fbpx
الشرق الأوسطتقارير

اليمين العربي: هل يكره العرب اللاجئين العرب؟

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.

انشق من الشعب مصطلح عائم يدعى الشعبوية، مصطلح قابل للارتداء من قبل رجال الدين أو رجال أحزاب اليمين أو اليسار أو رجال السلطة أو شركات ومؤسسات وطنية، فغالبية الخطابات التي تندرج تحت المفهوم الشعبوي أيًا كان من وراءها تحمل لغة ديماغوجية مزاجية تثير قلب الجمهور المستمع لما يريده المُلقي سواء كانت الإثارة حبًا أو خوفًا، وقد استفاض الباحث السياسي الألماني يان فيرنز مولر عن الشعبوية ومفاهيمها وأساليب استخدامها الممنهجة في كتابه الذي عنونه ب “ما الشعبوية؟”

ومع كثرة تعاريفه واستخداماته؛ نحلل هنا من خلال شعبوية الأنظمة والمُجتمعات العربية القائمة وخطاباتهم بطريقة مباشرة من خلال نواب السلطة والحكومة أو بطريقة غير مباشرة مُبثة بين ثنايا الخطاب الإعلامي الغالب عليه اتباع للسلطة أيضًا، وما الفرق في محاكاة الأنظمة العربية للأنظمة الغربية (أمريكا -أوروبا) لتناولها الشعبوية الخطابية ومردود فعلها على المنطقة بشكل عام ممّا يمثلها من سكان أصليين للدولة وغير أصليين لاجئين فارّين من دمار بلادهم باحثين عن ملاذٍ معيشي آخر.

كذلك يتناول التقرير ماهية السلطة وإعلامها والمواطن الأصلي تجاه الخطاب الشعبوي العربي الذي ظهر مؤخرًا في عدة بلدان عربية.

نظرة عامة

في أمريكا. كانت أولى القرارات اليمينية وأهمها حينذاك قرار دونالد ترامب بمنع دخول مواطني 6 دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وتلك الدول (سوريا – اليمن – إيران – ليبيا- السودان – الصومال) وذلك بدافع حماية شعب ومؤسسات الدولة الأمريكية من التعرض لعمليات إرهابية. ولكي نصوب الضوء بشكلٍ أدق على المنطقة العربية التي تستضيف كمًا هائلًا من أعداد اللاجئين ليس فقط بعد أزمات لجوء ما بعد الربيع العربي بل على مرّ عقودٍ مضت. نحاول تسليط الضوء فيما هو قادم على مصر ولبنان والأردن كبلدانٍ يعيش فيها ملايين اللاجئين.

كانت مصر منفذًا لشعب السودان إبان الحرب الأهلية ولبنان والأردن كملاذٍ لهجرة الفلسطينيين من أيام النكبة 1948 وما بعدها 1967 وتتشارك الثلاث دول في استيعاب الموجة الحديثة من لاجئي ما بعد الربيع العربي (السوريين). على سبيل الإحصاء تحدث السيسي في إحدى خطاباته عن وجود 5 ملايين لاجئ في مصر على عكس أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التي قدرت لاجئي سوريا في مصر بـ 132 ألف سوري عام 2015 وحتى في تقريرها مارس/آذار من عام 2018 قد أحصت عدد لاجئي الدول كافة في مصر بـ 250 ألف لاجئ، وفي لبنان حسب تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش لهذا العام فقد أحصت 1.5 مليون لاجئ سوري مصنفةً لبنان كأكثر ثاني دولة استضافت لاجئي سوريا بعد تركيا فضلًا عن عشرات الآلاف الآخرين من دول إفريقيا فضلًا عن ما يقرب من 400 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان أيضًا. وفي المملكة الأردنية حسب منظمة الأونروا المختصة بلاجئي فلسطين يعيش بالأردن 2.1 مليون لاجئ بالأردن وهم المُسجلين لدى المنظمة.

نرى من خلال سردنا كيف تتعاطى حكومات ومجتمعات الدول الثلاث من حيث الصبغة الشعبوية تجاه اللاجئين؟

الشعبوية في مقاومة الإرهاب:

بدءًا من عام 2016 ومع صعود الشعبوية في الغرب، استخدم نموذج اليمين الغربي في أمريكا بولاية دونالد ترامب وفي أوروبا برعاية التيارات اليمينة الأكثر شعبوية كتيار ماري لوبان في فرنسا وتريزا ماي في بريطانيا والأحزاب الأكثر عنصرية في هولندا وألمانيا وإيطاليا فزاعة الإرهاب كخطاب ديماغوغي يرهب المستمعين له من أبناء الشعب مستخدمين حُجّة الإرهاب في سرعة تفعيل عملية عودة اللاجئين أو القبض على المهاجرين مُبرهنة ذلك ببعض التفجيرات والحوادث التي نفذها مجندو الإسلاموفوبيا حسب وصفهم لدى أي تنظيم كتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) مثالًا على الأراضي الأوروبية، ومع ذلك بدأ الأمر في المنطقة العربية يحاكك بعض الشيء النموذج اليميني الغربي في حُجّته أمام الشعب لفرض نظريات شعبوية من قبل السلطة.

بمعنى آخر نستدل في أرض المحروسة “السوريين منوريين مصر” ثلاث كلمات تصدرت مواقع التواصل الاجتماعي في فترةٍ مضت عندما ذيع صيت بلاغ قدمه المحامي المصري سمير صبري يطالب به الحكومة المصرية بمُراقبة الأنشطة والأموال السورية في مصر التي قد قُدر حصرها بـ 23 مليار دولار فطالب الرقابة على مئات وآلاف الشركات السورية التي نشأت في مصر بعد لجوئهم وطالب تحديدًا الرقابة على مصادر التمويل وكيفية دخول وخروج الأموال عن طريق المصارف البنكية وغيرها من طرق تحويل وإيداع الأموال ونوّه صبري أن السوريين المسجلين في مصر يبلغ عددهم 130 ألف سوري بينما التقارير الحكومية تشير بأن السوريين يتراوح عددهم من 250 إلى 300 ألف سوري بمصر مبرهنًا تقديمه البلاغ بأنه من السهل استخدام تلك الأموال الخفية في مشاريع تخدم الإرهاب عن طريق جماعاته المتسللة إلى دول المنطقة العربية.

ولكن كان رد الفعل المصري الشعبوي غير النخبوي مساندًا للسوريين واصفها إياهم بأنهم “منورين مصر” مؤكدين معنى الإخوة والعروبة والقومية القطرية التي ما زالت تسير في النفوس متفوقة على القومية التي من المُمكن وصفها بالمحلية. ولكن لنتخيل انفجارًا في وسط القاهرة أو ضواحيها يلقى حتف ضباطًا مصريين أو مدنيين مصريين وبعد إجراء التحقيقات أعلنت وزارة الداخلية في بيانٍ لها بأن مُنفذ التفجير سوري الجنسية لجأ إلى مصر هاربًا من مرارة العيش في سوريا وقد جندته بعض الجماعات ففعل فعلته. نتساءل هنا هل يظل الشعب المصري مساندًا لوجود السوريين في مصر؟

في مثالٍ آخر. يوم الجمعة 20 أكتوبر/ تشرين أول عام 2017 الذي انقضى استهدفت مجموعة عناصر مسلحة كمينا لقوات الشرطة المصرية بطريق الواحات في القاهرة الكبرى قتل فيه 16 من قوات الشرطة وتم تصفية جميع منفذي الحادث ما عدا شخص واحد تم القبض عليه وبعد تحقيقات معه طلَّ على الشعب المصري في لقاء متلفزٍ مسجلٍ بُث مع الإعلامي عماد الدين أديب يحاوره فيه عن العملية وكامل تفاصيلها ليكشف أمام المصريين أنه مواطن يحمل الجنسية الليبية مواليد عام 1992 اسمه عبدالرحمن محمد عبدالله المسماري جاء من ليبيا مع كتيبة تشتهر باسم “الشيخ حاتم” لينفذ وآخرين معه عملية مسلحة ضد قوات الجهاز الأمني المصري.

نظرية ديكوموتية الخير والشر

من بعدها ظلت الحالة الشعبوية المصرية العامة في ترقب لخطابات وبيانات السلطة وأجهزتها في مصر، فكان الإعلان عن ضربات جوية للجيش المصري لمعاقل مسلحة وصفتها البيانات بمعاقل الإرهابيين في ليبيا أمر شجعته الحالة المصرية الشعبية حينذاك، حتى خطابات السلطة ورئيسها ذات الطابع العاطفي قد انتشرت بشكلٍ مُكثف فما خلا خطاب واحد من خطابات رئيس الدولة المصرية إلا وتحدث فيه عن مواجهة الإرهاب ومواجهة الأشرار وخطرهم على مصر وشعبها.

وبمحاكاة النموذج الغربي الأمريكي بالنموذج المصري من حيث سلطة الإعلام وتوجهها نحو بث حالة شعبوية لدى المواطن في تلك الحالتين نجد أن تيار الإعلام الغربي لا يتجه اتجاهًا مؤسسيًا لتأييد حالة السلطة وسياساتها نحو الإجراءات الأكثر تهميشًا لحقوق الأقليات والمهاجرين والعمالة الوافدة على سبيل المثال من المكسيك إلى الولايات المتحدة، بل يعلو بتوازي تلك القرارات اليمينية أصواتًا أكثر يسارية مثل صوت بيرني ساندرز وإلهان عُمر ورشيدة طليب كرموز مناهضة للتيار الشعبوي الترامبي في الولايات المُتحدة، على عكس ذلك يحدث في الجمهورية المصرية؛ حيث يتعاطى الإعلام وينجذب إلى النظرة المؤسساتية للسلطة وصناع القرار ورجال الأعمال في إعطاء وبث الحالة النفسية لدى الجموع بل يحمل الخطاب الإعلامي أنشودة المؤامرة ومحاربة الأشرار وداعمي الإرهاب، والفقه الشعبوي لدى الحالة السلطوية في مصر لا يعتنق أيديولوجية شعبوية يمينية أو يسارية بعينها بل هي تتمثل في نظرية إنقاذ مصر من الأشرار أو كما سماها الكاتب الإسباني خوسيه ألبارث خونكو ( (José Álvarez Juncoبالنظرية الديكوتومية (dichotomy) والتي تعني انقسام الشيء إلى شيئين متناقضين تمامًا كالخير والشر لذلك صور الإعلام السلطة المصرية وزعماءها بالخير وكل من ينتقدها هو الساعي للشر والخراب وتدمير البلاد ومساعدة الأشرار في النيل من أمن وخير البلاد.

لم تُلقي السلطة المصرية نظرتها للشعبوية بكامل ملفاتها بل سلطت ديماغوجيتها الخطابية على الخير والشر وفزاعة الإرهاب والزعيم المُنقذ، ولم تتطرق في أحاديثها بشأن طرد اللاجئين السوريين وغيرهم بسبب حدوث أزمة اقتصادية في مضمونية أولوية حق الإنسان المصري في أرض مصر فوق أي إنسان آخر. أو حتى سماع صدى أي خطاب عنصري بشأن لاجئي دولٍ إفريقية يعيشون في مصر حتى وإن كان يتم الاتجار بهم من قبل عصابات اتجار البشر الدولية.

نُنقل الضوء من مصر حيث الشعبوية تحت إطار النيوليبرالية الاقتصادية ونظريات المؤامرة الاجتماعية والسياسية إلى لبنان والأردن حيث علو خطاب العنصرية والأزمة الاقتصادية من قبل السلطة والإعلام والذي يؤثر على الحالة الشعبوية تجاه اللاجئين الفلسطينين قديمًا والسوريين حديثًا.

جبران باسيل وزير دعاية الشعبوية العربية

مَثل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل اليمين العربي وقيل عنه إنه زعيم الشعبوية في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة وقد زاد تَطرفه مؤخرًا وبشكلٍ كبير ومعاداته بشأن اللاجئين عن طريق تصريحاته في عدة مؤتمرات وحملات وتغريداته عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحرض وتُعادي اللاجئين السوريين الحداثى والفلسطينيين القدامى بشكلٍ مباشر ممّا أدى إلى اتهامه بانتهاج نازية على الطراز الألماني تُفضل العرق اللبناني وتعترف بتفوقه على بقية أعراق العرب وقد قام الوزير المُنتمي للتيار الوطني الحُر المسيحي الماروني بقيادة عدة حملات تُحرض الحالة العامة للشارع اللبناني تجاه اللاجئين رافعين في حملتهم لافتات الأزمات الاقتصادية الناتجة بسبب وجود اللاجئين مثل حملة “بتحب لبنان وظف لبناني” والتي تسعى إلى طرد العمالة السورية في لبنان وتحاول جذب الشارع اللبناني إلى فكرة النزاع التنافسي القائم بين الشباب اللبناني العاطل والشباب السوريين اللاجئ والعاطل حول أحقية فرص العمل.

جوبلز هذا القرن.

يذكر باسيل وتياره التاريخ بأنه بمثابة وزير دعاية ليمينية تُشبه يمينية يوزف جوبلز  وزير الدعاية الألماني في عهد النازية الألمانية والمحرقة اليهودية، ولكن في ثوب يرتدي معظم الوقت زي الأزمة الاقتصادية مقارنةً التفوق العرقي اللبناني وقد مهد باسيل عدة خطوات تقدم بها نحو تنفيذ سياساته ضد اللاجئين.

فقد نظم التيار الوطني الحُر عدة وقفات أمام محلات المأكولات التي توظف السوريين هاتفين للسوريين أن يخرجوا من لبنان سعيًا منهم للمطالبة بحق اللبنانيين في وطنهم.

ومع علو وطأة خطاب العنصرية الموجه تجاه اللاجئين في بلد قد عانى عقودا ماضية وإلى الآن من فتن وحروب طائفية وحزبية على أساس ديني أو أيديولوجي ازدادت بالتوازي مع ذلك حدة تعامل السلطات السياسية تجاه اللاجئين؛ فقد شهد شارع تلة الخياط ببيروت يوليو/تموز من عام 2018 موت الطفل السوري القادم من درعا أحمد الزعبي أثناء مطاردة دورية محلية له لعمله كماسح للأحذية في شوارع المدينة وقد تسببت مُلاحقته في وقوعه بمنور إحدى العمارات التي دخلها ليختبأ فيها من شرطة الدورية. فضلًا عن حملات وإجراءات العودة الطوعية التي نفذتها مديرية الأمن العام اللبنانية؛ وهي المُختصة بدخول اللاجئين السوريين إلى لبنان. وقد شهد شهر إبريل/نيسان الماضي ترحيلًا طوعيًا لـ 16 سوريًا قدموا إلى مطار بيروت ولكن لم تسمح لهم السلطات اللبنانية تقديم طلبات اللجوء للجهة المُختصة بالمطار، وقد نددت عدة منظمات حقوقية من بينها منظمةهيومن رايتس ووتش بتلك الحادثة وبإجراءات عودة اللاجئين الطوعية إلى سوريا حيث محورت انتقادها إلى السلطات اللبنانية مستندةً بأن لبنان من الدول الموقعة على اتفاقية “مناهضة التعذيب” لذلك يُرجى عليها الحرص على عدم ترحيل اللاجئين إلا بعد التأكد من سلامتهم وضمان عدم تعرضهم بأي شكلٍ من أشكال الأذى من النظام السوري وحلفائه في الداخل السوري. وفي يونيو/حزيران الماضي من هذا العام 2019 أصدر المجلس الأعلى للدفاع في لبنان قراره بهدم نحو سبعة آلاف مُخيم للاجئين بحُجة أن اللاجئين قد استخدموا الأسمنت والطوب لبناء جُدران تحميهم من حرِّ الصيف وسقيع الشتاء؛ ولكن قد بُرهن القرار بدعوى منع وجود مُخيمات طويلة العُمر للسوريين في لبنان ويكأن السلطات اللبنانية تقول إنه لن يحدث مع السوريين كما حدث من قبل إبان اللجوء الفلسطيني في لبنان أيام النكبة وتهجير أهل فلسطين.

وبتوجه السلطات اللبنانية نحو معاداة اللاجئين السوريين وتصدير وجهة اللاجئين أمام الشارع اللبناني بأنهم السبب في التأذي الاقتصادي وانتشار البطالة قد أنتج دون إحصائية ثابتة رغبة المواطن اللبناني في عودة اللاجئ إلى دياره حتى لو تأذى، فقد ارتفعت نسبة حبه لشعبويته مستندًا إلى ظهير سلطوي يشجع ذلك من قبل النُخبة السياسية وحتى الفنية فقد صرحت المُطربة وملكة الإحساس اللبنانية إليسا قائلةً بأنها مع عودة اللاجئين السوريين والفلسطينيين إلى بلادهم لأن لبنان لا تستطيع استيعاب هذا الكم من اللاجئين ممّا يُضيع على المواطن اللبناني حق العمل في بلده. وقد قابلت فعل معاداة اللاجئين من قبل المسؤولين والمُجتمع ردة فعل تناصر اللاجئين من قبل ممثليهم أيضًا. فقد نشرت الإعلامية بولا يعقوبيان على صفحتها بموقع فيسبوك عدة أسطرٍ تنتقد شعبوية وعنصرية الوزير اللبناني جبران باسيل وتطالبه بالاستقالة محذرة المواطن اللبناني ألا يندرج تحت خطابات مسؤولين شعبويين غير قدوة للناس في الفكر والأخلاق. وعبر أيضًا رئيس الحزب الاشتراكي التقدمي وليد جنبلاط في تغريدةٍ له بموقع تويتر ينتقد فيها خطابات السلطة تجاه اللاجئين ويطالب رئيس الوزراء سعد الحريري بالرد على تلك الانتهاكات.

حزب الله وباسيل.

تُعرف لبنان بانعدام هويتها الدينية لصالح دين بعينه أو طائفة دينية بعينها؛ فهي جامعة للشيعة والسنة والدروز والمسيحيين بعدة طوائف متباينة، تُعرف أنها أيضا كانت ساحة القتال الأهلي من سبعينات القرن الماضي إلى أواخر عقده الثامن. ليس فقط الاقتصاد وحاجة المواطن اللبناني إلى لبنان أكثر من أي مواطن آخر هي الإشكالية بل ثمّة شيء ديني يوازن المعادلة؛ فجُبران باسيل يمثل نفسه كحامٍ لطائفة المارون المسيحية في لبنان من الطوائف الأخرى وحزب الله بقيادة نصر الله وبقوته الحزبية والعسكرية يُمثل نفسه كدولة داخل الدولة أمام شعبه الشيعي داخل لبنان وخارجه امتدادًا لسوريا وإيران، وتتفق مصالح الباسيلية والناصيرية على عودة اللاجئين لاسيما السوريين لأن وجودهم الدائم يعطي للطائفة السُنية ملاذًا أكثر قوة وأمنًا وغالبية داخل المُجتمع اللبناني بمرور الوقت أي بنظرهم سنة فوبيا جديدة، كما أنه من المعروف لدى السنة السورية بُغضهم لنصر الله وحزبه بعد تدخله لخوض الحرب بجانب نظام بشار الأسد داخل الأراضي السورية ممّا تسبب في موت وتشريد ونزوح الآلاف من السوريين. لذلك تقاربت مصالح الأسد وحلفائه في لبنان أكثر في الوقت الراهن من أي وقت مضى، لذا فمباحثات الحلول لدى عودة اللاجئين ما زالت تشكل تركيبة مُعقدة حتى لدى النظام السوري لأن عودة اللاجئ السوري إلى سوريا المقسمة والتي أعيد تشكيل ديموغرافيتها من جديد بواسطة الجماعات المسلحة والنظام السوري وإيران وروسيا وتركيا والأكراد فمن المُستحيل رجوع اللاجئ السوري إلى أرضه التي كان يسكُنها أو حتى محافظته وقريته.

الأردن السلطة والمُجتمع بين القانون والعرف.

نشير سريعا إلى اللجوء السوري الحديث لدى الأردن، ففي إحصائيات حكومية قدرت أعداد اللاجئين السوريين بالأردن إلى 1.3 مليون لاجئ سوري، تتشابه الأردن بجارتها لبنان من حيث الشكوى من الأزمات الاقتصادية التي سببها التواجد المكثف للاجئين السوري فضلًا عن اللاجئ الفلسطيني لدى البلدين الموجود منذ عشرات السنين ولكن كانت الأردن أخف وطأة بلسان مسؤوليها ومُجتمعها على اللاجئ السوري مقارنةً بلبنان فقد قدمت الأردن مشروع اللأمم المتحدة تطالب فيه بتعويضها للأضرار البيئية التي حدثت لها بسبب اللجوء السوري على أراضيها منذ عام 2011 ولكن لم يتطرق مسؤولون أردنيون إلى شن حملة مُجتمعية تطالب بالعودة الطوعية للاجئ السوري أو حتى لم يتم نبذ اللاجئ السوري على فضائيات الدولة العامة أو الخاصة؛ ومع ذلك اتخذت وتتخذ الدولة بعض الإجراءات لرجوع اللاجئين أو تنظيم فرص العمل من حيث التصاريح القانونية وغير ذلك.

هنا نلقي الضوء بأكمله على الوجود الفلسطيني المُتأصل منذ سنوات في الأرض الأردنية سواء إبان التهجير عام النكبة 1948 أو فيما تلاها من نزوح فلسطيني عام 1967.

الفلسطيني نصف مواطن ونصف لاجئ

مؤخرًا؛ أصبح الأردن رمزًا نضاليًا أمام إغراءات المساعدات الاقتصادية بما يعرف بصفقة القرن التي يقودها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر، عبر عن موقف الأردن الملك عبد الله الثاني في عدة خطابات له معنية بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى فلسطين وأعلن رفضه التنازل عن وصية المقدسات لصالح دول أخرى كالسعودية والتي بدورها تحاول مد يد العون الاقتصادية للأردن بنية التوافق حول الوصول إلى حلول مشتركة حيال صفقة القرن.

ومع موقف الأردن المؤيد لحق الفلسطينيين في أرضهم المحتلة؛ نصوب النظر نحو نظرة النظام والمجتمع الأردني حيال معيشة المواطن الفلسطيني المُقيم على الأراضي الأردنية.

وقد نشر موقع Middle East Eye في فبراير/شباط من عام 2016 تقريرًا استقصائيًا يعتمد على شهادات فلسطيني غزة المُقيمين بالمُخيمات الأردنية بِمُخيم [جرش] حيث أوضح التقرير أن قرار الحكومة في يناير/كانون ثاني من نفس العام والذي ينص على دفع فلسطيني غزة رسوم حيال تصاريح العمل مثلهم كمثل الوافدين الأجانب، حيث شكّل القرار صدمةً لقرابة 160 ألف لاجئ غزاوي يعيشون بالأردن ومع زيادة الضغط بشأن رفض القرار؛ ألغت الحكومة قرار الدفع بالأثر الرجعي لمدة أربع سنوات مضت منذ إعلان القرار واكتفت باستيفاء الدفع فقط منذ صدوره.

وقد رصد التقرير عدة شهادات حياتية في مخيم جرش لمن يعيشون هُناك، منهم “فرح شهلوب” وهو صحفي غزاوي قال لـ middle east eye مُشتكيًا سوء أوضاع الفلسطينيين بالأردن من مصاريف للعيش والتعليم، وقسم صانعي قرار السلطة الأردنية إلى قسمين؛ الأول يناهض الوجود الفلسطيني والثاني يدعمه، بل يدعم فلسطيني الضفة الغربية بشكل أفضل من فلسطيني غزة القادمين مؤخرًا منذ عام 1967. وقد أوضحت شهادات فرح وآخرين معاناة ما يقرب من 40 ألف لاجئ من غزة في مخيمات جرش يشتكون من سوء المعيشة وغلاء الأسعار ونفقات التعليم وغير ذلك.

تعاني الحكومة الأردنية من أزمات اقتصادية حادة أضرت بمعدل نمو دخلها القومي عامًا بعد عام ولاسيما بعد تعطيل صادراتها ووارداتها عبر خطوط النقل التجارية السورية التي أُغلقت بسبب الاضرابات هناك فضلًا عن تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري مؤخرًا إلى أرضها إلأ أن شعبوية سُلطتها تجاه اللاجئين لم تتعدى سوى الشكاوى الاقتصادية مُطالبة بتنظيم أوراق العمل أو مساعدات خارجية أو غير ذلك، على عكس لبنان الذي نفذ من خطابه روائح الشعبوية المُتطرفة تجاه اللاجئين من تفوق عرقي أو طائفي خفي.

النسب بين الأردنيين والفلسطينيين.

ننتقل من السلطة الأردنية إلى داخل أعراف المُجتمع الأردني نفسه؛ حيث نطرح مدى تقبله للمواطن الفلسطيني من حيث الجيرة والنسب والزواج من بعضهما البعض. ويقدر عدد الفتيات الأردنيات المتزوجات من فلسطينيين بـ 52 ألف فتاة أردنية حسب إحصائية لشبكة الجزيرة الإنجليزية. بينما نقل موقع global voice عدة شهادات  من عائلات أردنيات وفلسطينيات قد تزوجا من بعضهم البعض؟

تسرد سارة وهي فتاة أردنية قائلة؛ ترعرعت في أسرة لم تكن صارمة بشأن الزواج من فلسطيني، وبالرغم من ذلك عندما أخبرتهم بأنني أود ذلك، لم يشعروا بسعادة غامرة حيال الأمر. كانوا يفضلون أن أتزوج ابن عمي من مدينة السلط، أو أي شخص آخر من السلط أيضًا. في البداية، عارضت أمي الزواج، وأخبرتني بأنه من الممكن أن أجد شخصًا أقرب لنا، لكن لم يكن أبي متعنتًا.

وتحكي مادلين أحمد وهي مدونة ذات أصول فلسطينية تحمل جواز سفر أردني لـ +972 magazine تجربتها الزوجية من رجل أردني الأصل والهوية، فتفضفض بأن حماتها كانت تستجوبها دائمًا عن هويتها فتجاوب أنها تحمل جوازًا أردنيًا فقط ولا تريد مسح هويتها الفلسطينية فتتضايق الأولى وحتى مع ابنها كانت كأي أمٍ فلسطينية تُريد تنشأته على سرد قصص فلسطين ومقاومتها ضد الاحتلال، ولكن هذا ليس من المسموح لها أيضا وقد ذكرت أن عنصرية أهل زوجها كانت سببًا من ضمن أسباب انتهاء الزواج إلى الطلاق.

ولا توجد إحصائية بعينها عن نسب فشل العلاقات والأنساب بين الأردنيين والفلسطينيين إلا أنه يوجد عدم تناغم نسبي أكده الكثير ممّن خاض تجربة المُعاشرة بين الهويتين؛ فشعور المواطن الأردني بقوميته حاضر دائمًا بقوةٍ ممّا يدفعه مستنكرًا تقسيم أرضه ورزقه لغيره من أبناء عروبته.

حتى على مستوى اللعبة الرياضية فتشتهر الأردن بنزاع الفرقتين (الفيصلي -الوحدات) في مباريات كرة القدم حيث يمثل الفيصلي السكان الأردنيين الأصليين ويمثل الوحدات الأردنيين من أصلٍ فلسطيني “مهاجروا عام 48” وقد أدت تلك التعصبات عام 2017 إلى نزاع أدى إلى إصابات مئات المُشجعين وتكسير بعض المتاجر والسيارات وإثارة الشغب والفوضى في الشارع الأردني.

وبالرُغم من عيش الهويتين معًا لأكثر من سبعين عامًا في سلام بالمعنى النزاعي إلا أنه لا يمنع من وجود نسبةٍ من نزعة قومية أردنية تُقدر ذاتها وتُقدسها عن غيرها مقارنةً بالفلسطيني أو السوري أو المصري الوافد إلى أرض الأردن، وترجع تلك القومية إلى عصبية أو اعتزاز قبائلي بالمفهوم الخلدوني لكن تبتعد تلك القومية عن ديانة بعينها أوطائفة عن غيرها.

ممّا سلف

نستطيع أن نضع مصر تحت مفهوم شعبوية الأخ الأكبر نسبةً إلى رواية 1984 للكاتب الإنجليزي جورج أورويل التي عظم فيها الأخ الأكبر رئيس البلاد ومُنقذ البلاد ممّن يريدون العبث بها من الأشرار، ومن الواضح على سلطة 3 يوليو/تموز 2013 بأنها تسعى كل السعي لإعادة نموذج شعبوي ناصري تؤمم فيها التجارة والصناعة والإعلام والتعليم والفن بشكل مباشر تبعًا لمؤسسات الجيش أو بغير مباشر لرجال أعمال تابعين للسلطة وذلك لبث حالة شعبوية لدى العقل الجمعي الجماهيري للرضا بالحال الاقتصادي المتدهور خيفةً من إرهاب أو فوضى فعلية أو مُحتملة. ولا يوجد تيار يميني في مصر يسعى لبث أيديولوجية شعبوية مُعينة مثل التيار الوطني الحُر اللبناني بقيادة جبران باسيل الذي يسعى لفرض نبوءاته وتصريحاته مُستغلًا سوء الأوضاع الاقتصادية في لبنان ومُهاجمًا اللاجئين السوريين وغيرهم عاملًا على عودتهم الطوعية إلى بلادهم عارضًا نفسه الزعيم المُخلص لـ لبنان من أزماتها والمُحافظ على قوة تياره الحُر من الانكماش أو الضعف؛ على عكس المملكة الهاشمية فهي تتعاطى كسلطة مع وضع اللاجئين مستندة بالفعل على الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي حلّت بها بسبب اللجوء وضياع فرص الاستيراد والتصدير والنقل، وأما عن نزاعات المُجتمع فنستطيع تسميتها بشعبوية قبلية تعتز بنفسها وبأصوليتها وهويتها التي تخاف أن تضيع مع الوقت بسبب وجود غيرها.

المصادر والهوامش

كتاب ما بعد الشعبوية -للباحث الألماني يان فيرنز مولر -ترجمة: رشيد بو طيب -منشورات منتدى العلاقات العربية والدولية -ص 4.[1].


[1] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.

لقراءة النص بصيغة PDF إضغط هنا.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
Close