تحليلات

اليمن ـ إزاحة آخر رجال الجمهورية: خروج نهائي.. أم خروج وعودة؟

مدخل:

ليلة ساخنة شهدتها العاصمة السُّعوديَّة الرِّياض، وساعات حاسمة مرَّت بها المشاورات اليمنيَّة التي أريد لها أن تكون غطاءً إعلاميّاً لتمرير مخطِّط جرى الحديث عنه في وقتٍ مبكِّر، مِن خلال تسريبات ترشَّحت إلى وسائل الإعلام وتحدَّثت عن نوايا “التَّحالف العربي”، بقيادة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، للإطاحة بنائب الرَّئيس، الفريق الرُّكن علي محسن الأحمر. وبالفعل انتهت مشاورات الرِّياض، الَّتي دعا إليها مجلس التَّعاون لدول الخليج العربيَّة، في 17 مارس 2022، وشارك فيها قرابة (1.000) شخصيَّة يمنيَّة، مِن مختلف الأطياف والشَّرائح والكيانات، واستمرَّت مِن 29 مارس وحتَّى 7 أبريل 2022، بصدور قرار رئاسي يقضي بإعفاء الفريق الرُّكن مِن منصبه كنائب للرَّئيس. وبهذا أسدل السِّتار على الحضور السِّياسي لشخصيَّة علي محسن الأحمر، بعد مساع حثيثة مِن أطراف عدَّة لإزاحة الرَّجل عن منصبه.

وتشير المعلومات المسرَّبة مِن مقرِّ المشاورات بالرِّياض إلى وجود ضغوط شديدة، مورست على الرَّئيس اليمني، عبدربِّه منصور هادي، مِن قبل القيادة السُّعوديَّة، للقبول بمقترحات تتعلَّق بهيكليَّة الرِّئاسة اليمنيَّة، وآليَّة اتِّخاذ القرار السِّيادي فيها، وأنَّ هناك خيارات عدَّة طرحت على الرَّئيس هادي. وانتهى الأمر بصدور قرارين: قضى الأوَّل: بإعفاء نائب رئيس الجمهوريَّة، علي محسن الأحمر مِن منصبه، وقضى الثَّاني: بتشكيل مجلس قيادة رئاسي.

تحاول هذه الورقة معالجة أبعاد إعفاء الفريق الرُّكن علي محسن، ومِن هي الأطراف التي ضغطت باتِّجاه إعفائه؟ وما هي الدَّوافع والأسباب وراء ذلك؟ وما هو مآل مستقبل الرَّجل في ظلِّ التَّغيُّرات التي تضمَّنها القرار الثَّاني لهادي؟

تعيين هادي رئيساً:

في 11 فبراير 2011م، حدثت ثورة شبابيَّة ضدَّ نظام الرَّئيس علي عبدالله صالح، امتداداً لثورات شبابيَّة في تونس ومصر، تحوَّلت إلى ثورات شعبيَّة، تمكَّنت مِن إسقاط نظامي زين العابدي بن علي وحسني مبارك، خلال أيَّام معدودة. وكما هو الحال في تونس ومصر. ونتيجة قيام نظام صالح بمجزرة مروِّعة للثُّوار، فيما عُرِف بجمعة الكرامة، فقد تعاطف الشَّعب اليمني، والنُّخب والأحزاب والقوى اليمنيَّة مع الثَّورة، لتبدأ في الانحياز لها، ومباركتها، وتأييدها، والوقوف سنداً إلى جانبها.

تمسَّك صالح -ومَن معه- بالسُّلطة، وخاض مواجهات مع قوى الثَّورة، وأوشكت اليمن أن تدخُل في حرب أهليَّة، كان الجميع يحذِّر مِنها، وإن بدا مستعدّاً لها. وهنا بدأ النَّشاط الدُّولي -الغربي والإقليمي- يتصاعد، وينخرط في تفاصيل المشهد، سعيّاً في عدم خروج الأمور عن السَّيطرة.

وعلى غير المتوقَّع، تعرَّض صالح لمحاولة اغتيال عنيفة، يوم الجمعة، الثَّالث مِن يونيو 2011م، باستهداف مسجد المجمَّع الرِّئاسي بصنعاء، عبر قصف وقيل انفجار، ما تسبَّب في إصابته إصابات بالغة وخطيرة. فجرى نقله على إثر ذلك إلى عاصمة المملكة العربية السُّعودية (الرِّياض)، لتقديم العلاج له، وتولَّى نائب الرَّئيس، عبدربِّه منصور هادي، مهام وصلاحيَّات الرَّئيس، نظراً للحالة الصِّحِّيَّة للرَّئيس، وفقاً لما ينصُّ عليه الدُّستور.

كان الحادث مفاجئاً، وجاء في فترة حرجة جدّاً، دخلت فيها اليمن حالة مِن الصِّراع المسلَّح، دفع إليها نظام صالح، نتيجة تمسُّكه بالحكم، وعدم رغبته في الاستجابة لمطالب الثَّورة الشَّعبية التي نادت برحيله، وهو ما دعا السُّعودية لإصدار بيان تدعو فيه “كافَّة الأطراف” إلى “ضبط النَّفس، وتحكيم العقل، لتجنيب اليمن مخاطر الانزلاق إلى المزيد مِن العنف والاقتتال”.

وتسبَّب الحادث في إصابة أركان النِّظام، فقد أصيب فيه كلٌّ مِن رئيس الوزراء، علي مجور، ورئيس مجلس النُّوَّاب، يحيى الرَّاعي، ورئيس مجلس الشُّورى، عبدالعزيز عبدالغني، ونائب رئيس الوزراء للشُّئون الدَّاخلية، صادق أمين أبو راس، ونظيره لشئون الدِّفاع والأمن، رشاد العليمي.

صدر عقب الحادث بيان لثوَّار 11 فبراير دعوا فيه إلى تشكيل مجلس رئاسي انتقالي مِن كافَّة عناصر ومؤيِّدي الثَّورة، لإدارة شئون البلاد، وتبنِّي إعلان دستوري، وإعداد دستور جديد للبلاد، وتشكيل حكومة تكنوقراط تسيِّر أعمال الوزارات، ثمَّ تشكيل مجلس وطني يدير الحوار بين شركاء العمل السِّياسي. وأكَّد البيان على أنَّ الهدف الأساسي للثَّورة يتمثَّل في تأسيس دولة مدنية حديثة، تنهي كافة عيوب وأخطاء النِّظام السَّابق.

لم يشأ الغرب والإقليم، وهو يرى امتداد الثَّورات في المنطقة يتصاعد، أن يعطي الثُّوَّار نصراً منجزاً، وأن يخرج نظام جديد عن الهيمنة الغربيَّة والنَّسق الإقليمي السَّائر في فلك تلك الهيمنة. لذا تناقلت الأنباء خبر اجتماع عبدربِّه منصور هادي مع السَّفير الأمريكي، “جيرالد فايرستاين”، بدار الرِّئاسة بصنعاء، لبحث ترتيبات المرحلة التي تمرُّ بها اليمن؛ وقالت مصادر حكومية، لـ “بي بي سي”: إنَّ السَّفير الأمريكي بحث مع هادي ترتيبات مستقبلية متعلِّقة بنقل السُّلطة سلميّاً في البلاد، بناء على ما تمَّ بحثه مساء السَّبت بين الرَّئيس الأمريكي باراك أوباما وهادي”. وكان أوباما قد تحدَّث هاتفياً مع هادي للاطمئنان على صحَّة الرَّئيس “صالح”، وترتيب نقل الصَّلاحيات لهادي عقب مغادرة صالح إلى السُّعوديَّة لتلقِّي العلاج.

كما تلقَّى هادي الذي تولَّى صلاحيات الرَّئيس -بعد سفره- اتِّصالاً هاتفيّاً مِن مستشار الرَّئيس الأمريكي لشئون مكافحة الإرهاب، “جون برينان”، ورفض المتحدِّث باسم البيت الأبيض تومي فيتور الإدلاء بأيَّة تفاصيل حول المكالمة. لكن الأنباء أشارت إلى أنَّ برينان سبق أن زار السُّعودية والإمارات العربية المتحدة، في الأسبوع السَّابق للاتِّصال، لينقل قلق الرَّئيس الأمريكي، “باراك أوباما”، مِن تدهور الوضع الأمني في اليمن، الذي استخدم كقاعدة لنشاطات “تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية”.[1]

قراءة هذه المجريات تشي بأنَّ اختيار هادي لقيادة اليمن لم يكن بإرادة مِن علي عبدالله صالح، والذي كان يتساءل عن الأيدي الأمينة التي يمكن أن تمسك اليمن بعده، في إشارة مِنه لعدم وجودها! ولا بمرجعيَّة دستوريَّة، فبلداننا في حقيقتها لا تحكم بالدَّساتير الصُّوريَّة! ولا بتوافق وطني -كما قد يظنُّ البعض- بين القوى السِّياسية اليمنية المغلوبة على أمرها! بل كان خياراً أمريكيّاً بامتياز! ولمرحلة انتقالية يجري فيها “استعادة ضبط المصنع”! -كما وصف البعض.

إسقاط صنعاء وهروب اللِّواء:

كان هادي يعلم أنَّه ليس الشَّخصيَّة المجمع عليها، ولا المرغوبة عند أطراف عدَّة؛ وكان يعلم أنَّ قوَّته تأتي مِن الخارج لا مِن الانتخابات الصُّوريَّة التي دفعت إليها أحزاب المعارضة، حسبما جاء في “المبادرة الخليجية” التي مثَّلت خطَّة تفريغ لثَّورة 11 فبراير مِن مقاصدها وغاياتها. ولذلك، فقد سعى هادي مسنوداً مِن تلك القوى الخارجيَّة في إضعاف خصومه، خاصَّة مِنهم القوى المؤثِّرة التي تهدِّده وتهدِد النِّظام الدُّولي العالمي بتمرُّدها على أنظمته الوظيفيَّة.

وفيما رأت قوى الثَّورة والمعارضة غنائم الفوز تلوح، وأخذت تتسابق على اقتسامها، مطمئنَّة للقوى الدُّولية والإقليمية، كان التَّآمر دوليّاً وإقليمياً يتمُّ على قدم وساق للقضاء على الثَّورات الشَّعبية، واستعادة الأنظمة البائدة بصورة أشدَّ قتامة وبطشاً، كنوع مِن التَّأديب للشُّعوب على ثوراتها.

في عام 2013م، قاد ذلك التآمر لإسقاط النِّظام الجديد الذي أفرزته العملية الدِّيمقراطية في مصر عقب ثورة 25 يناير 2011م. وبدأ التَّوجُّه في سوريا ينحو نحو ضرب الثُّوَّار بعضهم ببعض، وتعزيز قوى الثَّورة المضادَّة وأدواتها. أمَّا في اليمن فقد بدأ الغرب ينسج خيوط تحالف عسكري وأمني بين جماعة الحوثي وصالح، في أروقة مدنٍ أوربيَّة، بهدف ضرب القوى الثَّورية والقوى الوطنية والإسلامية المؤيِّدة لها. وبدأ الزَّحف مِن محافظة صعدة باتِّجاه العاصمة صنعاء، في ظلِّ حياد مؤسَّسات الدَّولة التي كان يرأسها عبدربِّه منصور هادي.

في 21 سبتمبر 2014م، اقتحمت مليشيَّات جماعة الحوثي صنعاء، مسنودة بالقوَّات الموالية لعلي عبدالله صالح، وحياد القوى الموالية لعبدربِّه منصور هادي، مستهدفة “بيت الشَّيخ عبدالله بن حسين الأحمر”، ممثِّلا للقوى القبليَّة، و “مقرَّ الفرقة الأولى مدرَّع”، التَّابعة للواء علي محسن الأحمر، ممثِّلاً للقوى العسكريَّة، و”جامعة الإيمان”، ممثِّلاً للقوى الدِّينيَّة، و “مقرَّات التجمع اليمني للإصلاح”، ممثِّلا للقوى السِّياسية. كان الهجوم عنيفا وشرساً، مدفوعاً بالأحقاد والمطامع، وينذر بحرب أهلية دموية مفتوحة المآلات.

التزمت سفارات دول الخليج المعنيَّة بالشَّأن اليمني كرعاة لـ “المبادرة الخليجية” الصَّمت، كما التزمته سفارات الدُّول الغربية التي تعوَّدت إطلاق البيانات والتَّصريحات في مثل هذه الحالات، ما بدا أنَّه أمر دبِّر بليل، وأن الجميع احتفظ بموقع المراقب للأحداث خلال ساعات الاقتحام الذي لم يستغرق أكثر مِن نهار يوم واحد لإتمام ما أطلق عليه بعض السُّفراء في بلاغ لبعض القيادات الحزبية بأنَّها “عمليَّة قيصريَّة”[2]!

لقد كان واضحاً مِن بقاء المبعوث الأممي، جمال بن عمر، في ضيافة جماعة الحوثي وهي تقتحم صنعاء، وتقديمه “اتِّفاق السِّلم والشَّراكة” الذي وقَّعته الأطراف اليمنية تحت تهديد سلاح المليشيا، عقب سقوط صنعاء بأيديهم، بأنَّه إنجاز وطني توافقي، وعدم إدانته للجرائم التي ارتكبتها مليشيا جماعة الحوثي مِن صعدة وحتَّى اقتحام صنعاء[3]، بأنَّ إدارة الصِّراع كانت تتمُّ بتنسيق وتناغم كامل بين القوى الدُّولية ومنظَّمة الأمم المتحدة، لـ”تبييض الجريمة”[4].

في هذه الأثناء، بدا للِّواء علي محسن أنَّ الأمور أكبر ممَّا تحتمله قدراته وإمكاناته، وقدرات وإمكانات حلفائه، خاصَّة وأنَّ الدَّولة بأكملها تأخذ وضعيَّة الحياد المطلق، وأن المجتمع الإقليمي والدُّولي لا يبدي أي استنكار أو تنديد بعمليَّة اقتحام العاصمة اليمنية (صنعاء)؛ ومِن ثمَّ قرر الانسحاب والخروج مِن اليمن بشكل مؤقَّت[5]. وتوجَّه للمملكة العربية السُّعودية التي رحَّبت به على أراضيها.

مكانة “الأحمر”:

يجمع الفريق الرُّكن علي محسن (ولد عام 1945م، في قرية بيت الأحمر، بمديريَّة سنحان، التَّابعة لمحافظة صنعاء) بين القيادة العسكريَّة والمكانة القبليَّة؛ فهو ينتمي اجتماعيّاً إلى قبيلة حاشد، أبرز قبائل اليمن حضوراً في التَّاريخ الحديث والتَّاريخ المعاصر. وهو يتمتَّع بقدرة تأثير كبيرة على مشائخ ووجاهات المجتمع القبلي في الشَّمال، لما عُرِف عنه مِن انبساط وإكرام للوافدين إليه دون تمييز بين انتماءاتهم أو ولاءاتهم.

وعسكريّاً، التحق علي محسن بالجيش عام 1961م، وفي عام 1968م رقِّي مِن جندي إلى رتبة ملازم أوَّل، ثمَّ درس في الكلِّيَّة الحربيَّة عام 1971م، وحصل مِنها على شهادة بكالوريوس في العلوم العسكريَّة عام 1974م، ورقِّي على إثرها إلى رتبة نقيب. دخل معهد الثَّلايا في مدينة تعز، وحصل على شهادة قائد كتيبة، كما نال زمالة دكتوراه مِن أكاديميَّة ناصر العسكريَّة العليا، بجمهورية مصر العربية، عام 1986م، وفي عام 2007م رُقِّي بقرار جمهوري إلى رتبة لواء. كما تدرَّج في الوظائف والمسئوليَّات العسكريَّة، إذ شغل منصب قائد سريَّة مشاة في معسكر المغاوير، ثمَّ قائد سريَّة دبَّابات في اللِّواء الأوَّل مدرَّع، ثمَّ قائد كتيبة دبَّابات مستقلَّة في الكتيبة الرَّابعة، ثمَّ أركان حرب اللِّواء الأوَّل مدرَّع، وبعد إنشاء الفرقة الأوَّلى مدرَّع عمل أركان حرب للفرقة، وقائداً للِّواء الأوَّل فيها، ثمَّ عُيِّن قائداً للمنطقة العسكريَّة الشَّماليَّة الغربيَّة، وقائداً للفرقة الأوَّلى المدرعة، ومؤخَّراً نائب القائد الأعلى للقوَّات المسلَّحة.

شارك علي محسن كعضو في لجنة إعادة تنظيم ودمج القوَّات المسلَّحة التي كانت منقسمة بين دولتي جنوب اليمن وشماله، وعُيِّن نائباً لرئيس اللَّجنة العسكرية اليمنية- السُّعودية المشتركة لمعالجة الاختلالات العسكرية والأمنية بين البلدين، ولحلِّ قضايا الحدود. كما تميَّز بانضباطه العسكري، وتدرُّجه في المناصب العسكريَّة، وخبراته القتاليَّة والقياديَّة، فقد ساهم في معارك وطنيَّة عدّة، مِنها:

– معركة الدِّفاع عن الجمهورية في ستِّينيَّات القرن الماضي، أمام قوى الإمامة الزَّيديَّة،

– ومعركة الدِّفاع عن الهويَّة الدينيَّة في سبعينيَّات القرن الماضي، في مواجهة المدِّ اليساري، بالمناطق الوسطى،

– معركة إجهاض مخطَّطات الانقلابات العسكرية في ثمانينيَّات القرن الماضي، والتي تبنَّتها قوى يسارية وناصريَّة،

– معركة الدِّفاع عن الوحدة، في تسعينيَّات القرن الماضي، ضدَّ قوى الانفصال الاشتراكيَّة.

– معركة مواجهة تمرُّد الحوثيِّين ضدَّ الدَّولة، في محافظة صعدة شمالاً، في الفترة (2004م- 2010م)،

سياسيّاً، يعدُّ علي محسن أحد مؤسِّسي حزب “المؤتمر الشَّعبي العام”، وهو عضو في اللَّجنة الدَّائمة للمؤتمر، لثلاث دورات متتاليَّة مِن تاريخ تأسيسه عام 1980م. وكان شخصيَّة مقربة للرَّئيس علي عبدالله صالح، وأحد أركان حكمه الَّذي استمرَّ لأكثر مِن ثلاثين عاماً. فللرَّجل خبرة في الميدان السِّياسي، إذ كان جزءاً مِن دوائر صنع القرار خلال فترة حكم صالح لليمن؛ وخبرة في الميدان العسكري، باعتباره ابن المؤسَّسة العسكريَّة، تدرَّج في مناصبها، واشتغل بوظائفها، وقاد معاركها، ما يؤهِّله دون شكٍّ لأن يكون رجل المرحلة، سواء على صعيد الرِّئاسة أو الحكومة.

ويجمع علي محسن بين الاعتزاز بالقبيلة كبنية اجتماعيَّة للمجتمع اليمني، والتَّديُّن المحافظ كإطار ديني للشَّعب بكلِّ مذاهبه الفقهيَّة ومدارسه العقديَّة وتوجُّهاته السِّياسيَّة؛ لهذا فهو مقرَّب إلى التَّيَّارات الدِّينيَّة بصفة عامَّة، إلى درجة أنَّ النِّظام وأطرافاً أخرى أرادت تصنيفه على جماعة “الإخوان المسلمون”. كما أنَّ القوى اليساريَّة والعلمانيَّة وجدت في ثقافة الرَّجل المعادية للإلحاد والمنتمية بفطرتها للإسلام تبريراً لتصنيفه على التَّيَّار الدِّيني، إذ فرضت ظروف اليمن في مواجهة المدِّ اليساري والعلماني احتضان النِّظام -في الشَّمال خاصَّة- للتَّيَّار الدِّيني باعتباره القوى المناوئة لهذه الأفكار.

الأحمر مجدَّداً:

في 3 أبريل 2016م، أصدر الرَّئيس عبدربِّه منصور هادي، بعد أن استهدف في العاصمة صنعاء، وعجز عن حماية نفسه، وغادر إلى مدينة عدن، ولم يتمكَّن مِن الدِّفاع عنها، أمام ميليشيا جماعة الحوثي المدعومة مِن قوَّات صالح، وبعد أن توجَّه فارّاً إلى الرِّياض عقب استعانته بدول الخليج بغية استعادة شرعيَّته، وبعد سنة كاملة مِن إطلاق عملية “عاصفة الحزم”، مِن قبل “التَّحالف العربي” بقيادة السُّعودية، دون تحقيق إي إنجاز يذكر عدا تحرير مدينة عدن، قراراً بتعيين اللِّواء علي محسن الأحمر نائباً له.

جاء القرار برغبة مِن السُّعودية، التي تقف خلف الرَّئيس هادي، بهدف جرِّ علي محسن، ومِن ورائه حلفاءه مِن بيت الأحمر وحزب الإصلاح، للاصطفاف معها ضدَّ جماعة الحوثي، لا عن عجز في قدراتها وإمكاناتها الحربية، ولكن إمعاناً في انخراط هذه الأطراف -التي ظلَّت هدفاً إقليميّاً ودوليّاً- في الصِّراع الدَّائر باليمن، بغية إنهاكها وتفتيت قدراتها. إذ عملت السُّعودية مع دول الإمارات على فتح جبهة أخرى لهذا الصَّفِّ (الوطني الجمهوري الإسلامي) ليقاتل عليها، ألا وهي ميليشيا “المجلس الانتقالي” الجنوبي كمهدِّدٍ لوحدة اليمن!

تقبَّل اللِّواء علي محسن المنصب، وقد كان في طليعة المؤيِّدين لـ “عاصفة الحزم” مِن قبل، ودفع بكوادره في المعركة بهدف تحقيق انتصار ما على صعيد القضاء على مشروع جماعة الحوثي الطَّائفي، أو مشروع الانفصال المناطقي، وفقَدَ نتيجة هذه المشاركة خيرة رجالاته في صفوف المعركة الأماميَّة، أو عبر اغتيالات وتصفيات تمَّت عبر أيادي مأجورة. وبالرَّغم مِن ذلك، فضَّل علي محسن بقاءه في المنصب، واصطفافه إلى جانب شرعيَّة هادي، والتَّحالف العربي، والسُّعودية، محاولاً نزع حالة العداء المتمكِّنة تجاهه وتجاه حلفائه معه. وصمت عن جميع الوقائع التي علم مِن خلال خبرته، وشبكة علاقاته، ورجاله في الميدان، وموقعه في رأس السُّلطة، حفاظاً على أن تظلَّ العلاقة بين اليمن والسُّعودية على أفضل ما يكون. وكانت تصريحات الرَّجل تصبُّ في جانب الثَّناء على المملكة، وعلى التَّحالف، وعلى هادي، وتطمين اليمنيِّين بوقوف هؤلاء إلى جانبهم، في حين أنَّه كان يرى ويعلم ما يجري على الأرض عسكريّاً وأمنيّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً!

لم يسمح لعلي محسن بدخول عدن، ولم يؤذن له بتحرير صنعاء، وظلَّ في منصبه مجرَّداً مِن الصَّلاحيَّات والشَّرعيَّة التي يمسك هادي بها ويحتكرها لنفسه. وفيما كان هادي يغيب عن المشهد، ويترك للأحداث تشكيله، بحسب ما يخطِّط له الإقليم والدُّول الغربية، كان الشَّارع اليمني ينظر لمحسن نظرة سلبيَّة، إذ جرى التَّهجم عليه مِن قبل صحف: الحوثيِّين، وعلي عبدالله صالح، والمجلس الانتقالي، والإعلام المموَّل إماراتيّاً، والإعلام الإماراتي، وبعض الأقلام والشَّخصيَّات السُّعودية، في مفارقة عجيبة تشير إلى طبيعة ما يُراد مِن الرَّجل. فالتَّشويه المتعمَّد لصورته، وإظهاره بمظهر رجل الدَّولة الفاشل والعاجز والمبغوض، كان جزءاً مِن المخطَّط المرسوم له.

“الأحمر” هدفاً:

تذكر المصادر الميدانيَّة والإعلاميَّة، أنَّه جرى اللِّقاء بين الرَّئيس هادي ونائب وزير الدِّفاع السُّعودي، الأمير خالد بن سلمان، إلَّا أنَّ اللِّقاء لم يثمر عن استجابة مِن الرَّئيس هادي للمطالب السُّعوديَّة، عشيَّة موعد اختتام المشاورات، ما حدا بولي العهد ووزير الدِّفاع السُّعودي، الأمير محمَّد بن سلمان للِّقاء شخصيّاً والاجتماع بالرَّئيس هادي، لإقناعه والضَّغط عليه بقبول المقترح الَّذي حملته القيادة السُّعوديَّة كحلٍّ ورؤية مِن قبل مكوِّنات يمنيَّة تشارك في مشاورات الرِّياض -كما قيل.

لقد كان مِن الواضح أن تجري المشاورات بهذا الحجم مِن المشاركين لتحمل الصِّبغة اليمنيَّة، في حين أنَّ المطالبة بتغيير الفريق الرُّكن علي محسن، وتعيين نوَّاب للرَّئيس مع نقل صلاحيَّاته لهم، كانت لـ “التَّحالف العربي” بالأساس. فقد عمل التَّحالف، خلال الأعوام السَّبع الماضية مِن تدخُّله في اليمن، على إضعاف قوى الرَّجل عسكريّاً في الميدان لصالح فريقين:

الأوَّل: قوَّات “المجلس الانتقالي”، المدعوم إماراتيّاً، والَّذي ساهمت السُّعوديَّة، مِن خلال “اتِّفاق الرِّياض”، على شرعنة وجوده، وإكسابه حيِّزاً في العمليَّة السِّياسيَّة.

الثَّاني: قوات المقاومة الوطنيَّة والقوّات المشتركة، التَّابعة لطارق محمد عبدالله صالح، المدعوم مِن التَّحالف، والَّذي جرى مؤخَّراً تمكين قوَّاته في محافظة شبوة، وإشراكه في المشاورات الجارية في الرِّياض كمكوِّن مِن مكوِّنات الشَّرعيَّة.

قبل ذلك، كان خروج علي محسن عن خطِّ نظام صالح، في ثورة 11 فبراير 2011م، إحدى أسباب السَّخط السُّعودي على الرَّجل، وهو ما يفسِّر تخلِّي السُّعوديَّة عن دعمه، ودعم الموالين له، إزاء ضربات الحوثيِّين التي وجهت لمعسكراته، خاصَّة في مدينة عمران، ودون إيِّ إدانة للدُّول الخليجيَّة. كما أنَّ هناك اتَّهامات توجَّه للإمارات والسُّعودية بالقضاء على قياداته العسكرية في الميدان خلال جبهات القتال، عبر عمليَّات أمنيَّة وقصف بالطَّيران.

وفي حين دعمت كلٌّ مِن الرِّياض وأبو ظبي جماعة الحوثي لاقتحام صنعاء[6]، كان علي محسن أحد الشَّخصيَّات المستهدفة، إذ حسب الرَّجل على التَّوجُّه الإسلامي، الَّذي أبدى النِّظامان السُّعودي والإماراتي عداءهما المطلق له فيما بعد. كما جاء استهداف “اللِّواء 310 مدرَّع”، المرابط في محافظة عمران، شمال صنعاء، عام 2014م، ومقتل قائده العميد ركن حميد القشيبي، في إطار كسر شوكة الرَّجل؛ إذ كان “اللِّواء 310” تابعاً لـ “الفرقة الأولى مدرع”، التَّابعة بدورها للِّواء، علي محسن -في حينه.

وعمليَّات تقويض مكانة الرَّجل، والتَّخلُّص مِنه على المستوى العسكري والسِّياسي، نظراً لحضوره وتأثيره في المشهد اليمني، بدأت في وقت مبكِّر، إذ نظر إليه باعتباره خطراً وجوديّاً على مشروع الهيمنة الخارجيَّة على اليمن. وقد ظلَّ مستهدفاً إعلاميّاً وميدانيّاً؛ فقد شنَّت وسائل إعلام تابعة لـ “التَّحالف العربي” هجوماً شرساً ومتكرِّراً عليه باعتباره “المسئول الأوَّل عن سقوط الجبهات باليمن” بيد الحوثيِّين.

وخلال السَّنوات السَّبع للحرب الدَّائرة في اليمن، فقَدَ علي محسن عدداً مِن رجالاته المشهود لهم بالولاء الوطني والانضباط العسكري في ميادين المعركة؛ وقد تحدَّثت مصادر مختلفة عن وجود مخطَّط إماراتيٍّ لاغتيال هذه القيادات العسكريَّة في كلٍّ مِن مأرب وبعض المحافظات الجنوبيَّة في سبيل إضعاف قوَّة الرَّجل. وهي عمليَّات حافظت السُّعوديَّة على صمتها إزائها، وهو صمت رأى فيه المراقبون موقفاً سلبيّاً. وربَّما كشفت الوثائق السُّعوديَّة السِّريَّة المسرَّبة، الَّتي اطَّلعت “الجزيرة نت” على (162) صفحة مِنها، عام 2020م، عن سرِّ هذا الصَّمت حول ما يتعرَّض له نائب الرَّئيس اليمني مِن استهداف. إذ أظهرت الوثائق اتَّهام نائب الرَّئيس اليمني بغموض موقفه مِن السُّعوديَّة وجديَّة ولائه للرِّياض![7]

وقد رفض “المجلس الانتقالي”، المدعوم إماراتيّاً، عدَّة مرَّات، دخول علي محسن لمدينة عدن المحرَّرة، وطالب المجلس برحيل ما كان يصفها بـ “قوَّات علي محسن الأحمر” عن المحافظات الجنوبيَّة؛ وعمل على خوض حروبه مع قوَّات “الشَّرعيَّة” والجيش الوطني تحت لافتة محاربة “الإخوان المسلمون” و”علي محسن الأحمر”[8].

أعداء الدَّاخل:

برز علي محسن كرجل دولة مع بداية تولِّي علي عبدالله صالح الرِّئاسة، إذ أفشل الانقلاب العسكري للحزب النَّاصري، بقيادة عيسى محمد سيف، وحال دون استيلائهم على السُّلطة في صنعاء. وأسهم في إفشال مساعي المدِّ اليساري للإطاحة بالنِّظام في الشَّمال، وفي إفشال مخطَّط الحزب الاشتراكي بالانفصال عام 1994م، وحارب ضدَّ عودة الحكم الإمامي الكهنوتي خلال الفترة (2004م- 2014م)، ووقف ضدَّ مشروع التَّوريث وساند ثورة 11 فبراير عام 2011م، ما جعله محلَّ استعداء لأصحاب تلك المشاريع جميعاً، وهدفاً مشروعاً للقضاء عليه.

كما أنَّ موقعه في معادلة الصِّراع الدَّائر اليوم، وانتمائه للقضيَّة الوطنيَّة، وانحيازه للدَّولة، ووقوفه ضدَّ مشاريع الاستبداد، والانقلاب، والانفصال، ورفضه لصور الاستعمار الأجنبي والاحتلال الخارجي، وارتكازه على مبادئ الجمهوريَّة والنِّظام الدِّيمقراطي، جعل مِنه هدفاً عدائيّاً لقوى الاستبداد والانقلاب والانفصال محليّاً، وقوى الاستعمار والاحتلال إقليميّاً ودوليّاً.

هذا التَّاريخ الحافل بالمعارك جعل سهام الخصوم تتوجَّه إلى علي محسن للقضاء عليه، ماديّاً أو معنويّاً. وقد حاول صالح التَّخلُّص مِنه في وقت مبكِّر، وسعى في إضعافه وتحجيم قوَّاته مِن خلال تكليفه بمقارعة جماعة الحوثي في دورة صراع كان يتحكَّم صالح بابتدائها وختامها وإدارتها شخصيّاً.

وقد تعرَّض علي محسن، خلال فترة حياته، لعدَّة محاولات اغتيال، كان مِن أبرزها ما جرى عقب إعلانه، في 21 مارس 2011م، عن دعمه ودعم قوَّاته للثَّورة الشَّبابيَّة السِّلميَّة، ومطالبها المشروعة. ففي 6 أبريل 2011م، جرت محاولة اغتيال له، عبر وفدٍ بعث به صالح، للِّقاء به، تكوَّن مِن مجاميع قبليَّة بهدف الوساطة بين الطَّرفين، إذ دُسَّ بينهم عناصر مِن الحرس الخاصِّ والقنَّاصة والَّذين باشروا إطلاق النَّار تجاهه، بمجرَّد خروجه لاستقبال الوفد، على مدخل الفرقة الأولى مدرَّع. وقد أصدر مكتب اللِّواء -في حينه- بياناً يتَّهم فيه صالح بمحاولة اغتياله.

وفي 6 نوفمبر 2011م، أعلن علي محسن عن إحباط محاولة لاغتياله، تولَّتها عناصر تابعة للأمن القومي والحرس الجمهوري، الموالية صالح، وذلك خلال تأديته صلاة عيد الأضحى، عبر سيَّارة مفخَّخة. وأشار بيان صدر عن مكتب اللِّواء -في حينه- إلى أنَّ هذه المحاولة هي الرَّابعة منذ انضمامه إلى ثورة 11 فبراير.

في 21 سبتمبر 2014م، وأثناء اقتحام مليشيَّات جماعة الحوثي للعاصمة اليمنيَّة صنعاء، كانت الفرقة الأولى مدرَّع، والمعسكرات التَّابعة للِّواء علي محسن الأحمر، هدفاً عسكريّاً لضربات كلٍّ المليشيَّات وقوَّات صالح الموالية له. وكان رأسه مطلوباً للتَّحالف الحوثي- صالح. وبعد سيطرة جماعة الحوثي على صنعاء اقتحمت المليشيَّات منزله، وعدداً مِن المقرَّات التَّابعة له ولمؤيِّديه.

وفي 28 ديسمبر 2017م، حاولت جماعة الحوثي اغتياله، مِن خلال إطلاق صاروخ باليستي، على معسكر الرويك، الَّذي يقع فيه مكتب نائب الرَّئيس بمحافظة مأرب، حيث كان حاضراً فيه.

وفي 18 يوليو 2018م، جرت محاولة اغتياله، في إحدى معسكرات الجيش الوطني، بمحافظة مأرب، بتفجير ذهب ضحيَّته العميد ركن محمَّد صالح الأحمر، قائد حراسة نائب الرَّئيس.

أمَّا معنويّاً، فقد كان صالح يطرح خروجه وخروج علي محسن الأحمر مِن اليمن كشرط لتخلِّيه عن السُّلطة، وفي عام 2012م، جرى تجريد الرَّجل مِن قيادة الفرقة الأولى مدرَّع، تحت مسمَّى هيكلة الجيش، كخطوة لإضعاف قدرته العسكريَّة.

قبل ذلك، كان إعلام نظام صالح، وأطراف أخرى، يضخُّ في السَّاحة قصص الفساد المالي، وحالات النَّهب مِن المال العام، والاستيلاء على الأراضي، عنه. فلم يكن بالمقدور اتِّهام الرَّجل بأمور أبعد مِن ذلك لما عُهِد عنه مِن سمعة حسنة، وتديُّن ظاهر. وقد ساهمت قوى الإمامة وقوى اليسار في تشكيل هذه الصُّورة النَّمطيَّة للواء علي محسن -في حينه، بغية حرقه معنويّاً.

المطالبون برحيله:

مما سبق، نجد أنَّ هناك عدَّة قوى محليَّة وإقليميَّة، بل ودوليَّة، تقف وراء الدَّفع باتِّجاه إعفاء الفريق الرُّكن علي محسن الأحمر. فعلى المستوى المحلِّي:

  • جماعة الحوثي: طالب الحوثيُّون منذ وقت مبكِّر باستبعاد علي محسن الأحمر، باعتباره خصماً لدوداً لها، ومتهمّاً بالقضاء على زعيم الجماعة (حسين بدر الدِّين الحوثي).
  • أقرباء الرَّئيس الرَّاحل، علي عبدالله صالح، نظراً للعداء المستحكم الَّذي طرأ على العلاقة بين أبناء صالح وأبناء إخوته، وبين علي محسن، إثر وقوفه مع ثورة 11 فبراير ودفاعه عنها.
  • المجلس الانتقالي: وهو المدعوم إماراتيّاً، والسَّاعي جهده في سبيل إخراج قوَّات علي محسن مِن المحافظات الجنوبيَّة، بأيِّ شكل مِن الأشكال.
  • الحزب الاشتراكي والحزب النَّاصري، انطلاقاً مِن العداء التَّاريخي للرَّجل.

أمَّا على المستوى الإقليمي فقد ظلَّت كلٌّ مِن السُّعوديَّة والإمارات غير راضية عن شخصيَّة الرَّجل، ومواقفه الوطنيَّة، وانحيازه إلى القضايا المبدئيَّة، وعلاقاته بالجماعات الإسلاميَّة. كما أنَّ إيران ترى في شخص علي محسن الأحمر خطراً وجوديّاً على ذراعها في اليمن، وبالتَّالي فإبعاده عن المشهد يسهِّل مِن تمهيد الطَّريق أمام جماعة الحوثي لاستكمال مشروعها الطَّائفي.

ودوليّاً، يخشى الغرب -كما هي عادته- مِن أيِّ قيادة عربيَّة عسكريَّة، تتمتَّع بروح وطنيَّة وإسلاميَّة، مهما كانت مسالمة وهادئة. كما أنَّ الغرب يخشى مِن أيِّ قوَّة عسكريَّة تبنى على أسس الهويَّة الدِّينيَّة والقيم الوطنيَّة الحامية لاستقلال الوطن وسيادة الدَّولة، لذا فهي تشرف عبر أدواتها وعملائها على واقع الجيوش العربيَّة وبنائها وتنظيمها وتسليحها. وفي حين رعت الدُّول الغربية عبر المبادرة الخليجيَّة هيكلة الجيش اليمني تتَّجه الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة وبريطانيا للتَّعامل مع مليشيَّات خارج الدَّولة، كجماعة الحوثي والمجلس الانتقالي، كخيار أنسب لتركيع الشُّعوب ومواجهة القوى الإسلاميَّة الصَّاعدة.

النهاية.. نهاية مَن؟

لقد مثَّل علي محسن الأحمر صخرة صلبة أمام مشاريع عدَّة تمسُّ اليمن هويَّة وكياناً، والدَّولة وحدة واستقلالاً، والسُّلطة شرعيَّة واستقراراً. ومنذ 22 فبرابر 2016م، حين أصدر هادي، قراراً جمهوريّاً، رقم (38) بتعيين اللِّواء الرُّكن، علي محسن الأحمر، نائباً له، ومنذ أدائه اليمين الدُّستوريَّة نائباً للرَّئيس، في 4 أبريل مِن العام ذاته، ظلَّ الفريق الرُّكن علي محسن الأحمر مؤيِّداً لـ “ألتَّحالف العربي”، ومنخرطاً في معركة استعادة الدَّولة جنباً إلى جنب، مع عمليَّة “عاصفة الحزم”، ومحذِّراً مِن الوجود الإيراني في اليمن، ومخاطر السَّماح لذراعه فيها مِن التَّمكُّن.

ظلَّ الرَّجل، خلال سبع سنوات متسِّماً بروح المسئوليَّة والاعتدال، وبحسن العلاقة مع الرِّئيس اليمني، عبدربِّه منصور هادي، وقادة الأحزاب والقوى السياسيَّة اليمنيَّة، بما فيهم صالح، ومع قادة المملكة العربيَّة السُّعوديَّة الذين عبَّر لهم في أكثر مِن مناسبة عن امتنانه لهم لسعيهم في استنقاذ اليمن. غير أنَّ ذلك كلِّه لم يشفع له!

أعفي الرَّجل في 8 أبريل 2022م، بقرار رئاسي، مِن العاصمة الرِّياض، وهو المحسوب على “العدوان السُّعودي” في المنظور الحوثي، في وقت كانت الدَّولة أحوج ما تحتاج إلى بقائه لحين العبور إلى برِّ الأمان. وفيما كوفئ معين عبدالملك ببقائه في منصبه كرئيس للوزراء، رغم فشله في كافَّة الملفَّات السِّياسيَّة والاقتصاديَّة والتَّنمويَّة، جرى إزاحة علي محسن بكلِّ سهولة ويسر! فيما كان بقاؤه في منصبه يصبُّ في مصلحة استعادة الدَّولة، وإنهاء الانقلاب، ومقاومة الانفصال.

لقد وصل “الرَّجل العجوز”، كما يطلق عليه البعض، إلى طريق مسدود، وقد يختفي عن المشهد العام، والسَّاحة السِّياسيَّة والعسكريَّة، في ظلِّ فقدانه لكافَّة قواه. غير أنَّه مِن غير المؤكَّد ما إذا كان خروجه هو نهاية المطاف في مسيرته الوطنيَّة؛ فالحسابات التي أرادت القضاء عليه عام 2014م عادت لاحتضانه مجدًّداً بعد تحوُّل المشهد دراماتيكيّاً لصالح طهران.

ولا تزال كلمة علي محسن، عند خروجه مِن صنعاء: (لن تدوم فرحتكم، ولن يطول غيابنا)، شاهدة على أنَّ الرَّجل شديد المراس، ولا يستسلم بسهولة.


[1] اليمن: نائب الرئيس يسحب القوات من ضواحي صنعاء، بي بي سي، في: 5/6/2011م، متوفر على الرابط

[2] كتبت صحيفة “القدس العربي” أنَّ مسئولاً يمنيّاً نسب إلى الرَّئيس، عبدربِّه منصور هادي، قوله -في لقاء خاص بكبار المسئولين: إنَّ القوَّات الحكومية تعتزم القيام بــ “عمليَّة قيصريَّة” لضرب التَّمدُّد الحوثي المسلَّح على العاصمة صنعاء، ووقف زحف الميليشيا الحوثيَّة عليها مِن كلِّ جانب. انظر: عملية قيصرية ترقبها صنعاء وأجواء حرب تخيم على مناطقها، عربي21، في: 31/8/2014م، متوفر على الرابط

[3]   في موقف عجيب اتَّهم المبعوث الأممي الأسبق إلى اليمن، جمال بن عمر، في حديث مع قناة الشرق، في مايو 2021م، حزب “التجمع اليمني للإصلاح” بتسليم العاصمة صنعاء للحوثيِّين، وأنَّه لم يقاوم مليشيا جماعة الحوثي رغم أنَّ لديهم قوَّات عسكريَّة -حسب تعبيره. وهذا يوضِّح أن السيناريو المستهدف كان يقتضي إقحام الإصلاح في حرب طاحنة مع الحوثي للقضاء على الطرفين.

[4] ينظر: حقيقة المؤامرة لإسقاط صنعاء، عبدالحكيم هلال، الجزيرة، في: 5/10/2014م، متوفر على الرابط

[5] ينظر: قصة سقوط صنعاء بيد الحوثيين، عارف أبو حاتم، الجزيرة، في: 29/9/2014م، متوفر على الرابط

[6] انظر: اللواء عشقي: الحوثي تعهَّد لنا خطيّاً بالانقلاب على إيران.. ولعاصفة الحزم أنياب ستظهر في مناطق أخرى، روسيا اليوم، في: 22/4/2015م، متوفر على الرابط

[7] انظر: وثائق سرية مسربة.. الجزيرة نت تكشف حقيقة المواقف السعودية من أبرز الملفات اليمنية، الجزيرة نت، في: 2/8/2020م، متوفر على الرابط تاريخ الاطلاع: 22/7/2021م.

[8] انظر: اليمن: هل استعانت قوات الأحمر بالقاعدة ضد الانتقالي؟، دبليو. دي. عربي، في: 25/8/2019م، متوفر على الرابط

والانتقالي الجنوبي يتهم علي محسن الأحمر بالسعي لتنفيذ مخطط خطير في حضرموت!، موقع المستقبل، في: 15/12/2018م، متوفر على الرابط

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى