوان المظالم الأردني في مجال الوساطة المؤسساتية

لقد تبنت المملكة الأردنية الهاشمية مؤسسة ديوان المظالم، وتم تكليفها بمجموعة من المهام ذات الطابع الإداري والحقوقي، كمرجعية للبت في التظلمات المتعلقة بالممارسات والقرارات الصادرة عن الأجهزة الإدارية، وكذا الأفعال الناجمة عن تجاوزات موظفيها، ولأجل هذه الاعتبارات عمل الديوان على تقديم التوصيات والاقتراحات التي من شأنها تيسير الولوج إلى الخدمات العمومية، والعمل على تبسيط التعقيدات المسطرية الإدارية ترسيخا لمبدأ الفاعلية والنزاهة والشفافية، وفق ما تتطلبه المقتضيات الشرعية وتحقيق العدل والإنصاف وصيانة الحقوق والحريات.

وبذلك هناك نوعان من المهام والإختصاصات يمكن لديوان المظالم القيام بها؛ وتهم مهام متعلقة بالديوان نفسه كمؤسسة ومهام متعلقة بالرئيس كأعلى سلطة داخل الديوان، والتي تتجلى فيما يلي:

أ- النظر في الشكاوى المتعلقة بالقرارات أو الإجراءات أو الممارسات أو أفعال الامتناع عن أي منها الصادرة عن الإدارة العامة أو موظفيها، ولا تقبل أي شكوى ضد الإدارة العامة إذا كان مجال الطعن بها قائماً قانونا أمام أي جهة ادارية أو قضائية أو اذا كان موضوعها معروضا أمام أية جهة قضائية، أو تم صدور حكم قضائي فيها؛

ب- التوصية بتبسيط الإجراءات الإدارية، لغايات تمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الإدارة العامة بفاعلية ويسر، وذلك من خلال ما يقدم إليه من شكاوى بهذا الخصوص13 .

أما المهام المتعلقة بالرئيس، فمن جهة تعمل على الإشراف الإداري والمالي للديوان وتحديد المهام والصلاحيات المنوطة بالموظفين، وكذا متابعة تنفيذ الإجراءات الصادرة عن الديوان وتمثيل المؤسسة لدى الغير، مع إعداد مشروع الميزانية السنوية للديوان وتقديمها إلى مجلس الوزراء لإقرارها واعتمادها وإدراجها ضمن الموازنة العامة للدولة، كما أن لرئيس الديوان الحق في إعداد التقارير السنوية المتعلقة بالديوان، والإطلاع على جميع الوثائق والأوراق لدى الإدارة العامة، واللازمة لقيام الديوان بمهامه بموجب أحكام هذا القانون14 .

وقد أقر قانون ديوان المظالم للرئيس، بأحقية تفويض وتفويت الصلاحيات المنوطة به إلى أحد مساعديه، ولأي موظف من موظفي الديوان يكون فيه التفويض كتابيا ومحددا، ما عدا الصلاحيات المتعلقة بتقديم التقارير السنوية والخاصة، والتي تبقى من اختصاص رئيس الديوان.

المحور الثالث: وسيط جمهورية السنغال

ساهمت العلاقات الدبلوماسية منذ زمن ليس ببعيد بين المغرب وجمهورية السنغال في إعطاء دينامية جديدة بين البلدين، أفرزت عن التضامن والتعاون المثمر بالقارة الإفريقية، والارتقاء بهذه العلاقات إلى مستويات أخرى.

وعليه، فقد عملت جمهورية السنغال على تقوية وتطوير حياتها السياسية منذ حصولها على الاستقلال منذ سنة 1960، من خلال إنشاء مؤسسات ديمقراطية سيجعل السنغال دولة يحتذى بها عالميا وإفريقيا، إذ حققت قفزة مهمة وعملية شملت جملة من الإصلاحات شملت مختلف مؤسسات الدولة، وبذلك أضحت ديمقراطية واعية وناضجة في ظل بناء دولة القانون وتعزيز الديمقراطية التشاركية وترسيخ مبدأ القرب من المواطن وجعله محور اهتمامها، من خلال مناقشة القانون المنظم لوسيط الجمهورية (أولا) على أن نبرز أهم المهام المسندة إليه (ثانيا).

أولا: قراءة في القانون المنظم لوسيط الجمهورية بالسنغال

يعتبر وسيط جمهورية السنغال هيئة وطنية مستقلة أنشئت بموجب “القانون رقم 99-04” ابتداء من 29 يناير 1999 الذي سيلغي ويحل محله “القانون رقم 14-91 بتاريخ 11 فبراير 1991”15 ويتولى مهمة السهر على تحسين العلاقات بين الإدارة والمواطنين، عبر تلقي الشكايات والتظلمات -في اطار المقتضيات المسموح بها قانونيا- والمرتبطة بعمل أجهزة الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات العمومية، وكل الهيئات التي تتمتع بصلاحيات السلطة العمومية16 .

كما أصبح من شأن وسيط الجمهورية والذي يتلقى مجموعة من التظلمات المرفوعة من الأفراد، الحق في التدخل بصفة وقائية ومن تلقاء نفسه الاضطلاع بدور وساطي بين الإدارة والمواطنين اذا ما كان يمس بحقوقهم أو مصالحهم17 .

وبموجب القانون المنظم لوسيط الجمهورية خصوصا المادتين السادسة عشر18 والرابعة عشر، فعلى كل الوزراء وجميع السلطات العمومية أن تعمل على تسهيل مهمة وسيط الجمهورية والاستجابة للاستدعاءات والأسئلة الموجهة من قبله19 .

ثانيا: وسيط جمهورية السنغال: المهام المسندة

تتجلى أبرز المهام المسندة إلى وسيط الجمهورية بالسنغال، في كونها هيئة مستقلة تتلقى في إطار القانوني المخصص لها، الشكايات المتعلقة بسير إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية وكل هيئة تتمتع بصلاحيات السلطة العمومية (المادة الأولى).

كما يضطلع وسيط الجمهورية بمهمة عامة، تتجلى في الإسهام في تحسين المحيط المؤسساتي والاقتصادي للمقاولات، ولاسيما في إطار علاقتها مع الإدارات العمومية التي تتمتع بصلاحية السلطة العمومية (المادة الثانية)، كما بإمكانه إصدار توصيات تحث المصالح العمومية على اعتماد جوهر القوانين عند تطبيق مقتضياتها، والعمل بمبدأ الإنصاف في نزاعاتها مع المواطنين بما يتلاءم واحترام التشريعات والقرارات التنظيمية الجاري بها العمل، علاوة على ذلك، فإنه لا يساهم في تحديث المصالح العمومية عن طريق اقتراحاته الهادفة الى تبسيط المساطر أو الرامية إلى إصلاح الإدارة (المادة الرابعة) فحسب، بل وبإمكانه أن يقترح على الإدارة المعنية إدخال التعديلات الضرورية التي يراها مناسبة اذا ما تبينت ضرورة ذلك20 وتقديم حصيلة لمختلف أنشطته الذي يتم نشره وتعميمه 21.

خاتمة:

لا زالت تجارب بعض الدول العربية-الإفريقية (تونس، الأردن، السنغال) تستلهم من نظام الأمبودسمان الذي عرفته العديد من الدول الغربية، والتي لقت نجاحا كبيرا ساهم في اعادة الإعتبار للمواطن/المرتفق، واسترجاع حقوقه وحل نزاعاته التي تكون بعض أجهزة الدولة طرفا فيها لحل النزاع بطريقة توفيقية وودية.

وعلى الرغم من ذلك فتجربة بعض الدول العربية في مجال الوساطة لازال ضعيفا ولا يرقى بعد إلى مستوى تطلعات المواطن في مواجهة تعسفات الإدارة، فيما عرفت بعض البلدان العربية الأخرى مستوى متقدما من الوساطة تأتي في مقدمتها الدولة المغربية من خلال “مؤسسة وسيط المملكة”، والتي أبرزت دور العدالة الحقوقية للمرتفق وصيانة حقوقه من أي تجاوز اداري كآلية توفيقية بديلة لحل النزاع القائم بين الادارة والمواطن، ولذلك فدسترة مؤسسة الوسيط واسنادها اختصاصات منفردة ومستقلة بخصوصياتها، وادراجها ضمن المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان ما بعد دستور 2011، كانت أحد العوامل المميزة لتجربة المغرب في مجال الوساطة المؤسساتية، ولذلك ففكرة إحداث تحالف عربي وعقد شراكات تعاون مع الدول الغربية، أضحت ضرورة لا مناص منها من أجل رفع تحدي الإصلاح والتغيير في المنظومة الوساطية (22 ).

——————-

الهامش

1 Brésillon Thierry, Tunisie: la difficile constitution d’une Constitution, Alternatives Internationales, 2013/9, Nr.60.

2 حسن طارق: “في الدستورانية العربية الجديدة: أسئلة الهوية، المواطنة، مدنية الدولة ونظام الحكم”، مقال منشور بمنشورات حوارات-مجلة الدراسات السياسية والإجتماعية،”النخب المغاربية وأسئلة الإصلاح” سلسلة: ندوات ومنتديات، عدد مزدوج 4-3، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، 2015، ص: 30.

3 قانون عدد 51 لسنة 1993 مؤرخ في 3 مـاي 1993 يتعلق بمصالح الموفـق الإداري

-قانون عدد 16 لسنة 2000 مؤرخ في 7 فيفري 2000 يتعلـق بإتمام القانون 51 لسنة 1993 المؤرخ في 3 ماي 1993

-قانون عدد 21 لسنة 2002 مؤرخ في 14 فيفري 2002 يتعلق بإتمام القانون عدد 51 لسنة 1993 المؤرخ في 3 ماي 1993 والمتعلق بمصالح الموفق الإداري.

-أمر عدد 1126 لسنة 1996 مؤرخ في 15 جوان 1996 يتعلق بمشمولات الموفق الإداري وطرق عمله وبضبط التنظيم الإداري والمالي لمصالح الموفـق الإداري.

-أمر عدد 1166 لسنة 1997 مؤرخ في 9 جوان 1997 يتعلـق بتنقيح الأمر عدد 2143 لسنة 1992 المؤرخ في 10 ديسمبر 1992 المتعلق بإحداث خطة الموفق الإداري

-قرار جمهوري عدد 29 لسنة 2012 مؤرخ في 6 مارس 2012 يتعلق بتسمية الموفق الإداري

4 أنظر أمر عدد 884 لسنة 2000 مؤرخ في 27 أفريل 2000 المتعلق بضبط مشمولات الممثل الجهوي للموفق الإداري وطرق عمله والتنظيم الإداري والمالي للمصالح الجهوية للتوفيق.

-أنظر كذلك: أمر عدد 3221 لسنة 2005 مؤرخ في 12 ديسمبر 2005 يتعلق بضبط الاختصاص الترابي للممثلين الجهويين للموفق الإداري.

5 للموفق الإداري كذلك ممثلين جهويين، يتم تعينهم وتحديد اختصاصاتهم بمقتضى أمر عدد 16 لسنة 2000 المؤرخ في 7 فبراير 2000.

6 مجهود شخصي يعتمد على تجميع المعلومات انطلاقا من الموقع الرسمي لمؤسسة الموفق الإداري: www.mediateur.tn

7 عفاف زروق: “دور الموفق الإداري في تنفيذ قرارات المحكمة الإدارية”، مذكرة للحصول على شهادة الدراسات المعمقة في القانون العام والمالي، كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية-تونس، السنة: 2009-2008، ص: 57.

8 وفي معرض حوارنا مع أحد المسؤولين بمقر مؤسسة الموفق الإداري بتونس، فقد تقدم بالإدلاء بمجموعة من المقترحات والأفكار والآراء تكمن بالأساس في ضرورة خلق المعهد العالي للموفق الإداري، دسترة الموفق والارتقاء بها الى مؤسسة دستورية كما هو الشأن بمؤسسة وسيط المملكة المغربية، ونشر التقارير السنوية في البريد الإلكتروني والذي تم إحداثه مؤخرا في سنة 2014، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أنه قد تم نسج علاقات تعاون وشراكة بين كل من مصالح الموفق الإداري وديوان المظالم سنة 2008 من خلال جمعية الوسطاء الفرانكفونيين التي يوجد مقرها بمؤسسة الوسيط بالرباط، وإحداث مركز التكوين وتبادل الخبرات بينهما.

9 قانون ديوان المظالم بالمملكة الأردنية الهاشمية الصادر بالجريدة الرسمية عدد 4900 بتاريخ 16 أبريل، سنة 2008.

10 الفصل الثاني من الدستور الأردني والمتعلق بحقوق الأردنيين وواجباتهم (المواد: 5-6-7-89-10-11-12-13-14-15-16-17-18-19-20-21-22-23).

11 المادة 31 من دستور المملكة الاردنية الهاشمية المعلن عنه بتاريخ 8 يناير 1952، والتي تنص على أنه:

“الملك يصدق على القوانين ويصدرها ويأمر بوضع الأنظمة اللازمة لتنفيذها بشرط أن لا تتضمن ما يخالف أحكامها”.

12 أنظر الموقع الرسمي لديوان المظالم للمملكة الأردنية الهاشمية: www.ombudsman.org.jo

13 المادة 12 من قانون ديوان المظالم الأردني، والتي تنص على أنه:

” يتولى الديوان المهام والصلاحيات التالية:

أ- النظر في الشكاوى المتعلقة بأي من القرارات أو الإجراءات أو الممارسات أو أفعال الامتناع عن أي منها الصادرة عن الإدارة العامة أو موظفيها ولا تقبل أي شكوى ضد الإدارة العامة إذا كان مجال الطعن بها قائماً قانونا امام أي جهة إدارية أو قضائية أو إذا كان موضوعها منظورا أمام أي جهة قضائية أو تم صدور حكم قضائي فيها.

ب- التوصية بتبسيط الإجراءات الإدارية لغايات تمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها الإدارة العامة بفاعلية ويسر وذلك من خلال ما يقدم إليه من شكاوى بهذا الخصوص”.

14 المادة 13 من قانون ديوان المظالم، والتي تنص على أنه:

” ‌أ- يتولى الرئيس المهام والصلاحيات التالية:

1. الإشراف الإداري والمالي على الديوان والموظفين فيه وتحديد المهام والصلاحيات المنوطة بكل منهم.

2. متابعة تنفيذ الإجراءات الصادرة عن الديوان.

3. تمثيل الديوان لدى الغير.

4. إعداد مشروع الموازنة السنوية للديوان وتقديمها الى مجلس الوزراء لإقرارها واعتمادها وإدراجها ضمن الموازنة العامة للدولة.

5. إعداد التقارير السنوية.

6. الاطلاع على جميع الوثائق والأوراق لدى الإدارة العامة واللازمة لقيام الديوان بمهامه بموجب أحكام هذا القانون.

‌ب- يحق للرئيس تفويض أي من صلاحياته لأي من مساعديه أو أي من موظفي الديوان على أن يكون التفويض خطيا ومحدداً باستثناء صلاحياته المتعلقة بتقديم تقارير الديوان السنوية أو الخاصة”.

15 La Loi N° 99-04 Du 29 Janvier 1999 Abrogeant et Remplaçant La Loi 91-14 Du 11 Février 1991 Instituant Un Médiateur De La République; voir aussi L’article 20: «Sont abrogées, toutes dispositions contraires à la présente loi, notamment la loi n° 91-14 du 11 Février 1991».

16 Extrait du Gouvernement du Sénégal : «Le Médiateur de la République-Services aux usagers » Date de mise en ligne: mercredi 26 août 2015 (http://www.primature.sn/-Le-Mediateur-de-la-Republique-.html); Date de parution: 28 mars 2016 ; le texte traduit: «Le Médiateur de la République reçoit, dans les conditions fixées par la loi, les réclamations concernant le fonctionnement des administrations de l’Etat, des collectivités locales, des établissements publics et de tout autre organisme investi d’une mission de service public»; p : 2.

17 الأمم المتحدة: “الصكوك الدولية لحقوق الإنسان” وثيقة أساسية تشكل جزءا من تقارير الدول الأطراف، “السينغال”، 15 فبراير 2011، ص: 15.

18 Art. 16 : “Les ministres et toutes les autorités publiques doivent faciliter la tâche du Médiateur de la République ” .

19 M.Mamadou Chérif THIAM : «Méthodologie d’enquête et communication en médiation institutionnelle; La procédure d’instruction des requêtes»; Formation Des Collaborateurs Des Médiateurs De L’AMP–UEMOA; Abidjan 22–24 octobre; 2014; le texte traduit: «Au Sénégal, en vertu des articles 6 et 14 de la loi susvisée, les ministres et toutes les autorités publiques sont tenues de faciliter la tâche du Médiateur de la République et à répondre aux convocations et aux questions du Médiateur de la République, l’unique autorité qui peut solliciter de l’Inspection Générale d’Etat, la conduite d’études, d’enquêtes ou vérification pour son compte»; P : 7.

20 دودو ندير: وسيط جمهورية السينغال “الحوار بين الإدارة والمواطن”، مجلة ديوان المظالم عدد 3 دجنبر 2005، ص: 19.

21 Art. 18 – Le Médiateur de la République présente au Président de la République un rapport annuel dans lequel il établit le bilan de son activité.

22 الآراء الواردة تعبر عن كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المعهد المصري للدراسات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى